قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل السابع والستون والأخير

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل السابع والستون والأخير

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل السابع والستون والأخير

(ماذا؟، ماذا تعنيان بأنها غادرت!)
هتف أمين بهذا السؤال ذاهلا أمام ليث و سوار في بيتهما، فتولت سوار الرد قائلة بإستسلام
(كما قلت لك، غادرت أول أمس و أخذت أغراضها كاملة)
هتف أمين غير مصدقا الهدوء الذي تتحدث به سوار...
(ألم تذكر الى أين ستذهب؟)
هزت سوار كتفيها و هي تقول
(كل ما قالته أنها تنوي استئجار شقة صغيرة)
تحولت دهشته الى فك متدلي ببلاهة وهو ينقل عينيه بين سوار و زوجها، ثم سألها ببطىء.

(تستأجر شقة! بمفردها!)
أومأت سوار برأسها ببراءة، مما جعله يصرخ فيها بجنون
(و تركتماها تخرج!)
قالت سوار فاتحة كفيها بعجز
(أصرت على المغادرة و لم نستطع منعها الا لو قمنا بربطها في إحدى الثريات)
هتف أمين غاضبا
(تبا لهذا، تبا، تبا)
تدخل ليث قائلا وهو يحاول تهدئته
(هدىء نفسك قليلا يا أمين، هناك طفل ينمو بداخل ابنة عمك و لا نريد له أن يكون عصبيا مجنونا كمعظم أفراد هذه العائلة).

ضرب أمين منتصف وجهه بكفه وهو يحاول التماسك، فتابع ليث قائلا
(لما لا تجلس قليلا، و نتحدث بالعقل)
أبعد أمين يده عن وجهه و نظر الى ليث و كأنه ينظر الى معتوه، ثم نظر الى سوار قائلا بعصبية
(ما هو عنوان هذه الشقة)
قلبت سوار شفتيها قائلة ببساطة
(رفضت أن تعطينا العنوان)
فغر أمين فمه وهو يهتف
(ماذا! ماذا، حسبي الله و نعم الوكيل).

ثم استدار ليغادر الشقة استعدادا للبحث عن بدور حتى و إن جلس أمام مقر عملها مجددا من الساعة السادسة صباحا، الا أنه توقف فجأة مفكرا...
ثم لم يلبث أن عاد الى سوار و زوجها بملامح جليدية غبية منذرة بتحطيم البيت فوق رأسيهما وهو يقول بصوت أجش
(لحظة واحدة، لن أخدع مرتين، مستحيل أن تكوني تركتها تغادر دون أن تأخذي منها عنوانا تفصيليا، لماذا تفعلن هذا؟، هل هي رابطة نسائية رافعية معينة؟).

نظرت سوار الى ليث بصمت فظهرت على فمه طيف ابتسامة جعلت أمين يستشيط غضبا وهو يصرخ كالمجنون
(هات العنوان يا سوااااااااار)
بعد خروج أمين من بيتهما، أغلق ليث الباب و استدار الى سوار قائلا بتعب
(لقد مللت من عائلتك بصراحة يا سوار).

خرجت بدور من المصعد في البناية التي تحوي شقتها التي قامت بإستئجارها حاملة بعض أغراض المطبخ و الأطعمة في أكياس، محاولة اخراج المفتاح من حقيبة يدها و هي تقترب من باب شقتها...
و بينما هي تفعل سمعت صوتا رجوليا غاضبا يسألها
(أين كنت حتى هذه الساعة يا سيدة يا محترمة؟).

شهقت بدور فزعا و هي تنتفض مكانها هلعا مما جعل أكياس المشتروات تسقط من بين يديها، فرأت أمين يجلس على الدرجات الأولى من السلم المجاور لباب شقتها ينظر اليها نظرات شريرة
فقالت لاهثة و هي تضع يدها على صدرها الخافق
(ماذا تفعل هنا؟)
فتح أمين ذراعيه وهو يشير الى المكان من حوله قائلا بسخرية سوداء خطيرة.

(كما ترين، أفعل ما يفعله أي زوج محترم، أنتظر زوجتي التي لا أعرف مكانها على درجات السلم كالقطط، لما لا تضعين لي طبق به بقايا وجبة أسماك من كرم أخلاقك)
مطت بدور شفتيها ممتعضة ثم انحنت لتجمع مشترواتها ثم فتحت الباب. فلحق بها أمين على الفور، الا أنها توقفت و سألته قائلة بدهشة
(هل ستدخل؟)
توقف أمين ناظرا اليها بدهشة اكبر و سألها ببطىء
(هل صدقت موضوع طبق بقايا وجبة الأسماك؟).

أستغرقت بدور لحظة في التفكير الشارد مما جعل أمين على وشك قتلها. الا أنها تراجعت قائلة بتهذيب
(بالطبع لا، تفضل)
هز أمين رأسه مستنكرا ساخرا، الا أنه دخل الى الشقة البسيطة المفروشة بأثاث عصري أنيق...
و ما أن أغلقت الباب ووضعت المشتروات على أقرب طاولة حتى بادرها سائلا بقسوة
(أين كنت؟، لقد تجاوزت الساعة موعد رجوعك من العمل بكثير)
ردت بدور و هي تفرغ الأكياس من محتوياتها
(كنت أحتاج الى أطعمة و أشياء للطبخ).

نظر أمين الى الشقة مجددا بغضب و عدم تصديق، ثم التفت اليها يسألها بحدة
(كيف تقومين بفعل متهور الى هذه الدرجة؟)
نظرت بدور الى مشترواتها بحيرة ثم رفعت وجهها اليه سائلة
(أن ذهبت الى السوق؟)
هتف أمين حانقا
(كلا، بل أتحدث عن استئجارك شقة بمفردك، ما هذا الجنون الذي تتصرفين به!)
أجابته بدور بخفوت هادئة
(لا أستطيع البقاء مع سوار و زوجها أكثر من هذا، بالتأكيد لن ترضاها لي!)
هتف أمين بجنون.

(و هل ترضين لي أن تقوم زوجتي بإستئجار شقة بمفردها!)
هزت بدور كتفيها و قالت
(و ماذا سأفعل غير هذا! يتحتم على ايجاد مكان آوي اليه)
صرخ فيها أمين وهو يضرب سطح الطاولة بقبضته بعنف
(تعودين الى بيت زوجك، تعودين، الى، بيت، زوجك)
تسببت ضربته في تساقط حبات البرتقال من أحد الأكياس، فجرت على سطح الطاولة ثم وقعت أرضا...
نظرت بدور الى ما حدث بصمت ثم طلبت بتهذيب
(من فضلك أجمع هذه البرتقالات، فأنا أكاد أن أسقط تعبا).

سكن جسد أمين وهو ينظر اليها غير مصدقا، لا يدري هل يضربها أم يجمع البرتقال فعلا...
و استمر في ذهوله قليلا، قبل أن ينحني لجمعه صاغرا، أما هي فتابعت اخراج أغراضها، حتى انتهى احمر الوجه غاضبا بدرجة تتزايد كل لحظة أكثر و ترفع درجة حرارة الغرفة من حولهما...
وضع الكيس أمامها بقوة و ما أن حاولت أخذه حتى وضع يده عليه بقوة فرفعت عينيها اليه متسائلة، فسألها بغضب
(كيف تمكنت من إستئجار شقة بمثل هذه السرعة؟).

أجابته بدور ببساطة
(أحد عملائنا أعرف أن لديه بناية يقوم بتأجير شققها، و سمعة البناية طيبة كسمعة صاحبها فلم أجد ما قد يخيف، و بسبب شدة حاجتي للشقة قام بإنهاء الإجراءات بسرعة)
كان يشعر و كأنه يتكلم مع انسانة أخرى بشخصية مختلفة...
لكنه سألها بجفاء و عدم ارتياح
(و كيف تمكنت من تدبير مبلغ الإيجار؟)
ردت بدور بخفوت.

(بصراحة آخر ربح تلقيته كان أقل من مبلغ الإيجار الشهري، لكن لحسن الحظ كان متبقيا لي القليل من المال من الذهب الذي قمت ببيعه، و أتعشم أن يتكفل الربح القادم بإيجار الشهر)
لم يرى من هي أكثر غباءا و تهورا منها قبلا، الا أن كلامها عن الذهب لفت نظره الى معصمها فلاحظ أنها تضع السوار الضخم الذي اشتراه لها عند نجاحها، فهتف بها صائحا بغضب
(هل كنت تضعين السوار الذي اشتريته لك و انت ذاهبة للسوق!).

نظرت بدور الى السوار ثم قبضت عليه بكفها الأخرى تلقائيا، قبل أن تقول بصرامة
(أنت أهديته لي، و سبق أن أخبرتك بأن الهدية حين تهدى تصبح ملك الشخص الذي أهديتها له، و لا يمكنك التحكم بها)
الا أن أمين هتف بها حانقا
(أيتها الغبية، حذرتك من ارتدائه و أنت خارجة وحدك، فماذا تفعلين؟، تضعينه لتخرجين به مساءا وحيدة في السوق!)
ظلت بدور صامتة قليلا و هي تلامس السوار، ثم قالت أخيرا بهدوء
(أنا، لا أخلعها من الأساس).

بهتت ملامح أمين، و شعر بغضبه يزول في لحظة واحدة بغباء، الا أنها سعل قائلا بصوت أجش
(و ماذا تستقلين في عودتك كل يوم؟)
ردت بدور بهدوء
(لا تقلق، قمت بالإتفاق مع شاب يعمل على سيارته الخاصة يقوم بتوصيلي يوميا مقابل مبلغا من المال)
اتسعت عينا أمين فجأة و عاد اليه الغضب في دفعات مضاعفة، قبل أن يرفع رأسه عاليا وهو يصرخ عاليا ملوحا بكفيه
(ياللهي! ماهذا الغباء؟، ما هذا الغباء).

ثم ضرب سطح الطاولة بكفيه مجددا وهو يميل اليها صارخا بجنون
(هل تريدين اخباري أنك كلفت رجلا غريب مجهول بأن يقلك و أنت ترتدين ذهبك، و أعطيته عنوان منزلك و رقم هاتفك و عنوان عملك و مواعيدك كاملة! ماذا ينقص بعد؟، لا ينقص سوى أن تعلقين لافتة مكتوب عليها، مرحبا بك في خدمة اسرقني و اغتصبني شكرا )
تلونت وجنتا بدور قليلا بحرج الا أنها قالت مدافعة بخفوت.

(لست الوحيدة التي تقوم بهذا، باتت هذه الطريقة منتشرة حاليا و لم يشكو أحد منها)
وضع أمين يده على صدره قائلا بذهول
(قلبي ليس على ما يرام، ستصيبيني بنوبة قلبية منك لله)
قالت بدور بخفوت و هي تراقبه بحزن
(الأمر ليس بمثل هذا السوء يا أمين، كنت أنتظر منك تشجيعا)
أخفض وجهه ينظر اليها بذهول مجددا وهو يسألها مكررا
(تشجيع!).

تنهدت بيأس و هي تبتعد عنه شاعرة بالتعب لتخلع حجابها و السترة التي ترتديها، ثم فكت عقدة شعرها المتعبة و بقت بتنورة سوداء ضيقة طويلة و قميص من الصوف جميل عليها، و قالت دون أن تستدير اليه
(كنت تبقيني عندك لأنني لا أستطيع الإعتماد على نفسي ولو عدت لأهلي لعاملوني أسوأ معاملة، أما الآن فأنا على الأقل أحاول، هلا دعمتني بصورة أفضل من هذا قليلا!)
اقترب منها أمين وهو يكرر.

(أدعمك! أنا لم أكن أبقيك في بيتك لأجل هذه الأسباب التافة التي تجشأت بها للتو، لو كان الأمر هكذا لما قمت بشراء بيت جديد، لك فيه غرفتك الخاصة التي أثثتها كما تحبين)
ابتلعت بدور ريقها بصعوبة و رفعت وجهها اليه هامسة
(اذن لماذا كنت تبقيني، و لماذا تريد أن تعيدني الآن؟)
وجد أمين يده ترتفع و تلامس عنقها برقة، ثم قال بصوت أجش خافت
(السبب بسيط، لأنك زوجتي)
تنهدت بدور و هي تهز رأسها نفيا قائلة بغير اقتناع.

(هذا ليس سببا منطقيا)
رفع أمين حاجبيه بدهشة وهو يقول
(اسمحي لي هذه أكثر عبارة منطقية تم نطقها في كل ما سبق ذكره من مخلفات خرجت للتو من فمك الجميل)
لعقت بدور فمها لا اراديا و كأنها تتأكد من جماله فعلا، فابتسم أمين فجأة وهو يقول بحنان
(نعم إنه جميل و مكتنز على الرغم مما ينطق به من مختلف أنواع الغباء)
احمرت وجنتي بدور بشدة و هي تشعر بإرتباك مراهقة صغيرة جراء عبارة بسيطة، لذا غيرت الموضوع قائلة بخفوت.

(لم أكن زوجتك يا أمين)
شعرت بكفيه ترتاحان على خصرها وهو يجذبها اليه ببطىء حتى لامس صدره جسدها برفق و قال بوضوح
(هلا سمحت لي بتغيير ذلك)
اتسعت عيناها و امتقع وجهها بشدة نافية
(لم يكن هذا ما قصدته والله، بل قصدت الجانب المعنوي)
ضحك أمين بصوت أجش ثم قال مازحا
(أما أنا فقصدت الجانب الجسدي، لما لا نبدأ به ثم نناقش الجانب المعنوي فيما بعد)
شعرت بدور بالصدمة فهتفت تتلوى بين أحضانه بسرعة.

(لا يا أمين، سبق و أخبرتك أنني لن)
الا أنه وضع يده على فمها يسكتها و نظر الى عينيها قائلا مشددا على كل حرف
(أريدك أم أطفالي يا بدور، هل يشرح هذا الأمر بوضوح؟)
نظرت اليه بدور بذهول بينما أغروقت عيناها بالدموع قبل أن تضحك من بين دموعها هامسة بإختناق
(بمنتهى الوضوح).

أحنى أمين رأسه ليقبلها برقة لم تلبث أن تحولت الى عمق كاد أن يزهق روحها، و هي تحيط عنقه بذراعيها، و ما ان تمكن من التقاط أنفاسه حتى همس مازحا وهو يقبل أذنها
(خسارة، كنت أتمنى الشرح لك بتفصيل أكبر)
ردت بدور و هي تدفن وجهها في عنقه
(أعاني في بعض الأحيان من بطىء في الإستيعاب)
ضحك أمين وهو يحملها بين ذراعيه دائرا في الشقة، الا أنه دخل المطبخ بالخطأ، نظر الى بدور التي كانت تقبل وجنته بحرارة، فسألها بعفوية.

(بدور، هلا أعطيتني بعض الإرشادات لمكان غرفة النوم! لأنني أخشى الخروج بك من باب الشقة خطأ و نحن على هذا النحو)
ضحكت بدور و أشارت الى باب مغلق في نهاية الرواق و بينما كان يتجه الى هناك سألها قائلا
(ما رأيك أن نقضي شهر العسل هنا؟)
نظرت اليه بعينين براقتين و هي تهتف
(شهر عسل!)
عقد أمين حاجبيه وهو يقول بحزن
(بالله عليك لا تنظرين إلى بنظرة الجراء المسكينة تلك كلما قدمت لك شيئا لأنها تكسر خاطري).

أغمضت بدور عينيها و هي تريح رأسها على صدره هامسة بوله
(أحبك)
وضعها أمين على الفراش برفق، ثم انحنى اليها هامسا بإبتسامة جميلة
(أنت اعترفت بنفسك، قبل أن تغادري البيت، قلت أن اعترافي لك زادك احتراما و حبا لي)
انسابت الدموع على وجنتيها بصمت، فتلقفتها شفتيه وهو يهمس مرة بعد أخرى
(أحبك يا بدورة الصغيرة)
نظرت اليه بدور بعدم تصديق و الدموع تغشي رؤيتها فأحاطت وجهه بكفيها هامسة بإختناق.

(هل أنت واثق تماما يا أمين؟، لأنني في هذه اللحظة أكثر ضعفا من أن أقاوم مشاعري تجاهك لأحكم عقلي، أرجوك لن أتحمل أن تبعدني حتى و إن بقيت تحت سقف بيتك مجددا)
مسد أمين جانب شعرها وهو ينظر الى عينيها الباكيتين المحبتين و قال بجدية.

(الشيء الوحيد الذي أنا واثق منه هو أنك أصبحت جزءا لا يصلح بتره من حياتي يا بدور، اكتشفت انني اشتقت لكلامنا سويا، لنظرة عينيك و أنت تحكين لي كل انجاز صغير قمت به، اشتقت لمزحاتك النادرة و التي اتذكرها كل حين و أنا أجلس وحيدا فأنفجر ضاحكا، واثق أنني أكره استقلالك الذي ينمو طفيفا كل يوم بجرعة صغيرة جدا لكنها كفيلة بأن تخيفني من يوم لن تكوني فيه بحاجة لي فتكتشفين أنه لم يكن حبا بل امتنانا).

أغمضت بدور عينيها و هي تهز رأسها زافرة نفسا حارا و هي تهمس
(هل يعقل هذا! الم تشعر بحبي طوال هذه الشهور الطويلة قبل حتى أن يزل لساني به!)
شعرت بشفتيه تستقران فوق شفتيها هامسا
(اثبتي لي، فأم أمين تطالب بزواج قديم الطراز من الذي ينتج أطفالا)
أرادت الضحك فعلا، الا أنها لم تجد الفرصة...

(ما أجملني! ما أجملني! روحي على أنا!)
كانت تيماء تتمايل ذات اليمين و اليسار أمام المرآة و هي تتأمل بطنها المنتفخة قليلا...
أما قاصي فقد كان مستلقيا في فراشه يراقبها مبتسما بطريقة مشعة، و لا بد أن الإشعاع قد انتقل اليها فاخترق ظهرها مما جعلها تستدير اليه، فعقدت حاجبيها و هي تراه يراقبها ضاحكا، فسألته بفظاظة
(ما الذي يضحكك؟، بل ما الذي يدهشك الى هذه الدرجة؟)
أجابها قاصي مشيرا اليها بكفيه.

(تدهشني المرأة القصيرة الحامل! سبحان الله)
عقدت تيماء ذراعيها و هي تنظر اليه شذرا مهددة تقول
(مالها!)
قال قاصي منبهرا وهو يشير اليها مجددا
(هذا التكوين الإجاصي الخلاب!)
هتفت تيماء بغضب قائلة
(قاصي، لا تهزأ بتكويني، أنا أرض مثمرة عليك احترامها)
رمش قاصي بعينيه قليلا وهو يقول
(أنا فقط أعلق على روعة تحولك الى إجاصة! إنها مهارة جبارة)
هتفت تيماء بصوت أعلى...

(قاصي، لا تجرح مشاعري المرهفة، راعي أنه كلما كانت المرأة أقصر كلما كانت ذات حساسية أعلى)
ضحك قاصي مغطيا عينيه بكفه كي لا ينظر اليها أكثر فكلما فعل، ينفجر ضاحكا...
الا أنها اقتربت منه و أمسكت بوسادة و ظلت تضربه بقوة وهو غير قادر على التوقف عن الضحك الى أن تعبت فجلست على حافة السرير تلهث واضعة يدا على بطنها و يد خلف ظهرها...
استقام قاصي وهو يربت على ظهرها محاولا منع نفسه من الضحك بصعوبة، ثم قال بهدوء.

(لا بأس لا تغضبي، اهدأي)
نظرت اليه بحنق ثم همست
(سافل)
ارتفع حاجبيه و قبض على حفنة من شعرها يرفعها وهو يقول بخشونة
(ما بال الحمل أطال لسانك و قصر طولك، و كور)
صرخت فيه بغضب أشد
(اخرس)
ضحك مجددا وهو يأخذها بين أحضانه هذه المرة قائلا بحنان
(حسنا اهدأي)
ارتاحت رغما عنها على صدره تتنهد بتعب، و ظل يربت على ظهرها حتى هدأت أنفاسها...

و في التفاتة منها رفعت وجهها فوجدته شاردا تماما و قد على وجهه تقطيبة شاردة متباعدة...
رفعت تيماء اصبعها و داعبت بها تلك التقطيبة بين حاجبيه سائلة
(ما سر تلك التقطيبة؟)
نظر قاصي الى وجهها بنفس الشرود وهو يداعب شعرها مفكرا دون رد، فسألته بقلق
(هل ظهر راجح من جديد؟)
أجابها قاصي نافيا بخفوت.

(لا. و كما نصحني الأستاذ فاروق فإن الهرب يضعف من موقفه أكثر لذا لم أبلغ عنه المرة السابقة، لن يجرؤ على الإقتراب في رأيي)
سألته تيماء تشبك أصابعها بأصابعه...
(اذن ما الذي يشغل بالك؟، عمرو لا يغيب عن أعيننا لحظة واحدة، و كما قلت فإنه لن يجرؤ على الظهور مجددا)
تنهد قاصي قائلا ببطىء
(نعم عمرو هو من يشغل بالي، لكن ليس بسبب راجح)
استقامت تيماء تجلس بجواره سائلة بقلق
(من اذن؟)
أجابها قاصي بحذر كي لا تنفعل.

(اتصل بي المختص بعلاج ريماس من المصحة، يخبرني أنه ليس من العدل ابقائها لفترة أطول بعد شفائها، لقد تخلصت من المادة المخدرة في دمها منذ بضعة أشهر)
توتر جسد تيماء و تصلبت أطرافها على الفور، فقالت بعصبية
(و لماذا هو مستاء؟، أليست مصحة خاصة و نحن ندفع لهم مبالغ كبيرة؟، عليه أن يكون راضيا. )
هز قاصي رأسه نفيا و قال بتخاذل.

(هذه المصحة مكان مشهود له بالإحترام، و هذا الأخصائي كان يكلمني بطريقة الإتهام، فقال أننا لو كنا ننظر الى المصحة كسجن نحتجز فيه ريماس كي لا نشغل بالنا بمشاكلها فهذا أمر آخر لأنه كان يظننا نريد علاجها بصدق)
هتفت تيماء بحدة...
(ونحن كذلك فعلا، كيف له أن يشك في هذا؟، ماذا لو خرجت و عادت الى تلك السموم مجددا، الى متى ستتحمل طفولة عمرو رؤيتها بهذه الحال!).

لامس قاصي شعرها وهو ينظر الى وجهها مفكرا، ثم قال أخيرا بصوت مجهد
(كل من يعالجون من الإدمان معرضون للمجازفة بعودتهم للتعاطي، لكن هذا لا يعني أن يظلوا محتجزين للأبد)
قالت تيماء بخفوت و هي تتأمل ملامحه
(تبدو و كأنك مقتنع بكلامه!)
أخذ قاصي نفسا عميقا و قال.

(أنا أشعر بتأنيب الضمير لإبعادها عن عمرو كل تلك الفترة و ابعاد عمرو عنها، هو يسأل عن موعد عودتها بإستمرار و هي مستسلمة بشكل موجع لا تحدث مشاكل خوفا على عمرو من نفسها)
قالت تيماء بحذر
(لكن هذا يعني ابعاد عمرو عنك، فهل تقدر على ذلك و يقدر هو؟)
غامت عيناه و قال بصوت باهت
(نحن مضطران لهذا، ما الذي أملكه غير ذلك؟)
أخفضت تيماء وجهها و داعبت أصابعها و طال الصمت بينهما، ثم قالت بخفوت دون أن ترفع وجهها اليه.

(أنت تريدها أن تسكن هنا معنا حيث أن البيت كبير، اليس كذلك يا قاصي؟)
رفع قاصي ذقنها بكفه فأخفضت جفنيها، الا أنه قال آمرا
(انظري إلى يا تيماء)
واجهته بعينيها فقال ببطىء دون أن يحيد بعينيه عن عينيها
(اسمعيني جيدا يا تيماء، أنا لا أجرؤ على مجرد التفكير في هذا الإحتمال، هل فهمت؟، لا شيء لتخشيه مطلقا، سنجد حلا و سأعمل على أن يكون عمرو آمنا)
قالت تيماء بصوت ميت
(لكن هذا يعني أن تذهب اليها كل حين).

عقد حاجبيه و سألها بقوة
(هل تتخيلين يا تيماء بعد كل هذا أن هناك امرأة قادرة على اجتذابي غيرك؟، تيماء أنا لم أعد أفهم معنى النساء الا بك، و هذا منذ زمن طويل جدا)
هتفت تيماء بقوة
(بالطبع لا أتخيل ذلك يا قاصي، لكنها كانت ترغب بك و تتمناك)
تنهد قاصي قائلا.

(ريماس الآن شبح امرأة يا تيماء، لو وجدت رجلا مناسبا يكمل حياتها المؤلمة لكنت أول من يسعد لها، لكنها فقدت الرغبة في كل شيء الا ابنها، هذا ما استشعره كلما ذهبنا اليها، لم تعد ريماس كما كانت مطلقا)
قالت تيماء بتصميم يائس
(لكنك لا تستطيع تأكيد ذلك)
تنهد معترفا وهو يداعب وجهها محبطا
(نعم، لا أستطيع تأكيد ذلك)
استمر في مداعبة ملامح وجهها بشرود قاتم، ثم ابتسم لها دون مرح قائلا بنبرة مطمئنة.

(لا تشغلي بالك بهذا، اتركي الأمر لي و لن يحدث أي شيء يمسك بسوء مطلقا)
هتفت تيماء بصرامة
(لا يا قاصي، إن أردت الا أشغل بالي فعليك تركي أنا أتصرف و يكون كل شيء أمام عيني، هذا هو ما أريده)
نظر اليها قاصي بحزن ثم همس بصوت أجش
(لا أريد لك الألم)
ردت عليه بصلابة
(الألم الحقيقي أن تبعدني مجددا، أنت تخصني).

ضمت قبضتها و ضربت صدره مرتين بحزم عاقدة حاجبيها مما جعله يحيط وجهها بكفيه وهو ينظر اليها قائلا بتأكيد مماثل
(و أنت تخصينني، ثقي بهذا).

استدارت ريماس في غرفتها المطلة على حدائق جميلة ما أن سمعت صوت دخول تيماء...
كانت تيماء في النصف الثاني من حملها، محمرة الوجه و لطيفة كعادتها، مما جعلها تقول بصوت أجش خافت
(تبدين جميلة يا تيماء)
ابتسمت تيماء بتوتر و قالت بتهذيب
(شكرا لك يا ريماس، و أنت أيضا تبدين في أفضل حال، حتى أفضل بكثير من آخر مرة رأيتك فيها)
تنهدت ريماس و هي تشير حولها قائلة بفتور.

(لا وظيفة لي هنا سوى الإستشفاء، لذا يجدر بي أن أكون أفضل حالا، على الأقل كي تكون المبالغ التي يدفعها قاصي مبررة)
شعرت تيماء بالقنوط، فما كان منها الا أن اتخذت مقعدا مريحا و أشارت لآخر قائلة بهدوء
(تعالي يا ريماس اجلسي، أريد الكلام معك قليلا)
جلست ريماس في مواجهة تيماء و قالت بصوت جامد
(في الواقع أشعر بفضول كبير منذ أخبرني قاصي برغبتك في زيارتي بمفردك، للوهلة الأولى كنت سأرفض الا أن الفضول غلبني).

صمتت تيماء للحظة ترتب أفكارها ثم رفعت وجهها قائلة بحزم
(اسمعي يا ريماس، أدرك أن الود بيننا مفقود لكن هناك ثلاثةأشياء أكيدة، أولها أنني أتمنى أن أراك بخيردائما، ثانيها أنك لا تتمنين لي الأذى، ثالثها أن هناك شيء مشترك بيننا و هو عمرو)
رفعت ريماس اصبعها نفيا، ضاحكة بسخرية و هي تقول
(شكرا للطف مشاعرك، لكن لي تعقيب بسيط وهو أن عمرو ليس مشتركا بيني و بينك)
ردت تيماء بتصميم قاسي.

(بلى يا ريماس هو مشترك بيني و بينك، لأنه ابن قاصي و أنا و قاصي كيان واحد لا نتجزأ، أنا لم أشاركك قاصي يا ريماس، لأنه غير قابل للمشاركة من الأساس، قاصي و تيماء كانت قصة قديمة جدا قبل حتى أن ترين والد عمرو، كنت تنظرين إلى دائما و كأنني سرقته منك، بينما لو عرفت تفاصيل قصتنا لتأكدت بأنني أبذل مجهودا ضخما جدا في هذه اللحظة لتقبل فكرة أن هناك شيء مشترك بيني و بينك عبر قاصي).

صمتت للحظات بينما عم الحزن ملامح ريماس، فتابعت تيماء هامسة
(الظروف جمعتك بقاصي، الا أنك لم تكوني أبدا زوجته، و نفس الظروف فرقت بيني و بينه بينما كنت دائما زوجته، لذا أنا المضارة يا ريماس و أنت المتعافية، أنا خسرت جزءا من نفسي حين عرفت بزواجه منك، و أنت ربحت نفسك و ابنك بمساعدته لك حتى هذا اللحظة التي نتواجه فيها)
قالت ريماس بصوت ميت أجوف.

(و بما أنك حصلت على شريك عمرك و تحملين طفله و تعيشان في سعادة، بينما السارقة الشريرة محتجزة للأبد، فلماذا اذن أتيت الى هنا؟، كي تريني مبلغ سعادتك؟)
زمت تيماء شفتيها بغضب، ثم قالت بصرامة و قسوة.

(لا يا ريماس، لقد أتيت لأن هذه السعادة التي تتحدثين عنها ينقصها شيء هام جدا، يقنصها سعادة عمرو المفقودة في بعده عن والدته، نظرته المشتاقة لصورتك ليلا تقتلنا، حتى و إن خرجت و بقى معك ستظل هذه النظرة المشتاقة لكنها ستكون لقاصي، و احتياجه لقاصي لا يمكن اشباعه مطلقا كإحتياجه لك)
نظرت اليها ريماس بجزع، ثم سألتها قائلة بعنف.

(ماذا تعنين؟، هل تقصدين أنكما ستحتفظان به و تلقيان بي بعيدا؟، والله سأحاربكما مهما بلغت سطوتكما)
هتفت تيماء فيها صارخة بنفاذ صبر
(اصمتي للحظة و دعيني أتابع، أوف لهذه العصبية المجنونة! خلاصة الكلام أنني نشأت محرومة من والدي، و قاصي من أمه و أبيه، لذا فنحن نعرف جيدا مدى قدرة هذا على ايلام أي طفل و احداث عاهة نفسية به، لذا لن نفعل بعمرو شيء مماثل مطلقا).

كانت ريماس تتنفس بسرعة و اختناق فما أن انتهت تيماء من صراخها حتى سألتها ريماس برعب
(اذن ماذا تقصدين؟)
زفرت تيماء بقوة محاولة تقوية نفسها، ثم قالت بصوت جامد قوي.

(ما أقوله أنني قررت، أن تبقين معنا في بيتنا لفترة معقولة تمكن عمرو من النضوج قليلا حينها ستنتقلان في بيت مناسب و لن يتخلى قاصي عنكما مطلقا، و حتى هذا الحين سأقوم بتجهيز المكان الذي ستعيشين فيه، الا أنه سيكون منفصلا عن مبنى البيت الأساسي للحصول على بعض الخصوصية)
صمتت تيماء لاهثة بضعف فسألتها ريماس بصوت خافت غير مصدق بعد فترة طويلة من صمت ذاهل...
(كيف يمكنك قبول هذا؟).

ردت عليها تيماء متنهدة، و نظرت اليها قائلة ببطىء
(لأنني و قاصي كما سبق و أخبرتك معنى الحرمان، و بما أننا لسنا تلك القصة الوردية التي تتخيلين، فهذا يجعلنا نتقبل الكثير مما قد لا يتقبله غيرنا)
نهضت تيماء متابعة بخفوت.

(سأدعك تفكرين في الأمر، لكن عندي نصيحة واحدة فقط، إن قررت الموافقة على عرضي، لا تجعليني أندم في يوم من الأيام، لأنني لن أكون المتألمة، بل أنت، و ليس بيدي، بل بيد قاصي حين تتأكدين مجددا أنه لن يشعر بإمرأة سوى تيماء).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة