قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثالث عشر

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثالث عشر

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثالث عشر

(لماذا لا تغادرين قلبي كما غادرت حياتي، بمنتهى البساطة و دون نظرة واحدة للوراء، لماذا لا تنزعين حبك كما انتزعت نفسك، لماذا)
صمت راجح لحظة، ثم صرخ فيها بعنف مما جعلها تطبق جفنيها بشدة
(لماذاااااااااااااااا)
صرخت تيماء و بدور بأصوات مختنقة خائفة، أما سوار فظلت مكانها مشيحة بوجهها عنه بصلابة...
تهيء نفسها الى تمزيق لحمه بأسنانها إن تجرأ و لمسها...

لكنه لم يجد الوقت، فصوت آخر أكثر صخبا صدح في المكان...
صوت رصاصة، كسرت الباب، ليقتحم المكان اثنان، غشى الجنون نظراتهما...
عاصفة، عاصفة لم يستوعبها عقل الثلاث فتيات و هن ينظرن في ذهول الى راجح وهو يبتعد عن سوار للخلف بقوة دافعة. حتى ارتمى على المقعد الذي كان يحتله منذ لحظات، لكن دون ان يتحرك اليه بإرادته...
بل تم القاؤه القاءا، وصوت ليث يهدر به بجنون
(ابتعد عن زوجتي أيها ال).

رمشت سوار بعينيها و هي تحاول تمييز ما يحدث بصدمة، فقد كان ليث يطبق بذراعه على عنق راجح وهو مرتمي على المقعد، بينما السلاح في يده مصوب الى رأس راجح مباشرة...
حينها فقط قفزت من مكانها برعب كي تمنعه، بينما تعثرت في قاصي الذي اندفع أمامها ليسحب تيماء من ذراعها حتى أنهضها على قدميها وهو ينظر اليها من قمة رأسها حتى أخمص قدميها ثم قبض على ذقنها صارخا
(هل أنت بخير؟، هل مسك بسوء؟، هل مسك أصلا بأي طريقة؟).

هزت رأسها بسرعة و ارتجاف و هي تجابه نظراته المخيفة و قالت بصوت متلعثم
(لم يفعل أي شيء مطلقا، كانت حركة غبية كي يستفزكما ليس أكثر)
الا أنها كانت تخاطب الهواء، فما أن تأكد بأنها بخير حتى تركها و اندفع الى راجح كي يشبعه ضربا بمساعدة ليث...

كانت تيماء معتادة على ردات فعل قاصي المتهورة ذات الإنفعال الغير مسيطر عليه، لذا كانت هي أول من تمالكت نفسها فالتفتت الى بدور بسرعة، فوجدتها و قد رفعت ساقيها الى صدرها و انكمشت في زاوية الأريكة، ترتجف من شدة البكاء دون صوت
بينما عينيها متسعتين بشدة و كأنها تنظر الى أشباح غير مرئية لسواها...
لم تضيع تيماء المزيد من اللحظات الثمينة، فأمسكت بكفي بدور و جذبتها بالقوة حتى أوقفتها و هتفت لها همسا آمرة.

(اخرجي من هنا فورا و عودي الى بيتك قبل أن يبدأ البشر في التجمع)
هزت بدور رأسها نفيا بقوة و هي لا تزال على ارتجافها و انتفاضها، و اتساع عينيها...
و همست برعب شاهقة ببكاء عنيف
(لن أترككما مستحيل، لن أترككما)
أمسكت تيماء بكتفيها و هزتها بقوة صارخة فيها بصرامة همسا
(نفذي ما أقول، وجودك لن يفيدنا شيئا، عودي الى بيتك قبل أن يدري أحد بوجودك هنا).

كانت بدور لا تزال تهز رأسها نفيا و هي تبكي بإختناق، فما كان من تيماء الا أن دفعتها الى الباب المفتوح بقوة و هتفت بها آمرة
(اخرجي حالا، و إياك و العودة الى هذا المكان مجددا و الا كنت أنا من سيفضحك عند والدك)
ظلت بدور تنظر اليها متوسلة للحظة، ثم أجبرت قدميها على التحرك بترنح، حتى خرجت جريا تتعثر على السلالم...

أما تيماء فقد أخذت نفسا عميقا و هي تشعر بنفسها على وشك الإصابة بالإغماء، الا أنها تبعته بنفس آخر ثم استدارت ببطىء كي يواجهها المشهد الأفظع، و الذي سمرها مكانها هلعا، و عيناها تتسعان برعب...
كان راجح ملقى على المقعد الوثير، بينما ليث منحنيا فوقه، يحتجز عنقه بساعده القوي، مما جعل عيني راجح جاحظتين، لكن الغريب أنه كان يضحك! و السلاح ملتصق في رأسه!

كمن يواجه حتفه سعيدا، ناظرا الى ليث بتشفي و تحدي في آن واحد، و لم تبدر منه ذرة مقاومة واحدة...
كل هذه الصورة لم تمثل جزء من صدمتها، بل صدمتها الحقيقية كانت في قاصي...
فقد كان واقفا خلف ليث بخطوة، ينظر الى ما يحدث بملامح غريبة و كأنه قد تحول الى صنم دون احساس...
حدقتاه على الرغم من النار المشتعلة بهما، الا أنهما ثابتتان تماما...
فغرت تيماء شفتيها المرتجفتين، ووقفت للحظات تنظر الى قاصي...

بينما كانت سوار تقترب من ليث ببطىء متعثر و هي تضم قبضتيها معا قائلة بترجي، بل توسل
(لا تفعل يا ليث ارجوك، كانت مجرد حركة حقيرة منه لم يقصد بها الا أن يفقدك أعصابك و قد نجح في هذا، لا تتمادى لأجل شخص مثله، أرجوك)
لكن ليث لم يبدو و كأنه قد سمع كلمة مما قالت، بل كان يخوض حربا بين عينيه الغاضبتين بضراوة. و عيني راجح الناظر اليه بنفس التحدي. المبتسم بشيطانية...

و كان ليث هو من قطع تلك الحرب قائلا بصوت خفيض بطيء يرتجف غضبا مرعبا...
(المرة السابقة، لم تكن سوار زوجتي، و قد تكفل بك أخاها، أما اليوم، فهي زوجتي، تحمل اسمي، هل تعرف معنى هذا؟، معناه أنك منحتني الفرصة، اليوم ستسدد ما عليك كاملا، و ننتهي منك للأبد)
ضحك راجح بصعوبة وهو يسعل، ثم قال منتشيا على الرغم من صوته المرتجف.

(لم أفعل شيئا، زوجتك جائت الى هنا و دخلت شقتي بملىء ارادتها، لذا من حقي اغلاق الباب لحين يأتي زوجها الى استلامها، يبدو أنك لست مسيطرا عليها كما يبدو يا ابن الهلالي)
لمع الجنون في عيني ليث، فأبعد السلاح في لحظة خاطفة و ضرب جبهة راجح بظهرهه، ففتح بها جرحا عميقا
وشهقت سوار بنفس مرتجف، الا أنها قالت بنبرة قوية متوترة، على الرغم من كيانها المنتفض...
(ليث، أرجوك، لا تفعل).

لكن ليث هدر بصوت صادم دون أن يلتفت اليها وهو يعيد تصويب السلاح الى رأس راجح
(عودي الى البيت حالا)
لكنها لم تكن لتسمح له بأن يرهبها في تلك اللحظة تحديدا، فجابهته صارخة بقوة
(لن أغادر، لن أغادر و لن ترتكب جريمة أبدا، أنت سبق و منعتني بالقوة، و ها أنا أقف لك، لن تفعلها و تلوث يدك بدمه)
رمشت عينا راجح مرة و تاهت نظرته للحظة، مجرد لحظة مع نبرة صوتها التي تخللت أذنيه بسادية...

لكنه لم يلبث أن رفع عينيه مجددا الى عيني ليث و قال لاهثا وهو يبتسم نفس الإبتسامة
(زوجتك قوية، اليس كذلك؟ لطالما كانت سوار ذات كلمة آمرة تسري على الرجال)
لم يتمالك ليث نفسه فأبعد ساعده عن عنق راجح الذي لم يكد يلتقط أنفاسه، حتى عاجله ليث بلكمة تردد صدى صوتها في المكان، وهو يهدر به
(لا تنطق اسمها على لسانك).

أغمضت تيماء عينيها بكفيها و هي ترى راجح يبصق دما غزيرا من فمه، أما هو فقد ضحك على الرغم من حالته الغير مستقرة و نظر الى ليث قائلا ببطىء شرير.

(اسمها، اسمها، اسمها كان الشيء الوحيد الذي أتلذذ بتذوقه منذ أن أصبحت لغيري، سنوات طويلة و أنا لا أملك سوى نطقه، و اختلاس النظر اليها، امرأة بعد امرأة، لم تنجح واحدة في طردها من قلبي مطلقا، و تظن الآن أنه بأمر منك، تستطيع حرماني من الشيء الوحيد المتبقي لي منها؟).

تراجع ليث خطوتين للخلف و بعينين ثابتتين رفع سلاحه الى وجه راجح الذي ضحك بخفوت، محاولا ايلامه حتى في اللحظات الأخيرة المتبقية له إن تهور ليث و فعلها...
أما سوار فقد هتفت بقوة و هي تهز رأسها
(لا، لا، لن تفعل، لن اسمح لك)
اقتربت منه خطوة، الا أن صوت ليث بدا جهوريا وهو يقول
(لا تتحركي خطوة من مكانك).

توقفت سوار على الرغم منها كي لا يتهور، لكن تيماء هي من تحركت، فاندفعت الى قاصي و أمسكت بذراعه هاتفة بتوسل
(كلمه يا قاصي ارجوك، سيقتلك أخيك!)
أخفض قاصي عينيه ينظر اليها رافعا احدى حاجبيه، فأومأت بسرعة و هي تهتف بعنف و قوة.

(نعم أخيك رغم عنك و عنه و عن والدك و عن أنف الجميع، حسنا إنه قذر و حيوان و أكثر شخص متخلف رأيته في حياتي، لكنه لا يستحق الموت بهذه الطريقة، على الأقل ليس و أنت شاهدا على ما يحدث مكتفا ذراعيك، ستندم المتبقي من عمرك، أرجوك)
بكت على الرغم منها...
و على الرغم من أن قاصي بدا في أمان في تلك اللحظة، فليث هو من سيتحمل الجريمة، لكنها بكت من أعمق قلبها...

إن ارتضى قاصي بما يحدث، فهذا يعني أن المتبقي من قلبه قد مات للأبد، و لا تظن أنها ستستطيع النظر اليه مجددا...
كل ما حدث كان خلال لحظات، فقط لحظات، ظلت تنظر اليه بترجي و هلع...
قبل أن ينزع ساعده من قبضتها دون أن ينظر اليها، ثم تحرك ببطىء...
مجرد ثلاث خطوات ثم استدارة...
و كان بعدها واقفا أمام سلاح ليث الذي بات موجها الى صدره هو، و راجح على المقعد خلفه...
ارتفع حاجبي ليث و برقت عيناه وهو يقول مهددا.

(ابتعد عن السلاح يا قاصي، هذا الأمر خاص بيني و بينه، خذ زوجتك و اخرج من هنا، هي ليست المعنية من الأساس)
كان قاصي ينظر اليه بملامح بدت متحفزة الى درجة الوجع من شدة تشنجها، و نظرات عينيه كنظرات مختل يحاول السيطرة على نفسه، حتى قبضتيه منقبضتين بشكل أكثر تشنجا، ثم قال ببطىء.

(هذا الشخص الملقى خلفي سافل، أكثر أهل الأرض دناءة و أنا أدرى به، و أكثرهم غدرا، و ليس لدي أدنى شك في أنه إن كان ممسكا بسكين الآن لكان ضربها في ظهري دون تردد، لكن مشكلتي لم تكن معه منذ البداية، ثأري كان مع والده، لذا، لن أستطيع تركك تقتله أمامي، لأنني بصراحة سأشعر حينها بالتشفي و الرضا، و هذا ما يخيفني، الترقب الذي شعرت به في تلك اللحظة كي أراك تقتله أخافني، أنا مضطر لإيقافك يا ليث).

ظل ليث ينظر اليه للحظات طويلة، كتمت بها كل من تيماء و سوار أنفاسهما برعب و دعاء صامت الى أن أخفض سلاحه في النهاية يدسه في غطائه الخاص و المثبت بحزامه مخبأ تحت سترته...
مما جعل سوار تغمض عينيها و هي تشعر بركبتيها تتخبطان معا، أما تيماء فقد أخذت نفسا و هي تهمس.

الحمد لله، لقد حكم عقله مرة، مرة يا الله، الحمد لله أنني عشت و رأيت هذا اليوم، أحمدك و أشكر فضلك يا الله، بينما قاصي أومأ الى ليث ببطىء وهما يتبادلان النظر، لكن راجح رفع كفيه ليصفق فجأة ببطىء. وهو يقول بملل
(عرض عاطفي مؤثر، لكن اعذراني، فأنا أمل بسرعة من هذه العواطف الأخوية)
صمت للحظة ثم رفع أحد حاجبيه وهو يقول بخبث متابعا
(الجلسة مع الفتيات كانت أكثر متعة).

أغمض قاصي عينيه للحظة و فكه يتوتر أكثر، بينما همست تيماء بإرتياع
منك لله يا متخلف، لم تكد تنهي همستها حتى فتح قاصي عينيه ثم استدار على عقبيه في حركة واحدة ليجذب راجح من مقدمة قميصه بقبضتيه حتى ألقاه أرضا، ثم أخرج من جيبه سكينا أشهره في وجهه وهو يهمس من بين أسنانه بصوت يقطر كرها و غضبا، وهو يشير الى الأثر الشاحب بين عينيه
(أتتذكر هذه؟).

نظر راجح الى السكين في قبضة قاصي، ثم الى الجرح بين عينيه، و قال مبتسما بسخرية شريرة
(لقد دمغتك بها، كي تتذكر بأنك ستظل ابن زنا طوال عمرك)
رفعت تيماء كفيها فوق رأسها و هي تهمس برعب و هلع
عسى أن تضربك صاعقة يا بعيد، الا أن قاصي كان يقبض على مقدمة قميصه بكل قوة وهو يتنفس بسرعة، يرمش بعينيه كمن هو غير قادر على السيطرة أكثر، لكن و قبل أن يتحرك، فقد راجح قناع السخرية الذي يضعه و قال بنبرة غل ترتجف.

(ابن زنا، ابن زنا وضيع و دون أصل، من تكون كي تحظى بإمرأة مثلها! ماذا فعلت كي تحظى بإمرأة تمنحك نفسها و قلبها على الرغم من كل علاتك و وصمات العار التي تلحقق؟)
ضاقت عينا قاصي بعدم فهم، و انعقد حاجبيه بشدة، بينما صرخ فيه راجح بجنون مفاجيء وهو يقبض على مقدمة قميصه هو الآخر...
(من تكون كي تحظى بإمرأة تضحي بكل شيء من أجلك؟)
ازداد انعقاد حاجبي قاصي بشدة أكبر و هز رأسه وهو يصرخ فيه بعدم فهم.

(من تقصد؟، من تحب أنت؟)
صرخ راجح بنفس الجنون
(فأرتك الصغيرة الغبية، لماذا يحظى بها وضيع مثلك)
اتسعت عينا قاصي بذهول وهو يدير رأسه ناظرا الى تيماء نظرة جنونية، فرفعت اصبعها تشير به نفيا بهلع و هي تهتف
(إنه لا يحبني أنا، اقسم بالله، إنه يهذي و قد تداخلت المواضيع في عقله المتخلف)
ضحك راجح عاليا وهو يلقي رأسه للخلف هاتفا بنبرته الأكثر شرا من بين كل الأصوات.

(ألم تخبرك أن اتصالات طويلة دارت بيننا؟، كانت تحكي فيها عن عشقها المجنون بك. )
فغر قاصي شفتيه قليلا وهو ينظر الى تيماء بصدمة أكبر، بينما صرخت فيه تيماء بعنف
(لماذا تفعل هذا؟، أي شيطان أنت بالفعل؟)
أغمض راجح عينيه وهو يضحك بشدة بدت غريبة، و قال بصعوبة من بين ضحكاته
(من أنت كي تعثر على حب كهذا؟، كيف؟، كيف و لماذا؟)
تحول ضحكه الى صراخ مجنون، وهو يسأل، فهمست تيماء لقاصي.

(اتركه أرجوك يا قاصي، الا أترى أنه قد فقد عقله)
لكن قاصي كان ينظر الى راجح بعينين ضيقتين، يراقب صراخه بعد ضحكه، ثم ينظر الى تيماء نظرة خاطفة...
قبل أن يقول بخفوت غريب النبرة
(هذا ما لن تعرف جوابه، أنا حقا آسف عليك)
فتح راجح عينيه ينظر الى قاصي، لكنه شهق ألما دون صوت ما أن مرت سكين قاصي في حركة خاطفة بين عينيه...
صرخت تيماء بقوة، بينما قال قاصي بعنف.

(لكن مهما بلغ أسفي عليك، لن يمنعني هذا من دمغك بعلامة، كي تتذكر دائما أنك لو اقتربت من زوجتي مجددا فسوف تمر هذه السكين على عنقك)
بكت تيماء و هي تتراجع خطوة للخلف ناظرة الى خط الدم بين عيني راجح نزولا الى شفته، مماثلا لجرح قاصي تماما...
و ما أن ابتعد قاصي عنه حتى عاجلته ركلات ليث، تلوى راجح على نفسه متأوها بقوة...

لكن ما جعلها تبكي حقا هو أنه حتى تلك اللحظة لم يحاول المقاومة، كان ملقى أرضا يتأوه بشكل مثير للشفقة، حتى انتهى منه ليث ووقف ينظر اليه لاهثا، قبل أن يشير اليه بإصبعه قائلا بنبرة مخيفة
(هذه المرة ستكون الفاصلة في حياتك من موتك يا راجح، المرة المقبلة لن أتهاون في قتلك)
و دون انتظار ردا منه كان قد سحب سوار من ذراعها بقوة كي يخرج بها من هذه الشقة، لكنها لم تستطع منع نفسها من القاء نظرة الى الوراء...

حيث كان راجح ملقى أرضا، ينظر الى عينيها مباشرة، من بين كدماته و الدم الذي ملأهما و سال حولهما...
كانت نظرة طويلة، ذات شوق متألم، و كأنها صرخة مستنجدة، قبل أن يرفع كفه قليلا هامسا
سوار، لكن كفه سقطت أرضا و هي تشيعه بنظرة، نظرة شفقة، كانت أسوأ من كل نظرات الكره التي رمته بها قبلا...
حينها أغمض عينيه وهو يدرك أن الرجل الذي تنظر اليه سوار الرافعي كرجل مثير للشقفة، لهو رجل منتهي بالنسبة لها...

أما تيماء فقد كانت واقفة ترتجف بشدة و كفاها على فمها، متسعة العينين، تنظر الى كل ما حدث من همجية أعادتها الى سنوات مضت، حيث لا قانون الا قانون الدم...
أمسك قاصي بكفها كي يغادرا المكان فتهاوت ساقيها قليلا، مما جعله يجذبها الى صدره وهو يقول بقلق على الرغم من غضبه المستعر في عينيه
(هل أنت بخير؟)
رفعت تيماء وجهها الشاحب اليه و قدا بدا شديد البياض، ثم همست بصوت مرتجف.

(أشعر بنفسي غير قادرة على الحركة، ساعدني أرجوك)
برقت عينا قاصي بمشاعر متداخلة عنيفة، و شتم من بين أسنانه بقوة قبل أن يسندها الى صدره و يتحرك بها هامسا بصوت متجهم، متسارع النفس
(هل أحملك؟)
رفعت عينيها مجددا تنظر الى عينيه و هي تتشبث بساعده بأظافرها، لكن الحركة من حولها جعلتها تنتبه للمرة الأولى أنهما واقفين بين تجمهر من البشر...

مجموعة من السكان متجمعين بعد دخولهم من الباب، و من صمتهم الذاهل بدا من الواضح أنهم كانوا حاضرين للحوار من بدايته...
ارتبكت تيماء بشدة و سارعت بهز رأسها نفيا و همست بإختناق
(لا، أستطيع السير، لكن فقط ساعدني)
غامت عينا قاصي بعمق، الا أنه ساعدها وهما يخرجان من باب الشقة يتجاوزان السكان المتجمهرين...
فنظر أحدهم الى باب الشقة و القفل المكسر، و سأل الباقين بنبرة رفض
(هل نتصل بالشرطة؟).

أجابه آخر وهو ينظر الى راجح الملقى أرضا، مقلبا شفتيه بقرف
(شخص متعجرف و نال ما يستحق، لقد احتجز زوجتين، احداهما زوجة أخيه! أقصى ما سأفعله هو طلب سيارة إسعاف له، و في المشفى سيطلبون الشرطة، و إن كنت أظن أنه لن يملك الجرأة على ذكر سبب ضربه بهذه الطريقة).

فتحت بدور باب الشقة بأصابع مرتجفة و هي تنتفض بقوة، تبدو كالعمياء، لا ترى أمامها، حتى أنها عجزت عن فتح الباب لثلاث مرات الى أن نجحت أخيرا، لتجري كمن تطارده الأشباح حتى وصلت الى غرفتها، فارتمت على سريرها و هي تختبئ تحت غطائها بعينين واسعتين محتقنتين، الدموع متجمدة بهما...
و كان لسانها لم يتوقف عن الهمس للحظة
(لقد تركتهما، لقد تركتهما، هربت و تركتهما).

خرجت والدتها في تلك اللحظة من غرفتها على صوت الباب، فنادت قائلة بقلق
(بدور! أهذه أنت؟، هل عدت من كليتك؟)
لكن انعقد حاجبيها بقلق حين لم تسمع ردا، لقد كانت متأكدة بأنها سمعت صوت الباب، بل و سمعت صوت ابنتها تهمس بكلمات غير مفهومة، فظنتها تتحدث في الهاتف ربما...
اتجهت والدة بدور الى غرفة ابنتها تدفع الباب بحذر منادية
(بدور، هل عدت من كليتك باكرا؟).

لكنها توقفت مكانها و هي ترى ابنتها التي اندست تحت غطائها بعبائتها كاملة و حجابها، ملتفة حول نفسها ككرة منتفضة، وجهها شديد الشحوب و عينيها متورمتين...
شهقت والدة بدور بقوة و هي تضرب صدرها
(بسم الله، ماذا بك يا بدور؟)
و دون أن تنتظر ردا، كانت تندفع اليها، حتى جلست على السرير بجوار ابنتها لترفعها بكل قوتها و تضمها الى صدرها الخافق هاتفة بصوت ملتاع
(ماذا بك يا بدور؟، ماذا حدث لك؟).

لكن بدور كانت لا تزال في حالة صدمة و هي ترتجف بعنف فوق صدر أمها، و لسانها يهمس بإختناق
(لقد تركتهما، هربت و تركتهما)
ضربت أمها على صدرها مرة أخرى و هي تهتف برعب
(من هما؟، و ممن هربت؟، هل هاجمك أحد يا بدور؟ أجيبيني يا ابنتي لقد أوشك قلبي على التوقف فترفقي بحالي، هل تعرضت الى شخص في الطريق هاجمك بأي طريقة؟).

رفعت بدور عينيها الواسعتين تنظر الى وجه أمها المرتعب، فابتلعت غصة في حلقها و هي تهمس ببكاء مختنق و كأنها مجبرة على الكذب من شدة الخوف
(نعم، كنت أسير في طريق خال، فهاجمني شخصان، لكنني، استطعت الهرب منهما)
أخذت أمها تضرب وجنتها و هي تولول و قد بدأت البكاء بالفعل
(ياللمصيبة، ياللمصيبة، سترك يا ربي، سترك بإبنتي، هل فعلا بك شيئا؟، تكلمي يا بدور و طمئنينني، أرجوك تكلمي).

كانت تحاول بأقصى جهدها إتقان الكذب في تلك اللحظة التي تبدو من أكثر لحظات حياتها بؤسا...
فهزت رأسها نفيا و قالت بصوت مرتعش
(لقد هربت، لم يحدث لي شيء، )
لكن أمها لم تهدأ بعد، فظلت تضرب وجنتها و هي تنوح قائلة
(لو علم والدك أن هذا ما تتعرضين له في المدينة، لمنعك من اتمام دراستك، ماذا لو كان حدث لك شيء أو استطاعا أن، اللهم لك الحمد، سأخرج صدقة لسلامتك يا قلب أمك).

لم تستطع إتمام جملتها و هي تبكي بقوة، بينما أغمضت بدور عينيها و هي تدرك ما قصدته والدتها...
فدست وجهها في صدر أمها أكثر علها تختبىء من العالم بأجمعه، و همست بعذاب
(ضميني اليك يا أمي، لا تتركيني أرجوك)
ضمتها أمها اليها بكل قوة و هي تشدد من احتضانها
(لن أتركك يا طفلتي، لن أتركك أبدا)
الا أن بدور همست شاهقة ببكاء حار
(أنا أريد أن أموت يا أمي، لا أريد متابعة تلك الحياة، إنها قاسية بما يكفي، أنا تعبت).

شهقت أمها برعب و هي تهتف
(بسم الله، إياك و أن تعيدي هذا الكلام مجددا يا مجنونة، أنت يا حبيبتي الشيء حنون الوحيد بحياتي، كيف تكون حياتي بدونك يا بدور)
صمتت قليلا و هي تمسح دموعها ثم تابعت قائلة بإختناق
(أنت يا ابنتي لازلت بريئة، نقية النفس، لا تدرين كم يحوي هذا العالم من أنذال و حقراء، ما هم الا شياطين في صورة بشر، لذلك صدمت)
أطبقت بدور جفنيها بقوة و هي تبكي أكثر و أكثر، ثم قالت بعنف.

(عرفت، عرفت أي نوع من الحيوانات ممكن أن أقابل بحياتي).

نهضت هريرة من على الأريكة في شقة ليث و سوار منتفضة و هي ترى الباب يفتح بعنف لترى بعدها سوار و هي تدفع دفعا من الباب حتى تعثرت في طرف عبائتها و لم تستطع السيطرة على توازنها فسقطت أرضا أمام عيني هريرة الذاهلتين...
خاصة و قد تبعها ليث بشكل لم تره عليه من قبل...

حتى في أقصى درجات غضبه لم تره على هذه الصورة مطلقا، إنه حتى لم يخفف من حدة غضبه حين رآها تسقط أرضا، بل ظل واقفا ورائها ينظر اليها بتلك النظرات المخيفة، هادرا بنبرة جعلتها ترتعد
(انهضي وواجهيني، أريد معرفة كل ما حدث بالتفصيل)
و أمام ذهول هريرة، نهضت سوار ببطىء و هي تستدير اليه بإباء رافعة ذقنها مستعدة لمواجهته بشجاعة.
فما كان منها الا أن وجدت صوتها أخيرا و هتفت بهلع.

(ماذا حدث؟، إنكما تخيفانني! من أين جئتما؟)
التفت ليث ينظر الى هريرة متفاجئا بحاجبين ازدادا انعقادا، ثم أشار اليها وهو يهدر سائلا بعنف
(أنت، ماذا تفعلين هنا؟)
ارتفع حاجبي هريرة و بهت لونها، لكنها قالت بتلعثم
(أنا، كنت، كنت)
هدر بها ليث بصرامة
(أجيبي، ماذا تفعلين هنا بمفردك في الشقة؟)
ابتلعت هريرة ريقها و قالت بخوف و هي تنظر الى سوار.

(أنا، كنت في زيارة لسوار منذ الصباح، كما أخبرتك، قبل أن تتصل بها ابنة عمها، فإضطرت للخروج لفترة و أنا كنت في إنتظارها)
نظر ليث الى سوار و قال بنبرة شر...
(ابنة عمها، إنها ذات ابنة العم التي أتت الى زيارتها من قبل على ما أعتقد! متخفية كاللصوص. )
رفعت سوار ذقنها أكثر و برقت عيناها بغضب مماثل لكنها آثرت التزام الصمت في وجود هريرة...
و لم ينتظر ليث جوابا، بل التفت الى هريرة مجددا و قال آمرا بقوة.

(ضعي حجابك و خذي حجابك و عودي الى زوجك على الفور، فلتحترم واحدة منكما زواجها على الأقل!)
زمت سوار شفتيها بشدة، و تصلبت عضلاتها من أسلوبه الفظ، و مارست أقصى درجات الصبر كي لا تتكلم حاليا...
ارتبكت هريرة و هي تنقل عينيها بينهما، ثم قالت بخفوت متوتر
(لا أريد ترككما و أنتما في هذه الحالة)
الا أن ليث هدر فيها بقوة
(أخرجي الآن يا هريرة، أريد زوجتي وحدها).

أمام صرخته العنيفة لم تملك سوى أن تسرع في وضع حجابها حول رأسها و تلتقط حقيبتها لتهرول الى الباب ناظرة الى سوار بعجز، ثم خرجت أخيرا لتغلق الباب خلفها ببطىء...
واجهت سوار عيني ليث المخيفتين بعينيها الصلبتين، و بشجاعة لا تتناسب مع حالة الصدمة التي لا تزال تعتريها...
و تجرأت على النطق بصوت ثابت خافت
(الا أترى أنك قد زدت في إهانتي أمام هريرة).

و كانت تلك هي القشة الأخيرة التي حطمت حاجز سيطرته على أعصابه، فإندفع اليها مسرعا قاطعا المسافة بينهما في خطوتين ليمسك بكتفيها بأصابع مؤلمة وهو يصرخ في وجهها
(أخرسي، اخرسي)
أغمضت سوار عينيها أمام صرخته العنيفة التي صفعت وجهها و كان لها نفس التأثير كما لو كان قد صفعها بالفعل...
أخذ ليث نفسا طويلا بدا مهتزا غير ثابت من فرط غضبه، ثم لم يلبث أن قال بصوت منخفض النبرة بطيء الا أنه أكثر شرا.

(الآن و دون أن أكرر كلامي، أريد معرفة القصة من أولها دون أن تغفلي عن تفصيل واحد)
كانت سوار تنظر اليه بثبات على الرغم من الإرتعاش الداخلي الذي تعانيه، بينما هدر بها مجددا و كأنه غير قادر على الإلتزام الهدوء و الحكمة مشددا من حدة أصابعه على لحم كتفيها
(زوجتي، زوجة ليث الهلالي، كيف انتهى بها الأمر في شقة الحقير الذي سبق و خطفها، الا أنها هذه المرة ذهبت اليه بكامل إرادتها!)
صرخت فيه سوار بحدة.

(عليك أن تهدأ أولا كي تفهم)
ضرب ليث قبضته في الجدار من خلفها وهو يصرخ فيها بصوت يجلجل بضراوة
(لن أهدأ، و لن أفهم، مهما بررتي لن أستوعب مدى غبائك و وقاحتك في التصرف دون اذن مني، كي تذهبي الى بيت الدنيء الذي حط من أسمينا في الوحل)
رمشت سوار بعينيها رغما عنها و قد ساد صمت باهت بينهما بعد صراخه الشرس، ثم قالت أخيرا بصوت جامد
(إنها المرة الأولى التي تتكلم فيها كالجميع، عن اسمي الذي تمرغ في الوحل).

لم يجفل ليث من ألمها، بل على العكس، زادت من غضبه أكثر و أكثر، فهدر فيها وهو يكاد أن يقتلع كتفيها
(كنت مخطئا، ربما كان على تذكيرك بما حدث لك كل يوم كي تتفهمي خطورة الموقف و تتوقفي عن التصرف بمفردك دون الرجوع الى أحد و كأن عيارك قد أفلت و لا كبير لك)
اتسعت عينا سوار كشعلتين متقدتين و هي تصرخ
(ليث أنا لا أسمح لك)
الا أن صوته كان جهوريا يعلو صوتها وهو يهدر مجددا.

(أنا الذي لن يسمح لك بالكثير منذ الآن، لك أن تستوعبي معنى أن تكوني زوجة ليث الهلالي، تحملين اسمه، و تصونين عرضه)
الآن اتسعت عيناها لكن بذهول هذه المرة، فقالت قبل أن تستطيع منع نفسها
(الا أصون عرضك يا ليث؟)
لم تشعر بنفسها الا وهي تلتف بفعل قبضته التي قامت بلي ذراعها خلف ظهرها بقوة حتى شهقت متأوهة بألم...
الا أنه زاد من ضغط قبضته على ساعدها حتى ظنت بأنه سينكسر في أي لحظة، و صرخ فيها.

(كيف تصونين عرضي يا سيدة، بينما ذهبتي الى شقته بإرادتك فاحتجزك و اغلق الباب عليكما، و انتظر كي آتي لأستلمك بنفسي كمن تم ضبتها في وضع مشبوه! وهو يعلم بأنه بتصرفه هذا قد وصم اسمي بالعار للأبد)
صرخت سوار بألم و تمرد في نفس الوقت و هي تحاول مقاومته
(أنا لا أسمح لك، لقد تماديت كثيرا، لا أحد يتجرأ على الكلام مع سوار الرافعي بهذه الطريقة أبدا).

قبضته الحرة، كانت قد نزعت حجابها عن رأسها، لا لشيء الا ليقبض بها على شعرها بقوة تماثل قوة القبضة الأخرى على ساعدها، حتى تراجع رأسها للخلف فأغمضت عينيها بشدة و كتمت أنفاسها...
بينما تكلم ليث في أذنها قائلا بصوت ينتفض غضبا
(الإسم الذي لا يمنع صاحبه من إهانته، لا فائدة منه، الآن سنبدأ من جديد، ابنة عمك، هي التي سبق وقامت بزيارتك في بيتنا من قبل، اليس كذلك؟).

كانت كل عضلة في ظهرها و ذراعها و عنقها تؤلمها بشدة...
الا أنها تمكنت من القول بعنف و شعور رهيب بالإهانة
(لن أتكلم و أنت تعاملني بتلك الطريقة، لا يمكنك فعل هذا)
هدر بها ليث قائلا بغضب جارف
(لست في وضع يسمح لك بإلقاء الشروط، تكلمي يا سوار، و الا قسما بالله، ستعرفين معنى الجلد للمرة الأولى في حياتك)
اتسعت عينا سوار بذهول و قالت بصوت يرتجف عنفا و جنونا
(لن تجرؤ).

الا أنه شدد قبضتيه على شعرها و ساعدها حتى صرخت هذه المرة من شدة الألم، بينما قال هو بصوت شرس خفيض
(إن كنت أنت قد تجرأتي على الذهاب الى شقة هذا الحيوان بإرادتك و تسببتي فيما فعله، فأنا بالتأكيد أكثر من قادر على تربية زوجتي و تعليمها الأدب بالقوة طالما أن الأسلوب المهذب لم يفلح معها).

كانت صدر سوار يعلو و ينخفض بسرعة و ألم، حدقتاها ثابتتان و هي تنظر الى السقف بنظرات عنيفة غير مروضة، غير قادرة على الصراخ حتى، لذا أعاد ليث سؤاله مجددا
(ابنة عمك، هي من سبق وقامت بزيارتك لأنها تحتاج منك معروفا، و هي نفسها من كانت خطيبة هذا الحيوان، اليس كذلك؟)
ابتلعت سوار الغصة في حلقها، الا أنها اعترفت في النهاية بصوت محتجز قاتم
(نعم هي).

سمعت صوت أنفاسه وهو يسحبها بغل و بطىء، ثم سألها مجددا بصوت أكثر خطورة و شرا
(و قد اتصلت بك اليوم، ماذا أرادت؟، و كيف أقنعتك بالذهاب الى بيت القذر راجح؟)
ارتجفت شفتي سوار قليلا، الا أنها قالت بشجاعة على الرغم من ألمها
(ادعت أنها في الشقة التي تشغلها مع والدتها حاليا و أنها في مأزق، و هي تعرف بأنني لا أعرف عنوانها أو عنوان شقته، لأن العلاقة بيننا انقطعت منذ خطبتهما، فبت لا أهتم بمعرفة أين يقطن كلاهما).

أغمض ليث عينيه وهو يحاول جاهدا الا يقتل سوار في تلك اللحظة، كان ليتلذذ بسحق عنقها الطويل هذا بكل راحة، الا أنه سألها بنبرة أكثر صرامة
(و لماذا تعاود الإتصال بك أنتي دون غيرك كل مرة؟، ألم تشكي للحظة واحدة بعقلك الغبي هذا بأنها تستدرجك اليه كي يؤذيكي؟)
هتفت سوار بنفاذ صبر
(من منا ذو العقل الغبي الآن؟، كانت خطيبته، فلماذا تستدرجني اليه؟)
هدر بها ليث قائلا بغضب أسود
(و ما أدراني، فالعائلة بأكملها مريضة).

صرخت سوار بغضب مماثل
(أنا لا أسمح لك، لا أسمح لك يا ليث الهلالي)
الا أنه هتف مجددا يستجوبها، غير مباليها بعنف مقاومتها و شعورها بالإهانة
(لا أصدق أن الأمر بمثل هذه السطحية، هناك ما هو أكبر من ذلك، كيف لك أن تثقين بها كل مرة مع اختلاف أسبابها؟)
أرادت سوار أن تلتزم الصمت، الا أنها كانت مجبرة على القول بإختصار
(لم تكن هناك أسباب مختلفة، بل هي مشكلة واحدة، تمر بها و لم يتم حلها حتى الآن).

أهاب فيها ليث قائلا
(ما هي تلك المشكلة؟)
هتفت سوار بقوة رافضة
(عند هذه النقطة و لن أتكلم، المشكلة خاصة بها، هي و لا يحق لي بأن أفشي أسرارها)
زاد ليث من لي ذراعها بقسوة حتى صرخت ألما مجددا و هتفت
(ستكسر ذراعي)
الا أن نبرة صوته الهادرة ألجمتها وهو يصرخ دون أي شعور بالرحمة.

(تلك كانت نفس الحجة التي تذرعتي بها حين سألتك عنها المرة السابقة لدى خروجها من دارنا، و قد احترمت أمانتك وقتها، أما الآن و بما أنك لا تعرفين معنى الإحترام، فلن أترك جزءا منك الا و سأكسره حتى أعرف مشكلة هذه الفتاة، و علاقتك بها)
صرخت سوار بمقاومة واهية
(لن أتكلم).

لم تصدق أنه يستطيع أن يزيد من لي ذراعها أكثر، بل صدمت بأنه فعل، حتى سمعت بأذنها صوت قرقعة عظامها الهشة، و زادت قبضته الأخرى من شد شعرها حتى أةوشك على اقتلاعه من جذوره فصرخت تتوسله و هي تقاوم بشراسة
(كفى يا ليث، لا أحتمل الألم)
لكنه لم يخفف من قبضتيه أبدا، و سألها بنبرة أكثر قسوة
(لن تتحركي من هنا الا بعد أن أعرف، ما هي مشكلة هذه الفتاة و لماذا تلجأ اليك أنتي تحديدا؟).

ظلت سوار مسمرة مكانها تلهث بعنف...
بوسعها أن تظل تقاوم حتى صباح اليوم التالي، و هي تمتلك القوة الجسدية و النفسية لتفعل...
يمكنها أن تلتزم الصمت و لن يستطيع انتزاع كلمة واحدة من بين شفتيها و دون ارادتها...
يمكنها، لكنها تدين له...
علي الرغم من قوته و تماديه في التعامل معها بهذا الإسلوب الغير آدمي، لكنها تدين له...
لم تعد قادرة على الإضرار بنفسها أكثر من هذا بسبب بدور...
و عليه أن يعرف...

كيف لرجل مثله أن يتغاضى عن احتجاز زوجته في بيت حبيبها السابق و الذي سبق و خطفها و لوث سمعتها! الا اذا كان السبب قهريا...
لذا فتحت فمها و قالت بصوت مختصر مضطر
(لقد، لقد دخل بها خلال فترة عقد قرانها في الخفاء، )
ساد صمت طويل بعد عبارتها الباهتة، خالية المشاعر، و خلال لحظات ظل يستوعب ما نطقت به، الى أن همس من بين أسنانه بأقذع الشتائم، شتائم، لم تتخيل أن أن ينطق بها لسان ليث...

و بالطبع كان بطلها هو راجح، حتى أنها شنفت آذانها بسماع شتائمه و كأنها لحن ثمين...
ظل صامتة مكانها للحظات طويل، قبل أن يقول بعد أن هدأت موجة تقززه...
(كلما ظننت أنني لن أرى منه ما هو أقذر، حتى يخيب ظني و يفاجئني، إن كان قد فعل هذا بإبنة عمه التي تحمل اسمه و خان كرامة والدها، فمن المتوقع أن يفعل معك ما فعل)
صرخت سوار فجأة من بين أسنانها بنفور
(لم يفعل معي شيئا، لن يستطيع أن أن يفعل معي شيئا).

الا أن صوت ليث عاد الى جبروته وهو يهدر بها
(في المرة السابقة، لم يكن ذنبك فوقفت بجوارك أمام الجميع، مدافعا عنك بأسمي و حياتي و كل ما أستطيعه، أما هذه المرة، فقد نجح في جرك الى ارتكاب أكثر أفعالك حماقة، فبات الذنب من أول لآخر ملقى على عاتقك أنت، هل يمكنك تخيل احساسي في تلك اللحظة؟)
ظلت صامتة غير قادرة على الرد بينما الألم في قلبها يفوق ألم ذراعا الملتوي و شعرها المشدود بقبضته، فصرخ بها مجددا.

(أجيبيني، هل يمكنك تخيل ما أشعر به الآن؟)
فتحت سوار فمها ببطىء، لتجيبه أخيرا بخفوت
(نعم)
للحظات جعلته كلمتها البسيطة يصمت، الى أن أفلتت من بين شفتيه ضحكة قاسية واهية، ثم قال أخيرا بصوت جاف مزدري
(نعم، ياللها من كلمة بسيطة تافهة)
صمت للحظة وهو يحاول التقاط نفسا آخر، فقالت سوار بصوت أكثر خفوتا بدا باهت المشاعر على الرغم من الخوف النابض بقلبها
(هل يمكنك أن ترتاح قليلا، أرجوك، قلبك لن).

قاطعها فجأة هادرا بسخرية و استهزاء فظ مستنكر
(قلبي! ما أدراك أنتي بقلبي و ما بداخله حاليا، ليته توقف قبل أن تقدمي على ما أقدمتي عليه اليوم)
أغمضت سوار عينيها و همست بصوت غير مسموع
بعيد الشر عنك يا غالي، ليت يومي قبل يومك، الا أنه لم يسمع همستها الخائفة المعذبة، بل سألها فجأة بصوت أكثر عنفا و جفاءا...

(لم تجيبيني على كل ما أحتاج لمعرفته بعد، لماذا تلجأ اليك أنت تحديدا كل مرة؟، و لماذا قامت بخداعك هذه المرة على الرغم من مساعدتك لها؟)
بدت سوار صامتة تماما و هي تدري بأن هذا السؤال تحديدا، هي الأصعب و أكثر ما سيثير المزيد من غضبه، لذا ظلت صامتة مطبقة الشفتين، فشدد ليث على ذراعها حتى صرخت بقوة
(كفى أرجوك)
الا أن صرخته تداخلت مع صرختها و علت فوقها
(تكلمي).

أغمضت سوار عينيها للحظة إضافية، ثم صرخت بسرعة قبل أن تتردد...
(لانها تدري تأثير اسمي عليه)
صمتت و هي تدرك مبلغ سوء ما نطقت به للتو، فقد شعرت بأنفاسه الحادة التي تسارعت بغضب متهور محتقن، فقالت متابعة بصوت أكثر خفوتا.

(في المرة الأولى ترجتني كي أحاول اقناع جدي بعد أن أجبروه على طلاقها بسبب ما فعله معي، أما هذه المرة فهي لم تفكر حتى، لقد ذهبت كي تترجاه، الا أنه أمسك بهاتفها و أوشك على الإتصال بوالدها و فضح أمرها، فلجأت الى، الى اسمي، و اتصلت بي تطلب مني المجيء و هي تعرف أن، أن مجيئي الى شقته هو الشيء الوحيد الذي سيوقفه)
انتهت من كلامها فساد صمت ثقيل بينهما، ثقيل و خطير...

الى أن شعرت بذراعها يتحرر أخيرا ببطىء، ثم شعرها...
أغمضت سوار عينيها للحظة، قبل أن تستدير اليه ممسكة بساعدها تدلكه بألم جعلها تشهق من شدته...
فسقطت للخلف تستند الى الجدار بإعياء، قبل أن تنحني بإرادتها كي تجلس أرضا و هي تنظر اليه بعينين زائغتين، بينما هو يبادلها النظر بعينين قاسيتين و ملامح متباعدة...

شعرها انساب حول وجهها و تراخت ربطته الملتفة في موجات حول بعضها. بسبب شده لها، و بدت منهكة بدرجة مفزعة، بفعل الصدمة و معاملة ليث لها...
ذراعها تخدر تماما و بدأت تظن أنه ربما يكون قد كسر بالفعل، فتركته يسقط على ساقيها المتهاويتين المددتين، ثم نظرت اليه قائلة بصوت ميت جاف...
(بالطبع ستسغل ما بدر مني ما حدث لي اليوم كي تعزز أسباب زواجك من دليلة).

كان ليث قد جلس على ذراع احد المقاعد منهكا هو الآخر، ينظر اليها و هي تدلك ذراعها المتساقط بعينيه القاتمتين السوداوين، ثم ابتسم...
ابتسامة تماثل سواد مشاعره و قال بنبرته القوية المتسلطة
(اشكري ربك أنه لم يعزز أسباب تركي لك)
ارتفع حاجبي سوار بصدمة و هي تنظر اليه بعينين واسعتين متألمتين، بينما استقام هو ينظر اليها نظرة أخيرة و طويلة، كانت الأكثر إيلاما على الإطلاق...

ثم استدار عنها ليخرج من البيت، الا أنها قالت بصوت مهتز عصبي و حاد، علر الرغم من الوهن الظاهر على نبرتها
(لم يمسني إطلاقا، كل ما فعله أنه جلس أمامنا يراقبنا لحين وصولكما، كي يستفزكما لا أكثر)
توقف ليث مكانه وهو يوليها ظهره، و حبست سوار أنفاسها و هي تنتظر منه ردا، و حين استدار اليها أخيرا، هالتها النظرة في عينيه...
نظرة ذات تملك، يمتزج بغضب توهج في عمق عينيه أكثر و أكثر...
ثم قال ببطىء.

(جلس ينظر الى عينيك، طويلا طويلا حتى اكتفى، و إن كنت أشك أن يكتفي منهما رجل عاقل أبدا، فهل يفترض أن يجعلني تصريحك هذا أفضل حالا؟)
ألجمتها كلماته الخافتة العميقة، فهزت رأسها قليلا تحاول النطق بكلمة، أي كلمة تجعله يبقى بها، الا أنها لم تتمكن من استبقاؤه، فقد استدار و رحل هذه المرة، و لم ينسى أن يقول وهو لدى الباب دون أن يستدير اليها.

(لا حاجة بي الى تذكيرك يا ابنة الرافعية، أن تصرف واحد آخر منك يحط من قدري، سيكون هو نهاية ما بيننا)
ثم خرج و صفق الباب من خلفه، بينما بقت سوار تنظر الى الباب المغلق بتعب و هي تدلك معصمها، و الدموع تتجمع حول حدقتيها الى ان انسابتا ببطىء على وجنتيها، فأرجعت رأسها الموجوع للخلف تستند به الى الجدار و هي تغمض عينيها...

ليث الهلالي بإمكانه أن يكون بالفعل قاسيا، بل شديد القسوة، و لا شك لديها الآن في أن عقابه لم ينتهي عند هذا الحد، بل هو لم يبدأ بعد...
من المؤكد سينتهز الفرصة و يهرع الى إتمام زواجه من دليلة، بدعوى أنها لم تعد صالحة لأي شيء...
و من يلومه، فهو منذ تزوجها لم يحصل منها سوى على انخفاض هامته، حتى الطفل رفضته بكل تبجح. مهينة رجولته و، حبه لها...

ارتجفت شفتي سوار بشدة و هي تكتم شهقة بكاء خافتة، لتهمس بصوت مختنق
(تبا لك يا راجح، لم ينقصني سواك، أخرج من حياتي و تعفن في أي مستنقع بعيدا عني).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة