قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثاني

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثاني

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثاني

مضت ساعات طويلة لم يستطع خلالها مخاطبة تيماء بكلمة واحدة حتى...
فقد كانت ثريا تقف بينهما بإستمرار و عناد، حتى أوشك على أن يفقد اعصابه أكثر من مرة...
وجود ثريا معهما في البيت لا يخدم مخططه مطلقا، وهو يحتاج الى كل دقيقة...
بل يحتاج الى كل ثانية في حالة حملها...
سار قاصي على أطراف أصابعه في الرواق الضيق بعد دخول ثريا الى غرفة النوم منذ فترة...

و حدثه قلبه بأنها قد نامت أخيرا، أما تيماء فدخلت الى الحمام منذ فترة طويلة كذلك...
حاول انتظراها لكن حين طال بها الوقت في الحمام، خاف أن تقفز بينهما ثريا مجددا و تضيع اللحظات الثمينة...
وصل الى باب الحمام فطرقه برفق هامسا
(تيماء، هل أنت بخير؟)
ردت عليه من الداخل قائلة
(انا بخير، دقائق و أخرج)
انتظر قاصي امام الباب للحظات ثم عاد يطرقه برفق و اصرار اكبر
(تيماء)
سمع صوت تأففها، ثم هتفت بحنق.

(قلت دقائق و أخرج، الا يمكنك الإنتظار لدقائق؟)
ابتسم قاصي و رد بإلحاح
(لا، لا يمكنني، هلا فتحت الباب من فضلك)
تذمرت تيماء و اخذت تشتم بصوت خفيض الى ان فتحت الباب فجأة بانفعال و هي تهتف بحدة
(ماذا. ماذا. لقد سبق و دخلت الحمام قبلي، الا يمكنني الحصول على بعض الخصوصية اطلاقا؟)
لم يرد قاصي على كلماتها المنفعلة نافذة الصبر، لأنه كان منشغلا بالنظر اليها...

فقد كان نصف شعرها مقسما الى خصلات رفيعة، قامت ببرم كلا منها، ثم لفتها على احدى ممصات العصير!
لذا كانت نصف رأسها ممتلئة بممصات العصير المثنية، أما النصف الآخر من شعرها فمنفجر حرفيا في هالة مشعثة...
ابتسم قاصي ببريق مذهل وهو يقول بتسلية و ذكرى قديمة
(ممصات العصير! الا زلت تقومين بلف خصلات شعرك عليها؟)
شعرت تيماء بالحرج و هي ترفع يدها لتلامس بها القسم الممتلىء بممصات العصير من رأسها...

تبا لهذا، منظرها كمن وقفت أمام مقلبا للنفايات في يوم عاصف...
قال قاصي بنفس النبرة الغريبة
(أنت تزينين نفسك لي!)
عقدت تيماء حاجبيها بشدة و هي تهتف بحرج بالغ وة حنق
(ماذا؟، بالطبع لا، إنما هو خيالك الجامح ما يصور لك أنني قد أقف أمام المرآة لساعات كي أزين نفسي لجنابك)
الا أن قاصي لم يقتنع، بل برقت عيناه اكثر وهو يجيبها بثقة
(بلى، أنت تفعلين هذا لأجلي، أنت لا تلفين خصلات شعرك على ممصات الا لي أنا فقط).

زمت تيماء شفتيها بغيظ و قالت بحدة
(ابتعد عن طريقي، أنا لن أقف هنا كي تستفزني أكثر)
لكن و عوضا عن امتثاله لأوامرها، تقدم اليها فتراجعت للداخل وهو يلحق بها الى أن دخل معها ثم أغلق الباب خلفه، فقالت تيماء بحدة
(افتح الباب يا قاصي، قد تستيقظ أمي و تود الدخول الى الحمام، فكيف سيكون منظرنا أمامها؟)
رد قاصي بثقة رافعا حاجبه
(لست أهتم للحظة بما تظنه ثريا).

لمعت عيناها أكثر و حاولت تجاوزه، الا أنه كان يعرقل طريقها ضاحكا، الى أن توقفت و زفرت بعنف هاتفة
(توقف يا قاصي و دعني أخرج من هنا)
لكنه لم يرضخ مجددا، بل أمسك كتفيها بكفين قويتين، ينظر الى عينيها اللتين رفعتهما لتبادله النظر...
واسعتين كبيرتين، شديدتي الجمال...
لديه استعداد كامل للغرق بهما، الا أنه ادارها حتى نظرت الى المرآة ووقف خلفها ينظر الى عينيها مجددا عبر هذا الحاجز الزجاجي...

ثم التقط خصلة رفيعة من شعرها، اخذ يمشطها بعناية حتى أصبحت لامعة، فقام ببرمها بمهارة أكبر، و انحنى فوق كتفها ليلتقط احدى الماصات الموضوعة على رف المغسلة...
فلف الخصلة المبرومة حولها، ثم ثناها و ربطها برباط مطاطي...
و بعد أن أنجز أول واحدة بإتقان عاود النظر الى عينيها و قال بصوته الأجش الخافت...
(أتتذكرين تلك المرة حين كنت تلفين شعرك بنفس الطريقة كي أراك جميلة؟)
عبست تيماء بشدة و ردت بفظاظة.

(لا، لا أتذكر)
لكنها كانت تتذكر جيدا...
كانت في الخامسة عشر، مولعة به وهو لا يراها سوى مسؤولية متعبة ملقاة على عاتقه و يحاول تجنب التواصل معها أكثر من اللازم...
و كان من المقرر أن يأتي لزيارتهما كي ينجز لهما شيء ما...
لا تزال تتذكر كم من الوقت أمضته في غرفتها و هي تحاول اتمام هذه العملية في شعرها الا أنها فشلت تماما...

ووصل قاصي مبكرا عن موعده بساعتين، ففتحت له ثريا الباب، و طال الكلام بينهما، قبل أنة يسألها بصوت مرتبك. ملهوف قليلا
أين تيماء؟، اليست هنا؟، ضحكت ثريا و مالت اليه لتهمس سرا بطريقة مداعبة
انها في الحمام، تحاول تجعيد شعرها بطريقة منتظمة، كي تراها جميلة، لكن لا تخبرها أنني قلت هذا، ابتسم قاصي دون أن يرد، بينما لمع شيء ما في عينيه، الا أنه خبا سريعا...
ثم قال بصوت خفيض.

أنا سأغادر، كنت أتمنى أن أرها، نهضت ثريا من مكانها و هي تقول ضاحكة
سأجعلك تراها، إنها تبدو في حالة يرثى لها، و لا أعلم لماذا ترفض الذهاب الى مصفف شعر أسهل من هذا، أشارت الى قاصي و همست له
تعال معي، بدا قاصي مترددا، الا أنه لم يقاوم الرغبة في داخله كي يتبعها، الى أن وصلا اليها و نظرت ثريا اليها أولا، و تأكدت بأنها محتشمة و لم تقم بإحدى حركاتها الغبية.

بل كانت كانت تضع في اذنيها سماعتين و تبدو بعيدة عنهما تماما، متبرمة و غاضبة و تحارب مع خصلات شعرها البرية...
و هناك الكثير من ماصات العصير مغروسة بين تلك الخصلات بفشل ذريع...
ضحكت ثريا عاليا، أما قاصي، فلم يضحك، بل كان ينظر اليها بنظرة لم تنساها أبدا حتى اليوم...

فقد رأتها حين حانت منها التفاتة الى الباب المفتوح فرأتهما يراقبانها، فصرخت عاليا و هي تحاول أن تغطي شعرها بكفيها، بينما ضحكت ثريا أكثر و منعتها من غلق الباب...
أما تيماء فنزعت السماعات من أذنيها و هي تصرخ باكية
لماذا تفعلين هذا بي يا أمي؟، أبتعدا من هنا، قالت ثريا باستسلام ماكر و هي ترفع كفيها
أتى قاصي مبكرا بساعتين و أراد أن يراك، و أنت تفعلين كل هذا كي يراك جميلة.

احتقن وجه تيماء بشدة و لم تساعدها سنوات عمرها على التغلب على الحرج الفظيع الذي شعرت به...
فصرخت بعنف منكرة
لا، هذا ليس صحيحا، قالت ثريا مؤكدة
بلى صحيح، لم تدري تيماء كيف تتصرف، فانفجرت في البكاء فجأة بعنف و هي تتمنى لو تنشق الأرض و تبتلعها...
تأففت ثريا حينها و قالت بملل.

يالك من كئيبة! لا تقبلين بعض المزاح، أوووف، أنا سأعد الشاي لقاصي بنفسي، فأنا لا أطيق نوبات سن المراهقة تلك، اذهب لتجلس يا قاصي و دعك منها.
ثم ابتعدت، الا أن قاصي لم يبتعد، بل ظل واقفا ينظر الى تيماء التي وقفت مكانها مغطية وجهها بكفيها باكية بقوة...
ثم اقترب منها وهو يضع يديه في جيبي بنطاله الجينز و قال بلامبالاة...

أعرف تلك الطريقة في تجعيد الشعر، إنها جميلة، الا أنك تقومين بها بشكل خاطىء، رفعت تيماء وجهها الأحمر المحتقن لتنظر اليه، ثم قالت بإختناق
و من أين لك أن تعرفها؟، هز قاصي كتفيه و قال ببساطة
لدي العديد من الصديقات، نظرت اليه تيماء بنظرة طفولية، تحمل غيرة امرأة حقيقية جعلت صدره يزهو بسعادة غريبة عليه جدا.
فهو يعلم أنها بحكم عمرها قد بدأت تنجذب اليه كأول شاب يمر في حياتها، لكنه كان يتعامل معها كطفلة...

إنها المرة الأولى التي يشعر فيها بهذا الرضا...
قالت تيماء أخيرا بنبرة قاتلة و كأنها تحادث قطا يأكل سمكا عفنا
من المؤكد أن صديقاتك يصففن شعورهن لدى مصففي الشعر، عقد قاصي حاجبيه مفكرا بعفوية وهو يرد
ليس بالضرورة، أعرف من تجعد شعرها بتلك الطريقة، عضت تيماء على شفتها الطفولية بنظرة يأس حزينة بينما ارتفعت أصابعها كي تزيل ما أفسدته من شعرها.
الا أنه توقف خلفها لترى صورته في المرآة فجأة، ثم قال ببساطة.

ابقي ساكنة، سأساعدك، لكن أخبريني أولا عن طريقة فعلها، نظرت تيماء الى عينيه عبر المرآة و قالت بدهشة
ألم تقل أنك تعرفها؟، أجابها مؤكدا
نعم أعرفها لكن أحتاج الى تذكير فقط لا غير، حينها بدأت تيماء تشرح له الفيديو الذي شاهدته خطوة خطوة، بينما قاصي يتفاعل مع خصلات شعرها بسرعة و مهارة، ثم قال و هو منشغلا بما يفعل.

عليك تسريح خصلة شعرك تماما حتى تلمع، ثم قومي ببرمها جيدا كي لا تفلت من الماصة. كما فعلت، لا تزال تتذكر حالتها الصامتة المشدوهة و هي تنظر اليه عبر المرآة بينما هو عاقدا حاجبيه بتركيز، مهتما تماما بما يفعل...
و ما أن انتهى حتى نظر الى عينيها و ابتسم قائلا
ها قد انتهينا، لم تجيبه لبضعة لحظات، ثم قالت بقنوط طفولي
أبدو حمقاء الشكل جدا، كالمكنسة، قال قاصي بجدية مؤكدا.

ليست هذه النتيجة التي ننتظرها، سترين بنفسك كيف سيكون شكلك ما أن تنزعي الماصات من شعرك بعد أربع ساعات، نظر الى عينيها و ابتسم قائلا
هيا ابتسمي الآن، حينها لم تجد بدا من الإبتسام و قد زال الحرج عنها تماما...
و من ذكرياتها التي لن تنساها مطلقا، حين وقعت عيناه عليها لأول مرة بعد أن أتقنت لف شعرها...
حيث وقف أمامها مبهورا، فاغرا فمه قليلا، بينما عيناه تجولان على تلك الخصلات النحاسية اللولبية...

أفاقت تيماء من شرودها على صوت قاصي وهو يقول بسعادة
(ها قد انتهيت)
نظرت الى صورتهما في المرآة، فوجدت أنه قد أنهى لف شعرها بكامله، و يقف خلفها مبتسما وهو ينظر الى عينيها بشوق عابث...
ثم سألها بصوته الأجش
(كم حركت رجولتي بطفولتك! أردت أن أعانقك و أقبلك، و في بعض الاحيان تركت لخيالي العنان لبضع دقائق قبل أن أنتفض لاعنا نفسي بكل لعنة لك أن تتخيليها).

ابتلعت ريقها و هي غير قادرة على الرد تماما، بينما تابع قاصي بصوت ثقيل متباطىء وهو يحني رأسه اليها
(و ها أنت تفعلينها مجددا بعد كل هذه السنوات)
همست تيماء بإختناق
(أفعل ماذا؟)
همس و شفتاه تلامسان عنقها الغض...
(تبدين جميلة لأجلي)
ردت تيماء بإعتراض متحشرج
(أنا أبدو جميلة لأجل نفسي)
الا أنه قاطعها آمرا بفظاظة هامسا
(هشششش، اخرسي يا تيماء).

ثم أدارها اليه وهو يغيب معها في عالم أبعد من حدود الجدران الضيقة التي تحيط بهما...
و على الرغم من منامنتها الذكورية المخططة الحمقاء التي ترتديها و شعرها المكبل بماصات العصير...
الا أنها شعرت بنفسها أجمل امرأة و أكثرهن جاذبية و إغراء...
و أخبره قلبها تحت كف يده بما تشعر بكل وضوح، فلم تجد مكانا للإنكار...

(ماذا؟، متى؟، و لماذا لم تخبرني مسبقا؟)
رد قاصي ببساطة وهو يخرج اللفافات التي أحضرها من المبرد
(ها أنا أخبرك، اختك و زوجها و ابنة عمك و زوجها، مدعووين على الغذاء لدينا اليوم)
فغرت تيماء فمها بذهول و هي تنظر اليه وهو يربط ميدعة المطبخ ذات الرسوم الكارتونية حول خصره، ليبدأ العمل...
فهزت رأسها قليلا قبل أن تهتف بغضب
(لكن لماذا؟، ما سر هذه الزيارة؟)
قال قاصي بصبر دون أن ينظر اليها.

(لم يأتي أحد ليهنئنا بالزواج في شقتنا من قبل، و فكرت أن هذه هي الفرصة المناسبة كي يتم ذلك)
كانت تيماء تنظر اليه بعينين واسعتين و قد أوشت القرون على أن تنبت لها في رأسها و هي تسمع بساطته في الكلام...
هتفت ما أن وجدت صوتها
(أي تهنئة يا مجنون؟، نحن متزوجان منذ عام، و قد حملت وولدت و فقدت طفلي)
رد قاصي عليها بنفس البساطة و العفوية...

(اذن هي زيارة للمواساة، اختلفت المسميات، لكن الزيارة قائمة، و الآن توقفي عن الكلام و تعالي لتساعديني فالوقت لن يسعفنا)
هتفت به تيماء بغضب ناري
(الآن تفكر بأن الوقت لن يسعفنا؟، أي أحمق أنت!)
قال قاصي بنبرته المستفزة
(أضيعي المزيد من الوقت أضيعي)
رفعت تيماء كفيها الى جانبي جبهتها و هي تنظر حولها غير قادرة على التفكير السوي...
ثم أسرعت الخطى داخل المطبخ و هي تعلن حالة الطواريء بصرامة.

(أخرج علبة البيض و اكسر اثنتي عشر بيضة في طبق، بسررررررررعة)
رفع قاصي كفه في تحية عسكرية وهو يقول بجدية
(تحت أمرك يا قصيرة)
ضربته بقوة في منتصف ظهره وهو يبتعد عنها فتأوه وهو يحك مكان الضربة الا انه لم يتوقف...
بل أخرج البيض كي يستطيعا انجاز العمل...

و ما أن وقف بجوارها حتى تلامس ساعداهما، فابتعدت عنه قليلا، الا أنه اقترب منها أكثر، فرفعت وجهها تنظر اليه عاقدة حاجبيها، لكنها ارتجفت من ابتسامته العابثة ذات الجاذبية اللعينة...
(ما الذي يحدث هنا؟)
قاطع تواصلهما هذا الصوت الأنثوي الفظ، فسارعت تيماء للإبتعاد عن قاصي و هي تنظر الى ثريا التي
وقفت أمام باب المطبخ ناظرة اليهما بنظرة سوداوية...
ردت تيماء بنبرة مرتبكة.

(نحن نعد طعام الغذاء يا أمي، لأن، لأن لدينا مدعويين اليوم)
ارتفع حاجبي ثريا و سألت بدهشة
(مدعوون؟، من؟)
أطرقت تيماء بوجهها، ثم قالت بصوت خافت
(أختي و زوجها، و ابنة عمي و زوجها)
انعقد حاجبي ثريا بشدة و هي تهتف بغضب
(ابنة زوجة أبيك؟، تدعين ابنة زوجة أبيك و أنا هنا؟، المرأة التي أصرت على طلاقي من والدك و خربت بيتي؟)
ردت تيماء بفتور.

(رحمها الله يا أمي، استردها من خلقها و لا تجوز عليها سوى الرحمة، لكن مسك تظل أختي)
هتفت ثريا بأسى و هي تشير الى وجهها قائلة...
(انظري الى وجههي، لم يشفى من كدماته بعد! أتريدين لأختك أن تراني بهذا الشكل فتشمت بي؟)
رفعت تيماء وجهها تنظر الى أمها ثم قالت بجدية.

(آخر اهتمامات مسك في الحياة هو ما حدث لك يا أمي، لذا دعيها و شأنها رجاءا، ثم أنني لم أكن أنا من دعوتهم، قاصي فعل و إنتهى الأمر، لذا علينا التصرف حتى يمر اليوم بسلام)
هتفت ثريا بغضب
(الآن فهمت، طبعا قاصي، و من غيره! إنه الوحيد الذي يريد للجميع بأن يرونني بهذا الشكل، و أنت تساعدينه)
التفت اليها قاصي فجأة بملامح مخيفة و اقترب منها ببطىء بينما هي تتراجع الى ان خرجت من المطبخ خوفا، فقال بحدة.

(اسمعيني جيدا، ليس لدينا الوقت كي نتحمل تذمرك الصباحي الكئيب، أنا اريد لهذا اليوم أن يمر سعيدا، و أنت العقبة الوحيدة في سبيل تحقيق هذا، لذا من الأفضل لك أن تشغلي نفسك بطلاء أظافر قدميك، سيكون أكثر افادة لك)
لعقت ثريا شفتها المتحجرة و هي ترى قاصي في هذه الصورة الغير مرنة، فقالت بصوت ضعيف مستاء
(تيماء، أريد قهوتي الصباحية من فضلك)
لكن و قبل أن ترد تيماء، تطوع قاصي قائلا بصوت أكثر صرامة و حدة.

(تيماء ليست خادمة لك، فلتعدي قهوتك بنفسك، و لن يتم هذا الآن في كل الأحوال لأن المطبخ مشغول)
اتسعت عينا ثريا بصدمة، الا أنه قال قاطعا
(طاب صباحك، أو لم يطب، لا دخل لنا)
ثم أغلق الباب في وجهها بقوة، عائدا الى عمله بجوار تيماء بملامح متجهمة، فنظرت اليه تيماء بطرف عينيها ثم قالت بخفوت
(كنت قاسيا معها جدا، هذه أمي رغم كل شيء و يتوجب على خدمتها)
رد قاصي بجفاء دون أن ينظر اليها.

(لن يضيرها أن تعتمد على نفسها ولو لمرة، أنت في فترة نقاهة و عليك الراحة)
نظرت تيماء الى أطنان اللفائف المجمدة التي يتعين عليها اعدادها قبل الظهيرة، ثم أعادت عينيها اليه متسائلة بسخرية
أي نقاهة؟، و أين الراحة؟، لكن على الرغم من ذلك شعرت بشيء بطيء يتسلل الى نفسها، شيء دخيل على عشقها الأبدي له...
شيء لم تستشعره من قبل، فعادت الى عملها مبتسمة...

جلس أمجد في مقعده يراقب مسك الواقفة بجوار قاصي تهمس له و قد بدا الإهتمام في عينيها بينما يعدان الأطباق على الطاولة...
ملامح أمجد كانت جامدة لا تنم عن شيء، بينما ملامح تيماء التي تقف على الجهة الأخرى أشبه بملامح عفريت تلبسه الجنون و هي ترى تلك العلاقة الوثيقة تعود للسطح من جديد...
بداخلها غيرة عمياء، غيرة من تلك العلاقة، من هذه المشاعر حتى و إن كانت من باب الأخوة و الإخلاص...

تحركت من مكانها أخيرا لتقترب من أمجد فجلست بجواره مبتسمة بضيق الى أن انتبه لوجودها فأولاها انتباهه وهو يقول بهدوء مبتسما بود
(مرحبا)
قالت تيماء بترحيب حقيقي
(شرفتنا صدقا)
اتسعت ابتسامة أمجد و قال بجدية
(أنت رائعة يا تيماء، و أنا سعيد جدا بتعميق علاقة أسرتينا)
شعرت تيماء بأن الكلمات المحتجزة في حلقها فقالت بحذر
(هل هناك خطب ما بينك و بين مسك؟)
ارتفع حاجبي أمجد الا أنه قال بهدوء و بساطة.

(بالطبع لا، ما الذي جعلك تتخيلين هذا؟)
قالت تيماء بإصرار
(أنتما بالكاد تتكلمان منذ وصولكما، أنا لا أريد التطفل على حياتكما، لكن أرجوك لا تدعها تفسد الأمر، أعرف مسك و أعرف كم هي رائعة، الا أنها أحيانا تتصرف بطريقة مغايرة لطبعها الخاص)
ابتسم أمجد ابتسامة محايدة وهو ينظر بصمت الى الكأس بين أصابعه، فقالت تيماء بقلق
(هناك خطب ما بالفعل؟، انت شفاف جدا يا أمجد و لا يمكنك اخفاء شعورك، هل يمكنني المساعدة؟ ).

نظر اليها أمجد بصمت، ثم قال بنبرة هادئة
(أقسمت يوم زواجي من مسك أن أتحمل كل صلفها الزائف و غرورها، و أتحمل اي شيء منها في سبيل اسعادها، الا انني لم أدرك وقتها الى أي حد يمكنها ايلامي في المقابل دون أن يرف لها جفن)
نظرت تيماء اليه بقلق، ثم همست بصوت خائف
(ما الأمر يا أمجد؟، يمكنك اخباري و سرك محفوظ، فهي أختي، ماذا فعلت مسك؟).

أظلمت عينا أمجد قليلا وهو ينظر الى مسك عن بعد و التي رفعت عيناها لتلتقي بعينيه، الا أن ابتسامتها الأنيقة اختفت و هي تراقب كلامه مع تيماء همسا...
التفت أمجد الى تيماء ينظر الى وجهها، ثم قال بخفوت
(هناك أمر لا أستطيع اشراك أمي به. أو أختي، أو أي مخلوق، حفاظا على كرامة مسك نفسها، أمر يجعلني على وشك ضربها كل ليلة)
فغرت تيماء فمها و هي تهمس بارتياع.

(لهذه الدرجة؟، اذن اخبرني أنا أختها، و أنا أولى الناس بتهدئتك تجاهها، فربما كان هناك سوء تفاهم، أساعدك على فهمه)
التوت ابتسامة أمجد بسخرية، ثم قال ببساطة خالية من المشاعر
(لا سوء تفاهم، مجرد حقيقة مرة)
كانت تيماء تتنفس بسرعة، الا أنها قالت بجدية و اصرار
(أخبرني، لن أهدأ قبل أن أعرف)
نظر أمجد الى حافة كأسه و صمت لفترة قبل أن يقول أخيرا فاتر
(مسك تتابع تمرين الفروسية)
ضربت تيماء كفا على كف و هي تقول بحدة.

(نعم، أعرف، والله نصحتها أن تتوقف، لكنها لم تمتثل، لا صحتها و لا عمرها يتحملان هذا التمرين، أي فروسية تلك التي يواظبن عليها؟، نصحتها إن أرادت بعض الرياضة فعليها و رقص الزومبا)
صمتت قليلا و هي ترمق مسك بطرف عينيها ثم همست لأمجد بإستياء
(و إن أردت الحق، أنت محقا تماما في رفضك لهذا التمرين، فبنطال الفروسية شديد الضيق و لا يليق بها كامرأة متزوجة).

نظر أمجد اليها رافعا حاجبيه بينما قلبت تيماء شفتيها بإستياء و هي تومىء له مؤكدة، ثم همست
(أنت محق و أنا أساندك، استخدم حقك و امنعها من ارتداءه)
هز أمجد رأسه قليلا ثم قال بحيرة
(لحظة، لحظة، أنا حتى لم أتم الربع الأول من كلامي)
قالت تيماء بتعجب
(الا ترى البنطال ضيقا جدا؟)
بدت ملامح أمجد تتعقد أكثر و أكثر ثم قال من بين أسنانه
(نعم، ضيق للغاية و لا يترك شيئا للمخيلة).

فتحت تيماء كفيها مؤكدة دون الحاجة لأي كلام، الا انها أضافت بخفوت
(في الحقيقة مسك ملابسها محتشمة تماما، الا هذا البنطال اللعين المرتبط بالفروسية، لذا لا حل سوى أن تمنعها من التمرين، توكل على الله و أنا في صفك)
ازداد غضبه شيئا فشيئا وهو يراقب مسك عن بعد، و التي كانت تنظر اليه بدهشة رافعة حاجبيها و هي ترى العواصف على وجهه...
أما أمجد فهز رأسه قائلا بقوة.

(انتظري، انتظري يا تيماء، ليس البنطال هو المشكلة الأساسية، الا أنه بالتأكيد سيكون مرفوضا من اليوم)
صمت للحظة وهو ينظر الى وجه تيماء الشبيه بوجه جنية صغيرة، ثم قال زافرا
(أنت شعلة متقدة، أتدركين هذا؟، كدت أن أقوم اليها لأصفعها أمام الجميع من شدة غضبي)
الا أن تيماء سألته بقلق
(هل هناك ما هو أفظع من ضيق هذا البنطال؟، الآن فقط تأكدت أن الموضوع خطير بالفعل)
تنهد أمجد بضيق، ثم قال أخيرا بصوت قاتم...

(مسك تذهب للتمرين كل مرة و هي تعلم أن خطيبها السابق يراقبها عن قصد)
بهتت ملامح تيماء تماما و هي تنظر اليه بصدمة، ثم قالت مرتبكة بعد فترة طويلة
(لا، بالطبع لا، لا يمكن لمسك أن تفعل هذا، ربما رأيته صدفة فقط فظننت أنه)
قاطعها أمجد وهو ينظر اليها قائلا بجدية
(بل يحرص على مراقبتها كل مرة)
أظلمت ملامح تيماء أكثر، الا أنها قالت بحرارة
(لكن ما الذي أدراك أن مسك تعلم بمراقبته لها؟، من المؤكد أنه يراقبها سرا).

رد أمجد بصوت ميت
(رأيتها و هي تسلم عليه مبتسمة، و من الواضح أنها لم تكن المرة الأولى)
بهتت ملامح تيماء أكثر، و لعقت شفتها بقلق، ثم نظرت اليه و قالت بعدم تصديق
(لكن، هل تعني أنك لا تثق في مسك؟، لا يمكنك هذا فهي، إنها مسك و هذا يكفي كي لا تكون موضع شبهة، أنا لن أشك بها ولو للحظة)
ابتسم أمجد بسخرية باردة و قال بهدوء
(أنا أثق في مسك أكثر مما تفعلين أنت)
سألته تيماء همسا بضعف، و عدم اقتناع.

(اذن ما هي المشكلة؟)
ازدادت ابتسامته أكثر وهو يقول بجمود
(تعرفين ما هي المشكلة و هي ظاهرة في عينيك، جرح مسك لم يطب بعد، لا يزال حيا يؤلمها، و هي الآن تخفف من هذا الألم عبر تباهيها بصحتها و جمالها أمام حبيبها السابق، كي يشعر بالندم على اللحظة التي فرط فيها بها)
ساد صمت طويل بينهما و لم تجد تيماء ما تزيد به، فقال أمجد مبتسما دون مرح
(لا تحاولي ايجاد شيئا كي تجيبي به، لأن الواقع واضح وضوح الشمس).

أطرقت تيماء بوجهها، و كذلك فعل أمجد متلاعبا بكأسه بين أصابعه، الى أن رفعت تيماء عينيها و همست فجأة بقوة
(امنعها، امنعها يا أمجد ولو بالقوة)
رفع أمجد وجهه ينظر اليها بصمت، فأومأت برأسها مؤكدة و هي تقول.

(قلت أنك تثق في مسك ثقة عمياء، لكن كيف لنا أن نثق في أشرف بكل ما عهدنا منه من غدر و انعدام أصل! أنت تعرف سبب تباهي مسك بجمالها، فقد تمررت جدا خلال مرضها و خيانة خطيبها و صديقتها لها، حتى و إن كانت مخطئة، لكن على الأقل وضعنا اصبعنا على نقطة الجرح، لكن ماذا عنه هو؟، ما الذي يريده منها؟، و هل سيكتفي بمراقبتها؟)
توترت شفتا أمجد بشدة بينما تابعت تيماء بقوة.

(احمها من نفسها إن اقتضى الأمر، فهذا هو القسم الحقيقي الذي أقسمت عليه)
صمتت تيماء فجأة حين ناداها قاصي، فرفعت وجهها تنظر اليه، ثم أومأت له و نظرت الى أمجد تقول بخفوت
(فكر جيدا فيما قلته لك، بعض الجروح تحتاج الى علاج موجع، فالحرص أكثر من اللازم سيضر بها أكثر)
نهضت تيماء من مكانها متجهة الى قاصي، بينما اقتربت مسك لتحتل المكان الذي تركته خلفها بجوار أمجد...

كانت تنظر اليه بعينين حادتين ضيقتين و كأنها تحاول قراءة ما بداخله، ثم قالت مبتسمة ببرود
(فيما كنت تكلم تيماء؟)
نظر اليها أمجد بنظرة غريبة جعلتها تتوتر، . الا أنه قال أخيرا بهدوء
(أسألها عن حالها، و تسألني عن أحوالنا)
لم يرقها الجواب أبدا، فسألته بنبرة خاصة
(و بماذا أجبتها؟)
ابتسم أمجد ابتسامة باهتة، ثم رفع أصابع ليداعب بها شعرها الجميل و قال بخفوت
(أجبها بما ترينه).

عقدت مسك حاجبيها بشدة، فلم يكن من عادة الحسيني اللف في الحوار مطلقا، دائما هو صريحا واضحا...
الا أنها ابتسمت له ببرود و هي تقول بإختصار
(جيد)
نظر اليها أمجد طويلا، ثم سألها على نحو مفاجىء
(مسك، إن أخبرتك يوما بأنني قد اكتفيت و أنوي انهاء زواجنا، فماذا ستكون ردة فعلك؟)
تجمدت ملامح مسك تماما، و بهت اللون عن شفتيها و هي تنظر اليه و كأن جميع الأصوات من حولهما قد اختفت...
ثم قالت أخيرا بصوت جامد كالخشب.

(هل تريد انهاء زواجنا؟)
رد أمجد قاطعا وهو ينظر الى عينيها دون تردد
(لا، و لن يحدث هذا، لكني أتوق لمعرفة رد فعلك)
نظرت مسك بعيدا للحظات، شاردة و عيناها تراقبان قاصي الذي كان يداعب تيماء بلمساته كلما مرت به، فترتبك و تتعثر و تكاد أن تسقط، ثم تهمس له غاضبة بشيء يجعله يضحك...
أعادت مسك عينيها اليه و ابتسمت قائلة.

(لا تكن شديد الثقة في تنفيذ نواياك، فقلب الإنسان يتبلد، لذا، لو حدث و أردت انهاء زواجنا، سأعطيك خاتمك مبتسمة و اشكرك على الأيام اللطيفة، لا تقلق يا أمجد، لست أنا من تتشبث برجل باكية)
أبعد أمجد وجهه عنها مبتسما ابتسامة موجعة، بينما تراجعت مسك في مقعدها و هي ترفع يدها الى جانب صدرها، تقسم على أنها شعرت بألم مفاجىء في قلبها...
تعالى رنين جرس الباب، فقال قاصي برضا وهو يمسك بكف تيماء.

(ها هو ليث قد وصل، سأذهب لأفتح الباب، تعالي معي)
لحقت به تيماء الى أن فتح الباب محييا ليث، ثم قال بصدق
(مرحبا سيدة سوار)
ابتسمت سوار له و قالت مجددا مؤكدة
(سوار فقط يا قاصي، كم مرة أخبرك بهذا)
الا أنه قال بخفوت
(ستظلين دائما بالنسبة لي، السيدة سوار)
أوشك قاصي على غلق الباب، الا أن سوار أمسكته و قالت مبتسمة
(هناك من تشبث بي و أراد المجيء معي).

عقد قاصي حاجبيه بعدم فهم، الا أن عيناه لمعتا غيظا حين رأى وجه فريد يطل خلف سوار وهو يقول مبتسما
(مرحبا يا ابن العم، سمعت أن لديكم عزيمة فخمة فقررت المشاركة بدوري كذواقة)
ثم نظر الى تيماء و قال بحرارة هاتفا
(فتاة الشطة! كيف حالك، هل ازددت قصرا أم أنني أتخيل فقط؟)
قالت تيماء مبتسمة بمرح
(أستااااااذ فريد)
الا أنه حين عقد حاجبيه، تراجعت و قالت ضاحكة
(آسفة والله، دكتور فريد، استفزازك يروق لي)
زفر فريد و قال.

(ماذا ستطعمينا اليوم؟، أم أنني قطعت الطريق الطويل دون فائدة؟)
فتحت تيماء فمها تنوي الرد مازحة، الا أن قبضة قاصي التي اشتدت على أصابعها، جعلتها تتأوه مصدومة...
و حين رفعت تيماء عينيها اليه عرفت أنه ليس من الحكمة اثارة غضبه حاليا، لذا قالت بخفوت و قلق
(تفضلوا بالجلوس، سأعد ما تبقى).

ثم حاولت فك كف قاصي من حول أصابعها الا أنه كان ينظر الى فريد بنظرة قاتمة مخيفة، فنظر فريد حوله ثم أعاد نظره الى قاصي و قال ببساطة
(ماذا؟، هل أدخل أم أخرج؟، أنت تثير قلقي)
ظل قاصي صامتا، فهمست تيماء بحرج من بين أسنانها
(قاصي، رد عليه أرجوك)
فتح قاصي فمه و قال بصوت أجش كإنسان آلي
(تفضل)
ارتفع حاجبي فريد الا أنه قال بنبرة مطاطة حذرة
(حسسسسنا).

ثم اتجه للداخل بينما وقف قاصي مكانه ناظرا للباب المغلق بصمت، و ملامح قاتمة، فهمست تيماء له باستياء
(قاصي، لماذا تتعامل معه بهذا الشكل؟، أنت تحرجنا بتصرفاتك، تذكر بأنك أنت من دعوتهم)
نظر اليها قاصي بعينيه القاتمتين ثم قال بخفوت و دون تعبير
(لم أدعوه هو)
همست تيماء بحدة
(و ما المشكلة؟، ألن نجد ما نطعمه اياه؟)
لم يرد قاصي بل نظر اليها بنظرة لم تفهمها، ثم ترك يدها ليقول بخفوت
(اذهبي و جهزي المتبقي).

تنهدت تيماء و هي تشعر بأنها لا تفهمه، لكنها اتجهت للمطبخ بصمت...
تبعتها سوار و مسك خلال لحظات، بينما بقى ليث بجوار أمجد، كلاهما صامتا متباعد الملامح...
الى أن قال ليث محاولا بدء الحوار بترحيب
(اذن، أنت زوج ابنة عم سوار)
نظر اليه أمجد بفتور ثم مد كفه اليه مصافحا و قال
(أمجد الحسيني).

صافحه ليث بحرارة، ثم عاد كلا منهما الى صمته، كل منهما يراقب زوجته التي تحضر الأطباق من المطبخ الى الطاولة، ثم قال ليث بصوت فاتر مجاملا
(محظوظ من يتزوج ابنة من بنات الرافعية)
تنهد أمجد بقوة، ثم قال بخفوت
(الحمد لله)
كان فريد ينظر لكلا منهما ثم قال رافعا حاجبه بارتياب
(وحدوه)
قال كلا من ليث و أمجد
(لا اله الا الله)
اقترب قاصي ليجلس بجوار فريد يرمقه بنظرة غير مريحة، فبادله فريد النظر وهو يقول.

(ماذا عنك؟، هل أنت محظوظ بزواجك من احدى بنات الرافعية؟)
مط قاصي شفتيه و قال ببرود
(غدا تكبر و تتزوج احداهن لتحكم بنفسك)
ارتفع حاجب فريد أكثر و قال برهبة
(أنت مريب، أنت شخصية مريبة غامضة).

كانت سوار واقفة في شرود تام بجوار مائدة الطعام الصغيرة و هي ترتشف من كأس العصير الذي أعطته لها تيماء الى أن يتم تجهيز الطعام كاملا، بينما اقترب منها قاصي فانتبهت له و ابتسمت، الا أنه لم يبتسم، بل همس لها و عيناه على ليث الجالس بعيدا ينظر اليهما بدقة
(عرفت مكان فواز الهلالي)
اتسعت عينا سوار و هي تستوعب ما قاله قاصي للتو فهتفت
(حقا يا قاصي!)
نظر اليها الجميع بدهشة، الا أنه همس بحدة.

(هششششش، ليث لا يعرف)
توترت مشاعر سوار بحدة و هي تنظر الى ليث الذي كان يراقبهما دون هوادة، فالتفتت الى ليث و هي تنتفض داخليا بطريقة موجعة و قد تعرقت كفاها، ثم همست بصوت مرتعش
(أين، أين هو يا قاصي؟، أخبرني أرجوك)
نظر اليها قاصي باهتمام، ثم قال بجدية حاسمة
(لازلت عند شروطي، لا سلاح بل و سأجعل تيماء تفتشك ذاتيا زيادة في التأكيد، و سأرافقك)
هزت سوار رأسها بقوة، ثم قالت بنبرة رجولية.

(لا أريد سوى الكلام معه، أعدك)
أومأ قاصي برأسه وهو ينظر الى ليث عن بعد، ثم قال أخيرا
(سأتفق معك على الموعد)
ثم ابتعد عنها بينما أمسكت بظهر الكرسي و هي تشعر بالعالم يدور بها...

غريبة تلك الجلسة، فكل واحد منها كان ينظر الى الآخر وهو يشعر بغيرة خفية، غيرة مصدرها عدم الصدق في حياته...
فأمجد كان يغار من قاصي وهو يرى نظرات العشق الأبدية التي ترمقه بها تيماء خلسة كلما مر أمامها...
و هو كذلك يغار من تلك الثقة التي تمنحه اياها مسك دون حساب، بينما تضن بها عليه...
ليث كانت النيران تحرق روحه وهو يرى السر الذي منحه لقاصي بنفسه، فشاركته سوار به، دون غيره...

مسك تغار من تلك العلاقة التي لا تنفصم مطلقا بين قاصي و تيماء على الرغم من كونها منافية لكل منطق ممكن...
أما قاصي، فقد جلس مكانه وهو ينظر الى فريد الذي كان واقفا خلف مائدة الطعام يقطع خضروات السلطة بمهارة و سرعة، ملقيا دعاباته مما جعل تيماء الواقفة بجواره تضحك دون توقف...
نظرات قاصي كانت مؤلمة لمن يراها و يفهم معناها، فحين نظر اليهما معا...

طبيب، ابن أصل، ثري، و أستاذة جامعية، ابنة نفس الأصل و الدم...
حينها فقط أدرك كم ينقصه ليكون مناسبا لها...
ضحك بألم وهو يفكر في جدائل ماصات العصير، و بعض الأطعمة اليدوية...
هل هذا هو كل ما يبده، كي يكون مناسبا لها؟
نهض قاصي من مكانه ببطىء، و عيناه عليهما، الى أن وصل اليهما ثم قال أخيرا بصوت خطير
(من أنت؟)
رفع فريد وجهه ينظر الى قاصي رافعا حاجبه المتوجس، ثم نظر الى تيماء و قال بدهشة.

(هل أصيب زوجك بفقدان ذاكرة مبكر؟)
لم ترد تيماء، فقد كانت تنظر الى ملامح قاصي بقلق و خوف، الا أنه اعاد مكررا
(من أنت؟)
حك فريد شعره ثم قال بجدية
(بسم الله الرحمن الرحيم، الإجابة فريد غانم الرافعي)
سأله قاصي بصوت أكثر خفوتا و أكثر اثارة للقلق
(ما هي كنيتك هنا؟)
شحبت ملامح تيماء و أغمضت عيناها برعب، الا أن فريد رد دون أن يتقهقر
(ابن عم زوجتك!)
قال قاصي بنبرة قاطعة أجفلتهما معا.

(بل ضيفا، أنت هنا ضيفا، لذا لا يليق بك الوقوف و تحضير السلطة)
أفلت النفس المرتجف من بين شفتي تيماء راحة بينما ضحك فريد بقلق وهو يقول
(زوجك هذا والله عليه تصرفات! مريب)
الا أنه ترك ما يبده و عاد الى مقاعد الضيوف، فنظرت تيماء الى قاصي بحيرة...
لكنه لم يتكلم، بل اقترب منها و أمسك بها يضمها فجأة الى صدره بكل قوته...
صمت الكلام بين الجميع وهم ينظرون الى هذا العناق الأفصح من أي كلام آخر...

كلا منهما متمسك بالآخر، و كلاهما مغمضا عينيه و كأنهما لا يريدان النظر لشخص آخر...
فلمعت الحسرة في الأعين، رجلا و نساءا، بإستثناء فريد الذي كان ينظر اليهما وهو يأكل جزرة سرقها من على الطاولة...
نهض ليث من مكانه و اتجه الى سوار التي كانت واقفة بجاور النافذة المفتوحة تحاول التقاط أنفاسها المرتعشة من فرط التوتر...
فقال لها بخفوت
(هل أنت بخير؟).

أجفلت سوار بشدة و كادت أن توقع الكأس الفارغ من يدها، فابتلعت ريقها و أومأت برأسها الشاحب لتقول بعدها بصوت غير ثابت
(نعم، أنا بخير)
ظل ليث ينظر اليها بنظرة غامضة، ثم سألها بصوت جاد
(ما الذي أخبرك به قاصي فجعلك تشحبين الى تلك الدرجة؟)
اطرقت سوار برأسها و هي تقول كاذبة
(لا شيء هام)
الا أن ليث رد عليها قاطعا
(أنت تكذبين)
رفعت عينيها الواسعتين بدهشة، الا أن الغضب و التحدي اندفعا بداخلها فجأة فسألته ببرود.

(شيء لا يخصك، و لم يخصك يوما)
من نظرة ليث المفاجئة علمت سوار بأنها قد تجاوزت حدودها، لكن كرامتها أبت عليها التراجع...
فقالت متابعة
(طالما أن الحوار بينك و بين دليلة لا يخصني، أجد سؤالك عن حواري مع قاصي تطفلا غير مقبول)
ساد صمت مقيت بينهما و هي تلعن كل كلمة خرجت من بين شفتيها بغباء...
الى أن قال ليث أخيرا بنبرته الغير مفهومة
(هل تودين معرفة ما دار بيني و بينها؟).

نظرت اليه بدهشة و حثتها كرامتها على الإنكار، الا أنها لم تستطع فقالت مسرعة بجدية
(نعم)
ابتسم ليث بأناقة و قال بصوت مهذب
(قبلت عرضكما شاكرا، فعرضت عليها الزواج، و ستحدد لي موعدا مع أسرتها)
فغرت سوار شفتيها الذاهلتين، بينما سقط الكأس من بين أصابعها متهشما الى ألف قطعة...

أبعد قاصي تيماء عنه لينظر الى وجهها المتورد مبتسما، ثم قال بخفوت حنون
(كانت أجمل فكرة اقترحتها، هي ارسال ثريا لتبقى مع امتثال لحين انتهاء العزيمة)
ابتسمت تيماء و قالت مستسلمة
(لم أكن لأسمح لأمي بأن تتعرض لهذا الإذلال علنا، و أنا أشعر بأنهما ستنسجمان).

كانت امتثال تجلس على مقعدها الوثير و ساقيها تحتها، ترتدي قميصا فضفاضا مريحا و تضحك على فيلم قديم في التلفاز...
بينما رفعت ثريا وجهها المغطى بقناع ذهبي عن كأس المشروب الغازي و سألتها بإستياء
(هذا المشروب ليس خاليا من السعرات، اليس كذلك؟)
توقفت ضحكات امتثال و هي تنظر الى ثريا بدهشة، ثم قالت بخفوت
(والله تستحقين أكثر من ضرب الخف)
عقدت ثريا حاجبيها و قالت بحيرة
(ماذا قلت؟، لا أسمعك).

ردت امتثال بنبرة مضيافة
(لا تؤاخذيني حبيبتي، فأنا في اليوم الحر من النظام الغذائي إلى أتبعه).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة