قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الحادي والستون

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الحادي والستون

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الحادي والستون

في اليوم التالي استيقظت ياسمين من حلم رائع حملها فوق غيامة وردية على صوت رنين هاتفها المزعج فالتقطته لتضعه على أذنها مجيبة بنعاس متذمر
(نعم!)
وصلها صوت فريد يقول بدهشة
(هل أنت من النوع العكر عند استيقاظه؟، قد يغير هذا أشياء كثيرة)
قفزت ياسمين جالسة في السرير و هي تبعد شعرها خلف أذنها هاتفة بخجل
(لا، بالطبع لا، كنت فقط أتسائل عن سبب الإتصال السخيف يوم العطلة باكرا).

أدركت ما نطقت به فزمت شفتيها بغضب شاتمة نفسها ثم قالت مصححة
(عفوا، قصدت أن)
ضحك فريد قليلا ثم قاطعها قائلا بهدوء
(سأعطيك خمسة عشر دقيقة لتكوني واقفة أسفل البناية بكامل أناقتك و الا سأذهب، فأنا لا أطيق التأخير. )
نظرت ياسمين الى الساعة في هاتفها فوجدت أنها تشير الى السابعة صباحا و هتفت بجزع مستاءة
(خمسة عشر دقيقة! بالطبع لن تكفي)
صمتت عاقدة حاجبيها ثم سألته بتوجس
(الى أين سنذهب بالضبط؟)
أجابها فريد ببساطة.

(نتناول الإفطار سويا بالتأكيد، ثم نعقد قراننا. )
عادت ياسمين تنظر الى الساعة مجددا تتأكد من الرقم، ثم قالت مستائة بحرج
(أي فطور هذا في السابعة صباحا يا فريد! اسمع لما لا تنقلب على جانبك و تنام قليلا، ثم نخرج، لنقل في الثانية عشر مثلا كي نفطر سويا)
رد عليها فريد بدهشة حقيقية
(هل أدهشك الفطور في السابعة و لم يدهشك أن عقد القران اليوم! ثم أن. الثانية عشر! أليس هذا موعد الغذاء أم أن نهج بلدكم مختلف!).

تأوهت ياسمين و هي تحك شعرها هامسة بتذمر
(هذا لو كنت آتيا من المريخ، عفوا هل قلت عقد قران! هل كنت تتكلم بجدية!)
قال فريد بهدوء
(الوقت المتبقي اربعة عشر دقيقة، الا لو لم تكن لديك رغبة)
قفزت ياسمين واقفة متعثرة في طرف الغطاء هاتفة
(بلى، بلى أريد، اربعة عشر دقيقة و أكون أمامك، لحظة، هل تقصد الرغبة في الفطور أم عقد القران؟)
قال فريد بنبرة عابثة...
(أنا شخصيا أفضل عقد القران و حينها سأفطر على شيء ألذ).

احمرت وجنتاها ووضعت يدها على فمها لا تصدق جنون ما يحدث، فقالت مرتجفة
(دقائق و أكون أمامك، هيا أغلق الخط)
سألها فريد بسرعة قبل أن تغلق
(آمل أن تتمكني من انهاء تمارين الضغط الصباحية)
توقفت ياسمين عاقدة حاجبيها و سألته بغباء
(أي تمارين؟)
كان هو من سألها مندهشا
(الا تقومين ببعض تمارين الضغط كل صباح؟)
ضيقت ياسمين عينيها و قالت بإختصار.

(أغلق الخط يا فريد رجاءا كي لا أريك المزاج العكر الحقيقي، سأنتهي حالا، تمارين ضغط!).

لكن بعد سبعة عشر دقيقة كاملة و حيث كان فريد واقفا ينتظرها أمام البناية، وجدها تخرج و هي تحاول اغلاق زر كنزة خلف عنقها...
رفع فريد احد حاجبيه وهو يراها ترتدي بنطالا من الجينز المنقوش بنقشة مربعة واسعة باللون الأصفر و درجاته، بينما الكنزة ذات خطوط عرضية بكل ألوان الطيف...
وصلت اليه بشعر فوضوي ووجه خال من الزينة، لكنها ابتسمت بسعادة و خجل من أن رأته فقالت برقة
(صباح الخير).

رمق فريد ما ترتديه ثم نظر الى عينيها قائلا
(هل هذه فكرتك عن معنى كامل أناقتك!)
فقدت ابتسامتها و حل العبوس محلها و استدارت لتعود من حيث أتت، الا أنه سارع بإمساك كفها يعيدها اليه و ما أن رفعت عينيها الغاضبتين اليه حتى قال بجدية
(تبدين جميلة، جدا)
ارتبكت قليلا وأعادت وضع شعرها خلف أذنها ثم قالت بإستياء
(لماذا اذن تستفزني؟)
وضح لها فريد قائلا بنبرة ذات مغزى.

(إنه اسلوب جديد في الغزل، أشرح فيه أولا أن نقشة بنطالك لا تتماشى مع نقشة الكنزة أو ألوانها، و أن شعرك قمت بتمشيطه بأصابعك و لحسن الحظ أنه ناعم و خفيف، كي أصل في النهاية للنتيجة المطلوبة، و هي أنك على الرغم من كل هذه الكوارث، الا أنك تبدين في غاية الجمال)
عقدت ياسمين حاجبيها قليلا و همست بتوجس
(لما لا نتخذ الأسلوب التقليدي في الغزل؟)
رد عليها وهو يفتح باب مقعدها في سيارته.

(لأنني انسان صريح، لا أستطيع الكذب حول أناقتك)
جلست ياسمين عابسة في السيارة بينما دار هو حول مقدمتها ليحتل مكانه خلف المقود، ثم التفت اليها سائلا
(هل هناك مكان معين تودين الذهاب اليه؟)
ردت عليه ياسمين ببديهية
(نعم، ربما المفتوح منهم في مثل هذه الساعة)
ابتسم فريد قائلا بهدوء
(اتركي لي هذا).

انتهت ياسمين من شرب كوب الشاي الزجاجي الساخن و نظرت الى البعيد في هذا المكان المطل على أراض زراعية واسعة، في مثل هذا الوقت لا تسمع سوى السكون و صوت اليمام، بينما المساحة الخضراء
تريح نفسها بطريقة ساحرة جعلتها لا ترغب في الكلام اطلاقا...
يكفيها فقط أن تكون متواجدة وسط هذا السحر و فريد أمامها. حتى لو لم يتكلما إطلاقا...

أما هو فقد جلس متراجعا في مقعده يراقبها و هي تنظر شاردة الى البعيد، و الهواء البارد يطير شعرها بعشوائية حول وجهها فتحاول حبس خصلاته خلف أذنيها الا أنه يعاود التمرد...
بشرتها البيضاء احمرت بشدة بفعل البرد، و أنها أشبه بثمرة طماطم ناضجة...

كل ما فيها يجعله يحب النظر اليها، حتى وزنها الزائد، لا يمكنه تخيلها الا كما هي، منذ المرة الأولى التي رآها فيها وهو يشعر بمدى حب العين لتأمل جمالها اللطيف الهادىء...
قال حين رآها تفرك ذراعيها و ترتعد قليلا
(كان يفترض بك احضار سترة معك، فالطقس بارد الآن)
نظرت اليه ياسمين منتزعة نفسها من شرودها و هي تنظر اليه مبتسمة بطريقة خلابة، و ظلت تتأمله و كأنها تتأكد من وجوده معها فعلا...

من كان يظن أنهما سيجلسان هذا الصباح سويا بعد أن كانت قد قاربت على فقدان الأمل...
ضحكت أخيرا قائلة و هي ترتجف قليلا
(لم أكن أظنك مجنونا للدرجة التي تجعلك تحضرني في السابعة صباحا الى هذا المكان المفتوح على أطراف المدينة)
وجدته ينهض من مكانه قائلا بهدوء
(أتمنى أن يكون قد أعجبك)
ضحكت و هي تقول بذهول.

(أعجبني! لم آكل في حياتي في جمال الفطير الذي أكلته للتو، و حلاوة العسل الأبيض و القشدة و البيض المقلي، لقد أكلت ما يكفيني لسنوات قادمة، ماذا تفعل؟)
سألته السؤال الأخير و هي تراه يخلع السترة المخملية التي يرتديها، الا أنه اقترب منها آمرا ببساطة
(قفي)
وقفت ياسمين بإرتباك و قالت معترضة
(لا ستبرد، على الأقل لدي طبقات من الدهون كي تدفئني أما أنت ستتجمد بردا)
أصر فريد قائلا
(هيا أدخلي ذراعيك).

ارتدته ياسمين بحرج، لكن الحرج الاكبر أنه من المعتاد في الأفلام حين يقوم البطل بفعل مماثل تكون السترة واسعة تكاد أن تبتلعها، لكن في هذا العالم كانت هي من ستبتلع السترة...
كانت تماثلها حجما تماما و ربما أقل مقاسا! ياللكارثة...
نظرت اليه وهو يعود الى مقعده، فارتفع حاجبيها و هي ترى نحول خصره!
فغرت ياسمين شفتيها و هي تهمس لنفسها.

ياللهي! إنه رشيق جدا! لماذا لا تبدو الحياة عادلة أحيانا! ضمت ياسمين طرفي السترة. فسحرها عطره النفاذ، لكنها تماسكت حين سألها فجأة بجدية
(هل أنت بخير؟، تبدين و كأنك مصابة بالغثيان!)
أسرعت بهز رأسها نفيا و هي تقول مبتسمة بتوتر
(لا أنا بخير، بأفضل حال)
قال فريد مبتسما وهو ينظر اليها
(جيد، لأن هناك حوار هام بيننا).

عقدت ياسمين حاجبيها على الفور و توترت ملامحها بينما فقدت شهيتها للفطيرة الإضافية التي كانت ستطلبها على الفور ما أن رأت الجدية على وجهه!
ترى هل تراجع عن رغبته في اتمام زواجهما، و من شدة قلقها رددت ما جال في تفكيرها للتو علنا
(هل تراجعت عن رغبتك في إتمام الزواج؟)
أجفل فريد للحظة ثم سألها متعجبا
(هل أبدو لك كرجل متردد الى هذه الدرجة؟)
هزت ياسمين رأسها نفيا ببطىء و همست بقنوط
(لا، لكن).

صمتت قليلا ثم نظرت اليه بيأس قائلة
(لا أعلم يا فريد إن كنت فعلا صدقت أن قبولي الزواج منك لا علاقة له ب، أنت تعرف)
ملامح فريد كانت هادئة وهو يستمع الى كلماتها المتعثرة، و ما أن صمتت حتى سألها قائلا
(الم تكن؟)
نظرت اليه ياسمين مرتاعة، ثم هتفت بيأس أكبر وهي تغطي عينيها بكفيها
(يالهي، لازلت تسأل! بالطبع لم يكن الأمر كذلك، لقد قبلت في البداية لأنني كنت أحتاج تلك الزيجة و كنت صريحة معك، لكن فيما بعد).

صمتت قليلا تشعر بالخجل، لكنه حثها قائلا
(تابعي، سمعتها ليلة أمس و مستعد لسماعها عشرات المرات)
ابتسمت ياسمين برقة و نظرت اليه بشجاعة قائلة
(أحببتك والله يا فريد، و حين أخبرتني أن علاقتنا قد انتهت شعرت بقلبي يحتضر و كأنني أراه أمامي، فهل تصدقني؟)
كان في عينيه انفعالا لا يمكنها أن تخطئه أبدا، على الرغم من بقاء ملامحه على هدوئها و اتزانها...

فابتسمت أكثر و هي ترتجف فعليا جراء تلك النظرة في عينيه، لكن جسدها تصلب حين سمعته يقول متابعا بجدية
(أصدق حبك فهو ظاهر للأعمى، لكن الحب شيء و الزواج شيء آخر)
ازدادت الرعدة في جسد ياسمين على الفور ما أن سمعت منه تلك الكلمات
فتلعثمت قائلة بعدم فهم و كأنها تخشى أن تفهم
(م، ماذا تقصد؟، هل غيرت رأيك في الزواج بي؟)
أجابها فريد مؤكدا على كلماته كي تستوعب.

(لقد سألتني هذا السؤال للتو و أجبتك دون الحاجة للكلام، انا لست من النوع الذي قد يتراجع
الا في حالة واحدة فقط، ان اكتشفت أن قلب الفتاة التي أريد يملكه غيري)
اسرعت ياسمين تقول بصدق و حراره
(لا يملكه سواك الان، في الحقيقة لم يملكه سواك ابدا، صدقني)
كرر فريد وهو يميل إليها كي تسمعه بقلبها
(أخبرتك للتو أيضا، اصدقك)
ابتسمت بحب ثم سألته بقلق
(اذن ماذا عن الزواج؟)
أخذ فريد نفسا عميقا ثم قال بحذر
(لدي شروط).

ارتفع حاجبيها بدهشة و هي تسأله مكررة
(لديك شروط كي تقبل الزواج بي؟)
قال فريد ببساطة
(نعم و لك الحق في إبداء شروطك ايضا)
ساد صمت ثقيل حولهما و هي تنظر إليه بوجوم، ثم قالت اخيرا بفتور
(تفضل املي شروطك)
رفع إصبعه مصححا
(تقصدين إبداء شروطي و ليس املاء، لأنك لست مجبرة على الموافقة)
قالت ياسمين بفظاظة
(لكن الزواج مرهون بموافقتي على شروطك اليس كذلك؟)
أجابها فريد ببشاشة
(صحيح).

نظرت اليه بخيبة أمل خفية الا انها إجابته باختصار
(اذن فهي املاء لانني اريد لهذا الزواج أن يتم يا فريد، بأي طريقة)
ازدادت ابتسامته اتساعا و محبة بينما تابعت ياسمين بجفاء
(تفضل يا دكتور املي شروطك)
قال فريد بهدوء متزن
(اولا سبق و اخبرتيني انك تراجعت في استقالتك و ستتابعين عملك)
ردت عليه ياسمين بزهو و قد نسيت موضوع الشروط تماما.

(نعم و سأتابع الشكوى التي رفعتها ضد مديرنا الدنيء و لن يهدأ لي بال حتى يتم وقفه عن العمل أو نقله أو على الأقل تظل نقطة سوداء في ملفه الوظيفي)
استمع اليها فريد مبتسما حتى النهاية و ما أن سكتت منتظرة أن يبدي إعجابه حتى قال ببساطة دون أن يفقد ابتسامته
(عظيم شرطي هو أن تتركي عملك)
اتسعت عينا ياسمين و هي تنظر الى ملامحه المبتسمة بصدمة و كأنها أخطأت سماعه فسألته بحذر غير مصدقة.

(عفوا ماذا قلت؟، هل اشترطت أن أترك عملي؟)
اومأ فريد برأسه و أجابها بهدرء
(نعم كما سمعت)
عقدت ياسمين حاجبيها و هي تقول بتوتر
(لكن الا ترى ذلك تعنتا مبالغا فيه؟)
رد عليها فريد
(اطلاقا لما تنظرين للأمر بهذا الشكل الدرامي؟، انا قادر على تلبية جميع طلباتك المادية ليس عليك سوى الطلب)
ازداد انعقاد حاجبيها و هي تنظر للبعيد بملامح متشنجة و هي تطرق بأصابعها فوق الطاولة بتشنج ثم نظرت اليه و قالت بعصبية.

(الأمر ليس له علاقة بالعائد المادي فقط فهو ليس كل شيء)
رد عليها فريد قائلا بتأكيد
(بلى فالعائد المادي هو الأساس و طالما انك ستجدين كل ما تطلبين اذن لا داعي للعمل و تعريض نفسك لمن لا يسوى من أدنى البشر)
قالت ياسمين مدافعة بحدة
(ان كنت تقصد ما حدث من مديري في العمل فقد أخبرته للتو بأنني سأتابع مواجهته بكل شراسة و لن أرتاح حتى ينال عقابه)
سألها فريد بتعجب.

(و لما كل هذا العذاب؟، لست في حاجة للعمل بعد الآن لأنني سأعيلك)
الكلمة كانت ثقيلة على نفسها جدا، أعيلك، لقد أعالت نفسها منذ فترة طويلة و قد اعتادت الأمر...
لكن كيف سيكون الوضع حين تسلم مسؤوليتها الى رجل تمد له يدها طالبة مصروفها منه...
ماذا إن اختلفا في يوم من الأيام؟، هل تمد له يدها طالبة المال و هما على خلاف؟
هذا وضع محرج جدا و لم تعتده من قبل...
نظرت ياسمين الى فريد و قالت بتصميم.

(ماذا عن والدتي و شقيقتي؟، على الرغم من كل شيء فهما تقريبا تعتمدان على راتبي، فمعاش والدي لا يكاد يكفيهما، و أنت تعرف أن زوج أختي المحترم لا فائدة تذكر منه)
أجابها فريد قائلا بهدوء و ثقة
(سيكون لهما مخصصات شهرية يمكننا الإتفاق عليها و ستصلهما في الموعد المحدد من كل شهر، سترتاحين من كل أعبائك)
ازدادت ملامحها تعقيدا، و هي تفكر أن هذا معروف اضافي عليها أن تكون ممتنة من أجله.

سيجعلها هذا تفقد استقلاليتها تماما و لن يكون لها حق معارضته في أي شيء...
سألها فريد حين وجدها صامتة
(لما التردد؟، لطالما أردت رجلا لا يريد العمل لزوجته كي يشعرك برجولته! كنت أظنك ستبتهجين لكن لا يبدو عليك الرضا!)
وجنتاها الممتلئتان انتفختا في وجوم مفكر و هي مطرقة بوجهها ابعد ما يكون عن الرضا، بل أقرب للغضب و الشعور بالإهانة، فقالت بعد فترة بصوت مكتوب به لمحة من الحنق أرادت الا تظهرها.

(ربما كنت قد تمنيت هذا من قبل، لكن حين تجعله شرطا لزواجنا، تتركني لأجله حين أرفض، فهذا يشعرني بأنني لا أملك الرأي أو القرار، فكيف الحال حين أطلب منك المال!)
رفعت وجهها اليه عاقدة حاجبيها و قالت بغضب أكبر
(كنت مصرا قبلا على أن تعمل زوجتك المستقبلية، فما الذي غير رأيك؟)
أجابها فريد قائلا دون أن يفقد هدوءه.

(هذا صحيح، لكن حين أرى أيضا أن زوجتي المستقبلية كانت عرضة لتحرش لفظي منذ سنوات و لم تستطع صده الا مؤخرا فهذا يجبرني على منعها من العمل)
هتفت ياسمين بغضب
(اذن أنا من ستعاقب بسبب هذا الحقير! لا أصدق هذا)
مط فريد شفتيه وهو يقول
(هذا إن كنت ترين أن الزواج و البقاء في بيت زوجك لتقومين بخدمته عوضا عن اهانة نفسك خارجه عقابا، القرار عائد لك).

خدمته! لا تعلم كيف تعقدت الأمور بهذه الصورة فجأة! إنها تريد لهذا الزواج أن ينجح أكثر من أي شيء في هذه الحياة، و هي أصلا لم تحب عملها أبدا، فلماذا تبدو الآن بمثل هذا الرفض و الغضب؟
فضلت الا تفسد كل شيء على الفور، فسألته محاولة التحكم في انفعالاتها
(بالطبع يحق لي بعض الوقت للتفكير، لما لا تطلعني على باقي شروطك خلاله)
أومأ فريد برأسه قائلا بتهذيب.

(أنا لا أقبل أن ينظر لك أي رجل نظرة إشتهاء أو اعجاب غير لائق، لذا ستكونين أنت المسؤولة أمامي كي لا يحدث هذا)
ارتفع حاجبيها بذهول و قالت بغباء
(على الرغم من الإطراء في كلامك و الذي أشكرك عليه، لكن كيف لي أن أتحكم في نظرات الناس؟)
أجابها فريد مبتسما و كأنهما يتحدثان عن أمسية تليفزيونية لطيفة
(لن أجبرك على شيء محدد في ملابسك، لكنك ستكونين مطالبة بالنتيجة النهائية، افعلي ما يلزم كي لا يحدث هذا).

فتحت ياسمين كفيها و قالت بسخرية
(ليس هناك سوى تغيير ملابسي بالكامل، لما لا تشترط على هذا ببساطة؟)
رد فريد بجدية
(لا إطلاقا، هناك حلول أخرى و هي البقاء في البيت دون الخروج من الأساس و يمكنك حينها البقاء دون ملابس اطلاقا إن أحببت)
أفلتت منها ابتسامة على الرغم من غضبها الجامح، و احمرت وجنتاها قليلا، مما جعل ابتسامته تزداد تألقا و محبة...
لكن تلك الألفة القصيرة انتهت سريعا حين قالت بحدة أفزعته.

(لكن هذا الشرط طويل الأمد، كيف أضمنه لك الآن؟، ماذا إن حدث و نظر لي رجل بإعجاب فيما بعد؟ فهل ستطلقني؟)
أجابها فريد مبتسما مصححا
(اسمه اعجاب غير لائق، و اجابة على سؤالك فأنا أثق بالوعد الذي تقطعينه لي)
عبارته البسيطة عادت لتذيب الجليد الذي حل على مشاعرها و احتارت معه، لكن حين ظلت مترددة قليلا
سألها فريد بهدوء.

(تعرفين أنني محق اليس كذلك؟، فأنت بالتأكيد لا تحبين أن ينظر لك أحدهم نظرة غير لائقة و لا تودين لزوجك أن يكون متقبلا لهذا!)
هزت ياسمين رأسها نفيا معترفة و هي لا تملك القدرة على انكار هذا...
حينها قال فريد ببساطة متابعا
(شرطي الثالث هو أنني لن أقبل أن تكون زوجتي أقل من مستوى معين، مستوى رفيع للغاية).

هذه المرة لم تستطع ياسمين أن تتحكم في ملامحها أو مشاعرها، فقد تجمدت و هي تنظر اليه بقسوة صامتة شاعرة بإهانة بالغة، بينما ابيضت شفتاها بشدة، و وجدت نفسها تقول بعنف
(لولا أننا في مكان عام لكنت أطلعتك على المستوى الرفيع الذي تريد)
كان يستحق جائزة الصبر و الهدوء الأولى حين رد عليها دون أن يتحرك من مكانه و دون حتى أن يفقد ابتسامته
(هذا تحديدا أطالبك بالتحكم فيه)
عقدت حاجبيها بشدة و سألته بعدم فهم محتدة.

(ماذا تقصد؟، لقد بدأت أفقد أعصابي)
رفع فريد أصابعه أمام عينيها معددا
(أنا لا أقبل أن تقوم زوجتي بهذه الأمور علنا، تشتم، تضرب، تخلع حذاءها، تدور بالمواصلات العامة مرة بعد مرة دون هدف، )
ارتبكت ياسمين أكثر و قد احتقن وجهها خجلا و حرجا فسارعت بخفضه بينما قال هو متابعا
(أنا رجل يحب المحافظة على المظاهر، المظاهر المتحضرة و أن تكون زوجته أكثر منه محافظة عليها)
تمتمت ياسمين بصوت مكتوم و هي مخفضة وجهها أمامه.

(أوافق على هذا الشرط)
تنهد فريد قائلا برضا
(بقي شرط واحد)
رفعت ياسمين وجهها اليه و سألته بخوف و عدم راحة
(ما هو؟)
لدهشتها قست ملامح فريد قليلا و ظهرت في عينيه نظرة جادة أخافتها وهو يقول بجفاء
(أنا رجل لا يقبل المقارنة برجل آخر حتى ولو كان هذا الآخر مجرد صورة في خيالك، منذ بدأت علاقتنا لاحظت في عينيك نظرة بها استهانة بي...
استهانة كلما ذكرت رأيا عن رغبتي في أن تعمل زوجتي و تحقق هدفها في الحياة...

استهانة حين لا أشاركك في شتم زوج أختك أو حتى ضربه
استهانة و امتعاضا كلما تكلمت عن أي شيء يخص استقلال فكرك و شخصيتك...
و أدركت حينها أنك تبحثين عن نموذج من الرجال رسمته في خيالك منذ زمن. ذلك الذي يقوم بإلغاء شخصية زوجته بالكامل...

و أنا لست من هذا النوع من الرجال، لذا عليك تقبل هذا و ممنوع عليك منعا باتا محاولة مقارنتي بهذا النموذج في خيالك، و أنا أحذرك أنني لو لاحظت تلك النظرة في عينيك مجددا حينها ستكون هذه نهاية علاقتنا للأبد)
كانت كلماته صفعات قاسية، جعلت شفتيها ترتعشان وتلتويان ألما و حزنا...
تستحق هذه القسوة منه لأنه محقا، لقد قرأها بمنتهى الدقة و منذ فترة طويلة الا أنه كتم احساسه في نفسه...

قالت ياسمين بصوت مختنق و بعض الدموع تلمع في عينيها المتحجرتين
(أدركت هذا قبل أن تملي شرطك يا فريد و تعلمت درسي بأكثر الطرق إهانة، حتى أنك لم تكن في حاجة لأن تذكره، لقد أحببتك بالتدريج لأنك أريتني نموذجا آخر، بدأ يبدد تلك الصورة المراهقة في ذهني عن الرجولة)
صمتت قليلا و هي تشبك أصابعها فوق الطاولة شاعرة بإختناق مؤلم ثم تابعت تقول
(و أنا آسفة لأنني جرحتك بتلك الطريقة الحقيرة، الأمر فقط أنني).

عادت لتصمت ثم رفعت وجهها تنظر اليه و قد انسابت الدموع على وجهها بسكون فتابعت بتعب
(الأمر أنني خرجت من زواج بائس، ألغى أنوثتي و الإحساس بها كما يجب، زواج جعلني أشتاق للشعور بحماية رجل و اللجوء اليه، الشعور بغيرته و فورة دفاعه عني حين أحتاج، زواج شوه تفكيري بالكامل)
مال فريد للأمام و أمسك بكفيها المتشابكتين فوق الطاولة و قال بصوت خفيض
(نسيت اضافة بندا في شرط المستوى الرفيع، وهو الا تبكي علنا أبدا).

رفعت وجهها المبلل اليه و ابتسمت بعشق هامسة
(لكنني أريد البكاء أمامك)
داعبت أصابعه كفيها وهو يقول بصوت أجش
(فقط حين نكون في بيتنا فأتمكن من ضمك لصدري)
تورد وجهها بطريقة أجمل و بدت صورة حية فاتحة للشهية، بأنفها ووجنتيها الحمراوين بفعل النسيم البارد و الدموع البراقة الجارية عليهما، بينما شعرها يتطاير و خلفه الأراضي الزراعية الواسعة...

لم يتصور قبلا أن الجلوس مع امرأة باكية مكتنزة ترتدي سترته يمكن أن يكون بمثل هذا الجمال...
حين لاحظت ياسمين نظراته العميقة شعرت بالخجل فسحبت كفيها من بين يديه مما جعله يتركهما متنهدا...
أما هي فسألته بقلق و هي تمسح دموعها
(طالما أن هذا هو رأيك، اذن لماذا وضعت شرطك الأول عن منعي من العمل؟)
سألها فريد مبتسما ببراءة
(هل ضايقك مني؟)
أجابته بصدق تومىء برأسها
(جدا، ظننتك شخصا آخر احتلك و يتكلم بصوتك).

قال فريد ببطىء
(حين بدأت شرطي كان عن ترك عملك و تقديم استقالتك من جديد و هذا ما ستكونين مضطرة له. لأنني، سبق و قبلت عقد عمل بالخارج)
فغرت ياسمين فمها و هي تنظر اليه مصدومة، ثم همست بعدم تصديق
(س، ستسافر؟، متى؟)
تنهد فريد قائلا وهو ينظر الى الأراضي الواسعة الخضراء الممتدة
(في أسرع وقت، ولو وافقت ستكونين مضطرة للسفر معي بالتأكيد).

لم تصدق الصدمة الجديدة، فهزت رأسها محاولة استيعاب التغيير الجديد ثم سألته هامسة
(لكن، كان قبولك هذا قبل أن نعد لبعضنا، الا سبيل كي تغير رأيك الآن؟)
أجابها فريد بجدية.

(أنا الآن أكثر اصرارا عليه، ما حدث بيني و بين أمين يجعل من زواجي بك حرجا خاصة بعد ما حدث في الخطبة، أحتاج للسفر كي أحاول التعافي من هذا الموقف يا ياسمين، لو بقيت هنا سنجتمع سويا ثلاثتنا لا محالة بحكم الظروف العائلية، و أنا أحتاج لفترة طويلة كي أخلص نفسي من غضب هذه الذكرى)
همست ياسمين بعذاب.

(أقسم لك أنني لم أقع في حبه فعلا، كل أمرأة أو فتاة تشعر بإفتتان متسرع تجاه شخص ما يمر بها بسبب ظروف معينة عاشتها، مجرد افتتان يزول حين ترتبط بالحب الحقيقي، يجب عليكم كرجال أن تكونوا على علم بهذا الشيء)
رد فريد بجفاء
(نحن كرجال على علم به، لكننا لا نود السماع عنه)
أطرقت برأسها و قالت بقنوط
(آسفة، لن أتكلم عنه مجددا)
أخذ فريد نفسا عميقا وهو ينظر اليها غاضبا، الا أنه قال في النهاية بهدوء.

(عامة السبب في السفر كما أخبرتك هو تفادي الحرج الذي سيحدث من اجتماعاتنا العائلية لفترة، لأنني لو بقيت و رفضتها ستكون هذه قطيعة بيني و بين بيت عمي رحمه الله و هذا ما لا أريده أبدا، ثم أن عقد العمل محترم جدا و يعتبر نقلة لي)
همست ياسمين تسأله بقلق
(و ماذا عني؟)
رد عليها فريد بتركيز.

(ستقدمين استقالتك و نتزوج في أسرع وقت، لتسافرين معي و سنحاول البحث عن عمل محترم لك تحبينه و تجدين فيه نفسك الحقيقية، و حتى هذا الحين لن أجعلك تحتاجين لأي شيء، حتى بعد عملك ستظلين مسؤولة مني دائما، و هذا وعد مني عله يهدء خوفك و يمنحك بعض الشعور بالأمان)
ظلت مترددة و سألته بخفوت
(و ماذا عن أمي؟)
أجابها فريد مبتسما.

(أخبرتك أن ما تحتاجه سيصلها دون تأخير و بمناسبة أمك، هل تظنين أنني لو عدت اليها أطلب يدك بعد أن أنهيت الخطبة بهذا الشكل المفاجىء فهل تقبل بي؟)
هتفت ياسمين دون تفكير ساخرة
(أمي! بالله عليك لو جاء بائع الحليب صباحا طالبا يدي للزواج فستوافق أمي شاكرة)
رفع حاجبيه قائلا
(جيد اذن هذا هو الوقت المناسب كي أطلب يدك منها)
هتفت ياسمين ضاحكة.

(ماذا؟، الآن؟، لابد و أنك مجنون، فأمي و أختي و زوجها الغير محترم لا يستيقظون يوم العطلة الا في الحادية عشر، و بما أنهم في عطلة مستمرة فهذا معناه أنهم نائمون حاليا. )
قال فريد وهو ينادي النادل طالبا الحساب
(حين نصل سيكونون قد استيقظوا)
هزت ياسمين رأسها تضحك بذهول و قالت
(لما لا نضع خاتمي الخطوبة فقط، صدقني لن تمانع)
أجابها فريد قائلا
(أريد زيارتهم لسبب مهم).

أرادت أن تسأله عن هذا السبب لكنها الفضول الخجول جعلها تقول بحذر
(حين ذكرت أن لك شروطا، كنت أكيدة أن فقد الوزن سيكون أحدها إن لم يكن أولها)
ارتفع حاجبي فريد، وهو ينظر اليها نظرة غريبة ثم لم يلبث أن هز رأسه ضاحكا قبل أن يقول ببطىء مشددا على كل حرف.

(يجب أن تكوني واثقة من شيء واحد يا ياسمين، وهو أن وزنك الزائد و كلامك عنه يتطلب مني كل قدراتي على المقاومة كي لا أنظر الى بعض الأجزاء مقيما، لأنني لو فعلت فلن أكون مسؤولا عما سيحدث حينها، لأنك كتلة متحركة متمايلة من الأنوثة المفرطة اللينة ذات ال)
هتفت ياسمين بخجل و هي تنظر حولها بجنون
(اصمت، هل جننت؟).

صمت فريد مبتسما بينما ظل وجهها يحتقن أكثر و هي تنظر اليه شاعرة بدرجة حرارتها ترتفع فضحكت بجنون، مما جعله ينظر الى الأراضي الواسعة قائلا
(يجب أن نسرع في الزواج حقا)
ارتجفت بشدة و دلكت ذراعيها من فرط خجلها و سعادتها، فسألها فريد
(ألازلت تشعرين بالبرد؟، لم يتبقى لدي سوى القميص، لو أردته فسأخلعه حالا)
زادت ضحكاتها تألقا، خجلا و جذلا مجنونا، بينما كان هو يتأملها بإبتسامة عميقة و نظرة لا تقل جمالا...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة