قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثاني عشر

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثاني عشر

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثاني عشر

حين وصل ليث الى البيت، كانت سوار في الفراش نائمة بدلال، متعطرة بأجمل عطورها و أكثرها شرقية...
إن كان مخططها مع هريرة قد فشل، فلن تفشل صورتها على الأقل، ستظل تغريه الى أن يستسلم...
فهو في النهاية يحبها هي...
كتمت سوار أنفاسها حين استلقى الى جوارها منتظرة، الا أنه أدار لها ظهره قائلا ببساطة.

(حين تودين بعض الخصوصية ليس عليك سوى الطلب، لكن لا تجري أختي معك، لتترك زوجها كي تساعدك، أنت تحرجيني و تحرجين نفسك أكثر)
شحبت ملامح سوار تماما، و شعرت بقلبها يحترق غيظا بين أضلاعها، و بدأ الضغط يتزايد حول عينيها حتى ظنت أن رأسها ستنفجر، فما كان منها الا أن أبعدت الغطاء عنها و خرجت من الغرفة جريا...

بينما ليث ينظر الى خروجها مبتسما، لكن ما أن اختفت حتى اختفت معها ابتسامته، و في لحظة ضعف أوشك قلبه على التراجع...

تحرك راجح متكاسلا الى باب الشقة ليفتحه دون حماس، الا أنه توقف مكانه و هو يرى الزائرة الغير مرغوب فيها صباحا...
رمقها من أعلى رأسها و حتى أخمص قدميها، ثم سألها بفظاظة
(ماذا تفعلين هنا؟، لا تخبريني أنك بعد كل هذه الأشهر الطويلة لازلت على أمل العودة!)
رفعت بدور وجهها الشاحب لتنظر اليه و قالت دون مقدمات، بصوت فاقد الرغبة في الحياة.

(أرجوك يا راجح، أقسمت عليك بأغلى شيء لديك، بل أقسمت عليك بالله الذي هو أكبر مني و منك، سيفتضح أمري، لم أعد قادرة على افتعال أي أسباب جديدة لرفض من يتقدمون الي، ماذا لو تزوجت أحد أبناء أعمامي! فضيحتي و فضيحة أبي ستكون على كل لسان)
تأفف راجح وهو يبتعد عن الباب هاتفا بنفاذ صبر
(لا أصدق، ربما توجب على تغيير مكان سكني و اخفاؤه عنك)
وقفت بدور خلفه و صرخت بعنف و توسل.

(أرجوك يا راجح، مضت فترة مناسبة كي يسامحوك، أرجوك تزوجني ولو لفترة قصيرة ثم طلقني، أتوسل اليك)
أشعل راجح سيجارة وهو يوليها ظهره ثم قال ببرود وهو ينفث دخانها...
(أخرجي من هنا يا بدور و لا تعودي، لن يمكنني مساعدتك)
الا أنها صرخت فيه بجنون
(لن أغادر يا راجح، سأظل لصيقة بك الى أن تفعل ما أطلبه منك، أقسم بالله لن أغادر)
استدار راجح ينظر اليها بحاجبين مرتفعين، ثم سألها ساخرا
(تقسمين أنك لن تغادري؟).

أومأت برأسها و هتفت بقسوة و عنف
(أقسم أنني لن أغادر، أقسم بالله لن أدعك تفلت بفعلتك معي)
ضحك راجح عاليا، ثم قال من بين ضحكاته المقيته
(تصورين الأمر كمشهد قديم من فيلم دون الوان، لذئب بشري سلبك أغلى ما تملكين، أفيقي يا بدور، كنت زوجتي و انتهى الأمر بيننا بالطلاق و إن أحببت أن اخبار والدك بالأمر فلا مانع لدي).

كانت بدور تنظر اليه بيأس و هي تهز رأسها قليلا و قد تشوشت صورته أمامها بفعل الدموع الحبيسة أمام حدقتيها...
الا أن هذا هو ما توقعته تماما، لذا ضربت الأرض بقدمها و صرخت
(لن أسمح لك بأن تحط من هامة والدي في الأرض، لن أسمح بهذا)
ضحك راجح مجددا وهو يسألها بدهشة
(أنا من حططت هامته في الأرض؟، عليك التفكير في هذه النقطة مليا يا ابنة المحترمين)
أغمضت بدور عينيها بألم، الا انها قالت بصوت باهت.

(لن أغادر يا راجح، لن أفعل)
أومأ راجح برأسه قائلا بإبتسامة متسليا
(حسنا، لم تتركي لي خيار آخر، سألجأ الى التصرف الأخير معك، ربما ننعم جميعا بالراحة بعدها)
و دون انتظار أمسك بهاتفه وهو يقول ببساطة
(سأتصل بوالدك و أخيك كي يحضران لأخذك من هنا، و متأكد أنها ستكون المرة الأخيرة التي تكرميني فيها بالزيارة حينها)
شعرت بدور فجأة و كأن الهواء قد سحب تماما من رئتيها، و أن الموت بات أقرب لها مما تتصور...

و تحول الرعب بداخلها الى نبضات مؤلمة...
و كطائر مذبوح في لحظاته الأخيرة، فكرت في الهجوم عليه علها تختطف الهاتف...
أو أن تهرب الى الحمام لتقطع شرايين رسغها...
لكن يدها تحركت ببطىء و ثبات، لتلتقط هاتفها و تسبقه في الإتصال برقم تحفظه عن ظهر قلب...
و ما أن وصلها الصوت الثابت حتى همست بصوت تأكدت بأن يصل الى راجح
(سوار، هل يمكنك الي؟، أنا أحتاجك بشدة).

توقفت أصابع راجح عن العمل فجأة، و اخترق الإسم الحبيب روحه و كيانه، فاستدار ببطىء شديد وهو ينظر الى بدور و التي بادلته النظر بعينين بلون الدم...

كانت هريرة جالسة تراقبها بقلق بينما سوار تدور في الشقة و هي تفرك أصابعها بغضب، ثم قالت بتحد دون أن تنظر اليها
(هو قال هذا! حسنا يا ليث، لا بأس، زد من حسابك معي، فقد تماديت و عبرت كل الحدود)
قالت هريرة برجاء
(اهدئي قليلا يا سوار، صدقيني قلبي يخبرني بأن شيء لم يحدث و أنه يستفزك فقط)
استدارت اليها سوار قائلة بعنف
(هذا ما كنت أظنه أنا أيضا، لكن دليلة لن تخدعني، الأمور بينهما تتم بالتدريج).

تنهت هريرة خوفا على زواج أخيها، فهي تعرف ان سوار لن ترضخ و ليث لن يتراجع...
وقفت سوار حين سمعت صوت رنين هاتفها فتأففت بقوة لا تريد أن تكلم أحدا، الا أنها أمسكت به و ردت بنفاذ صبر
(السلام عليكم)
لكن الصوت الذي وصلها كان آخر صوت تتوقع سماعه في تلك اللحظة...
عقدت سوار حاجبيها بشدة و قالت بدهشة بالغة
(بدور!)
ردت بدور عليها بصوت مرتجف بشدة، كمن على وشك الإصابة بالإغماء...

(سوار، هل يمكنك أن تأتي الي، أنا أحتاجك بشدة)
هزت سوار رأسها غير مستوعبة، ثم قالت بحدة
(انتظري لحظة، من أين تتكلمين؟، أين أنت؟)
ردت بدور بصوت مرتجف خافت يثير القلق
(أنا، في شقتنا هنا في المدينة، لا أظنك تعلمين العنوان)
تلبدت ملامح سوار بشدة و قالت
(بالطبع لا أعرفه، آسفة يا بدور لن أستطيع القدوم اليك، يمكنك اخباري عما تريدين في الهاتف)
اختنق صوت بدور و هتفت بأسى.

(أرجوك تعالي، أنا غير قادرة على الخروج من الشقة، أخي لا يسمح لي)
قالت سوار بحدة
(و كذلك زوجي لا يسمح لي، آسفة، إن أردت اخباري عن الأمر في الهاتف، فأنا أسمعك)
انفجرت بدور في نحيب مختنق فجأة فتأففت سوار و هتفت بها بصرامة
(البكاء لن يفيدك، تكلمي)
هتفت بدور بإختناق و توسل
(أرجوك تعالي، لن آخذ من وقتك أكثر من عشر دقائق، أنا لا أحد لدي كي أستغيث به)
هتفت سوار بحدة و هي ترفع رأسها لاعلى.

(ياللهي، أنت ملحة بشكل مزعج جدا)
كان نحيب بدور المتواصل يوتر أعصابها أكثر فقالت بصرامة
(توقفي عن البكاء و اخبريني بالعنوان، عشر دقائق و سأنصرف يا بدور، هل فهمت؟ أرجو الا تكوني قد أوقعت نفسك في المزيد من المشاكل)
سجلت سوار العنوان على الهاتف، ثم نظرت الى هريرة قائلة بحزم
(هريرة، انتظريني هنا، سأذهب في زيارة سريعة لإبنة عمي فهي تحتاج الى مساعدة ملحة)
نهضت هريرة سريعا و هتفت
(سآتي معك).

توقفت سوار و نظرت اليها بحرج...
(اعذريني يا هريرة، هي لديها ظروف سرية خاصة، لهذا هي تحتاجني)
قالت هريرة بقلق...
(لكن هل ستذهبين بمفردك؟)
ردت سوار بهدوء
(بالطبع لا، سأتصل بفريد إن كان متفرغا سأطلب منه أن يقلني، و إن لم يرد، ربما، ربما سأطلب من تيماء أن ترافقني، هي سريعة الحركة و متعاونة دائما)
لحقتها هريرة و قالت بسرعة
(حسنا ألن تخبري ليث بخروجك أولا؟).

وقفت سوار مكانها و هي تتنهد بنفاذ صبر، تخبر ليث! و حين يسألها أي ابنة عم تلك، بماذا ستجيبه؟

خرجت كلا من سوار و تيماء من المصعد، فقالت سوار و هي تنظر حولها
(آسفة جدا يا تيماء أنني ورطتك في هذه المهمة الثقيلة، الا أنها لا تزال ابنة عمنا في النهاية، و لا يمكنك تخيل الى أي حد يمكنها أن تورط نفسها في المشاكل، أنا أخشى أن تحاول الإنتحار أو ما شبه)
توقفت تيماء مكانها و هتفت بصدمة
(تنتحر؟، لماذا؟، ما هي مشكلتها؟)
زمت سوار شفتيها و قالت بإقتضاب.

(سأخبرك لاحقا، إنه سر ائتمنتي عليه تلك الحمقاء، أخبريني، هل قاصي يعلم بأنك معي؟)
هزت تيماء رأسها نفيا و قالت بخفوت
(خرج من الصباح الباكر، اتصلت و أخبرته، فرفض، فأتيت دون اذن منه)
توقفت سوار و نظرت اليها بدهشة و هتفت
(لماذا قمت بهذا التصرف؟)
ردت تيماء ببساطة
(لم أكن لأتركك تأتين بمفردك طالما طلبت مني المساعدة، ليس كارثة إن قمنا بزيارة ابنة عمنا، قاصي لا يزال متحسسا من العائلة بأكملها).

لوحت سوار بكفيها و قالت
(كل هذا لأجل أغبى بنات الرافعية، علها تقدر ما نقوم به لأجلها، )
ردت تيماء ببساطة
(أنا أتوق الى التعرف عليها اكثر، أنا أتذكرها جيدا، كانت فتاة طيبة، الا أنها فاقدة للثقة بنفسها بشكل موجع، و أغلب الظن أن والدها و شقيقها هما السبب، يكفي أن يكون شخص كزاهر هذا شقيقها، )
مطت سوار شفتيها و قالت بسخرية
(أنت لا تعرفين عنها الكثير، أنا اعرف أكثر، عامة هيا بنا الى الشقة).

طرقت سوار جرس الباب و انتظرت ورائها تيماء تدس كفيها في جيبي سترتها بعفوية، و ما هي الا لحظات حتى فتح الباب، فعقدت سوار حاجبيها و هي ترى بدور مرتدية عبائتها السوداء و حجابها المماثل، بينما كان وجهها محتقنا من شدة البكاء، الا أنها همست بإعياء
(تفضلي، أرجوك)
دخلت سوار بحذر و هي تنظر الى وجه بدور تتبعها تيماء و التي ما أن رأتها بدور حتى شهقت قائلة
(ماذا تفعل هذه هنا؟، كي تفعلين هذا بي يا سوار!).

زمت تيماء شفتيها و قالت من بينهما بفظاظة
(على الأقل يمكنك التظاهر بالترحيب، خاصة و أننا تركنا ما بأيدينا و جئناك فورا)
كانت كلا من سوار و تيماء قد دخلتا الى الشقة، فلم تلحظا الباب الذي أغلق حتى سمعها صوته، بينما بدور تقف أمامهما، فالتفتتا بسرعة وهما تريان راجح خلفهما يغلق الباب بالمفتاح ليضعه في جيب بنطاله وهو ينظر اليهما مبتسما ابتسامة مخيفة، ثم قال متشدقا ببطىء.

(يالها من زيارة غالية، سوار الرافعي بنفسها و معها زوجة ابن الحرام!)
شهقت تيماء بقوة و هي تختبىء خلف سوار، بينما تداركت سوار لحظة الصدمة الأولى و نظرت الى بدور و قالت بنبرة مخيفة
(لا أصدق أنك دبرتي لنا هذا الفخ؟، أي حقيرة أنت!)
هتفت بدور و هي تنتحب بقوة و عنف.

(ليس فخا أقسم بالله، لم يكن لدي حل آخر، لقد هدد بفضحي لدى والدي و أوشك على الإتصال به، لم يمنعه سوى اسمك، سامحيني أرجوك، لكن أنا ليس لي دخل في قصة حبكما تلك، لقد ظلمتماني طويلا)
نظرت اليها سوار بقرف قبل أن تستدير لتنظر الى راجح بنظرة كره قاتلة و قالت من بين أسنانها
(افتح الباب و دعنا نخرج من هنا، هذه المرة ستكون بموتك)
ضحك راجح وهو يهز رأسه غير مصدقا لعنجهيتها و ثبات روحها، ثم قال بنبرة شاردة بطيئة.

(تعالي و خذي المفتاح بنفسك)
صرخت به سوار بوحشية
(افتح الباب يا راجح و انجو بحياتك، فلو أتى زوجانا الى هنا، لن يرحماك)
ضحك راجح بخفوت وهو يتأمل كل ذرة من حركتها، كل حرف يخرج من بين شفتيها، ثم همس لها
(الأمر يستحق المجازفة، سوار الرافعي تقف أمامي، في بيتي، بكل بهائها و جمالها، يمكنني الموت راضيا، فداءا لتلك اللحظة)
برقت عينا سوار بجنون و هي تنظر الى بدور و قالت بنبرة صاعقة
(بيته!).

غطت بدور وجهها بكفيها و انفجرت في البكاء، بينما صرخت سوار به
(ماذا تظن أنك ستفعل؟، هل ستحتجزنا هنا في وسط المدينة؟، أم تنوي التهجم علينا؟)
لم يكن في نفس العالم معهما، كان يبدو و كأنه في عالم آخر معها وحدها، مع صوتها الساحر في نبرته الآمرة، تخفي الخوف داخلها بمهارة، و تقف أمامه بشراسة على استعداد لنهش لحمه إن تجرأ و اقترب منها...
قال راجح بنبرته البطيئة وهو ينظر الى عينيها.

(اطنئني يا ابنة عمي، لن أؤذيك مطلقا، يكفيني النظر اليك فقط)
ضحكت سوار بسخرية و هي ترتجف حتى العظام من شدة كرهها و نفورها
(لن تؤذيني! ألا تعرف كم آذيتني في المرة الأولى يا عديم الشرف! و الآن تعيد نفس مخططك القذر!)
تأتأ راجح بشفتيه وهو لا يزال واقفا مكانه، بينهما و بين الباب، ينظر الى عينيها بنهم شارد، محروم، ثم قال بخفوت.

(في المرة السابقة كنت أخطط لجعلك زوجتي، بينما الآن أنا كالمحكوم عليه بالإعدام، و قد سألوه عن أمنيته الأخيرة، فاختار النظر الى عينيك برضا)
نظرت بدور اليه بعينيها المتورمتين و همست بإختناق
(و أنا، ما ذنبي أنا؟، لماذا فعلت بي ما فعلت؟، ماذا فعلت كي أستحق منك أن تدمر حياتي؟)
نظر اليها راجح نظرة لا مبالية ثم قال ببرود
(ما حدث بيننا لم يكن سوى قسمة و نصيب، كل منا ذهب الى طريقه و عليك الإقتناع بهذا).

صرخت بدور بعذاب
(لماذا جعلتني زوجتك فعلا طالما أنك لم تحبني مطلقا)
مط راجح شفتيه وهو يقول ببساطة
(تلك الأمور لا علاقة لها بالحب أو عدمه، أنت ارتضيت هذا على نفسك، لذا لا يحق لك الإعتراض حين تفشل الزيجة)
نظرت سوار اليها بقرف و هتفت بها.

(ما الذي تفعلينه هنا أصلا؟، أنت لم تعودي زوجته، كيف لك أن تتواجدي لديه في شقته؟، على الأقل ما فعلته من قبل كان حلالا على الرغم من مدى غبائك، لكن الآن، كيف لك المجيء الى هنا بمفردك؟)
نظرت اليها بدور بعينين ميتتين حمراوين توقفتا عن البكاء و كأنها لم تعد قادرة على المزيد، ثم قالت بخفوت
(انهم يريدون تزويجي لأمين، سأقتل نفسي قبل أن يحدث هذا و يفتضح أمري أمامه).

ضحك راجح عاليا، فانتفضت بدور تنظر اليه بألم، بينما هزت سوار رأسها بتقزز، ثم سألته بصوت خفيض
(أنا فقط لدي سؤال واحد، الا تمتلك ذرة من ضمير! كيف لك أن تكون شيطانا الى هذه الدرجة؟)
توقف ضحك راجح وهو ينظر اليها نظرة، جعلتها تتراجع للخلف و هي تمسك بيد تيماء بقوة، ثم قال أخيرا بصوت غريب.

(إن كان هذا هو ما سيريحك، فيمكنك تلقيبي بالشيطان، و الشيطان سيكون سعيدا بالجلوس أمامك هذه الدقائق القليلة، سجين نظرة منك)
همست تيماء بإرتجاف
(إنه مختل يا سوار، أنا أعرفه جيدا، إنه مختل و مضطرب نفسيا)
شدت سوار على قبضتها و قالت بشجاعة، بينما عيناها على راجح تراقبان كل خطوة يخطوها
(ليس مختلا يا تيماء، إنه يدرك تماما كل خطوة يقوم بها)
أومأ راجح برأسه بحركة مسرحية وهو يقول مبتسما دون روح
(هذه شهادة منك).

تكلمت تيماء بقسوة
(أنت ستتسبب في ضياع مستقبلك يا راجح للأبد، هذا إن كان هناك شيئا متبقيا منه، هل تتخيل أنك ستخطفها مثلا؟)
ارتفع حاجبي راجح بسخرية وهو ينظر الى تيماء و قال ضاحكا
(الفأرة الصغيرة العاشقة! أتصدقين أنني اشتقت اليك حقا! أي خطف و أنتما من أتيتما الى شقتي دون اجبار!)
صرخت به تيماء قائلة
(حسنا، نقر لك بأننا وقعنا في هذا الفخ الساذج، ما هي خطوتك التالية؟، أنت تعلم أنك لن تستطيع فعل أي شيء).

ابتسم راجح بسخرية قائلا
(اطمنئني يا فأرتي، وجود سوار معكما هنا، لهو أكبر ضمان لكن على أنكن في أمان)
صمت للحظة و نظر الى عيني سوار، ثم قال بنبرة غريبة باهتة
(لن أؤذيها ما حييت)
ابتسمت سوار بسخرية مقيتة و قالت بإختناق
(ليتك تعرف كم آذيتني في المرة الأولى، افتح الباب و اخرجنا من هنا يا راجح، احتجازنا جريمة)
ضحك راجح بخفوت و قال ببساطة.

(أي احتجاز هذا و هواتفيكما معكما، تفضلا و قوما بالإتصال بزوجيكما، سأكون سعيدا و أنا أرى ابن الهلالية و ابن الحرام آتيان الى هنا كي يصطحبا زوجتيهما)
نظرت سوار الى تيماء التي زمت شفتيها و بادلتها النظر، قبل أن تنظر كلاهما الى بدور...
أخفضت بدور رأسها و همست
(لولا خوفي من الله لقتلت نفسي أمامكما، أقسم بالله)
مطت سوار شفتيها بقرف و قالت
(و بما سيفيدنا موتك؟، لا تتكلمي، لا أريد سماع صوتك، مفهوم!).

سألتها تيماء بجدية
(اذا ماذا نفعل؟، هل نتصل بهما أم نطرق الباب و نصرخ عاليا؟)
ضحك راجح وهو يستمع اليهن بتسلية شريرة، فرمقته سوار بنظرة كانت الوحيدة القادرة على ايلامه، ثم قالت بصوت ضائع
(لو حضرا الى هنا ستحدث مجزرة)
أغمضت تيماء عينيها و هي ترتجف من تخيل الموقف، بينما تابعت سوار قائلة بحزم
(و مع ذلك هذا هو الحل الوحيد، فالصراخ لن يفيد، فهما سيعلمان بكل حال من الاحوال، اخرجي هاتفك و اتصلي بقاصي).

و دون انتظار ردها أخرجت هاتفها و طلبت رقم ليث...

جلست ثلاثتهن على الأريكة متجاورات، بينما هو يجلس أمامهن، ينظر اليها دون حرج...
و كأنه يحيى لحظاته الاخيرة بنهم...
صامتا، لا يبتسم و لا يتكلم، فقط يراقب كل نفس يخرج من بين شفتيها و هي تتجنب النظر اليه...
أما بدور فقد كانت شاحبة شحوب الأموات و هي تنتفض و ترتجف بعنف، حتى أشفقت عليها تيماء فأمسكت بكفها رغم عنها و همست لها
(اهدئي قليلا، تبدين كمن سيتوقف قلبه).

نظرت اليها بدور بعينين غائرتين و كأنها لا تبصر شيئا، ثم همست بضياع
(سيفتضح أمري، سأتي زوجيكما الى هنا و يفتضح أمري)
زمت سوار شفتيها و قالت بنبرة جليدية
(أؤمريها أن تصمت يا تيماء، لا أريد سماع صوتها)
لكن تيماء كلمت بدور قائلة بقسوة.

(لا يمكن للأمر أن يكون بمثل هذه الخطورة، نعم أخطئت، و خطأ في منتهى الغباء و الحقارة لكنك كنت زوجته، كان عليك الوقوف أمام والدك و الإعتراف مرة واحدة و للأبد، ربما صفعك و نلت منه ضربة كسرت عظامك، لكنك ستكونين قد تحررت من هذا الكابوس)
نظرت اليها بدور و ابتسمت هامسة بنبرة الأموات
(صفعني! أنت لا تعرفين والدي، سيقتلني و يتلذذ بتعذيبي قبلا)
همست تيماء بعنف.

(لم يكن هذا ليحدث، لقد انتهى عهد قتل الآباء لبناتهن، أنت سجينة الرعب الذي رسمتيه لنفسك)
أومأت بدور و قالت
(نعم، نعم أنا سجينة للرعب كما قلتي، الا أنني لست من رسمه، بل والدي)
صمتت للحظة ثم همست بخفوت ميت
(أتعرفين أن معظم الأسر توقفت عن عادة ليلة الدخلة العلنية القديمة، الا أقل القليل، و من بينهم والدي، يقول هذا و يفخر به، هل يمكنك أن تتخيلي تفكيره؟)
أومأت تيماء برأسها دون أن تجيب، ثم همست هي الأخرى.

(يمكنني تخيل الطريقة التي سيعاقبك بها، كما تعاقب الفتيات عادة)
عقدت بدور حاجبيها بعدم فهم و همست بصوت شديد الخفوت
(ماذا تقصدين؟)
همست تيماء لكها بكلمة بحركة الشفاه دون أن تنطقها، لكن بدور فهمتها و همست
(لقد قمت بهذا بالفعل، حين كنت صغيرة، بعض العائلات تفعل هذا، الأمر ليس خطيرا الى هذه الدرجة)
صرخت تيماء فجأة، بقهر و ألم
(بلى إنه خطير، إنه يترك ندبة لا تزول).

أجفل راجح وهو ينظر الى تيماء بعد شرود طويل، ثم سألها قائلا بخشونة
(بماذا تهمسان؟)
نظرت اليه تيماء بشراسة و صرخت فيه و قد بدأت سيطرتها تنهار
(اخرس يا حيوان و لا تتدخل)
ارتفع حاجبي راجح وتحولت نظراته الى نظرات مخيفة مرعبة، بينما أمسكت سوار بكفها و قالت ببطىء
(ليس الى هذه الدرجة يا تيماء، لا تنسي أنه مجرم معتوه)
صرخت تيماء بجنون
(معتوه على نفسه، الجبان الحقير، محتجز النساء).

نهض راجح من مكانه و اقترب منهن ببطىء فتراجعت ثلاثتهن الى ظهر الأريكة، و كانت سوار هي أول من صرخ به
(إن تجرأت على مس احدانا فسوف أقطع لك الجزء الذي تفخر به من جسدك و أسلمه لك في يدك أيها الحقير)
تسمر راجح مكانه للحظة، ثم مال اليها مبتسما حتى أبعدت وجهها عنه بعنف، فهمس لها بصوت مختنق.

(لماذا لا تغادرين قلبي كما غادرت حياتي، بمنتهى البساطة و دون نظرة واحدة للوراء، لماذا لا تنزعين حبك كما انتزعت نفسك، لماذا)
صمت لحظة، ثم صرخ فيها بعنف مما جعلها تطبق جفنيها بشدة
(لماذاااااااااااااااا)
صرخت تيماء و بدور بأصوات مختنقة خائفة، أما سوار فظلت مكانها مشيحة بوجهها عنه بصلابة...
تهيء نفسها الى تمزيق لحمه بأسنانها إن تجرأ و لمسها...
لكنه لم يجد الوقت، فصوت آخر أكثر صخبا صدح في المكان...

صوت رصاصة، كسرت الباب، ليقتحم المكان اثنان، غشى الجنون نظراتهما...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة