قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الثاني عشر

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الثاني عشر

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الثاني عشر

قبل شهر،.

وقف نادر لوقت طويل يتأمل الملامح الباردة للجسد النائم باستسلام على سرير المستشفى، بينما الآلات تضج حولها بطنين مزعج، رجفة أصابت جسده من مجرد تفكيره بما اقترفه أقرب الأشخاص إليه في حقها. ارتعشت يده وهو يحاول ضبط غضبه الذي هدد بالخروج وبتحطيم كل ما قد تصل إليه يداه. أخيرا اقترب لينحني ويجثو إلى جانب السرير الطبي. للحظة فقط كاد قلبه يقفز من مكانه ثورة وغضبا وهو ينظر إلى فكها المكسور. وجهها الجميل كان مغطى بالكثير من الكدمات الزرقاء، عيناها مغمضتان بهدوء مميت، بينما اختفت كل المشاعر من صفحة وجهها الشاحب، حتى تعبير الكراهية الذي لطالما رمقته به في مناسبات عديدة اختفى. لم يعد هنالك شيء. بأصابع مرتجفة مرر نادر يده على طول فكها المضمد، عيناه تلمعان بدموع أبى فخره واعتداده بالسماح لها بالنزول. مما جعل غصة مريرة تتكون في حلقه...

وقف الطبيب للحظات على باب غرفة العناية المركزة ينظر إلى قطب الأعمال المشهور وقد تجرد من كل غطرسته وبروده ليبدو في هذه اللحظة فانيا كالجميع، أشعة المغيب تنعكس على قميصه الداكنة وعلى رأسه المنتكس بانهزام، لم يحدث لأحد أن كان شاهدا عليه من قبل...
تنحنح الطبيب تاركا الفرصة لنادر ليتماسك. التفت مستشعراً وجود شخص آخر يقاسمه تلك الوحدة التي شهدت انهياره قبل لحظات...

رفع رأسه محاولا استعادة بروده دون جدوى كان يغلي من الغضب. غضب لم يستطع حتى الآن تفجيره وهو يرى أن أقرب الأشخاص إليه هم من كانوا وراء هذا الفعل الشنيع...
كان الطاقم الطبي قد شرح له في وقت سابق أن ما حصل مع سيرين ليس سوى مجرد حادث مأساوي. لكن نادر في قرارة نفسه كان يعلم جيدا أنه ليس مجرد حادث. ما حصل لسيرين كان بعيدا جدا عن هذه التسمية التي حاولوا مواساته بها...

تنفس بقوة محاول التنفيس عن الألم الذي يجتاحه رغما عنه. دون جدوى.
- هل من تحسن؟ سأل نادر باضطراب وهو ينظر إلى الجراح الذي كانت ملامحه غير مريحة بالمرة
- أخشى أن الأمر صعب للغاية في هذه المرحلة. نحن نحاول كل ما في وسعنا لايقاف نزيفها الدماغي. صمت الطبيب قليلا محاولا ايجاد كلمات مناسبة وهو يرى التقلص الذي علا فك نادر. تحتاج إلى الاحتفاظ بإيمانك عاليا في هذه الظروف...

تمتم نادر بكلمات غير مفهومة قبل أن يغادر الغرفة بخطوات واسعة إلى الرواق ليفك ربطة عنقه بنزق مستمرا في الابتعاد سريعا وكأن ممرات المستشفى أصبحت تطبق على صدره غير سامحة له بالتنفس...

أخيرا اجتاز البوابة الكبيرة ليقف في الشارع يستنشق الهواء بقوة واضعا يده على صدره. كان يعتصر يده وفكه مشدود إلى أن شعر بالألم. فقط لو كان وصل إليها بسرعة لو كان تبع حدسه الذي أشعره بوجود شيء خاطئ. مكالمات والدته طوال الفترة الذي قضاها محاولا مساعدة منار على الخروج من محنتها. جعلته لوهلة يتناسى وجود سيرين في حياته. لم يرغب في التفكير فيها كونها ابنة عم من تسبب في كل ذلك الأذى لشقيقته. كان يلجم حقده محاولا لأول مرة الاستماع لصوت العقل لكلمات مروان والتي كانت تبرهن في كل لحظة أنه ربما كان مجحفا في حكمه...

لم يكن في حسبانه أنه حين أصدر حكمه عليها تركها فعلا لتواجه مصيرا مظلما متمثلا في حقد والدته العميق على عائلتها.
رباه! لا يصدق للآن أنها وصلت في تعذيبها لدرجة جعلتها تضع حدا لحياتها.
يعترف أنه كان يرغب في جعلها تعاني. لسنوات تمنى لو أن سيرين تشعر ولو بجزء ضئيل من الألم الذي شعرت به منار. بما شعر به هو. لكن أن ترمي بنفسها وهي تحمل حياة بداخلها طفلهما. طفله! هل وصل اليأس بها إلى هذه الدرجة؟!

لحظة من الألم الخالص وهو يستعيد كلمات مريم المختلطة بنحيبها وهي تخبره عن كل ما مارسته والدته عليها من تعذيب بداية بتشغيلها كخادمة ونهاية بحبسها في غرفة عادل وحيدة.
- لقد صبت جم غضبها عليها منذ رحيلك. ولا أحد منا كان قادرا على مساعدتها. رباه! لقد أحرقت الحاجة صفية جسدها بسيخ محمي.
قبل أن تنهار مريم وهي تطلب السماح.
- لم استطع الاتصال بك. كنت خائفة. وأنانية. وأنا ملامة على ما يحصل لها الآن...

وضع نادر يده على كتف الفتاة المرتعشة قبل أن يقول بصوت حاول أن يبدو باردا رغم الغضب الشديد الذي يتأجج بداخل صدره: - لا عليك مريم. أنت لست ملامة على شيء. أعدك أن الأمور ستعود إلى ما كانت عليه، وفي الوقت راهن لا تهتمي سوى بدراستك. لقد تحدثت إلى مدير الجامعة. ستعودين إلى الدراسة هذا الأسبوع...
- سيد نادر.
قالت مريم محاولة شرح موقفها. هي لم تخبره سوى لاخلاصها وحبها الصادق لسيرين وليس طمعا.

أومأ برأسه وكأنه فهم تخبطها ليقول بنفس النبرة المتفهمة: - أعلم أسباب اخبارك لي. لا ألومك على أي شيء ولا حتى سيرين ستلومك. حين تشفى هي من ستخبرك بذلك...

عاد نادر أخيرا من شروده على صوت صفارات الاسعاف ليبتعد عن المستشفى ويستقل سيارته صوب منزله. فهو منذ معرفته بالحادث لم يعد إلى المنزل لم يستطع أن يتكهن بما يمكنه فعله وهو غاضب حتى وهو يعلم جيدا أن غضبه حتى الآن كان بعيدا عن الانطفاء، عليه مواجهة والدته بما اقترفته.
اللعنة! هل تجردت من كل معالم التمدن لتعاقب سيرين وكأنها في العصور الوسط؟!

ارتجفت يداه بينما هو مستمر في القيادة وصولا إلى الفيلا حيث كانت والدته في انتظار عودته بفارغ صبر...

قفزت الحاجة صفية فور سماع خطوات نادر في الممر وتبعتها رنا بخطوات بطيئة خائفة من ثورة غضبه. يعلم الله أنها كانت شاهدة عليها لمرات عديدة في الماضي. ارتجفت بخفة قبل أن يطوق مروان خصرها بثبات محاولا سحبها إلى الطابق العلوي. ورغم معاندتها الشديدة أذعنت أخيرا لترتقي الدرجات بوجل. لكن كلمات نادر الباردة سمرتها في مكانها غير قادرة على الحراك.

- ليس بهذه البساطة رنا. لن تهربي بفعلتك الشنيعة بالاختفاء كجرد حقير.
جعلت كلماتها التي بصقها نادر باشمئزاز فاقدة للنطق. لوهلة تأملت قامته الطويلة وياقة قميصه المفتوحة وقد تخلص من ربطة عنقه في مرحلة ما وهو ما بدا غريبا ومتناقضا مع شخصية نادر. بينما سمرتها عيناه بنظرتهما القاسية. كان ترى تهديده حقيقيا والحقد يلمع في عينه. لترتعش رغما عنها...

هل يجرؤ؟ هل يخبر مروان بما حاولت فعله منذ سنوات؟ امتقع وجهها بخوف وهي تنتظر اللحظة الحاسمة.

اقتربت الحاجة صفية من نادر محاولة ضمه إليها والتخفيف من عصبيته. لكنه أوقفها ببرود. صرخة الارتياع شقت حلقها وهي تنظر نحو ابنها. عيناها تدمعان بألم لهذا التصرف البارد والقاسي والذي لم تكن تنتظره. في أحلك الظروف لم يقسُ نادر عليها يوما. كان القوة الدافعة التي جعلتها تستطيع المواصلة حتى بعد الدمار الذي أصاب عائلتهم.

رؤيته بذلك البرود الثلجي وهو ينظر نحوهما بكره لم يحاول اخفائه. جعلها ترتد إلى الوراء ركبتاها لم تعودا قادرتين على حملها. لتقول بصوت مرتجف: - أهذا كله من أجل الساقطة اللعينة؟! تعاملني بهذا الجفاء من أجل ابنة بنجلون؟!

- أمي! صرخ نادر بصوت مرعب جعلها ترتجف رغما عنها تلك التي تدعين بالساقطة تكون زوجتي وأم طفلي أم أنك نسيت؟! لا أسمح لك ولا لغيرك! وهو يحدج رنا التي توقفت على أول الدرج دون حراك بنظرات قاتلة
- لا!
صرخت الحاجة صفية وكلمات نادر المستفزة تفتح أشد جروحها ألماً لتقول بصوت خرج حادا جافا ومتشفيا. مما جعل عينا نادر تضيقان.

- أوه لا! لن أسمح لك باهانة ذكرى والدك وشقيقتك بهذه الطريقة! هل نسيت؟ هل أنستك لحظات مخزية مع الساقطة الميتة كل احترام لعائلتك!
- تبا!

شتم نادر وهو يقترب من والدته بخطوات سريعة جعلت مروان يقفز نحوه قبل أن يوقفه نادر بيده، اقترب منها إلى أن أصبح في محاذاتها ليقول بنفس نبرة الادانة يعصر فكه بعنف: - تلك اللحظات لم تكن مخزية أمي! سيرين تكون زوجتي وتحمل ابني! ولا تدعي أنك تحبين منار أو تهتمين لأمرها. يشهد القدير أننا لم نمنحها شيئا طوال هذه السنوات سوى محاولة تدمير أشخاص لا نعلم حتى إذا كانوا يعلمون بما كان يخطط له عادل منذ البداية. لا تدعي حبك لمنار أبدا أمامي! لأنَّ هذا سيكون مجرد نفاق مخزي وجرما في حق ابنتك! أخبريني أمي متى زرت منار آخر مرة؟ سأل نادر بنفس الحدة وكلماته تخرج وكأنها سياط تجلد الحاجة صفية والتي اختفى اللون من وجهها لتبدو وكأنها أكبر من سنوات عمرها الخمسين بعقود.

نبرة الألم التي كانت تعلو صوت نادر جعلت الدموع تنساب على وجه والدته بحرية وهي تضع يدها على فمها وتحرك رأسها بضياع. لا تصدق أن نادر يخوض معها جدالا مماثلا وهو يعلم مدى حبها لابنتها الصغيرة. ابنتها ذات السادس والعشرين ربيعا. التي لم يتسنى لها العيش ولا حتى التخرج أو الاستمتاع كباقي أقرانها...
- ليس من حقك أن تكلمني بهذه الطريقة! منار تكون ابنتي!

- وأنتِ لم يكن لك الحق في العبث بحياتي وبزوجتي في غيابي! صرخ نادر تبا أمي! كيف استطعت القيام بكل ما فعلته؟ كيف؟ كيف انسلخت من انسانيتك.؟ بحق الجحيم! ما الذي فعلتُه لأستحق منك كل هذا الحقد؟
اقترب مروان محاولا ابعاد نادر على طريق الحاجة صفية والتي كانت ترتعش. دفعه نادر بقوة في صدره مقتربا من حيث وقفت رنا، ملامحها متبلدة من الصدمة. هل تراها ستتلقى جزءا من غضبه الآن؟

توقف أخيرا قبل أن يرتقي الدرجات حدق فيها باشمئزاز قبل أن تجمدها كلماته.
- لا تظني للحظة أنني غافل عما فعلته بسرين! ستندمين على كل ما فعلته رنا!
تحلت رنا رغم خوفها بشجاعة زائفة. حدقت إليه ببرود مدفوعة بغيرتها القديمة لتقول بتشفي: - ربما عليك أن تجعلها هي تدفع ثمن جرمها بمنار أولا. هذا إن عاشت أيها الأخ المحب!

في نوبة غضبه الذي زادت كلماتها اشتعاله. رفع نادر يده لتسقط بصفعة قوية على وجها جعلتها تصرخ من الألم. اندفع مروان نحو نادر غير مصدق أنه قام بصفع زوجته أمام عينيه...

عينا نادر كانت تشتعلان بغضب وهو ينظر إلى رنا التي قفزت الدرجات نحو مروان لتلقي نفسها على صدره تمنعه من الاشتباك معه في شجار تعلم أنه ليس في مصلحتها هي قبل الجميع. توقف نادر يحدق في مروان الذي شلت الصدمة حركته قبل أن يعطيه ظهره ليرتقي الدرج يشيعه نشيج رنا وصراخ الحاجة صفية التي تحولت صدمتها إلى صراخ شق هدوء الليل: الملعونة لقد سحرت ولدي. اللعنة عليك سيرين! اللعنة عليك وعلى كل عائلتك البائسة!

استمر نادرا صعودا إلى الطابق الأخير. توقف أمام الغرفة الوحيدة المتواجدة في ذلك الطابق. والتي احتلتها سيرين لأسابيع طويلة توقفت يده على مقبض الباب. لوهلة شعر بارتجاف طفيف وبرودة تسري في جسده قبل أن يفتحه ويدخل صافقا الباب وراءه بعنف...
في أشهر فنادق طنجة،.

وقف زياد في شرفة غرفته يتأمل المحيط بوجه مكفهر. مر شهران وهو يبحث عنها. لكن كيف له أن يجدها وهو لا يعلم أي شيء عن ماضيها سوى أنها كانت زوجة رجل الأعمال المعروف نادر الصفروي. عصر على اطار الشرفة حتى ابيضت سلامياته. أفكار سوداء تغزو عقله منذ عودته إلى المغرب حتى أنَّه لم يفكر إلى الآن في زيارة عائلته أو أصدقائه ولا حتى اطلاعهم على عودته الغير متوقعة إلى المغرب. كل تركيزه منصب على البحث عنها وايجادها. كان عليها توضيح الكثير بداية بسبب رحيلها المفاجئ ونهاية باختفائها دون أي أثر. اتصل بهاتفها مرات لا تعد. وبيأس تام عاد إلى الاتصال بنادية والتي أعربت هي الأخرى عن قلقها الشديد فسيرين لم تتصل بها كما وعدت. ولم تكن لتجرأ على اخباره بما قاله نادر في آخر اتصال لهما. هذا كان ليزيد الطين بلة خصوصا إذا ماكانت قد قررت العودة إليه ونسيان الماضي بما فيهم صديقة قديمة وحب مات قبل أن يولد...

حزم أمره أخيرا. سيقوم بزيارة إلى شركة غريمه وسيسأله عنها. وليكن ما يكون. تلك الزيارة مهما بدت مزعجة له ولكبريائه لن تكون أشد ازعاجا من القلق والخوف اللذان يعصفان بعقله في بحثه المتواصل دون نتيجة تذكر...
ابتسامة ساخرة غزت ملامحه الوسيمة وهو يتخيل النظرة التي قد تعلو وجه طليقها فور تعرفه عليه. من كان ليصدق أنه بعد كل هذه السنوات سيعود إلى المغرب ليرتبط بزوجة نادر الصفريوي أكبر منافس تجاري لوالده...

أخرجه من تفكيره صوت هاتفه الذي ظل يرن لفترات طويلة قبل أن يسحبه من جيب بنطاله الجينز ويتفاجئ برقم المتصل. لكن كيف عرف؟
فتح زياد الهاتف ليستقبل اتصال شقيقه وعلامات الاندهاش بادية على وجهه.

لم يكن شقيقه يعلم بوجوده في المغرب بعد كل شيء. نبرته كانت عملية بحته وهو يخبره عن الحالة التي يعالجها والتي كانت في حالة حرجة جدا وتحتاج إلى رعاية طبية خاصة. استمع زياد إلى شرح أخيه باهتمام بالغ فهو رغم كل شيء كان طبيبا شغوفا بعمله ورغبته في التميز هي ما دفعته في المقام الأول إلى ترك بلده الأم والرحيل بحثا عن المزيد من التقنيات الجراحية الجديدة والتي أتقنها بشكل جعله محط أنظار زملائه ومرشديه.

شقيقه الأكبر كان يعلم أن زياد هو الشخص المناسب للإطلاع على الحالة التي استنفرت كل جهده محاولا اعادتها إلى الحياة، أخيرا حين نفذت خياراته قرر الاستعانة بزياد وخبرته الجديدة التي اكتسبها طوال سنوات عمله في الخارج...

- المسكينة لازلت شابة. حادث عرضي أصابها بارتجاج قوي ونزيف بالغ في الدماغ كسور في مختلف أعضاء جسدها. ثقب في الرئة سببه تهشم أحد الأضلاع. ما الذي لم يحدث للفتاة المسكينة والأكثر تحديا من كل هذا أنها حامل...
قطب زياد وهو يعود إلى الغرفة ليجلس ويستمع إلى شقيقه باهتمام: - ما الذي تطلبه هنا بالتحديد؟
- أريدك أن تقوم بمعاينتها. أنت الوحيد القادر على ايقاف النزيف...
في المستشفى النفسي بالدار البيضاء،.

وضعت سارة يدها على جبينها وتنهدت بعمق. لقد مرت ثمان واربعون ساعة منذ استلمت مناوبتها في المستشفى وزميلتها لم تعد بعد من فترة الغذاء ليتسنى لها الرحيل.

صوت عميق جعل رعشة تسري في كامل جسدها لترفع يدها عن عينيها وتنظر إليه غير مصدقة، لحيته النامية والتي لم تلمس لشهور عيناه بلونهما المميز وبشرته الزيتونية الرائعة والتي ظهرت من تحت قميصه المزرر باهمال جعلتها ترتعش اراديا. لقد كان هو، حبيبها. الشخص الذي كانت مستعدة للتضحية بأي شيء في مقابل رؤيته معافا. حتى وأن كان الثمن عودته إلى تجاهلها كالسابق، وهذا الذي حدث بالفعل منذ عودته إلى الحياة وخروجه من الصدمة التي كلفته أسابيع في الحجر الصحي...

- هل هنالك من خطب دكتور؟
سألت سارة محاولة الظهور بأكبر قدر من العملية وهي تخاطبه. ملامحه كانت توحي بالتعب الشديد وهو يتأملها وكأنه يراها لأول مرة...
قبل أن يقول بصوت خرج مجهدا وبعيدا كل البعد عن النبرة الساخرة التي تعودتها منذ سنوات: - أنا لا أستطيع أن أشكرك بشكل كافٍ على كل ما فعلته من أجلي. وضع يده في شعره والذي لازال نديا من أثر المياه عليه. أنا مدين لك بحياتي!

تحركت سارة بارتجاف لتقف على قدميها المهزوزتين أصلا من أثر كلماته. لتقول بصوت شبه مسموع. بينما عيناه كانتا تتجولان عليها باستكشاف غريب جعل الحمرة تقفز إلى وجنتيها وهي تحاول النظر بعيدا متحاشية وجهه وعينيه المركزتين عليها باهتمام بالغ: - ليس هنالك سبب يدعوك لشكري دكتور. لقد كنت أقوم بعملي. أنت أصبت بصدمة جعلت الطبيب معاذ يخذرك لساعات طويلة وأنا كان من واجبي البقاء إلى جانبك حتى تستعيد قدرتك على الحركة والاهتمام بنفسك. هذا ما حدث...

- توقفي عن قول التفاهات! قال أمين بحدة جعلتها ترتجف. لقد كنت مريضا لكن لم أكن مجنونا ولا معتوها. أنا أعلم الآن يقينا ما الذي أصابني هناك. أنت أيضا تعلمين. لا تدعي أنك كنت معي فقط للاهتمام بحالتي. أنت قمت بأكثر من ذلك بكثير. المياه التي أغرقتِ بها جسدي في أكثر من مناسبة. الأشياء التي كنت تضعينها تحت وسادتي حين كنت أحاول النوم، - لا أعرف ما الذي تتحدث عنه؟ قالت سارة باضطراب
- أوه بلا!

قال أمين بحدة وقد عادت إليه روحه القتالية ليندفع نحوها بينما عادت هي إلى الوراء محتمية بالمكتب، أمسك ذراعها بقوة جعلتها تأن ليسحبها نحوه وكأنها لا تزن أي شيء. عيناه ركزتا على وجهها لفحتها. حرارة زفراته ورائحته أسكرت حواسها...
وفجأة دون أية مقدمات. طوق خصرها بيده بينما رفعت يده الحرة وجهها لتقابل وجهه ليأخد شفتيها في عناق قاس متطلب...

في غرفته بالمستشفى، استلقى معاذ على السرير الطبي الضيق. يحدق في الفراغ، كلمات الشيخ الفيزازي ترن في أذنيه بقوة.
- العلاج الروحي ليس سهلا، أنت لن تستطيع علاجها دون أن يكون ايمانك قويا بما تعانيه. عليك الايمان، الايمان هو الحل أيها الطبيب. وللوصول إلى هذه الدرجة عليك البدء أولاً بالعودة إلى القواعد الأولى. عليك بالتوبة إلى الله...

التوبة؟ منذ متى توقف معاذ عن الايمان؟ منذ متى قرر أن العلم هو الوسيلة الوحيدة لفهم كل شيء؟ كيف أسقط الرب من حساباته كل تلك السنوات؟ يا الله! ما أكثر ذنوبك يا معاذ! كيف لك أن تعالج منار إذا كنت أنت أيضا تحتاج إلى معالج لروحك المتمردة قبل الجميع.

صوت آذان الفجر أعاده من أفكاره القاتمة. رفع يده ينظر إلى ساعته. لقد ناهزت الرابعة صباحا. نهض من على السرير نحو الحمام الملحق بمكتبه. طريق العودة قد يكون من أي شيء. هذه المرة حين عاد إلى المكتب كانت مشاعره واضحة. هو يريد العودة إلى طريق الصواب بكل جوارحه. فتح باب المكتب ليتوجه إلى المسجد القريب من المستشفى مقررا أن يسلك الطريق عائدا إلى ربه...
في غرفة عادل،.

منذ دخوله عرين عادل وغرفة سيرين حيث سجنتها والدته. انتاب نادر شعور بالضيق، برودة تعلو أطرافه. أحس بوخز غريب في عنقه يجعله يحرك رقبته بانزعاج بالغ قبل أن يقترب من الأريكة الموضوعة قرب النافذة ليجلس متأملا الغرفة باهتمام...

تلك الغرفة كانت تقريبا الغرفة الوحيدة التي لم يطلها أي تغيير منذ أن سكنوا منزل عائلة بنجلون القديم. فكرة وجوده في غرفة الشخص المسئول عن كل الألم الذي يعيشه أججت مشاعر الغضب بداخله من جديد. حتى وهو يعرف أنه غير قادر على أن يقتص منه. اللعنة لو كان حيا لدفنه في مكانه دون تردد. لكنه قد مات وحتى بشاعة الطريقة التي مات بها لم تمنحه أي عزاء...

عيناه تجولتا على السرير المفروش بأغطية ملونة مفعمة بالحياة ناقضت جو الغرفة المشحون. نهض نادر يدفعه الفضول لاستكشاف المكان الذي سكنته سيرين لأسابيع. سحبته قدماه نحو غرفة خزانة الملابس. المفتوحة...
لم يكن هنالك الكثير. ملابس قليلة مرتبة في أحد الأرفف. وأخيرا صدمة كبيرة اعترته ويداه تتجولان على الملابس الوردية والتي تعرف عليها نادر تلقائيا. ملابس خدم!

هل كانت والدته بتلك الوحشية لتجعلها خادمة لديها. شعور بالمرارة ضربه في الصميم. لقد أعادها إلى هنا لإذلالها، هل كانت أفكاره عالية لدرجة جعلت والدته تتبناها بأبشع الطرق، عصر على قبضته بعنف موجها لكمة قوية إلى الحائط الخشبي أمامه. كانت دهشته كبيرة حين اخترقت قبضته الجدار ليجد يده تغوص في داخل. حاول تحرير يده بقوة. قبل أن يشعر بوجود شيء مخفي في الزاوية وراء الجدار...

أمسك باللوح الخشبي أمامه محاولا ازاحة اللوح المكسور ليسمح ليده بالتحرر وأخيرا ظهر ماكان يحاول استكشافه.
كتاب؟ لكن من المعتوه الذي سيخبأ كتابا في مكان غريب كهذا. استهزء من سذاجته. الوحيد الذي قد يقوم بشيء متطرف وغريب كإخفاء كتاب بداخل ألواح خزانة لن يكون سوى عادل...
انتابه الفضول لمعرفة ما الذي يحتويه هذا الكتاب. ما الذي يجعله سريا ومهما لدرجة اخفائه بتلك السرية؟

والاجابة كانت في أول صفحة يفتحها نادر. مذكرات عادل السرية!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة