قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الثاني

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الثاني

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الثاني

بعد نصف ساعة من القيادة على طرق متعرجة إلى الفيلا التي تبعد نصف ساعة عن المدينة، كان نادر بعيدا بأفكاره يتأمل الطريق بملامح عدائية، كان يضغط على المقود بعصبية جعلتها ترتعش، لتتحرك إلى أبعد مكان من المقعد محتمية من غضبه...

وكأنه شعر بتحركها، التفت ليتأمل خوفها وازدادت عصبيته، كانت شفتها السفلى متورمة ودامية بينما شعرها متكوم بشكل فوضوي على جانب وجهها الشاحب، تنفس بقوة مخرجا زفيرا حارقا قبل أن يخاطبها بنبرة آمرة:
- اهتمي بمظهرك بحق السماء! أم تريدين للجميع أن يعرفوا بما حصل هنا!
نظرت سيرين نحوه ببلاهة وهي تعيد شعرها إلى الوراء بأصابع مرتجفة، عناقه قبل قليل كان تعنيفا أكثر منه عناق، والآن يتهمها بأنها من سعت إليه!

- أيها الحيوان! صرخت سيرين ونبرة صوتها ترتعش من الغضب
التفت لها نادر وصوب نحوها نظراته القاتلة التي جعلتها تبتلع الباقي من شتائمها وهي تنظر إليه بريبة. التف أخيرا بالسيارة بحركة عصبية ليضرب رأسها بالنافذة، تأوهت سيرين لتنظر أخيرا إلى الطريق الذي كان نادر يسلكه وسمرتها المفاجئة.
مستحيل؟!

يا إلهي اجعل هذه مصادفة! لكنها بالفعل لم تكن مصادفة حين توقف أمام الباب الأمامي للفيلا بسورها الحجري وبوابتها السوداء المميزة...
هذا منزلها! هذا منزل عائلتها التي فقدته مع كل شيء آخر!
- لكن كيف؟ سألت ورغبة في المعرفة تحرق عقلها
ابتسم نادر بانتصار وهو يترجل ليلتف بسرعة ليفتح الباب لها ويسحبها إلى الخارج بقوة، :
- لقد كان معروضا للبيع، ورأيت أنها صفقة جيدة بعد كل شيء!

تأمل المنزل بزهو وهو مستمر في الضغط على رسغها الرقيق إلى أن شهقت بألم...
- سيعجبك التغيير الذي قمت به. لكنني احتفظت بمفاجئة من أجلك...
- أنا أريد الرحيل!
صرخت سيرين وانتابتها حالة من الهستيرية اللحظية، رؤيتها للفيلا جلب الكثير من الآلام التي كانت تهدد بالانفلات من سجنها مهددة بتدمير كل شيء...

وقف نادر يتأملها باستهزاء فحالتها النفسية كانت آخر همومه. كل ما يهمه الآن هو المواجهة الحتمية في الداخل ما أن تقع عينا والدته عليها...
أخيرا زفر بضيق، وهو يسحب يدها لينتزع الحقيبة الصغيرة منها ويدفعها نحو البوابة السوداء ليفتحها أمام نظراتها المشتتة...

الفيلا لم تتغير، نفس الممر الحجري المرصف بحجارة بألوان دافئة من الأبيض إلى البني الفاتح فالبني الغامق. امتدت وصولا إلى الدرج الرخامي الذي عبره نادر بخطوات رشيقة...
أخيرا وصل إلى الباب الكبير للفيلا ليرن جرسه بقوة، ارتجفت سيرين لا اراديا وهي تتخيل ما الذي يمكن لوالدة نادر أن تقوم به، لقد عانت من تسلطها واتهاماتها الباطلة في الماضي ولم تكن تظن أن هذا سيختلف الآن...

ابتلعت غصة في حلقها وهي تحاول ترتيب ملابسها التي أصبحت كارثية...
قبل أن يفتح الباب وتطل مدبرة المنزل لتبتعد بخطوات سريعة لتسمح بدخول نادر السريع ساحبا غنيمته ورائه.
أخيرا توقف أمام صالون مغربي مفتوح حيث جلست والدته بهدوء مشغولة بالتطريز قبل أن ترفع رأسها بترحيب خاص لابنها الأكبر، لتتحول ابتسامتها إلى عبوس شديد وهي تنظر إلى الزائرة الغير مرغوب فيها...

نهضت الحاجة صفية بقوة جعلتها تشعر بالدوار لترمي بالمفرش المطرز على الأرض وتقترب من ابنها متسائلة...
- ما الذي تفعله بنت الشوارع هنا في منزلي؟ سألت والغضب يتأجج من عينيها زرقاوين ببريقهما الحاد أخبرني نادر ما الذي أتى بهذه الحثالة؟ هل ترغب بموتي نادر ألا يكفي ما فعلته هذه الزنديقة وعائلتها بنا؟ أخرجها من منزلي نادر! أعدها إلى الماخور من حيث أتت!

- أمي! قال نادر معاتبا قبل أن يقترب لينزل مقبلا يدها ساحبا إياها إلى حضنه يجب عليك أن تعرفي جيدا أن رضاك هو أثمن شيء في العالم. لكن. قال محاولا امتصاص الغضب المتأجج الذي كاد يحرق سيرين الواقفة بذهول تستمع إلى الكلمات المذلة التي وصفتها بها حماتها للتو لكنها زوجتي! مكانها هنا إلى جانبي!

تحولت قدما سيرين إلى هلام وشل لسانها من الصدمة لدرجة أنها لم تعد تستطيع التحرك أو الكلام، لتظل صامتة تنظر إليهما بمشاعر بلدَّتها الصدمة.
أخيرا انتزعت الحاجة صفية يدها من يد ابنها. لتقترب منها وبأصبع مهدد بصقت كلماتها في وجه سيرين التي شحبت بشكل مخيف:
- سأجعلك تدفعين الثمن يا ابنة بنجلون. سأجعلك تتذوقين كل الألم الذي عشناه بسببك وبسبب عائلتك الوضيعة!

تقلبت معدة سيرين من الخوف وهي تنظر إلى حماتها بنظرات مرتعبة قبل أن تدفعها هذه الأخيرة بقوة وتتجه نحو السلالم الطويلة المؤدية إلى الطابق العلوي.
ظل نادر واقفا لبعض الوقت وقد ضاقت عيناه عليها. كان متأكدا من أن والدته ستنزعج من وجود سيرين معها في نفس البيت. لكن ليس لديه خيار آخر. والدته أصبحت وحيدة بعد وفاة والده المفاجئة ومنار. ضغط على أصابعه بقوة وتصلب فكه...

منار الموجودة بعالم آخر غير قادرة على التجاوب معهم...
أخيرا انتزع نفسه بالقوة من دوامة الماضي والتي كانت تحاول سحبه نحو الظلام. وتضاعف كرهه للواقفة أمامه. تأمل عينيها الزائغتين من الصدمة.
وابتسم بحقد. إنها تستحق كل ما أعده لها وأكثر. واستقبال والدته لم يكن سوى البداية...
في احدى المصحات النفسية بالدار البيضاء،.

جلست منار تلعب بخصلات شعرها السوداء الحريرية وهي تنظر إلى الطبيب النفسي الشاب. والذي ظل يتأملها ببرود تفرضه عليه المهنية وخصوصا وهي تحرك يديها باغراء متعمد، أخيرا لعقت شفتيها باثارة لتقترب بجسدها من الطاولة التي كانت تفصلهما لتقول ببحة مثيرة:
- لقد عاد ليلة أمس.
سكتت لتنظر إلى التعبير الذي كسى وجهه. لكنه ظل جامدا ويده لا تتوقف عن الكتابة.
- وبعد. سأل الطبيب معاذ ببرود.

- لقد عاد ليمزقني. ليفتح أوراقي ورقة ورقة كما تفتح الورود ويرميني على الأرض تحت قدميه ويعاشرني بقسوة...
قهقهت بهستيرية وظهرت أسنانها لتجعلها تبدو مثيرة. كشياطين الجحيم، بلع الطبيب معاذ ريقه بصعوبة وهو يحاول مواصلة عمله بمهنية وهي تصور خيالاتها الشبقة.
- أها. قال بجفاف
- اغتصبني مرة بعد مرة بعد مرة. واصلت وهي تلعب بخصلات شعرها لتنفخها عن وجهها باثارة.

- أوا تعلم معاذ. كان هذا شعورا لذيذا. لذيذا جدا. حركت رأسها مؤرجحة كرسيها إلى الوراء بحركات رتيبة لقد غاص بداخل روحي وجعلني أشتعل من الاثارة. من تلك النيران التي تحرق جسدي من الداخل إلى الخارج ببطئ مثير. إنه شيطاني المفضل الآن.
عصر معاذ على القلم بقوة وهو يستمع إلى هلوساتها المجنونة. ليسألها بهدوء مناف لعصبيته:
- كيف تعرفين أنه شيطان؟

- أعلم بما تفكر. أنت تظن أنني أتكلم عن عادل. مشيرة إلى زوجها الميت لأنك بكل بساطة لا تؤمن بوجود الشيطان...
- حسنا ربما. قال معاذ دون اكثرات والآن مارأيك لو نتحدت عن عادل قليلا...

- أنت تعلم كل شيء عن عادل. صرخت منار بعصبية وتحولت ابتسامتها اللعوب إلى تكشيرة بشعة وتعلم جيدا الطريقة التي مزقت بها رقبته. فأنت من أخبرني بتلك القصة. أتذكر؟ لكن إذا كنت تريد الاستماع إلى هذا الهراء مجددا فليكن. قالت بعدم اكثرات لقد شققت حلقه إلى نصفين أضافت وهي تشير إلى عنقها الطويل باغراء متعمد قطعته وكأنه تفاحة ناضجة في يوم ربيعي دافئ. لذلك لم يستطع أن ينطق بكلمة حين جلست إلى جانبه أراقبه يحتضر إلى أن لفظ أنفاسه أخيرا، لقد كان منظرا جميلا للغاية، والدماء تسيل حمراء على الشراشف لتلونها. أتعلم شيئا؟ لقد وضعت القليل من دمه علي. أضافت وهي تلمس وجهها باستمتاع لونت وجهي بدمائه وكأنه أحمر شفاه غال.

- لماذا فعلت ذلك؟ لماذا قتلته؟ سألها وعينها مثبثان عليها ببرودهما المعتاد
تحولت نظرات منار إلى الاثارة الممزوجة بالغضب. أعادت كرسيها إلى الأمام لتضرب الطاولة بيدها بقوة صارخة:
- لا أعلم أنا لا أعلم لماذا قتلته معاذ! اللعنة! لماذا تفعل هذا بي أنا لا أعلم شيئا!
أكمل معاذ تدوين ملاحظاته بينما نظراتها الغاضبة مركزة على يديه قبل أن تقول بارتجاف:
- أنت لا تستمع إلى أليس كذلك؟
- أنا أستمع إليك جيدا منار.

حركت منار رأسها رافضة المتابعة: - أنت لا تستمع لي بقلبك. فقط بعقلك مشيرة إلى رأسها قبل أن تنتابها هستيرة شديدة لتقفز على الطاولة وتجثو أمامه بطريقة خطرة أنت لا تعرف احساس أن تكون انسانا غير موثوق بكلمتك!
- أنا أثق بك. رد وهو يبتعد من قربها الخطر لكن عليك أن تثقي أنت بي أيضا!
حركت منار رأسها برفض مستمرة في الاقتراب منه.
- لا يمكنني الثقة بشخص يعتقد أنني مجنونة!

نهض معاذ من الكرسي ليسحب المسجل الرقمي من على الطاولة ودفتر ملاحظاته ليقول: - أظننا أننا أحرزنا بعض التقدم يكفي كلاما اليوم...
- لا!
صرخت منار بعصبية لتقفز على عنقه ممسكة بياقة معطفه الطبي الأبيض، لتلفح أنفاسها الدافئة وجهه وهي تقول:.

- أنت لا تعرف شيئا معاذ! لا تعرف ماهو احساس الاحتراق كل يوم من الداخل! إنه احساس شبيه بالموت! شبيه بالموت! صرخت بهستيرية. قبل أن يقتحم ممرضان قويا البنية الغرفة ليثبتاها على الطاولة وهي تصرخ بجنون. بينما تكلف معاذ بتحضير الابرة المهدئة...
استمرت تصارع محاولة التشبث بوعيها. إلى أن سرى مفعول الدواء ليخلص أصابعها من ياقته وهو ينظر إلى ملامحها المغرية والتي هدأت فجاة بأسف.

بينما تكلف الممرضان بحملها إلى غرفتها تشيعهم نظرات معاذ المتألمة...
في غرفة الأطباء،
نفث معاذ سيجارته بغل وهو يفكر بالحالة السيئة التي أصبحت عليها منار، لقد تابع حالتها لسنوات. لم يكن شغله الشاغل سوى محاولة اخراجها من عزلتها. حاول بكل قوته فهم الأسباب التي قد تجعل امراة برقتها وجمالها أن تتحول إلى مجرمة تقتل بدم بارد.

عاد إلى النظر إلى ملفها يتأمل جريمتها البشعة والتي راح ضحيتها شخص المفروض أنه أقرب انسان إليها. زوجها.
تلك الفكرة جعلت جسده يرتعش بغضب. لطالما أحب منار لقد كان يحبها بصمت منذ أول يوم لها بالكلية. انتظر بصبر أن يتخرج ليصارحها بمشاعره. فهي كانت منار الصفريوي وهو مجرد ابن معلم بسيط.

كان يحتاج إلى مهنته ليليق بها. لم يتقرب منها مطلقا وهذا كان أكبر خطأ ارتكبه في حياته، لطالما انتبه إلى نظراتها الخجلة إليه وهي تطلب مساعدته أو تستمع إلى شرحه باهتمام.
لكنه كان جبانا مجرد جبان. عصر على كفه بقوة غير مهتم بالسجارة التي أحرقت أصابعه. فالحرائق بقلبه كانت أشد وأعتى...
انتبه إلى الطرق على الباب والذي أخرجه من أفكاره القاتمة. ليرفع رأسه ويقابل أمين صديقه وزميله في المصحة.

- أحتاج إلى أن أراجع معك بعض الملفات المهمة. كيف كان صباحك؟ سأل وهو يدخل الغرفة ليتأمل ملامح معاذ المشدودة باهتمام
- ما الخطب؟
سأل أمين. فهو يعرف حبه القوي لمنار منذ أن كانا بكلية الطب بالدار البيضاء. لابد أنها احدى تلك الجلسات التي تجعله بهذه الحالة المثوثرة والعصبية...

نظر معاذ إلى صديقه وكاتم سره قبل أن يزفر معبرا عن ضيقه الشديد: - ليست بخير. الحالة تصبح أكثر تعقيدا كل يوم. لقد حاولت. قمت بكل ما يجب لكنني لا أرى أي تحسن وأظن أنني السبب.
- لا أظن ذلك. قال أمين بجدية لقد أخرجتها من حالة التخشب على الأقل...
وقف معاذ ليقترب من صديقه وهو يزيح معطفه الطبي عن كتفيه: - إنها تصور ما حدث بطريقة غريبة. تقول أن الشيطان يزورها في غرفتها كل يوم.

- حسنا. قال امين محاولا مساعدة معاذ في تشكيل أفكاره.

تنفس معاذ بابحباط: - هذه هي المرة الثالثة خلال شهر. أمين إنها تخبرني أن الشيطان يعاشرها في كل ليلة وتقلصت عضلة في فكه علامة على عصبيته المكبوثة أعتقد أن للأمر علاقة بزوجها المتوفى. بنوع من الشعور بالذنب لكنني لا أستطيع الوصول إلى هذه المنطقة المقفلة من عقلها. هي لا تسمح لي بذلك. وعوضا عن تقبل ما حدث وترسيخه بذاكرتها بطريقة واقعية هي تعيد تصويره بطريقة غريبة وتسقط في هذه الادعاءات عن وجود الشيطان بداخلها...

- هل جربت علاجا طبيا واحدا على الأقل؟ سأل أمين بريبة فهو الوحيد الذي يعلم بعلاقته الشخصية بالمريضة والذي كان شيئا غير مقبول لدى ادارة المستشفى
زفر معاذ بضيق ليعود للجلوس على أقرب كرسي وينظر إلى أمين المكتف لذراعيه ينظر نحوه باتهام:
- هل تظن أنني كنت لأقرر ذلك فقط لتجنيبها مضاعفات تلك الأدوية؟ يا إلهي أمين! أنت أكثر شخص يعرف أنه كلما أعطيناهم المزيد كلما أصبحوا أسوء...

- إذاً أنت لم تعطها أي دواء؟ سأل أمين باستغراب ممزوج بادانة
- يا إلهي! وضع رأسه بين يديه ليعصره بقسوة أعطيتها الغامبترول، الأيلافيل، الميليرل، والهالدول. وأظن أن هذا هو السبب نحن نحقنهم أكثر من اللازم.
- إذاً أعطيها وقتا للشفاء. قال أمين بهدوء
- وقتا أكثر من أربع سنوات أمين؟

زفر بقوة محاولة التنفيس عن العجز الذي تملكه في معالجتها ليضيف: - أنا أعلم أنها تحتاج إلى الوقت لتعيد ترتيب الحقائق في عقلها، لكن ما تصنعه الآن بعيد كل البعد عن أي شيء حقيقي باختلاقها قصصا وهمية ومحاولة العيش فيها...
- عقل منار يدور في مدار واحد الآن. علق أمين وهو يحرك سلسلة مفاتيحه بشرود
- حسنا عقلي أنا من يدور في الفراغ! لعن معاذ بعصبية وهو يركل الكرسي المواجه له بحنق.

- تذكر فقط أن القابلية على الاكتئاب هي أداة حيوية للنجاة. بدونها لم تكن منار لتنجو أي كان ما حصل معها ونجهله في تلك الليلة، والآن ما رأيك أن نرحل من هذا المكان الكئيب وتخبرني بالتفصيل عما قالته منار في جلستها اليوم...
نهض معاذ بتعب ناظرا لأمين ليحرك رأسه بعدم موافقة: - يبدو عرضا رائعا لكنني سأتخطاه يجب علي العودة باكرا. لذلك سأذهب للنوم.
- المشروب على حسابي قال أمين ضاحكا.

فتح معاذ الباب ليحمل حقيبته الجلدية وينظر إلى صديقه بابتسامة شاكرة قبل أن يقول:
- أنا لم أعد أشرب أمين وربما عليك أنت أيضا التوقف!
- مع كل هذه الحالات التي نعالجها كل يوم. بدون مشروب قد أصاب أنا أيضا بالجنون!
- وقتها سأكون هنا لمساعدتك!
علق معاذ مازحا قبل أن يرحل بذهن مشوش يفكر في منار وحالتها المستعصية...
في فيلا نادر الصفريوي،.

ظلت سيرين لدقائق مسمرة من الصدمة قبل أن تحاول العودة إلى الواقع لتصرخ في نادر بعصبية:
- لماذا أتيت بي إلى هنا؟ ألا يكفي ما فعلته؟ ما الذي تريده مني نادر؟ اتركني أرحل بسلام! اتركني لحياتي! أنا لا أريدك! ولا أرغب بك كزوج!
تأملها نادر مطولا بوجه جامد لا يعبر عن أي مشاعر انسانية قبل أن يسحبها وراءه كدمية من الشيفون نحو الدرج الطويل حيث اختفت والدته للتو...

جرها ورائه بطريقة عنيفة جعلتها تصدم ذراعها بالدرابزين الرخامية. أنَّت من الألم. لكنه لم يستمع لها وشياطين الماضي تطارده بضراوة. كان يعلم أن رؤية والدته لها بعد تلك السنوات ستفتح جروحا غائرة لم يستطع الزمن محوها. لكن كان على أحدهم أن يدفع الثمن ومن أفضل من ابنة بنجلون للقيام بذلك؟!

أخيرا وصل إلى الغرفة التي قرر أن تكون سجنها الجديد. أدار المفتاح في قفل الباب ليفتحه ويرميها بالداخل بعنف. قبل أن يغلق الباب ورائها ويتركها يشيعه صراخها المتواصل...

في الجهة الأخرى من الرواق. ظلت سيرين تطرق الباب بقوة وهي تصرخ وتشتم نادر وتلعنه بأسوء اللعنات. داعية عليه من كل قلبها. لكن ما من مجيب ظلت تصرخ إلى أن شعرت أنها قد تسقط من التعب وتحول صراخها القوي إلى مجرد همسات وهمهمات وهي تناشده بعدم تركها وحيدة...
سقطت على ركبتيها أمام الباب المغلق تنتحب بقهر، والدموع تملأ وجها وتسيل على يديها.

أخيرا توقفت عن البكاء، محاولة البحث عن حقيبة يدها. رفعت رأسها لتشل الصدمة حواسها وهي تنظر إلى الغرفة التي وضعها فيها. يا إلهي كانت غرفة منار!
نهضت سيرين من حيث كانت تجلس وقد تحولت دهشتها إلى رعب كبير. كانت صور منار الكبيرة المحدقة إليها تشعرها بالخوف...
لكن لماذا؟ تساءلت ونظرة استغراب تعلو وجهها. لماذا يجعلها تمكث في غرفة شقيقته؟

اقتربت من السرير الكبير لتجلس بذهول ولأول مرة تقابل وجهها في المرآة وهالها منظرها الرث والهش، كانت شاحبة ومرتعبة. بالتأكيد كان هذا ليجعله يشعر بأنه قادر على التحكم بحياتها وفرض سيطرته عليها.

تنفست بعمق محاولة التفكير بتعقل. عليها فقط اخراج هاتفها والاتصال بنادية. بالتأكيد هي ستساعدها أو يمكنها ببساطة الاتصال بالشرطة وافتعال فضيحة كبيرة لنادر. على الأقل هي تعرف العنوان جيدا. فهذا كان منزلها في الماضي...
في غرفة مكتبه،.

جلس نادر مطرقا رأسه إلى الطاولة يفكر بعمق، مشاعره القوية تعصف بهدوئه، لقد حان الوقت. لقد عادت إليه بمحض ارادتها لتطلب منه المساعدة بعد أربع سنوات، أربع سنوات قضاها في انتظار هذه اللحظة. لكن لما يشعر بالضعف؟ لما هو غير قادر على البدء بانتقامه؟

نظر إلى صورة منار المبتسمة فوق سطح مكتبه وتحولت مشاعرها إلى لهيب أجج حقده على سيرين لدرجة جعلته يتمنى لو يطبق على حلقها لتلحق بوالدها وعادل في نيران الجحيم...
يا إلهي! اللعنة! شتم نادر واحتقنت عيناه من عصبيته التي هددت بالخروج...

اجتاح الغضب مشاعره بطريقة خطرة وضج عقله بالكثير من الأفكار المظلمة. انتبه أخيرا إلى حقيبة يدها والتي ألقاها بغير اهتمام أمامه، عبثث أصابعه بقفلها ليفتحه ويرمي بكل محتواياتها على سطح مكتبه. عطر فرنسي. أحمر شفاه لامع. تأملهما نادر بسخرية...

وأخيرا لمعت عيناه ببريق وهو يتأمل جواز سفرها. أمسك به ليفتحه وينظر إلى صورتها المبتسمة مطولا ليزيد حقده عليها، لينحني ويضعه بهدوء في مفرمة الأوراق وينظر إليه يتحول إلى خيوط رقيقة دون قيمة.
- الآن بدأ الانتقام سيرين! أتمنى أن تكوني مستعدة!
هدر نادر بقوة ليقف متجها نحو غرفتها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة