قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل التاسع عشر

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل التاسع عشر

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل التاسع عشر

في فيلا نادر، ...
توقف قلب معاذ وهو ينظر إلى المشهد الغريب أمامه.
مستحيل! يا إلهي! هذا مستحيل!
فرك عينيه بقوة محاولا فهم ما يجري. عقله يعجز عن تفسير ما يراه أمامه.
يا الهي مستحيل!
كان عادل يحدق إليه بملامح جامدة بينما جلست منار إلى جانبه بهدوء. كانت تبدو هادئة للغاية وكأنها واقعة تحت تأثير تعويذة قوية.
ابتلع معاذ ريقه. حاول أن يتكلم لكن حباله الصوتية أبت أن تساعده فظل ينظر أمامه محركا رأسه بذهول.

أخيرا تكلم عادل بهدوء لتزداد صدمته.
- أعلم أنك متفاجئ جدا أيها الطبيب. فغالبا لا يعود الموتى للحياة بعد أن نجز رقابهم، أليس كذلك؟
حدق معاذ إليه بملامح شاحبة قبل أن يبتلع ريقه ليقول: - مستحيل! لا يمكن أن تكون هو. من أنت؟ صرخ معاذ.

- ألم تتعرف علي إلى الآن؟ حتى بعد كل هذه السنوات لست قادرا على معرفة غريمك الحقيقي حتى وأنت تنظر في عينيه مباشرة! حسنا سأعطيك تلميحا بسيطا أنا الرجل الذي أخذ حب حياتك منك. حرمك منها ثم أعادها إليك مجنونة، وهو نفسه الذي سيقتلع روحك اللعينة من جسدك اليوم، هل عرفتني الآن؟
- لكن كيف؟ قال معاذ وعيناه تنظران نحو عادل بصدمة.

- حسنا إنها قصة طويلة ومملة للغاية. لكن لما لا، قال وهو ينظر إلى جدران الغرفة وابتسامة شيطانية تعلو ملامحه. الوقت هو كل ما أملكه، انتظرت طويلا ومستعد للانتظار بعد...
نظر نحو منار التي كانت عيناها متوسعتان للغاية قبل أن يطرق بأصابع يده أمامها...
- حان وقت العرض صغيرتي...

في تلك اللحظة علا صراخ منار لتتحول عيناها إلى اللون الأسود الداكن ويتحول صوتها لصراخ مرعب نفس الصوت الذي قض مضجعه لشهور. رفعت رأسها نحو عادل محدقة إليه بكراهية شديدة كان صوتها مرعبا للغاية لكن عادل لم يبد عليه الخوف أو التأثر وهو ينظر إلى الكائن القابع بداخلها وكأنه يراه فعلا قبل أن يضحك باستمتاع:
- أرى أنك اشتقت إلى...

قال عادل مكملا حديثه بلغة غريبة. جعلت الكائن بداخل منار يصرخ بقوة وكأنه يتألم. صرخ الكائن واضعا يداه على أذنيه وكأن تلك الكلمات تعذبه...
أخيرا سقطت منار على الأرض جسدها يتقوس بطريقة غريبة عيناها تحدقان لعادل بنظرات قاتلة ليصرخ الكائن مرة أخرى بعادل:
- اللعنة عليك لن تأخذها إلا بموتي. أنا أعشقها اتفهم لن اتركها!

تنهد عادل بملل ليقول: - ربما علي تحقيق أمنيتك. لكن ليس الآن، وليس بهذه سهولة. أعدك أنني سأجعلك تتوسل الموت زاحفا على ركبتيك لما فعلته.
- لا! صرخ الكائن بقوة وكأن روحه تغادره. مستحيل أن أسمح لك بسلبها مني، سنوات طويلة وأنا أحميها. فعلت المستحيل لأحصل عليها إنها لي الأن! لي أنا! لن أتركها لك أبدا أيها الشيطان!

ابتسم عادل بسخرية وكأن كلمات الكائن وصراخه يطرب أذنيه أخيرا تحولت ابتسامته إلى تكشيرة مرعبة. احمرت عيناه بقوة وهو يمسك شعر منار ليسحبها وسط الغرفة وهي تقاوم. كان معاذ ينظر إليه بصدمة عيناه كانتا مخيفتين للغاية وكأن نارا تتأجج بداخلهما حدق نحوه برعب شديد. وقبل أن يفهم ما الذي يفعله كانت يد عادل الممسكة بشعر منار تسحبها ليرمي بها وسط دائرة كبيرة مرسومة بلون أحمر توسطتها نجمة سداسية والتي بدأ لونها يتوهج بينما صراخ الكائن يعلو ليصم أذنيه. وفي لحظة خرج من الوهج كائنين غريبي الشكل ضخام الجثة مرعبين للغاية اقشعر جلده فقط من مجرد التحديق إليهما. لا يظن أنه شعر في حياته بمثل هذا الخوف الذي انتابه الآن جسده يرتعش. لكنهما لم ينظرا إليه حتى. تركيزهما كان مقتصرا على عادل وكأنهما ينتظران أوامره. تكلم هو بصوت غريب ولهجة أغرب جعلتهما ينحنيان احتراما له قبل أن يتحركا نحو منار ليمسكا بذراعيها وسط مقاومتها الشديدة وصراخها المرعب وقبل أن يستوعب ما الذي يحدث...

- أراك قريبا...
قال عادل مبتسما. عينا منار نظرتا إلى عادل نظرة غريبة يخيل إليه أنه رأى الحزن فيهما. قبل أن تتوهج الدائرة مجددا بينما اهتزت جدران الغرفة بقوة وكأن زلزلا ضربها. استمرت الدائرة بالتوهج والصوت يعلو دخان كثيف تكون في تلك اللحظة مانعا معاذ من رؤية ما يحصل حين انقشع الدخان أخيرا كانت منار على الأرض فاقدة للوعي، بينما اقترب عادل يحملها. حدق الى ملامحها ليقول بابتسامة ساخرة:.

- وأخيرا بعد كل هذه السنوات. اللعنة كم اشتقت إليك!
في منزل أمين، .
التفت سارة بقوة بعد أن شعرت بوجود من يشاركها المطبخ لتفاجئ به واقفا في آخر الغرفة ينظر إليها بجمود. رمشت مرات عديدة لتبتلع ريقها برعب. عيناه كانتا باردتين لا روح فيهما ظلت تنظر إليه غير قادرة على التحرك فاجأها حين مشى مقتربا منها بينما عادت هي إلى الوراء ليصطدم جسدها بحافة المغسلة...

شعرت وكأنها فأر وقع في الفخ. لم تستطع التحرك وهي تراه مستمرا في الاقتراب بخطوات هادئة إلى أن وصل بمحاذاتها، أغلقت عينيها بقوة جسدها يرتعش لا اراديا، لكنه لم يقترب منها كما كانت تظن بل تجاوزها دون مبالاة ليفتح احدى الخزائن بجانبها ساحبا كأسا ليصب له بعض الماء دون أن ينظر نحوها. حين انتهى أعاد الكأس إلى مكانه وهم بالخروج قبل أن يوقفه صوتها المرتعش:
- إلى متى ستستمر في تجاهلي أمين؟

ظل أمين معطيها ظهره للحظات كانت تشعر بأنه يحاول السيطرة على غضبه. رباه! هي لا تعرف حتى لما هو غاضب منها. ما الذي فعلته لتجعله حانقا إلى هذه الدرجة...

أخيرا التفت أمين لينظر إليها بعينين محمرتين من الألم ليصرخ فيها بحدة: - لما أنت غبيبة إلى هذه الدرجة؟ لما لا ترحلين مادام لديك فرصة لذلك؟ هل تريدين الموت هل هذا ما ترغبين به سارة؟ اللعنة! أنت لا تعرفين أي شيء عني! لما لا تغربين عن وجهي وتكفين عن ملاحقتي! أنا لم أعد راغبا بك!

انتحبت سارة ونزلت دموعها غزيرة على وجهها. رغم كل الصدود الذي واجهته منذ سنوات هي لم تكف عن حبه، قلبها كان متعلقا به لدرجة أنها كانت قادرة على التغاضي عن كل أخطائه حتى جرمه في حق سمر...
ابتلعت ريقها محاولة الدفاع عن موقفها وسبب وجودها في بيته رغم طرده لها، لكنه أوقفها بيده...

كان يضغط على صدغه بقوة وكأنه يحاول ايقاف عقله عن التفكير. عروق رقبته ظاهرة من قميصه المزرر بعشوائية دلت على أنه لم يكن ينام مطلقا. لأول مرة تنتبه سارة إلى هيئته لقد كان مختلفا تماما عن الشخص الذي عرفته لسنوات. أمين الماثل أمامها كان بعيدا جدا عن الرجل المغرور المحب لذاته. حدقت بوجهه الذي ظهر فيه الألم واضحا وكأنه لم يعد قادرا على ارتداء قناع الجمود...

أخيرا سقط القناع وانهار أمين واضعا رأسه بين يديه ليقول بصوت مليء بالألم:
- أنا لست شخصا جيدا سارة. عليك الابتعاد عني مادام لديك الفرصة لذلك...
لا تعلم لما شعرت بأن تحذيره هذه المرة كان حقيقيا، ألم عميق عصر قلبها وهي تنظر إليه. هل كان فعلا يحاول ابعادها عن حياته حتى بعد كل ما تقاسماه؟ هل كانت غزوة جديدة ضمن غزوات أمين الكوهن التي لا تنتهي؟

ألم كبير أحرق روحها. عيناها تنظران إليه دون تصديق. حاولت أن تتكلم لكن الكلمات ماتت على شفتيها. ما الذي بقي ليقال...
حدقت إليه بينما الدموع بدأت تسيل بغزارة من عينيها لتندفع خارجا ساحبة حقيبة يدها لتخرج من منزله هذه المرة دون عودة.

حين صفق الباب بقوة. رفع أمين رأسه أخيرا، كانت الدموع تنزل من عينيه دون شعور. لقد جرحها، أذاها بما قاله. لكن هذا كان أفضل للجميع. وحش مثله لا يستحق أن يعرف الحب يكفيه ما حصل مع سمر في الماضي، لن يستطيع احتمال أن تسلب روح أخرى بسببه...
وقف لدقائق ينظر أمامه يحدق في الفراغ لتنتابه نوبة غضب جعلته يكسر كل شيء أمامه وهو يصرخ بجنون:
- عليك اللعنة عادل! عليك اللعنة أيها الحقير!

في فيلا نادر: اختفى الدخان أخيرا. تاركا ورائه جسد منار الملقى على الأرض بسكون. كان عادل ينظر نحوها وكأن ما حصل أمر طبيعي أخيرا انحنى ليحملها بخفة نحو السرير ليضعها عليه برقة. أزاح خصلات شعرها عن وجهها متأملا ملامحها الهادئة وظهرت ابتسامة ساخرة على وجهه. يال العار! بعد كل هذه السنوات مازال قلبي ينبض لها بنفس الطريقة التي نبض بها منذ أول يوم لمحها فيه...

انهار جسد معاذ أخيرا من هول الأحداث المتسارعة ليسقط على الأرض ينظر إلى عادل الذي كان يبدو عليه الانشغال التام بتأمل بمنار وكأنه أهم شيء في الوجود...
كان يحاول استيعاب ما يحدث، هل عادل حي؟ ألم يمت؟ ألم تقتله منار بيديها؟ يا الهي! ضغط على رأسه بكلتا يديه محاولا ايقاف الألم المريع الذي بدأ يعصف بعقله. لابد أنه كابوس، أنا أحلم. هذه ليست حقيقة، كان يحرك رأسه بعنف وكأنه غير قادر على احتمال ما يراه...

أخيرا استجمع رباطة جأشه محاولا التحدث إلى عادل. لكن ما أن حاول الكلام. حتى فتح الباب بقوة ليظهر الشيخ الفيزازي والذي ما أن راى عادل حتى تشنج من الصدمة...
رفع عادل رأسه لتتلاقا عيناه بعيني الشيخ الفيزازي لتعلو ملامحه نظرة مميته. النظرة التي اعتلت وجهه كانت مرعبة للغاية. ابتلع الشيخ الفيزازي ريقه بصعوبة وهو ينظر إلى الرجل الماثل أمامه. قبل أن يرفع صوته بتلاوة المعوذتين...

ظل معاذ ينظر نحو الشيخ الفيزازي دون أن يستوعب. لقد غادر الوحش جسد منار لما يا ترى كان يقرأ القران وجسده يرتعش. أجيبت تساؤلاته سريعا حين صم أذناه صوت صراخ مرعب كان كفيلا بايقاظ الموتى من قبورهم. التقت عيناه بيعيني عادل المخيفتين وتجمد من رعب ما رآه. كان الجحيم يستعر داخل تلك العينين...

مستحيل أن يكون عادل هو من يقف هناك. ذلك الكائن كان مرعبا بدرجة لا توصف عيناه كانتا تشتعلان بينما هسيس صوته جعل جسد معاذ يرتعد رغما عنه...

تكلم عادل أخيرا بصوت مخيف ولغة غريبة لم يفهمها سوى الشيخ الفيزازي الذي رد عليه بنفس اللغة، قبل أن يصرخ الكائن مرة أخرى بغضب اكبر وكأن كلام الشيخ الفيزازي يغضبه. بدأت الغرفة تتحرك مجددا. تشبث معاذ بالجدار محاولا الوقوف بينما ركض الشيخ الفيزازي نحو منار وكأنه علم بنية الكائن ليبدأ بتلاوة آيات مختارة من القرآن الكريم جعلت الكائن أشد غضبا وتوحشا. لكن رغم قوته الهائلة شيء ما منعه من الاقتراب من الشيخ الفيزازي أو التحرك نحو منار وكأن هالة من الطاقة أحاطت بهما معا. أخيرا نظر الكائن إلى منار واسودت عيناه غضبا ليعود و يرمق الشيخ الفيزازي بنظرة مرعبة. ليقول:.

- تظن أنك قادر على ابعادها عني؟ الموت لن يبعدني عنها هذه المرة! سأعود وسأقتلع قلبك وقلب كل من يتجرأ على الوقوف في وجهي!
فجأة ودون سابق انذار توهجت الدائرة مرة أخرى وسط الغرفة ليختفي فيها عادل ويظل معاذ والشيخ الفيزازي شاخصي البصر من هول ما كانا شاهدين عليه...
في مكتبه، .

وضع نادر ذراعه على عينيه معيدا جسده إلى الوراء. لقد كان فعلا متعبا لم ينم منذ أيام جسده يؤلمه والتفكير بما حصل يحرق عقله لا يصدق للآن أنها فرت منه. بعد كل تلك السنوات من التخطيط والعمل ليعيدها هاهي ترحل مجددا وهذه المرة لم تفر وحيدة اللعينة أخذت طفله أيضا. تبا! هذه المرة سيجعلها تدفع ثمن استغفاله غاليا. وغاليا جدا...
رن هاتف مكتبه مرات عديدة قبل أن يرفعه كانت مديرة مكتبه تخبره عن وصول زائر...

دعيه يدخل قال نادر بجمود: حين دخل المحقق الذي استأجره نادر للبحث عنها كان قد استعاد سيطرته على نفسه نظر إليه بملامح جامدة قبل أن يسمح له بالجلوس.
حرك المحقق رأسه باحترام قبل أن يجلس واضعا مغلفا على مكتب: - هذه هي التحريات اللي طلبتها سيدي...

رفع نادر المغلف من على المكتب ليفضه بهدوء عيناه تتحركان على الأوراق أمامه. أخيرا اشتعلت عيناه بغضب وهو ينظر إلى الصور التي التقطها المحقق. كانت هي سيرين زوجته برفقة رجل آخر. هذا الرجل لم يكن سوى غريمه الأوحد زياد. لعن بصوت مكتوم عاصرا فكه بعنف محاولا كبت الغضب الشديد الذي هدد بالخروج دون جدوى. كان يغلي نظرة إلى الصور أمامه وهو يرى الطريقة التي كان زياد يعاملها بها جعلته يرغب في قتلها. اللعينة رحلت عنه لتعيش مع عشيقها. جينات الخيانة تجري في دمها اللعين...

لاحظ المحقق نظرات الغضب التي كست ملامح نادر ليقول: - أرجو أني لم أرتكب أي خطأ سيدي.
- لا على العكس. قال نادر كازا على أسنانه. استمر في مراقبتهما إلى إشعار آخر...
- فهمت. قال المحقق محركا رأسه باحترام لينهض مغادرا
أوقفه نادر ليقول: - هل أحضرت المعلومات التي طلبتها آخر مرة؟
- أجل سيدي كل المعلومات التي طلبتها موجودة في الملف.
حرك نادر رأسه صارفا المحقق بيده ليعيد التركيز على محتويات الملف باهتمام بالغ.

في منزل زياد، .
يكفي قالت سيرين هامسة ووجهها يحترق من الخجل بينما وضع زياد المزيد من الطعام في صحنها غير عابئ باعتراضها أو بنظرات الامتعاض في عيني الخدم.
- يجب عليك أن تتغذي، تحتاجين لغذاء متوازن
- أحتاج لغذاء متوازن لا لأن أصبح حوتا.

اعترضت سيرين مازحة نظر اليها زياد والابتسامة لا تفارق وجهه. لقد عادت إليه، عادت سيرين القديمة التي عشقها منذ أربع سنوات كانت تتحدث تبتسم والأهم أنها كانت إلى جانبه لم يعد يهتم بأي شيء حقا منذ أن شعر بإمكانية فقدانها، منذ أن رآها ممدة بلا حياة في المستشفى، منذ أن تخيل لجزء من الثانية أنه قد يفقدها إلى الأبد...

كل الأشياء التي فعلتها ومن ضمنها العودة إلى نادر لم تعد مهمة. كل ما يهم الآن أنها معه آمنة وسعيدة، وهذا ما سيضمنه لها لآخر يوم في حياته.
لقد أخذ اجازة طويلة للاعتناء بها. وهذا ما يفعله منذ تلك اللحظة...
كان بعيدا بأفكاره أعاده إلى الواقع صوت رنين هاتفه. انتبه أخيرا أنها توقفت عن الأكل لتحدق إليه بملامح متسائلة...

ابتسم لها رافعا الهاتف ليجيب: - إنه عدنان لا بد وأنه يتصل. لتذكيرنا بموعد الفحص الدوري...
- حسنا. قالت سيرين وهي تنهض ببطئ. سأذهب لأستعد...
في المستشفى، .
- كل شيء على ما يرام.
قال عدنان مخاطبا سيرين التي كانت تنظر نحو الشاشة بذهول لا تصدق أنها تنظر إلى ملامح طفلها بذلك الوضوح. حركت يدها لتلمس الشاشة بينما انسابت الدموع من عينيها.

يا الهي! لأول مرة منذ وقت طويل جدا تشعر بمثل هذه السعادة. تجربة الأمومة، الشعور بطفلها وهو يتحرك جعلتها ترغب بالبكاء والضحك معا...
- لابد أنني سأصاب بالجنون!
ابتسم عدنان بتفهم وهو يتحرك نحو مكتبه: - كل الأمهات اختبرن ما تشعرين به الان سيرين. أنت فقط أوفر حظا لاحتفاظك بهذا الحمل بعد كل ما مررت به...
نهضت سيرين من على سرير الفحص الضيق لتبتسم لعدنان بامتنان.
- شكرا جزيلا عدنان...

رفع عدنان حاجبه باستغراب. هذه المرة الوحيدة بين كل المرات التي أتت فيها تقوم بشكره...
- لا داعي للشكر...
قال وهو يعيد اهتمامه لوصفة الأدوية التي كان يقوم بتدوينها.
- أعني أشكرك لاتصالك بزياد حين كنت في أمس الحاجة إلى المساعدة. لولاه لما تمكنت أنا وطفلي من النجاة...
تغيرت ملامح عدنان وظهر التقطيب على ملامحه. تلك الملامح الجادة التي لم ترها من قبل جعلتها تشعر للحظة بالخوف...

انقبض قلبها حين رفع رأسه ليحدق اليها بوجه جامد ليقول: - لا داعي للشكر على هذا أيضا إنه واجبي. لكن. توقف قليلا ينظر لملامحها بتمعن ليقول أَوَ تعلمين. تمنيت من كل قلبي لو أني لو أقم يوما بهذا الاتصال...
نظرة ذهول ارتسمت على ملامح سيرين غير مصدقة. لكن لما يقول هذا؟ لما قد يندم طبيب على مساعدة ومعالجة مرضاه؟ الجواب كان يطل من عيني عدنان اللتان امتلأتا باللوم والإدانة.

- لقد ترك كل شيء ليصبح جليسا لك. لم يعد ينوي العودة إلى ابحاثه. توقف عن رؤية والدي لأنهما يرفضان علاقتكما. بحق السماء! أنت تسكنين منزل رجل عازب بينما تحملين في أحشائك طفل رجل آخر! إلى أي مدى قد تصلين سيرين؟ أتعلمين شيئا؟ قال لينهض من مكتبه مقتربا من حيث جلست ليحدق في عينيها اللتان ملأتهما الصدمة كنت لأتغاضى عن كل هذا. لست مهتما بخلفيتك الإجتماعية ولا أنه سبق لك الزواج برجل آخر. أو حتى أنك حامل منه. كل هذه الاسباب كانت لتبدو غير مهمة بالنسبة إلى ما كانت لتكون عائق لارتباطك بأخي. على العكس، زفر من بين أنفاسه. كنت لأقف إلى جانبه وأقنع والدي من أجله. من أجل أخي الصغير، ضغط على الكلمات وكأنها تؤلمه لكن حبا بالله سيرين! نظرة واحدة إلى عينيك، إلى الطريقة التي تنظرين بها إليه لأعرف أنك لا تحبينه، أنت فقط تستغلين كل ما يقدمه دون حتى التفكير في كمية الألم والدمار اللذان تسبينهما بالمقابل. إلى أي حد تظنين أنك قادرة على الاستمرار في أذيته وأنا أراقب دون أقوم بأي شيء...

- توقف أرجوك! قالت سيرين شفتاها ترتجفان بينما انسابت دموعها بسخاء. كان وجهها لوحة مليئة بالألم بينما جسدها يرتعش لا اراديا
- أنا لا أريد ايلامك سيرين لكن. من أجل سلامتك من أجل سلامة طفلك حاولي أن تقفي على قدميك. كفي عن تدميره فقط لتستطيعي الاستمرار. هو يحبك ولا يستحق منك كل هذا الأذى...
ابتلعت سيرين شهقاتها. محركة رأسها بفهم. مسحت عينيها الدامعتين بباطن كفها لترفع رأسها نحو عدنان.

- لا تقلق أنا لا أحمل لزياد سوى الكثير من الامتنان. أعلم أني لا أستحق الحب الذي يكنه لي. لقد فقدت الحق في هذا الحب حين تركته من أجل نادر. أعدك أنني سأرحل عن المنزل في أقرب فرصة ممكنة...
- شكرا سيرين. أنا فعلا ممتن لتفهمك، شيء أخير. أتمنى أن تكون هذه آخر مقابلة لنا. سأمرر ملفك الطبي لزميل لي...
- حسنا هذا أفضل...

نهضت سيرين حاملة حقيبتها. تنفست بقوة لتفح الباب بيد مرتعشة وتقابل زياد الذي كان وقفا ينتظرها وابتسامة كبيرة تزين وجهه. خبت سريعا وهو ينظر إلى احتقان وجهها الدموع التي ملأت عينيها...
اقترب منها سريعا ليمسك يدها محاولا معرفة ما الذي يحدث.
- هل أنت بخير سيرين؟ هل الطفل بخير؟ أجيبيني!
حركها بقوة حين لم ترد...

ابتسمت من بين دموعها محاولة تهدئة نفسها لتقول: - أنا بخير زياد، لا داعي للقلق. إنها فقط دموع غبية بسبب الحمل. كل شيء على مايرام...
زفر زياد بارتياح معيدا النظر إلى عينيها الدامعتين. رفع يده ليمسح دمعة تسللت رغما عنها مبتسما.
- أتعرفين يوما ما سأصاب بسكتة قلبية بسببك. وضع يده على قلبه ضاربا صدره بقوة. هذا سيتوقف عن النبض بسبب خوفه المستمر عليك. متى ستتوقفين عن القيام بالحماقات سيرين؟

- أنا آسفة، قالت سيرين من بين دموعها. أنا آسفة على كل شيء زياد...
سحبها زياد اليه ليحضنها بصمت.
- لا تتأسفي أبدا. أنا أحبك وسأفعل المستحيل لأراك سعيدة...
كانت سيرين تشعر بالضعف الشديد من جراء ما يحصل، أرخت رأسها على كتفه سامحة له باحتضانها. شعرت بجسده يتشنج فجأة. تنفسه أصبح مضطربا وكأن الهواء يؤلم رئتيه...
نظرت إليه وقد تصلب فكه بينما ضاقت عيناه بطريقة خطرة. التفتت إلى حيث كان ينظر وشهقت برعب...

كان هو شيطانها ينظر إليها مبتسما وكأن منظرهما يسليه، أخيرا تحرك نحوهما بخطوات متمهلة يداه في جيبي بنطاله وكأنه سعيد بهذا اللقاء...
حين توقف أخيرا ابتعدت سيرين عن زياد وكأنها خائفة من ردة فعله بينما ظل زياد واقفا ينظر نحوه بتحد...

لم يتكلم ظل ينظر إليهما باهتمام وكأنه يدرس ملامحهما، أخيرا تكلم بنبرة هادئة جعلت جسد سيرين يرتعش رعبا. نادر كان فنانا في التلاعب بالآخرين. من بين كل المرات التي عجزت فيها سيرين عن قراءة ملامحه هذه المرة لم تكن استتناءا. كان مسيطرا وباردا للغاية. اهكذا كانت تتصور لقائهما بعد أن فرت من منزله؟
يخيل إليها أن هذا الهدوء الذي تراه أمامها ليس سوى قناع للغضب الذي سيمطره عليهما بعد قليل.

لدهشتها حين تكلم نادر بهدوء ناظرا نحو زياد بينما تجاهلها تماما.
- إذن هذا هو كل ما تفعله الآن. التجول مع امراة متزوجة وحامل بطفل غيرك. أخبرني زياد هل هنالك انحطاط أكثر من هذا أنت فعلا مثير للشفقة.
- إجبار امراة على العيش معك وهي لا تريدك يعتبر اكثر انحطاطا!
تلك الكلمات الذي نطقها زياد بسخرية كان كفيلة بجعل نادر يفقد السيطرة أخيرا لينقض على زياد مسددا لكمة أصابت أنفه.

- أيها الحثالة! كيف تجرؤ. انها زوجتي اللعينة! صرخ نادر بينما يمسد قبضته التي انهالت بقوة على أنف زياد
صرخت سيرين برعب وهي ترى الدماء تتدفق غزيرة من أنف زياد لتركض مسرعة إليه بينما ظل نادر ينظر إليهما بنظرات مليئة بالازدراء...
رفع زياد رأسه لينظر نحو نادر بسخرية بينما يمسح الدماء الغزيرة التي سالت من أنفه...
- أهذا كل ما لديك؟ أتظن أنك إن ضربتني بقوة أكبر قد أبتعد عنها؟

ابتسم نادر بجنون مقتربا منه قبضته توحي بالخطر.
- لا أخفيك الفكرة مغرية للغاية، ما رأيك أن نجرب؟
- لما لا؟! رد زياد بتحفز
وقفت سيرين بينهما تعلم أنها الخاسرة الوحيدة في هذا الشجار. تحملت النظرة المرعبة التي كان يرمقها بها لتصرخ في وجهه...
- ألم تكتفي بعد؟ ألم تتعب من الانتقام؟ اللعنة عليك نادر! ألا يكفي ما سببته من دمار؟ أي وحش أصبحت عليه الآن!

للحظة قصيرة نظرة من الألم خيمت على ملامحه ليمحيها سريعا وهو يقول: - أتظنين أنني انتقمت لكل ما فعلته عائلتك سيرين؟ تكونين مخطئة للغاية إذا ظننت لوهلة أنني اكتفيت! واثقة أن زياد هذا قد ينقذك مني؟ مخطئة أكثر!
اقترب منها لتعود إلى الوراء محتمية بزياد وكأن قربه منها يخيفها. ابتسم بطريقة مرعبة واضعا يده على رقبته.

- لا داعي للخوف الآن. ليس بعد فلا نية لي في سحبك ورائي على ركبتيك كما تستحقين. أنت ستأتين بمحض ارادتك كالمرة الأولى لتتسولي عطفي وأعدك حينها أني لن أكون رحيما!
- أبدا! لن تعود إليك! أتفهم؟ صرخ زياد
- سنرى ذلك.
رد نادر بغموض ليرحل تاركا سيرين ترتعش بين يدي زياد من الرعب،.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة