قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الخامس عشر

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الخامس عشر

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الخامس عشر

(لماذا تراقبها؟، ماذا تريد منها؟)
تأفف أشرف وهو يستدير عنها بملل، متجها الى غرفتهما دون أن يعيرها أي اهتمام، و قد زادتها لامبالاته احتراقا بنيران قاتمة، الا أنها لحقت به تقطع الأرض قطعا حتى رأته يخلع قميصه ليرميه أرضا بلا اهتمام، يوليها ظهره، بعيدا عنها بملامحه و فكره، و عينيه...
مما جعلها تكاد أن تجن خوفا، فصرخت به مجددا
(أجبني يا أشرف و لا تتهرب مني، لماذا تراقبها؟).

قال أشرف بصرامة دون أن ينظر اليها...
(توقفي يا غدير، فهذا ليس الوقت المناسب لسخافاتك)
اتسعت عيناها و ضحكت بعصبية و قالت ذاهلة
(سخافاتي! سخافاتي أنا؟، و ماذا عما تفعله أنت يا محترم؟، هل يمكنك اخباري كيف ترى نفسك و أن تلهث ورائها كل أسبوع، تجلس لتراقبها عن بعد كالمتسولين علها تلقي اليك بنظرة)
رفع أشرف وجهه ينظر الى صورتها في المرآة و هي واقفة خلفه، ثم قال بنبرة متسلطة
(اصمتي يا غدير).

ضربت الأرض بقدمها و هي تصرخ
(لا لن أصمت، لقد صمتت طويلا على هذا الوضع، لكن آن الأوان كي أتكلم، و أسألك، ماذا تريد منها يا أشرف؟، كل منكما ذهب الى حاله، فلماذا تذهب اليها و تراقبها؟، انظر على عينك المكدومة بفعل قبضة زوجها علك تصدق)
رفع أشرف عينيه ينظر الى تلك الكدمة تلقائيا، فأظلمت عيناه بشدة و توتر فكه، مما جعل غدير تضحك بإستهزاء و استهانة قائلة كي تهينه.

(لامست الجرح، اليس كذلك؟، أشرف الرافعي تم ضربه من قبل شخص عادي، مجرد زوج عادي يحذره من النظر الى زوجته، بعد أن كنت تضرب و تهاجم و تثبت أي مكان بحضورك، انظر الى ماذا تحولت الآن؟، شخص مترصد بإمرأة متزوجة لا يجرؤ على أكثر من النظر اليها، لأنه يعرف جيدا كيف ستحط من مقامه أرضا إن حاول استرجاعها).

استدار أشرف اليها ببطىء، وهو ينظر الى ملامح وجهها البريء و الذي تحول فجأة الى ملامح شرسة كريهة، ثم اقترب منها ببطىء و هي تنظر اليه بتحد مكتفة ذراعيها تعض على شفتها، الى أن وقف أمامها تماما ثم سألها بهدوء
(ماذا تريدين؟، الى ماذا تسعين بالضبط؟، الى استفزازي؟، حسنا)
و بمنتهى البساطة و السرعة صفعها على وجهها...

اتسعت عينا غدير بذهول و هي تنظر الى ملامحه الهادئة الجامدة، و التي لا تحمل انفعالا، ثم رفعت يدها تتحسس وجنتها مكان الصفعة، و على الرغم من أنها لم تكن قوية أو مؤلمة، الا أنها لم تصدق أن يصل الى حد ضربها، فهو لم يفعلها من قبل...
كل شيء يهدد بالتسرب من بين قبضتيها...
كل ما سعت لبناءه و تحقيقه يهدد بالإنهيار...
منذ عودة مسك الرافعي و هي عازمة على الإنتقام و سلبها كل ما سعت الى تحقيقه...

كيف لم تفطن الى هذا من قبل، انها تتحرك ببطىء و مهارة، تعمل على سرقة كل شيء منها...
حتى أمجد...
علي الرغم من أنها لم تحظى به الا أن مسك الرافعي علمت أن قلبها معه، لذا أرادت ضربها في مقتل بالزواج من أمجد، و لم تكتفي، بل تسحب أشرف اليها بالتدريج و بخطوات هادئة...
لانت ملامحها على الفور و اختفت منها الشراسة، و رسمت تلك الملامح التي تجيدها تماما، و التي سبق و استطاعت بوداعتها سلب أشرف عقله و قلبه...

فهمست له بحزن و صدمة
(تضربني يا أشرف؟)
أجابها ببرود
(تعرفين أنني لا أقبل التطاول، و لا أطيق الصوت العالي أو النساء المتذمرات المتعاليات)
برمت شفتيها ببراعة و اتجهت اليه حتى وضعت يديها على صدره تلامسه برفق ثم همست بخفوت و هي ترفع وجهها الرقيق اليه.

(لست أنا المتعالية يا أشرف، بل هي مسك، لهذا لم تستطع الحفاظ على قلبك، بسبب تعاليها و تسلطها و غرورها، أنا غدير، الأنوثة بكل رقتها كما كنت تلقبني قديما، ما الذي تغير بيننا؟، أنا أخبرك، إنها مسك، الا ترى أنها تحاول افساد الحياة بيننا؟، تلك هي مسك، لا تقبل الخسارة مطلقا، تظنها غير مبالية، بينما هي تسعى في الخفاء كي تكون الرابحة في النهاية، إنها عشرة عمر و أنا أعرفها جيدا)
قال أشرف بنفاذ صبر.

(مسك لا تحاول شيئا، و ليست مهتمة بنا من الأساس، إنها في عالم عالي يخصها وحدها، بعيدة عن كل تلك التفاهات)
ارتفع حاجبي غدير و قد تشنج جسدها بأكمله، الا أنها سيطرت على نفسها و قالت بصوت متداعي
(اذن لماذا تسمح لك بمراقبتها؟، لماذا لم تحاول مطلقا منعك و الصراخ في وجهك بعد أن سبق و تركتها من أجلي، الا تستطيع أن ترى يا أشرف؟، إنها تستدرجك اليها)
ضحك أشرف بسخرية وهو ينظر الى وجهها ثم قال ببرود...

(من الواضح أنك لا تعرفين مسك على الإطلاق على الرغم من انها عشرة عمر كما تقولين، أنا من يعرفها و يحفظها أكثر من نفسها، مسك لا تنظر الى الوراء، لذا اطمئني)
أبعد كفيها عن صدره، ثم استدار عنها، الا أنها لم تتمالك نفسها فصرخت فيه من جديد
(اذن لماذا تراقبها كل مرة؟، لا تهين ذكائي و تخبرني أنك أصبحت مهتما بالفروسية فجأة!)
قال أشرف بجمود.

(كفى يا غدير، هذا الموضوع طال و أصبح سخيفا أكثر من اللازم، عليك أن تكوني واثقة من نفسك أكثر من هذا)
الا أنها لم تكن واثقة، لا تمتلك الثقة حين تكون المقارنة بينها و بين مسك الرافعي...
فهتفت بعنف و انهيار
(لن أترك الموضوع يا أشرف، لماذا تراقبها؟، لماذا تذهب الى النادي في موعد تدريبها و تجلس لتراقبها، أقسم أنني لن أتركك اليوم قبل أن تجيبني).

استدار أشرف اليها مجددا، ينظر اليها طويلا، ثم فتح كفيه قائلا بصوت باهت
(لأنني أحب النظر اليها)
عبارته البسيطة كانت أقوى من صفعته، فتراجعت للخلف تنظر اليه مصدومة تهز رأسها نفيا ببطىء، ثم سألته و هي ترمش بعينيها
(ما الذي يعنيه هذا بالضبط؟)
قال أشرف بحدة
(لأنني أحب النظر اليها، كل رجل يملك عينين يحب النظر اليها)
ظلت تهز رأسها نفيا، ثم همست بإرتياع
(كيف يمكنك قول هذا أمامي؟)
رد أشرف فاتحا كفيه مستسلما.

(لم يكن عليك السؤال أسئلة تعرفين أن أجوبتها لن تعجبك، بعض الأشياء يجب أن تظل أسيرة النفس)
تجمعت الدموع فوق عينيها و هي تهز رأسها غير مصدقة بساطة اعترافه، ثم صرخت فيه قائلة
(هل تحبها؟، هل عدت الى حبها؟)
حك أشرف جبهته ثم قال بصوت كئيب
(لنترك الأمر عند هذا الحد يا غدير، أنا تزوجتك أنت و لن أتركك، فلماذا تفتحين مواضيع لا طائل منها؟)
صرخت فيه غدير و هي تبكي
(هل هذا كل ما يجب أن أقلق بشأنه؟).

نظر اليها و قال بهدوء
(نعم يا غدير، هذا كل ما عليك القلق بشأنه، أنا مثلا لم أسألك شيئا مماثلا من قبل)
عقدت حاجبيها بشدة و هي تقول ممتقعة الوجه...
(ماذا تقصد؟)
تعالى رنين جرس الباب فزفر و أشار اليها قائلا
(اذهبي و افتحي الباب و كفى كلاما، أنا لا أطيق الإلحاح)
ابتعد عنها ليدخل الحمام، و تركها تنساب دموعها على وجنتيها بصمت و هي تنظر الى أنحاء غرفة نومهما الأنيقة بنظرات متحسرة...

منذ سقوط حملها الأخير، لم يقربها، و كأنه قد نفر من حالات نزيفها المستمر و زهدها تماما...
إنه لا يتقبل المرأة الواهنة مطلقا، حتى و إن كان تعبها مجرد تعب عادي عارض...
مسحت دموعها بظهر كفها و جرت ساقيها جرا الى باب الشقة، مع استمرار رنين الجرس بإلحاح.
فتحت الباب بعنف، الا أنها تسمرت مكانها و عقدت حاجبيها و قد تلبدت ملامحها بقوة، فهتفت قائلة
(ماذا تريدين مجددا؟)
نظرت اليها أمها بنظرات متخاذلة.

(يا ابنتي أنا كنت)
قالت غدير بحدة من بين أسنانها
(ألم أعطك مالا المرة الماضية؟)
قالت أمها بصوت متخاذل
(لقد نفذ)
صرخت فيها غدير بعنف
(نفذ! هذا المبلغ كله نفذ؟، لقد حذرتك)
قالت أمها بصوت مترجي متوسل
(يا ابنتي)
ضمت غدير قبضتها أمام شفتيها و همست بتوحش و شراسة...
(لا تقولي ابنتي، لا تنطقي تلك الكلمة، لا اطيق سماعها منك، لم تكوني أما مطلقا، ابتعدي عن حياتي)
الا أن صوت أمها بدأ يعلو و هي تهتف.

(أنا أمك رغم عنك و عليك مساعدتي، بعد أن أكرمك الله بهذا العز، لا تكوني خسيسة كوالدك)
هتفت غدير و قد بدأت تبكي من شدة الضغط الذي تعانيه...
(يا ربي، لم يكن ينقصني سواك الآن، أنا أكرهك، أكرهك)
لم تدري أن أشرف قد أتى من خلفها وهو يلف جسده بمنشفة، ثم ناول والدتها رزمة مالية من عند الباب و قال بقوة
(خذي هذا و اذهبي)
نظرت الى غدير الى المال في كفه فأمسكت معصمه هاتفة.

(ما هذا، لا لن تعطيها المزيد، أنت لا تعرف هذه المرأة، أنا أعرفها جيدا، إنها لا تشبع مطلقا)
الا أن أشرف سحب ساعده من بين يديها و مد يديه بالمال الى والدتها و قال بحزم
(كفى فضائح يا غدير، أنا سأعطيها المال من حسابي، و بنفس راضية، لكن لا تقفا لدى الباب لنشر غسيلكما الغير نظيف)
أخذت والدتها الرزمة المالية و قامت بعدها سريعا و هي تنظر اليه مبتسمة لتقول بنبرة شديدة التملق.

(أشكرك يا ابني، جائت منك و لم تأتي من ابنة بطني، حفظك الله لشبابك)
نظر أشرف الى غدير نظرة مختصرة قبل أن يوليهما ظهره و يبتعد، بينما نظرت غدير الى أمها التي كانت تشم الرزمة المالية، فخاطبتها همسا بنبرة خفيضة شريرة
(استمعي إلى جيدا، هذه آخر مرة تقومين فيها بالتسول منا، اذهبي الى بيتك و لا تعودي، أنا سأرسل اليك ما أراه يناسبك، ولو جئت هنا فسآمر رجال الأمن أن يمنعوك من الصعود).

رفعت والدتها عينيها تنظر الى ملامح غدير البريئة و التي لا تتناسب مع سواد روحها، ثم قالت بنبرة متقززة
(خسيسة كوالدك)
الا أن غدير صفقت الباب في وجهها بقوة...
ثم استدارت حول نفسها و هي تمسح دموعها بعنف، ثم سارت في أرجاء الشقة تفرك أصابعها بحدة و توتر...
كانت تعلم، كانت تعلم، حتى أنها هي من اخبرت أمجد، كي يضع حدا للأمر...
لكن سماع الإعتراف من بين شفتيه دمرها داخليا...

و على الرغم من أنه أكد لها أنها هي من أصلت جذورها بأرضه، لكنها تشعر بنفسها شجرة خاوية، جوفاء، بعد اعترافه، أي رياح خفيفة قادرة على إقتلاعها...
دارت حول نفسها مجددا و عيناها تلمعان شرا من بين دموعها، ثم لم تلبث أن سارت بقوة مندفعة الى هاتفها فأخذته و هي تنظر الى الغرفة حيث اختفى أشرف، ثم سارعت الى الشرفة فخرجت فيها و أغلقت بابها خلفها لتطلب رقما، و هي تطرق حاجز الشرفة بأظافرها بتوتر...

الى ان وصلها الصوت الهادىء المترفع، و الذي يرسل في أعماقها رجفة لا تزول مع السنوات...
فقالت بصوت مشتد
(إنها أنا)
ساد صمت قصير في الجهة المقابلة، قبل أن ترد مسك بصوتها الأنيق
(ياله من شرف، خير يا غدير، بماذا يمكنني أن أخدمك هذه المرة؟)
عضت غدير على شفتها قبل أن تقول بنبرة واضحة صريحة.

(اسمعيني جيدا يا مسك، لنلقي بأوراقنا مكشوفة، ابتعدي عن زوجي يا مسك، لقد تركك و انتهى الأمر، تلك الخطة طويلة النفس التي تتبعينها لن تفيدك، لآخر مرة ابتعدي عن زوجي)
ردت مسك تقول ببساطة
(أي زوج هذا يا أم زوج الذي تريدين مني الإبتعاد عنه؟، هل أنت متعاطية شيء ما؟)
قالت غدير بنبرة أكثر حدة و قوة و ثباتا.

(ألم أطلب منك اللعب بأوراق مكشوفة؟، أنت لا تريدين أشرف، لكنك تريدين فقط أن تسرقي قلبه كي تحصلي على انتصارك الأخير، لذا اسمعي هذا مني جيدا، إن حدث هذا يا مسك و كنت سببا في انفصالي عن زوجي، سألاحق زوجك، نعم، سألاحق أمجد حتى آخر يوم في عمري، حصلت على قلبه مرة و لن يكون هذا مستحيلا أن أحصل عليه مجددا، سبق و تركك رجل و اختراني و لن يكون مستحيلا أن يتكرر الأمر، استوعبي كلامي جيدا لأنني لن ألقيه جزافا).

و دون انتظار ردا، أغلقت الخط بقوة و هي تنتفض بعنف، تعض على شفتها حتى أدمتها بوحشية...
حين يخسر الإنسان كل شيء، لكن يكون هناك ما قد يخاف عليه...

ظلت مسك واقفة مكانها تنظر الى الهاتف في يدها بنظرة داكنة، و ملامح غير مقروءة...
حتى انتفضت على ملمس كفين توضعان على خصرها و شفتان دافئتان تلمسان جانب عنقها وهو يهمس لها
(أريد الإنفراد بك قليلا)
أغمضت مسك عينيها و هي تستلم للحظة الى رائحته و دفىء يديه...
فلقد طال خصامهما...
حين بدأت كفاه تصعدان برفق حتى فتحت عينيها و قالت بنبرتها الهادئة المستفزة...

(لا أظن هذا ممكنا، مع وجود والدتك و أختك و أطفالها بعد أن دعوتهم في أسخف حفلة سمعت عنها على الإطلاق)
تمهلت شفتاه وهو يقبل عنقها مرة بعد مرة، ثم قال لها بخفوت
(ليس هناك سبب في هذا العالم يستحق الإحتفال أفضل من محاربتك و انتصارك)
زفرت مسك بضيق، ثم قالت بنفاذ صبر
(لكن هذا أمر شخصي، لم يكن عليك مفاجئتي بتلك الطريقة، أنا لا احب المفاجءات، و هذا أمر شخصي)
رد أمجد بنعومة وهو يداعبها بطريقة جعلتها ترتجف بقوة.

(لقد كررتها مرتين، شخصك هو شخصي، و شخصي محب لعائلتي و لا يخفي عنهم شيئا، لذا عليك التعامل مع الوضع)
تأففت مسك بصوت عال، كاذب...
بينما هي في الواقع مشتاقة لمداعباته الرقيقة و الحميمة، مشتاقة لمزاحه و غمازتيه تحت اللحية الشقراء، فهي لم تراهما منذ فترة...
قالت مسك بجفاء
(لو رددت عليك فسنحتاج الى ليلة كاملة، لذا سأقوم بتأجيل الحوار للغد)
ضحك أمجد بصوت أكثر دفئا و هو يقول بخفوت.

(كلامك يوحي إلى بمعاني غير بريئة، و أنا على أتم استعداد لفهمه بالمعنى الغير بريء، لذا)
أدارها اليه و نظر اليها ببطىء من رأسها حتى قدميها متمهلا على كل ذرة جمال فيها، ثم قال بنبرة مشتاقة
(هذا الفستان الأبيض يذكرني بفستان زفافك، تبدين كعروس الليلة)
زفرت مسك نفسا حارا من بين شفتيها، الا انها أبعدت شعرها عن عينيه و استندت الى حاجز ذراعيه المحيطتين بخصرها، ثم قالت ببطىء.

(مزاجك مختلف جدا الليلة! هل رضيت عني أخيرا؟)
ابتسم أمجد ابتسامة عميقة وهو يتأمل شعرها المموج بعفوية، ثم قال بخفوت
(لقد آلمتك، و أنا أعرف هذا)
رفعت حاجبيها و هي تنظر اليه قائلة بتعجب
(هل هذا اعتذار؟)
هز رأسه نفيا وهو يقول بصوت حنون
(حين تعتذرين، سأعتذر، أنا فقط اشتقت اليك، و لن أحرم نفسي منك أكثر)
اتسعت عيناها من ثقته الزائدة بنفسه، ففتحت فمها تنوي الإعتراض الا أنه أمسك بيدها قائلا بصوت هامس سري.

(تعالي معي الى غرفتنا)
جرت معه وهو يسحبها خلسة، فهتفت همسا
(انتظر يا مجنون، أمك و أختك في الخارج)
الا أنه لم يستمع اليها، حتى دخلا الى الغرفة فأغلق الباب خلفهما و ما أن فعل حتى استدار اليها...
فقالت بتحذير
(لا تقترب يا حسيني، عائلتك في الخارج، تهذب و احترم نفسك، لن)
الا أنه ضمها الى صدره وهو يغمض عينيه، ليقبلها بشغف و عمق، مرة بعد مرة، الى أن استسلمت تماما، فانفتحت أصابعها و سقط هاتفها أرضا...

شهقت مسك و هي تبعد وجهها عنه لتنظر الى الهاتف الملقى أرضا و هي تتذكر نبرة غدير...
سبق و تركك رجل لأجلي، و لن يكون مستحيلا أن يتكرر الأمر
ابتلعت مسك شيء غريب مؤلم و مخيف في حلقها، الا أن كف أمجد حطت على ذقنها تعيد وجهها اليه بالقوة وهو يقول آمر بصوت أجش هامس
(اتركيه).

و تركته بالفعل و هي تعوض بعضا من شوقها اليه على الرغم من الغضب الذي لا يزال قائما بينهما في الخفاء، لكن إن تركت الهاتف، فهل تترك صاحبة الإتصال وعيدها...
لمعت عينا مسك بنظرة حادة مفاجئة، الليلة هي ليلة الإحتفال بمحاربتها للمرض و الإنتصار عليه...
إن فعلتها مرة فلن يستحيل عليها أن تكررها مجددا، و غدير مرض، عليها محاربته...

دفعت أمجد برفق حتى جلس على السرير نصف مستلقيا، ثم ابتسمت له برفق وهي تلامس لحيته الشقراء...
فبرقت عيناه غير مصدقا دفىء مشاعرها، لذا حاول انتهاز الفرصة قائلا بأمل
(إن طلبت منك التنازل و إعداد سهرة خاصة كتلك التي سبق و افسدتها فهل تقبلين؟)
مالت اليه مسك و هي تفتح ازرار قميصه قائلة بهدوء
(في أحلامك، لقد ضيعت الفرصة و انتهى الأمر).

(هل أنت بخير؟)
سألها بجفاء حين تعثرت على الدرجة الأولى فأسندها بكفيه...
رفعت تيماء وجهها الشاحب تنظر الى ملامحه المكفهرة، بقلب خافق و نظرات غائرة...
إنه غاضب للغاية، و هي لن تحتمل الآن إحدى نوباته العنيفة، لن تحتملها مطلقا...
همست بضعف
(أنا بخير، سأكون أفضل حالا حين استلقي قليلا).

لكن ما أن صعدت الدرجة الثانية حتى شعرت بالعالم يدور من حولها فترنحت، لكنها لم تقع أرضا كما توقعت، بل تلقفتها ذراعها قبل أن تجد ساقيها ترتفعان في الهواء وهو يحملها ليصعد بها الى طابقهما...
فقالت معترضة
(لست متعبة الى هذه الدرجة، أنزلني يا قاصي).

الا أنه لم ينزلها و لم يهتم بالنظر اليها أصلا، كان وجهه شاحب كوجهها، لكنه شاحب من شدة الغضب، و فكه متوتر، حتى ذراعاه اللتان تحملانهاها كانتا خشنتين، مشتدتين حولها...
فأخفضت وجهها و هي تريحه على كتفه مغمضة عينيها بأسى، ترتاح قليلا قبل أن يبدأ في التكسير و الضرب و السباب...
أنزلها على قدميها كي يفتح باب الشقة، فقالت بخفوت و هي تحاول اسناد نفسها
(شكرا أستطيع السير الآن).

لكنه رفعها بين ذراعيه مجددا و كأنها ابنة شقيقته بالفعل، ثم ضرب الباب بقدمه...
نهضت ثريا من على الأريكة فزعة و هي تنظر الى قاصي الذي دخل الى الشقة حاملا تيماء المتعلقة بعنقه بذراعيها، دون أن تظهر على وجهيهما أي أثر للعاطفة...
فوجه قاصي كان مخيفا ملبدا بغيوم الغضب، بينما كان وجهها شاحبا كالأموات...
هتفت ثريا بقلق
(ماذا بها ابنتي؟، ما الذي حدث لها؟، ماذا فعلت بطفلتي؟)
قال قاصي بنبرة قاطعة آمرة.

(هل تعرفين امتثال؟)
عقدت ثريا ملامحها قليلا، الا أنها أجابته بغباء
(بالطبع أعرفها، ماذا بها؟)
رد عليها قاصي بنبرة أكثر قوة و صرامة لا تقبل جدالا
(تريدك، اذهبي اليها و تقدمين معروفا إن لم تعودي الليلة)
ارتفع حاجبي تيماء و هي تنظر الى قاصي و قد وصل الى أقصى درجات الفظاظة و عدم الإحترام...
الا أن ثريا هتفت بغضب
(لن أترك تيماء لتفترسها)
فأجابها قائلا بنبرة مخيفة، و بملامح منحوتة كالصخر
(هل تعرفين امتثال؟).

صرخت به ثريا قائلة بنفاذ صبر
(أجبتك للتو، نعم أعرفها، ماذا بها)
رد عليها قاصي قائلا بصوته المخيف
(سبق و قالت نفس الشيء، لن أترك زوجتك معك بمفردها، فكانت النتيجة أن طردتها ركلا على السلالم)
أغمضت تيماء عينيها و هي تقول بيأس
(لا تفعل هذا يا قاصي)
بينما قالت ثريا بقرف
(عديم التربية، لا تعرف كيف تخاطب حماتك، أنا لن أغادر المكان)
لم يجبها قاصي، بل أخفض وجهه ينظر الى تيماء و سألها بخشونة.

(هل تستطيعين الوقوف للحظة حتى ألقي بها خارجا؟)
نظرت اليه تيماء و قالت بصوت واهن لكنه حاد
(قاصي، إنها أمي)
أجابها قاصي بخشونة
(جيد أنك تستطيعين، لن أتاخر)
اوقفها على قدميها و اتجه الى ثريا التي اتسعت عيناها بخوف حقيقي من مظهره العنيف فجرت الى الباب و هي تنظر اليه بهلع حتى خرجت منه و ما أن فعلت حتى صفق الباب خلفها، ثم استدار الى تيماء التي كانت واقفة تنظر اليه بدهشة و بعينين زائغتين، ثم قالت بحدة.

(قاصي، يمكنك أن تعاقبني كما تشاء، لكن لا تعامل أمي بتلك الطريقة)
لم يجبها قاصي على الفور، بل وصل اليها ثم عاد و حملها من جديد بقوة جعلت العالم يدور من حولها بسرعة أكبر...
ثم اتجه بها الى الغرفة فدخلها و ألقى بها على السرير، بإهمال، و ما أن استطاعت الإستلقاء بشكل محترم حتى همست له متوسلة
(قاصي)
لكنه لم يرد على نبرتها الحزينة المترجية، بل قال بجفاء.

(سأحضر لك شيئا لتشربيه، و أنصحك الا تحاولي التحرك من مكانك)
خرج من الغرفة دون المزيد من الكلام بينما أرجعت تيماء رأسها الى الخلف و هي تحاول التقاط أنفاسها...
حتى و إن أرادت فلن تستطيع، إنها غير قادرة حتى على رفع رأسها...
لا تعلم ما الذي أخافها الى هذه الدرجة، حتى غضب قاصي و الذي لن يمر على خير، لا يخيفها كما خافت في اللحظات الأخيرة...
عاد قاصي بعد دقيقتين حاملا كوب من العصير و سألها بخشونة.

(هل تستطيعين شربه بمفردك؟)
هزت رأسها بضعف و قالت بصوت مختنق
(لا أستطيع رفع رأسي حتى)
جلس قاصي بجوارها بحرص، ثم أسندها حتى استلقت نصف جالسة، مريحة رأسها الى كتفه، فقرب الكوب من فمها كي ترتشفه ببطىء...
كانت تشرب و هي تنظر اليه بجانب عينيها. و ما أن انتهت منه حتى وضع الكوب على الطاولة بجواره ثم سألها بجفاء
(أفضل؟).

أومأت برأسها دون أن تتكلم، فتركها حتى استلقت على الوسادة، ثم نهض فظنته سيخرج من الغرفة، الا انه انحنى اليها و بدأ في فك حجابها من حول رأسها، و أمام عينيها الذاهلتين قام بفتح أزرار قميصها الأبيض الفضفاض...
أطبقت تيماء على كفيه و هي تسأله بدهشة
(ماذا تفعل؟)
ابتسم قاصي بسخرية سوداء، ثم قال بنفور
(اطمئني، حالتك لا تسمح بما يدور في بالك حاليا، حتى و إن سمحت، أنا لا أشعر بأدنى رغبة فيك).

اتسعت عينا تيماء بألم، فأبعد عينيه عن عينيها الواسعتين الشاخصتين اليه كجرو ضائع، و تابع عمله، الى أن انتهى و دثرها بالغطاء و أمسك بملابسها ليكومها بين كفيه ثم قال بخشونة و تقزز
(سأتخلص من هذه الملابس)
نظرت اليه بدهشة، ثم قالت بصوت خافت بطيء
(لم يحدث شيء لتفعل هذا يا قاصي، لم ينظر إلى حتى، فأنا لم أكن المعنية)
قال قاصي بنبرة صلبة مخيفة.

(أكرميني بصمتك يا تيماء، فأنا أحاول جاهدا السيطرة على طاقات الغضب بداخلي، و لا أظنني سأنجح)
استدار عنها وهو ينوي الخروج من الغرفة، الا أنها هتفت تناديه برجاء
(قاصي، لا تتركني أرجوك، أنا، أنا خائفة)
ظل واقفا مكانه قليلا يوليها ظهره، فعضت على شفتها، الا أنه استدار اليها ببطىء قبل أن يلقي بملابسها بعيدا، ثم وصل اليها ليعود الى الجلوس بجوارها فرفعت وجهها و همست اليه متوسلة
(ضمني الى صدرك أرجوك).

ظل قاصي على جفاءه وتوتر جسده، فهمست له بصوت حنون مترجي
(هل تتذكر حين أخبرتني بأنك كنت تتمنى أن تكون معي، حين عاقبني أبي، كنت أصرخ باسمك منادية، و بقى هذا يؤلمك حتى يومنا هذا)
أظلمت ملامح قاصي بشدة من تلك الذكرى، و غامت عيناه، فهمست تيماء بصوت أكثر اختناقا
(ها أنا أحتاجك، ضمني الى صدرك أرجوك و لا تتركني).

بدا قاصي مترددا، لكنه استسلم في النهاية و ضمها الى صدره بقوة، فأغمضت عينيها و هي تدس وجهها في صدره، و بقيا على هذه الحالة لبضعة لحظات، قلب كل منهما يخفق بعنف و سرعة، ما بين الغضب و الخوف، الى أن سألها أخيرا بصوت أجش دون أن يتركهها
(ما الذي أخافك الى هذه الدرجة؟)
هزت تيماء رأسها ببطىء في صدره و هي تهمس بإختناق.

(لا أدري، كنت أعلم أنه مجرد أحمق، لا يريد سوى أن يبصم فوق اسميكما بحركة حقيرة لا معنى لها، لذا لم أكن خائفة، كنت غاضبة، لكنني أشعر بالخوف، لا أعلم متى بدأت أن أفقد أعصابي تحديدا، ربما حين تكلمت مع بدور، و ربما بعد وصولكما، منظر الدم)
أغمضتت عينيها و ارتعشت بقوة، غير قادرة على المتابعة، فزاد من ضمها الى صدره...
ثم قال بعنف مختنق
(لازلت تتألمين، و حتى الآن لا أستطيع مساعدتك)
قالت تيماء بضعف.

(أنت هنا على الأقل، تمسك بي، و لن تتركني)
أخذ قاصي نفسا عميقا منفعلا، ثم قال بصوت محتد عنيف
(أنت لا تلعبين بنزاهة، فأنا كنت أنوي ضربك)
ربتت على صدره و قالت بخفوت
(اضربني إن كان هذا يريحك، فأنا أستحق على كل حال)
أمسك قاصي بذقنها و رفع وجهها اليه ثم سألها بحدة منفعلا...
(كيف وجدتك في بيته؟، فقط أخبريني كيف قبل أن أفقد أعصابي و أدق عنقك)
أغمضت عينيها و قالت بأسف.

(كان فخ، أقسم أنه كان فخا لإستدراج سوار، أما أنا فقد ذهبت معها ظنا منها أن بدور تحتاج الى مساعدة، لم نعلم أنها شقته، أرجوك صدقني)
الا أن قاصي شدد قبضته على ذقنها و همس من بين أسنانه بحدة، بينما جسده يرتجف من شدة انفعاله
(كان يتغزل بك، كان يهتف بإسمك أنت)
هتفت تيماء بقوة
(كان يتغزل في حبي لك، ألم تفهم بعد يا أحمق)
أمسكت بوجهه بين كفيها و هتفت به مشددة على كل حرف.

(يغار من حبي لك، يغار لأن المرأة الوحيدة التي أحبها لم تمنحه ذرة من الحب الذي أمنحه أنا لك)
صرخ فيها قاصي بغضب
(سرعان ما ستتحول تلك الغيرة الى حب، فأنت أمنية أي رجل)
ظلت تيماء تنظر اليه بذهول، الى أن بدأت الإبتسامة ترتسم على وجهها ببطىء حتى شملت وجهها كله...
ثم قالت بخفوت
(هل حقا تراني كذلك؟)
هدر قاصي فيها بعنف وهو يشد على فكها حتى كاد أن يخلع في قبضته.

(الجميع يرى هذا، الجميع، كل من يراك و يعرفك عن قرب، يحسدني عليك، على حبك، لقد أثرت غيرة الكون بحبك لي، كيف أخفيك و أخفي حبك هذا؟)
ضحكت تيماء بقلب يخفق بعنف، بينما الدموع تشوش رؤيتها، أما هو فصرخ فيها
(لا تضحكي، أنا في مزاج مجنون حاليا)
كتمت ضحكتها بصعوبة و هي تعض على شفتها ناظرة الى ملامحه القاتمة بعشق يائس، الى أن سألها بحدة
(متى كنت تتصلين به؟، كيف حدث أن كلمته عن حبك لي، انطقي يا تيماء).

أخفضت تيماء وجهها و هي تشعر بقلبها يغوص بين أضلاعها، ثم قالت بصوت مختنق
(كنت أظنه أنت، في فترة غيابك عني، توقفت عن الإتصال بي، حينها كان هو يتلاعب بي، يتصل و يظل صامتا، فظننته أنت، أخبرته بكل ما كنت أريد اخبارك أنت به، كل شيء)
تركها قاصي لينهض مندفعا هو يصرخ
(تبا لك يا تيماء، تبا، تبا)
صرخت هي الأخرى متوسلة
(كنت أكلمك أنت، لم أكن أعلم أنه هو)
استدار اليها و صرخ عاليا بوجه مجنون
(لقد أحب حبك، جن بعشقك).

هزت تيماء رأسها بتعب و يأس قائلة بعذاب
(أنت تهذي يا قاصي، لقد أصبت بنفس جنونه، ماذا بكما؟، أي موروثات مختلة فعلت هذا بكما؟، إنه يغار ليس أكثر)
اقترب منها بسرعة فأمسك بظهر السرير و انحنى اليها هادرا بعنف
(أنت لست رجلا كي تفهمي ما أتكلم عنه)
هتفت به بحرارة
(أنا أمراة تحبك، هذا ما أفهمه)
توتر فك قاصي بشدة وهو ينظر الى عينيها الواسعتين، و بدا مترددا على الرغم من النظرات الإجرامية، ثم سألها بصوت غريب بطيء.

(هل، هل يعجبك؟)
ارتفع حاجبي تيماء بذهول و سألته غير مستوعبة
(من؟، راجح الحيوان؟، هل أنت واع لما تسأل عنه؟، أنا لا أرى رجل سواك من الأساس، أنا)
لم تستطع تيماء المتابعة، حين تحول غضبه الى حمم جعلته يهجم عليها، ينهب من هذا الحب الذي يسحر الجميع وهو أولهم...
انحنى قاصي اليها يضمها بين ذراعيه بقوة يرفعها اليه، و هي أحاطت عنقه بذراعيها بشدة، مضطربة من تلك الدوامة التي لم تستطع أن تقف أمام جبروتها...

و ما أن تحررت شفتاها من سطوة شفتيه حتى همست له
(سافر معي، أو أبقى معك، ماذا تختار؟)
نظر قاصي الى عينيها طويلا، فأخافتها النظرة التي ظهرت في عينيه، و ما أن همست باسمه بخوف واضح، حتى أصمتها بقبلته هامسا
(لا تتكلمي، فقط امنحيني حبك).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة