قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الخمسون

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الخمسون

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الخمسون

(أنا لا أعلم كيف وافقتك! صدقا)
تكلمت هريرة بصوت مشتد خافت، فأجابتها سوار بإمتعاض
(الشيء نفسه قلته ما أن أغلق الخط مع عمتي)
هتفت بها هريرة بغضب
(عمتك أنت، لا عمتي أنا، لماذا تقحميني في الأمر؟)
التفتت سوار حولها و هي تقول بحرج و حدة...

(أخفضي صوتك، نحن نجلس في مقهى مفتوح بمنتصف مجمع تجاري مزدحم، و الجميع ينظر اليك. عمتي طلبت مني التصرف و دعوتها الى أي مكان بحكم القرابة و النسب، لكن طبعا الأمر سيكون واضح للأعمى لو دعوتها بنفسي بعد كل هذه السنوات و لا علاقة قوية لي بها، لذا كانت صداقتك بها مثالية كي يكون الأمر مغطى)
نظرت هريرة حولها أيضا عاقدة حاجبيها ثم قالت بصوت خفيض
(لو علم ليث)
مالت سوار الى الطاولة و قالت ببساطة.

(ليث يعلم أننا سنخرج سويا و نقصد المجمع التجاري، نحن لم نكذب)
تأففت هريرة و هي تقول بحدة همسا
(و ماذا عن المحروس ابن عمتك؟)
قاطعتها سوار تقول بجدية
(الولد له حق شرعي، أن يرى عروسه ولو لمرة و حتى الآن لم يستطع الوصول اليها، ليس من المعقول أن يدور بحثا عنها في كليتها فيثير الأقاويل خاصة أنهما حتى الآن لم تتم خطبتهما رسميا)
صمتت للحظة ثم تابعت بصوت غاضب.

(بصراحة عائلتك تتعنت و تعامله معاملة الكلب الأجرب، بينما هو زين شباب الرافعية و لا يعيبه شيء، من حقه أن يعرف موقعه جيدا و إن كانوا جادين في متابعة الخطبة أم سيصرفون النظر عنها. )
مدت هريرة رأسها و هي تقول
(تتكلمين و كأنها ليست عائلتك أنت أيضا!)
أرجعت سوار ظهرها للخلف و هي تقول بإمتعاض
(أنا مع الحق، عائلة الرافعي قدمت كل ما تستطيع للصلح، بينما لم تفعل عائلة الهلالي حتى الآن).

اتسعت عينا هريرة و هي تقول بدهشة
(هل هذا على أساس أنك متزوجة من فرخ بط! الست متزوجة من ليث الهلالي يا امرأة؟)
رفعت سوار اصبعيها معا و هي تقول بحسم
(صفقة الصلح قامت على زيجتين، أي أن عائلة الهلالي لا تزال تحمل دين دم لعائلة الرافعي)
كتفت هريرة ذراعيها فوق الطاولة و قالت محتارة
(و كأنك لم تتزوجي من الرجل الذي تحبين بعد!)
صمتت سوار و هي تنظر الى البعيد، ثم ابتسمت شاردة و هي تهمس بخفوت.

(نعم فعلت، تزوجت الرجل الذي أحب)
ابتسمت هريرة بهيام و هي تسمع نبرة العشق الخالص في صوت سوار، الا أن الإبتسامة طارت سريعا و هي تسمع سوار تقول فجأة محتدة
(لكن كلام الرجال سينفذ، طالما أنهم قاموا بتنفيذه على حياتي)
مطت هريرة شفتيها و هي تهز رأسها بيأس، ثم سألتها معترضة
(لكن ماذا لو)
قاطعتها سوار قائلة.

(لن يحدث شيء مما تخشين، سيأتي عرابي و ينظر اليها عن بعد، ثم ينصرف، و نحن تجاوزنا العيب و رمح، لا دخل لنا بمثل هذه الصدفة)
مطت هريرة شفتيها مجددا و هي تقول بسخرية
(صدفة!)
ردت سوار مؤكدة
(بالطبع صدفة، إننا حتى لن نراه)
ثم نظرت الى ساعة معصمها و قالت بغيظ
(لماذا تأخر هذا السخيف؟، أكدت عليه أنني لن أستطيع التأخر كثيرا)
أجابتها هريرة و هي تنظر حولها.

(حتى جويرية تأخرت، بصراحة أن آخذ منها موعد مفاجىء هكذا بعد موعد انتهاء آخر محاضراتها كان مجازفة، علها لا تستطيع القدوم لتوفر علينا الحرج الذي أقحمتنا فيه)
ردت سوار بحدة
(حينها سنحدد موعدا ثان، و ثالث، و لن يستطيع أحد لومنا)
تأففت هريرة بقلق، بينما كانت سوار تنظر حولها منفعلة، الى أن قالت فجأة براحة
(ها هو قد وصل، الحمد لله).

نظرت هريرة الى حيث تنظر سوار، و لم تكن تعلم أي من هؤلاء البشر هو الخطيب المنتظر...
الى أن جذب احساسها النظر الى واحد منهم بالأخص، كان يسير بين الجمع كالطاووس، يضع على عينيه نظارة سوداء، لكن على الرغم من ذلك تكاد أن تقسم بأنه ينظر الى من حوله بسخرية و فخر تلقائي بنفسه، من ابتسامته الساذجة و الجذابة في ذات الوقت...
رفعت هريرة أحد حاجبيها و قالت مشيرة اليه بذقنها.

(أهذا هو هناك؟، الذي يرتدي قميصا أبيض و بنطال من الجينز؟)
أومأت سوار برأسها و هي تقول مبتسمة بخبث
(نعم هو، الآن كل ما سيفعله أن يتخذ مقعدا في طاولة مجاورة دون أن يرانا)
ظلت هريرة تراقبه بعدم راحة، الى أن أبصرهم فارتبكت و أخفضت عينيها بسرعة، لكن ظلت تسترق النظر اليه، حتى عقدت حاجبيها بشدة و همست بهلع
(ماذا يفعل؟، إنه يلوح لنا! إنه آت الى هنا، إنه قادم الينا بالله عليك!).

التفتت سوار تنظر اليه ثم رفعت حاجبيها و هي تهمس بغيظ
(كنت أعرف أنه متخلف)
لم تكد تنهي كلماتها حتى كان قد وصل اليهم ووقف بجوار طاولتهما قائلا بإبتسامة متثاقلة
(مرحبا يا سيدات)
نظرت كلا من سوار و هريرة الى بعضهما قبل ان تنتفض سوار رافعة رأسها اليه قائلة بحدة همسا
(ماذا تفعل؟، ألم نتفق أن تجلس بعيدا و تتظاهر بأنك لم ترانا؟)
رفع كتفه بلا مبالاة و قال بملل
(فكرت في القاء التحية و التعارف كنوع من الذوق).

ردت سوار بحدة اكبر و هي تكاد أن تنفجر غيظا
(هذه هريرة أخت ليث و أنا سوار ابنة عمك، هيا اذهب من هنا و ارتمي على أي طاولة بسرعة)
الا أنه نظر الى هريرة و سأل بسماجة
(تشرفنا، أين العروس؟)
عادت كلا منهما تنظر الى الأخرى بذهول، ثم مطت هريرة شفتيها و هي تضرب كفا بكف قائلة بنفاذ صبر
(في جيبي!)
مط شفتيه في ابتسامة أكثر سماجة ثم سألها ببرود
(و هل هي بنفس درجة الظرف هذه؟)
نظرت هريرة الى سوار منفعلة و هي تقول بحدة.

(سوار!)
رفعت سوار اليه و قالت مشددة على كل حرف تكاد أن تحط أسنانها
(اذهب حالا من هنا أيها الأحمق و تظاهر بأنك لا تعرفنا، غبي)
نقل عرابي عينيه بينهما ثم هز رأسه متعجبا نافذ الصبر قبل أن يبتعد متثاقلا حتى جلس على أقرب طاولة مضجعا، رافعا كاحله فوق ساقه الأخرى بخيلاء مشيرا الى النادل...
أبعدت هريرة عينيها عنه ثم نظرت الى سوار قائلة بذهول و غضب.

(أهذا هو؟، أهذا هو من تتخيلين أن تقبل به جويرية؟، إنه مرفوض بالثلث، أنت لا تعرفين شخصية جويرية، مثل هذا الشخص يمكنها أن تسلقه و تحضر من حسائه صحن ملوخية)
هزت سوار رأسها بنفاذ صبر ثم قالت بحدة متأففة
(يا هريرة لو الفتاة رفضته فهذا حقها، لكن من حقه أيضا أن يراها طالما وافق أهلها على الخطبة)
صمتت قليلا ثم همست معترضة و كأنها تحادث نفسها.

طبعا من حق جويرية الهلالي أن ترفض فرض الصلح على حياتها الشخصية، أما سوار الرافعي فهي الممتثلة دائما للقوانين و الأعراف، و ظيفتها القبول و الصمت ممتنة، هذا ليس عدلا.
ثم ظلت صامتة الى أن سمعت هريرة تقول بتوتر
(هاهي وصلت)
رفعت سوار رأسها منتظرة، الى أن وصلت اليهما فتاة شابة، ضحوكة، و كأن الضحكة قد قلت لمحياها، و صوتها المرح يملأ المكان.

(قطيطة، لا أصدق، تلاقينا أخيرا! كان لدي بحث مشترك لنقوم أنا و زملائي بالإعداد له الا أنه ما أن وصلني اتصالك حتى تركت كل ما بيدي و جئتك من فوري)
في تلك الأثناء كان عرابي لا يزال مضجعا في مكانه ينظر الى الجميع بلامبالاة، يضرب بيده أكياس السكر المتراصة في كوب أنيق، الى أن وصله الصوت الأنثوي المرح عن قرب فالتفت ينظر الى طاولة سوار و هريرة، و يرى الفتاة المقبلة عليهما...

سكن عرابي لبضعة لحظات مكانه قبل أن يخف ساقه ببطىء وهو يرفع نظارته السوداء عن عينيه، رافعا حاجبيه، مرسوم على وجه علامة (قف، أنثى أمامك)
كانت شابة رشيقة، جذابة، مشتعلة النشاط و الحيوية، شعرها مسدل على كتفيها، ترتدي بنطالا من الجينز شبيه ببنطاله، لكن قميصها واسع و كبير يكاد أن يبتلعها لكنه لم يخفي رشاقتها...
دخولها أحدث ضجة في المكان، و كأن شخصيتها تفرض نفسها بنفسها...
(تفضل).

كان النادل قد وصل اليه بكوب العصير، فنظر اليه عرابي مستفهما، ثم أمسك بالكوب يرتشف القليل ليرطب حلقه الجاف قبل أن يهمس لنفسه بتحشرج
(ما هذا؟، نحن لم نتفق على هذا! أتفقنا على عروس سأرفضها فور رؤيتها، ربما ليست هي! ربما صديقة اخرى جائت بالصدفة!).

الا أنه رأى هريرة تنهض لتعانقها بقوة، قبل أن تنزع الفتاة الحقيبة عن كتفيها، حقيبة رياضية تشبه حقائب المدارس، لتلقيها أرضا بلا اهتمام ثم سحبت كرسيا و جلست بجوارهما بعفوية و دون حرج...
أخذ عرابي رشفة أخرى وهو يراها تنفض شعرها بأصابعها لتشعثه، ثم لفت نظره سلسال ذهبي رقيق ملتف حول كاحلها فوق حذائها الرياضي الأبيض ذو الرباط!
أخذ رشفة أخرى، ثم همس لنفسه.

(ما هذا؟، أهذه العروس التي لا يراها خطيبها قبل عقد القران! الجميع رآها الا أنا!)
أما على طاولة سوار، فقد تابعت جويرية الكلام قائلة بحماس.

(عادة كنت أنت من تتأخرين على الموعد بينما آتي أنا مبكرة قليلا تحسبا لأي ظرف طارىء، الآن امسكت لي ذلة، لكن الذنب ليس ذنبي، ذنب حمار كان يتحرش بي أمام مدخل المجمع التجاري، لم أتركه الا و الأمن ممسكا بتلابيب ملابسه، كيف حالك يا قطيطة؟ لا تتخيلي سعادتي برؤيتك أخيرا، لهذا الزواج يعد أكثر النظم الإجتماعية افسادا للصداقة، هل شربتما شيئا؟ مرحبا، من أنت؟).

انتبهت سوار الى أن جويرية تكلمها، فقالت مبتسمة بتوتر
(أنا سوار يا جويرية، سوار الرافعي، الا تتذكريني؟)
هتفت جويرية قائلة بمودة
(سوار، نعم صحيح، كنت متأكدة بأن وجهك ليس غريب، اعذريني متى كانت آخر مرة رأيتك فيها)
أجابتها سوار مبتسمة و هي تختلس النظر الى عرابي عن بعد...
(كنت طفلة، لكن الآن كبرت ما شاء الله و صرت عروسا).

استطاعت سوار أن تلمح جلسة عرابي الغير متوازنة وهو يجلس على حافة كرسيه كمن يحتاج الذهاب الى دورة مياه لقضاء حاجته، و قد طارت عنه هيئته اللامبالية و هذا يبنىء بأنه قد يتهور في أي لحظة...
ياللهي، الولد يكاد أن يلتهمها بعينيه و كأنه لم يرى نساءا من قبل، أكرمنا بالستر يا رب.

ارتاحت سوار قليلا أن اسمها لم يثير القلق على ملامح جويرية بسبب صفقة الصلح التي اشتركتا بها، من الواضح أن الفتاة قد نست الأمر من الأساس...
تكلمت هريرية قائلة محاولة أن تتظاهر بالعفوية قدر الإمكان
(اشتقت اليك يا فتاة، كيف حال الدراسة معك، أنت أيضا أخذتك الدراسة منا)
أمسكت جويرية بكوب هريرة و ارتشفت منه و هي تقول ببساطة.

(و هل تترك الصيدلة الوقت كي يتذكر الإنسان اسمه حتى، خاصة حين أكون مصممة على التعيين في الجامعة، حتى الآن أنا الأولى في كل السنوات)
رمقت هريرة عرابي وهو يقترب بكرسيه أكثر يكاد أن يلتصق في مؤخرة روؤسهن، ثم قالت بغضب
(صحيح أخبريني عن خطبتك، كنت مسافرة مع زوجي و، و كل ما عرفت عنه أنك، خطبت)
ضحكت جويرية عاليا، ثم قالت بسخرية و مرح
(أتقصدين خطيبي قشرة الموزة؟).

ارتفع حاجبي عرابي بشدة، قبل أن ينعقدا بشدة أيضا وهو يتراجع برأسه و قد وصله كلامها واضحا، بينما وضعت سوار كفها على فمها و هي تغمض عينيها، أما هريرة فلم تستطع امساك ضحكتها، الا أنها عضت شفتيها محاولة كبتها قدر الإمكان، ثم قالت مدعية الرزانة
(لماذا هو قشرة موزة تحديدا؟)
أجابتها جويرية و هي تلوح بكفها.

(لأنني تزحلقت به، رموه في طريقي و أخبروني أنني مخطوبة، و من يومها لا أعرف عنه شيء، لذا ببساطة هو قشرة موزة في حياتي)
عض عرابي على أسنانه بغضب، ثم جرع العصير في كوبه دفعة واحدة، بينما سألتها هريرة
(ألم تريه من قبل؟، هل يعقل هذا؟)
هزت جويرية رأسها نفيا و هي ترتشف باقي العصير ثم قالت بلامبالاة.

(رفض أهلي هذا تماما بحجة الدراسة، إنهم يماطلون حتى يتم فسخ الموضوع تلقائيا، و أنا الآن واقعة تحت المسمى القديم و الذي هو هناك من تكلم عني، أي أنني محجوزة بصورة غير رسمية لأجل غير مسمى)
سألتها هريرة و قد أخذها الكلام مع صديقة قديمة و أنساها عرابي تماما.
(و ما الذي جعلك توافقين على هذا الوضع؟، لماذا لم ترفضين أن يتم حجزك بتلك الطريقة ثم تفسخ خطبتك دونذنب لك؟).

ابتسمت جويرية ابتسامة خبث زادتها صلابة ثم اجابتها قائلة بهدوء
(حسبتها)
رفعت هريرة احد حاجبيها و هي تكرر بحيرة
(حسبتها، كيف؟)
لم تجبها جويرية للحظة كي ترتشف رشفة أخرى من العصير و كأنها معتادة على أن ينتظرها الجميع، ثم وضعت الكوب و قالت ببساطة
(حين عرفت بشروط الصلح و بأنني أنا من وقع عليها الاختيار كقربان دم، ثارت دماء الرفض بداخلي و كدت أن أشن الحرب على الجميع...

لكن بعد أن هدأت فورة الانفعال الاولى بدأت أفكر بعقلي كما تعرفين عني. فأنا لست شخصية عاطفية أو انفعالية. انا افضل تحكيم العقل، لذا حين استشعرت من اهلي رغبتهم في مسايرة الوضع مؤقتا، ثم فسخ الخطبة لاحقا.
وجدته الحل الامثل.

اولا يمنحني هذا الوضع فترة كافية كفتاة محجوزة تم الكلام عليها، فيرحمني من الخطاب المترددين على والدي، انا لا افكر في شيء الآن سوى دراستي و لا ارغب في الزواج لذا لما لا ابقى كفتاة محجوزة حتى حين...
بالإضافة إلى أنني أردت تلقين هذه العائلة و ابنها قشرة الموزة
ان بنات الناس لا يتم تبادلهن بسبب جريمة لا دخل لهن فيها).

برقت عينا عرابي بجنون وهو يحاول استيعاب ما سمعه للتو، حتى أنه فغر فمه بنفس متشنج منفعل...
بينما غمزتها هريرة بحدة، فارتبكت جويرية و هي تفهم إشارة هريرة لسوار
فقالت بصوت اكثر لطفا و هي تنظر الى سوار قائلة
(عفوا، لقد استفضت في الكلام و تواقحت كعادتي. و نسيت انها عائلتك، انا اتكلم عن عادات بائدة فقط لا غير و لم اقصد إهانة. )
تكلمت هريرة بصوت اكثر غيظا.

(ليس هذا فقط ما نسيته يا فاقدة العقل و الذاكرة، لقد نسيت أن سوار هي زوجة أخي ليث، و هي الزيجة الثانية في صفقة الصلح، أي أنك تضربين في الجميع بلا هوادة، لكن هذه هي عادتك، لسانك يجلب لنا المصائب دائما)
رفعت جويرية يدها الى فمها و قد اتسعت عيناها بارتباك، تنقل نظرها بينهما، بينما سوار هادئة تماما بقناعها الوقور أمام الناس دائما، ثم قالت جويرية معتذرة أخيرا...

(أنا آسفة حقا يا سوار، لم أقصد أن أذر الملح على الجرح و أذكرك بخيبتك في هذا الزواج)
حينها ضربت قدم هريرة ساقها بقوة و هي تهتف
(هل هذا هو الإعتذار الذي قدرك عليه ضميرك؟، لم تكد أن تمر بضعة دقائق على لقائنا و ها أنا أعود الى الرغبة القديمة في قتلك)
تكلمت سوار قائلة بهدوء.

(لا بأس يا هريرة، أفهم احساسها وهو نفس الإحساس الذي عانيت منه وقتها، شعور بالعجز و الإجبار، برغبة منفعلة في التحرر من القيود و كسرها، و حين قبلت، وافقت بإرادتي حيث كان لي هدف حينها، لكن، سارت الأمور بخلاف ما توقعت، و أنا الآن أتسائل كيف كنت سأرفض؟، زواجي من ليث هو الأمل الذي انتظرني طويلا، و لم يرحل مثل الكثير من أحلام حياتي السابقة).

هزت جويرية كتفها و هي تقول بخفوت
(أنا سعيدة لأجلك حقا، لكن بالنسبة لي، أنا أعرف نفسي جيدا، لن أقبل بقشرة الموزة هذا مطلقا، إنه كائن هلامي قبل حتى أن أراه، يسير مغمضا عينيه بما يراه أهله، إنه حتى لم يحاول أن يراني منذ عام)
كانت شفتا عرابي قد بدأت في الشتيمة من بين أسنانه المطبقة، فرأته هريرة و ارتبكت و هي تقول بسرعة متوترة خوفا من تهوره...

(ليس لك حق يا جويرية، لقد حاولوا كثيرا و عائلة الهلالي هي من كانت ترفض بأعذار واهية)
ضحكت جويرية عاليا، ثم قالت ببرود و استنكار
(هل تريدين اقناعي أن شاب في مثل عمره، لا يستطيع الوصول الى خطيبته التي تسافر للدراسة و البحث عنها لرؤيتها! يالهي! إنه بطيء الفكر و التصرف)
رأت سوار قبضة عرابي و هي تضرب على سطح طاولته، فسارعت تقول بقوة.

(ربما كانت عائلة الرافعي أيضا ترفض فكرة تعنتكم، لماذا يركض خلفك بحثا عنك لمجرد نظرة بينما هو حقه الشرعي)
ردت جويرية ببرود و صلف
(اذا يستحق ما يحدث له، بالله عليك لقد مر عاما وهو لا يزال يترجى لقاءا! من الواضح أن لا شخصية له، كما ان اسمه عرابي!).

ضربت كف عرابي سطح الطاولة مفرودة، فارتج كوبه ووقع عليها محدثا صوتا مزعجا جعل جويرية تدير رأسها، الا أن هريرة كانت أسرع منها فأطبقت على ذقنها قبل أن تلتفت و أعادت وجهها اليها بعنف هاتفة
(اسمعي، الجلسة أصبحت مملة جدا، لما لا نتمشى قليلا و نتفرج على واجهات المتاجر، علنا نعثر على أي شيء)
أجابتها جويرية ببراءة
(لكن عصيرك، شربته كله، اطلبي شيئا آخر على الأقل!).

لكن هريرة كانت قد نهضت من مكانها، و هي تجذب يد جويرية قائلة بعصبية تغمز سوار
(انهضي يا سوار بالله عليك، كانت فكرة سوداء)
نهضت سوار بسرعة بينما سألتها جويرية بحيرة
(أي فكرة!)
لكن هريرة جذبتها جذبا كي تنهض و رفعت حقيبتها من على الأرض لتضربها على صدر جويرية قائلة
(الجلوس في هذا المقهى، عصائره حامضة، خذي حقيبتك و هيا بنا من هنا بسرعة)
سارت جويرية خلفها و هي تقول عاقدة حاجبيها
(الذي شربته؟، الآن تخبريني؟).

دفعت سوار الحساب بسرعة بينما عرابي يناديها همسا بغيظ
(سوار، سوار)
لكنها تظاهرت بصمم أصابها فغادرت مهرولة دون أن تلقي اليه بنظرة حتى، بينما كان هو يعض على أسنانه حتى أصدرت صريرا...
بعد دقائق هتفت جويرية بهريرة التي كانت لا تزال ممسكة بكفها تجرها خلفها
(أنت يا فتاة، هل ألحقت عجلات بقدميك؟، نحن نجري خلفك حرفيا منذ دقائك، أهذه فكرتك عن مشاهدة واجهات المتاجر؟).

توقفت هريرة قليلا و هي تضع يدها على صدرها تلتقط أنفاسها، ثم قالت لاهثة و هي تنظر خلفهن
(كنت أريد اختصار الوقت، الآن يمكننا مشاهدة ما تريدين)
هزت جويرية كتفيها و قالت ببساطة
(اذن تعالي ندخل الى هذا المتجر، منذ أسابيع و أنا أريد المجيء اليه و الدراسة تمنعني، سأستغل مقابلتنا الآن كالأيام الخوالي)
بدت هريرة مترددة، فحثتها سوار تقول بنبرة ذات مغزى
(لندخل، هذا متجر نسائي، لندخل و نبقى هناك قدر ما نشاء، ها).

أومأت هريرة صاغرة و هي تقول...
(حسنا، لا بأس، هيا بنا)
أمضين في الداخل ما يقارب النصف ساعة، حتى بدأ قلق سوار و هريرة يتلاشى، خاصة أن جويرية كانت من النوع البسيط العفوي المتحدث بمرح و مزاح دائم، فاندمجتا معها سريعا...

و أثناء خروجهن ضاحكات، تسمرت هريرة مكانها شاهقة، و هي ترى عرابي يقف في انتظارهن عن بعد قليل، مستندا الى سور الطابق العلوي من المجمع، مكتفا ذراعيه ينظر اليهن و شياطين الغيظ تتلاعب في عينيه...
نظرت جويرية اليها و سألتها بدهشة
(ماذا بك يا هريرة؟، لماذا تسمرت هكذا؟)
نظرت هريرة الى سوار و ضربتها بمرفقها في ذراعها قائلة من بين أسنانها
(أجيبي أنت منك لله، لماذا تسمرت هكذا؟).

نظرت سوار الى عرابي بتوتر و غضب، ثم حاولت استخدام سلطتها فرسمت على وجهها علامات الصرامة العنيفة و هي تعقد حاجبيها و تحدجه بنظرة قاتلة، مشيرة له بذقنها أن يبتعد أمرا...
الا أن عرابي ظل واقفا مكانه ينظر الى جويرية الناظرة اليهما بنفس الغيظ دون أن يتحرك حركة واحدة...
فقالت هريرة بسرعة
(هيا بنا من هنا، هو يوم غير فائت أنا أعلم)
تبعتها جويرية و هي تتفرج على الواجهات ثم هتفت بإعجاب.

(أنتظري يا هريرة، أريد أن أرى هذا)
توقفت هريرة تنظر الى عرابي، فتوقفت أنفاسها و هي تراه يلحق بهن بتكاسل واضعا كفيه في جيبي بنطاله الجينز، الى أن اقترب ووقف بالقرب منهن مستندا بظهره الى الجدار المجاور للواجهة التي تتفرج عليها جويرية!
رفعت هريرة يدها الى صدرها، بينما رفعت سوار يدها الى فمها...

أما جويرية فقد كانت في عالم آخر و هي تنظر الى لباس سباحة، ترتديه دمية عرض، من قطعة واحدة، مدرج بألوان حمراء و برتقالية ووردية...
فقالت مبتسمة بمرح
(هذا رائع، سيفي بالغرض)
التفتت ظنا منها أن من يقف بجوارها هريرة، الا أنها صدمت حين وجدت شابا غريبا يقف ناظرا اليها بإزدراء، مستندا الى الجدار و مكتفا ذراعيه...
فعبست بشدة و قالت بنبرة غليظة
(هل هناك مشكلة يا أخ؟).

ظل عرابي صامتا قليلا يتأملها من قمة رأسها و حتى أخمص قدميها، ثم قال أخيرا متنازلا ببرود
(من قال أن هناك مشكلة يا، أخت؟)
برقت عيناها بحدة و هتفت
(اذن ابتعد، لماذا تلتصق بنا بهذه الطريقة؟)
نظر عرابي الى المسافة التي تفصلهما دون أن يفك ذراعيه ثم نظر اليها مجددا قائلا بنبرة أكثر برودا
(لا أراني ملتصقا بك بأي طريقة)
رفعت احدى حاجبيها و قد ازداد بريق عينيها شراسة، ثم قالت ببطىء.

(لا بأس، ابقى كما أنت إن كان يروق لك التفرج على واجهات متاجر نسائية و ملابس سباحة!)
ثم تجاهلته تماما و هي تلتفت الى هريرة و سوار و سألتهما ببساطة دون أن تعبأ بوجوده
(ما رأيكما به؟، رائع، اليس كذلك؟، هل ندخل؟)
كانت كلا منهما تقف شاحبة اللون تماما، صامتتين غير قادرتين على الكلام، بينما تعالى صوت رجولي من خلفها يسألها ببطىء ساخر
(أتظنين نفسك سترتدين شيئا كهذا؟).

اتسعت عينا جويرية بذهول و فغرت فمها، قبل أن تستدير اليه بنفس الذهول قائلة بعدم تصديق
(هل تكلمني؟)
رد عليها دون أن يتحرك
(لا، بل أكلم ظلك، طبعا أكلمك أنت)
ظلت جويرية صامتة للحظات، قبل أن يتحول الذهول الى غضب هادر و هي تلقي بحقيبتها أرضا، ثم اندفعت اليه فجأة لتقبض على مقدمة قميصه بكلتا قبضتيها و هي تنادي بعنف.

(الأمن، أين الأمن، هذا الحيوان يتحرش بنا، أحضروا الأمن، لن أتركه اليوم الا و الأمن يجره من قفاه)
أسرعت كلا من هريرة و سوار اليها تحاولان ابعادها عنه، بينما أمسك بقبضتيها ينزعهما عن قميصه بالقوة، وهو يهدر بها
(أبعدي يديك عني، أنت قليلة التربية و أهلك لم يجيدوا تربيتك و أنا من سيربيك)
من بين حالة الغضب المجنون التي تحيط بها، كان الذهول يكتنفها فتصمت للحظة.

هل تبجح المتحرشون الى هذه الدرجة؟، أم تراه مختلا عقليا فارا من مصحة!
كان بعض الناس قد تجمعوا على صوتها العالي، بينما ظهر فرد الأمن في لحظة وهو يتسائل عما يحدث
فسارعت سوار تقول بتوتر
(لم يحدث شيء، مجرد مشادة بينهما و انتهى الأمر)
الا أن جويرية هتفت بقوة و جنون
(أي مشادة؟، هذا الحيوان يتحرش بنا، و أنا لن أسكت عن حقي)
كانت كلا من هريرة و سوار تترجيانها، بهلع، بينما عدل عرابي من قميصه بحدة وهو يهدر قائلا.

(عيب عليك يا ابنة الأصول، مهما كان الخلاف بيننا، لا يصح أن تنعتي خطيبك بالمتحرش)
أغمضت كلا من سوار و هريرة أعينهما، بينما تسمرت جويرية مكانها للحظة بذهول، ثم همست
(أنت مجنون فعلا! شككت في هذا لكن هيئتك لا تدل على ذلك)
رد عليها عرابي بغضب و ازدراء
(بل أنا خطيبك فعلا).

أرادت أن تصرخ في الأمن كي يمسك به حتى يتم تسليمه الى مستشفى الأمراض العقلية، لكن شيئا ما جعلها تلتفت لتنظر الى كلا من هريرة و سوار بشك، و من ملامح التخاذل المرتسمة على وجهيهما فهمت الموضوع بينما اومأت سوار برأسها قائلة بخفوت
(نعم يا جويرية، إنه خطيبك، مجازا، عرابي الرافعي ابن عمتي).

بعد ساعتين...
(آه، ما أطيب الطعام من يديك يا مليحة، مع النظر الى عينيك يكون الجمال اثنين)
قال ليث هذا وهو يعيش مع كل لقمة مما يتناوله بتلذذ، بينما سوار تجلس أمامه. واضعة قبضتها على فمها تنظر اليه بوجه شاحب، تبتلع ريقها كل لحظة...
بينما نظر ليث اليها و قال بشغف
(لا أعلم أيهما أجمل و أكثر شهية، قبلتك أم قطعة اللحم شديدة التسوية تلك!)
حاولت سوار الإبتسام، الا أن الإبتسامة فشلت، فقالت بضعف.

(ليث، أنا أحبك)
ازدادت ابتسامته شغف وهو يلتقط كفها من فوق المائدة ليقبل راحتها ببطىء قائلا
(و أنا أحبك يا مليحة قلبي)
ثم ترك يدها ليتابع أكله، الا أنها كررت بصوت أكثر ضعفا
(ليث، أنا أحبك)
هذه المرة توقف ليث عن الأكل للحظات، ثم وضع الشوكة من يده و التفت اليها سائلا بجدية صارمة
(حسنا ماذا فعلت؟)
فغرت سوار فمها تحاول الكلام الا أنها عجزت و ناشدته عيناها أن يتفهم، فازداد تقطيبه و قال بحدة.

(كان على أن أعرف أن تلك المأدبة ليست سليمة النية أبدا)
هتفت سوار متضرعة
(لا والله، تلك المأدبة أعددتها قبل أن)
صمتت تعض لسانها مخفضة عينيها بسرعة، حينها سألها ليث و قد تضاعف قلقه و توتره
(قبل أن، ماذا؟، ماذا فعلت يا سوار مجددا؟)
حاولت البحث عن طريقة تصوغ بها ما حدث، ثم قالت بيأس
(ألن تكمل أكلك؟، أنت لم تأكل شيء منذ الصباح الباكر)
قال ليث مشددا كلامه.

(انسي الاكل، لقد فسدت شهيتي و انتهى الأمر، ادخلي في الأمر مباشرة و أخبريني عن فعلتك)
لكن و قبل أن تتكلم، تعالى رنين هاتفه فالتفت اليه عاقدا حاجبيه، ثم نهض من مكانه و اتجه اليه ليلتقطه، و رد قائلا برزانة
(السلام عليكم، من معي؟)
رفعت سوار يدها الى وجنتها و هي تنظر اليه بقلق، بينما هو يستمع الى أن قال متفاجئا
(جويرية؟، أهلا بك يا صغيرة، منذ متى لم نراك و لم نسمع صوتك؟).

رفعت سوار كفيها معا و هي تحيط بهما وجهها مستندة الى الطاولة بمرفقيها تنظر اليه بقنوط...
بينما بدأت ملامحه تتغير، و قال بصوت حذر
(تشكين لي من سوار؟)
صمت للحظة ينظر الى سوار مهددا، مما جعلها تنتفض واقفة ثم اسرعت مهرولة الى غرفتها قبل أن تسمع صوته يقول عاليا.

(ماذا فعلت؟، و هريرة مشتركة في الأمر؟، لا، لا يرضيني طبعا، حسابهما معي، لا تزعجي نفسك، بالطبع، عندي طلب فقط، هلا سمحت لي أنا أن أنقل الخبر الى والدك؟، و اطمئني بالنسبة اليهما، أنا سأوقفهما عند حدهما، ماذا فعل؟، و ماذا قال؟، لا بالطبع لا يرضيني، اطمئني، أنا سأتصرف، هدئي من روعك).

كانت سوار في تلك الأثناء تستمع الى ما يحدث خلف باب غرفتها، تعض على شفتيها، و حين ساد الصمت قليلا، الصقت اذنها بالباب ترهف السمع، الا أنها انتفضت على ضربة قوية رجت الباب وصوته يهدر
(افتحي الباب يا سوار)
ارتجفت سوار قليلا و هي تعض شفتها الا أنها قالت بصوت عال عصبي
(سأفتح لكن بعد أن تهدأ)
الا أن الباب اهتز مجددا اثر ضربة قوية وهو يهتف
(لا تختبري صبري اكثر من ذلك، افتحي الباب).

لطمت على وجنتها بخفة، الا أنها تماسكت و صرخت
(عدني أن تكون هادئا أولا، أنا حامل و العصبية خطيرة لصحتي و صحة الجنين)
ضرب الباب مجددا وهو يهدر
(افتحي يا سوار و كفي عن هذا الإداء الرخيص، فهو لا يليق بك)
لكنها صرخت دون هوادة
(عدني أولا، أو ستنام على الأريكة في الخارج و لن أفتح)
فغر ليث فمه غير مصدقا. ثم قال بذهول.

(أوتجرؤين على تهديدي؟، صدقيني رأيت نساءا مستفزات قدر شعر رأسي، الا أنني لم أرى من هي أكثر استفزازا منك، افتحي الباب)
وجدت سوار أن التهديد لن يحقق نتيجة معه، لذا لجأت الى تهديد من نوع آخر، فهتفت بصوت مرتجف
(سأبكي)
صمت ليث قليلا عاقدا حاجبيه ثم سألها مستنكرا
(أهذا هو أقصى ما لديك؟)
الا أنها تابعت تهتف بصوت أعلى
(لقد بدأت شفتاي في الإرتعاش بالفعل، و عيناي تحرقانانني).

ظل ليث صامتا للحظات، ثم قال بصوت متراجع قليلا، دون أن يفقد الغضب تماما
(افتحي الباب، أنت لست طفلة كي تختبئين خلفه و تبكين، انضجي قليلا)
قالت بصوت عال حمدت الله على ارتجافه
(أنا في قمة النضج الآن و غضبك بات يبكيني)
ظل صامتا قليلا فعرفت أنها قد نالت منه، و بالفعل قال بصوت خافت
(حسنا افتحي الباب)
ابتسمت ببطىء و هي تداعب مقبض الباب، ثم أدارت المفتاح لتفتحه بلطف...

لكن ما أن فعلت حتى أزاح ليث الباب بقوة مما جعلها تتراجع للخلف بسرعة حتى لم تجد سوى السرير تحتمي به، بينما وقف هو في منتصف الغرفة هادرا
(ماذا أفعل بك؟، كم مرة على أن أتلقى اتصالا يخبرني أن زوجتك فعلت و ذهبت! ترى من أين سأستلمك المرة القادمة؟)
هتفت سوار قائلة بجزع
(وعدتني أن تكون هادئا، سأبكي!)
الا أن ليث صرخ فيها
(اضربي رأسك في أكبر جدار، كيف تقدمين على تلك الفعلة؟، ما هو موقفي تجاه عائلتي الآن؟).

هتفت سوار و قد اشتعلت بها روح التمرد
(عائلتك هي التي تعمدت التعنت و تنوي التهرب من صفقة الصلح، بعد أن تنازلت أنا ووافقت)
رفع ليث حاجبيه وهو يسألها ببطىء
(تنازلت!)
ارتبكت ملامحها قليلا و أخفضت وجهها قائلة بخفوت
(تعرف أنني لم أقصد تماما، لكنهم يتصرفون بطريقة متلاعبة على الرغم من أن لدينا حق عند عائلة الهلالي)
ظل ليث واقفا مكانه واضعا كفيه في خصره ينظر اليها بغضب، ثم قال بصوت خشن.

(ظننت زواجنا يكفي، ليس فخرا بذاتي، لكن من الناحية العاطفية، ظننت أننا انتهينا من الماضي)
نهضت سوار من السرير ببطىء مطرقة برأسها، الى أن اقتربت منه ثم رفعت عينيها الذهبيتين اليه و قالت بصوتها الرخيم
(عشت حياتي كلها احترم قانون العائلة و أمي من قبلي، لذا من حقي أن تعاملني العائلة بإحترام مماثل، لا أن ترفض ما تم فرضه علي)
ازداد انعقاد حاجبيه وهو يسألها بجفاء
(لا زلت تنظرين اليه و كأنه فرض!).

هزت رأسها نفيا ببطىء و قالت
(و لا زلت لا تفهمني، حبي لك لا ينفي أن زواجنا كان لمصلحة العائلتين، و حب أمي لأبي لا ينفي أن زواجها كان لمصلحة العائلتين، لماذا نقبل بما يرفضه غيرنا؟)
فتح ليث كفيه و قال ببساطة
(لأنكما وافقتما! من يقدم على الواجب من وجهة نظره لا يحق له أن يطلب الثمن، كان بإمكانك الرفض و لم أكن لأفرض نفسي عليك)
استدارت سوار عنه و قالت بهدوء.

(و هم عليهم واجب يجب تقديمه، إن رفضت جويرية عرابي هذا حقها لكن على الأقل أن ترفضه بشكل ملائم، تراه و يراها و يكون السبب عدم تقبل احدهما للآخر)
اراد ليث مجادلتها لكنه من جهة شعر أنها محقة في هذه النقطة خاصة أن سبق و فتح الأمر مع أعمامه أكثر من مرة، و من جهة ثانية يعرف أن سوار لا تزال متضررة رغم حبها له، كالفرس الجامحة التي تم ترويضها...

اقترب منها ببطىء حتى أمسك بكتفيها يدلكهما بخفة مما جعلها تلتفت اليه قليلا لكنها لم تجرؤ على مواجهة عينيه، فأخفض رأسه يقبل قمة رأسها ثم قال بخفوت
(ماذا أفعل كي أحتجزك في البيت؟، هل أقوم بربطك في أحد أرجل السرير قبل خروجي يوميا؟)
ضحكت سوار مرتعشة، ثم قالت ببهجة
(منذ تزوجتك و ابتعدت عن البلد قليلا، أشعر بنفسي أتحرر، أتمرد، حتى في تنفيذي للواجب أتمرد)
أفلتت منه ضحكة خشنة وهو يقول.

(هذا من سوء حظي، لم يعد العمر يتحمل مثل هذا التمرد يا مليحة)
استدارت اليه و أحاطت يداها بلحيته، ثم قالت مداعبة
(أنا أعتبر نفسي في التاسعة عشر منذ افترقنا آخر مرة، يومها قبلت عرضك و قبلت حبك أتذكر؟)
التمعت عيناه و قال بصوت أجش
(أذكر، و طرت فرحا و لم تسعني هذه الحياة و حلقت بفرسي كي أزف الخبر للجميع، الصغير قبل الكبير)
اتسعت ابتسامتها، الا أنها اختفت فجأة حين هزها بقوة قائلا بغضب.

(لكن كيف قمت بتدبير الأمر دون اذن مني و من أهلها؟، كيف تجرأت؟)
لعقت سوار شفتيها و هي تقول بنبرة مستضعفة
(كان يفترض به أن يراها من بعيد و يرحل، لم أرى في هذا أي عيب يا ليث، لكن جويرية بدأت تتكلم عنه بطريقة مهينة و تسخر من عدم اقدامه على رؤيتها حتى الآن، فاستفزته مما جعله يظهر نفسه على الفور، الولد معذور)
الا أن ليث هتف فيها بحدة
(و لماذا تتدخلين أنت؟، لماذا لم يأتي إلى أنا طالبا رؤيتها؟)
هتفت سوار أيضا.

(و لماذا يطلب منك و قد سبق و طلبوا من أهلها أكثر من مرة، ما الجديد الذي قد تقدمه أنت؟)
ضم ليث شفتيه بغضب وهو يضم احدى قبضتيه كذلك فقالت سوار ببطىء
(خذ نفس، خذ نفس هيا)
أغمض عينيها وهو يأخذ نفسا عميقا ملأ به صدره قبل أن يزفره بقوة هامسا بشراسة
(هل تدركين عواقب فعلتك تلك؟، ستنقلب العائلة رأسعا على عقب فوق رأسي)
تمايلت سوار و هي تقول بدلال.

(أنت قدرها و أكثر، أنت كبير عائلة الهلالي، مقاما و ليس عمرا، و سيحترمون رأيك و أنت تعرف أن عرابي لم يخطىء)
نظر اليها بغضب غير مقتنع، ثم سألها بفظاظة
(لكن على اخبارك أن الفتاة ترفضه تماما)
هزت سوار كتفيها و هي تقول.

(حقها، لقد قمنا بما يتوجب علينا أما مسألة القبول تلك تخصهما وحدهما، و إن كنت أظن أنها قد نالت رضا عرابي على الرغم من اهانتها له، فقد عرفها على أنها خطيبته للجميع، و أنا أعلم نظرات عرابي جيدا حين يصادف أنثى قابلة للزواج).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة