قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثامن والأربعون

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثامن والأربعون

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثامن والأربعون

كانت سوار جالسة في سريرها نصف مستلقية، مرجعة رأسها للخلف و هي تنظر الى سقف الغرفة بملامح شاحبة...
منذ أن غادرها ليث صباحا غير مرتاحا بسبب ملامح الإعياء النفسي الظاهرة على وجهها و هي مستلقية دون حراك بنفس الحالة...
لم تكن يوما تخشى الخرافات و الأعمال، لم تكن تخشى الا خالقها...
لكن ربما لأنها لم تكن تملك شيئا لتخسره...
كانت تعيش حياتها بلا هدف بلا مخاوف، فما الذي قد تفقده؟

الى أن تغيرت علاقتها بسليم رحمه الله، منذ أن بدأت تشعر ببعض السعادة في حياتها و يكون لها من تخاف عليه و يخاف عليها أكثر من مجرد صديق، بل رجل تنتظر أن يكون والد أطفالها...
ثم فقدته غفلة دون سابق انذار...
فقدت الزوج و الصديق في معركة قديمة كانت قد ماتت منذ دهر، راح ضحيتها سليم خسارة...
ثم فقدت طفلها...

و الآن بعد أن عرفت الحب و تنتظر طفلا يحي الأمل في قلبها من جديد، تكتشف أن هناك أفعى تتمنى له الموت قبل أن يرى نور الحياة، بل و تسعى اليه...
لا اله الا الله، لقد رأت بنفسها آيات قرآنية محرفة، و العياذ بالله...
أغمضت سوار عينيها بقوة و هي ترتجف، فكتفت ذراعيها و هي تدلكهما شاعرة ببرد شديد...
لماذا هذا الرعب و لا يملك لها الضرر مخلوق الا بأمر الله...

تنهدت بيأس، ثم عادت لتمسك بمصحفها من جديد، تعاود قراءة القرآن، الى أن قاطعها رنين هاتفها فجأة، فتوقفت تنظر اليه بتوجس
كان رقما غريبا، فارتجفت شفتاها للحظة، لكنها زمتهما بقوة قبل أن تلتقط الهاتف قوية الملامح ببأس و هي تجيب
(السلام عليكم)
ساد الصمت لبضعة لحظات قبل أن يصلها صوت أنثوي تعرفه جيدا و يثير بها كل غثيان شعرت به في يوم من الأيام، صوت أشبه بالخرير لكن بطريقة بغيضة ساخرة و حاقدة...

(هل تظنين أنك قادرة على تهديد الشيخ، أو ايذاؤه؟، حمقاء أنت. )
سرت رعدة باردة كالثلج عبر جسد سوار، حتى شعرت بأطرافها تتيبس و جبهتها تتعرق...
من كان يظن أن يأتي اليوم الذي تخاف فيه من تلك الأفعى حد الرعب!
لطالما كانت تخاف ميسرة من سوار الرافعي و تحسب لها ألف حساب...
زمت سوار شفتيها بقوة و لمعت عيناها برفض عنيف تجاه هذا الخوف، فتمسكت بمصحفها أكثر قبل أن ترد ببرود جليدي...
(كيف حصلت على رقمي؟).

وصلتها صوت ضحكة مقيتة ملأت نفسها بالنفور، ثم اجابتها ميسرة قائلة
(من غبائك لا زلت تملكين بعض الشك في قدراتي و ما استطيع الوصول اليه، من يعاونني أكبر بكثير من قدرتك المحدودة في التخيل)
اشتدت أصابع سوار أكثر على المصحف، و أخذت نفسا عميقا قبل أن تقول بصوت قاسي جهوري.

(أما من يعينني أنا فهو أكبر منك و من أعوانك و من الجميع، و لو كنت أنت و من هم خلفك تملكون من أمري شيئا لما كنت الآن متزوجة من ليث، بينما أنت وحيدة بائسة، تجلسين بين أشباحك و أعوانك و خزعبلاتك تكيدين محاربة في قضية خاسرة)
ساد صمت ثقيل، استطاعت سوار سماع صوت أنفاس ميسرة خلاله بكل وضوح، و كأنها تحترق حية و تلهث طالبة لنفس واحد...

فأغمضت عينيها و هي تشعر ببعض الندم، لم تعاير مخلوقا من قبل، و هل تملك رزقها كي تعاير به غيرها؟
لكن تلك الأفعى لم تترك عملا خبيثا الا و أقدمت عليه، حتى انها تتمنى موت ليث!
تكلمت ميسرة أخيرا قائلة بصوت خافت الا أنه يغلي كرها و حقدا
(سترين يا فاجرة، سترين)
قست شفتي سوار و هي تتلقى منها تلك الكلمة دون خجل أو حياء منها، فقالت بصوت محتقر
(هل اتصلت بي لتسمعيني المزيد من أدبك و أخلاقك يا ابنة الهلالية؟).

مضت بضعة لحظات قبل أن تسألها ميسرة بصوت خفيض ساخر متشفي
(أنت حامل)
لا، لم يكن سؤالا، بل كان اقرارا بشيء تعلمه عن يقين، فاتسعت عينا سوار بذعر و قد توقفت دقات قلبها و تصلب جسدها بالكامل...
كيف عرفت؟
من من سمعت بخبر حملها؟
كانت تظن أن الصور التي ارسلتها لها أم سعيد من أعمال دجال تلك الأفعى و التي خط عليها كلمات
موت الطفل و موت أمه
ما هي الا مجرد أمنية سوداء خبيثة مستقبلية...

لكن الآن تأكد لها أن ميسرة تعلم بحملها دون شك و لهذا قامت بهذا السحر الأسود...
عقد لسان سوار و كأن شلل الخوف أصابها، مما جعل ضحكة ميسرة تجلجل عاليا بجنون عبر الهاتف...
و ظلت سوار تستمع الى تلك الضحكات الشيطانية طويلا دون أي رد حتى قالت ميسرة أخيرا من بين ضحكاتها
(أراهن أنك الآن تتسائلين عن قدراتي و عما أعرف و ما أستطيع فعله)
ظلت سوار صامتة للحظات، ثم وجدت صوتها أخيرا و سألتها بصوت ميت صلب.

(الا زلت تحافظين على صلاتك يا ميسرة؟، سؤال معروف الجواب بالطبع اليس كذلك؟)
توقفت ضحكات ميسرة فجأة، و ساد صمت مخيف قبل أن تقول بصوت ذاهل شرير
(لا تخبريني أنك ستعظيني! حقا يا فاجرة؟، أنت يا فاجرة التي نالها ابن عمها في الحرام، تعظيني أنا؟)
أغمضت سوار عينيها للحظات، ثم فتحتهما مجددا، قويتين، عنيفتين، و قد استعادت شجاعتها وروح الجموح بداخلها، فقالت بهدوء مسيطر.

(مكيدته في الإيقاع بي، و سعيك لفضحي بالباطل، باءا بالفشل، بل الفشل الذريع، و بقيت أنا سوار الرافعي مرفوعة الرأس و محفوظة الشرف، و زوجة ليث الهلالي، و أم طفله، لأن من يعنني و يحفظني أكبر منك و منه و من أعوانك، افعلي ما تشائين يا ميسرة...

وكلي ألف دجال، أما أنا فقد وكلت الله ليحميني منك و من شرك، لكن ليكن في معلومك، عليك البدء في البحث عن دجال نصاب جديد، لأن ليث يسعى ليضعه خلف القضبان لفترة طويلة جدا)
عاد الصمت مجددا، يكاد أن يكون لافحا من شدة حرارة الكره المنتشر خلاله...
ثم قالت ميسرة أخيرا بصوت ساخر بارد.

(أعرف، حتى أن ليث في طريقه للبلد حاليا، و طلب مقابلة أبي، و سيسعى والدي جاهدا لإقناعه بأن يعيدني الى عصمته على أن أتعلم درسي و أكون طوع أمره كزوجة، فأنا ابنة عمه في النهاية)
فغرت سوار فمها للحظات، الا أنها لم تسمح لتلك الأفعى أن تلتقط ذرة من توترها المفزع اطلاقا...
بل رفعت ذقنها و قالت بصوت جهوري صارم.

(في أحلامك أيتها الأفعى، قبلتك زوجة لليث حين حللت أنا عليكما، لكنني لن أسمح لك أن تحلي زوجة علينا، المقامات تختلف، موتي بحسرتك من رفضه مقدما)
و دون انتظار ردا منها أو سماع أي كلمة اضافية أغلقت هاتفها بقوة و رمته بعيدا، بينما عيناها تبرقان بجنون، و جسدها كله يرتجف بفعل الغضب...

ليث في طريقه للبلد؟، دون علمها؟، لكن لماذا لم يخبرها، الا اذا كانت لديه النية في اعادة ميسرة الى عصمته بالفعل، خاصة و انه طلب لقاء والدها!
شحب لون سوار للحظات بينما احمرت عيناها أكثر بعنف، لكنها لم تلبث أن أغمضتهما و أخذت نفسا عميقا ثم زفيرا طويلا و هي تقول.

(اهدئي يا سوار، لا تسمحي لتلك الأفعى أن تثير غضبك لأجل لا شيء، إن كان ليث قد عجز عن زواج دليلة و التي ظفرها بعشرات من عينة ميسرة، لن يفعل بالتأكيد)
نظرت الى هاتفها بسرعة، ثم التقطته بعنف قبل أن تتصل بليث بأصابع متوترة صلبة...
لكن رقمه كان مغلقا!
أبعدت سوار الهاتف عن أذنها ببطىء و قد انخفضت ثقتها الى الصفر...
كيف له أن يغلق هاتفه و هي هنا وحدها و حامل؟، أول مرة يقدم على هذا!

نهضت سوار من مكانها و دارت في الغرفة و هي تغلي غضبا، تفرك أصابعها بجنون...
تتوقف للحظات لتفكر بعصبية
مما هي خائفة الآن؟
لقد ضاع خوفها من خزعبلات ميسرة تماما ما أن واجهها الخوف الأكبر في أن يرضخ ليث لطلب عمه...
تعرف جيدا أن ليث لا يطيق ميسرة و لا يريدها، لكنها تعرف أيضا حسه بالمسؤولية...
هل يعقل أن يغفر لها ما اقترفته، و تشويهها لسمعتها!
زفرت سوار بإجهاد و هي لم تعد متيقنة من شيء في هذه اللحظة...

سمعت رنين جرس الباب مقاطعا سيل أفكارها الهادرة المتوترة، فاندفعت بسرعة تأمل أن يكون ليث قد عدل عن قرار السفر الى البلد و مقابلة عمه...
لكن ما أن نظرت من عين الباب حتى زفرت بقنوط، ثم فتحت الباب و هي تقول بفتور
(أهلا يا هريرة)
دخلت هريرة رافعة حاجبيها و هي تقول بحذر
(يمكنك اخفاء حماسك لمجيئي قليلا)
اغلقت سوار الباب ثم استدارت اليها مكتفة ذراعيها مستديرة الى هريرة قائلة بغضب.

(بالطبع لم يكن مجيئك هنا من قبيل الصدفة، لقد جئت بناءا على أمر مفاجىء من أخيك)
عقدت هريرة حاجبيها و هي تقول مرتبكة و مذنبة بشكل واضح
(طلب مني ليث البقاء معك قليلا الى أن ينتهي من عمله)
هدرت سوار فيها قائلة
(لا تكذبي يا هريرة، ليث في طريقه للبلد)
عضت هريرة على شفتها ثم هتفت بتوتر ملوحة بكفها
(و إن يكن، لا تدخلاني في تفاصيل حياتكما، طلب مني ليث البقاء معك و هذا كل ما في الأمر).

أمسكت سوار بذراعها بقوة و سألتها بنبرة متلهفة
(الم يخبرك شيئ عن سبب سفره الى البلد؟)
أجابتها هريرة قائلة بصدق
(لم يقل كلمة و أنا لم أسأله، طلب مني الا أخبرك بسفره فقط كي لا يثير قلقك، و أنا ظننت الأمر غير مهم، لا تتوتري الى هذه الدرجة يا سوار و اهدئي، أصابعك ترتجف بشكل واضح)
أخفضت سوار كفها و هي تتنهد بقنوط...

ليته يكن كذلك، ليتها تكن زيارة عادية، ليته يخمد حسه بالمسؤولية، أو ستكون تلك النهاية بينهما بحق...

أغلقت ميسرة الخط و رمت هاتفها بعيدا قبل تصرخ عاليا
(حامل، حااااااااااامل، حامل كما توقعت، الفاجرة حامل)
نضهت من مكانها و هي لا تزال تصرخ، حتى وصلت للحائط فأخذت تضرب عليه بقبضتيها بعنف دون أن تتوقف صرخاتها...
حتى دخلت أمها الى غرفتها، فهالها منظر ابنتها، مما جعلها تجري اليها و تحاول تكبيل ذراعيها هاتفة بجزع
(كفى، كفى يا ابنتي، لقد تورمت قبضتاك).

الا أن طاقة الكره و الغضب التي كانت تملأ ميسرة في تلك اللحظة جعلت قوتها تضاعف حتى أصبحت كثور هائج، مما جعل أمها تصرخ منادية احدى الخادمات التي جاءت مهرولة، و حاولت تكبيل ميسرة بالقوة الى أن جراها جرا حتى السرير بينما هي تهز رأسها صارخة دون توقف
(الفاجرة حامل، الفاجرة حامل، و من يعلم قد لا يكون الطفل ابنه وهو كالغبي يسير خلفها، إن كانت قد أمضت ليال مع ابن عمها).

صرخت أمها بجزع و هي تكتم فم ابنتها بوشاحها.

(يا مجنونة اخرسي، ستخربين بيتي كما خربت بيتك، والدك أقسم إن ارتكبت خطأ مجددا فسوف يذبحك دون ندم، احمدي الله أنك لا تزالين على قيد الحياة بعد آخر فضيحة حططت فيها من هامة والدك أمام الجميع بسبب المخفية سوار، كم من مرة نصحتك فيها أن تتعاملي مع الأمر بذكاء حتى تتخلصي منها، الا أنك تصرفت بمنتهى الغباء، و بدلا من أن تشوهي سمعتها، كانت سمعتك أنت هي ما تشوهت، و فضيحتنا على كل لسان).

كانت دموع ميسرة منهمرة من عينين واسعتين، ليستا حزينتين أو منكسرتين، بل حاقدتين مخيفتين، حتى يظن من ينظر اليها أن تلك الدموع ستكون حارة تغلي إن لمسها...
تابعت أمها قائلة بغضب و صرامة مهددة
(والله إن لم تتوقفي عما تفعلين فسوف أكون أنا من تقيدك بالحبال الى أن يزوجك والدك الى أي رجل، مهما كان).

سكن جسد ميسرة للحظات و هي تنظر الى ملامح امها الغاضبة بعينيها الواسعتين من تحت وشاحها الذي تكتم به فمها بيدها...
معقول؟، اهكذا ستكون نهايتها؟، مجرد زوجة في بيت أشبه بالحظيرة! مع رجل لا مكانة و لا مال؟
بعد أن كانت زوجة ليث الهلالي.؟، و من شدة غضب الرعب وجنونه، لم تدري بنفسها و هي تعض بأسنانها على كف والدتها المطبق على فمها حتى أدمته، دون حتى أن تسمع اذناها صوت صراخ أمها المتوجع!

وقف ليث في مضيفة عمه، كضيف...
لم يعد قريبا، و لم يعد من أهل هذا الدار، بل يصعب عليه الإعتراف بينه و بين نفسه أنه لم يعد يشرفه أن ينتمي لأهل هذا الدار، ولولا نفاذ صبره، لما كان طرق هذا الباب مجددا...
(تقف كالأغراب يا ابن عمي)
تصلب جسد ليث تماما وهو يسمع هذا الصوت الأنثوي المعروف لديه، للحظات بدا و كأنه غير راغب حتى في الإستدارة اليها، لكنه فعل في النهاية و استدار...

كانت ميسرة تقف في باب المضيفة، مستندة بكفها الى اطاره...
ترتدي احدى عبائاتها ذات اللون القرمزي الفاقع، و تضع كل ذهبها من سلاسل و أساور و عدة قلائد...
بخلاف زينة وجهها الكثيفة بشدة بشكل يدعو الى النفور...
أما شعرها فقد تركته مسدلا على ظهرها دون أن تحفل بتغطيته على الرغم من انقضاء شهور العدة...
عقد ليث حاجبيه للحظات ثم أجابها بصوت مقتضب صارم
(ميسرة).

حتى مجرد سؤال كيف حالك؟، لم يجد القوة أو الرغبة على النطق به...
حالها ظاهر للأعمى، حال أعوج...
تحركت ميسرة بدلال دون أن تفقد ابتسامتها المزعجة و اقتربت منه، فاستطاع تبين ملامحها عن قرب
و على الرغم من زينة وجهها التامة التغطية كوجه ثاني، الا أن تلك الطبقات لم تستطع أن تخفي نحول وجهها، و السواد الذي ازداد تحت عينيها...

أما نظرات المقت المنبعثة منهما، لم يستطع الكحل الأسود السميك المحيط بهاتين العينين أن يخفيها...
كانت تبدو في عينيه في تلك اللحظة كعجوز شمطاء تتصابى بوضع المزيد من الزينة...
لم يصدق يوما أن الروح تستطيع أن تطفو الى سطح الملامح و تترك آثارها عليها بوضوح فاضح حتى رأى ميسرة بهذا الشكل...
تكلمت ميسرة بصوت ساخر يرتجف غضبا خفيا و قالت.

(سمعت أنك أحدثت انقلابا في البلد من لحظة دخولك لها، حتى أن بعض العويل وصل الى نافذة غرفتي عن بعد)
رفع ليث رأسه و أجابها بقسوة و صوت قادر على ارسال رجفة الخوف في كل من يفكر في تحديه في تلك اللحظة
(بإلقاء القبض على دجالك المشعوذ؟، هذا قرار تأخرت فيه كثيرا، ليتك كنت متواجدة لتريه وهو يجر جرا على الأرض، هاتفا بكلمات مضحكة، و في النهاية ألقى في عربة الشرطة كحيوان مقيد يخور بعجز).

عضت ميسرة على شفتها من الداخل بقسوة حتى ادمتها و ذاقت طعم الدم، بينما ازدادت ملامحها قتامة و تشنجا، فقالت بعد محاولات يائسة من السيطرة على نفسها بائت بالفشل
(ليست المرة الأولى، سيخرج كالعادة، أنت تتحدى البلد بما تفعل)
ضحك ليث ضحكة خشنة ساخرة، ثم قال بنبرة ثقة قوية.

(اطمئني، هذه المرة قمت بالتوصية لأجله من مناصب عالية، سيحرصون على ابقائه خلف القضبان لفترة طويلة جدا، و بالنسبة للبلد، ليتك كنت موجودة و انت تسمعين الزغاريد التي تشيعه برحيله و انقضاء شره، لعرفت حينها أنني لا أتحدى البلد، بل أنظفها من أمثاله، لا دين لهم و لا شرف. )
برقت عينا ميسرة بإنفعال شرس، و بدا عض أسنانها على شفتيها أكثر شراسة...

ثم اقتربت منه ببطىء تترنح و كأنها في حالة سكر و عدم استقرار، الى أن وقفت أمامه مباشرة، و رفعت وجهها تنظر اليه، ثم قالت بصوت خشن مجوف...
(والدي يريد أن تردني الى عصمتك)
ارتفع حاجبي ليث بذهول قبل أن يهتف ساخرا
(ماذا؟، صدقا! هل هذا هو ما يتخيل أنني طلبت مقابلته لأجله؟).

رأى حلقها يتحرك بصعوبة و تشنج، بينما التوت شفتاها و كأنها على وشك البكاء رغم العصبية الشرسة الظاهرة على ملامحها، الا أنها تماسكت و قالت بصوت مثير للشفقة
(أنت لا تفهم، لقد أقسم إن لم تردني الى عصمتك، سيزوجني من أحد الأقارب، وضيع و لا يجد قوت يوم يكفيه، وهو متزوج أيضا، سأكون زوجة ثانية لشحاذ بعد أن كنت الزوجة الأولى لكبير عائلة الهلالي، أهذا ما ترضاه لي؟، هل يسمح لك ضميرك؟).

كانت ملامح ليث قاتمة غير متجاوبة وهو يستمع اليها، ثم قال أخيرا بهدوء
(لا تزال العنجهية تملأك و الجشع يسيطر عليك، ضيق الحال لا يعيبه، إن كان رجلا محترما، قادرا على رعايتك، فمن رأيي أن توافقي و تبدأي في معالجة نفسك من التشوه الذي تؤذين به خلق الله، فليس الجميع قادر على تحمل ما تحملته أنا منك).

للحظات امتقع وجهها و كأن أملها الأخير قد ضاع مع الرياح، لم تصدق أن يتخلى ليث عنها في آخر رجاء و توسل منها قبل أن يتم الإلقاء بها الى مصير بائس و حال معدم...
الا أنها رفعت يدها الى صدرها و قالت بصوت مرتجف
(ما تحملته أنت مني؟، و ماذا عما تحملته أنا منك؟، أما آن الآوان كي تعترف ولو لمرة بما اقترفته في حقي من ظلم؟)
استدار ليث اليها بالكامل الآن و نظر الى عينيها مباشرة ثم سألها دون تردد.

(ما الذي اقترفته في حقك يا ميسرة؟)
هزت رأسها للحظة ثم صرخت عاليا
(منذ اليوم الأول لزواجنا و أنت مسكون الروح بإمرأة غيري، تتنفس بها، تعشقها بكل جوارحك رغم رفضها لك بكل ثقة و انصرفت لحياتها دون أن تلقي نظرة للوراء حيث تركتك خائب الرجاء)
رد عليها ليث بصوت جامد واثق.

(لم أكذب عليك و لم أخدعك يا ميسرة، كنت تعلمين قبل زواجنا أنني عرضت الزواج على سوار، الا أنها تزوجت أغلى صديق لي، لذا أصبح الأمر بالنسبة لي قصة منتهية لا تقبل النقاش)
صرخت ميسرة فيه بعنف
(لم تنساها أبدا)
صرخ فيها هو أيضا على نحو مفاجىء غاضب.

(لم تسمحي لي بأن أنساها، كنت تقحمينها في حياتي اقحاما، لم تتخلي عن ذكر اسمها كل يوم من ايام زواجنا، كنت تهتمين بحياتها أكثر من اهتمامك بزواجنا، حتى باتت تشكل لك هوسا، على الرغم من أنني عاهدت نفسي الا تسكن قلبي الا زوجتي و سعيت الى ذلك بكل ما أستطيع، لكنك لم تمنحيني الفرصة أبدا، و قادك كرهك الى أن تكوني على النقيض منها بالقوة فأصبحت تقطرين كرها و غلا، و انصرفت الى محاولات هدم حياتها دون علمها، على الرغم من أنها نست شكلك أصلا، حتى أختي، قمت بمحاولات ايذائها، لمجرد أنها كانت صديقة سوار).

صرخت و هي ترتجف بجنون
(أنت لا تعلم ماذا يمكن أن يفعل حب الزوج لإمرأة أخرى غير زوجته بها)
هدر فيها دون تردد
(كاذبة، كاذبة يا ميسرة، أنت لم تهتمي يوما بقلبي أو من يسكنه، الموضوع بالنسبة لك لم يكن سوى تملكا لشيء، مجرد شيء، أنا كنت هذا الشيء في حياتك، وسيلة كي تتباهين بها بلقب زوجة كبير عائلة الهلالي مكانة رغم أنه ليس الأكبر...

كم مرة عزمت على اصطحابك و السفر كي نبدأ حياتنا بعيدا عن سيرة سوار التي تقحمينها في حياتنا حتى بدأت أشعر بخيانة صديقي دون ذنب لي)
هتفت ميسرة بعنف صارخة
(و ما ذنبي أنا كي أفقد مكانتي لأن قلبك الغبي لا يزال مغرما بفا)
رفع اصبعه وهو يهدر بجنون حتى جلجل صوته بين جدران الدار
(اياك، لن أسمح لك بكلمة تهينين فيها شرف زوجتي، ما كنت اغفره لك قديما لأنك في عصمتي، قد ازهق روحك لأجله حاليا).

صرخت ميسرة عاليا و هي تشد شعرها
(لقد سرقت حياتي)
هتف بها ليث قائلا
(بل أنت من أفسدت تلك الحياة حتى أصبحت عطنة غير صالحة، لقد انهيت ما بيننا بنفسك)
اندفعت اليه ميسرة تمسك بمعصمه فجأة، تتشبث في لحم ذراعه بأظافرها، و رفعت وجهها اليه تهمس بتوسل
(لننسى ما فات يا ليث، ردني الى عصمتك، و أنا، أنا)
صمتت بوجه شاحب و عينين زائغتين، ثم قالت بصوت يقطر قهرا
(و أنا مستعدة بقبول، سوار كزوجة لك، لن أضرها بعد الآن، أعدك).

نفض ليث ذراعه من بين أصابعها بالقوة وهو ينظر اليها ذاهلا غير مصدقا، ثم سألها بإستنكار
(أردك الى عصمتي؟، لقد شوهت شرف زوجتي علنا بالباطل، الذي هو شرف زوجك، و تتخيلين أن أردك الى عصمتي؟، كيف اثق بك إن كنت لا تحافظين على شرفي؟)
رفعت ميسرة يدها الى صدرها و هتفت متوسلة من بين دموعها
(اعطني فرصة أخيرة، و سترى أنني لن أمسها بسوء مطلقا)
صرخ فيها ليث قائلا وهو يرفع هاتفه مقلبا في الصور حتى اداره اليها.

(لن تمسيها بسوء؟، أنت تستخدمين السحر متمنية موتها و موتي و موت طفلنا في علم الغيب!)
نظرت ميسرة الى الصور في هاتفه و قد شحبت ملامحها تماما، فابتلعت ريقها بتوتر، ثم قالت بعجز كاذب
(هذا، هذا، أنا لا دخل لي بمثل هذه السخافة)
ضحك ليث عاليا، ثم قال بغضب ساخر.

(الآن ترينها سخافة! عامة لم آتي الى هنا خوفا من تلك القذارة، لقد أتيت كي أضع لها حدا، كنت أنت من قمت بها، و رآك من أثق في كلامه، تتمنين موتي و تريدين أن أردك الى عصمتي، ثم تدعين أنك موجوعة من حبي لغيرك؟، أنت لا تعرفين معنى الحب، بل الأسوأ، أنك لا تعرفين طعم الخير، أين والدك؟)
سقطت ميسرة على ركبتيها أمامه و هي تتمسك بساقه هذه المرة، رافعة وجهها المغرق بالدموع هاتفة.

(ارجوك يا ليث، أتوسل اليك أن تردني الى عصمتك، أنت لا تعلم كيف يعاملني الجميع بعد ما حدث، سامحنى و أعد لي مكانتي و كرامتي، و سترى أنني سأكون انسانة أخرى)
رفع ليث رأسه عاليا وهو يتنهد بصوت عال مغمضا عينيه، ثم لم يبلث أن قال بهدوء.

(أنا آسف يا ميسرة، أنا حاليا لا أستطيع تقبلك في حياتي من جديد، لقد كونت بداخلي نفورا منك غير قابلا للعلاج، و لا دخل لسوار في الأمر، حتى إن لم أتزوجها، كان مصير زواجنا هو الفشل في كل الأحوال)
الا أن ميسرة لم تيأس، بل حاولت خفض رأسها متظاهرة أنها ستقبل قدمه، الا انه صرخ فيها بنفاذ صبر
(كفى، كفى، لست أصدق هذا الإنكسار الزائف و لا أصدق اي حرف تنطقين به، لا تذلي نفسك أكثر من هذا).

صرخت ميسرة باكية بصوت عالي متشنج...
(ليث، أنا ابنة عمك، لا تفعل هذا بي)
لكن و قبل أن يجيبها دخل والدها الى المضيفة، ثم ارتفع حاجباه وهو يرى ابنته جاثية أمام ليث تتوسله، مما جعل اللون الأسود يغزو ملامحه...
بينما نظر اليه ليث بامتعاض، فمن الواضح أنه ترك لها بعض الوقت علها تستطيع اقناعه بردها الى عصمته، لكنه على ما يبدو لم يتخيل أن تنحدر الى تلك الدرجة من اهانة الذات...

رفعت ميسرة وجهها تنظر الى ملامح وجهها المسودة و عينيه الغاضبتين، فشحب وجهها اكثر مما جعلها تنهض متعثرة، ترفع وشاحا شفافا كان ملقى على كتفيها تغطي به شعرها عبثا...
أخذ ليث نفسا عميقا. ثم قال ببرود
(تأخرت يا عمي، أنا في انتظارك من فترة طويلة)
زم عمه شفتيه، الا أنه دخل الى المضيفة وهو يرمق ميسرة شزرا، ثم أمرها بنبرة قاتمة متوعدة
(اخرجي أنت من هنا الآن)
حاولت ميسرة تخرج، الا أن ليث رفع كفه يقول بصوت صارم.

(لا، أنا أريدها أن تسمع ما سأقول)
وقفت ميسرة مكانها و هي توليه ظهرها، عيناها متجمدتان غلا، و قد تبخرت كل دموعها و حل محلها شعور مقيت...
بينما اقترب والدها من ليث ببطىء وهو يشيح بعينيه، زاما شفتيه بغضب...
ثم قال بصوت مزمجر متراجع
(اسمع يا ليث يا ولدي، كرامة لعمك، أعد ابنة عمك الى عصمتك، و سأكون شاهدا على تصرفاتها، أي خطىء جديد، سأذبحها بنفسي، لكن)
رفع ليث ذقنه وهو ينظر الى عمه بقساوة قبل أن يقول.

(لم تدخل في مقدمات طويلة يا عمي ووصلت الى الهدف مباشرة!)
بدت ملامح عمه شديدة الخزي، وهو غير قادر على النظر الى عيني ليث، ثم قال بصوت متخاذل
(اعرف أن ما فعلته تلك التعيسة أكبر مما قد يتحمله أي رجل، لكن يا ولدي، بعد معرفة سبب طلاقها، و من قبل عدم قدرتها على الإنجاب، لم يعد لها أي فرصة في الزواج، و أنا أخشى عليها من بعدي رغم كل مساوئها، العفو يا ولدي من شيم الكرام).

ضاقت عينا ليث وهو يستمع الى صوت عمه الخفيض المثير للشفقة، بينما كان ظهر ميسرة اليه و هي غير قادرة على مواجهته ووالدها يسرد نقائصها أمامه مما جعله يقول بصوت قاتم.

(لم يكن عدم الإنجاب سببا في الفراق بيني و بين ابنتك يا عمي و أنت تعرف هذا جيدا، صار عمري أربعينا و لم أحصل على أطفال بعد، ولم أفكر في الزواج عليها الا بعد أن أصبحت حياتي معها لا تطاق، و على الرغم من ذلك لم أفكر في طلاقها الا بعد أن استباحت شرفي و عرضي، أصدقني القول يا عمي، إن كنت مكاني، فهل تأمن لإمرأة مثلها في بيتك على عرضك مجددا؟).

ازداد انعقاد حاجبي عمه، و اسوداد وجهه، ومهما كانت رغبته في التعتيم على الحق، الا أن لسانه عجز عن الإنكار في الرد...
و حين ظل صامتا، تابع ليث قائلا بصوت أكثر هدوءا.

(تقول أنك تخشى على ابنتك يا عمي، اذا الأولى بك أن تحكم الطوق من حولها حاليا، ابنتك بالغت في زيارة الدجالين و المشعوذين، تصل الى غرفة نومي و تحصل على اغراض زوجتي الخاصة، كي تذهب بها الى رجال أغراب أفاقين، والله أعلم ما قد تكون نيتهم تجاهها، بعضهم لا يكتفي بالمال طمعا، بل أحيانا يتطاول على من تكون لعبة بين يديه من النساء فاقدات العقل، أنا لا أستبعد أن يصورها أو يبتزها بأي طريقة، مادام فاقدا الشرف و الدين و الأخلاق، ابنتك تخاطر بالمتبقي من سمعتها يا عمي و أنت كل همك أن أعيدها الى عصمتي، و هذا مستحيل، اعذرني، ابنتك باتت خطرا يخشاه اي رجل).

رمق عمه ابنته بنظرات نارية، تحمل من الغضب و العار بقدر ما تحمل من الخزي...
يبتلع ريقه بصعوبة، ثم قال بصوت متحشرج
(يا ولدي)
الا أن ليث قاطعه قائلا بصرامة
(آسف، لست أملك اجابة طلبك هذه المرة، لقد جئت كي أعطيها انذارا أخيرا، لتبتعد عن حياتي الخاصة و الا المرة القادمة سأتصرف معها مباشرة، أما بالنسبة للقرابة بيننا فسأظل دائما موجودا لو احتاجت الى مساعدة في اطار الحدود التي أستطيعها، و لن أتأخر أبدا).

و دون انتظار ردا منهما، اندفع ليخرج، الا أنه و قبل أن يفعل. و بمجرد أن تجاوز ميسرة حتى صرخت فيه عاليا و دموعها تغرق وجهها
(لقد ظلمتني يا ليث ظلما بينا، و لن أسامحك مطلقا، أبدا)
توقف ليث للحظة وهو يطرق برأسه، ثم قال بهدوء
(أنا آسف لهذا، اعتني بنفسك أكثر مما تفعلين يا ميسرة)
ثم خرج من المضيفة و من الدار، فاستدارت ميسرة الى والدها و الدموع السوداء تشوه وجهها و صرخت فيه دون خوف و قد أعماها جنونها.

(أوقفه، أفعل شيئا، أنا لا بد أن أعود زوجة ليث الهلالي من جديد أو سأقتل نفسي)
الا أنها لم تتوقع أن يطبق والدها على عنقها بكفيه هاتفا من بين أسنانه
(عشت عمري مرفوع الرأس في هذه البلد، و الآن أهدرت كرامتي بسببك، فضحتني، فضحني خروجك و دخولك دون حساب، ويلك مني اذا خطت قدماك خارج باب هذا الدار مجددا، والله لأقتلك دون ندم)
جحظت عينا ميسرة و هي تنظر الى تخلي والدها عنها في نهاية الطريق، فهتفت بجزع و توسل.

(أبي!)
الا أنه صرخ فيها بصوت أكثر جنونا
(اخرسي، ستتزوجين الرجل الوحيد الذي قبل بك، و ستصبحين خادمة له، و تسجنين في بيته لنهاية عمرك، كفاك، كفاك، ضيعت من بين يديك حياة لن تعوضيها أبدا، و ضيعت معها كرامتنا)
ثم دفعها عنه بقوة وهو يخرج صارخا
(على الطلاق، لو خرجت هذه المجنونة من الدار فستخرجين معها، هل سمعتما أنتما الإثنتين؟).

سقطت ميسرة على ركبتيها و هي تنظر أمامها بعينين واسعتين ذاهلتين، ثم لم تلبث أن أخذت تلطم وجنتيها و هي تبكي و تصرخ
(مستحيل، مستحيل، أريد حياتي، أريد استعادة حياتي و مكانتي، سأقتل نفسي).

حين دخل ليث الى شقته آخر الليل، كان يظن سوار نائمة، لا تستطيع انتظاره كما يغلبها النوم مؤخرا عادة...
لكنه توقف مكانه متفاجئا وهو يراها...
كانت تبدو كما اعتاد رؤيتها دائما
ملكة متوجة في انتظار مليكها
هكذا يراها في جلستها الساكنة و ملامحها الجميلة و التي لم يستطع جمالها اخفاء نظرة العتاب و اللوم في عينيها الصافيتين
اقترب ليث منها وهو يتلاعب بمفاتيحه قائلا بإبتسامة رجولية ذات حنان خاص.

(الازلت مستيقظة؟)
لمعت عيناها للحظة بشر حتى ان حاجبها ارتفع في لمحة خاطفة تدل على أنها كانت على وشك الانفجار فيه الا أنها آثرت الصمت في اللحظة الأخيرة
ازدادت ابتسامة ليث تسلية و تظاهر بأنه لم يلحظ غضبها فوصل إليها حتى وقف أمامها يكاد أن يلتصق بركبتيها ثم انحنى ببطىء حتى جثا أمامها على عقبيه ناظرا بطنها التي لا تزال خفية الحمل عن كل الناس إلا عن عينيه هو وحده.

فبالأسفل من تلك العباءة الواسعة، تحفظ عيناه عن ظهر قلب شكل البروز البسيط جدا في بطنها الجميلة و الذي يخبره بحقيقة تكوين طفله بعد طول انتظار
ضربها ليث على كاحلها برفق قائلا بنبرة آمرة
(انزلي ساقك يا قليلة الذوق بينما زوجك يجثو امامك)
رأى شفتيها تشتدان و هي تجاهد نفسها عن محاولة ايذاؤه
ثم رضخت في النهاية و طوحت ساقها تخفضها متأففة بعنف
منتظرة الى متى سيستمر في بروده هذا.

لكن ليث لم يبدو قلقا من غضبها بل على العكس زاد من ابتسامته وهو يمد كفه ليريحها على بطنها قائلا بنبرة مشتاقة
(كيف حالك يا ابني حبيبي، فلذة كبدي، اشتقت اليك يا رجل، طوال اليوم و أنا فكر فيك)
مطت سوار شفتيها بإمتعاض فلمحها ليث مما جعله يقول متابعا بخبث
(هل رأيت هذا يا هلالي الصغير، امك بدأت تغار منك قبل أن ترى النور...
تغار لاني سألت عنك اولا و القيتك عليك التحية قبلها...

او ربما تغار لأنني قلت انك تشغل تفكيري طوال اليوم فشعرت انها مهملة و ملقاة من ذهني)
زفرت سوار مجددا و هي متعمدة تجاهله و تجنب النظر إليه
بينما تابع هو دون انتظار اي رد منها
(كم هي غبية امك يا هلالي اذن، ارجو الا ترث منها جانب الذكاء فنحن نحتاجك. لكن لنتعشم أن ترث منها الجمال هذا ما اضمن لك إن حدث، إن تتهافت النساء عليك)
أصدرت سوار طرقعة امتعاض اكبر غير متقلبة لاي مزاح.

فتابع ليث وهو يرمقها بطرف عينيه محادثا طفله
(لا تعلم امك الغبية انها لا تحتاج لأن تشغل بالي أو تفكيري، إن كانت هي روحي في الأساس)
ظلت ملامح سوار جامدة ترفض النظر إليه إلا أن قلبها بدأ بالغناء تدريجيا لمجرد سماعها تلك الكلمات الحمقاء منه
تابع ليث كلامه قائلا و أصابعه تداعب بطنها بطريقة مدغدغة جعلتها على وشك الضحك أو تقبيله لا ثالث لهما
(اليوم اطمئننت على ارضك التي ستشهد نموك عاما بعد عام).

عند هذه النقطة
التفت رأسها بقوة مندفعة و هي ترمقه شزرا وهو يعترف ببلادة
ثم قال بهدوء غير مهتما بشرارات الغضب المنبعثة من عينيها الذهبيتين
(و تخيل ماذا، سيكون لك مهر لك سيولد مع مولدك، عربي اصيل مثلك)
وجدت سوار نفسها غير قادرة على الاحتمال اكثر من ذلك
فقبضت على ذراعي المقعد باصابع ذات مفاصل شديدة التشنج و البياض و هي تميل للامام هاتفة بغضب
(هل تريد اصابتي بالجنون؟).

نظر إليها ليث بدهشة بريئة وهو يقول بتعجب
(بالطبع لا، ما هذا السؤال حبيبتي؟، الا يكفيني انك غبية لكن غبية و مجنونة معا!
هذا أمر اكبر من احتمالي)
قفزت سوار من مكانها واقفة مما اضطره الى الوقوف كذلك يحاصرها بينما المقعد خلفها كي لا تستطيع الهرب منه
و هي لم تكن لتهرب بل وقفت رافعة رأسها إليه تكاد شرارات عينيها أن تحرقه حيا و هي تهتف
(كفى كفى، انت تعترف انك سافرت إلى البلد)
رفع ليث احد حاجبيه وهو يقول بدهشة.

(اعترف! هل سفري الى بلدتي يعد جريمة؟)
هتفت به سوار بغضب
(لم تخبرني)
اقترب منها ليث اكثر، حتى أخفض رأسه اليها وهو يمس ذقنها بأصابعه، ثم قال بصوت خافت عذب مقبلا زاوية شفتيها
(و هل أحتاج الى إذن منك؟)
هتفت سوار بقوة و غضب محاولة مقاومة سحر قبلته
(نعم، الا تظن؟)
تمتم ليث قائلا بصوت أكثر خفوتا وهو يدير وجهها ليقبل الزاوية الأخرى من شفتيها
(همممم، لم أظن، لكن عامة سأحاول القيام بذلك المرات القادمة).

الا أن سوار لم تهدأ بل قالت بنبرة أكثر عصبية
(لماذا تعمدت اخفاء الأمر عني؟، أنت تعلم أن هذا يثير جنوني)
أدار ليث وجهها ليقبل زاوية شفتيها الأولى مجددا بنعومة و تمهل، ثم قال بصوت أجش خفيض
(لهذا السبب لم أخبرك، العصبية مضرة لك و للجنين، لكن لا فائدة، لن تكوني سوار الرافعي إن لم تنفعلي و تحترق أعصابك لأجل لا شيء)
أدارت سوار وجهها و هي تهتف بنبرة عنيفة ذاهلة
(لأجل لا شيء! لقد ذهبت لمقابلة عمك دون علمي!).

عاد ليث ليقبل الزاوية الثانية مجددا وهو يسألها بنبرة لطيفة مستفزة
(و هل مقابلة عمي تحتاج الى اذن أيضا؟، أم تتمنين أن أقاطعه؟)
زفرت سوار و هي تغمض عينيها بتشنج، بينما قبلاته الحانية تشوش تفكيرها، فقالت بنبرة متصلبة
(بالطبع لا أريد ذلك، لكن حين تتعمد مقابلة حماك السابق دون علمي، فمن حقي أن أبدأ في الشعور بالقلق و العصبية، خاصة و أنت تتعمد تجاهل اتصالي حتى الآن).

كان ليث قد تاه منها في قبلاته التي بدأت تزحف الى فمها الناعم الذي اشتاق اليه اليوم غاية الشوق
عطرها الجميل يتخلل أنفاسه و يشعره أنه قد عاد الى بيته الآن فقط...
لكن كلامها الاخير جعله ينتبه ليرفع رأسه ناظرا اليها ثم سألها عاقدا حاجبيه بجدية
(كيف عرفت أنني ذهبت لمقابلة عمي من الأساس؟)
كتفت سوار ذراعيها بتحفز و قابلت عينيه قائلة من بين أسنانه بعنف.

(طليقتك، تكرمت و اتصلت بي، و بعد اسماعي جرعة من جرعات سمها المعتاد، أخبرتني انك أنت من طلبت مقابلة والدها! هل يمكنك أن تتحلى أنت أيضا بكرم مماثل و تخبرني ما كان سبب المقابلة؟)
للحظات ظل ليث يستمع اليها بملامح هادئة جادة تماما، الى أن أنهت كلامها الغاضب الحاد، دون أن يرد و ما أن انتهى حتى تركها و استدار عنها تاركا اياها تتلوى بنار القلق...
ثم قال أخيرا دون انفعال.

(عامة هذه آخر مرة تزعجك فيها ميسرة، و قد تأكدت من ذلك بنفسي).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة