قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثاني والخمسون

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثاني والخمسون

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثاني والخمسون

(يا ولدي، آه يا ولدي، يا حبيبي يا وحيدي)
رفعت سوار يدها الى وجنتها مغمضة عينيها بيأس، ثم قالت بصوت شديد الإحراج
(يا عمتي أرجوك كفى نواحا و عويلا، نحن في مشفى محترم و من المؤكد يظن الناس الآن أن هناك حالة وفاة)
ضربت زهيرة على صدرها و هي تشهق هاتفة بعنف على الرغم من الدموع التي تغرق وجهها
(ابصقيها من فمك يا ابنة غانم، بعيد الشر عن ابني وحيدي)
تأففت سوار و قالت بقسوة.

(يا عمتي أنت من تقربين الشر من ابنك، لا داعي لهذا النواح، فهو ليس فأل خير، و عرابي بخير كما طمأننا الطبيب)
صرخت فيها زهيرة بغضب
(ابنة غانم، اتقي شري في هذه اللحظة، كفى ما تسببت فيه لأبني الوحيد)
هتفت بها سوار قائلة بذهول محتد.

(أنا من تسببت له فيما جرى؟، أولا أنت من طلبت مني التدخل بالأمر و فعلت، على الرغم من الموقف السيء الذي سيضعني فيه هذا تجاه عائلة أمي، ثانيا ابنك وحيدك بغبائه المعتاد أفسد كل شيء مرتين، مرة حين خالف اتفاقنا و أظهر نفسه، و المرة الثانية حين ترصد الفتاة و ذهب اليها دون وجه حق، و ضيفي مرة ثالثة حين عبر الطريق وهو ينظر للخلف كالأبله)
صرخت زهيرة بجنون.

(لا تهيني ابني وحيدي، إنه رجل و سيد الرجال، حبيب أمه الغالي)
كان عرابي في تلك اللحظة مستلقيا مغمض العينين وهو يهز رأسه بنفاذ صبر ثم لم يلبث أن فقد قدرته على التحكم في غضبه فصرخ عاليا يقاطعمها
(اصمتا، اصمتا، هذه ليست زيارة لمصاب أبدا، هذه مسابقة سباب نسائي علني في السوق يوم الجمعة)
تأوه بشدة وهو غير قادرا على الحركة، فربتت أمه على صدره بسرعة و هي تقول باكية بصوت مختنق.

(ارتاح يا ولدي و لا تجهد نفسك، حسبي الله و نعم الوكيل على من كان السبب)
رمقت سوار بنظرة جانبية غاضبة من بين دموعها، فرفعت سوار حاجبيها و اتسعت عيناها، ثم قالت مشيرة الى صدرها قائلة بدهشة
(أتدعين على يا عمتي! هل هذا جزائي! معك حق، فالخطأ ليس خطأك بل هو خطأ البهيمة التي سارت خلف أوامرك دون اذن زوجها مجازفة بقطيعة عائلة أمها لها).

هتفت زهيرة من بين دموعها و قد فقدت سيطرتها على أعصابها تماما فإنهارت دون منطق أو عقل باكية بعنف و هي تضع طرف وشاحها الأسود على فمها المرتجف
(ليته كان كسر رقبتك كما كسر حوض ابني)
شهقت سوار بذهول غير مصدقة لما تسمع، لقد جنت عمتها تماما و لا تعي ما تقول...
بينما قال عرابي عاقدا حاجبيه
(هذه العبارة غير مريحة يا أمي، انتقي الفاظك حين تتحدثين عني رجاءا، أشعر و كأنني حمام قديم يتم تغييره).

مسحت أمه على وجنته بكفها، ثم رفعت راحتها الى فمها تقبلها و كأنها تقبل لمسته، ثم أخذت تبكي مجددا دافنة وجهها في وشاحها الأسود...
حينها تأوهت سوار عاليا، لكن و قبل أن تتكلم سمعوا طرقا على الباب فاتجهت اليه تفتحه، حينها قالت بدهشة
(جويرية ماذا تفعلين هنا؟)
انتفض جسد عرابي ما أن سمع اسم جويرية فحاول أن يستقيم بغباء، الا أنه صرخ عاليا مما جعل أمه تشهق هاتفة.

(اسم الله عليك يا ولدي، لا تتحرك يا حبيبي، اسم الله عليك)
أما سوار فقد نظرت اليه ثم أعادت عينيها الى جويرية قائلة بقلق
(آآآآ، هل جد شيء آخر جعلك تأتين الى هنا اليوم؟)
ردت جويرية بنبرة واثقة بسيطة
(رأيت أنه من واجبي الإطمئنان على صحة ابن عمك اليوم بما أنني كنت السبب فيما جرى له ولو بطريقة غير مباشرة)
زمت سوار شفتيها قبل أن تقول من بين أسنانها بخفوت
(ظننت أن ليث قد طمأنك، بأن هذا ليس من واجبك).

رفعت جويرية حاجبيها سائلة ببراءة
(هل أوصاك أن تتأكدين من تنفيذ تعليماته؟)
أفلت نفس غاضب من بين شفتي سوار و هي تحاول تهدئة نفسها، ثم قالت بصبر يكاد أن يحتضر
(جويرية، الوقت غير مناسب الآن، لما لا)
الا أنها و قبل أن تتابع كلامها، كان صوت عرابي قد سبقها مقاطعا وهو يهتف من الداخل
(اسمحي لها أن تدخل يا سوار، الوقت مناسب للزيارة)
ارتفع حاجبي جويرية ببراءة مستفزة و هي تبتسم لسوار قائلة بأدب
(اسمحي لي).

عضت سوار على أسنانها و هي تبادلها النظر بغضب، ثم لم تلبث أن ابتعدت عن الباب سامحة لها بالمرور قائلة بشماتة
(تفضلي، لكن لا تقولي أنني لم أحذرك اذن)
لم تهتم جويرية بما لم تفهمه تماما، بل دخلت مرفوعة الرأس بأناقة لكنها توقفت للحظة حين أدركت وجود امرأة غريبة متوسطة العمر، عيناها متورمتان لكن الشرر الحاقد ينطلق منهما يكاد أن يرديها قتيلة مع ذهول مجنون...

ترددت جويرية للحظة، قبل أن ينطلق صوت زهيرة عاليا بهجوم هيستيري
(هل هذه هي عروس الغفلة، وجه الخيبة و الندامة!)
أوشكت أن تحول الهجوم اللفظي الى جسدي لولا أن اندفع عرابي يتشبث بذراع أمه متأوها
(أرجوك يا أمي، تمالكي أعصابك، الفتاة بيننا، لا داعي للفضائح)
الا أن زهيرة هتفت بحدة قائلة و هي تكاد أن تفترس جويرية بعينيها الشرستين
(اتركني، اتركني أكسر لها ضلعين عوضا عن حوضك الذي كسر بسببها و سبب أهلها).

أغمض عرابي عينيه وهو يهمس جانبيا من بين شفتيه
(لا مزيد من الكلام عن الحوض المكسور يا أمي، أرجوك، والله لو كنت تقصدين احراجي بالعنية لما فعلت أكثر مما تفعلين الآن! أمي أن لا أستطيع التمسك بك أكثر، الألم يقتلني)
كانت زهيرة تكابد رغبتها في الهجوم على جويرية، لكن ما أن تكلم عرابي عن الألم حتى أفاقت زهيرة من جنونها قليلا و انحنت تربت على صدره و هي تقول باكية.

(اسم الله عليك يا ولدي، يا وحيدي، ليتها كانت هي و أهلها واحدا واحد)
هتفت جويرية بغضب على الرغم من اختبائها خلف سوار مع أول بوادر الهجوم من زهيرة
(من فضلك، لا تتكلمي عن أهلي بهذا الشكل، ابنك كان السبب فيما جرى لنفسه ولولا أنني ابنة أصل لكنت جمعت له كبار العائلتين ليضعون حدا لتحرشه بي دون وجه حق)
اتسعت عينا عرابي بذهول غير مصدقا لإفترائها عليه، فما كان منه الا أن ترك ذراع أمه و قال بهدوء.

(تفضلي يا أمي، لن أمنعك)
و كأنه قد أعطاها شارة الحرب، فاندفعت الى جويرية تحاول جذبها من شعرها، الا أن سوار قيدتها بالقوة و صرخت فيها بغضب بينما جويرية تتمسك بسوار
(كفى يا عمتي، احترمي مكانتك و اسم عائلتنا، أتريدين ان يعرف في عائلة الهلالي أن زهيرة الرافعي قامت بالتهجم على عروس ابنها و هي في زيارة لهم؟، عوضا عن أن نحملها فوق كفوف الراحة! سمعتنا ستكون في الحضيض بسبب تصرفك هذا يا عمتي).

الا أن زهيرة هتفت بإختناق
(اتركيني، اتركيني يا سوار أنتزع شعرها، و أقتلع عينيها)
الا أن أنفاسها ذهبت تماما، فأخذت تشهق بضعف و هي تحاول التنفس، مما جعل سوار تمسك باحدى ذراعيها و ربتت على الذراع الأخرى تسندها قائلة
(هدئي من روعك يا عمتي، التقطي أنفاسك، ابنك بخير، اهدئي و تعالي اجلسي لترتاحي)
استسلمت زهيرة لسوار و هي تقودها حتى أجلستها على الكرسي ثم جثت أمامها تدلك ركبتها قائلة.

(لا أصدق أنك تتصرفين بهذا الشكل لمجرد حادث صغير اصاب ابنك، عيب في حقه كرجل والله)
ردت زهيرة و هي تبكي
(ولدي الوحيد، راقد و غير قادر على الحركة بالكامل، لقد غادرني منذ يومين كالفرس الجامح، انظري اليه الآن وهو مجبر كالمومياء، و الله أعلم إن كان هذا الحادث سيؤثر على اشياء أخرى و الطبيب يرفض اخبارنا بالواقع)
أرجع عرابي رأسه للخلف قائلا بإستسلام
(شكرا يا أمي، زيدي من الطين ابتلالا أمام عروس المستقبل).

احمرت وجنتا جويرية و قد أفلتت من بين شفتيها ضحكة لم تستطع كتمانها، الا أن أذنا عرابي التقطاتها فرفع رأسه ينظر اليها مهددا. متوعدا، فبادلته النظر بتحد سافر مما جعله يحرك فكه وهو على ما يبدو المفصل الوحيد المتبقي و القادر على الحركة في أنحاء جسده...
أما سوار فقد كانت مهتمة بعمتها تهون عليها قائلة
(يا عمتي ليس من الصواب أن تنوحي بهذا الشكل على ولدك، احمدي الله أنه بخير أمامك).

أومأت زهيرة برأسها و هي تكفف دموعها، و ما أن هدأت حتى ابتسمت سوار و قالت بلطف
(و أنا متاكدة من أن قلبك الطيب يلومك الآن على عصبيتك تجاه جويرية بعد جائت بنفسها لتطمئن على عرابي، هيا أظهري بعض الكرم الرافعي، و رحبي بالفتاة، لا نريدها أن تخرج من هنا مكسورة الخاطر و هي لا ذنب لها في قرارات أهلها)
نظرت زهيرة الى جويرية بعينيها الحمراوين بكره واضح، الا أنها قالت في النهاية من تحت ضرسها و هي تمسح وجهها.

(لا بأس، اعذريني حبيبتي، قلب الأم أعماني، أهلا بك)
تنفست سوار الصعداء و هي تنطق الشهادة في داخلها، بينما قالت جويرية بابتسامة عريضة واثقة من نفسها
(لا بأس يا عمتي، أنا أعذرك، فكما قلت، بالأمس كان ابنك مسافرا كالحصان بحثا عني، و حين تخطى حدوده نال عقابه)
كانت سوار قد توقعت الكلمة الأخيرة قبل أن تنطق بها جويرية، فقفزت من مكانها صارخة بمرح زائف عصبي
(ما أجمل هذا! ها قد تصالحنا و يا دار ما دخلك شر).

الا أن زهيرة لم تكن منتبهة الى كلام سوار، بل كان كل اهتمامها الآن مركزا على جويرية لأول مرة منذ دخولها، تتفحصها بعينيها كما تتفحص الحماة عروس ابنتها حتى و إن كانت مرفوضة من قبل أن تراها...
لكن لا مانع في أن تتفحصها بدقة و بأعين ناقدة علها تجد بها عيوب واضحة...
واجهت جويرية نظرات زهيرة الثقيلة، ثم نقلت عينيها الى عرابي لتجده يتفحصها هو الآخر لكن بطريقة مختلفة...

فقد كان ينظر اليها نظرة وقحة بلهاء، مبتسما بثقة و كأنه توقع منها أن تسقط في هواه حالا...
مطت جويرية شفتيها بسخرية، الا انها رفعت عينيها ببراءة تمد يدها باللفة التي كانت تحملها منذ دخولها قائلة
(بما أننا تصافينا، نسيت أن أضع هذه، كنت قد جلبتها الى عرابي خصيصا)
تقدمت منها سوار و هي تقول بعدم راحة تتناول منها اللفة
(ترى ماذا جلبت له؟)
فتحت طرف اللفة، الا أن جويرية سبقتها قائلة بعفوية.

(ثلاث كيلوات موز، أعرف أن عرابي يحبه)
عقدت زهيرة حاجبيها و هي تقول بتعجب
(عرابي! عرابي لا يطيق الموز! هل استفضتما في الكلام معا الى تلك الدرجة؟)
نظرت جويرية الى عرابي مبتسمة ابتسامة عريضة، بينما تعقدت ملامحه هو و ظهر الغضب عليه وحرك شفتيه هامسا بتهديد ما، لم تستطع استيعابه...

نهضت زهيرة من مكانها و اقتربت من جويرية متمايلة و هي تتفحصها من اعلى رأسها و حتى أخمص قدميها، ثم وصلت اليها و أخذت تمرر كفها على شعر جويرية الناعم و هي لا تزال تتجول بعينيها على جسد الفتاة ممتعضة. ثم ربتت على كتفها بقوة قائلة بنبرة مطاطة.

(شكرا لك على كل حال يا قرة عيني، هديتك مقبولة و قد قدمت الواجب و أكثر، لكن عند هذا و انتهى الأمر، هذه الزيجة غير مكتوب لها بالنجاح منذ اليوم الأول، و الفأل واضح من أوله)
اتقدت عينا جويرية و قالت بصوت بارد جليدي غير مصدق
(عفوا! هل ترفضينني؟)
تدخل عرابي قائلا بسرعة
(لا، خطبتنا سارية و أنا مصر)
الا أن جويرية رفعت كفها في الهواء و قالت بصوت قاطع
(انتظر أنت)
ثم تابعت كلامها توجهه الى والدته بصرامة.

(يبدو أنكم قمتم بتفسير زيارتي بشكل خاطىء، لقد أتيت فقط كي أطمئن عليه من باب الواجب، لكن تلك الخطبة مرفوضة بالنسبة لي منذ اليوم الأول، و بشكل نهائي)
عادت شياطين الغضب تندفع الى ملامح زهيرة التي هتفت بذهول غير مصدقة
(ترفضين ابني؟، من أنت كي ترفضين ابني و بهذه الوقاحة؟، انظري اليه يا قرة عيني و اضبطي كلامك، هل هذا شاب يرفض؟).

نظرت جويرية الى عرابي بالفعل، المجبر و الغير قادر على الحركة، فتأوه وهو يرجع رأسه للخلف مجددا، لكنها قالت مكتفة ذراعيها
(الطريقة كلها مرفوضة بالنسبة لي، لن أتزوج شخص لمجرد مصلحة)
ضاقت عينا عرابي وهو يسألها مباشرة بسخرية
(و لماذا سبق و وافقت منذ عام؟، ترى ما دور المصلحة في ذلك!)
فكت جويرية ذراعيها و نظرت اليه بطريقة غريبة زالت عنها العنجهية و الغضب، فقالت بهدوء.

(لم يكن الواجب هو السبب الوحيد في زيارتي، على الرغم من أنك سمعت شيئا ليس من حقك سماعه، الا أنني أتيت كي أعتذر لك، حين رأيتك أمامي انسان من لحم و دم، اكتشفت أنني لو كنت مكانك لما ارتضيت لنفسي أن يستغلني أحد بتلك الصورة، أتمنى لك التوفيق)
تحركت جويرية تجاه الباب تتبعها نظرات عرابي الدهشة من الصدق الذي بدا في صوتها الا أنه ناداها فجأة
(جويرية، أنا لا أقبل أن يستغلني احد، و مصر على أخذ حقي).

التفتت تنظر اليه رافعة حاجبيها، ثم سألته
(ما هو حقك؟)
لم يرد على الفور وهو ينظر اليها، ثم قال بتردد و كأنه متفاجىء من نفسه
(أنت)
ارتبكت جويرية للحظة الا أنها رفعت ذقنها و قالت بصرامة
(و أنا آسفة، الإعتذار هو أقصى ما يمكنني تقديمه لك، لكنني أرفض تلك الزيجة)
صرخت زهيرة و هي تلوح بذراعيها بينما أمسكت بها سوار مجددا كي لا تتهور.

(أنت اقتحمت المكان بفألك السيء، و بدلا من أن تكوني مخزية، تقفين بوقاحة تحرقين دم ابني؟، اخرجي من هنا حالا، لن تكوني عروس ابني و أنا على قيد الحياة مطلقا)
هزت جويرية كتفيها و قالت ببساطة
(هذا شرف لا أتمناه، سلام)
الا أن عرابي هتف بقوة حتى رج صوته في انحاء الغرفة
(و أنا لا أقبل بكلام النساء هذا، كان بين الرجال كلمة و أنا مصر على تنفيذها و الا سيكون لنا حق عند عائلة الهلالي)
شدت جويرية شفتيها قائلة بعنف.

(لا يمكن لأحد اجباري على الزواج من شخص لا أريده)
صرخت زهيرة بنفعال غير مصدقة
(أخرجي، أخرجي من هنا، يسر الله لك طريقك)
الا أن عرابي قال من بين اسنانه
(لا تطرديها يا أمي، تلك عروسي)
هتفت كلا من جويرية و زهيرة في نفس اللحظة بنفاذ صبر
(لست عروسك، ليست عروسك)
زفر عرابي عاليا و قد بدأ يشعر بالألم و الإجهاد فاقتربت منه أمه تربت على صدره بحنان قائلة بترجي.

(سأزوجك سيدة سيدتها، أشر فقط الى أميرة و أنا سأزوجك لها، إنها ليست مبهرة الجمال لهذه الدرجة!)
رفعت جويرية حاجبيها و قالت
(آآآآ، هل تلاحظين أنه يمكنني سماعك!)
الا أن زهيرة تجاهلتها تماما و تابعت مخاطبة عرابي بالعقل قائلة
(أنت عاطفي أكثر من اللازم يا حبيبي، و تماما كما فعلت تجاه تيماء ابنة عمك سالم حين رأيتها، كدت أن تموت حبا بها، ثم ذهبت الى حال سبيلها).

نظرت جويرية الى عرابي بإستياء مفاجىء، مما جعله يقول بخشونة وهو ينظر لها
(تيماء كان لها وضع مختلف تماما، و أنا لم أمت حبا بها أو اي شيء من هذا القبيل)
ظلت جويرية تنظر اليه بنظرة سوداء، الا أن زهيرة قالت و هي تمط شفتيها ناظرة الى جويرية بطرف عينيها
(بالطبع وضعها مختلف، فهي على الأقل رافعية، كما أن عينيها كانت زرقاء تشبه اعين الأجانب)
رفعت جويرية ذقنها و قالت بحسم.

(لقد طال وجودي هنا خاصة و أنني قلت كل ما جئت لأجله، سأغادر الآن)
ردت زهيرة بحدة
(مع السلامة يا حبيبتي، شكرا على الزيارة، أسعدك الله و أبعدك)
قال عرابي بحنق
(أمي!)
الا أن جويرية كانت قد ألقت اليهما نظرة اخيرة ثم انصرفت و أغلقت الباب خلفها، فقالت زهيرة بغضب
(ذهاب بلا عودة ان شاء الله، فتاة كالحة وقحة العينين، لا تمت للجمال بصلة و عينيها تدب بهما رصاصة)
قال عرابي من بين أسنانه
(كفى يا أمي، كفى، لقد رحلت).

ربتت أمه على صدره و هي تقول بأسى
(لا تهتم يا حبيبي، وعد مني لا يمر هذا العام الا و أنت تحمل طفلك بين ذراعي و ستكون أمه أجمل ما رأت عينيك من النساء)
لم يرد عرابي، بل نظر الى سوار بصمت يائس، بينما تنهدت سوار تهز له كتفها بعجز...

(العالم محترق بسببك و أنت تجلسين هنا مختبئة في غرفتك بمنتهى البرود)
رفعت جويرية وجهها عن كتبها تنظر من تحت نظارتها الطبية الى أمها التي اقتحمت غرفتها و ملامح الخوف و القلق مرتسمة على وجهها، فقالت بهدوء
(أنا لست مختبئة يا أمي، أنا أدرس لإختبار الغد، لذلك أي حريق في هذا العالم الخارجي يعد أقل أهمية)
ضربت أمها ساقيها بكفيها و هي تقول بحدة
(أكاد أن أصاب بالجنون من برودك).

وضعت جويرية القلم من يدها و خلعت نظارتها ثم نظرت الى أمها مسندة وجنتها الى كفها قائلة بهدوء
(حسنا يا سيدتي، العفو منك، أخبريني عن آخر أخبار العالم المحترق، هل اتصل بك أبي؟)
تنهدت أمها قائلة بأسى
(اتصل لتوه، في فترة الإستراحة، ثلاث ساعات من العراك و الاتهامات المتبادلة بين كبار عائلة الرافعي و كبار عائلة الهلالي بسبب زواجك من ابنهم)
ضربت جويرية كفها على سطح مكتبها قائلة بصرامة.

(أسمعي يا أمي، أنا لن أتزوج ابن الرافعي، هذا من رابع المستحيلات، ليكن هذا بمعلومكم جميعا)
هتفت أمها بحدة
(ألم توافقي حين سألناك منذ عام؟)
ردت جويرية بصراحة و دون تردد.

(لنكن صادقين مع بعضنا يا أمي، أنا أفهم والدي من نظرة عينيه و كان بيني و بينه اتفاق غير معلن بأن نوافق مؤقتا ثم يتم التخلص من تلك الخطبة تدريجيا عن طريق المماطلة، صحيح أنني لست فخورة بهذا الأسلوب، لكنني ما وافقت الا لتأكدي من أن أبي أيضا غير موافق)
ضربت أمها على ركبتيها قائلة بغضب.

(و ما العمل الآن يا ابنتي؟، عائلة الرافعي مصرين على اتمام الزيجة و يتهمون والدك بالتقصير، ووالدك موقفه حرج أمام الكبار من العائلتين)
صمتت للحظة ثم نظرت الى جويرية بطرف عينيها قائلة.

(والدك يخبرني أن الإتهامات كانت كقصف النار، عائلتك وضعت حقا على عرابي الرافعي لمحاولته رؤيتك دون اذن والدك، بينما عائلة الرافعي تتهم عائلة الهلالي بالتعنت و تعمد رفض العريس لرؤية عروسه لمدة عام كامل، و طبعا ظهر جليا أن الحق معهم)
رفعت جويرية كفيها قائلة بحدة
(أمي، أنا لا دخل لي في هذه الحروب و الصراعات، أنا لن أتزوج هذا الشخص، بل أنني لن أتزوج حاليا من الأساس).

ردت عليها أمها تضع كفها على وجنتها قائلة بخوف
(المشكلة في الحادث الذي اصاب عريس الغفلة، و رقاده لفترة وضع والدك و عائلتك في موقف أكثر حرجا، لا نستطيع فسخ الخطبة حاليا من باب الأصل و كأننا نخشى أن يكون هناك عاهة دائمة قد أصابت الولد، وهم مصممين على عقد القران في أسرع فرصة)
نهضت جويرية من مكانها من خلف المكتب و جلست أمام أمها الحزينة و قالت بقلق حقيقي
(تصرفوا يا أمي، أنا لن أكون كبش فداء).

نظرت أمها اليها بصمت ثم سألتها بحذر
(أخبريني قليلا عن هذا، عرابي الرافعي، ما شكله؟، هل هو غير مقبول لهذه الدرجة؟)
تراجع رأس جويرية للخلف و قد باغتها السؤال، فهزت كتفها بعد لحظة تقول بعدم اهتمام
(ليس تماما، طبقا للفتيات التافهات يعد جذابا بطريقة ما، الا أن عقلانا لا يتقابلان مطلقا. كما أنه وحيد أمه و هذا يجعله مدللا بشكل لا يطاق)
مالت اليها أمها تسألها بإهتمام.

(و هل تسنت لكما الفرصة كي تجلسا و تتكلما! من المؤكد أن مرتين عابرتين ليستا كافيتين للحكم على عقله و فكره مطلقا)
تراجعت جويرية و هي تعقد حاجبيها قائلة
(ما الذي تريدين قوله بالضبط يا أمي؟، تريدين أن نجلس معا أكثر من مرة كي يكون الرفض واقعيا!)
مالت أمها بفكها قائلة
(و ربما قبلت به)
قفزت جويرية من مكانها قائلة.

(لا يا أمي، لا لا و ألف لا، و إن أجبرتموني أقسم أن أترك لكم البيت و اذهب للسكن مع خالتي في مدينتها)
فتحت أمها فمها كي ترد، الا أن رنين هاتفها قاطعها فأسرعت تخرجه من جيب معطفها المنزلي و نظرت اليه ثم قالت بقلق
(هذا والدك)
همست جويرية بسرعة و عنف
(أنا لن أتزوجه يا أمي، أبلغي أبي هذا)
رفعت أمها اصبعها الى فمها، ثم ردت على زوجها و أخذت تستمع اليه، ثم قالت بقلق.

(هل يعني هذا أنه قرار نهائي ام ماذا يا حاج؟، لأنني لا أفهم)
كانت جويرية واقفة تعض على اصبعها محاولة استنتاج ما يحدث هناك، بينما ملامح أمها لا تنم عن شيء محدد...
ثم أخيرا تنهدت والدتها بعدم راحة قائلة
(حسنا، حسنا يا حاج، قدم الله ما فيه الخير، تابع أنت الجلسة و حاول تهدئة الأمور، لا تنفعل و لا تسمح لأحد بإستفزازك، و عليكم السلام و رحمة الله).

وضعت الهاتف في جيب معطفها مجددا ثم بقت جالسة مكانها تفكر فسألتها جويرية بعصبية و نفاذ صبر
(ما الذي حدث بعد يا أمي؟، اخبريني)
نظرت اليها أمها و قالت بقنوط
(ستحاول عائلة الهلالي ارضاء ابن الرافعي و التفاوض معه، سيحاولون اقناعه بفض الخطبة بالمعروف على أن يتزوج واحدة أخرى من بنات الهلالية، و على الأغلب سيقع الخيار على نورهان ابنة عمك).

بهتت جويرية للمعلومات الجديدة المباغتة، ثم هزت رأسها محاولة الإستيعاب ما سمعته للتو ثم همست بإستنكار
(نورهان! إنها مجرد طفلة، لا تتعدى السادسة عشر!)
نظرت اليها أمها بنظرة ذات مغزى، ثم قالت بهدوء
(كلما كانت العروس أصغر كان هذا افضل للرجل، فهو ينظر اليها كطفلة سيربيها على طباعه و عاداته و يكون سهل التحكم بها، كما أنك لا تكبرينها بالكثير يا جويرية).

فغرت جويرية فمها غير مصدقة أن أمها تدافع عن تلك الزيجة المجنونة، فهتفت بغضب
(كل عام في هذه المرحلة يشكل فارقا ضخما، انظري الفرق بين عقلي و عقل نورهان! إنها مجرد طفلة تتمنى الزواج بأي طريقة منذ كانت في الرابعة عشر و أشك أن تكون على دراية بالمعنى الحقيقي للزواج من الأساس!)
هزت أمها كتفها قائلة بخفوت.

(و هذا عز الطلب بالنسبة للرجل، و أتعشم أن يداوي هذا القليل من كرامته الجريحة بسبب رفضك له و معاملتنا السابقة مع الخطبة، بصراحة لم أظنه متحمسا للموضوع بهذا الشكل)
ظلت جويرية صامتة تماما و هي تبدو شاردة قانتة، ثم قالت أخيرا باقتضاب و عصبية و هي تعود الى خلف مكتبها.

(عامة أسعد الله سعيد بسعيدة، طالما كان هذا بعيدا عني، هلا، تركتني يا أمي الآن فقد تعطلت بما يكفي بسبب هذا الموضوع التافه، بينما اختبار الغد عليه درجة عالية أنا أولى بها)
نهضت أمها و هي تقول متحسرة
(وفقك الله يا جويرية، و عوضك بإبن الحلال الأحسن، لا أعلم لماذا أشعر بحسرة مفاجئة!)
وضعت جويرية نظارتها على عينيها بأصابع خرقاء ثم قالت بحدة مبالغ فيها
(من فضلك يا أمي، كل دقيقة أنا أولى بها).

تحركت أمها تجاه الباب بهدوء لتغلقه خلفها، بينما نظرت جويرية الى الباب المغلق شاعرة بالذنب من عصبيتها تجاه أمها المسكينة...
فتأففت تحرك الصفحات بعصبية الى أن أخذت نفسا عميقا ثم بدأت الدراسة من جديد...
لكن بعد مرور أربع ساعات كاملة و فنجانين من القهوة، اكتشفت جويرية أنها لم تحصل من الدراسة شيئا يذكر، كان ذهنها مشتت بشكل يدعو للجنون...

أغلقت الكتاب بعنف و هي تشتم بصوت خفيض، ثم رمت نظارتها على سطح المكتب متراجعة بظهرها الى الخلف، مكتفة ذراعيها تنظر الى غرفتها بشرود عابس...
همست لنفسها بغضب في النهاية
(ما الذي يضايقني أنا إن كانت نورهان و أهلها موافقين على هذا الجلف! فليتجرعوا نتيجة قرارهم الفاشل، لماذا أضايق نفسي إن كانوا هم غير متضايقين!)
صمتت للحظات و هي تنقر على المكتب بأصابعها برتم بطيء، و بعد فترة طويلة من شرود غاضب...

تعالى صوت رنين هاتفها الموضوع على سطح المكتب، فنظرت اليه بعدم اهتمام لتجده رقما غريبا...
كانت على وشك تجاهله، الا أنها في اللحظة الأخيرة ردت خوفا من أن يكون أحدا من زملائها و لديه معلومات مهمة عن مادة اختبار الغد...
رفعت جويرية الهاتف الى أذنها قائلة بفتور
(السلام عليكم)
وصلها صوته قائلا بهدوء مثير للحنق
(لم أشكرك على الموز)
اتسعت عينا جويرية بذهول، ثم هتفت بقوة
(كيف حصلت على رقمي؟).

أجابها عرابي بتشدق قائلا
(أردت أن أريك ما يستطيعه ذلك المغمض العينين الذي يسير خلف أهله و لم يحاول رؤيتك منذ عام، فما رأيك)
زمت جويرية شفتيها بحدة، قبل أن تنفخ صدرها بنفس غاضب ثم هدرت به قائلة
(لو علم أبي بهذا سيفتح عليك و على أهلك نارا لن تخمد بسهولة)
ضحك عرابي بصوت عال اخترق أذنها جعلها تنتفض بغضب غير مسبوق
(والدك لم يعد الى البيت حتى الآن، بل لا أظنهم قد انتهوا من جلسة الصلح بعد، انهم يطيلون عادة).

زمت جويرية شفتيها ثم قالت ببرود
(أفهم من هذا أنك لم تذهب معهم!)
أجابها عرابي بصوت قاتم مشتد
(على تتعمدين اذلالي أم أنك شريرة النفس بطبعك؟، الا تعرفين أنني لن أستطيع الحركة لفترة طويلة!)
عضت جويرية شفتيها للحظة، ثم سألته بتردد خشن عوضا عن اغلاق خط الهاتف
(ماذا قال الطبيب؟)
لم تعلم أن عرابي قد ابتسم في الجانب الآخر، الا أنه حين اجاب قال بهدوء جاد.

(سأضطر الى البقاء في الفراش دون حركة لمدة ستة أسابيع، الحمد لله أن الكسر من النوع المستقر و الا كنت قد احتجت الى عملية جراحية و تركيب شرائح، حينها لم أكن لأرحمك مطلقا)
لم تنفعل جويرية لتهديده الأخير، بل قالت بصوت مقتضب و هي تنهض من مكانها متجهة الى نافذتها تنظر الى الطريق المظلم...
(جيد، أنا الآن أشعر أنني مرتاحة الضمير على الأقل ولو أن ما حدث ليس ذنبي)
تنهد عرابي قائلا ببرود.

(و تلقبينني أنا بقشرة الموزة يا باردة يا سخيفة)
شدت أصابع جويرية على ستار غرفتها بعنف و هي تستدير عن النافذة هاتفة
(احترم نفسك)
رد عليها بلا مبالاة وهو يأكل شيئ ما...
(اخرسي، صوتك مزعج)
تضايقت من صوت أكله في الهاتف فسألته بعصبية ودون تفكير
(ماذا تأكل؟)
أفلتت منه ضحكة صغيرة لطيفة، لكنه أجابها ببساطة
(احدى موزاتك يا برغوثة، تفضلي معي و أشكرك على السؤال الحميمي)
هتفت به بجنون.

(لم يكن هذا سؤالا حميميا من أي نوع، بل كان صوت مضغك في الهاتف مقرف، ثم اسمع يا هذا، لا تلقبني بلقب البرغوثة هذا مجددا، مفهوم؟، احترم نفسك يا مغفل)
رفع عرابي حاجبيه وهو يسألها بدهشة
(لا أذكر أنني لقبتك بالبرغوثة من قبل! هل تصادف أن يكون لقبك في الجامعة بين زملائك؟)
عضت جويرية على أسنانها هاتفة بحنق
(هل تعلم أنك أكثر أهل الأرض بغضا و غباءا)
رد عليها عرابي ببساطة قائلا.

(و هل تعلمين أنهم اليوم لم يتبقى لهم سوى أن يختاروا لنا أسماء أطفالنا المستقبليين)
كان هذا دورها لتضحك عاليا بعصبية و دون مرح، ثم قالت بسخرية قاتمة
(في أحلامك، يبدو أن الحادث قد أصاب رأسك و قد غفل الأطباء عن هذا)
صمتت للحظة ثم قالت متابعة بنبرة أكثر سخرية
(اذن، لقد خطبت نورهان الهلالي، مبارك)
ساد صمت قصير في الهاتف، قبل أن يسالها عرابي بصوت مبتسم
(اذن كنت تتابعين أحداث الجلسة أولا بأول!).

ارتبكت جويرية للحظة الا أنها قالت ببرود دون أن تسمح له أن يجفلها
(بالطبع كنت أريد التأكد من الكيفية التي ستخلصني منك للأبد)
عاد الصمت الموتر مجددا، الا أنه قال بصوت غريب هادىء
(آه، بالتأكيد، ما رأيك بها؟)
شعرت بغضب يجتاح أعماقها، فسرته بأنه غضب من زواج الفتاة الصغيرة، لذا أجابته ببرود.

(بالنسبة الى شخص بعقليتك من المؤكد ستكون مناسبة جدا، مجرد طفلة تسيرها كما تشاء، تحرمها من اكمال دراستها و أصدقائها، و هي تشعر بالحماس لقرب ارتدائها الفستان الابيض قبل صديقاتها المراهقات لكنها لا تعرف مسؤولية الزواج الحقيقية)
لم يرد على الفور، و ساد الصمت للمرة الثالثة مما جعلها تدرك أنها قد باحت بأكثر مما ينبغي، الا أن عرابي قال اخيرا بهدوء.

(نعم، و جميلة أيضا، طفلة و جميلة، ماذا يتمنى الرجل أكثر من هذا)
بهتت ملامح جويرية و سألته بخفوت قبل أن تستطيع أن تمنع نفسها
(هل رأيتها؟، لكن الفتاة منتقبة)
أجابها عرابي بعفوية...
(رأيت صورتها، و هذا حقي)
أخفضت جويرية وجهها و هي تنظر أرضا، ثم قالت أخيرا بصوت غير مفهوم
(جيد اذن، سعيدة أنها أعجبتك، أرجو الا تعطلها عن دراستها، كن متحضرا معها)
أجابها عرابي ممتنا.

(اشكرك على النصيحة، فتاة مثلها يسهل على الرجل أن يدللها)
مطت جويرية شفتيها و قالت بسخرية
(واضح أنك عاطفي كما قالت أمك، تقع في هوى كل عروس مرشحة لك في ظرف مرتين و الآن تطورت و لم يستغرق الأمر منك سوى رؤية صورة!)
مط عرابي شفتيه ثم قال ببساطة مفكرا
(أنا لم أسقط في هواك، لا)
اشتد غيظها منه مما جعلها تقول بإستهزاء واضح دون رحمة.

(فعلا؟، ألست أنا من شعرت و كأن شيئا قد ومض بداخلك حين رأيتها لأنها الفتاة المناسبة؟)
ساد صمت طويل و غامض، جعل الإبتسامة الساخرة تختفي عن شفتيها و هي تشعر بالقلق قبل أن يقول عرابي بصوت راض مبتسم
(لا أذكر أنني قد سبق و قلت لك هذا الكلام! آه، في الواقع كنت قد قلته لليث الهلالي و كنت أنت خارج الغرفة، هل كنت تتنصتين علينا؟، لم يكن من حقك سماع هذا).

شعرت جويرية بدلو من الماء البارد يسقط فوق رأسها بقوة، فتلجلجت و هي تقول بعنف واضح
(كنت، لم أكن أتنصت، كنت سأدخل لأخبركما أنني مغادرة فسمعت جزءا من الكلام، سمعت الجزء التافه منه)
أجابها عرابي متسليا
(أنت محقة في أنه الجزء التافه من الكلام، فأنا ما قلته لليث الهلالي الا ليطمئن قلبه تجاه رغبتي في اتمام الزيجة، لكن في الواقع أنا لا أراك أكثر من مجرد فتاة مناسبة)
هتفت جويرية بحدة و غضب.

(و أنا لا يهمني إطلاقا كيف يراني، انسان تافه مغرور متأخر مثلك)
سألها عرابي ببراءة
(لماذا تبالغين في اهانتي بتلك الطريقة؟، ماذا فعلت لك؟، الا ترين أنك عصبية بشكل مبالغ فيه دون سبب!)
أجابته جويرية بحدة و هي تستدير.

(لأن، لأنني لا أقبل بالحال المائل، و أنت تجاوزت حدك أكثر من مرة و ها أنت تحصل على رقم هاتفي دون اذن مني و تكلمني بغير وجه حق بعد أن خطبت نورهان ابنة عمي، هذه دناءة و حقارة و أنا لا أريد أن أكون طرفا فيها)
قال عرابي بهدوء و مودة.

(الأمر أبسط من ذلك، كل ما هنالك أن الظروف قد جمعت بيننا و أنت بادرت بزيارتي في المشفى، و أجد أن لقائاتنا تعد ذكرى لطيفة، لذا أردت سؤالك و بما أنني رجل خاطب الآن و لا خوف مني، لما لا تقبلين صداقتي على موقع التواصل مثلا، أحب أن أسمع عنك الخير دائما، و إن رأيت مني أي تجاوز يمكنك حذفي على الفور)
رفعت جويرية ذقنها و قالت بصرامة
(هذا مرفوض تماما، أنا لن أقبل بمصادقتك)
رفع عرابي حاجبيه و قال بدهشة.

(لكن لك العديد من الزملاء و الأصدقاء الذكور، و تخرجين معهم أيضا)
قالت جويرية من بين أسنانها
(نخرج لسبب واحد وهو الدراسة فقط لا غير و بموافقة أمي و أبي، كما أننا دائما مجموعة، لا أصادق أي منهم على حدة، أما أنت فلا شيء يجمعنا كي نكون أصدقاء)
رد عليها عرابي بسعادة
(لكن)
هتفت به جويرية بحدة و غضب
(لا لكن، اياك أن تتصل بي مجددا و الا أخبرت الجميع و فضحتك).

و دون انتظار ردا منه أغقلت الخط بقوة، ثم استدارت الى النافذة تتنفس بحدة و غضب...
لكن أمها فتحت الباب فجأة و سألتها بقلق
(مع من كنت تتكلمين في الهاتف يا جويرية؟، سمعتك و كأنك تتشاجرين!)
ارتبكت جويرية و استدارت الى أمها قائلة كاذبة لأول مرة
(أنا، كنت أتكلم مع، إحدى زميلاتي و انفعلت قليلا بسبب ضغط الدراسة و اختبار الغد)
أومأت أمها برأسها ثم ابتسمت بعطف قائلة.

(هوني على نفسك يا حبيبتي، أنت لست من الطلاب الذين يحتاجون لليلة الإختبار، أنت متفوقة منذ اليوم الأول، توضأي و صلي ثم ارتاحي قليلا، و ابدأي مجددا بعد ساعة)
ابتسمت جويرية بضعف، فتركتها أمها و أغلقت الباب خلفها، بينما استدارت جويرية تنظر الى النافذة بشرود ثم همست لنفسها بصوت باهت
(هذه المرة الأولى التي أكذب فيها على أمي).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة