قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل السابع والعشرون

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل السابع والعشرون

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل السابع والعشرون

ياسمين، نحن لن نحسن الكلام معا أبدا، أنا و أنت مختلفان تماما و هذا ما كنا نحاول أن نتجنبه و نغض أعيننا عنه، لكن سرعان ما كان ما نتجنبه ليكبر و يتعقد الى أن ينفجر بنا ذات يوم...

ربما كان لقاءنا الأخير هو الإنفجارة الصغيرة التي وضحت لنا حقيقة اختلاف طباعنا، ربما علينا أن نكون ممتنين لأنها كانت اشارة صغيرة كي نتوقف عما نفعل، فالإنفجار الأكبر من المؤكد سيكون موجعا أكثر، أنت سيدة رائعة، بكل معنى الكلمة، و ربما كان العيب في أنا، لكن هذا هو أنا، لا أستطيع أن أغير من نفسي و لا أريد ذلك، لذا كان سيحدث أمر من اثنين، إما أن أجبرك على تغيير طباعك بالقوة و هذا ما لم أفعله من قبل، حتى أن بعض منه مع أختي يجعلها تقترب من مرحلة كرهي...

و إما أن أخضع لما أرفضه و حينها سأفقد جزء من احترامي لنفسي كما اعتدت عليها...
لقد خطبت ابنة عمي اليوم، ربما ترين في شخص حقير، و ربما كنت كذلك، الا أنني لست نادما، بعض التعقيدات تحتاج الى حل حاسم، أنا آسف، و أتمنى لك الرجل الذي يقدرك كما تستحقين، لكن اعتني بنفسك و لا تمنحي ثقتك الى أي كان، وداعا،
مرت عيناها الغائمتان بلا تعبير على الأسطر الطويلة، مرة، ثم مرة، ثم مرة أخرى...

بينما تحولت ملامحها الى قناع صامت تماما، خالي الحياة و المشاعر...
رفضت أن تبكي، منذ أن جفت دموعها الشحيحة، أقسمت الا تعيدها لأجله، و كانت رسالته صدمة بالنسبة لها...
لكن متى كانت الصدمة تؤثر في ميت؟
لقد ماتت مع خبر خطبته لإبنة عمه...
ظلت ياسمين تحدق الى الفراغ، لا تعلم ما الذي يؤلمها أكثر؟

أنها فقدت حبيبا بمثل هذه القسوة، بعد شهور طويلة من التمني و الآمال المضنية، و ما أن لاح لها الأمل الغالي حتى اختطفه منها بقسوة...
أم لأنها أهينت بتلك الطريقة؟
و كأن الحياة أقسمت على أن تهينها بكل طريقة ممكنة...
كان أكرم لها أن تظل على اعجابها الصامت بها مدى العمر، تراه من بعيد و تتوجع و تشتاق كراهقة تافهة، على أن يغدر بها بتلك الطريقة...

شعرت ياسمين بعد قرائتها للرسالة بأنها على وشك الإختناق، و كأن غيامة داكنة ثقيلة قد أطبقت على صدرها، فنهضت من فراشها مندفعة و سارعت الى دولاب ملابسها تفتحه لترتدي أول شيء عشوائي يصل الى يديها، ثم رفعت شعرها بفوضوية قبل أن تلتقط حقيبتها لتخرج من غرفتها مسرعة...
لكن و قبل أن تصل الى باب الشقة، سمعت صوت زوج أختها يستوقفها قائلا بنبرة تهديد
(الى أين؟).

تسمرت ياسمين مكانها، بعينيها الغائرتين ووجهها الشاحب، ففكرت أن تتابع سيرها و تتجاهله تماما...
لكنها لم تفعل، لأنها ببساطة لا تريد أن تتجاهله
و كأن القدر قد أرسله لها، فاستدارت اليه بهدوء، وهو يبادلها النظر بتلك الطريقة المقيتة التي أخذت تغذي حقدها أكثر و أكثر، أسفل واجهتها الصامتة، و حين طال صمتها كلمها بنبرة مهينة أكثر وهو يشير الى أذنه بحماقة مستفهما.

(لماذا لا تجيبين، هل أصبت بالصمم، أم فقدت لسانك؟)
فتحت ياسمين فمها ببطىء، ثم قالت بهدوء
(فقدت لساني المحترم، لكن لدي أربعين آخرين يستطيعون ايقافك عن تجاوز حدودك معي)
ارتفع حاجبي عادل و اتسعت عيناه وهو يقول بصوت مذهول
(ماذا؟)
ردت عليه ياسمين تقول بنفس النبرة الهادئة، بينما خرجت أختها من غرفتها على صوتهما و هي تضع يدها على بطنها المنتفخ...

(ما سمعته، وحاول التحلي ببعض الكرامة، فمن الخطير على رجل طول و عرض و كرش مثلك أن أهينه كل يوم مرتين في خروجي و دخولي)
تلجم لسانه و اسود وجهه، بينما هتفت أختها بصوت عالي
(ياسمين، توقفي عن هذا، أنت قليلة الأدب، بل أنت عديمته)
التفتت ياسمين تنظر اليها بصمت، ثم ردت ببساطة.

(عديمة الأدب ربما، لكني لست عديمة الكرامة و الإنسانية و العقل و الشهادة و كل ما يجعل منك امرأة ذات كيان مستقل، بالمناسبة، لقد زاد وزنك جدا)
اتسعت عينا أختها بصدمة و كأنها قد تلقت صفعة قوية، فأجفلت ممتقعة الوجه و هي تتحسس جسدها على الرغم منها و ظهر الألم في عينيها جليا واضحا، لقد امتصت ياسمين كل قسوة أمين و دفعتها مباشرة عبر أوردة أختها و زوجها...

ساد صمت متوتر بين ثلاثتهم ثم قال زوج أختها بنبرة غريبة هادئة وهو يرمقها بعينين متفحصتين
(رائع، رائع يا ياسمين، اسلوب فاجئوهم بالصوت كي لا يغلبونكم، اسلوب رائع، الا أنه قديم، و مكشوف، مكشوف جدا)
كتفت ياسمين ذراعيها و هي ترمقه بعينين جامدتين، ثم سألته ببرود
(ما الذي تقصده؟، لما لا تتكلم بصراحة و تتوقف عن اسلوب النساء العاطلة هذا، لا يليق بشكلك).

زم عادل شفتيه بغضب، بينما ازداد احتقان وجهه، و في تلك اللحظة خرجت أمها تجر قدميها بتعب قائلة بصوت مأسوي.

(ألن تتوقفا؟، والله صحتي لم تعد تتحمل كل يوم نفس المشاكل و الصراخ و السباب، ماذا فعلت في حياتي كي أستحق كل هذا؟، أقسم أنني حملت الهم بعد وفاة والدكما و قمت بتزويجكما و ظننت أنني قد أديت رسالتي في الحياة، و ظننت أنه قد آن الأوان كي أستريح، لكن على ماذا أحصل الآن؟، كلا البنتين معي في البيت و أحداهما مطلقة بينما الأخرى على وشك الولادة، و أنا من تنفق من معاش لا يكاد أن يكفينا، و ليتها كانت حياة هادئة، ماذا فعلت يا ربي في حياتي كي أستحق كل هذا؟).

استندت بكفها الى طاولة الطعام و هي تحاول كبت دموعها، بينما نظرت اليها ياسمين بنظرة حزينة...
علي الرغم منها شعرت بالألم يعتصر قلبها على أمها، مهما كان جفاء قلب أمها في المقابل...
أما زوج أختها فقد تطوع ليقول و كأن أمها لم تتكلم بشيء، فنظر اليها و قال بغل متشفي...
(من تخدعين؟، كل يوم تدعين أنك تحتاجين للتنزه، و مرات تتأخرين في العمل، و نحن نلتزم الصمت علك تحترمين سمعتك و سمعة هذا البيت، لكن لا جدوى).

برقت عينا ياسمين بشرر متقد على الفور و هي تسأله بحذر، مستعدة لضربه في أي لحظة
(ما الذي تقصده؟، إياك، إياك و محاولة التلميح لما فهمته، و الا، أقسم بالله أن أضربك ضرب حمار في موقف)
عند هذه النقطة لم يستطع عادل أن يتمالك نفسه فصرخ بها قائلا دون رادع
(إنه ليس تلميح يا عديمة الأدب، بل هو تصريح، أنت تعرفين رجلا و تتصلين به كل يوم)
شهقت أمها و هي تضرب صدرها بذعر، بينما هتفت أختها بصدمة
(ماذا؟).

أما ياسمين فقد تجمدت مكانها تماما و شحب وجهها الا أنها لم تسمح لنفسها بأن تخاف أو تنهار فوقفت مكانها ثابتة، ثم قالت بصوت هادىء شابه بعض الإهتزاز
(أخرس يا حيوان)
اندفع عادل تجاهها وهو يرفع يده ينوي صفعها الا أنها كانت أسرع منه فأمسكت معصمه بكلتا كفيها و بكل قوتها تتصدى له كي لا تسقط الصفعة على وجهها و بالفعل نجحت في اسقاطها على كتفها، ثم دفعته عنها و هي تصرخ بجنون مفاجىء.

(أقسم أن أقطع يدك لو رفعتها امامي مجددا، و سأقطع لسانك لو تطاولت على سمعتي مرة ثانية)
لكن عادل لم يتراجع بل هتف بها دون تردد
(بل سأتطاول و أفضحك، أنا سمعتك تحادثينه ليلا)
صرخت أمها بلوعة
(ياسمين انطقي، هل هذا صحيح؟، ياللمصيبة! هل تعرفين رجلا و أنت مطلقة؟)
ظلت ياسمين واقفة مكانها تلهث و تنتفض من شدة الغضب، تتحرك بعينيها بين الثلاث أزواج من العيون المحاكمة لها دون رحمة...

و حين بقت على صمتها هتف زوج أختها بظفر...
(فلتقسم على المصحف أمامنا إن كنت كاذبا)
انتقلت عينا والدتها و أختها اليها بسرعة كالمغيبتين وهما تنتظران منها أن تقدم على حكم عادل دون مناقشة...
لكنها ظلت واقفة تلهث في مواجهتم دون كلمة...
مما جعل أمها تضرب وجنتها ببطىء و هي تهتف مذعورة
(ياللفضيحة! تعرفين رجلا؟، كيف تعرفت اليه؟، و ماذا يريد منك؟، إن كان غرضه شريف لماذا لا يتقدم طلبا ليدك؟).

ضحك عادل عاليا وهو يقول ساخرا بمقت
(من يتقدم لخطبتها يا عمتي؟، رجل يعرف امرأة مطلقة، يحادثها ليلا، و على الأغلب يتقابلان يوميا، دون رابط أو سابق معرفة، هل يمكنه مجرد التفكير في الزواج بها؟، إنه يتسلى بالطبع و يمضي معها بعض الوقت الرخيص دون مسؤولية، و العيب ليس عيبه، العيب عيبها في عدم احترامها لوضعها، ابنتك ستتسبب في فضيحتنا جميعا، رحم الله والدها من رؤية هذا اليوم).

تقدمت أمها منها و أمسكت بذراعها بقوة و هي تهتف قائلة بصرامة و قد جن جنونها من كلام عادل المسمم
(انطقي، من هو هذا الرجل؟، و ماهو غرضه؟، كيف تسمحين لنفسك بفعل هذا؟)
نظرت ياسمين اليهم جميعا، ثم أبعدت شعرها عن وجهها و هي تقول بصوت فاتر متخاذل
(ليس هناك شيء من هذا القبيل)
تدخل عادل و قال بصوت جهوري
(اذن أمامك حل واحد من اثنين، إما أن تقسمي على المصحف أنني كاذب أو تخرجي هاتفك و ترينا اتصالاتك و رسائلك).

اصطكت أسنان ياسمين و انتفض جسدها من هذا الإنتهاك الواضح لخصوصيتها بينما مدت والدتها كفها تقول بصرامة
(هات هاتفك حالا)
تراجعت ياسمين لتقول بصوت حاد
(أقسم بالله، إن تقدم أحدكم وهو ينتوي تفتيش أغراضي أو هاتفي فسوف أخرج من هنا و لن أعود لآخر عمري)
صرخ عادل بنبرة انتصار
(هل رأيت يا عمتي؟، هل سمعتي بنفسك؟، ها هي قد فضحت نفسها بنفسها).

ظلت ياسمين تنظر اليهم بنظرات قاتمة سوداء، بينما حدقتاها غير ثابتتين، شاعرة بالدوار و الرغبة في الموت أمامهم...
الى أن سألتها أمها في النهاية بصوت يرتجف قلقا و أملا
(هل يريد الزواج منك يا ياسمين؟، قولي يا ابنتي و لا تخافي، هل فاتحك في أمر الإرتباط الرسمي؟)
ساد صمت طويل متوتر بينهم الى أن قالت ياسمين في النهاية بصوت باهت ميت المشاعر
(ليس هناك أحد يريد الزواج مني، انسي هذا الموضوع تماما).

رفعت أمها يدها الى جبهتها و هي تهمس بصدمة
(ياللهي)
و حين شعرت بأن قدميها غير قادرتين على حملها، سحبت أول كرسي من كراسي المائدة لتجلس عليه، ثم استندت بجبهتها الى كفيها مغمضة عينيها...
اقتربت ياسمين منها بسرعة لتضع يدها على رأس أمها برفق هامسة بقلق
(أمي، هل أنت بخير؟، أرجوك لا تفعلي هذا بنفسك، صحتك لا تتحمل)
رفعت أمها وجهها الشاحب تنظر اليها بعينين ضائعتين و هي تقول.

(و هل تهمك صحتي؟، إن كانت لم تهمك سمعتك و سمعتنا، فهل تهمك صحتي؟، هل هكذا ربيتك يا ياسمين؟)
هتفت ياسمين بصدق و توسل
(يا أمي أقسم لك بأنني لم أسيء الى سمعتي و لم أرافق أي أحد كما توهمتم)
قالت أمها بصرامة على الرغم من وهن صوتها
(اذن لماذا ترفضين اظهار هاتفك لنا إن كنت صادقة؟)
هتفت ياسمين بقهر و إحساس بالظلم.

(لأن، لأن هذا ليس منصفا يا أمي، أنا لست طفلة، ليس لأنني مطلقة يحق لكم أن تعامليني بهذه الطريقة خاصة أمامهما، أنا لدي أسراري الخاصة نعم، لكن هذا لا يعني أنني أسأت الى سمعتي)
ضحك عادل ضحكة ساخرة وهو يقول هازئا
(من ستخدعين بوجهك المسكين بعد أن فضحتك؟)
التفتت ياسمين برأسها كالرصاصة الطائشة و هي تنظر اليه بعينين تقدحان شررا، فقال متابعا بنبرة منتصرة.

(هيا، هيا أظهري وجهك الشرس الحقيقي، فهذا البريء لا يليق بك و يجعلك مبتذلة تماما كفيلم رخيص، رحم الله والدك الذي لم يراك على هذا الحال)
هدرت أمها بصوت حاد قوي
(كفى يا عادل، كفى، على الأقل احترم وجودي، قلت ما لديك و انتهينا، كفى اهانة لإسم والدها رحمه الله)
كبت عادل المزيد من جرعاته المسممة بعد أن أمسكت زوجته بساعده بقوة و هي تمنعه بنظرة من المتابعة...

و استمر الصمت بينهم الى أن قالت أمها في النهاية بصوت خافت.

(منذ اليوم سيكون هناك قوانين جديدة يا ياسمين، سأضطر الى معاملتك و كأنك مراهقة، ستخرجين في موعدك و تعودين بموعد محدد، و تسلميني راتبك أول الشهر لا ينقص قرشا و أنا من ستعطيك مصروف يدك، كما أنك ستنتقلين للمبيت في غرفتي بجواري، و تتركين غرفتك الى أختك و زوجها، حيث أن أسرتهما على وشك التوسع، لا خروج مطلقا الا للعمل ثم العودة منه دون التوجه لأي مكان. ).

كانت ياسمين تستمع اليها بعينين واسعتين و فم مفتوح، وجه شاحب و كتفين محنيتين...
ثم لم تلبث أن سألت بصوت جليدي...
(و إن رفضت؟)
رفعت أمها عينيها تنظر الى ابنتها طويلا بعينين متهمتين، ثم قالت أخيرا بصوتافت لا رجعة فيه
(تخرجين من بيتي الى حيث كنت، عودي للسكن بمفردك، فأنا لن أستطيع ضربك او احتجازك في غرفتك بمفتاح كما كنت صغيرة).

ظلت ياسمين تنظر اليها بنفس نظرتها، تلك الغائرة و الخالية من كل المشاعر الا الخذلان...
ثم نقلت عينيها الى أختها و زوجها الذي كان ينظر اليها بتشفي، و دون كلمة أخرى و عوضا عن الخروج من البيت، عادت الى غرفتها ببطىء، صاغرة، ذليلة...
و لأول مرة منذ سنوات تشعر بأن يتمها يتجدد بعد وفاة والدها...

كانت تقف ناظرة من النافذة...
بكل بهائها و ملوكيتها، و هي ترتدي مبذلا من الحرير، واسع جدا ذو طراز قديم، حيث ينحدر بإتساعه من كتفيها مباشرة بموجات ذات لون حريري عسلي أقرب للذهب، تركته مفتوحا فوق قميص نومها الطويل الضيق و الذي أظهر بسخاء اكتناز قوامها دون أن يكشف شيئا في الواقع...

أما شعرها الطويل فقد تركته سارحا على ظهرها طويلا، طويلا، على الرغم من تموجه بعد استخدامها لمجفف الشعر عشوائيا فوق تلك الكتل الكثة من شعرها...
لم تدرك مدى جمال طلتها في وقوفها الشارد أمام نافذة غرفتها، حتى سمعت صوت حركة من خلفها فالتفتت برأسها متفاجئة، لكن صوت تصوير من كاميرا هاتفه جعلتها تبتسم مجفلة...

استدارت سوار بكامل هيبتها الآن و نظرت الى ليث الذي لم يكن ينظر اليها، بل كان يمعن النظر في تلك الصورة التي التقطها لها قبل أن تتدارك نفسها...
كان وجهه جادا لا أثر للمزاح عليه، يدقق في الصورة و كأنه نسي الأصل تماما، فسألته سوار بصوت رخيم مداعب رافعة احدى حاجبيها...
(هل هي جيدة؟)
رفع ليث عينيه ينظر الى عينيها، فكتمت أنفاسها على الرغم منها، نظرته...

الا أنه قال في النهاية بصوت عادي وهو يمط شفتيه بلا مبالاة
(لا بأس بها)
عقدت سوار حاجبيها استياءا، ثم تركت النافذة و اتجهت اليه مسرعة الخطى و هي تقول بجدية
(أرني إياها)
أراها الصورة، فصمتت و هي تدقق النظر بها...
لم تكن من النوع الذي قد يمدح نفسه، أو يرى بها الجمال...
الا أنها سحرت بالصورة، لم ترى نفسها جميلة من قبل كمنظرها في تلك الصورة...

طريقة وقوفها مولية ظهرها للكاميرا، بينما راسها فقط الملتفتة اليه، من خلف حجاب شعرها الخماري الطويل، تناقض لون شعرها و طوله مع لون مبذلها بينما أشعة شمس الغروب تحاوطها، كان مزيجا ساحرا، لكن كل هذا لا يوازي نظرة عينيها اللتي أجفلت لرؤيته بغتة...
علي الرغم من وجهها المظلم بسبب أشعة الشمس قليلا، الا أن عيناها كانتا واسعتين، تبرقان بإبتسامة مجفلة...

لم تكن في حاجة للنظر الى فمها كي تتأكد من ابتسامتها، فقط نظرة الى عينيها تخبر من يراها أنها امرأة تضحك لمن تحب...
رفعت سوار وجهها ببطىء حتى التقت عيناها بعينيه المخترقتين لكل ذرة ممكنة منها...
فارتجفت نبضات قلبها بعنف...
الا أنها مطت شفتيها و قالت بلا مبالاة مماثلة تهز أحد كتفيها
(لا بأس بها، و إن كانت لدي صورا أفضل منها).

حاولت الإبتعاد عنه، الا أنه لف خصرها بذراعه فجأة فرفعت وجهها اليه متسائلة، لكنها لم تجد الوقت، فقد انحنى وجهه اليها يقبلها بشغف و دفىء بطيء جعلها تئن قليلا و هي تحاول الإبتعاد عنه، لكن حنان ضمه اليها جعلها تستكين و هي ترفع يدها لتريحها على صدره، حينها فقط سمعت صوت الكاميرا من جديد، فأبعدت وجهها مجفلة ثانيا لتلاحظ أن ذراعه مرتفعة بالهاتف و قد التقط لهما صورة سويا...

حينها أراها الصورة مبتسما وهو يقول بصوت أجش
(هل هذه أفضل؟)
نظرت سوار الى الصورة و هي تلعق شفتيها بتردد و قد تورد وجهها قليلا، الا أنها رفضت التنازل تماما، فقالت تسأله بعدم اهتمام زائف
(ماذا لو سرق هاتفك؟، أو اخترقه أحد؟)
أمسك بذقنها يرفع وجهها اليه، ينظر الى عينيها العسليتين ذات الأهداب الشمسية، و قال بهدوء
(لن أترك هذا للإحتمال)
مطت شفتيها و هي تقول
(جيد لك، بالنسبة لشخص يتمنى لو أغطي وجهي عن العالم).

حاولت الابتعاد عنه الا أنه كبل حركتها حتى أصبح ظهرها لها وهو يحكم التمسك بخصرها ثم سألها بصوته الساخر قليلا
(هل ضرب رأسك حجر طائش مجددا، أم قامت حشرة مسممة بلدغك؟)
ضغطت سوار على أسنانها و هي تقول من بينهما ببرود
(ربما إن عرفت سبب السؤالين الجهبذيين، لإستطعت حينها أن أعطيك الرد المناسب)
رد عليها ليث رافعا أحد حاجبيه بتشدق قائلا.

(السبب هو أنهما الإحتمالين الوحيدين اللذين أستطيع تخمينهما لتغير حالك الى نمط البرود المثالي بعد أن كنا)
قاطعته سوار محذرة، بعينين واسعتين مهددتين
(هممممممممم)
قال ليث متابعا
(بعد أن كنا)
زمجرت سوار بنبرة أكثر غضبا و تهديدا و بعينين واسعتين كطبقين
(هممممممممممممممممم)
ضحك ليث وهو يديرها اليه حتى واجهته الا أنه لم يتخلى عنها وهو يهمس لها بصوت أجش
(اهدأ يا وحش الليل، أعصابك يا جميل).

حاولت دفعه في صدره الا أنه منعها ببساطة فتراجعت للخلف على حاجز ذراعه تنظر بوجهها الجميل الصلب اليه ثم قالت بصلف
(هل تظن أنني سأسامحك بهذه السهولة يا هلالي؟)
عقد ليث حاجبيه مفكرا وهو يقول متمتما
(مممممم، ظننتك فعلت! تشهد عليك صابوناتك الملونة! و التي وقعت احداها في المرحاض بالخطأ و لا يزال ملونا حتى الآن)
زمت سوار شفتيها قائلة بغضب
(كرامة سوار الرافعي لا ترد ببضع شموع و حمام معطر و ماء ملون).

ضاقت عينا ليث وهو ينظر اليها ثم قال بهدوء
(حقا يا سوار و بكل صراحة، أنت لا تستحقين سوى كسر عنقك، الا أنه لحسن حظك أنا أمر بمرحلة طيبة من حياتي حاليا و لا أرغب فيها بإراقة المزيد من دمك، لكن معك حق، فمن يجد الدلال و لا يتدلل!)
قالت سوار بجدية من بين أسنانها
(أنا لا اتدلل، أنت أهنتني بأقسى الطرق)
رد عليها ببساطة
(و انت فعلت، متساويان)
هزت رأسها نفيا بسرعة و هي تقول بنبرة حادة.

(لا لسنا متساويان، أنا سوار غانم الرافعي، ابنة وهدة الهلالي، لن يمر ما فعلته بها بسلام أبدا)
ارتفع حاجبي ليث وهو يسألها ببراءة
(اذن ألم يكن ما حدث بيننا صلحا مرضيا لك؟)
تورد وجهها أكثر، الا أنها تماسكت و رفعت ذقنها بشموخ لتقول جادة بكبرياء
(ما حدث لم يكن سوى تعامل زوجة صالحة، لا تمنع نفسها عن زوجها)
ارتفع حاجبي ليث أكثر وهو يرفع يده الى جبهته هاتفا بإستنكار.

(زوجة صالحة! منذ متى يا عيني ليث؟، يشهد عليك الباب المغلق بيننا خلال 80 % من فترة زواجنا)
قالت سوار بإمتعاض
(ما هذا الإسلوب الشعبي في الحوار؟)
الا أنها عقدت حاجبيها و هي تحاول التذكر...
80 %؟، لا مستحيل أن تكون النسبة صحيحة أبدا...
قالت سوار و هي تفكر بشرود تميل برأسها عابسة
(بالتأكيد لا، النسبة لا تزيد عن 20 %)
قال ليث ببرود...
(أنا لم أحتسب المرات التي فرضت نفسي فيها عليك).

برقت عيناها بغضب و هي تقول بحدة تحفر بسبابتها في صدره
(اذن تعترف بأنك فرضت نفسك علي! ضع هذا الإعتراف على الحساب)
الا أنه قبض على إصبعها و رفعه الى فمه أمام ذهولها ثم قام بعضه بكل قوته...
شهقت سوار ألما و هي تحاول انتزاع هذا الإصبع المسكين من بين أسنانه الا أنها لم تفلح الا بعد أن حرره بنفسه، فأخذت تدلكه هاتفه به بغضب
(ماذا تفعل؟، ألن تتوقف عن التهجم على جسديا؟).

رفع اصبعها اليه يتفحصه بدقة، ثم رماه وهو يقول بلا مبالاة
(لم يحدث له شيء، لكن دونيه مع الحساب إن أردت)
رمقته شزرا، ثم القت بشعرها جانبا و هي تبتعد عنه بخيلاء و كأنه نكرة، فناداها قائلا بهدوء
(وحش الليل)
توقفت مكانها، تحاول كبح ابتسامة خبيثة تريد التسلل الى شفتيها، الا أنها كتمتها بقوة ارادة و استدارت اليه قائلة ببرود
(ماذا؟).

ظل يتأملها طويلا، مبتسما و كأنه ينظر الى لوحة ملكة أسطورية، كانت ضائعة و عثر هو عليها ليأسرها و يحفظها في خزنة حديدية داخل قلعة بعيدة، خارج حدود الزمان و العالم...
ثم سألها اخيرا بهدوء
(ماذا تطلبين كترضية على ما بدر مني؟)
رفعت سوار احدى حاجبيها و هي ترمقه ببرود قائلة
(هل تتلاعب بي؟)
ابتسم ببراءة غير مريحة وهو يقول بنفس الهدوء
(مطلقا، أريد أن أرضيك، و كنت أفكر في الطريقة، فهل تساعديني؟).

بدت سوار غير واثقة من مدى جديته، فسألته بجفاء
(كيف لك أن تعوضني عما مررت به من امتهان لكرامتي، و سحقي لكبريائي بتلك الطريقة؟، هل من أفكار؟)
أومأ ليث وهو يقول مبتسما و عيناه تتألقان بمدى جمال بهائها
(فكرت بسيارة، السيارة الأروع، تقومين بإختيارها بنفسك)
أفلتت من بين شفتيها ضحكة استهانة و هي تكتف ذراعيها قائلة
(سيارة؟، هل هذه هي فكرتك؟)
هز رأسه نفيا ببطىء و قال دون أن يفقد ابتسامته.

(فكرت أفضل من هذا، في سفرة طويلة، شهر عسل طويل في أجمل بقاع الأرض)
مطت سوار شفتيها و هي تقول ببرود
(الآن أنت غير منطقي)
ازدادت ابتسامته شغفا، ثم قال برقة أكبر
(اطلبي و لك ما تتمني)
ظلت ترمقه بنظرة طويلة تحاول جاهدة أن تحبس المشاعر القوية بها، ثم قالت بهدوء
(أتمنى رؤيتك مهزوما، كما رأيتني مهزومة)
ضحك ليث بصوت أجش و عيناه تداعبانها بدلال بينما يداه في خصره متحفزا، ثم قال بصوت أجش.

(أخبرتك أنك سبق و فعلت هذا، و لم أتعافى بعد، الا أنك تتمادين و تحاولين اتخاذ انهزامك مبرر كي تتهربين من مقاطعتي لك)
ارتفع حاجبيها و هي تهتف غاضبة تتخصر بكفيها
(هل تدعي أنني أفعل كل هذا كي تتنازل و تفك مقاطعتك لي؟)
حك فكه ببطىء وهو يقول بعفوية
(هذا ما فكرت فيه بالفعل)
أسقطت سوار كفيها و نفضت شعرها و هي تقول بحدة
(اذن ابقى على ظنك البائس، و أنا لن أتنازل في محاولة تصحيحه).

اتجهت الى باب الغرفة تنوي الخروج، الا أنه لحق بها و دار بها قبل أن تفتح الباب، فوقفت أمام مواجهة و شعرها متناثر حول كتفيها بينما عيناها تبرقان كعيني ملكة نزلت مع جيشها الحرب...
فابتسم ليث وهو يرفع كفيه قائلا بخفوت
(لما لا تهزميني جسديا، ربما يرضيك هذا؟)
أصدرت صوت ساخر و هي تقول
(هذا هو أقصى طموحك!)
الا أن ليث مد ذراعيه قائلا بجدية...
(بل أعني الهزيمة، تعالي و نالي حقك مني، افعلي ما تشائين).

رمقته بطرف عينيها و هي تقول ببرود
(هل تتوقع مني مهاجمتك بالفعل؟)
ابتسم ليث بطريقة متحدية مستفزة وهو يقول
(هذا إن استطعت)
أمالت رأسها و هي تقول بجفاء
(قد أصيبك)
ضحك ليث عاليا وهو يلوح بكفيه قائلا بسعادة
(حاولي قدر استطاعتك يا صغيرة)
رفعت حاجبيها و قالت بسخرية
(صغيرة! أنت واثق من نفسك جدا، حسنا، كما تشاء)
و قبل أن تتم آخر كلماتها كانت تجري تجاهه بقوتها البدنية الشبيهة بجواد أسود حالك مندفع و غير مروض...

و ما أن شعرت أنها على وشك ضربه في صدره بمنتهى البساطة، حتى غافلها و استدار يمينا فاندفعت للهواء و كادت أن ترتطم في الجدار من خلفه، الا أنه التقط خصرها ليديرها حول نفسها بمهارة و أصبحت في مواجهته مجددا و كأنها لم تفعل شيئا!

وقفت سوار تلهث وهو ينظر اليها مبتسما، فازداد غضبها مما جعلها تبتسم هي الأخرى دون مرح ثم جرت اليه مجددا تنوي دفعه الى الحائط، لكنه أمسك بمعصمها ليلفه خلف ظهرها حتى بات ظهرها ملاصقا لصدره و ساعدها مكتفا بكفه القوية...
حاولت التحرر منه بكل قوتها الا أنه كان يكبلها مبتسما بإحكام، فصرخت عاليا وهي تحاول بعنف اكبر...
الا أن ليث همس لها بصوت أجش وهو يميل برأسه ليقبل عنقها برقة أرسلت رجفة الى أوصالها...

(لا تفقدي سيطرتك، تلك المقاومة العشوائية الأنثوية تفقدك قوتك دون أي فائدة، اثبتي و فكري كيف تتحرري مني)
سكنت سوار بالفعل و أغمضت عينيها وهي تأخذ نفسا عميقا محاولة السيطرة على غضبها الذي تفاقم منه...
ثم حاولت ضرب ساقه بقدمها، الا أنه بدا و كأنه كان متوقعا هذه الخطوة لأنه السلاح الوحيد الذي تمتلكه، فباعد بين ساقيه قليلا حتى مرت قدمها في الهواء و كادت أن تسقط للأمام لولا إمساكه بها...

صرخت سوار بعنف مجددا و هي تحاول التحرر بعشوائية، فما كان منه الا أن ضحك وهو ينصحها بتسلية
(أخبرتك الا تقاومي عشوائيا دون تفكير، هل يئست من هذه الحركة؟، هل أحررك بملء ارادتي؟)
ظلت سوار على غضبها طويلا، الى أن قالت أخيرا بغضب مكبوت
(حررني)
ضحك بخشونة وهو يحررها ببساطة، فاستدارت تنظر اليه بحدة و هي تدلك معصمها، عابسة، مشتعلة العينين...
قال ليث بصوت عميق وهو ينظر الى عينيها...

(علمتك حمل السلاح، و سأعلمك كيف تتغلبين على رجل جسديا، و ربما أهديتك فرسا لك، سألقبه بوحش الليل يا صغيرة)
قالت سوار بفظاظة أحد رجال الشرطة
(لم أعد صغيرة يا ليث، أنت تحاول العودة الى احدى عشر سنة مضت)
رد عليها بهدوء رقيق، شديد العمق و كأنه قاع المحيط الداكن
(و مع ذلك لازلت تحتاجين الى تعليمي، أتذكرين يا سوار).

رقت عيناها رغم عنها و كادت شفتاها أن تفتر عن ابتسامة عاشقة للذكرى، ذكرى الشاب القوي الذي كان يعلمها كيف يمكن للسلاح الآلي الثقيل أن يصبح جزءا لا يتجزأ من ساعدها الأنثوي الرقيق...

طالت بهما النظرات ذات الحنين العاشق، لكن صرخة وحشية منها مفاجئة و صادمة، قطعت هذا التواصل و هي تهجم عليه رافعة ساقها تحاول رفسه في صدره، الا أنه مجددا أمسك بقدمها ليلقي بها الى الخلف ببساطة، مما جعلها تقع على الأرض بقوة...
تأوهت سوار بصوت عالي بينما مؤخرتها تؤلمها بشدة، فأغمضت عينيها صارخة بغضب
أما ليث فقد هز رأسه أسفا قائلا.

(حقا يا سوار! محاولة رفسي؟، هذه الحركة لم تحاولها أي بطلة من بطلات الأفلام الا و أمسك البطل بقدمها و ألقاها أرضا كما فعلت للتو، كان عليك توقع حركتي)
عقدت سوار حاجبيها و هي تقول ببرود و قساوة
(يبدو أنك أكثر تركيزا مع البطلات!)
قال ليث ببساطة
(إنهن أكثر مرونة منك على كل حال)
برقت عينا سوار ببريق الخطر و ظلت تنظر اليه و نوايا القتل تملأ عروق دمها، الا أنه اقترب منها وهو يمد كفه اليها قائلا بهدوء رقيق.

(تعالي)
نظرت الى كفه ثم رفعت يدها على مضض لتضعها بها، و ما أن سحبها لتنهض حتى رفعت مرفقها و حاولت ضربه به بكل قوتها في معدته، الا أن كفه الحرة تلقت مرفقها المسنن كقفاز كرة و بمنتهى البساطة، ليلقيه بعيدا، ثم لف ذراعها مجددا خلف ظهرها مما جعلها تتأوه يأسا...
لكن هذه المرة أحاط عنقها بساعده الآخر!
ابتسم ليث من خلفها وهو يهمس بصوت متحشرج عميق
(تحتاجين الى تدريب طويل، و سأكون سعيدا بفعل هذا يا مليحة).

أغمضت سوار عينيها رغم عنها و هي تميل برأسها جانبا مبتسمة، فانكشف عنقها له، ليقبله ببطىء و تمهل هذه المرة، بينما خف ساعده على عنقها...
لكن فجأة سقط رأسها للأمام بسرعة، قبل أن يشعر بأنياب حادة تنشب في لحم ساعده بكل قوة و سادية، الى أن صرخ عاليا وهو يحررها...
لكنها لم تحرر لحمه من بين أسنانها، بل رفع ساعده و هي رفعت رأسها معه بينما لحم ساعده لا يزال في فمها، هتف ليث بخشونة متأوها
(أتركيني يا عضاضة).

لكنها لم تفعل، بل زادت من ضغط أسنانها حتى جرحته و أدركت ذلك فإبتسمت برضا...
أظلمت عينا ليث حين لمح ابتسامتها الراضية، فضاقتا، ثم أخذ نفسا عميقا قبل أن يقبض باصابعه على أنفها يسدها بقوة مما جعلها غير قادرة على التنفس...
فاضطرت الى ترك معصمه شاهقة طلبا للنفس، ثم صرخت به
(تسد أنفي! هل هذا هو تدريبك؟)
رفع ليث وجهه المكفهر ينظر اليها وهو يسألها قائلا بحدة.

(وهل العض وسيلة دفاع؟، بالله عليك هل ربتك الذئاب؟، ستظل تلك العلامة على ساعدي طويلا! كيف سأتوضأ في العمل و الجامع؟، ماذا إن رآها أحد؟)
اتسعت عينا سوار قليلا بصدمة، ثم لم تلبث أن غضت فمها بكفيها و هي تضحك متشفية من كل قلبها...
بينما ازداد بريق الغضب في عيني ليث وهو يقول غاضبا بصوت متباطىء...

(هل هذا مضحك؟، حسنا يا سوار، طالما أن الأمر مسليا بالنسبة لك فسوف تنالين عوضا عن العضة المتوحشة تلك، خمس كاملة)
تسمرت سوار مكانها بحذر، ثم قالت بصوت بحذر مهدد
(لن تفعل)
رفع ليث ذقنه مبتسما وهو يقول
(بلى سأفعل، نسبة 20 % ستقومين بتسديدها بالفوائد)
صرخت سوار وهو يهجم عليها فجأة، ففرت منه بسرعة وهو خلفها بينما هي تهتف
(توقف عن هذا يا ليث، ليس مضحكا).

الا أنه ضحك بالفعل و لم يرد، بل لاحقها بكل قوته الى أن أمسك بها ليطوحها حتى سقطت على السرير...
حاولت النهوض بكل سرعتها، الا أنه ثبتها مكانها وهو ينظر الى وجهها المحمر مبتسما بسعادة، ثم سألها برضا
(هل أرضيتك؟)
عقدت سوار حاجبيها و هي تقول بصوت أجش رافض
(و هل فعلت شيئا بعد؟)
رفع ليث ساعده المتورم أمام عينيها المصدومتين ثم قال بخفوت
(أعتقد أن هذا كافيا).

الا أن سوار هزت رأسها نفيا بقوة و عيناها تلمعان برفض قائلة
(لا، ليس كافيا أبدا)
ابتسم ليث تلك الإبتسامة التي تهز أعماقها بعنف، ثم سألها بهدوء بسيط
(ما الذي يرضيك؟)
سكنت سوار مكانها تماما و هي تنظر الى وجهه المشرف عليها بحنان و عيناه تلمعان بشغف تدركه...
الا أنها رفعت كفها تلامس بها فكه، ثم همست و هي تنظر الى عينيه قائلة ببطىء
(شيئان، أولهما هو أنني لا أريد أن تعمل مع دليلة).

تسمر ليث للحظة و ارتفع حاجباه، قبل أن ينعقدا بشدة وهو يسألها مستفهما بحذر
(ماذا؟، ما الذي تعنينه بالضبط؟، هل تريدين منها ترك العمل؟)
ردت سوار بهدوء و دون أن يرتجف صوتها
(إما أن تتركه هي أو تتركه أنت، لكن لا أريدكما سويا)
ضاقت عيناه وهو يتأمل الثقة الأقرب الى الصلف على ملامحها المليحة الجميلة، ثم قال وهو يضغط على أسنانه.

(إنه عملي. أنا لست موظفا هناك، و هي كذلك، لقد كانت هناك منذ بداية تكوين المكان لذا نحن نعتبرها من أصحابه، فهل تتوقعين منها أن تترك ما بنته خلال سنوات، خاصة بعد أن كانت كريمة النفس معك، و ذلك لأنك مجرد زوجة تافهة لا تثق بنفسها؟)
هتفت سوار بحدة قائلة
(أنا أثق بنفسي أكثر من أي انسان، أنا ابنة وهدة و غانم).

لم تتغير ملامح ليث الهادئة وهو ينظر الى عينيها بطريقة محققة الى أن انهارت و أدارت وجهها جانبا و هي تقول بصوت واهن
(نعم لا أثق بنفسي، لا أثق بنفسي حين يتعلق الأمر بك، لا أثق بأي مخلوق حين يتعلق الأمر بك، من المؤكد أن طاقات التشفي بداخلك تتوهج الآن، اليس كذلك؟)
رفضت النظر اليه و توقعت أن تسمع صوت ضحكته المتسلية...

الا أنه زفر نفسا طويلا قبل أن يخفض وجهه حتى دفنه في تجويف عنقها مغمضا عينيه، ثم قال بصوت خافت ناعم
(اذن ثقي بحبي على الأقل، بعد كل تلك السنوات و كل ما مررنا به، ثقي أن عاشقك لن ينظر الى غيرك طالما أنت أمام عينيه، تطوفين حوله كجنية حارسة ضد أي عدوان، ثقي بعشقي يا مليحة، فمن غيرك تستطيع أن تحتل هذا القلب المريض)
نظرت سوار اليه بسرعة و هي ترفع يدها لتلامس بها صدره و قالت بخوف
(سلامة قلبك يا غالي).

ترك ليث ذراعها ليقبض على كفها قبل أن يرفعه الى فمه، فقبل راحتها برفق و عيناه لا تزال على عينيها. ثم همس فوق راحة كفها
(مريض بعشقك يا مليحة)
أغضمت سوار عينيها و همست من أعماق قلبها المشتعل غيرة سوداء
(أنت لا تلعب بإنصاف)
ضحك ليث بخشونة وهو يقبل أذنها ثم همس بها قائلا
(سأعلمك أن الحرب تبيح اللعب بعدم انصاف، كل ما لديك من أسلحة استخدميه).

ضحكت سوار و هي تتأوه بنعومة بينما هو يداعبها برقة و قوة، ثم تابع قائلا بصوت أجش
(كما قمت بعضي منذ قليل، كذئبة برية)
ابتسمت سوار و هي تتأمل ملامح هذا الوجه الحبيب القريب، تتشرب كل شعرة منمقة فضية من لحيته المشذبة، الى أن همس لها قائلا بصوت جاف من شدة مشاعره
(ما هو الشيء الثاني؟)
عقدت حاجبيها و هي تسأله بعدم فهم
(ها؟)
ابتسم ليث وهو يقول برضا.

(قلت أن هناك شيئان، الأول مرفوض و تم الحصول على موافقتك بالنسبة للرفض، فما هو الشيء الثاني)
قالت سوار بخفوت مبتسمة...
(آه، الشيء الثاني، أن تتغاضى عن الخمس عضات)
برقت عينا ليث بخبث وهو يقول بصوت أجش، قوي و لا يقبل الجدال
(الطلب الثاني، مرفوض يا وحش الليل، و الآن و بما أننا أنهينا اتفاقية صلحنا بكل عدل).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة