قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الرابع والثلاثون

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الرابع والثلاثون

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الرابع والثلاثون

اتسعت عينا سوار و هتفت بقلق
(فريد! لا هناك خطب ما، أخي في خطر، و الا لما جاء في مثل هذا الوقت و ترك عروسه!)
هتف ليث بغضب
(بالطبع سيترك عروسه، لو انا والد العروس لطردته من البيت إن بقى الى مثل هذه الساعة، لأنها ليست ساعة زيارات مطلقا)
هزت سوار رأسها نفيا بسرعة و هي تشير بإصبعها قائلة بخوف
(لا، هناك مشكلة، قلبي يحدثني بهذا)
رد عليها ليث بجفاء.

(يبدو بخير، حتى أنه طلب مني اعداد فنجان من القهوة له لأن رأسه ستنفجر)
رفعت حاجبيها و هي تقول بقلق أكبر
(رأسه ستنفجر! يا حبيب قلب أختك، ألم أقل لك أن هناك ما يشغل باله، إنه أخي و أنا أعرفه جيدا، منذ صغره وهو يستحيل عليه النوم إن كان قلقا و يحتاج الى من يطمئنه بالكلام، حينها يستطيع النوم).

لم تتغير ملامح ليث الجامدة، و لم يظهر عليه أي أثر للتعاطف، بينما تحركت سوار سريعا تنوي الخروج الى اخيها، الا أن ليث امسك بذراعها و قال بصوت خافت
(سوار، أرجوك انتهي منه سريعا، أنا غير قادر على الإنتظار، حتى أشبع شوقي لك، أرجوك يا مليحة)
همست سوار وهي ترفع اصبعها الى فمها هامسة.

(هشششششش، نحن بجوار الباب، سيبقى أخي القدر الذي يريد حتى إن أراد المبيث هنا، و أنت اذهب لتعد له القهوة، فهو على الأرجح يريد التخلص منك كي يكلمني على انفراد)
ثم خرجت و تركته ينظر حوله بذهول و استنكار، قبل أن يغمض عينيه وهو يضغط على أسنانه هامسا بغيظ مكتوم
(عائلة الرافعي، المزيد من عائلة الرافعي، المزيد و المزيد من عائلة الرافعي، عائلة يشبهون بعضهم و لا ينتهون اطلاقا).

اندفعت سوار الى الخارج تبحث عن فريد حتى وجدته يقف ناظرا من النافذة، فأسرعت اليه و أدارته اليها بالقوة حتى ترنح و كاد أن يسقط، لكنها هتفت بقلق
(ما الذي حدث؟، ما الذي أتى بك الى هنا في مثل هذه الساعة؟، هناك خطب ما أخبرني أقلقتني)
رفع فريد حاجبيه و قال ببساطة
(ربما لو ابتلعت ريقك و اخذت نفسك لوجدت الفرصة كي أجيبك)
زمت سوار شفتيها للحظة و هي تغمض عينيها، ثم فتحتهما مجددا و سألته من بين أسنانها.

(تكلم بإختصار يا فريد، ما الأمر؟)
نظر اليها متفحصا، ثم سألها عاقدا حاجبيه
(هل كنت تبكين؟، لماذا كنت تبكين؟، أعرف أنك من النساء التي يترك لها الرجل بلادا و بلادا هربا من نكدها لكن هذا ليس عذرا لابن الهلالي كي يبكيكي يوميا، لقد بكيت يوم ذهابنا لشراء الشبكة، و إياك أن تنكري، كانت الدموع تملأ عينيك و نحن نقف في الطريق، لقد حاولت ارجاع هذا الى الفرح، لكن الحزن كان واضحا بعينيك).

تأففت سوار و هي تقول بحدة و نفاذ صبر
(كل ما في الأمر هو أنني رأيت فأرا ميتا ملقى في الطريق)
ظل فريد ينظر اليها طويلا بملامح غير مفهومة، ثم سألها بإرتياب
(ماذا؟)
لوحت سوار بكفيها و هي تقول بحدة مبررة.

(بدا الأمر محزنا وقتها، منظره كان بشعا و مات ميتة بشعة، ففكرت أن هذا المخلوق يعيش مكروها من جميع الكائنات ثم ينتهي به الحال مقتولا في أحد الزوايا، بينما كل جريمته هي أنه فعل الشيء الوحيد الذي يستطيعه وهو أن يكون فأرا، هذا ليس ذنبه)
كان فريد يستمع اليها فاغرا فمه، رافعا احد حاجبيه، و ما أن انتهت من الكلام تلهث بإرهاق و دوار...
حتى رفع فريد يده ووضعها على جبهتها ووجنتها وهو يتسائل بقلق.

(سوار، هل أنت محمومة؟، هل تتناولين أحد الأدوية المخدرة الممنوعة؟، هذه أعراض هلوسة!)
أبعدت يده بالقوة و هي تقول بحدة
(لست محمومة، و لست أهلوس، أنا فقط أمر بفترة ضعف عاطفي، دعك مني و أخبرني عن مشكلتك، لكن تعال معي أولا لندخل احدى الغرف)
ثم سحبته خلفها فسألها فريد قائلا ببساطة
(هل تدركين أن صوتاكما كانا مسموعين قبل خروجك!)
توقفت سوار و التفتت اليه بوجه ممتقع و هي تسأله بغباء
(ما الذي سمعته؟).

أجاب فريد ببراءة
(كلاما عن عدم قدرته على الإنتظار كي)
سارعت سوار بوضع يدها على فمه كي تمنعه عن المتابعة و هي تجره جرا الى أقرب غرفة ثم دفعته للداخل و أغلقت الباب خلفهما قبل أن تستدير اليه قائلة بحدة و قد احمرت وجنتاها بشدة
(ولد، تأدب، لم تخطب سوى منذ ساعات و ها أنت تبدأ الكلام في قلة الأدب بأريحية)
قال فريد يهدئها
(هدئي من روعك يا سوار، أنا طبيب و تلك الأمور عادية عندي، سبق و سمعنا ما هو أفظع).

برقت عيناها بتهديد المسجلين خطر و همست بشراسة
(احترم نفسك يا ولد قبل أن أترك الكلام لخف الحمام)
مط شفتيه وهو يقول متنازلا
(حسنا لا بأس، كما تريدين، لهذا كان ليث منزعجا اذن حين فتح الباب لي)
زمت سوار شفتيها و جرته مقدمة سترته حتى أجلسته بجوارها بالقوة، تنظر اليه بغضب، ثم سألته أخيرا بجدية.

(ادخل في الموضوع مباشرة، ما الأمر، ما الذي يزعجك؟، هل تشاجرت مع خطيبتك المعدولة بهذه السرعة؟، الأمر واضح وضوح الشمس)
أطرق فريد برأسه وهو ينظر الى الأرض طويلا، ثم قال فاتحا كفيه مشددا بصرامة على كل حرف دون أن ينظر اليها
(سوار، لقد أتيت اليك لسبب واحد فقط، أتيت كي تسمعينني ما أريد سماعه، هذا هو ما أحتاجه، لا أريد لأحد أن يؤثر على برأيه، بل أحتاج لشخص يسمعني ما أريد).

صمت قليلا، ثم رفع وجهه ينظر اليها و سألها بخفوت
(هل تستطيعين فعل هذا يا سوار؟، هناك أمر يحرقني، و لا يمكنني مكالمة أي شخص به سواك، على الرغم من أنني أعرف رأيك مسبقا و أعرف الكلام السليط البذيء الذي قد ترمينني به، لكني أريد الكلام و أريد أن تكوني في صفي، احتاج الى هذا)
ظلت سوار صامتة قليلا و هي تبادله النظر بجدية، ثم قالت كلمة واحدة كافية
(تكلم).

تنهد فريد ثم أبعد وجهه عنها و بدا مترددا قبل أن يقول أخيرا بخفوت
(أعتقد أن ياسمين كانت مرتبطة بشخص قبلي، قريبا جدا)
ساد صمت طويل بينهما و تجنب النظر اليها متوقعا سماع سيل من الإستنكار و العنف، الا أن سوار سألته أخيرا بهدوء
(هل أخبرتك بهذا؟)
هز رأسه نفيا ببطىء دون أن ينظر اليها، فسألته سوار مجددا
(هل سألتها عن الأمر؟)
قال فريد بخفوت
(بدأت الحوار و توقعت منها أن تتكلم، لكنها لم تفعل فأبيت أن أسألها).

ظلت سوار تنظر اليه بدقة ثم سألته بهدوء
(هل عرفتها جيدا كي تحكم على أخلاقها؟)
رفع فريد وجهه ينظر اليها ثم أجابها بهدوء و دون تردد
(أنا اثق في أخلاقها تمام الثقة يا سوار، واثق أنها حتى إن كانت قد أعجبت بشخص قبلي، فلن يكون الأمر علاقة، بل مجرد اعجاب)
أطرقت سوار برأسها، ثم قالت ببطىء.

(اسمعني جيدا يا فريد، أنا لن أسمعك ما تريد سماعه لمجرد أن أسكن قلقك دون علاج حقيقي، لأنني لست ببغاء يردد ما تريد، لذا سأكلمك بصراحة رغما عنك...
بداخلي شخصيتان متناقضتان...
بداخلي أخت حانقة رافضة، كانت تريد لك فتاة لم يسبق لها الزواج لأنك لم تتزوج من قبل...
بداخلي أخت غضبت بشدة حين تم رفض أخيها و الذي تراه يستحق أفضل فتاة في العالم، لأنه شقيقها الأصغر الوحيد...

بداخلي أخت شعرت بالإمتعاض من سرعة تغيير موقف فتاة منك، من الرفض الى القبول السريع دون مبرر معقول للحالتين...
بداخلي أخت شعرت بالقلق مما سمعته منك للتو، و تلقائيا بدأت أفكر، لماذا تلقي نفسك في هذا البحر من القلق)
صمتت قليلا و هي تتلاعب بشفتيها مفكرة، فحثها فريد قائلا بخفوت
(و الشخصية الأخرى؟)
رفعت سوار وجهها تنظر اليه بسكون ثم قالت أخيرا.

(الشخصية الأخرى هي ببساطة امرأة، ليث الهلالي، ابن خالك، سبق و أن كان في نفس موقفك و لم يتردد في لحظة، و لم يحاكمني بعدها أبدا)
عقد فريد حاجبيه وهو يقول بخفوت أجش
(كنت متزوجة، لماذا يحاكمك؟)
أغمضت سوار عينيها و هزت رأسها نفيا ببطىء، ثم قالت بصوت أكثر خفوتا.

(لا أتكلم عن سليم رحمه الله، صعب على الإعتراف أمام أخي الصغير، لكنك تعرف أنني كنت مغيبة معمية البصر، أعجبت ب، لا أريد نطق اسمه في هذا البيت، و لأجله سبق و رفضت طلب ليث للزواج مني حين كنت أصغر سنا، و اعترفت له أنني أحب شخص آخر...
رحل و مرت السنوات و تعرضت الى ما هو أفظع، المهم أن ليث لم يحاكمني يوما على حبي لآخر، لم يكن هذا موضع حديث بيننا اطلاقا...

ما أريد الوصول اليه، هو أن الكثير من النساء مرت بتجربة أو بأخرى، وثقت بشخص ما و ثبت أنه لم يكن محل ثقة، أو ببساطة لم يكن النصيب...
ليس هذا معناه أن تكون سيئة الأخلاق و مدعاة للشبهة، هل ترى أختك ابنة وهدة الهلالي و غانم الرافعي سيئة الأخلاق؟)
هز رأسه نفيا ببطىء، فأومأت برأسها و قالت بجدية
(اذن لا تسأل عن الماضي، لأنه معرفته ستسؤك، مهما كنت متحرر الفكر)
قال فريد بقلق.

(لكنني أشعر بغيرة غريبة بداخلي منذ أن شككت في الأمر، مشاعر جعلتني آتي اليك من فوري كي لا أستسلم لها فأفسد الأمر في لحظة تهور)
مدت سوار كفها و أمسكت بكفيه المتشابكين و قالت بجدية
(و ستظل تلك الغيرة حتى دون أن تشك في الأمر، لأنك ابن الرافعية، و لأنك رجل طبيعي، لذا عليك أن تتعامل معها، لكن انسى الماضي تماما)
مد فريد كفه و رفعها فوق كفها، ثم نظر الى عينيها قائلا بإمتنان
(سوار، أشكرك).

ابتسمت سوار بجمال و سألته بنبرة هادئة
(هل سمعت مني ما تريد؟)
ربت فريد على كفها و قال برقة
(بل أكثر يا ابنة وهدة)
ثم نهض من مكانه وهو يقول ببراءة
(سأنصرف الآن قبل أن يطردني زوجك، فهو في حالة انهيار عاطفي شبيهة بحالتك، الشخص يخجل منكما بصراحة)
نهضت سوار و هتفت بقوة
(ليس قبل أن تشرب قهوتك، ليث يعدها)
ضحك فريد وهو يقول.

(أي قهوة يا سوار؟، لو كان قد بدأ بزراعة البن لكان انتهى منها، لقد نام في المطبخ على الأرجح و ضاعت الليلة)
ضربته سوار و هي تقول بحدة
(احترم نفسك و كفى حديثا قليل الأدب)
اتجه فريد الى الباب، لكن قبل أن يخرج منه التفت اليها و قال مبتسما بخبث
(بالمناسبة يا سوار، كنت أريد أخبارك انني لم أسمع سوى عدم قدرة زوجك على الإنتظار لطردي و لم أسمع أكثر من هذا، فتصورت أنه يريد النوم، لكنك يا مفضوحة فضحتي نفسك بنفسك).

اتسعت عينا سوار و احمر وجهها بشدة فالتقطت وسادة و رمته بها بحدة لكنه تفاداها و قال بسخرية
(تحبين قلة الأدب جدا)
هتفت سوار بحدة
(اخرس و لا تدع ليث يسمعك تمزح بمثل هذه الطريقة، فحينها سيطردك فعلا لكن مضروبا)
ضحك فريد و و استدار ليخرج، لكنها نادته برقة...
(فريد)
التفت اليها متسائلا، فابتسمت قائلة بهدوء
(ستصبح خالا يا أحمق).

اتسعت عينا فريد بذهول قبل أن يندفع اليها ليحملها بين ذراعيه و يدور بها، بينما ضحكت عاليا و هي تحتضنه بقوة...
(احم احم)
توقف فريد و أنزل سوار على قدميها أرضا وهو ينظر الى ليث قائلا بسعادة
(مبارك يا أبا عتريس)
ابتسم ليث وهو يكتف ذراعيه مستندا الى اطار الباب، ثم قال بخشونة زائفة
(أرى أنك عرفت بل و اخترت اسم الجنين أيضا!)
أحاط فريد بكتفي سوار وهو يقول بحماس متألق
(انظر اليها، ماذا يمكنها أن تنجب سوى عتريس؟).

ابتسم ليث وهو ينظر الى سوار بالفعل، بطريقة أبعد ما تكون عن النظر الى جميع العتاريس...
فأسبلت جفنيها و ازدادت ابتسامتها جمالا مما جعل فريد ينسحب ملقيا اليهما التحية وهو يخرج من الشقة مغلقا الباب خلفه...
اقترب ليث من سوار وهو يهمس بصوت أجش
(الليلة يا سوار)
ضحكت و هي تقول متمنعة بدلال
(ليس الليلة يا عمدة)
مال اليها وهو يقبلها بشغف هامسا.

(في الفيلم، كانت الزوجة هي من تطالب بالليلة يا عمدة، و أنا أحافظ على التراث الفني ليس أكثر. ).

بعد خروج فريد من بناية ليث و سوار، توقف على صوت رنين هاتفه فأخرجه من جيبه...
الا أنه عقد حاجبيه بقلق ما أن رأى اسم ياسمين...
رد فريد عليها دون مقدمات
(ياسمين!)
وصله صوتها يهتف بقوة و توتر
(فريد، أختي دخلت في المخاض و اتصلنا بطبيبتها الا أنها ليست متفرغة في رسالة صوتية، و نحن في المشفى الحكومي منذ أكثر من ساعة، و لا نعرف كيف نتصرف)
قاطعا فريد قائلا بحزم
(اهدئي، اهدئي، أخبريني عن ضربات الطلق تفصيليا).

سمع منها بهدوء، ثم أجابها وهو يستقل سيارته
(جيد، لا يزال أمامها بعض الوقت، يمكننا نقلها الى مشفى خاص و سيكون هناك طبيب في انتظارنا لتوليدها، سأتصل به على الفور)
صرخت ياسمين
(لكن يا فريد)
الا أنه قال
(دقائق و سأكون لديكم).

لامست ياسمين زجاج الحضانة و كأنها تلامس فراش الطفلة المتحرك تنظر اليها بإبتسامة جميلة جعلت وجنتيها المكتنزتين تزدادان جاذبية و جمالا، ثم همست برهبة
(اليست جميلة؟)
نظر فريد الى المخلوقة الصغيرة الشبيهة بالقطة، ثم التفت وجهه حتى بات قريبا جدا من وجه ياسمين و همس بصوت أجش
(رائعة، أريد واحدة منها)
رفعت ياسمين وجهها الناعم الممتلىء تنظر الى عينيه، فارتبكت فجأة و تلعثمت قبل أن تستدير قائلة بتوتر.

(لم يكن عليك فعل ما فعلته يا فريد، كانت ستلد في المشفى الحكومي، عطلت نفسك دون سبب مقنع)
قال فريد بهدوء وهو يتأمل فستان خطبتها الذي لا يزال عليها، كحلته...
(لم تكن لتنتظر وقتا أطول، الا يمكنك اظهار بعض الإمتنان بصمت؟)
ابتسمت ياسمين الا أن ابتسامتها خبت ما أن رأت عادل يقترب منهما مبتسما بمقت، ثم قال بنبرة ساخرة
(هل رأيتما الصغيرة.؟)
قال فريد بلطف
(جميلة جدا، بارك الله لك بها يا أستاذ عادل).

رد عادل قائلا بتشدق و كأنه أقدم على مجهود جبار في إنجاب الطفلة، مبتسما بفخر أكثر من اللازم حتى بدا سخيفا
(العاقبة عندك يا أستاذ فريد)
ارتفع حاجبي فريد بصمت بينما أغمضت ياسمين عينيها بغضب و هي تضغط أسنانها...
لكن فريد قال مصححا ببساطة
(باشمهندس، باشمهندس فريد)
ضحك عادل وهو يضربه على كتفه بسماجة قائلا
(يا سيدي لا تهتم للألقاب، كم من حمار يحمل لقبا لا يليق به).

شهقت ياسمين بصدمة و هلع بينما ابتسم فريد قائلا برحابة صدر
(معك حق يا أستاذ)
اختفت ابتسامة عادل وهو ينظر اليه بكراهية طفت على السطح أخيرا، بينما هتفت ياسمين بحدة منفعلة
(عادل، اذهب الى الخزينة بالطابق السفلي و ادفع حساب المشفى)
امتقع وجه عادل للحظة، بينما تطوع فريد قائلا
(تم دفع حساب المشفى و انتهى الأمر)
شحب وجه ياسمين و صرخت بقوة معترضة
(مستحيل، لن أقبل بهذا يا فريد لقد).

قاطعها فريد مشددا على كلماته وهو ينظر اليها نظرة معينة كي تصمت
(قلت، انتهى الأمر)
لكنها لم تكن لتصمت أو تخضع فهتفت مصممة
(من رابع المستحيلات أن)
الا أن عادل كان هو من قاطعها هذه المرة فقال بوقاحة و كأنها معتوهة كي تجادل في تلك الفرصة
(أخبرك أن الحساب قد تم دفعه و انتهى الأمر، لما لا تكفين عن اداء تلك الأفلام الرخيصة)
صرخت ياسمين بقوة و هي تشعر بالخزي و الحرج أمام فريد من عائلتها.

(كيف انتهى الأمر؟، ألم أدفع لك المبلغ الخاص بالولادة، بل و ما يعادل ولادة قيصرية أيضا، أين ذهب المال؟)
أغمض فريد عينيه وهو يهمس بيأس
(ياللهي)
أما عادل فقال بحدة و فظاظة
(توقفي عن قتل نفسك على القرش بتلك الصورة المقززة، حتى هدية نقوط أختك تعطينها بيد بينما قلبك يحترق عليها)
هتفت ياسمين و قد احمر وجهها من شدة الإنفعال
(لا لم تكن هدية نقوط، بل كنت أنا أتكفل بولادة زوجتك بناءا على تسولك مني).

نظر فريد حوله الى الممرات منتظرا انتهاء تلك المهزلة، الا أن عادل قال بغضب
(دناءة و نقص)
استدار فريد اليه قائلا بصرامة
(اسمع هنا)
الا أنه توقف عن الكلام وهو يرى ياسمين تنحني لتخلع حذائها ذو الكعب العالي و هي تقول من بين اسنانها
(أنا سأريك من هو الدنىء و الناقص)
فهتف فريد وهو يتقدم اليها ليكبل ذراعيها
(لا، لا أيتها السيدة، لن تفعلي، لن تضربي رجلا لتتشابكا بالأيدي و يلامسك).

هتف عادل هو الآخر مشيرا اليها بطريقة مخجلة
(تعالي، تعالي يا حلوة أريني ما تستطيعين فعله)
نظر اليه فريد قائلا محاولا السيطرة على هجوم ياسمين العاصف بكل قوته البدنية
(أنصحك بأن تنصرف حالا طالما أستطيع منعها من الهجوم عليك فلو تركتها لن يبقى فيك ما يميزك)
ضحك عادل وهو يصرخ بإستنكار.

(أتطلب مني ان أنصرف بينما زوجتي ولدت للتو و طفلتي لا تزال أمامكما؟، عوضا عن ضربها صفعتين كي تحسب لك حسابا! يا خسارة الرجال! أنا لن أنصرف من هنا، أنا نزيل و لي حقوق. )
ارتفع حاجبي فريد وهو ينظر اليه بدهشة قائلا، مكتفا ياسمين بكلتا ذراعيه
(نزيل! إما أنك تفهم المكان بطريقة خاطئة أو أنك ستلد معنا هنا، حين تفعل أعدك أن تكون على كفوف الراحة و حتى هذا الوقت من فضلك غادر هذا المشفى).

قال عادل بحدة وهو يضرب على الجدار بقبضته
(لن اغادر، و أرني ما تستطيع فعله)
سأله فريد بشك
(هل أنت واثق؟)
رد عليه عادل قاطعا
(تمام الثقة).

خلال دقائق كان عادل يصرخ كحيوان هائج و رجال الأمن يكبلون حركته بالقوة كي يطردونه من المشفى...
و ما أن اختفى حتى استدارت ياسمين الى فريد تسأله بعنف
(لماذا لم تضربه؟)
وضع فريد كفيه في خصره وهو ينظر اليها قائلا ببرود
(أنا طبيب، لست قاطع طريق، لماذا ألوث يدي بضربه في مشفى الجميع يعرفني فيه؟ بينما يمكن طرده ببساطة و رميه خارجا)
هتفت ياسمين بحدة.

(اذن لماذا منعتني من ضربه؟، أنا لا أقبل أن يتحدث أحد معي بتلك الطريقة)
رد فريد ممتعضا
(أخبرتك أنني لن أسمح لك بالتشابك معه بالأيدي، ارتدي حذائك و كفى فضائح)
همهمت ياسمين من بين أسنانها قائلة بغضب و هي ترتدي حذائها
(أراهن أنك لم تضرب طفلا حتى من قبل)
ظل فريد ينظر اليها و هي توليه ظهرها، بينما تحولت صفحة وجهه الى ملامح باردة تماما ثم قال بإختصار مقتضب
(أصبت، لم أضرب طفلا من قبل).

ضحكت ياسمين بسخرية، الا أنه قال متابعا بجفاء
(محاولتك للتغيير من شخصي لا تعجبني يا ياسمين، ظننت أننا اتفقنا على هذا، لذا عليك الآن اتخاذ قرارك الحقيقي، هل تقبلين بي حقا أم ننفصل بهدوء؟)
تسمرت ياسمين متشنجة، وهو يقف خلفها ينظر اليها دون هوادة، ثم استدارت اليه و قالت بصوت خافت، باهت...
(بهذه البساطة؟، لا تظهر مثل هذا التمسك بي رجاءا فقد أبكي)
اشتد صوته وهو يسألها آمرا...
(أريد سماع قرارك، الآن).

ابتلعت ياسمين الغصة في حلقها و هي تنظر اليه بوجه ممتقع، يوشك على الرحيل ببساطة و لن تستطيع تعويضه بدا، فهمست بعد حرب طويلة مع النفس و قبل أن تمنع نفسها بكرامتها الغبية
(آسفة)
هز فريد رأسه نفيا وهو يقول بصرامة
(لم أطلب أسفا، هل تريدين اتمام هذا الزواج أم لا؟)
نظرت ياسمين اليه و هي تعض شفتها بتوتر مثير للشفقة، ثم همست أخيرا و هي تخفض وجهها
(أريد)
زفر فريد بقوة وهو يحك فكه و جانب عنقه، ثم قال أخيرا بجفاء.

(جيد، هل لديك حقيبة أو ما شبه؟)
همست تسأله بأسى
(لماذا؟)
رد عليها قاطعا
(سأصطحبك الى بيتك كي تبدلين ملابسك)
همست ياسمين دون جدال...
(تركت الحقيبة في غرفة أختي، سأذهب لأحضرها)
تركته و اتجهت الى الغرفة، بينما رفع فريد وجهه للأعلى وهو يزفر بعنف، ثم وقف صامتا محاولا السيطرة على الغضب بداخله، فأغمض عينيه وهو يعد من واحد الى العشر، ثم عشرين، و اربعين...

كان قد وصل الى السبعين حين وصله صوت ياسمين تقول من خلفه بحيرة
(لا أعلم كيف، لقد اختفى تماما)
استدار فريد ينظر اليها فوجدها تفتش حقيبتها بقلق، مما جعله يسألها بإختصار
(ما الذي ضاع منك؟)
ردت عليه و هي تقلب الحقيبة رأسا على عقب
(هاتفي، متأكدة من أنني وضعته هنا بعد أن اتصلت بك، لكنه اختفى)
رد عليها فريد قائلا وهو يقترب منها
(ربما يكون قد وقع منك في أي مكان)
هزت رأسها نفيا وهي تقول عاقدة حاجبيها.

(مستحيل أن يقع من الحقيبة دون أن أنتبه)
رفعت وجهها اليه و سألته بقلق
(هل يعقل أن يكون قد سرق؟)
سألها فريد بحدة متجهما
(هل عليه صورا لك؟)
نظرت اليه بدهشة، ثم أجفلت قائلة
(أممممم أعتقد، بعض الصور، ليس الكثير)
ازداد انعقاد حاجبي فريد وهو يقول بحدة
(تبا لهذا التصرف الأحمق يا ياسمين، طالما لا تجيدين الحفاظ على هاتفك لماذا تحتفظين بصور خاصة لك عليه؟)
رمشت ياسمين بعينيها، ثم أجابت بخفوت.

(اهدأ يا فريد، مجرد صور عادية، كما يراني الناس في الطريق)
هتف بها محتدا
(و هل يشكل هذا فارقا؟)
أطرقت بوجهها و ابتسمت رغم عنها و هي تقول
(أنت تبالغ في ردة فعلك)
نظر اليها فريد طويلا، ثم قال أخيرا بهدوء بارد
(إن كان هناك شيئا يزعجني عليك تجنبه في المستقبل، فهو أن يضحك شخص أمامي و أنا غاضب لسبب وجيه)
كتمت ابتسامتها مما جعل وجنتيها تبرزان أكثر ثم قالت بخفوت.

(لم أقصد استفزازك، حسنا كانت نهاية متوقعة ليوم طويل مزعج)
مط فريد شفتيه وهو يقول ممتعضا
(شكرا)
سألته بحيرة و هي ترى تغير ملامحه
(لماذا تبدو غاضبا الآن؟)
نظر اليها بطرف عينيه وهو يسير بجوارها في رواق المشفى
(لا أعلم، ربما لأن يوم خطبتنا سيظل محفورا في ذاكرتك للأبد كمجرد يوم مزعج؟)
حكت ياسمين رأسها و هي تهمس بتعب
(خطبتنا، لقد نسيتها تماما)
لم يرد فريد بل ضحك ضحكة أكثر استهجانا، مما جعلها تبتسم هامسة.

(لم أقصد هذا أيضا، بل قصدت أنني أشعر بالحفل كان منذ وقت طويل)
صمتت للحظة، ثم همست و هي تنظر اليه و كأنما يسيران على شاطىء البحر بفستان خطبتها و حلته ذات ربطة العنق المحلولة...
(أشعر و كأننا مخطوبان منذ زمن)
لم يرد فريد عليها، بل تابع سيره بجوارها صامتا، لكن دون مقدمات مد يده و أمسك كفها برفق...
فنظرت اليه بدهشة لكنه لم ينظر اليها و كأن شيئا لم يكن، و حين طال الصمت بينهما سألته بخفوت.

(فيما تفكر؟، تبدو مشغول البال)
رد عليها فريد قائلا بجدية
(أفكر في أنني أشتهي عض وجنتيك، و أتسائل إن كان مذاقهما بنفس حلاوة شكلهما!)
توقفت ياسمين للحظة و هي تنظر اليه بذهول، الا أنه جذب كفها لتتابع سيرها بجواره، بينما انخفض وجهها و هي تشعر بحرارة شديدة تسري في وجهها و سائر أعضاء جسدها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة