قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الثامن عشر

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الثامن عشر

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الثامن عشر

استمر في تأمل ملامح وجهها الذي شحب كالأموات عيناها كانتا تحدقان إليه بكراهية شديدة لكنه لم يشح عينيه ولو لثانية. رن هاتفه طويلا دون أن يعيره اهتماما استمر في النظر إليها وكأنها الشيء الوحيد المهم في الوجود. كانت تبدو متستنزفة وممزقة ولم يكن قادرا على القيام بأي شيء لمواستها أي عذاب هذا؟ أي لعنة تلك التي جعلت طريقهما تتقاطع من البداية؟ ألم روحه كان شديدا حين تركته ورحلت. لكنه لم يكن ليقارن بهذا الألم الذي مزقه حرفيا وهو يتأملها جالسة هناك تحدق إليه بعينين ميتتين هذه المرة الألم مزق حرفيا كل ذرة من روحه.

أغمض عينيه للحظة وقد استبد به الوجع. لكن لماذا؟ يا إلهي! لماذا؟ ألا أستحق ولو القليل من السعادة. تلك الكلمة التي نطقها عقله جعلته يترنح بصدمة. لكن عن أي سعادة يتحدث. سخر سريعا من أفكاره واندفع خارجا مغلقا الباب ورائه. حينها فقط انهارت سيرين على الأرض مجهشة بالبكاء...
في المستشفى، .

وقف نادر من وراء الزجاج يتأمل الجسد المسجى بجمود. كل تلك الأسلاك اللعينة التي أحاطت بها جعلته يرغب بالصراخ بالتحطيم كل شيء أمامه. لقد بالغ كثيرا حين أعاد منار إلى المنزل ثم رحل. اللعنة عليه! كان يعلم كم هو خطير قرار اعادتها إلى بيته خصوصا بعد الجنون الذي كان شاهدا عليه بنفسه. رباه! ما الذي فعله؟

كان غارقا في أفكاره حين أخرجه منها صوت معاذ الذي اقترب منه محدقا بدوره عبر النافذة إلى جسد الحاجة صفية المحاط بالآلات...
- كيف حالها الآن؟ سأل معاذ مستمرا في النظر عبر الزجاج العازل لغرفة العناية المركزة.

أظلمت عينا نادر بشدة وهو يتأمل والدته. كانت تبدو هشة وضعيفة الآن. ولا يذكر مطلقا أنه رآها بمثل تلك الهشاشة يوما. ضعفها أصابه بالمرض، جعله يتذكر أشياء تمنى من كل قلبه لو ينساها إلى الأبد. قسوتها تلك كانت السبب وراء الكثير من العذاب. عذاب طال الجميع من حولها والآن كان من نصيبها هي...
لعن بصوت مكبوت وهو يزيح عينيه عنها ويعود الجمود ليسكن ملامحه.

- لا جديد. جراحها كان هنا قبل لحظات يقول أنها تحتاج المزيد من الوقت في العناية المركزة. كسور أضلاعها جعلت التهتك في رئتها يكون صعب الإصلاح قد تخضع لجراحة جديدة بعد أيام...
زفر معاذ بألم ليقول: - أنا آسف نادر.
رفع نادر حاجبه باستغراب لينظر نحو معاذ والذي كانت ملامحه بعيدة كل البعد عن الجمود. ولأول مرة كان مشاعره ظاهرة بوضوح. كان يتألم...

- على ماذا؟ رد نادر ببرود. أنت لم تكن الشخص الذي قرر إعادة منار إلى المنزل، ولا من طلب منها القيام بما فعلته...
- لكنني أنا من ساعدتك في إعادتها. لولاي لما تمكنت من إخراجها من المستشفى...
أخد نادر نفسا عميقا محاولا السيطرة على مشاعره. كانت هنالك نارا تتأجج بداخل صدره، لكن حين تكلم كانت نبرته هادئة مسيطرة كالعادة...

- صدقني لم يكن أحد ليمنعني أو ليقف في وجهي لو أردت إخراجها. ومهما كان ما حصل اليوم أنا لست نادما. منارا لا علاج لها في المستشفى أنت أدرى الناس بحالتها. وتعلم جيدا أن كل ما كنت تحاول فعله من قبل مجرد هراء...
حاول معاذ التحدث لكن نادر أوقفه...
- لا أقصد أي إهانة. لكن أنت أكثر شخص يعلم أنها ليست مريضة نفسية.
- أعلم. قال معاذ بضيق. لكنني عاجز عن مساعدتها. لا أملك الايمان الكافي لذلك...

مستمرا في تفرس وجهه كان قادرا على الشعور بما يعانيه بما يخفيه وراء قناع الجمود المتقن كيف لا وهو كان المسؤول عن معاناته في الماضي وحرمانه من المرأة التي أحب. الآن فقط يشعر بشناعة ما اقترفه في حقه وحق شقيقته. فقط لو أنه ترك الأمور دون تدخل فقط لو حاول معرفة معاذ حينها لكان تأكد من أنه كان الشخص المناسب لها وما كانت لتجبر على الارتباط بشخص مريض كعادل فقط لترضيه...

أغلق أصابعه بقوة على المقبض المعدني أمامه محاولا السيطرة على الظلام الذي عاد ليخيم على قلبه مجددا. ظن أنه لوهلة كان قادرا على التخلص منه. على أن يبدأ من جديد أن ينسى كل شيء أن يسامحها ويفتحا صفحة جديدة لسخرية القدر كان كل شيء يبعده عنها ويعيده إلى نقطة البداية. مرة بعد مرة يجد نفسه غير قادر على مسامحتها. يكرهها يلعنها بكل ذرة من روحه. ما فعلوه بشقيقته شيء قاس وحشي وهو لم يكن شخصا متسامحا في الماضي ولا يظن أنه قد سيكون يوما.

سيرين لعنة حياته وسبب عذابه. كان عليها التفكير ألف مرة قبل أن تقرر العودة إليه. الجحيم فتح أبوابه للتو ولا مفر من العذاب...
اسبانيا، .
لا شيء يستطيع تخفيف ألم رجل عاشق فقد حبيبته...
- ماذا قلت؟ سألت نادية مستمرة في النظر إلى حيث وقف زياد شاردا وحزينا ينظر إلى الشارع المظلم.

حركت أفريكا كأس النبيذ بين أناملها دون اهتمام: - أقول أن عليك أن تذهبي وتتحدثي إليه، لقد مرت ساعات وهو واقف هناك. أنت صديقته الوحيدة. هيا اذهبي! لما الأصدقاء؟ حتى لو لم تستطيعي مساعدته على الأقل لا تظلي سلبية هكذا خففي عنه لا بد وأنه حزين جدا. هيا قفي على قدميك واذهبي إليه لا تكوني باردة الإحساس. غبية!
توسعت عينا نادية غير مصدقة هل شتمتها رئيسة طهاتها للتو.

- أنت حقا لا تعرفين متى تصمتين! صرخت نادية فيها بعصبية ومن المؤكد أنك لن تغلقي فمك الثرثار إلى أن أذهب أليس كذلك؟!
حركت أفريكا رأسها مؤكدة...

أخيرا تنهدت بعدم ارتياح لتعاود النظر إلى زياد الواقف قرب النافذة وحيدا. ليس عليها التدخل فهي تعلم أنها من دفع بسيرين للعودة إلى نادر، شعور بالذنب يتآكلها من الداخل الآن، لكن لا شيء قد يغير ما حصل، سيرين تنتمي إلى نادر الآن ولكم كانت ساذجة وأنانية حين طلبت منها العودة إليه متخيلة أنها تساعدها.

في الحقيقة هي كانت تعلم جيدا أنها لم تساعد سوى نفسها وأن هذا المطعم الذي أصبح الآن لها قد قام على أنقاض صداقتها لسيرين وحب زياد الكبير...
كم كرهت إحساسها بالذنب. كم كرهت رؤيته منهارا هكذا فاقدا أي رغبة في الحياة. وكم كرهت مواساتها له بكلمات واهية لن تخفف عن طفل صغير بينما تعلم أنها سبب ألمه وحزنه.

كاذبة مخادعة أنت يا نادية! لعنت نفسها بصمت وهي تقترب منه مكرهة وعينا أفريكا عليها إلى أن توقفت أخيرا أمام النافذة التي كان ينظر منها إلى الشارع...
لم يبدو لوهلة أنه شعر بوجودها. حاولت اجلاء صوتها لتتكلم لكنه فاجئها قائلا:
- تعلمين هذا المطعم كان حلم سيرين. كانت تتحدث عنه دائما.

ابتسم دون مرح عيناه تلألأن بدموع حبيسة يعلم أنه لن يذرفها حتى لو رغب بذلك. زفر بقوة محاولا التنفيس عن الغضب المكبوت بداخله. ليضيف:
- كانت تفكر في أن تصبح طاهية. وضحك بقوة يا إلهي! كان طهوها مريعا!
. صوته كان مليئا بالألم رغم ابتسامته.
- لقد قلت لها أن طبخها مريع لكنها لم تصدقني، بقيت عازمة على المضي قدما وأنا أعرفها، كانت ستصبح طاهية مهما كلفها الأمر. وعلى الغالب كنتما ستفلسان من جديد.

- سيرين طاهية! لابد وأنك تمزح. كان البيت يصبح ساحة معركة حين تقرر الطبخ
ابتسمت نادية وهي تتذكر تلك الأيام يخيل لها أنه مرت سنوات طويلة منذ أن رأت سيرين آخر مرة.
- لقد كانت فتاة صاخبة ومرحة جدا. أنا آسفة.
رفع زياد حاجبه باستغراب. راعه منظر نادية والتي انفجرت فجأة بالبكاء كطفلة صغيرة...
- كان خطئي منذ البداية. ما كان علي تشجيعها على الذهاب. أنا آسفة زياد، أنا آسفة حقا...

سحبها زياد إليه سامحا لها بالبكاء على صدره. كان يعلم أنها تشعر بالذنب واللعنة كم كان يريد ضربها حين أخبرته أنها كانت من شجعها على الذهاب. لكنه لم يعد حانقا ولم يعد نادما أيضا. ندمه الوحيد أنه لم يخرجها من تلك المستشفى ولم ينقذها من نادر. لكن هذه لن تكون النهاية. للجحيم لا. سيعيدها إليه مهما كلفه الأمر.

لحظات طويلة مرت وهو واقف هناك كالصنم لا يعلم ما الذي عليه أن يفعله. هل يدخل هل يستطيع أن يواجه ذلك الشر القابع هناك وحيدا. الشيخ الفيزازي حذره كثيرا من مغبة الدخول هناك. ناشده أن يهدأ وأن يسمح له بالمحاولة. كان يدخل إليها لإطعامها حتى لا تموت جوعا. يحاول طرد الشر الذي يسكنها. لكن لم يتركه يراها ولو لمرة واحدة وكأنه كان خائفا عليه مما يمكن أن يصادف بالداخل.

لكن اللعنة لقد مر أسبوع منذ آخر مرة لمحها، يريد أن يراها، أن يعرف كيف هي. قلبه يتمزق حرفيا من مجرد التفكير في أنها تعاني هناك. يسمع صراخها حين يكون الشيخ الفيزازي بالداخل يعلم أنها تتعذب كثيرا ولم يكن لديه الشجاعة للدخول وإيقافه. كل يوم يحاول أن يستجمع شجاعته المفقودة مندفعا نحو ذلك الباب. لكن ما أن يصل حتى يجمده الخوف ويشل جسده ليتوقف محدقا في الباب المغلق لساعات...

كان شاردا جدا. عيناه تتلألأن بدموع حبيسة لأول مرة في حياته يشعر أنه عاجز وغير قادر على حماية من يحب. في الماضي لم يكن الخوف ولا تهديدات نادر من جعلوه يبتعد عنها. كانت فتاة غنية جدا لم يملك سوى قلبه ليقدمها لها. ظن أن ارتباطهما لن يكون سوى ضرب من الجنون وأن كل الحب الذي كان يلمحه في عينيها سيتبخر ما أن يصطدم بأرض الواقع. واقع أنه ليس لديه أي شيء يقدمه لفتاة تملك كل شيء هل كان حبه ليكون كافيا. زفر بألم وشعور بالضياع يتملكه. تلك الأسئلة التي ظلت ترواده لسنوات حتى بعد موت عادل كانت كالقيد حول عنقه. هو لن يعرف مطلقا إجابة هذا السؤال فحبيبته منار قد اختفت. ضاعت من بين يديه. حين يحدق في عينيها الان. لا يرى سوى ذلك الكائن المظلم يسخر منه ومن جبنه. لقد ضاعت منار إلى الأبد...

تبا لك أيها الجبان! صرخ معاذا مسددا لكمة للحائط. هل هذا ما أصبحت عليه كائن ضعيف خائف وخانع!
زفر بعنف ويده تتوقف على مقبض الباب. أخير فتحه ليقابله الظلام. لكن حتى الظلام لم يعد يخيفه. فهو بالفعل خسر كل شيء ما عاد هنالك شيء ليخيفه أو يخسره بعد الآن...

جالسة تتأمل البحر بهدوء نسمات البحر تتلاعب بشعرها المنسدل بينما يدها تداعب بطنها برفق. شعور غريب تملكها منذ أن استيقظت على كابوس وجودها مع نادر من جديد. حقيقة استسلامها له بكامل ارداتها كانت كنصل حاد اخترق قلبها ليمزقه ببطء شديد. لقد خانت عهدها لوالدها. خانت آخر وصية له بأن تهرب بعيدا ويشهد القدير أنها حاولت الهرب مرارا لكن وككل مرة تتلاقى دروبهما من جديد. هذه المرة كانت عازمة على الرحيل بكل ما تملك من قوة. لن تعود إليه مهما فعل ومهما توسل. أن تعود إليه هو محض جنون مطلق مستحيل أن يجمعهما شيء حتى هذا الطفل الذي لم يتوقف عن ركلها بقوة منذ أن قررت الخروج من السجن حيث وضعها...

كانت فكرة عبقرية فعلا حين اتصلت بحارس العمارة مدعية أنها فقدت سلسلة مفاتيحها واحتجزت بالداخل. فكرة بسيطة جدا لدرجة أنها لم تصدق أنها قد تجدي نفعا لكن لما لا بعض الأفكار البسيطة تكون هي الحل. لا داعي للنظر بعيدا كل ما احتاجته هو صوت باك وكلمات مؤثرة جعلت الحارس يفتح لها الباب بل ويحضر لها مفتاحا احتياطيا وهكذا خرجت من سجنه نحو الحرية دون نظرة إلى الوراء.

كان عليها فقط أن تستجمع قوتها لتقوم بذلك الاتصال الذي انتظر طويلا. خجلة هي من نفسها تشعر بالعار لما اقترفته في حق انسان بنبله. يال وقاحتها للاتصال بالرجل الذي كان مستعدا منذ وقت قصير بأن يمنحها قلبه واسمه! كيف لها أن تطلب مساعدته؟ بل كيف لها أن ترد دينه بعد كل ما فعلته؟
تنفست بقوة قبل ان تحمل الهاتف الصغير الذي اشترته منذ قليل ركبت الأرقام بيد مرتعشة وانتظرت الرد...
في شقة أمين، .

تنهدت سارة وهي تعيد ترتيب الفوضى التي كانت تعم المكان. كالعادة حال عودتها من المستشفى لم تتفاجئ وهي تشاهد كل تلك الأشياء المرمية على الأرض...

الأثاث الممزق والتحف الملقاة وقد تهشمت تماما. يخيل للوهلة الأولى أن زلزالا قد ضرب المكان. لكن هي تعلم جيدا أن هذا الزلزال لم يكن سوى أمين، هي تعودت على ذلك منذ الأسبوع الذي قررت فيه تركه والعودة إلى منزلها. لم تستطع تقبل وضع غريب كالذي عرضه عليها رغم محاولاتها الشديدة. كبريائها كان أكبر حتى من حبها اليائس لشخص مثله.

منذ رحيلها الوضع أصبح جنونيا. أمين لم يعد نفس الشخص الذي عرفته في الماضي يكفي أن تنظر إلى عينيه تلك العينين أصبحتا مصدر خوفها الشديد. ظلام مخيف أصبح يطل منهما منذ أن قرر الاعتكاف في غرفة مكتبه رافضا أي اتصال مع العالم...

لكنها كانت تعود كل مساء رغم خوفها تعيد ترتيب كل شيء تطبخ له الطعام. رغم كل مخاوفها ورعبها والهواجس التي بدأت تزحف إلى عقلها كل مرة تعود وهي تشعر بجلدها يقشعر برودة تسري في أطرافها ما أن تخطو إلى داخل الشقة. وكأن الهواء كان مشحونا بذبذات غير مرئية. مع كل حركة لها تشعر بوجود من يشاركونها المكان دون حتى أن تراهم لكنه لم يكن يخرج من باب غرفته حين تعود ولا كانت تملك الشجاعة لاقتحام عالمه بعد الآن. حركت رأسها محاولة أن تنفض عنها الأفكار البلهاء. أياً ما تشعر به في هذا البيت ناجم عن التوتر. هي متوترة للغاية هذا كل ما في الأمر والتعب الشديد من العمل يجعل عقلها يفكر في أشياء غير موجودة. أقنعت نفسها بحزم محاولة التركيز فيما كانت تفعله.

كانت قد انتهت للتو من ترتيب المكان. ستتجه إلى المطبخ لترتب الأغراض التي أحضرتها وتعد الطعام كما تفعل كل مساء لترحل بعدها. لم يكن يخرج من مكتبه حتى ليودعها. في آخر لقاء لهما حين أخبرته بقرارها. نظر نحوها بخواء. عيناه لم ترمشا وهو يشير نحو الباب ليقول بهدوء و صوت بارد:
- ارحلي ولا تعودي!
لكنها عادت وستعود لا لشيء سوى أنها لا تستطيع فعل شيء سوى العودة إليه ولا تستطيع العيش دون أن تحبه...

يا إلهي أي غباء هذا يا سارة! أي عقل هذا الذي يجعلك تفكرين بشخص لا يهتم بك! تبا لك من فتاة غبية! صرخت بألم
شعرت الآن أنها فعلا لم تعد تتخيل هنالك شيء غريب قشعريرة سرت بكامل جسدها لتشلها رعبا. هنالك فعلا من يشاركها المكان. أغمضت عينيها محاولة استجماع قوتها لتدير رأسها. وتشل حواسها من الصدمة والرعب...

كان يتحرك في الشقة كوحش أطلق صراحه للتو. لا يدري ما الذي عليه أن يفعله أمسك رأسه محاولا التفكير دون جدوى الغضب كان يعميه، كان الحارس يحاول شرح سبب تدخله وفتح باب الشقة دون إذن. لكن يشك فعلا أنه قد سمع حرفا واحدا مما قاله. حالما عاد ليصدم باختفائها. نيران الكراهية تأججت بداخل صدره. فرغ غضبه على الأثات مكسرا كل ما تصل إليه يداه. لكن حتى هذا لم يجعله يهدأ. على العكس تماما كان يشعر بأن جسده يحترق. حتى الهواء يرفض أن يدخل رئتيه حقد دفين عاد ليستوطن روحه. ذكريات من يوم زفافهما عادت لتفتح أشد جروحه وجعا. وهو يفتح باب غرفتها ليجدها قد رحلت تاركة ورائها فستان عرس لم تفكر أن تضعه على جسدها حتى. وقصاصة يتيمة لم تكلف نفسها عناء الاعتذار فقط عبارة واحدة: لقد رحلت إلى الأبد لا تبحث عني،.

اللعينة فرت مجددا! تبا!، صرخ بجنون ليركل الطاولة أمامه بقوة جعلت الحارس يرتجف عائدا خطوات الى الوراء وهو يرى الجنون الذي تملك نادر...
لدقيقة ظل واقفا يتنفس محاولا السيطرة على غضبه. حين التفت أخيرا عيناه كانتا قاتمتين. حدق إلى الحارس ليقول ببرود مخيف:
- قلت أنك فتحت الباب لها وسمحت لها بالمغادرة. صحيح؟
ابتلع الحارس ريقه وهو ينظر إلى الغضب البارد الذي كسى ملامح نادر ليقول بتلعثم:.

- سيدي أنا آسف. زوجتك اتصلت بي وقالت أنك قد غادرت قبل أن تستيقظ، وهي لم تجد المفتاح وتريد الخروج.
- أحقا! قال نادر بنبرة خطرة وأنت صدقتها؟
- قالت أنها اتصلت بك مرارا لتخبرك دون جدوى.
- لما لم تتصل بي حينها؟
- لقد حاولت لكن الخط فعلا كان مشغولا وهذا ما جعلني أفتح لها وأعطيها المفتاح الاحتياطي. أنا آسف...
كز نادر على أسنانه بغيض ليدفع الحارس من أمامه.
- ستكون فعلا آسفا حين انتهي منك!

حتى وهي جالسة أمامه تحتسي فنجان قهوتها بصمت لم يكن قادرا على تصديق أنها سيرين حبيبته. تلك التي رحلت عنه منذ شهور. بدت مختلفة وعلامات الحمل بادية عليها. لكن كانت فاتنة للغاية حتى وهو يعلم أنه ليس له الحق في أن يحدق نحوها بتلك الطريقة على الأقل ليس وهي زوجة رجل آخر. لكن ما الذي عليه فعله قلبه الغبي يحبها بجنون لا يستطيع العيش بدونها. لا يصدق حظه. هذا الصباح وهو يرى اتصال من المغرب رقما غريبا لم يعرفه لوهلة لم يكن ليجيب لكن إحساسا غريبا تملكها جعله يفتح الخط لتخرسه المفاجئة لقد كانت هي، هي بالفعل حبيبته سيرين...

لحظات مرت وهي تتكلم خيل إليها أنه لم يسمعها أو أنه يرفض مكالمتها. أخيرا تمكن من الرد بصوت مرتعش:
- سيرين. أهذه حقا أنتِ؟
لم تحتج لتقول المزيد كان على أول باخرة متجهة نحو طنجة. للقائها...
والآن وهي جالسة أمامه وهواء البحر يحرك شعرها الذي أصبح مسترسلا على كتفيها يشعر أنه لازال في حلم جميل يخشى أن يستيقظ منه على واقع مر...

لكن اللعنة! هذا ليس حلما إنها بالفعل هنا أمامه. هذه المرة كان القدر رحيما به ليعيدها إليه هو الذي كان يتمزق من الغيرة والألم منذ أن فتحت عينها في المستشفى ليصدم بواقع أنها لم تعد تعرفه على الإطلاق. ثم صدمة رحيلها المفاجئ...
لكن كل هذا ليس مهما الآن. هي الآن معه ولن يتركها مجددا مهما كلفه الأمر...

ظلت سيرين تحدق في كوب القهوة أمامها غير قادرة على رفع رأسها لمواجهته. كيف ستواجه زياد بعد كل ما فعلته؟ أي وقاحة هذه التي تمتلكها لتطلب المساعدة بعد كل ما سببته من ألم؟ رفعت رأسها مرغمة إليه محاولة التحدث لتموت الكلمات على شفتيها...
كان يحدق إليها بتلك النظرات التي طالما ألهبت وجهها. نظرات رجل عاشق. هل لا زال يرغب بها بعد كل ما حدث...
بللت شفتيها محاولة التحدث. لكنه أوقفها: - سعيد أنك بخير...

ماذا؟! نظرت إليه وقد ألجمت الصدمة لسانها. هل يخيل إليها أم أنه يتحدث وكأن شيئا لم يتغير وكأنها لم تقم بخيانته منذ شهور. يبدو الأمر مدعاة للسخرية كيف لها أن تخونه وهي بالفعل متزوجة من رجل آخر. لكن تلك هي الحقيقة منذ أن تركت نادر منذ 4 سنوات. مقررة دفن الماضي والتطلع لبداية جديدة. زياد كان الإنسان الذي صادفته ليصبح نصفها الآخر. هي من منحته أملا ليحلما بمستقبل مشترك وهي من دمرت كل شيء بغبائها...

في ظروف أخرى هل كانت لتسامحه لو خانها كما فعلت هي. أكانت لتجلس مبتسمة كما يفعل الآن لتسأله بكل بساطة عن أحواله. أي قلب هذا الذي تملكه يا زياد؟
حاولت ألا تبكي. أن تبقى قوية وهي تنظر إليه، لكن دموعها خانتها وانسابت على وجهها. رغم محولاتها المستميتة لتبقى قوية. شجاعتها خانتها تشعر بأنها منهكة متعبة من محاولة التظاهر بالقوة...

شعر زياد بأن قلبه انتزع من مكانه وهو يرى دموعها كان يفضل الموت على أن يراها تتعذب. أخرج من جيب سترته منديلا حاول به مسح تلك الدموع التي أحرقت قلبه لكنها منعته. حاولت الابتسام وهي تقول:
- لا تفعل زياد. أشعر أن دموعي تفتقد للانضباط بما أنها تجدك دائما لتمسحها.
عيناها كانتا مليئتين بالذنب وهي تنظر إليه...

تنفس بعمق ساحبا الهواء إلى رئتيه. الموقف كان أصعب ألف مرة من كل ما تخيله. سيرين حبيبته التي لم يرغب بشيء في الحياة أكثر من الارتباط بها. كانت قد تغيرت كثيرا. اختفت تلك الابتسامة المشرقة التي خلبت لبه وانطفأ بريق عينيها الساحرتين.
يخيل إليه أنه يعيش كابوسا لا ينتهي. نادر هذا لم يكتفي بما فعله بعائلتها في الماضي. يكفي لينظر إلى ملامحها ليعرف كم عانت على يديه.

تبا! شتم زياد من بين أنفاسه. نهض سريعا ليسحبها ورائه...
عينا سيرين كانتا تنظران نحوه باستغراب. لا تفهم سبب هذا التغير المفاجئ...
- لكن إلى أين سنذهب؟ احتجب بخفوت
- إلى أين تظنين سنذهب؟ إلى البيت. علي الاهتمام بك. قال مشيرا إلى وضعها الجديد
البيت؟ وهل تملك هي بيتا نظرت إليه بدهشة. هي لم تعد تملك أي شيء حتى متعلقاتها الشخصية اختفت.

حاولت الشرح لكن زياد لم يكن في مزاج لسماع المزيد. لم يتوقف سوى ليفتح لها باب سيارته ليساعدها برفق ويقود متجها إلى بيته...
في فيلا نادر، ...
حالما وطئت قدما معاذ غرفة عادل القديمة. أقفل الباب فجأة وكأن تيارا هوائيا مر بجانبه. ابتسم بسخرية. لم يكن خائفا هذه المرة وكأنه تعود على مثل هذه الأفعال فلم تعد تثير خوفه. لقد جاء اليوم وحيدا ليضع حد لمخاوفه ويصفي حسابه...

وكأن هذا الكائن المظلم الذي يستوطن جسد حبيبته أصبح غريمه الجديد. وإلا فعلى من سيصب هذا الغضب الجامع الذي يكتم أنفاسه. الأمر مضحك ومربك في نفس الوقت لم يعد هنالك غير هذه الروح القذرة لينتقم منها بعد أن رحل السبب اللعين لمعاناته...
للحظة كانت الرؤيا معدومة أمامه لكن ما أن تعودت عيناه على الظلام حتى أصبح قادرا على تمييز الجسد الواقف في أحد الأركان دون حركة.
- منار؟ قال معاذ بنبرة متوترة.

لم تجب، ظل الصمت مخيما على الغرفة.
احساس بالمرض تملكه. يشعر بالضيق يتسلل إلى صدره، ضغط هائل يمنعه من التنفس وكأه قفصه الصدري يسحق...

عاد خطوتين إلى الوراء مسندا جسده المترنح إلى الحائط محاولا إلتقاط أنفاسه. يده تتحرك عشوائيا في بحث عن قفل النور. أخيرا وجده. ازدرد ريقه بصعوبه الهواء أصبح حارا ورطبا وكأنه بداخل حمام بخار. فتح الأنوار ليعم الضوء أخيرا. رفع رأسه لينظر أمامه. ما شاهده كان أغرب من الخيال...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة