قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الحادي والثلاثون

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الحادي والثلاثون

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الحادي والثلاثون

وقف أمين ينظر الى البعيد وهو يدس كفيه في جيبي بنطاله...
الدقائق تمر و هي لم تخرج...
عليه الإقرار بأن هذا هو ما كان يتوقعه منذ البداية، لكن شعوره بالإختناق و الذي يتضاعف كل ليلة جعله اليوم غير قادر على التحمل أكثر...
لذا وجد نفسه يقف أمام عملها عوضا عن الذهاب الى عمله...
لكنه لم يمتلك الجرأة على الإتصال بها، فأرسل الرسالة و ها هو ينتظرها بيأس...

حين بدأت الدقيقة العاشرة في المضي أسرع مما يظن، وجدها تخرج من بناية العمل، تضم جانبي كنزتها بكفيها و هي تنظر يمينا و يسارا قبل أن تستقر عيناها عليه...
وقفت ياسمين عن بعد تنظر اليه و ينظر اليها بلهفة، حتى تحركت و عبرت الطريق تجاهه...
وصلت اليه ثم وقفت بصمت منتظرة، حتى أخرج يديه من جيبي بنطاله، ثم بادر بالقول بصوت خافت
(لا أملك حتى القدرة على القاء التحية)
رفعت ياسمين كتفها و قالت بخفوت
(لماذا؟).

نظر الى وجهها بصمت وهو غير قادر على تحديد هوية سؤالها الخافت المختصر...
هل تسأله عن سبب عدم قدرته على الكلام؟..
أم أنها تسأله عن سبب ما فعله بها، و ايلامه لها بتلك الصورة...
كيف يخبرها في الحالتين أن القدر قد نال لها حقها منه على كسر خاطرها بتلك الطريقة...
قال أمين أخيرا بصوت خافت
(ياسمين، أنا آسف)
ردت عليه ببساطة دون تعبير معين
(سبق و قلت هذا في رسالتك)
لوح أمين بكفه قائلا بعصبية و توتر.

(انسي الرسالة الغبية، انسي كل ما قلته، فقد اتضح لي كم كنت مغفلا غبيا، أنا آسف لأنني أود استعادة تلك الكلمات، أنا آسف لأنني أود استعادة الألم الذي آلمته لك)
زادت ياسمين من تكتيف ذراعيها حول صدرها ثم سألته بخفوت
(لماذا جئت يا أمين؟، حتى الآن لا أظن أنني أفهم معنى كلامك تماما)
نظر اليها أمين طويلا، ثم أخذ نفسا عميقا و قال فجأة و بلا مقدمات
(هل تقبلين الزواج مني؟).

تسمرت ياسمين مكانها و فغرت شفتيها في أول انطباع بشري حقيقي ارتسم على وجهها منذ أن رأته...
و ظلت صامتة طويلا تتأكد مما نطق به بالفعل، ثم لم تلبث أن هزت رأسها تحاول أن تستجمع أفكارها قبل أن تواجهه قائلة بقوة
(هل عرضت على الزواج للتو؟، لأنه حسب معلوماتي فأنت المفترض أنك تقضي شهر العسل مع عروسك بالفعل، ابنة عمك التي اخترتها لأنها الأفضل لك)
أطرق أمين برأسه وهو يدس يديه في جيبيه، ثم قال بعد تردد.

(كل ما أستطيع قوله هو أننا انفصلنا قبل أن نرتبط بالفعل، نعم تزوجنا الا أننا اكتشفنا فشل تلك الزيجة و اتفقنا على الطلاق، المسألة مسألة وقت ليس الا، و سبب تعجلي في القدوم اليك هو الا تضيعي من بين يدي مجددا، لقد أدركت كم انت شخصية قوية، تحارب في اليوم ألف حافز يأمرها بالخضوع و الإستسلام، أنت تعجبيني يا ياسمين كما لم تعجبني امرأة من قبل).

كانت تنظر اليه بملامح غريبة لم يستطع تفسيرها، هل تظنه مجنونا أم مخادعا؟، هو نفسه لا يعرف الجواب...
الا انها سألته في النهاية قائلة بصوت حاد كالوتر المشدود
(هل تريد الزواج مني على أن أكون الزوجة الثانية؟، هل حقا هذا ما تريده؟)
مد أمين يده قائلا بقوة و انفعال.

(لن تكون هناك زوجة غيرك، أنا و هي انفصلنا قبل أن يتم زواجنا، زواجنا ما هو الا حبر على ورق و لقد اتفقنا على الطلاق قبل حتى أن آتي اليك، كنت بحاجة الى صفعة تفيقني، لكن صدقيني أنا لا زوجة لدي الآن)
ساد الصمت بينهما و هي تنظر اليه بدقة تحاول التحقق من صدقه أو كذبه، ثم نظرت بعيدا و هي تحاول التفكير مما منحه الأمل...

و انتظر، انتظر متضرعا أن تقبل، حينها سيستعيد كونه توازنه و سيعيد ترميم هذا القلب الذي سبق و كسره ببضع كلمات...
نظرت اليه ياسمين في النهاية بصمت، ثم قالت أخيرا بصوت جاد
(هل أخبرت زوجتك أنك تنوي الزواج مجددا؟)
رد عليها أمين بجدية
(أولا هي ليست زوجتي، لقد اتفقنا على الإنفصال، الا أنني لم أخبرها بعد بأمر زواجي، لأن الموضوع لا يخصها، حياة كلا منا منفصلة)
سألته ياسمين ببطىء ثقيل.

(هل تريد الزواج مني في السر؟، بالطبع لن تخبر عمك أنك تريد الزواج بأخرى غير ابنته التي لم يمضي اسبوع بعد على زواجها)
أجابها أمين مشددا على كل حرف
(بل سأتزوجك أمام العالم كله، و سيكون لك أكبر حفل زفاف، أنت هي من ستكون زوجتي فقط، و ليس هناك من هو قادر على معارضتي)
صمت للحظة ثم تابع بنبرة أكثر خفوتا
(هذا إن وافقت طبعا)
عضت ياسمين على جانب شفتها و هي تنظر اليه بدقة، ثم قالت أخيرا بهدوء.

(أنا في حاجة للتأكد من موافقة زوجتك على زواجك مجددا)
فتح فمه و قال بحدة
(هي ليست)
الا أنها قاطعته بنبرة أكثر تسلطا...
(هذا ما لا أفهمه، الشيء الوحيد الذي أفهمه هو وثقية زواج تحمل اسميكما و لم تحل بعد، لذا أريد التأكد بأنها تعرف بأمر زواجنا)
قال أمين بخفوت و تعب
(ما الذي تريدينه و أنا سأحققه لك)
ظلت ياسمين صامتة تفكر طويلا، ثم قالت أخيرا بهدوء.

(عد الى زوجتك، و أخبرها برغبتك في الزواج مجددا، و إن وافقت، سأنتظرك في بيتنا يوم الخميس الساعة الثامنة، كي تتقدم لطلب يدي رسميا)
رفع أمين حاجبيه و هتف بعدم تصديق
(الخميس، بهذه السرعة؟)
ضحكت ياسمين بسخرية و قالت
(هل ترددت و تشعر بأنك قد تسرعت؟، انت نفسك اتخذت قرارك في وقت قياسي)
رد أمين قائلا بقوة و تأكيد
(لم أتردد، اليوم سأخبرها، لكن هل تصدقين بأنني سأفعل دون أي ضمانات؟).

رفعت ياسمين وجهها و نظرت اليه عينيه لبرهة، ثم قالت أخيرا بهدوء و ثقة
(أعرف أنك لست كاذبا يا أمين)
تراجعت خطوة للخلف و تابعت تقول
(يوم الخميس سأنتظرك أنا و أسرتي، إن جئت سأعلم أنك أخبرت زوجتك)
ثم أولته ظهرها و ابتعدت عنه دون تحية أو سلام، فعبرت الطريق و دخلت الى بناية عملها دون أن تنظر ولو مرة للخلف...
ظل أمين واقفا مكانه ينظر الى اختفائها طويلا، شاعرا بشيء من الرضا، و كثير من الضيق...

عاد الى البيت مساءا، و جال بعينيه بحثا فيه الى أن وجدها تمسح الطاولات من بعض الغبار الذي لم يجد الفرصة كي يتجمع بعد...
فوقف يتأملها و هي منكبة على عملها، ثم قال بصوت فظ
(هل تظنين أنك بمسح الطاولات ستتقدمين؟)
لم ترد بدور، و لم تستدر اليه، بل تابعت عملها أسرع، فهدر أمين قائلا
(أنا أكلمك، انظري الي).

توقفت بدور و استقامت، ثم استدارت اليه ببطىء و هي تتجنب النظر الى عينيه و على الرغم من ذلك استطاع أن يرى التورم في عينيها، من الواضح أنها قد أمضت اليوم بأكمله في البكاء...
قال أمين ببرود مستنكرا
(ما هذا الذي تفعلينه بالضبط؟)
ردت بدور دون أن تنظر اليه
(أسلي نفسي، بما أنك رفضت ذهابي الى الجامعة)
اقترب أمين منها ثم قال بحدة.

(أنت لست هنا لتسلية نفسك، أنت هنا لغرض واحد فقط، تعرفينه خيرا عني، لذا كوني ممتنة لهذا و توقفي عن تمثيل دور ساندريلا المسكينة، لأن الدور لا يليق بك)
رفعت بدور عينيها المحتقنتين لتنظر الى عينيه، ثم قالت بصوت مختنق
(هلا أعدت نظر في موضوع ذهابي الى الجامعة أرجوك)
ظل أمين ينظر اليها ثم قال أخيرا ببطىء واضح المعنى
(أنا لا أثق بك)
لعقت بدور شفتها و هي تنظر ارضا بنفس مختنق متحشرج، و سألته بصوت متهدج.

(ما الذي يمكنني فعله و أنا على ذمتك يا أمين؟، أنا لست فاجرة أو عاهرة، و يوم حملت اسمك اقسمت على حفظه بحياتي)
سألها أمين ببساطة قائلا
(هل تريدين مني تصديقك؟، بأي حق؟، لقد تزوجت مني بالخداع و التدليس، أتعرفين أنه يمكنني مقاضاتك أنت و عائلتك مدعيا أن أعقد زواجنا باطل!)
أغمضت بدور بعينيها و هي تقبض كفها امام وجهها هامسة بتوسل
(يا أمين افهمني، أنا)
همس من بين أسنانه
(هششششششش).

فتحت عينيها تنظر اليه فوجدته ينظر خلفها مما جعلها تلتفت لترى حماتها تخرج من غرفتها ثم قالت مبتسمة
(هل عدت يا أمين؟)
اقترب منها أمين و قبل رأسها قائلا بصوت هادىء
(مرحبا أمي)
ربتت أمه على ذراعه قائلة بحنان
(أهلا يا حبيب أمك، اذهب لتبدل ملابسك و أنا سأحضر لكما الطعام، فبدور لم تضع في فمهالالقمة منذ الصباح، كانت تنتظرك)
سارعت بدور تقول بخفوت
(أنا سأحضر الطعام يا خالتي، ارتاحي انت).

الا أن أمين قاطعها قائلا بصرامة
(لا، بل الحقيني الى الغرفة، فأنا أريدك)
ثم دخل الى الغرفة دون أن ينتظر منها ردا، فسارعت أمه تمسك بذراعها هامسة
(اذهبي خلف زوجك، هيا بسرعة، و أنا سأحضر لكما الطعام و لن أطرق الباب عليكما)
نظرت بدور الى حماتها بقلق فحثتها بقوة
(هيا، اذهبي)
تحركت بدور تجر قدميها حتى دخلت من باب غرفتهما، فوجدته ينظر من النافذة يوليها ظهره، ثم قال بنبرة آمرة دون أن يستدير اليها
(أغلقي الباب).

أغلقت بدور الباب ثم استدارت اليه بقلب خافق و قالت بخفوت
(لقد جهزت لك كل أقمصتك، معلقة و مرتبة لأيام الاسبوع)
لم يرد أمين عليها بل ظل ينظر من النافذة ثم قال فجأة و دون مقدمات
(أنا سأتزوج)
رمشت بدور بعينيها عدة مرات و فغرت فمها كأنها لم تسمع ما قاله للتو، ثم قالت ما أن وجدت صوتها
(عفوا! ماذا قلت؟)
أجابها أمين بصوت جاد صلب
(سأتزوج).

فغرت شفتيها المرتجفتين و قد شحب وجهها و شعرت بنفسها على وشك السقوط أرضا الا أنها همست برعب
(أتقصد، أتقصد أنك ستتزوج من أخرى؟)
استدار أمين ينظر اليها ساخرا ثم قال بإستهانة
(بالتأكيد لا أقصد الزواج منك مجددا، مرة واحدة تكفيني كي أتعلم الدرس العمر كله)
شهقت بدور بصمت ثم هتفت باسى
(مستحيل، مستحيل أن تكون قد اتخذت قرارك بمثل هذه السرعة! لم يكد يمر على زواجنا اسبوع!)
رفع أمين حاجبه و سألها ببساطة.

(اذهبي الى عائلتك و بثي لهم شكواك ضد الوغد الجبان الذي تزوجت منه، حينها سأكون محظوظا إن طالبوني بتطليقك، و هذا أفضل حل للجميع)
أغمضت بدور عينيها للحظة ثم فتحتهما و هي تقول بتضرع مقتربة منه ببطىء
(اسمعني يا امين، أنت غاضب و لك كل الحق في أن تكون غاضبا و أكثر، لكن لا تتخذ قرارا متهورا بناءا على غضبك، ستظلم نفسك و تظلم أمرأة أخرى).

ضحك أمين بخشونة وهو ينظر اليها كمن ينظر الى حية سامة ثم قال من بين أسنانه
(الظلم الوحيد الذي ظلمته لنفسي هو زواجي منك، أما المرأة التي أنوي الزواج منها فهي تساوي آلاف من عينتك)
صدر صوت متحشرج من حلقها و هي تتراجع للخلف خطوة، و هتفت باختناق
(لا تفعل يا أمين أرجوك)
الا أنه قاطعها بصرامة قائلا.

(أنا لا أخبرك بالأمر كي اطلب منك الإذن، أنا أخبرك لتكوني على علم به فقط لا غير و إن أردت الخروج من البيت الى بيت أهلك فافعلي أرجوك)
اطرقت بدور بوجهها و هي تشهق باكية بقوة، فنظر اليها طويلا ليقول بصوت مزدري.

(كم أنت وقحة! تستنكرين رغبتي في الزواج من أخرى بينما لم تجدي حرجا من الزواج بي عن طريق الخداع و التدليس دون أن تمتلكي ذرة احترام، تجعلك تخبريني بأنك سبق و كنت ملكا لرجل آخر في الخفاء ضاربة بكل عرف عرض الحائط)
رفعت بدور كفيها لتغطي بهما وجهها و هي تبكي بخفوت مختنق، أما هو فقال بصوت قاتم
(يوم الخميس القادم سأذهب الى بيتها و أطلبها رسميا للزواج)
رفعت وجهها المبلل المحمر تنظر اليه بذهول، ثم هتفت بصدمة.

(لكن، من تكون؟)
أجابها أمين بفظاظة
(هويتها لا تخصك، لا يخصك سوى العلم بالشيء فقط)
لعقت بدور الدموع عن شفتيها المرتعشتين ثم همست بصوت مرتجف
(و ماذا، ماذا عني؟، هل ستحضر زوجتك للسكن معنا هنا؟)
أجابها أمين قائلا بجفاء
(وجودك هنا مؤقت، لذا المسألة مسألة وقت ليست أكثر قبل أن تغادري هذا البيت للأبد).

ثم ابتعد عنها وهو يتجاوزها حتى خرج من الغرفة، فألقت بنفسها على السرير تدفن وجهها بين الأغطية لتبكي بعنف و قوة، لا نهاية لدموعها مطلقا...

يوم الخميس، الساعة الثامنة مساءا...
واقفا أمام باب بيتها وهو يحاول استجماع أعصابه، حاملا بين ذراعيه باقة ضخمة من الورود الجميلة الحمراء، كان هناك شيء بداخله لا يزال مترددا، و شيء آخر متشوق لإتمام تلك الزيجة...
مد يده ليضغط جرس الباب ثم وقف بتوتر منتظرا...

حتى فتح الباب و اطلت منه شابة بسيطة الملامح، بطنها منتفخة على أقصى درجاتها، تبدو وكأنها على وشك الولادة في اي لحظة، هذا إن لم تكن قد تجاوزت موعدها بالفعل...
فتحت الشابة فمها و قالت مستفهمة
(نعم!)
أخذ أمين نفسا مهتزا ثم قال بإرتباك
(أنا هنا بخصوص ياسمين، اقصد السيدة ياسمين)
رمقته الشابة بتفحص، ثم سألته
(هل أتيت لأجل الخطوبة؟).

شعر أمين بالدهشة البالغة، فقد كانت صادقة تماما و قد أعدت البيت، حتى أهلها على علم بحضوره...
لقد وثقت بكلمته و انتظرته...
فابتسم و أجابها بإختصار
(نعم)
حينها فتحت الباب و هي تقول بترحيب
(أهلا وسهلا، تفضل بالدخول)
سلمها أمين باقة الورود فوضعتها مبتسمة بجوار الباب، ثم قادته للداخل و هي تسأله
(هل أنت زميل ياسمين في العمل؟).

فتح أمين فمه ليجيبها بالنفي، الا أن الصورة التي رآها في الداخل سمرته مكانه و أوقفت الكلمات في حلقه...
بدا و كأنه ينظر الى حلم غير مترابط من مجموعة من التخاريف...
فأمامه مباشرة كرسيين متجاورين من المذهب المزخرف، تجلس ياسمين على احدهما و هي تبدو غاية في الجمال بفستان بسيط بلون السكر، تماثله وردتين تجمع بهما شعرها بطريقة فوضوية رقيقة...

زينتها تجعلها وردية جذابة، تنظر جانبا الى من يجلس بجوارها على الكرسي الآخر...
و قد كان...
فريد غانم الرافعي...
مرتديا حلة سوداء أنيقة ورابطة عنق بلون السكر أيضا وهو يبادلها النظر بعينين ممتلئتين عشقا و هياما...
في الكراسي الأخرى تجلس سوار بفخامتها و عبائتها الحريرية واضعة ساقا فوق أخرى و هي تنظر اليهما مبتسمة و بجوارها زوجها، ليث الهلالي...

هز أمين رأسه كي يفيق من هذا الحلم الغير مفهوم، حينها التفت فريد و أبصره...
فهتف بدهشة بالغة
(أمين!)
استدار وجه ياسمين لتنظر الى أمين مباشرة بإبتسامة جذابة أنيقة، عينها بعمق عينيه...
أما فريد فقد نهض من مكانه مندفعا وهو يتجه اليه ليقول بدهشة و سرور
(كيف عرفت بأمر الخطوبة؟، لقد قررنا أن تكون ضيقة حتى موعد عقد القران، حينها كنا سنخبر أعمامك)
نظر أمين اليه مبتسما ابتسامة باهتة متعبة، ثم قال بخفوت.

(عرفت من، نورا، فرأيت أنه من الواجب أن آتي بنفسي لأهنئكما)
ثم مد يده ليصافح فريد قائلا بصدق
(تبدو شديد الوسامة يا ابن الحاج غانم، مبارك يا صديقي)
عانقه فريد بقوة وهو يقول بصدق مماثل
(على الرغم من أنني لم أستطع السفر لحضور زفافك، الا أنك تثبت بأنك أكرم مني و تأتي لتهنئتي و أنت لا تزال عريسا في شهر العسل)
نظر امين الى ياسمين التي كانت تجلس بكبرياء عروس و هي مبتسمة ابتسامة واثقة راضية...

فأبعد عينيه عنها بالقوة وهو ينظر الى فريد الذي قال متابعا
(لكنني كنت أعتزم زيارتك في البيت لتهنئتك أنت و بدور بعد أن تشبعا من شهر العسل، و سأحضر ياسمين معي، مبارك لك يا ابن الحاج راشد)
عانقه أمين مجددا بقوة، ثم ابتعد و نظر الى ياسمين قائلا بهمهمة خافتة
(مبارك لك)
أجابته ياسمين بطريقة متعجرفة قليلا
(بارك الله فيك، و مبارك لك أنت أيضا يا عريس، بصراحة موعد الخطوبة كان محددا منذ فترة طويلة. ).

شعر أمين و كأنها قد صفعته على الملأ...
فأبعد وجهه عنها ونظر الى سوار التي شعر بأنها تبادله النظر بحدة، ثم اخفضت وجهها بسرعة مرتبكة...
مما جعله يعقد حاجبيه بشدة و شيء ما يثقل على صدره بعنف...
فسارع بالقول بخشونة
(أنا مضطر للمغادرة الآن)
هتف فريد بقوة
(لا يمكنك الذهاب بهذه السرعة)
الا أن أمين قال وهو يفك زر قميصه العلوي و يخفف من شدة ربطة العنق قليلا.

(أتيت لأهنئك فقط، أما الإحتفال الحقيقي سيكون يوم زفافك ان شاء الله)
ابتعد بسرعة قبل ان يجعل من نفسه أضحوكة أكثر، لكنه لم يستطع الا أن ينظر لسوار نظرة أخيرة، فوجدها تراقبه مجددا، و حين ضبطها للمرة الثانية، ارتبكت و قالت بحرج
(كيف حالك يا أمين؟)
لم يجبها على الفور وهو ينظر اليها بطريقة غريبة، ثم أومأ اليها دون رد و اسرع في الإنصراف و كأن الشياطين تلاحقه...

ظلت ياسمين تنظر الى خروجه و على فمها تلك الإبتسامة الباردة و التي لم تصل الى عينيها...
لكنها التفتت ما أن عاد فريد ليجلس بجوارها وهو يقول سعيدا
(أمين هو الأقرب لي من أبناء أعمامي، و أكثرهم رجولة و اخلاصا)
لم ترد ياسمين، بينما قالت امها فجأة و هي تكسر الصمت المنتشر
(أظن الوقت قد حان لتلبس العروس شبكتها يا عريس).

التفت فريد الى سوار التي فتحت له علبة مربعة حمراء، فتناول منها الحلقة الذهبية ليلبسها لها و أتبعها بمحبس من الألماس، تلاه خاتم مناسب، جعلت الشبكة عيني أختها و زوجها تدوران في محجريهما...
أما ياسمين فنظرت الى الخاتمين بيدها مبتسمة، ثم التفتت الى فريد قائلة بخفوت
(تبدو غاية في الروعة و الجمال يا فريد، ذوقك لا يمكن وصفه)
ابتسم وهو ينظر الى عينيها قائلا برقة.

(بالطبع، يكفي أنني اخترتك، الفترة الماضية كانت من أجمل فترات حياتي حين قبلت أن نتقارب أكثر، الى أن عطفت على بالقبول أخيرا)
أخفضت وجهها و قد تورد قليلا، أما سوار فقد بدأت تزغد مع أم ياسمين ثم نهضت من مكانها و سحبت فريد من مكانه لتعانقه بشدة و هي تهمس بصوت متحشرج مختنق
(مبارك يا حبيبي، جعلها الله زيجة العمر يا حبيب اختك).

بعد التهنئات نهضت ياسمين من مكانها تعاون امها و اختها في تحضير المائدة البسيطة التي اعددنها، و لحقت بهم سوار...
حينها نهض عادل زوج اختها و اتجه الى فريد الذي قام من مكانه تلقائيا فصافحه مهنئا بنبرة مطاطة غير مريحة
(مبارك يا عريس، ولو أننا لنا حق عرب عندك لكن المسامح كريم)
عقد فريد حاجبيه و سأله بهدوء وهو يضع احدى يديه في جيب بنطاله
(الحق مردود، لكن هل لي أن أعرف السبب أولا).

نظر عادل الى النساء و قد ابتعدن، ثم عاد و التفت الى فريد قائلا بصوت مقيت
(يا رجل! كان عليك أن تدخل البيت من بابه منذ البداية، عوضا عن المقابلات و الإتصالات الهامسة ليلا و التي لا تليق بعائلة محترمة، لكن طالما أنك أسرعت و تقدمت لخطبتها، فالمسامح كريم، و عفا الله عما سلف)
تصلبت ملامح فريد وهو ينظر اليه بعينين جامدتين، ثم نظر الى ياسمين التي تقف عن بعد ناظرة اليهما بقلق
و تقابلت أعينهما، في سؤال حاد...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة