قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الثالث عشر

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الثالث عشر

رواية طلسم عشق الجزء الأول للكاتبة عفاف مغنوي الفصل الثالث عشر

احتاج زياد إلى قرابة شهر لكي يقتنع بأن لا جدوى من محاولة الوصول إلى نادر. كل الزيارات التي قام بها إلى مكتبه محاولا الحصول على معلومات تخص سيرين قد باءت بالفشل. أوضحت فاطمة، مديرة مكتبه، أنه غير موجود في أكثر من مناسبة لكن زياد كان مصرا على مقابلته غير قابل لفكرة التجاهل الذي ظن أن نادر يتعمدها. اضطر أخيرا لاقتحام مكتبه والذي بالفعل كان خاليا من غريمه كما أخبرته فاطمة من قبل ليتأكد أنها لم تكن تكذب في النهاية.

زفر بعنف وهو يعود إلى الوراء ليجلس باستسلام لقد فقد أي أمل في ايجادها. كانت كحبة رمل وسط الصحراء كيف له أن يجدها الآن؟
أخيرا قرر أن يستجيب لنداء شقيقه والذي لم ينقطع عن الاتصال به طلباً للمساعدة والتي قرر زياد في النهاية تقديمها متجاهلا الألم الذي يشعر به...
في المستشفى قبل الوصول إلى الحالة، ...

دخل زياد غرفة الأشعة مرفوقا بشقيقه الأكبر والذي تكلف بوضع الأشعة المقطعية على اللوح أمامه. كان زياد مشتتا طوال الأشهر التي رحلت فيها سيرين واختفت دون أي اشارة على الحياة. لكن فور رؤيته لتلك الأشعة المقطعية شعر وكأن طاقة داخلية تجعله يشتعل. كيف لا وهو ينظر إلى تلك الحالة الجديدة المستفزة. من أجل مثل هذه الحالات قرر زياد أن يصبح جراحا...

التفت إلى شقيقه الأكبر والذي كانت علامات اليأس بادية بوضوح على معالم وجهه: - حالة ميؤوس منها. لكن لا ضير من الاستشارة. اجتمع الكادر الطبي أمس وقرروا أنها (ب. ف. س) حالة مستمرة من غياب الوعي. لكني أتمنى فعلا لو أنك تستطيع المساعدة. رباه لازالت شابة!
تمعن زياد في المقاطع. التفت ليقابل شقيقه الذي كان ينتظر رأيه باهتمام: - مجموعة من الأغبياء!
- ماذا؟

قاطعه زياد وهو يشير إلى الأشعة: - أنظر لا يوجد أي اشارة عن ضمور للدماغ هنا. يحتاج تشخيص غياب الوعي المستمر إلى ستة أشهر في أقل تقدير...
- أعلم أنني بعيد جدا عن تخصصي هنا. لكن أليس مبكرا التكلم عن ضمور للأعضاء في هذه المرحلة؟
- بالطبع. كما أنه مبكر جدا أن نسلم بأنها (ب. ف. س) فعلا.

لذلك قال زياد وهو يحمل المعطف الطبي الذي أحضره معه مخاطبا شقيقه: - أحتاج إلى معاينة المريضة فعليا وليس مجرد النظر إلى أشعة مقطعية. أشياء كثيرة يجب القيام بها قبل أن نسلم بأنها حالة ميؤوس منها...
حرك عدنان رأسه بفهم: - في هذا أنت محق.
- أنا دائما محق!
علق زياد ساخرا بينما ابتسم عدنان نحوه عيناه تضجان بالفخر لرؤية ما وصل إليه شقيقه...
في غرفة سيرين،.

وكعادته منذ أن عاد كان نادر جالساً قرب سيرين يحمل بين يديه مذكرات عادل والتي لم تكن تفارقه منذ أن وجدها صدفة في خزانة غرفته...

مع كل صفحة تمر كان نادر يؤمن أن عادل لم يكن انسانا سويا. أفكار مظلمة تضج من الحروف التي ملأت تلك الأوراق الصفراء والتي يخيل له في بعض الأحيان أنها ولجت من احدى بوابات الجحيم. لا ذكر لمنار في أي سطر للآن. كل ما وصل إليه كان من مراهقة عادل وبداية انتقاله للعيش في كنف عمه. في بعض الصفحات كانت هنالك تلميحات عن وجود كراهية غير معلنة لابنة عمه المدللة. شعور بالغيرة رغبة في السيطرة واخضاعها لسلطته، رباه لقد كان عادل مريضا بشكل لا يصدق! كيف تمكن من الاحتفاظ بتلك الواجهة البراقة أمام الجميع. مخفيا كل هذا الظلام بدخله؟!

جرفه الكتاب بعيدا لدرجة أنه لم ينتبه للطبيب الذي فتح باب الغرفة...
لحظة دخول زياد غرفة العناية المركزة حيث كان ينتظر معاينة مريضته المحتملة لم يكن يتوقع في أسوء كوابيسه أن تكون تلك المريضة. سيرين!
فرك عينيه لمرات لا تحصى قبل أن تخذله ساقاه ويترنح من هول الصدمة التي ضربته. قلبه يضخ الدماء بقوة جعلت التركيز أمراً مستحيلا. أنفاسه تتلاحق وكأنه سيفقد الوعي...

- يا إلهي! صرخ أخيرا حين شعر باستعادة سيطرته على حباله الصوتية والتي شلتها المفاجئة
بينما وقف نادر ينظر إلى الطبيب الجديد بعينين ضيقتين. وكأنه يحاول تذكر ملامح الشخص المذهول أمامه...
- زياد؟!

كان عقله يربط الأمور بسرعة. هاتف سيرين. الرسائل. نفس الاسم. ردة فعل زياد الآن رفع نادر هاتفه بسرعة ليتصل بالرقم الذي احتفظ به منذ ذلك اليوم عاجزا عن الاتصال أو البحث عن هوية صاحبه. كبريائه اللعينة لم تسمح له بطلب معرفة الشخص الذي استوطن قلب سيرين. الذي جعلها تفكر بعد سنوات من الهروب من ضرورة العودة للحصول على الحرية. لتكوين عائلة. للزواج من غيره...

وكما توقع. ضجت الغرفة برنين الهاتف الذي ظل يومض في جيب معطفه دون أن يستطيع الأخير تحريك يده وقد شلت الصدمة حركته.
رباه! رؤيتها مهشمة، مستلقية باستسلام فوق ذلك السرير، بينما كان كالمجنون يبحث عنها منذ شهر رافضا علاجها. جعلته يشعر بالمرض...
اللعنة! كان هذا كثيرا عليه. هوى زياد فوق أول مقعد ليغرس رأسه بين كفيه وكأن العالم توقف من حوله غير عابئ بالعينين المركزتين على رأسه وهما تشتعلان غيرة وغضبا...

في المستشفى بالدار البيضاء، .
دفعت سارة اليدين اللتان أمسكتا بها بقوة لتبتعد عن حصار ذراعيه. عيناها شاخصتان من الصدمة بينما إلتهب خداها بحمرة قانية. صدرها يعلو وينخفض وكأنها كانت تركض
بينما أثَّر اجتياحه القاسي المتهور مرسوم على شفتيها اللتان تلونتا هما أيضا بلون قاني.

تحشرج صوتها غير مصدقة أن أمين قام بتقبيلها. وضعت أصابعها لا إراديا تتلمس شفتيها بينما تنظر نحوه بعينين غامتا من المشاعر الجديدة والتي لم تجربها من قبل...

أمين لم يكن أقل دهشة منها. حين أتى اليوم كان في نيته شكرها. التعبير عن امتنانه العميق للفرصة التي منحته بمساعدته على العودة لحالته الطبيعية وانتشاله من جنونه العرضي. أما أن ينجرف في تقبيلها بتلك المشاعر القوية والتي لم يعرف من أين أتت فهذا كان بعيداً عن التصديق!

أنفاسه القوية تخرج ساخنة من صدره وذكرى القبلة مازالت تلهب خياله. حاول الاقتراب مجددا. لكن سارة ابتعدت خطوات إلى الوراء مجفلة من حركته وقبل أن يستطيع التبرير ظهرت الممرضة المناوبة من العدم قاطعة أي فرصة للشرح.

استلت سارة حقيبتها من على المكتب سريعا لتفر من أمامه وكان شياطين الجحيم تطاردها بينما ظل هو واقفا ينظر نحو الممرضة والتي كان يبدو من نظراتها الاعجاب الشديد بالطبيب الوسيم. تلك النظرات قابلتها أخرى ساخرة غير مهتمة لرجل ألِف مغازلة النساء له قبل أن يتحرك في خطى سريعة محاولة اللحاق بتلك الهاربة.
في المستشفى، .

استمر نادر يرمق غريمه الجديد بنظرات متحفزة بينما زياد مطرق رأسه بانهزام مؤلم وكان الحياة قد غادرت جسده دون إنذار...
كان يتمتم بكلمات أغلبها غير مفهومة. اقترب عدنان والذي لم يكن أقل صدمة من التحول الغريب الذي طرأ على أخيه. أجال نظره بين نادر المتحفز وعيناه تطلقان الشرار. بينما شقيقه مطأطئ الرأس وكان العالم اختفى من حوله...
أخيرا سأل عدنان بفضول موجها نظره نحو نادر: - هل تعرفان بعضكما؟

تصلبت عضلات نادر بقوة واشتد فكه من الطريقة التي عصر بها أسنانه غيظا قبل أن يقول بصوت حاول باستماتة أن يخرج هادئا دون جدوى:
- شقيقك يكون صديق زوجتي...
تلك الكلمة التي خرجت من فم نادر وكأنه يبصقها انتشلت زياد من الصدمة التي جعلته مشوشا ليرفع رأسه بتحفز وينظر نحو نادر بكره:
- أنا لست صديقها! قال زياد وهو يجز على أسنانه بعنف. هي كانت خطيبتي وكانت ستصبح زوجتي قريبا!

تلك الكلمة أصابت نادر بالاشمئزاز. ضاقت عيناه على غريمه محاولا جرحه بنفس الطريقة التي شعر بها لشهور منذ أن اكتشف الرسائل النصية التي احتفظت بها على هاتفها قبل أن يعدمه هو الآخر مع كل متعلقاتها القديمة...
- كيف تكون زوجتك وهي تحمل طفلي أنا؟!

تلك الكلمات المسمومة التي نطقها نادر بسخرية لا تناسب الوضع، جعلت زياد المتحفز ينهض بسرعة مقتربا من غريمه وبلمح البصر كانت يداه تطبقان على ياقة قميصه بينما ارتفعت يدا نادر بسرعة لتمسك بمعطف زياد هو الآخر...
صوت عدنان القوي وهو يصرخ فيهما كان كفيلا بايقاف الجنون الذي كان سيندلع محرقا كل شيء:.

- يكفي! هل تظنان أنه الوقت المناسب لتصفية أحقادكما! المرأة التي تتقاتلان من أجلها تصارع الموت منذ شهور! وأنتما تجدان أن أفضل طريقة لمساعدتها هي العراك!
نفض نادر معطف زياد من يديه ليدفعه عنه بينما امتدت يد زياد لتدفع صدر نادر بقوة...
حين تمكنا أخيرا من العودة للهدوء المصطنع قال نادر بصوت قاس: - أريدك خارج غرفتها وحالا!
- فقط حين يتجمد الجحيم!

رد زياد بازدراء مسلطا نظارته الساخطة على ملامح غريمه والتي لم تعد تظهر أي مشاعر انسانية...
هنا تدخل عدنان ليقول بطريقة عملية محاولا شرح الظروف الجديدة: - سيد نادر لا أظنك تعرف ما أنت مقبل عليه. لقد اتفق الكادر الطبي على أن زوجتك حالة ميؤوس منها، زياد هو أملها الوحيد!
اقترب نادر بخطوات واسعة من السرير حيت كانت سيرين ترقد باستسلام ليقول بصوت بارد:.

- سأنقلها إلى الخارج. هنالك أطباء أكفاء وليس مجرد مجموعة من الحمقى!

حاول زياد الرد لكن شقيقه أمسكه محاولا أستخدام المنطق لاقناعه: - سيد نادر ما تحاول فعله أمر مستحيل! محاولة ايحادك طبيبا آخر يحتاج ترف الوقت الذي ما عادت زوجتك تملكه. ناهيك عن نقلها وهي في هذه الحالة الحرجة والذي بالتأكيد سيعيد نزيف دماغها والذي حاول الأطباء ايقافه طوال الشهر المنصرم، هل ستخاطر بموتها فعلا على أن تسمح لزياد بمساعدتها. لا داعي لأن تجيبني الآن لكن زياد يملك خطة. لست متأكداً من نجاحها لكن على الأقل دعه يحاول...

كانت عينا نادر مسلطتان على الطبيب يستمع رغما عنه لما يقوله بينما عقله يفكر بسرعة كبيرة. هل هو مستعد للمجازفة. مهما كان حقده شديدا عليهما معا في هذه اللحظة لدرجة يرغب فيها بلكم غريمه وافقاده وعيه بل وايقاظ النائمة هناك ليصب عليها جام غضبه...

لكن كان هذا أمله الأخير. لن يسمح حتى لكبريائه اللعينة في التدخل وحياتها وحياة ابنه على المحك. زفر بعنف محاولا التهدئة من نيران الغضب التي تتأجج بداخل صدره ليقول:
- حسنا سأدعك تعالجها زياد. لكن هذا لا يعني أن حسابنا القديم قد انتهى...
- بالتأكيد لن ينتهي!
قال زياد بنفس التحفز قبل أن يقترب من سرير سيرين محاولا ابعاد أي مشاعر. لكي يتمكن من انقادها كان عليه التصرف كزياد الطبيب وليس كزياد العاشق.

أخيرا بعد ساعات من الفحوص المخبرية والأشعة المقطعية التي أمر زياد بإعادتها.
دخل أخيرا إلى مكتب شقيقه حيث كان نادر في انتظاره ليشرح لهما خطة العلاج الجديدة والتي قررها زياد رغم معارضة رئيس قسم جراحة الدماغ والأعصاب والتي اعتبرها خطة انتحارية...
- سأقوم بعملية سيرين الليلة! قال زياد بهدوء
رفع نادر رأسه لينظر إلى زياد بوجه جامد: - هل يمكن أن تستيقظ؟

- لا أعلم. لكن هذا يستحق المحاولة. سيرين تستحق منا محاولة أخيرة...
- إذاً فليكن! قال نادر باستسلام قم بما تراه مناسبا
- حسنا.
رد زياد محاولا التعامل بمهنية وهو يمنح نادر الأوراق التي كان عليه توقيعها مانحاً اياه كل الصلاحيات اللازمة...
فتح الباب فجأة ودخل رئيس قسم جراحة الدماغ والأعصاب وهو يصرخ بعصبية مقتربا من نادر والذي كان يوقع أوراق الموافقة بذهن شارد.

- سيد نادر أنت لن تسمح لهذا المتبجح بافساد جسد زوجتك! فكر في العديد من الأشخاص الذين سيستفيدون من أعضائها فور أن تقرر السماح لها بالرحيل. ستنقد العشرات من المرضى. العديد من الحالات التي وصلت مرحلة اليأس قد تعود إلى حياة بفضل زوجتك. اجعل لموتها معنى على الأقل.

ظل نادر للحظة واجما ينظر نحو رئيس الأطباء ببرود، قبل أن تقسو ملامحه وكأنه يستوعب الكلمات ببطئ شديد. نهض بهدوء ليضع الأوراق في يد زياد الذي كان ينظر نحو رئيس القسم محركا رأسه باستياء، ليفاجئه باللكمة التي نزلت على فكه بقوة جعلته يسقط على الأرض فاقداً للوعي بينما ظل عدنان وزياد ينظران نحو نادر بذهول
هل ضرب للتو رئيس الأطباء!

ظهرت شبه ابتسامة على وجه زياد قبل أن تخبو سريعا. وهو ينظر إلى نادر الذي قال ببساطة:
- كنت أشعر ببعض الانزعاج لكنني أفضل حالا الآن! سأكون في غرفة زوجتي إلى حين تجهزيها...

بهذه الكلمات الهادئة والتي لم تناسب الموقف الغريب خرج نادر من الغرفة وهو يمسد قبضته التي نزلت بقوة على فك الطبيب. بينما تكلف عدنان الذي ألجمته المفاجئة برفع الطبيب الفاقد للوعي محاولا ايقاظه وهو يحرك رأسه غير مصدق أن رئيس الأطباء قد تلقى لكمة لتوه:
- أظنك سعيدا للغاية زياد! لا تحاول اخفاء فرحتك!

- ههههه. إنه شيء منعش على الأقل. ليس كأنني أرى هذا المشهد كل يوم. والآن سأترك لك مهمة ايقاظه فلدي عمل علي التجهز له...
في غرفة سيرين، ...
جلس نادر وقد سيطر عليه القلق. منذ أن تركها أخيرا في عهدة زياد ساحبا منه وعدا بالقيام بالمستحيل لاعادتها. وهو جالس على السرير الذي احتضن جسدها لشهرين كاملين. يتحسس الدفء الذي تركته ورائها خائفا أن يكون هذا الدفء هو الشيء الأخير الملموس الذي قد يحصل عليه.

كاد قلق الانتظار يعصف بعقله وهو ينظر نحو عقرب الساعة الذي يتحرك ببطء شديد وكأنه يستهزئ بأعصابه المتوترة. غرس أصابعه في شعره لمرات لا تحصى، أخيرا لم يعد يستطيع الانتظار فقد مرت ساعات منذ دخولها غرفة العمليات ولا جديد إلى الآن...
شعر نادر أنه لم يعد وحيدا. رفع رأسه لينظر إلى مروان والذي وقف يرمقه بنظرات يعرفها نادر جيدا. إدانة...

- تبا مروان! أي كلمة من ارحل من هنا وعد إلى بلدك لم يستوعبها عقلك البليد؟ لا أريد رؤيتك ولا رؤية زوجتك بعد الآن...
اقترب مروان بثبات وكأن الكلمات الساخطة التي نطق بها نادر لم تعنه بالمرة، ليجلس بهدوء على الأريكة المقابلة له. كتف ذراعيه وهو ينظر إلى نادر باتهام قبل أن تأتي نبرته قوية بعيدة كل البعد عن شخصيته الهادئة الرزينة:.

- اللعنة نادر! ألا تعرف متى تتوقف؟! أتظن أنني هنا لأني أريد التواجد معك في نفس المكان حبا بالله. لقد رأيت ما يكفي من الجنون منذ وطأت قدماي أرض الوطن. وأنا أصبحت فعلا سعيدا بالعودة إلى بلدي كما تسميها. لكن ما الذي كنت تفكر فيه.
قال بادانة وعيناه مركزتان على نادر والذي لم يبد عليه أن فهم المغزى من سؤاله.
- عن ماذا تتحدث؟

- عن ماذا اتحدث؟! بحق السماء. هل قمت فعلا بضرب الطبيب المسؤول عن حالة سيرين؟ هل لكمته داخل المستشفى؟
ابتسم نادر دون مرح مستمرا في النظر إلى مروان الذي اتسعت عيناه بشدة...
- يا إلهي! هل تعلم ما الذي ورطت نفسك فيه؟
- لا يهمني! قال نادر بنزق وهو ينهض متجها نحو الباب فليفعل ما يحلو له!
- إنها جنحة قد تدخل بسببها السجن!

- أعلم! رد نادر بهدوء معطيا مروان ظهره وقبل أن يرحل وقف للحظة والتفت إلى صديقه ليقول أنا حانق على زوجتك بشدة وأتمنى لو أخنقها بيدي. هذا لا يعني أن أكون غير منصف في حقها أو أختلق الوقائع. ماتجهله أنت عن تلك الليلة هي لم تكن زوجتك وقتها. حين أتت إلى كانت مراهقة صغيرة مغرمة وأنا احتويت الموقف ولم أخبر أحداً بما حاولت فعله. إذا كنت ستلومها على حب طفولي أحمق. أتمنى أن تسدي نفسك معروفا وتتوقف عن التدخل في علاقات الآخرين!

ضاقت عينا مروان واشتدت قبضته بقوة. ليقول: - مشاكلي الزوجية لا تخصك. ابقى بعيدا عن الموضوع!
حرك نادر رأسه بفهم قبل أن يرحل ويترك مروان ليتهاوى الأخير على الأريكة واضعا رأسه بين كفيه...
الدار البيضاء، منزل معاذ، ...

انتهى معاذ من أداء صلاة العشاء. يحس براحة فعلية منذ أن عاد ليواظب على فروضه الدينية كالسابق. وضع الماء في السخان الكهربائي ليفتح أحد الجوارير ساحبا علبة مربعة وضع منها ملعقتين من القهوة السوداء في كوب قبل أن يتعالى رنين جرس الباب ليتركه على الطاولة ويتجه نحو الباب متوقعا حضور أمين والذي أصبح لصيقا به كظله منذ عودته من المستشفى وكأنه لم يعد قادرا على أن يكون بمفرده. خوف مبرر لم يحاول معاذ مناقشته خصوصا وأمين رافض التدخل تماما في ملف منار أو حتى الحديث عنها مجددا...

اتجه إلى الباب وهو يفكر جديا في السماح له بالانتقال للعيش معه. ما الفائدة فهو يبيت كل لياليه هنا ولم يتبقى إلى أن يصنع له نسخة عن المفتاح...
فتح معاذ الباب ليفاجئ بالغريب الواقف أمامه بحلة العمل الرسمية...
- الطبيب معاذ المالكي من فضلك...
- هذا أنا.
قال معاذ بهدوء مستمرا في تأمل الغريب قبل أن يطلب منه الحصول على وثيقة تثبت كلامه. أحضرها معاذ باستغراب ليسلمه الأخير طردا ملفوفا باحكام.

نظر معاذ إلى الطرد بدهشة كبيرة وازادادت دهشته وهو ينظر إلى هوية المرسل: نادر الصفروي.

لكن ما الذي قد يرسله له نادر في مثل هذه الظروف. خصوصا وهو يعلم بما أصاب زوجته. تملكته الحيرة والفضول ليفتح الطرد ويفاجئ بآخر شيء يمكنه تصوره. كتاب من الحجم الكبير. فتح أول ورقة لتصدمه المفاجئة وهو ينظر إلى الإسم الذي قفز من أول صفحات الكتاب. مهلا هذا ليس كتابا انها مذكرات. مذكرات غريمه الميت سبب كل المصائب التي عانى ويعاني منها منذ سنوات عادل.

لكن ما الذي يفعله بمذكرات عادل ولماذا يرسلها إليه هو بالذات. سقطت من المغلف ورقة حملها معاذ ليفض محتواها بسرعة: معاذ هذه مذكرات عادل السرية لقد حصلت عليها بالصدفة من غرفته. كنت أتمنى أن أواصل قراءتها لعلي أفهم القليل عنه لكنني في ظرف لا أحسد عليه. أتمنى أن تفيدك هذه المذكرات في علاج شقيقتي. احتفظ بها من أجلي إلى أن أعود، نادر الصفروي.

أغلق معاذ الورقة وعاد ينظر إلى الكتاب باهتمام. كان على وشك دخول عالم عادل السري فهل كان مستعدا لذلك!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة