قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل السادس والستون

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل السادس والستون

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل السادس والستون

هرعت أم أمين الى الباب بهلع ما أن دخلت بدور من الباب و هتفت ترتعد
(ما الذي حدث يا بدور؟، أمين في حال مرعب، لقد صرخ في للمرة الأولى في حياته حين سألته عما أصابه، قدمت له كوب ماء كي يهدأ فألقاه أرضا و كسره!)
ابتلعت بدور ريقها و سألتها بخفوت
(أين هو الآن؟)
أجابتها أمه برعب.

(دخل غرفته و صفق الباب بعنف و لم يخرج، و يرفض حتى أن يفتح لي الباب، هل أنت السبب؟ هل تشاجرتما؟، أين تقابلتما اليوم طالما عاد كلا منكما وحيدا؟)
ربتت بدور على ذراعها هامسة
(ليس الآن يا عمتي، سأصعد لأراه أولا كي أطمئن عليه)
قالت أم أمين بخفوت من خلفها
(0اذهبي اليه يا ابنتي، عله يسمع منك و يفتح لك الباب)
صعدت بدور بارهاق حتى وصلت الى غرفة أمين، لم تكن ترتجف خوفا هذه المرة، بل كان بداخلها نوعا من، الرفض...

نعم ترفض أن تهان هذه المرة تحديدا، لأنها لم تخطىء...
أن تدفع ثمن ما اقترفته فهذا حق ترضاه، أما أن تدفع ثمن كل مرة يظهر فيها راجح بقذارته فهذا ليس عدلا و غير آدمي...
طرقت بدور الباب بهدوء فسمعت صوت صراخ مروع
(اتركيني يا أمي أرجوك، أريد البقاء بمفردي قليلا، الا يحق لي أن أبقى وحدي! أم أخرج و أترك البيت!)
أغمضت بدور عينيها و هي تأخذ نفسا عميقا، ثم قالت بهدوء
(إنها أنا، بدور).

ساد صمت للحظتين اثنتين فقط، ثم جعر بصوته فجأة صارخا
(ابتعدي من هنا، لا أريد أن أرى وجهك)
تلقت بدور الإهانة صامتة شاحبة، ثم قالت بجفاء
(حسنا، سأبتعد لكن تذكر أنني أتيت للمواجهة بشجاعة و أنت من يرفض، سأذهب للنوم لأنني متعبة)
ثم ابتعدت عن الباب و اتجهت الى غرفتها بالفعل لكنها تركت الباب مفتوحا و جلست على حافة سريرها منتظرة دون حتى أن تخلع حجابها...

و لم يطل انتظارها فقد سمعت خطوات غاضبة، تلاها اقتحام أمين غرفتها حاملا معه حقيبة ملابس فارغة ألقاها على السرير بجوارها، و كانت ملامحه أقل ما يقال عنها في تلك اللحظة أنها ملامح شيطانية...
ثم اتجه الى خزنة ملابسها ففتحها و أخرج معظم ملابسها ليلقي بها في الحقيبة، يتبعها بمجموعة أخرى بينما بدور تتابعه بعينيها صامتة.
ثم قال أخيرا لاهثا
(لا أريدك في هذا البيت، ارجعي الى أهلك هم أولى بك).

لم ترد بدور ظلت على صمتها وهو يتابع قائلا بنبرة محترقة متابعا ما يفعله بأصابع خرقاء
(الخطأ خطأي من البداية، أنا من تهاونت في حق كرامتي و لأجل ماذا؟، أنا لا أعلم حتى، لأجل فتاة، لا تساوي شيئا)
أخفضت بدور وجهها صامتة، أما هو فاتجه الى طاولة الزينة و نزع عنها كل عطورها و كأنه يقرف من رائحتها و ألقاها فوق ملابسها الفوضوية في الحقيبة المفتوحة...
نهضت بدور من مكانها أخيرا ووقفت تواجهه، ثم قالت أخيرا بجفاء.

(حقك أن تطردني من بيتك الا أنني لن أسمح لك أن تهينني أكثر)
توقف أمين عما يفعل وهو ينظر اليها ذاهلا و كأنما كان ممتنا لأنها أعطته الفرصة كي يفجر قيود غضبه...
فهجم عليها ممسكا ذراعيها بكلتا قبضتيه كما فعل في مقر عملها وهو يقربها منه هامسا أمام وجهها بشراسة و ضغط نفسي واضح عليه
(لن تسمحي! لن تسمحي! انطقيها مجددا، أريد أن أسمعها، أنت التي لن تسمح؟)
صرخت بدور فيه بعنف مفاجىء و قد احمرت عيناها غضبا.

(نعم أنا التي لن تسمح، و سأكررها لك ألف مرة لو أردت، لن أسمح لك أن تهينني، نعم أخطأت و أستحق العقاب و كررت هذا أمامك مئات المرات خطأ في حق نفسي و خطأ حين خدعتك، و سأظل نادمة حتى آخر يوم في حياتي على هذا، لكن ليس من حقك أن تحسن معاملتي طويلا ثم تعود فجأة و تذلني كلما تذكرت الأمر! هذا التصرف عديم الرحمة)
هزها أمين بعنف وهو يصرخ بجنون.

(كلما تذكرت الأمر! لا، أنت تسيئين الفهم فأنا لم أنسى الأمر من الأساس كي أعود و أتذكره كل فترة، لقد تحملت و عاملتك بإحترام الى أن وجدتك اليوم معه، و سمعت كل كلمة فاجرة نطقها و قصد بها زوجتي)
صرخت هي أيضا بحدة.

(ليس ذنبي، ليس ذنبي هذه المرة كي أدفع ثمن قذاراته، كنت مخطئة حين ظننتك رجلا منصفا، لكنك ستنتهز كل فرصة كي تذلني فيها، و بصراحة أظن أنك سعيدا منتشيا داخلك لأنه منحك الفرصة كي تنفجر و تهينني مفرغا بعضا من كرهك لي و الذي لم تفرغه كما يجب و أنت تحاول أن تكون مثاليا الفترة الماضية)
همس أمين بذهول
(لا أصدق كم أنت جاحدة، ناكرة للجميل)
صرخت فيه بدور بجنون هيستيري
(صدق اذن).

ساد بينهما صمت غريب و كلا منهما ينظر للآخر لاهثا مصدوما، ثم دفعها عنه بقوة و قال آمرا وهو يوليها ظهره
(اخرجي من هذا البيت، لا أريدك فيه)
شعرت بدور بالدموع تخدش حدقتي عينيها بقسوة، الا أنها رفضت البكاء بل أومأت برأسها و أغلقت الحقيبة بأصابع متشنجة، قبل أن تسحبها أرضا قائلة بهدوء
(كنت سأفعل في كل الأحوال)
ثم سارت في اتجاه الباب لكنها قبل أن تخرج التفتت اليه قائلة بصوت ميت.

(كنت أعرف أنك تراقبني بلا شك، و كنت أعرف أنك ستراه حين يلاحقني لأنه يريد تدمير اي شيء ذا قيمة و على ما يبدو أنه قد رأى في زواجنا قيمة تذكر فحثه حقده كي يدمره، لكنني حين احتجت للمساعدة لجأت الى قاصي، و لم ألجأ اليك، بل تركت لك أمر المراقبة علها تكون قد أفادتك، شكرا لك يا أمين)
صمتت للحظة و هي تقاوم الغصة في حلقها ثم تابعت بإختناق.

(حين أخبرتني أنك لم تسامحني عذرتك بل أحببتك أكثر، لأنك عاملتني بإحترام فكان هذا أكبر عقاب لي، لكنك اليوم ظالم، نعم أنت ظالم يا أمين لأنك تعاملني و كأنني ارتكبت حراما، و أنا لم أفعل أنا مخطئة و لست زانية كي تعاملني بهذا الشكل).

شعرت بنفسها ستبكي شاهقة فأسرعت بالخروج من الغرفة وهو يوليها ظهره، و نزلت على السلم تجر حقيبتها بصعوبة و الدموع تغرق وجهها، لكنها توقفت حين رأت أم أمين واقفة على السلم واضعة يدها على صدرها ناظرة اليها بذهول و صدمة، و عينين مبللتين بعدم تصديق، و بجوارها نورا تقف صامتة باكية فشعرت بدور بقلبها يتمزق ببطىء...
فقالت أم أمين بصوت مهتز مذهول.

(لماذا؟، لماذا لم تصارحينا قبلا يا بدور؟، لقد عاملتك كابنتي، كيف تعاملين ابني بهذا الشكل؟، لقد شككت في الأمر لكن اصراره على الا يتركك فيما بعد أزال الشك من قلبي و قلت لنفسي أن بدور لا تفعلها، يستحيل)
نزلت بدور بضعة درجات حتى وقفت أمامها، ثم قالت بصوت مختنق من بين دموعها.

(سأظل آسفة طوال عمري، و سأظل شاكرة لكم طوال عمري أيضا للأيام التي عشتها في هذا البيت و لشهامة أمين تجاهي، لن يضيع كرمكم أبدا بل سيعوضكم الله خيرا)
أغمضت أم أمين عينيها باكية، غير قادرة على استيعاب هذه المصيبة، أما نورا فقالت بإختناق
(لا ترحلي يا بدور، أنا آسفة، لم أقصد أن أؤذيك والله)
ابتسمت بدور في بكائها و همست بصعوبة
(كان سيأتي اليوم الذي سأرحل فيه لا محالة، و ربما كان هذا أفضل للجميع).

و لم تجد نفسها قادرة على الكلام أكثر، فنزلت بسرعة و عرجت حتى الباب لتخرج منه...
و مرت بضعة دقائق من الصمت قبل أن تفتح أم أمين عينيها و تكمل صعود السلم هرولة الى أن دخلت غرفة بدور فوجدت أمين جالسا على حافة السرير مطرق الرأس فهتفت فيه
(قم يا ولدي الحق بها، لقد خرجت من البيت وقد حل الظلام و لا مكان تذهب لها كي تذهب له)
ظل أمين متسمرا و الصراع على ملامحه فهتفت أمه.

(قم يا ولدي، لم تطردها ليلة الدخلة و تريد طردها الآن! انها ابنة عمك و تحمل اسمك)
رفع أمين وجهه ينظر الى أمه للحظة قبل أن ينتفض من مكانه و يخرج من الغرفة مندفعا لينزل السلم كل درجتين معا...
لكن حين خرج من بوابة البيت أدار وجهه يمينا و يسارا فلم يجد لها أثرا، ابتعد مهرولا يبحث عنها في الظلام الا أنها كانت كذرة ملح ذابت و اختفت...

أسرع أمين في العودة للبيت يبحث عن هاتفه. حتى وجده و اتصل بها لاهثا بينما والدته تقف بجواره تنظر اليه بقلق، لكن سرعان ما هتف بغضب
(الهاتف مغلق)
لوحت امه بكفها قائلة بخوف و ندم
(ماذا سنفعل؟، الفتاة بلا عائلتها هنا، كيف تركناها تخرج!)
كان كلام أمه يزيده جنونا و ذهولا من نفسه، فأسرع يبحث في الأرقام بأصابع متوترة قائلا بعدم اتزان
(سأتصل بصديقاتها كلهن أعرف سجلت أرقامهن للإحتياط)
قالت أمه يائسة.

(لن تكون قد وصلت الى أي منهم بعد)
رد أمين بعصبية
(و مع ذلك سأتصل كي أنبههن قبلا)
همست والدته بتخوف
(لكن منظرنا أمام الناس يا ولدي)
أجابها أمين لاهثا
(ملعون منظرنا يا أمي إن حدث لها شيء بسببي، ماذا لو اختطفت و هي وحيدة تبحث عن مكان تبيت فيه)
شهقت والدته واضعة يدها على صدرها الخافق
(لا قدر الله، سترك يا رب)
صرخ أمين فجأة
(تبا لها، تبا لها الغبية، لو كانت قد انتظرت دقيقة واحدة لكانت انفجارة غضبي قد هدأت).

قالت نورا من خلفه بخفوت
(ربما لم تعد كرامتها تتحمل دقيقة اضافية)
ضغط أمين على أسنانه يحاول السيطرة على نفسه لكنه صرخ فيها بجنون
(الوضع فعلا لا ينقصك في تلك اللحظة، يكفي أن ما حدث كان بسببك، أرجو أن تكوني مرتاحة الآن)
صرخت فيه نورا مدافعة
(إن كنت تريد تصديق هذا كي تريح ضميرك فافعل، لكن الحقيقة أنك لم تسامحها أبدا)
صرخت أمها فيها بصرامة و غضب.

(اخرسي يا نورا، الا ترين حالة أخيك يا عديمة الإحساس؟ اختفي في غرفتك الآن هيا)
صعدت نورا الى غرفتها جريا، بينما جلس أمين على حافة الأريكة دافنا وجهه بين كفيه قائلا بخفوت
(نورا محقة يا أمي، لقد تماديت يا أمي و قد تدفع ثمن لحظة غضب مجنونة)
جلست أمه بجواره و هي تدلك ظهره بكفها قائلة بحرارة و أسى.

(لا تحمل نفسك فوق طاقتها يا ولدي، أي رجل مكانك لم يكن ليتحمل ما سمع، فكر الآن كيف نعيدها ثم اترك امر زواجكا بعد أن نطمئن عليها)
نظر أمين اليها للحظة، ثم نهض قائلا بسرعة
(سأذهب للبحث عنها و خلال ذلك سأعاود الإتصال بصديقاتها واحدة تلو الأخرى)
نهضت أمه خلفه قائلة بقلق
(لقد خرجت للتو يا ولدي، أين ستبحث؟ لما لا تنتظر قليلا؟)
رد أمين خارجا من باب البيت
(لن أستطيع يا أمي، مستحيل).

فتح ليث الباب وهو يتسائل من يكون الزائر في تلك الساعة، فوجد أمامه شابة بسيطة الملامح، جذابة و تبدو متعبة للغاية، و تجر حقيبة ملابس معها بينما عقد الحرج لسانها فظلت صامتة بدرجة مثيرة للشفقة...
فبادرها ليث قائلا
(السلام عليكم، أي خدمة؟)
ردت بصوت مختنق لا يكاد يسمع
(و عليكم السلام و رحمة الله، على الأرجح أنت لا تتذكرني، أنا، بدور، ابنة عم زوجتك).

توقعت منه أن يطردها على الفور و يغلق الباب في وجهها، الا أنه قال مرحبا متناسيا آخر لقاء بينهما على الفور
(نعم بالطبع، اعذري ذاكرتي الضعيفة، تفضلي بالدخول، أهلا بك)
دخلت بدور ببطىء تجر حقيبتها و ساقها...
ليست ذاكرته الضعيفة هي السبب في نسيانه لها، بل السبب أن غضبه الشديد آخر مرة أعماه عن رؤيتها من الأساس، و كانت هي السبب، والله يحق له طردها...
قال ليث بهدوء
(سأستدعي سوار على الفور).

أومأت برأسها ممتنة، و ظلت صامتة دقائق الى أن شعرت بهما يخرجان سويا...
ستتكلم أمامه، من المؤكد أن بعد ما فعلته آخر مرة سيريد معرفة ما تريده من زوجته...
رفعت بدور وجهها تنظر الى سوار فتفاجئت برؤيتها بنفس جمالها و بهائها بل أكثر جمالا و قد زاد عليها بطن منتفخة جميلة ظاهرة تحت العباءة الرقيقة التي ترتديها...
همست بدور بسعادة طفولية
(تبدين جميلة تبارك الله، لم أعرف أنك حامل، مبارك لك).

كانت سوار مترددة قليلا غير مرحبة الا أنها ردت مبتسمة ابتسامة متحفظة و هي تقول
(بارك الله بك يا بدور، العاقبة عندك)
زالت عنها الإبتسامة و ظلت صامتة بإرتباك تتسائل كيف واتتها الجرأة كي تأتي الى هنا، ثم قالت أخيرا بخفوت شديد
(أنا، لا مكان لدي لأبيت الليلة، و تيماء و قاصي بمدينة أخرى فكنت أتسائل)
صمتت مذهولة و كأنها وعت لبشاعة تصرفها فقالت بتوتر
(أنا يجب أن أذهب، سلام).

انحنت لتحمل الحقيبة، الا أن ليث كان أسرع منها فحمل الحقيبة عنها وهو يقول بهدوء حازم
(سأدخل الحقيبة في غرفة الضيوف ثم أترك الغرفة لك)
دخل ليث بالحقيبة بينما وضعت بدور يدها على وجنتها تتمنى لو تنشق الأرض و تبتلعها...
تحركت سوار ببطىء أخيرا و حفيف عبائتها يصدر من حولها هالة رقيقة تشبه رقة شكلها في الحمل...
فأمسكت بيدها و قالت بلطف
(لقد خرج ليث من الغرفة، تعالي لتبدلي ملابسك ثم تحكين لي كل شيء).

الا أن بدور ظلت مسمرة مكانها غير قادرة على الحركة و نظرت الى سوار مصدومة
(كيف أتيت الى هنا، لا يمكنني البقاء)
ربتت سوار على ظهر كفها و قالت مؤكدة
(بالطبع ستبقين، أنت ابنة عمي يا بدور، مهما كانت أخطائك لكن يظل بيتي مفتوح لك حين تحتاجين، هيا).

صمتت بدور و هي نصف جالسة في الفراش بعد أن حكت لسوار على كل ما حدث بينما كانت سوار جالسة على حافة السرير بملامح تتقد غضبا و هي تتنفس بسرعة...
و ما ان انتهت بدور من الكلام حتى همست سوار من بين أسنانها تكلم نفسها
(ملعون، ولد بلعنة الحقد و لن يشفى منها أبدا، لكنها حولته مجنونا على ما يبدو)
همست بدور تسألها
(متى كان سويا؟، على الأرجح نحن من كنا عميانا)
نظرت سوار اليها مفكرة ثم قالت بغيظ.

(لكنك تسرعت في الخروج من بيتك يا بدور، كانت فورة غضب أصابت أمين و كانت ستزول سريعا وهو معذور بصراحة، لم يكن عليك التسرع)
هزت بدور رأسها نفيا و هي تقول بخفوت
(شعرت في لحظة أنني لم أعد قادرة على التحمل، قلبي آلمني جدا)
تنهدت سوار ناظرة اليها بحزن ثم سألتها قائلة
(أنت لن تخبريه عن مكانك الليلة؟)
نظرت اليها بدور من تحت أهدابها ثم أبعدت عينيها قائلة.

(لو أخبرته سيأتي على الفور ليأخذني، حرجا منه أمامكما و لا أعلم ماذا ستكون خطته التالية قد يوصلني الى والدي بنفسه و أنا لا أريد العودة للبلدة يا سوار)
ربتت سوار على ساقها هامسة
(لا تفكري في شيء الليلة، نامي الآن و ارتاحي و غدا سيكون كل شيء على ما يرام)
أومأت بدور برأسها مبتسمة بإمتنان، فنهضت سوار من مكانها لتطفىء الضوء و تغلق الباب خلفها...
بادرها ليث قائلا ما أن دخلت غرفتهما و أغلقت الباب.

(أنت لن تتصلي بإبن عمك لتطمئنيه، اليس كذلك؟)
ردت سوار بحزم و هي تفك عقدة شعرها و تخلع عبائتها
(يحتاج لبعض التأديب، مهما كانت أخطاء بدور، لكن طرد ابنة عمه من بيته ليلا يعد خطا أحمرا و تجاوزه)
ابتسم ليث وهو يقول بخفوت متكاسل
(أحب صرامتك في التأديب يا وحش الليل)
فتح لها ذراعيه لتندس بينهما متنعمة بهدوء ثم قالت متنهدة
(حبيب وحش الليل أنت).

جالسا على درجة من درجات السلم، أحمر العينين، مشعث الشعر، غير حليق الذقن و بنفس الملابس منذ ليلة أمس، واضعا يده على فمه بينما عينيه واسعتين بغير هدى...
ممسكا بهاتفه في يده الساعة السادسة صباحا، يبدو و كأنه مجنون فاقد العقل و القدرة على التصرف السليم...
نظر الى هاتفه بصمت و حسب الوقت، لو كانت قد سافرت للبلد ستكون قد وصلت الآن، لذا طلب رقم أمها، و أستمر في الإتصال الى أن سمع صوتها ناعسا قلقا
(من؟).

أجابها أمين مباشرة و دون مقدمات
(أنا أمين يا زوجة عمي، هل جائت بدور اليكم؟)
ساد صمت قصير قبل أن تسأله بصوت مرتعب
(ماذا تعني؟، هل ستأتي؟، أي قطار استقلت كي ننتظرها؟)
سألها أمين يائسا
(اليست عنكم حاليا؟)
ردت أم بدور و قد زاد رعبها...
(أين البنت يا أمين؟، ماذا حدث لها؟، هل تركت البيت صباحا أم مساءا؟، انطق يا ولدي)
أجابها أمين بصوت ميت مختنق
(سأتصل بك لاحقا يا أم زاهر).

صرخت تناديه الا أنه أغلق الخط داعيا الا تصاب بنوبة قلبية، لكنه كان مجبرا على سؤالها...
عاد لينظر أمامه بعينين واسعتين و ما أن سمع رنين الهاتف حتى انتفض وهو يرد قائلا بلهفة
(هل وصلت عندكما يا تيماء؟)
ردت عليه تيماء غاضبة
(لا، أفهم من ذلك أنك لم تعرف أي معلومات عنها بعد!)
ثم صرخت فيه فجأة
(كيف تطردها من بيتك؟، هل جننت يا رجل؟، ماذا لو قابلت أحد المغتصبين؟)
أطبق أمين جفنيه بقوة وهو يقول شاعرا بدوار عنيف.

(كفى، كفى أرجوك، اخرسي يا تيماء، منذ ليلة أمس و أنت تضعين أبشع الإحتمالات، الا يكفي تخيلك أن تكون قد وقعت تحت عجلات القطار و هي تنوي الركوب ذهابا الى اهلها!)
أخذا يصرخان عبر الهاتف الى أن صمت أمين فجأة وهو يراها خارجة من المصعد تتجه الى باب مقر عملها بهدوء تنوي فتحه!
تسمرت بدور مكانها و هي ترى أمين أمامها بهذا الشكل المريع جالسا على درجات السلم أمام باب المكتب...

و ظل ينظر كلا منهما للآخر بذهول الى أن سألته بدور بصوت خافت
(منذ متى و أنت تجلس هنا؟)
نهض أمين من مكانه ببطىء و هو يغلق الخط بينه و بين تيماء، ثم اقترب منها متمهلا الى أن وقف أمامها تماما، ثم سألها بصوت خفيض مهدد و منذر بالشر
(أين كنت؟)
رفعت بدور حاجبيها و قالت بدهشة ساخرة
(تسألني و كأنني تأخرت في العودة للبيت، هل نسيت أنك طردتني!)
لم ترمش عينا أمين الواسعتان الخطرتان، ثم سألها مجددا بنبرة اكثر خطرا.

(سؤالا واحدا و أريد جوابا عليه، أين قضيت ليلة أمس؟)
نظرت اليه بدور بطرف عينيها ثم أخرجت المفتاح من حقيبتها كي تفتح المكان متجاهلة وجود أمين مما أشعل غضبه الكامن فاندفع اليها و قبض على ذراعها يسحبها بقوة الى داخل المكتب...
تأوهت بدور بصوت عال غاضب لكنه ما أن دخل حتى دفع ذراعها عنه و سألها مجددا بنبرة مخيفة
(أين قضيت ليلة أمس؟، الجميع كانوا يبحثون عنك كالمجانين).

كتفت بدور ذراعيها و نظرت اليه قائلة بإستياء
(لا يبحث عني الجميع، أنت فقط من كنت تبحث و لا أعلم لماذا كنت تفعل بعد أن طردتني)
أبعد أمين شعره بأصابعه وهويلتقط أنفاسه محاولا تهدئة نفسه، الا أنه لم يستطع، فعاد ليمسك بذراعيها و يهزها بقوة هادرة
(أين قضيت ليلة أمس؟)
مطت شفتيها قائلة بإمتعاض
(اطمئن، لم أقضها في مكان يسيء الى اسمك، فأنا لم أنحدر لمستوى بيع شرفي بعد)
جن جنونه و بدا هذا واضحا في نظراته فصرخ فيها.

(أين كنت؟)
نظرت اليه بدور للحظة و رغما عنها شعرت بالشفقة على حالته التي يرثى لها، فقالت أخيرا بإختصار
(عند سوار)
تجمد جسد أمين على الفور وهو ينظر اليها عاقدا حاجبيه و كأنه لم يستوعب الاسم بعد، ثم قال غير مصدقا
(سوار! ابنة عمك غانم! لم أفكر في الإتصال بها مطلقا)
هزت بدور كتفها بصمت، ثم قالت بصوت خفيض
(أين كنت لأذهب اذن؟)
حك أمين ذقنه الغير حليقة بتوتر وعدم تركيز، ثم نظر اليها طويلا و سألها بعمق.

(و طبعا أخبرتها بكل ما حدث)
ظهر طيف صلابة في عينيها و هي ترفع ذقنها قائلة بثقة
(بالطبع أخبرتها، و الا كيف كنت سأفسر لها وقوفي أمام باب بيتها بحقيبة ملابسي، خاصة و أنني لست مخطئة في أي شيء)
صمتت للحظة ثم كررت بصوت أكثر غضبا و استياءا
(لم أفعل أي شيء يسيء الى اسمي كيف أخجل من ذكره)
كان صدره يعلو و يهبط بسرعة و عيناه غاضبتان، لا تعرف إن كانتا غاضبتين منها أم من نفسه، لكنه حين تكلم أخيرا سألها بجفاء.

(لماذا لم تنتظري بضعة دقائق؟، مؤكد تعرفين أنني كنت سأتراجع لأنني لم أكن في حال طبيعي)
مالت عيناها في حزن هز قلبه على الرغم منه، لكنها قالت بخفوت هادىء
(بالطبع أعرف، لكن ربما كان خروجي ليلة أمس أفضل من الإنتظار لوقت أطول و كلا منا يؤلم الآخر دون قصد، و تعرف أنني كنت سأخرج من البيت في يوم ما، لذا لا داعي للانتظار اكثر)
جذبها أمين اليه قائلا بجدية.

(من قال أنك كنت ستخرجين في كل الأحوال؟، أخبرتك أنه بيتك، لا تستغلي مرة فقدت أعصابي فيها)
هزت بدور رأسها نفيا، ثم قالت مبتسمة بحزن
(لم أستغلها أبدا، لكنك تعرف أن وجودي في البيت للأبد مستحيل، يوما ما سترغب في الزواج، لذا خروجي الآن بكرامتي سيكون أفضل للجميع)
صمتت لحظة ثم أضافت مازحة بحزن
(حسنا، ليس بكرامتي تماما، لكن لا بأس)
أخذ أمين نفسا عميقا مرتجفا وهو يفكر فيما سيقوله، ثم قال بصوت أجش بطيء.

(بدور، ليس سهلا على الرجل أن يسمع آخر يتحدث بمثل هذا الفجر عن زوجته خاصة و أنهما كانا. )
صمت وهو يشعر بحلقه يتشنج، فرفعت بدور كفها تربت على فكه بعطف هامسة
(أعرف، لكنك لا تثق بي، و كنت أكيدة أنك ستراقبني كي تثبت لنفسك أنني لا زلت نفس الفتاة التي خدعتك، و سيظل الوضع بهذا الشكل دائما)
رد عليها أمين قائلا بقوة
(هذا لأنك تعمدت اخفاء كل شيء عني فدخل الشك قلبي)
أجابته بدور بألم.

(لو كنت واثقة من ردة فعلك و أنك ستثق في كلامي لكنت لجأت اليك و لم ألجأ الى قاصي في مدينة أخرى)
توترت ملامحه بشدة و تعقدت، لكنه قال أخيرا بصوت مرتبك هادىء
(حسنا لنترك الكلام الآن، تعالي لنأخذ أغراضك من بيت سوار ثم نعود لبيتنا)
ابتسمت بدور ابتسامة شاردة ثم هزت رأسها نفيا قائلة بخفوت
(لا يا أمين، لن أعود)
ارتفع حاجباه وهو ينظر اليها مصدوما، ثم سألها ببطىء و حذر
(ماذا قلت؟)
ردت بدور بهدوء أكبر.

(لن أعود الى بيت طردت منه)
فغر أمين فمه غير مصدقا، ثم هتف بها غاضبا
(هل ستقضين حياتك في بيت سوار و ليث الهلالي؟!)
أجابته ببساطة
(بالطبع لا، فقط بضعة أيام الى أن أقوم بتدبير أموري)
هزها أمين وهو يهتف بعصبية جراء سهر ليلة عويصة
(أنسيت أنك زوجتي! هل تتخيلين أن أترك زوجتي تبيت لدى الغرباء!)
حاولت تخليص نفسها منه و هي تهتف.

(سوار ابنة عمي و من الطبيعي ان ألجأ اليها حين لا أجد مكان أقضي فيه ليلتي، أم كنت تريدني أنام في الشارع)
تشنج صوت أمين وهو يقول غاضبا
(كنت في حال غير طبيعي، أنت من تسرعت في الخروج)
صرخت فيه بدور بغضب مماثل
(رائع، المرة المقبلة سأنتظر أن تركل مؤخرتي كي أطير خارج الباب)
هتف أمين بحدة و قد وصل جنونه الى منتهاه
(سيكون هذا رائع و أرى أن أبدا الآن إن لم تتحركي معي على الفور)
صرخت بدور فيه مستاءة.

(هيا افعل و أرني مدى تحضرك)
شعر أمين أنه على وشك ركلها بالفعل لذا أمسك بذراعها قبل أن يتهور و جرها خلفه قائلا بحدة
(هيا لنذهب، و لا داعي لأغراضك)
تلوت بدور و هي تحاول تخليص ذراعها من أصابعه بغضب هاتفة
(لن أعود)
فتح الباب في تلك اللحظة و دخلت منه رضوى، ثم توقفت وهي تنظر اليهما رافعة حاجبيها و هي تراهما يتصارعان و أمين يجرها جرا بينما هي تتشبث في الكراسي و تجرها معها!

توقف كلاهما ينظر اليها لاهثا، فقالت بصوت متوجس
(سأمنحكما بضعة دقائق)
لكن قبل أن تخرج ابتسمت لبدور بتعب هامسة
(ارعبتنا عليك، وأتيت مع بداية الصباح لثقتي أنك ستأتين للعمل)
ابتسمت بدور لها ابتسامة تماثل عمق نظرتها الحزينة المتعاطفة معها، بينما خرجت رضوى قائلة بحرج
(سأنتظر في الخارج قليلا)
ما أن خرجت و أغلقت الباب حتى استدار اليها أمين قائلا بنفاذ صبر
(هل تغادرين معي بإحترامك أم أجرك من قدميك أمام صديقتك).

كتفت بدور ذراعيها قائلة بتهديد
(هيا افعلها، لأنني لن أعود يا أمين)
ساد بينهما صمت غريب مرعب و كلا منهما يحدق في الآخر بغضب و كأنهما فوق بركان متقد، ثم صرخ أمين أخيرا بجفاء
(لا تريدين العودة؟، حسنا، كما تشائين، ابقي مع سوار، للأبد)
شعرت بدور بألم حارق في أحشائها و هي تراه يغادر مندفعا بجنون، الا أنه و قبل أن يخرج التفت اليها صارخا
(سؤال واحد، هل كانت تيماء تعلم أنك قضيت الليلة لدى سوار؟).

عقدت بدور حاجبيها ثم قالت بقنوط
(طبعا)
برقت عيناه بجنون و صرخ مجددا
(اتصلي أنت بأمك لتطمئن عليك لأنها تكاد تموت رعبا الآن)
ثم خرج من المكتب وهو يخرج هاتفه يتصل بشخص و ما أن رد عليه حتى صرخ فيه وهو يمر برضوى التي تنظر اليه بإرتياب
(كلمة واحدة يا تيماء، أنت ابرة حاقنة)
ردت عليه تيماء بإمتعاض
(ليست المرة الأولى التي يدعوني فيها أحد غاضب بهذا اللقب).

أما رضوى فدخلت الى المكتب بحذر تنظر الى بدور التي كانت واقفة تعدل ملابسها بأصابع مرتجفة، فسألتها بخفوت حذر
(لم تسير الأمور بينك و بين أمين على نحو جيد، اليس كذلك؟)
التفتت بدور تنظر اليها ثم قالت بخفوت
(هذا لو لم نحتسب محاولة جري للبيت أنها النحو الجيد)
أطرقت رضوى بوجهها هامسة
(كل هذا بسببي، بسبب غبائي الذي لا يصدق).

نظرت بدور اليها و لاحظت عينيها المتورمتين بشدة ووجهها شديد الشحوب، على ما يبدو أنها بكت طويلا جدا، فتنهدت بدور قائلة بحزن
(لديه طريقة معينة في محو العقل، لا تقسي على نفسك كثيرا)
تبادلتا النظر بصمت، ثم اقتربت كلا منهما و ضمتها بدور اليها و هي تقول
(صداقتنا قصيرة جدا، لكنها تستحق)
ابتسمت رضوى و هي تمسح الدموع عن وجهها هامسة بإختناق
(نعم، إنها كذلك).

بعد بضعة أيام...
دخلت أم أمين الى غرفة ابنها فوجدته جالسا بعد العودة من عمله في فراشه كما اعتاد الأيام الماضية...
يعود من عمله ليلازم غرفته و يبقى مستلقيا في سريره و ذراعيه أسفل رأسه ناظرا الى السقف دون كلام أو حتى طعام، حتى بدأت تتسائل كيف يتمكن من المتابعة دون لحظة نوم و طعام معقول...
تنهدت بحزن ثم طرقت الباب المفتوح جزئيا فقال أمين بفتور
(تعالي يا أم أمين، ادخلي).

دفعت أمه الباب و دخلت الغرفة فاستقام جالسا، بملامح نحيلة شاحبة، و رغم ابتسامته التي تفتقد الحياة الا أنها جلست بجواره و ربتت على ساقه هامسة
(و ما آخر هذا الحال يا ولدي؟، هل تريدني أن أسقط أمامك ذات يوم؟)
ربت أمين على كفها قائلا بتعب وهو يضغط بين عينيه
(بالله عليك يا أمي لا داعي لمثل هذا الكلام، فأنا غير قادر على تحمل المزيد حاليا)
قالت أمه بحسرة.

(كيف أمنع نفسي من الكلام و أنا أرى ولدي الوحيد على هذا الحال منذ أيام، لو جرى لك شيئا كيف أعيش!)
ابتسم أمين و التقط كفها ليقبلها مازحا دون مرح
(ما الذي قد يجرى لي يا ام أمين؟، ابنك أقوى من هذا و لست الوحيد الذي فشل زواجه)
أطرقت والدته بوجهها ثم همست بيأس
(لكن، الى متى يا ولدي سنترك زوجتك عند الناس بهذا الشكل؟، الوضع لا يليق بنا)
فتح أمين كفيه مستسلما وهو يقول.

(على يدك يا أم أمين، كل ليلة أذهب الى سوار و زوجها فترفض السيدة المحترمة العودة معي أو حتى الخروج لمقابلتي)
أجابته أمه مباشرة
(اذن طلقها)
نظر اليها أمين مجفلا و قد تشنج جسده على الرغم من بسبب الكلمة البغيضة، فتابعت أمه قائلة
(لا تنظر إلى بهذا الشكل، طالما أن الزواج قد انتهى يجب عليك أن تطلقها و حينها ستعيدها سوار الى والدها، لكن أن تتركها عند الناس و هي على ذمتك فهذا عيب في حقك).

شعر أمين بطعم صدىء في حلقه، فنهض من السرير متوترا، ثم قال بإستياء
(أنا لن أطلقها أبدا يا أمي، حتى لو لم ينجح هذا الزواج)
وقفت أمه أيضا و قالت بقلق
(ما الذي يعنيه هذا الكلام يا ولدي؟، هل ستتركها معلقة و في بيت غير بيتك! هذا كلام مجانين، طلقها طالما أنها مصرة على الطلاق)
التفت اليها أمين قائلا بقوة و تصلب.

(اسمعيني يا أمي، بدور لا تستطيع أن تعيش بمفردها، و لن تتمكن من العودة لأهلها بعد أن ذاقت بعض الإستقلالية، بدور تحتاج لي و أنا لن أتخلى عنها)
نظرت أمه اليه بتفحص، ثم همست بحذر و بطىء
(لا أرى أنها تحتاج اليك بمثل هذه الدرجة!)
أجفل امين من صراحة والدته، و نظر اليها عاجزا، فسألته بسرعة عاقدة حاجبيها
(أنت تحبها حقا! اليس كذلك؟).

توترت ملامح أمين بشدة و استدار عنها متهربا من عينيها المتفحصتين، الا أنها وضعت كفها على ظهره و سألته مجددا بخفوت
(لكن هل تستطيع تجاوز ما فعلته يا ولدي؟)
رفع أمين أصابعه ليتخلل بها خصلات شعره قائلا بعصبية
(لا أعرف يا أمي، لو كنت سألتني هذا السؤال منذ بضعة أشهر لقلت لك أنني مستحيل أن أتجاوزه، لكن الآن)
صمت غير قادرا على المتابعة فحثته أمه قائلة
(الآن ماذا يا حبيبي، افض لي بما في قلبك كله).

ضغط أمين عينيه وهو يقول يائسا
(لا أعرف، لا أعرف يا أمي)
أخذت أمه المبادرة منه و قالت بخفوت
(بل تعرف، أنت تريد عودتها و تريدها أن تظل زوجتك، الأمر واضح يا حبيبي)
رفع أمين وجه الشاحب اليها و سألها بعينين زائغتين
(و ما الحل يا أمي؟)
ابتسمت أمه بتعاطف مربتة على صدره قائلة
(لقد قلت الحل بنفسك يا أمين، أنت تريد زوجتك اذن اذهب و احضرها، ).

نظر أمين الى أمه و كأنه طفل يحتاج الى أمر من أمه كي يبعد الحمل عن كاهله، فأومأت برأسها مبتسمة، مما جعله يبتسم ببطىء ثم اتجه مسرعا ينوي الخروج من الغرفة، الا أن أمه نادته قائلة
(بدل ملابسك يا أمين، لا تذهب بهذا الزي الرياضي القطني و قم بحلاقة ذقنك، أشعرها أنك أتيت كي تستعيد زوجتك، لا المرأة التي تأويها في بيتك).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة