قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثالث والثلاثون

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثالث والثلاثون

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثالث والثلاثون

(تبدو، مختلفا بعض الشيء، هل حدث ما ضايقك في الحفل؟)
نظرت ياسمين الى فريد وهما يقفان في شرفة منزلها، وهو ينظر بعيدا بشرود و يديه في جيبي بنطاله و قد فك رطة عنقه و تركها منسدلة حول عنقه...
استدار ينظر اليها بتعبير غريب، ثم ابتسم قائلا بصوت هادىء لطيف و إن كان ينقصه مرحه المعتاد
(كيف أبدو مختلفا؟)
نظرت ياسمين الى عينيه مباشرة، ثم هزت كتفها و هي تقول بعدم ارتياح.

(لا أعلم، و كأن شيئا ما قد ضايقك أو، فاجئك، هل قال لك عادل ما ضايقك؟ لأن بإمكانه ان يكون شخصا عديم الذوق في لحظة)
أعاد فريد نظره للبعيد وهو يقول بخفوت متذمرا
(لا تتكلمي عنه بهذا الشكل)
ارتفع حاجبيها بصدمة للحظة ثم سألته قائلة بعدم فهم يشوبه الغضب
(عفوا! هل تدافع عنه؟، هل طواك ووضعك في جيبه بمثل هذه السرعة؟، اسمع يا فريد أنا أريد رجلا يدافع عني ضده، و لا أقبل باي).

رفع فريد كفه وهو يوقفها قائلا بحزم أقرب الى الصرامة عاقدا حاجبيه
(مهلا مهلا، أولا راقبي ألفاظك، فلست من يطوى كما تقوليني بتلك الطريقة عديمة التهذيب، ثانيا حين أراك في موقف يستحق الدفاع عنك سأفعل قبل أن تطلبي، ثالثا أنا لا أدافع عنه كما أنني لن أهاجمه لأنني لا أعرفه)
قالت ياسمين بوجه ممتقع شاحب
(بالتأكيد تعرفه، لقد أخبرتك عن كل حياتي بالتفصيل و كل ما أعانيه بسببه)
رد عليها فريد قائلا بجدية.

(و أنا سمعت و استوعبت، لكن أن أبدأ بالعداء تجاه أسرتك التي تعتبر زوج أختك هو رجل العائلة فهذا يجعل مني رجل تافه، تقوده زوجته بكلمة، نحن لن نشكل احزابا هنا، الا إن تجرأ و أخطأ في حقك، لكن حتى هذا الوقت أنا مجبر على التعامل معه بأدب، على الأقل اكراما لأمك و أختك، أنا مشفق عليها من طريقة تعاملك مع زوجها علنا).

ارتفع حاجبي ياسمين أكثر، و اتسعت عيناها أكثر و أكثر، بينما بدأ وجهها يحمر بفعل انفعالات الغضب بداخلها ثم قالت بعنف من بين أسنانها
(من الواضح أنك لم تسمع أي شيء مما قلته لك، أختي المصون تسانده في كل خطوة، و هي تجعل من حياتي بؤرة قاتمة مستمرة، و بعد كل هذا الكلام تشفق عليها هي!)
ظل فريد ينظر اليها بطريقة غريبة، و كأنه خائب الأمل قليلا مما أثار حفيظتها أكثر...

ثم قال أخيرا بهدوء بسيط، دون حتى أن يخرج يديه من جيبي بنطاله و كأنه ينظر الى فتاة تافهة مسكينة
(لأنها تستحق الشفقة بالفعل، و أنا لا أريد أن اشعر بهذا الشعور تجاهك أنت)
ارتبكت ياسمين قليلا، فاستدارت عنه لتضع كفيها على حاجز الشرفة دون رد، فتابع فريد قائلا بجمود.

(أختك لا ترى في الحياة سوى هذا الرجل المتكاسل، هو الشيء الوحيد الذي تملكه و تعتبره قمه الربح الذي حصلت عليه من الحياة، لماذا تصرين على اهانته أمامها؟، هذا يجعل منها مجنونة و تريد نهش عينيك بأظافرها)
ضحكت ياسمين بسخرية بينما حفرت أظافرها في حاجز الشرفة، ثم قالت بإستهزاء
(بل المفترض أن أسمح له بإهانتي و استغلالي و سرقتي و التطفل على عاتقي)
رد عليها فريد بجفاء.

(بل تدافعين عن نفسك، تكونين حازمة في ايقافه عند حده، و بالطبع لا تسمحي له بإستغلالك، لكن عليك تعلم الترفع في تصرفاتك، لو أمضيت حياتك في محاولة اهانة كل من يسيء اليك فلن يتبقى لك حياة كي تحييها، هذا الكم من الهجوم و الإهانة تجاهه يجعلك تنزلين الى مستواه، فتصبحان ندا لند تتواجهان، و هذا ما لا يليق بك، لأنك من مستوى أعلى علميا و عمليا).

لم ترد ياسمين عليه، كانت تحترق غضبا داخليا، تشعر بأنه يهينها بأدب و هي غير قادرة على الرد عليه...
لم تتوقع من شخص مثل فريد أن يقف أمام زوج اختها و يوسعه ضربا عند أول مواجهة...
فهو شخص، لطيف، متحضر
نطقت الكلمة الأخيرة في سرها بطريقة ممتعضة...
لكنها لم تظن أيضا أن يكون بمثل هذا التهذيب في التعامل معه، خاصة بعد كل ما أمضته من ساعات تشكو اليه من سوء ما تحياه معهم...

زمت ياسمين شفتيها و هي تشعر بالدموع تلسع عينيها فعضت على أسنانها كي لا تبكي بحسرة أمامه...
بينما الخاتم لا يزال باردا في اصبعها...
لماذا لا ترزقها الحياة بشخص قوي الشكيمة يدافع عنها و يحمل بعض العبء عنها، فقد تعبت بحق...
حين طال الصمت بينهما، قال فريد بصوت خافت
(غاضبة؟)
ضغطت شفتيها معا و هي تحاول السيطرة على مشاعرها العنيفة، ثم قالت بهدوء دون أن تلتفت اليه.

(لماذا أغضب؟، لك طباعك و أرائك، و لي أنا أيضا طباعي و شخصيتي التي آمل الا تحاول تغييرها، لأنك ستفشل)
نظر فريد الى جانب وجهها، يحب هذا الجانب جدا، يشعره بأنه ينظر الى شيء حلو المذاق، لاذع بعض الشيء، وجنتها مكتنزة و محمرة طبيعيا، و شفتاها متبرمتان دائما مما يجعلهما تحتاجان الى قبلة تهدىء من تبرمهما الوقح...
تنهد فريد ثم قال ببطىء
(يستحيل على شخص أن يغير من انسان آخر، الا اذا اراد هذا الآخر).

التفتت اليه و قالت بسرعة و حزم و هي تنظر الى عينيه
(و أنا لا أريد، أنا راضية عن نفسي تماما كما أنا)
مط فريد شفتيه وهو يقول ببساطة ناظرا الى الليل المضيء بأنوار النوافذ حولهما
(جيد، أهم شيء أن تكوني راضية عن نفسك)
رمشت ياسمين بعينيها و هي تنظر للبعيد
هل هي راضية عن نفسها؟
هل هي راضية عن تصرفها تجاه أمين؟، لقد أصابت بخيبة أمل كبيرة.

فهي لم تشعر بالتشفي الذي كانت تتوقعه، كما أنه لم يخفف من وطأة الجرح الذي جرحه لها، و بعد انصرافه تسائلت برعب
لماذا تشعر بمثل هذا القنوط؟، الا تزال تحس شعورا خاصا تجاهه!
أم أنها كانت غاضبة من نفسها لنزولها الى مثل هذا المستوى؟
هزت رأسها بقوة و هي تفكر بغضب
لم يكد حفل الخطبة ينتهي، و ها أنا أفكر بنفس أسلوبه! (أنا يجب أن أنصرف الآن)
استدارت ناظرة اليه بدهشة، ثم قالت بتلعثم
(لكن، أنا ظننت).

ابتسم وهو يرد عليها بهدوء
(ماذا ظننت؟)
استدارت عنه و هزت كتفها و هي تقول بإرتباك
(ظننت أنك تود لو بقيت بعد انصراف أختك و زوجها، ربما لنتكلم قليلا، أو، أي شيء آخر)
شاب ابتسامته الهادئة أكثر من اللازم بعض الحنان، ثم قال بخفوت
(أود أكثر من هذا، لكن تأخر الوقت، ربما لو كان عقد قراننا لكنت بقيت أكثر، لكن لن يطول هذا، أعدك بذلك)
نظرت اليه ياسمين مرتبكة قليلا، و بدا هو مترددا أكثر، ثم سألها أخيرا بهدوء.

(ياسمين، لقد تقاربنا كثيرا خلال الفترة الماضية و احترمت صراحتك حين أخبرتني بأنك تكنين لي مشاعر المودة و الإحترام و قد يكون هذا أساسا جيدا للزواج، احترمت صراحتك أكثر حين اعترفت لي بشجاعة أنك أعدتي التفكير في الأمر حين بات بقائك مع أسرتك أمرا مريرا لك كل يوم أكثر من ذي قبل، لكنك لا تريدين الحياة بمفردك مجددا في نفس الوقت، ربما أرغب في أكثر مما تقدميه لي بكثير، لكنني احترمت صراحتك و شجاعتك جدا).

ضحكت ياسمين و هي تقول بحرج متلاعبة بحاجز الشرفة
(حسنا هذا وصف متواضع للأمر، لقد قلت حرفيا، أنني فكرت لماذا يمكن لإمرأة مثلي ترفض شابا مثلك، قد يكون حلم أي فتاة أخرى، و تسائلت الى متى سأظل غبية؟)
ضحك فريد برفق ثم قال متملقا نفسه
(حسنا، كانت هذه العبارة هي ما خففت قليلا عن كبريائي المجروحة)
ضحكت هي الاخرى ثم خبت ضحكتها سريعا، و أبعدت وجهها عنه، فتابع فريد يقول.

(لكنك لم تحاولي السؤال عما اذا كانت لي أي علاقات جدية قبلك!)
التفتت تنظر اليه و سألته بخفوت قبل أن تستطيع منع نفسها
(هل كانت لك؟)
سألها فريد مباشرة
(هل هذا سؤال؟)
فتحت فمها لتجيب بالموافقة و هي تشعر بالفضول لمعرفة ماضيه، لكنها فضلت الحذر، فإكتفت بأن هزت كتفها بعدم اهتمام...
فقال فريد نيابة عنها بصوت غامض
(إن كان هذا سؤالا صريحا فسوف اسألك بالمثل).

رفعت وجها متفاجئا اليه فاصطدمت بعينيه الحادتين تنظران اليها دون ابتسام، و قال بجدية دون تلاعب
(هل كانت لك علاقات من قبل؟)
فغرت فمها الذي شحب لونه، و حاولت الكلام، ثم قالت بغباء
(كنت متزوجة)
أصدر فريد صوتا مستهزئا من حنجرته، ثم مال الى حاجز الشرفة يستند اليه بمرفقيه وهو ينظر الى البعيد مما زاد قلقها...
هل انتابه الشك في مجيء أمين؟

كانت تعلم أن هذا أمرا محتملا، لكنها فضلت المخاطرة يدفعها الألم و المرار الذي ذاقته من عودة أمين اليها بمنتهى البساطة يطلبها كخيار احتياطي من الدرجة الثانية في انتظاره ما أن يأمر...
كانت على استعداد لفعل أي شيء في سبيل ايلامه كما آلمها و جرح كرامتها بعد أن ظنت أنها نالت حلما ثمينا أخيرا، أذاقها السعادة في رشفة ساحرة، ثم أبعد الكأس عن شفتيها و صفعها مرتين...

لقد قدم لها بمجيئه و عرضه الزواج عليها فرصة ذهبية كي تنتقم لكرامتها، لم تفعل أكثر من دعوته الى حفل خطبتها، ربما أراد القدر أن تعيد التفكير في الزواج من فريد، و هي لا تعلم بان أمين سيعود اليها و يذوق من نفس الكأس...
عقدت ياسمين حاجبيها و سألته بحدة
(فريد، ما الأمر؟، لما لا تكون صريحا معي؟)
قال فريد وهو يعتدل في وقفته ناظرا اليها بجفاء.

(لن أسألك في شيء حدث قبل خطبتي لك، حياتك تخصني منذ أن وضعت الخاتم في اصبعك، لكن هناك أمر يجب أن تعرفيه، إن كان هناك شيئا قد يهدد علاقتنا و يجب على أن أعرفه قبل أن يتعمق ارتباطنا فأنصحك أن تبدأي الآن، لأنني حين أرحل، لا أعود)
ارتجفت شفتيها للحظة و هي تنظر الى البأس الغريب في عينيه، ثم سألته بخفوت ووجه ممتقع
(هل هذا تهديد؟)
ارتفع حاجبيه وهو يقول بهدوء.

(أنت درامية جدا، للمرة الأخيرة، هل هناك ما يجب معرفته و قد يهدد علاقتنا مستقبلا؟)
ظلت ياسمين صامتة، تنظر اليه دون كلمات أو تعبير، ثم قالت بصوت قاتم
(يصعب الزواج من امرأة لا تثق بها)
ارتفع حاجبيه وهو يرد قائلا ببساطة قاطعة
(أثق بك لدرجة أنني لا أحتاج سوى لسماع ما أريد منك)
أطرقت ياسمين برأسها غير قادرة على الرد بينما ظلت أصابعها تحفر في حاجز الشرفة، مما جعله ينظر اليها بيأس و قد خاب أمله، ثم قال بجفاء.

(يجب أن أغادر الآن، سأهاتفك لاحقا)
ثم استدار مندفعا بينما هي تسرع الخطا خلفه مضطربة الأنفاس شاحبة الوجه...
تمنت لو يستدير اليها، يكلمها، يلقي اليها بتحية أكثر رقة و عاطفية، لكنه لم يستدر...
بل لم ينظر الى الوراء ولو لمرة واحدة حتى...
أغلقت ياسمين الباب و هي تستند اليه بكفيها، مطرقة بوجهها تتنفس بسرعة و خوف...
لم تظن أبدا أن تشعر بالخوف على فشل خطبتها لفريد...

بقدر رفضها له في البداية، أصبحت تلك الزيجة الآن هي فرصتها الأخيرة كي تخرج بها من هذا البيت...
و فريد هو الشخص الأكثر أدبا ممن قد يعرضون عليها الزواج أبدا، هذا إن عرض عليها أحد الزواج من الأساس...
انتفضت فجأة حين سمعت صوت زوج أختها البغيض يقول بفضول لزج
(هل غادر خطيب الغفلة؟، من يملك سعادتك الآن، زوج لم تكوني لتحلمين بمثله، من الواضح أنك أذكى مما تصورنا و نحن المساكين السذج بجوار عقليتك الرابحة).

رفعت ياسمين وجهها تنظر اليه بشراسة صامتة محتدمة...
حيث يقف عن بعد يبادلها النظر بتحدي و برود وهو يمسك في كفه قطعة من قوالب الكعك الذي تم تقديمه في الحفل المتواضع، يقضمها و يلعق الزينة عن أصابعه...
و قد كان هذا أكثر من احتمالها، فتركت الباب و اندفعت اليه قائلة بعنف
(ما الذي قلته لفريد؟)
ارتفع حاجبيه ببراءة مصطنعة وهو يسألها
(ماذا قلت؟، لا أذكر أننا تكلمنا في شيء هام!).

هجمت عليه ياسمين و اطبقت على قميصه بكلتا قبضتيها فسقط المتبقي من قلب الحلوى من يده ارضا الا أنها لم تهتم، بل هزته بقوة و هي تصرخ عاليا
(لا أصدقك، أنا رأيتكما بعيني، كنت تبث من سمومك في أذنيه فتغيرت ملامحه و من وقتها ولو مقتضب الكلام و يسأل أسئلة غريبة)
استعرت عينا عادل وهو يصرخ عاليا بغضب.

(ابعدي بلائك عني يا امرأة، ما ذنبي أنا إن كان قد اكتشف أنه تسرع في خطبة امرأة أقل من مستواه لسانها أقذر من ممسحة المطبخ)
صرخت ياسمين بغضب و جنون و هي تتابع هزه بكفيها المتشبثتين بقميصه
(ماذا تريد مني، أخرج من حياتي، اخرج منها و تعفن في اي مكان آخر)
كانت أمها و أختها قد خرجتا مسرعتين من المطبخ على صوت صراخهما المعتاد، فصرخت أختها أولا.

(أتركيه يا ياسمين و احترمي نفسك، أرى أنك لم تتوقفي عن حقدك حتى بعد أن أكرمك الله أخيرا بزوج)
نظرت اليها ياسمين بعنف و قالت بحدة من بين أسنانها
(أي حقد هذا الذي سأشعر به تجاهكما يا مفلسين، يا متسولين، يا معدومي الكرامة و النخوة، لقد حصلت على طبيب شاب مرموق العائلة و المكانة، و لا يزال ظنك المتخلف بانني قد أحقد عليكما يا أوباش. )
هتف عادل بقوة و غضب.

(لا، لقد فاض الكيل، ابعدي يديك عني ايتها الإمرأة المجنونة)
و بيده الملوثة بالشوكولاه و الكريم الأبيض دفعها في صدرها فتلوث فستانها الفاتح الجميل بشكل بشع...
ترنحت ياسمين و تعثرت في طرف فستانها الا أنها استعادت توازنها ووقفت تنظر بأسى الى فستانها الذي تلطخ بفعل يده القذرة، فدمعت عيناها بسخافة و شعرت بنفسها على وشك الإنفجار في البكاء...
أما أمها فقد هتفت بهلع.

(ما الذي حدث؟، ألن تنتهيا مطلقا مما تفعلانه؟، أصبحنا علكة في أفواه الجيران من صراخكما يوميا)
نظرت ياسمين اليها بعينيها الدامعتين و هتفت بإختناق
(رأيته يكلم فريد، بعدها تغيرت ملامحه تماما و انصرف سريعا، إنه يريد إفشال تلك الزيجة، إن كنتم لا تريدون وجودي هنا فأنا لا أريد أكثر منكم، اذن ابتعدوا عني و عن خطيبي كي تكتمل الزيجة البائسة).

اتسعت عينا أمها بجزع و ضربت على صدرها و هي تستدير الى عادل تسأله بصرامة و فزع
(ماذا قلت له يا عادل؟، أقسم بالله إن حدث و تسببت في فشل زيجة ياسمين فسيكون لي تصرف آخر، زيجة لن تعوضها أبدا، كيف تفكر أنت؟)
ابتسم عادل بسخرية وهو ينظر الى ياسمين بطرف عينيه مزدريا، ثم قال مؤكد
(بالتأكيد، أنا أصلا أتسائل حتى الآن كيف لشاب مثل أن يرتطم في عقله و يفكر في الزواج منها! لابد أنه معتوه).

هجمت عليه ياسمين و هي تهتف من بين أسنانها
(لا تجرؤ على الكلام عنه بتلك الطريقة أيها العاطل الجائع عديم الرجولة)
تشبثت كلا من أمها و أختها بها و حالتا بينهما، وهي مصممة على ضربه، لكن و بينما هي تحاربهما للوصول اليه، حانت منها نظرة الى وجه أختها...
علي الرغم من العنف البادي على ملامحها الا أن عينيها كانتا دامعتين و بهما نظرات غيرة قاتلة لا تقبل الشك، غيرة ممتزجة بالحسرة و المرارة...

تلك النظرات و كأنها دلوا من الماء البارد، انسكب على غضب ياسمين فسكنت تماما ووقفت مكانها و هي تتنفس بسرعة...
كيف سمحت لهذا الثور أن يفسد علاقتها مع أختها الى تلك الدرجة؟
حتى و إن كانت تافهة و منساقة خلفه كالعمياء، لكن كان يتوجب عليها هي أن تكون أكبر عقلا، أكثر قوة على التحمل...
تنهدت ياسمين أخيرا ثم أبعدت وجهها عن أختها و هي تقول بخفوت مهزوم.

(لا جدوى من الصراخ و حرق الأعصاب، لقد تعبت. كل ما أطلبه منكم هو أن تتحملوني الى أن أتزوج و أبتعد عن هنا لأترك لكم الشقة، كفى تمزيقا لنفسي كل ليلة، فوالله لم أعد أمتلك القوة للمثابرة)
ابتعدت عنهم بكتفين متثاقلين، لكن صرخة من أختها أوقفتها فجأة
(آآآآآآآه)
استدارت ياسمين بسرعة تنظر اليها فوجدتها تنحني الى الأمام بقوة و يدها أسفل بطنها بينما أطبقت عينيها و هي تهتف مجددا.

(آآآآه، ضربة قوية أسفل بطني، آآآآآه، أمي يبدو أنني سألد)
اتسعت عينا ياسمين و سارعت اليها تسندها و صرخت في زوجها المذهول
(ماذا تنتظر؟، افعل شيء، اتصل بطبيبتها و أوقف سيارة أجرة).

أمسك بيدها يجذبها اليه برفق بينما هي تبتسم له بخجل كاذب، و ما أن دخلت في أحضانه حتى همس لها بصوت أجش مداعبا أذنها
(كنت كالبدر يا مليحة، أوقفي ازدياد جمالك كل ليلة أو لن أكون مسؤولا عما سيحدث أمام الأغراب)
ضحكت سوار بخجل بدا غريب عليها و كأنها عادت فتاة صغيرة شديدة الحياء أمام صراحة عينيه...
لكنها قالت بخشونة مازحة.

(أي بدر! نفس العباءة السوداء حتى و إن كانت جديدة، كف عن المبالغة و التملق لأنني مرهقة الليلة جدا، ارهاق عاطفي و جسدي)
تلاعبت أصابعه القوية بطرفي عبائتها وهو يحاول فكها قائلا بتوهج
(نفس العباءة السوداء، الا أنني أعرف جيدا ما تحتها، كل جزء منه، جزيئا جزيئا. ).

ضحكت سوار بنعومة و دلال و هي تميل معه و كأنها منسجمة تماما مع حركاته، تحفظها عن ظهر قلب، فتتحرك معه بجمال يخصهما وحدهما، ثم قالت معترضة دون عزيمة حقيقية
(ابتعد يا صاحب الجزيئات، فمليحتك تحتاج الى النوم حالا أو ستنهار بين ذراعيك)
قال ليث بجدية مبتسما
(وهو المطلوب تماما، انهاري براحتك و أنا سأحرص على أن أدثرك بالغطاء جيدا فيما بعد).

ضحكت أعلى و أعلى، بينما ارتفعت عيناها تتأملان الشيب الأنيق المتناثر على جانبي شعره و لحيته...
و رغما عنها حل الحزن على نظرات عينيها الهائمتين به، و خاصة بشعره...
عبس ليث وهو يقول بخشونة
(الى ماذا تطلعين؟)
أجابته بهمس أجش كالخرير
(اليك)
رد ليث قائلا بجفاء
(بل الى الشيب في رأسي و لحيتي)
ارتفع حاجباها و هي تهمس بدهشة حقيقية
(ألهذه الدرجة تستطيع قراءة نظرات عيناي؟).

مد أصابعه يداعب شعرها و يجذبه ببطىء من كومات لفاته، لكن دون جدوى، تثبته بمسامير على ما يبدو...
ثم قال بجفاء
(الأمر ليس صعبا، نظرات جديدة بها اعجاب خفي، الى جانبي شعري و لحيتي، نظرات لم أراها منذ احدى عشر عاما، لأنني لم أكن أملك الشيب حينها)
رفعت أصابعها تداعب بها لحيته و سألته مسحورة بصوتها الأجش و كأنها تداعب طفلها المتمرد
(و لماذا تبدو متجهما الآن؟)
قرص وجنتها وهو يقول بخشونة.

(لأنني لا أحبه، فهو يذكرني بالسنوات التي عشتها بعيدا عنك بينما كان من الممكن أن نقضي شبابنا سويا)
تخصرت سوار و هي تقول بفظاظة
(شباب من هذا الذي تتحدث عنه بصيغة الماضي، تكلم عن نفسك يا كهل الشباب، أنا لا زلت في عز شبابي و لم تطىء رأسي شعرة واحدة بيضاء، أما أنت فقد فاتك القطار و الذي تلاه و حاليا يبحثون لك عن سيارة سبعة ركاب)
عقد ليث حاجبيه و قال بغيظ.

(احترمي نفسك يا سوار كي لا أحلق لك شعرك الذي تتباهين به)
ارتفع حاجبها بخبث، ثم رفعت كفيها خلف رأسها لتفك طيات شعرها واحدة تلو الأخرى و هي تلقي بالمشابك أرضا، حتى بلغت عشرون مشبكا تقريبا، ثم تخللت شعرها بأصابعها و هي تميل برأسها يمينا و يسارا كرقصة خليجية على الرغم من أن جسدها ثابت أمامه كفرع قوي و لين في ذات الوقت...

أما هو فكان ينظر اليها مبتسما بينما هي تتباهى بطول شعرها بفخر سافر، ثم توقفت أخيرا و قالت متنهدة بتعب من تسريحه بأصابعها...
(ها هو ملك يديك، احلقه)
اتسعت ابتسامته أكثر و تألقت عيناه بينما همس بصوت أجش بطيء
(لا عاش و لا كان)
صمتت سوار غير قادرة على الرد، و برقت أسنانها في ابتسامة حنونة راضية و هي تتأمل جمال نظراته لها، بينما تخللت أصابعه شعرها حتى اضطر للإنحاء كي يصل الى نهايته...

و سوار ساكنة تماما تتأمله بصمت، ثم تاهت عيناها على الشيب الفضي بشعره لكن ابتسامتها خبت هذه المرة و ظهر بعض الحزن في عينيها...
فتوقف ليث و سألها قائلا بإهتمام وهو يلامس أهدابها باصابعه...
(الآن ظهر الحزن في عينيك، لماذا؟)
ظلت صامتة قليلا و هي تتأمل تلك الشعرات الفضية ثم همست متنهدة
(لأنه و رغم جمال هذا الشيب الملوكي الذي يغزو شبابك، الا أنه يذكرني بأنني ضيعت من عمرك عاما كاملا).

عقد ليث حاجبيه وهو ينظر اليها مستفهما، ثم قال بصوت أجش خافت
(ما الفارق بين هذا العام تحديدا و ما سبقه من اعوام؟)
ظلت صامتة بضعة لحظات، و هي تسبل جفنيها عن العشق الظاهر على ملامحه و الذي يوجعها بشدة، ثم أجابت بصوت مختنق هامس
(الفارق، أنني تسببت في حرمانك من أن تكون أبا خلال هذا العام، ضيعت من عمرك عاما كاملا بسبب غبائي و عنادي الأهوج)
ابتسم ليث وهو يحرك أصبعه على وجنتها ببطىء، ثم قال بصوت عميق حنون.

(كل شيء مكتوب يا مليحة، مكتوب لي اليوم الذي سأصبح فيه والدا، أو لم يكتب، يكفيني أنني حصلت على العشق القديم في نهاية المطاف، بعد أن كنت قد دفنته مع القصص و الحكايات التي نسمعها في طفولتنا لتموت يوما بعد يوم كلما خط الشيب شعرة من رؤوسنا، لكن قصتي معك لم تمت، لقد حصلت على ملكة الجبل ذات الشعر الطويل، تلك التي سعى خلفها عاشق و مجرم، فهربت منهما الى صالح حنون، حملها بين أضلعه كأمانة في انتظار عاشقها، ووصاه عليها قبل أن يرحل مبتسما...

و عاش العاشق و الملكة في سعادة أبدية)
فغرت سوار شفتيها المرتعشتين، و هي تنظر اليه بعينين دامعتين، تستمع الى صوته العميق مبهورة، و لم تدرك أن خطين من الدموع قد انسابا على وجنتيها ببطىء شديد...
ثم همست بإختناق ما أن انتهى
(يالجمال القصة! سأحكيها لأطفالي و أحفادي)
اتسعت ابتسامة ليث وهو يأخذ وجهها بين كفيه ليقول بنبرة حنونة جبارة.

(أستطيع تخيل هذا الشعر الأسود و قد غدا فضيا، يالله، من جميل لأجمل، أوصي جمالك أن يتمهل بأحصنته الجامحة، فقلب عاشقك أرهقته فتنتك)
ظلت صامتة تنظر اليه قليلا، ثم هزت رأسها و هي تضحك بصوت متحشرج من بين دموعها لتهمس بعدم تصديق
(من أين لك بمثل هذا الكلام!)
عقد حاجبيه دون أن يفقد ابتسامته و قال بخشونة
(منذ بدأت أنوثتك تتألق أمامي، وجدت الكلمات تتدفق بخيالي عنك، كتبت و كم كتبت لك و عنك دون أمل).

رفعت كفيها تمسح بهما وجنتيها، و ضحكت مجددا قائلة بصوت متحشرج
(سأطالبك منذ اليوم بكل ما كتبته عني، و لن تتوقف حتى آخر يوم بحياتنا سويا)
مسح المتبقي من دموعها و قال متظاهرا بالتفكير
(هذا عدل، بما أنني اطالبك بالتعويض عن نسبة العشرين بالمئة التي قضيتها محروما، يمكنك الحصول على الكلمات بينما أحصل أنا على المادة)
بدأ يدغدغها فضحكت عاليا و هي تقول مقهقهة تحاول تجنب أصابعه.

(كم أنت عادل! الكلمات لي و قلة الأدب لك!)
عقد ليث حاجبيه و هو يقول رافضا
(قلة الأدب تعني أن هناك بعض الأدب، انسيه، فقد ضاع من العمر ما يكفي)
ضحكت سوار عاليا و هي تحاول الفرار من بين يديه الا أنه عاد و أمسكها بسهولة فوضعت كفها على فمه و سألته بحزم
(أخبرني أولا، من أجمل أنا أم عروس فريد؟)
ارتفع حاجبيه و سألها بدهشة
(المقارنة مجحفة، أنت طبعا، و هل يحتاج الأمر الى سؤال؟).

توقفت سوار عن الدلال و الميوعة ووقفت متصلبة فجأة كأمين شرطة و هي تسأله بجدية
(هذا يعني أنك رأيتها جيدا و حكمت على شكلها! أنت حتى لم تحاول استغراق لحظة كي تتذكر شكلها)
عقد ليث حاجبيه و قال بتوجس
(هل كان هذا فخا؟)
لمعت عيناها بغضب حقيقي و أجابت بحدة و هي تضرب كتفه بقبضتها
(لست أمزح الآن يا ليث)
أمسك ليث بقبضتها و ضحك قائلا
(تمهل يا وحش الليل و لا تتهور، كانت مجاملة لا أكثر)
اتسعت عيناها و هتفت بذهول.

(مجاملة! أتصدق، ستنام الليلة على الأريكة في الخارج يا ابن الهلالي)
تظاهر ليث بالضحك عاليا وهو يقول بخشونة عابسا.

(في أحلامك يا وحش الليل، اسبوع بالكامل و أنت متعبة و تتظاهرين بالإنشغال مع أخيك بينما أنت في الواقع لا تفعلين شيئا، كل ما قمت به هو الفصال لمدة دقيقتين مع البائع في محل المجوهرات و أنتم تنتقون الشبكة، و بعد دقيقتين مللتي و تركتي الفصال حتى ظنك البائع محدودة الذكاء فزاد عن الثمن الأصلي، و لهذا المجهود الجبار، اسبوع كامل و أنت تنامين مفتوحة الفم بعد العشاء مباشرة و يستمر شخيرك حتى الصباح).

هتفت سوار بغضب حقيقي
(أنا لا أفعل، أسحبها حالا)
قال ليث بحدة
(اسحبي أنت جيوبك الأنفية و التي من وسعها يمكنك ادخار مصروف البيت بداخلها)
فغرت سوار شفتيها و قالت بذهول
(أنت تتكلم بجدية! ليث أنا لن أسامحك على هذا أبدا).

ثم دفعته في صدره بكلتا يديها و ابتعدت عنه كمأمور قسم الشرطة و هي ترفع طرفي عبائتها بكفيها و تعبر الغرفة ضاربة الأرض بقدميها لكن ما أن وصلت الى الباب، حتى استدارت اليه و تركت احدى طرفي عبائتها و هتفت بحدة ملوحة بكفها
(و بالمناسبة، كل هذا الحوار التافه عن شيب شعرك و جمال طلتك و ضياع عام من عمرك، لم يكن سوى مقدمة لأخبرك بأنني حامل).

ثم تركته و خرجت من الغرفة، بينما وقف ليث مكانه في الغرفة ينظر الى الباب الذي خرجت منه بذهول بدأ يتزايد تدريجيا، و ما أن استوعب كلمتها الأخيرة حتى هتف بصوت زلزل جدران الشقة
(سواااااااار)
خرج مندفعا من الغرفة يبحث عنها في كل مكان الى أن وجدها في الحمام مغلقة الباب فحاول فتحه بالقوة الا أنه لم يستجب...
طرق ليث الباب بعنف وهو يناديها قائلا منفعلا حد الجنون.

(سوار، افتحي الباب حالا وواجهيني، سوار، افتحي الباب أو سأكسره)
صرخت سوار بغضب من الداخل
(اكسره و أنا سأقفز من نافذة الحمام)
عقد حاجبيه قليلا و قال بحذر
(لن تمررك، ربما مررت نصفك العلوي لكن بالتأكيد لن تمرر نصفك السفلي، لقد ازداد حجمك قليلا، و إن كان الخبر صحيحا، فكما لاحظت لن تمرر نصفك العلوي أيضا)
صرخت سوار بغضب و هي تضرب الأرض بقدمها.

(كفى يا ليث، أنت تبالغ في اهانتي، أولا تعترف أنك تجاملني ثم تتهمني بالشخير ثم تعايرني بإمكانياتي، ماذا ينقص بعد؟، ربما تشكو من رائحة قدماي أيضا، هذا هو ما ينقص فعلا!)
هتف ليث بحرارة
(سوار أنا اعشق امكانياتك، فقط افتحي الباب و أخبريني أنك تحملين طفلي فعلا، أرجوك لا تحرميني جمال تلك اللحظة، أرجوك يا مليحة فقد انتظرتها طويلا).

ساد الصمت لفترة قصيرة ثم سمع صوتا مختنقا، مما جعله يعقد حاجبيه و يقرب أذنه من الباب مرهفا السمع، فسمع شهقة بكاء مكتومة مما جعله يحاول فتح الباب بسرعة هاتفا
(سوار، هل تبكين؟، افتحي الباب حبيبتي)
ساد الصمت لفترة أخرى، مما جعله يعزم على كسر الباب بالفعل، الا أنه سمع سوت المزلاج يفتح ببطىء، ثم انزاح الباب قليلا ووقفت سوار أمامه مطرقة الوجه، و الدموع منسابة على وجنتيها بغزارة...

مما جعله ينظر اليها مصدوما قبل أن يأخذ وجهها بين كفيه متحسسا دموعها بإبهاميه وهو يقول بخفوت
(كل هذه الدموع! ألهذه الدرجة آلمتك من مجرد مزاح!)
هزت سوار رأسها نفيا ببطىء دون أن ترفع وجهها اليه، ثم قالت بصوت مختنق أجش.

(هذا الحال ليس جديدا علي، منذ أيام و أنا تنتابني تلك الحالة الغريبة، كلما فكرت في العام الذي ضيعته من عمرك دون أن أحاول منحك الطفل الذي تستحق، انفجرت في البكاء دون توقف، كأن عفريت الكآبة قد تملكني، لا أعلم إن كان هذا بسبب هرمونات الحمل أو أنني أقر بأنني ظلمتك معي فعلا، لكن أحيانا أبكي لأنك تعود من العمل مرهقا).

ارتفع حاجبي ليث بحنان وهو ينظر اليها مشدوها، محاولا الكلام، الا أنه عجز عن ذلك للحظات، ثم حاول تنقية حلقه، الا أنه حين تكلم اخيرا سألها بصوت متحشرج قاسي
(أنت حامل، فعلا)
رفعت وجهها اليه و نظرت الى ملامح وجهه التي جعلتها تشهق باكية فجأة بعنف فرفعت يدها الى فمها و أومأت برأسها بسرعة غير قادرة على النطق، فأغمض ليث عينيه قبل أن يسحبها الى أحضانه بقوة وهو يتأوه بصوت بطيء طويل، ثم همس دافنا فمه في شعرها.

(أنت تحملين طفلي يا مليحة، الحلم الذي حلمت به في منامي طويلا دون أن أتجرأ على محاولة استرجاعه بعد استيقاظي، تحملين طفلي يا مليحة، دارت الأيام و لم تعد زوجتي امرأة سواك، و لم يحمل رحم جنيني الاك)
شدد من تضييق حصار ذراعيه حولها بقوة حتى زادت من بكائها بقوة و هي تحيط خصره بذراعيها...
و همست باكية بإختناق
(سامحني يا ليث، ليتني حملته لك قبل أشهر طويلة، بل ليتني حملته لك منذ سنوات، ليتني).

قال ليث بصوت مختنق وهو يضع كفه فوق فمها يمنعها
(لا تكملي، لا تفسدي جمال تلك اللحظة، كل مكتوب، فلنتقبل تلك النعمة برضا دون التفكير في الماضي)
أغمضت سوار عينيها و هي تريح وجنتها على صدره تنعم بهذه الراحة الأبدية، الا أن صوت جرس الباب قاطعهما فجاة مما جعل ليث يهتف بخشونة غاضبا
(تبا لهذا، من الشخص الأكثر سماجة في الوجود و الذي يتطفل على أهم لحظة من عمرنا و في مثل هذه الساعة!).

ابعدت سوار وجهها عن صدره و همست بقلق و هي تمسح الدموع عن وجهها
(الساعة فعلا متأخرة، افتح الباب، لقد بدأت أشعر بالقلق)
تركها ليث متذمرا شاتما، ليست متأكدة من يشتم تحديدا، فدخلت الى غرفتهما مسرعة عله يكون غريبا...
لكن ما هي الا لحظات و دخل ليث الى الغرفة قاتم الملامح بشكل مضحك وهو ينظر اليها بكره، فسألته بدهشة
(من؟).

ظل ليث على نفس نظراته القاتمة دون أن يرد أو تتغير ملامحه، ثم قال أخيرا و كأنه يبصق الكلام من فمه
(فريد، وهو يريدك في موضوع هام على ما يبدو غير قابل للإنتظار حتى الصباح، حتى أنه لا يزال بحلة الخطبة).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة