قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل التاسع

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل التاسع

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل التاسع

كانت تيماء تدور في بهو الدار و هي تشهق باكية بدون صوت، بينما قلبها يخفق بعنف و انفعال مؤلم...
ترتجف من أعلى رأسها و حتى أخمص قدميها، تنتظر رجوعه بفارق الصبر و بقلب يحترق لوعة عليه...
و ما أن سمعت بجلبة عند باب الدار المفتوح و رأت دخول أعمامها بعد العودة من الصلاة...

دارت عيناها بلهفة بينهم حتى تلقفها هو بعينيه، وقفت تيماء مكانها متسمرة للحظة وهو ينظر اليها بعينين شاخصتين لم تفارقهما الصدمة، حمراوين للغاية...
و دون أن تنتظر دقيقة أخرى كانت تجري اليه مندفعة عبر أعمامها حتى وصلت اليه و ضمته الى صدرها بكل قوة وهي تحيط عنقه بذراعيها و قد تحولت شهقاتها الى نحيب عال
انحنى قاصي اليها كي يستقبل حضنها الدافىء بينما كانت هي تهمس بحرارة متعثرة من بين نحيبها.

(مبارك براءة والدتك يا حبيبي، مبارك يا حبيب عمري)
تشبثت أصابع قاصي بظهرها بقوة بينما نظر اليها أعمامها في صمت، فقد كانت مشاعرهما واضحة للعيان، لا تقبل التذمر أو الإعتراض...
نادى سليمان بصوته الخشن
(يا أم سعيد، يا أم سعيد)
جائته المرأة من المطبخ تسعى بهرولة و هي تهتف
(أمرك يا حاج)
قال سليمان بصوت مجهد
(حضري لحفيدي و زوجته غرفة، فهما يحتاجان الى الراحة من السفر، كما سيبيتان ليلتهما في دار الرافعية).

و دون انتظار ردها نظر الى تيماء و قال بخفوت
(أوصليني الى جناحي يا صغيرة، ريثما تنتهي أم سعيد من تجهيز الغرفة لكما)
لم تكن تيماء قادرة على ترك قاصي في تلك الحالة، الا أنها ابتعدت عنه بالقوة و هي تمسك بوجهه بين كفيها، ناظرة الى عينيه الغائرتين، ثم وعدته قائلة كما سبق ووعدها قبل الصلاة
(سأعود اليك سريعا، لا تتحرك من مكانك).

أومأ قاصي اليها غير قادرا على الكلام، بينما بدت غير قادرة على تركه، فظلت واقفة و هي تمسك وجهه بين كفيها وهو منحنيا اليها كي يتناسب مع طولها القصير، ثم همس لها بأول كلمة منذ ما حدث
(لا تتأخري، أحتاجك).

بعد فترة قصيرة، كانا يدخلان سويا الى غرفتهما التي تم تحضيرها سريعا، و ما أن أغلقا الباب خلفهما، حتى استدار اليها قاصي و كان هو من سحبها الى صدره بقوة و عنف وهو يتنفس بصوت عال متحشرج...
وقفت تيماء على أطراف أصابعها كي تتمكن من احتضانه بكل قوتها و هي تنشب أظافرها في ظهره...
هامسة في أذنه بصوت حنون مختنق
(لا بأس، لا بأس)
ابتعدت عنه قليلا بصعوبة و هي تتابع قائلة بخفوت.

(تعال لترتاح في الفراش قليلا، أنت ترتجف بشدة)
جذبته حتى أجلسته على حافة السرير، ثم انحنت لتجثو بين ساقيه أرضا ممسكة بكفيه بين يديها و نظرت اليه هامسة...
(تكلم، قل شيئا، أنت صامت من وقتها)
فتح قاصي فمه يريد الكلام، الا أنه لم يستطع، فحثته قائلة
(حاول، أشر بيديك، أو ابكي، ابكي يا قاصي، ليس عيبا أو محظورا، ابكي معي، فقد بكيت لأجلك كثيرا دون حرج).

رفع قاصي عينيه الحمراوين اليها و ابتسم، فابتسمت هي الأخرى و تابعت بإختناق
(أم أنك تبكي أمام مسك فقط!)
ارتفع حاجبي قاصي و نظر اليها مصدوما، فزمت شفتيها المرتجفتين المبتسمتين و همست
(أخبرتني نعم، كي تطلعني على حالتك حينها و لا أقسو في الحكم عليك)
زفر قاصي نفسا مرتجفا ثم همس بخشونة أخيرا
(تبا لك يا مسك، كان يجب أن أعرف بأنها لا تستر على أحد مطلقا)
ابتسمت تيماء و هي تدلك له كفيه هامسة بصدق عذب.

(لقد احترق قلبي يا قاصي، احترق قلبي و أنا أتسائل كيف لإمرأة غيري أن ترى دموعك!)
ابتسم قاصي برقة وهو يمسح دموعها، بينما سقطت من عينه دمعة أخيرا...
فتنهدت تيماء مغمضة عينيها قبل أن تنهض لتجلس على ركبتيه و تحيط عنقه بذراعيها تقبل دمعته المالحة بشفتيها و هي تهمس مجددا...
(لا بأس، أعرف ما تشعر به، استطيع الإحساس بإنتفاضة قلبك).

رفع قاصي وجهه اليها وهو يحيط وجنتها بكفه، و نظر الى عينيها طويلا، ثم همس بصوت أجش جاف، آمر
(أحتاجك، فلا تبعديني)
أومأت تيماء بوجهها مبتسمة من بين دموعها، ثم انحنت لتقبله برقة، بينما سحبها قاصي بين ذراعيه و مال بها الى أن استلقت معه على السرير و دون القدرة على النطق بكلمة واحدة، تخاطبا بلغة المشاعر و التي كانت كفيلة بشرح كل شيء...

لم يحاول أحد اختراق عزلتهما أو التطفل عليهما، بل تناسوا وجودهم في الدار من الأساس...
و كانت تلك هي أطول خلوة بينهما منذ سنوات و سنوات...
في دار الرافعي، كزوج و زوجة، بعلم و موافقة الجميع، قسرا...
لم ينطقا سوى بأسميهما شغفا و حبا، و كل منهما ينهل من الآخر على قدر الحرمان الذي عاشاه طويلا...

لم تشعر يوما بأنها أجمل مما هي في تلك الساعات، لا يكاد يتركها، الا ليجذبها بين ذراعيه مجددا و هي مستسلمة له تماما، تمنحه ما لم تستطع أو تجرؤ الكلام عنه، على الأقل لحين أن يستعيد قدرته على مواجهة تلك الصدمة...
أغمضت تيماء عينيها مبتسمة بتعب، لكن قبلة منه على شفتيها و صوته وهو يهمس لها بخفوت بينما تلامس أصابعه نعومة بشرتها...
(اشتقت اليك، اقتربي مني يا مهلكة).

جعلتها تضحك بهيستيريا قبل أن تطبق بكفها على فمها كي لا يسمعها أحد...

طرق أمين باب غرفة أخته، فقالت من الداخل بصوت مكتئب
(ادخلي يا أمي)
الا أنه ظل صامتا للحظات واقفا مكانه ثم قال أخيرا بصوت جاف
(إنه أنا)
ساد صمت من الداخل و لم ترد عليه، فتنهد أمين بنفاذ صبر و توتر، ثم عاد ليطرق الباب قائلا بهدوء
(هل تفتحين الباب يا نورا أو أفتحه أنا)
لم تجبه مجددا لبضعة لحظات، و كاد أن يفتح الباب، الا أنها سبقته و فتحته بعنف ثم وقفت مكانها تنظر اليه مكتفة ذراعيها بنظرات اتهام حاد...

رمقها أمين بعينين مذنبتين، لكنه قال بصوت رجولي رفض أن يظهر الضعف به...
(ألن تنتهي من اضرابك للطعام و اغلاقك لغرفتك؟، أنت تتمادين يا نورا و صحة والدتك لا تتحمل هذه الإنفعالات)
ظلت نورا على صمتها و هي تنظر اليه بعينيها الحادتين، ثم قالت بجفاء
(هل هذا ما جئت كي تقوله؟)
عقد أمين حاجبيه وهو ينظر اليها قائلا بصرامة
(ماذا تريدين؟، اعتذارا من أخيك الأكبر بينما أنت المخطئة من الأساس؟).

زمت نورا شفتيها ثم قالت بصوت مشتد حزين
(للأسف لن يصلح اعتذارك شيئا، لقد رحلت ياسمين بسبب احراجك لها)
ابتلع أمين غصة التوتر و الإحساس بالذنب بسبب تهجمه الأخير عليها و تماديه و الذي لا يعرف به سواهما، و لا يظن أبدا أن ياسمين أخبرت به نورا...
حين ظل أمين صامتا، متوترا وهو يتذكر لحظات زلته الخطيرة، و نظرات ياسمين الواسعة اليه بشفتين مفتوحتين وهما في خلوة تامة، يشعر بنفسه و كأنه قد ارتكب خطيئة كاملة...

فما الفارق؟، لقد خطا خطوة لم يفعلها في حياته، لقد رآى نفسه في مرآة بصورة لم يعرفها في نفسه من قبل...
قالت نورا بصوت خفيض حزين
(أنت لا تعرف ما تسببت به، لن يمكنك تخيل الحياة التي عادت اليها الآن، لقد عادت الى أسوأ مما كانت عليه، أختها و زوجها يضيقان بعودتها، بينما يتظاهران أمام أمها بإحكام الحصار من حولها كي لا تفكر في الإستقلال بنفسها مجددا)
شعر أمين بشيء ما يهز أعماقه بقوة، الا أنه سألها بصوت خافت.

(هل رأيتها؟، كيف و أين؟)
ارتفع حاجبي نورا و هي تسأله بنبرة اتهام
(هل هذا هو كل ما يهمك؟، اطمئن، فأنا أذهب للكلية و أعود في موعدي دون تأخير و يمكنك التأكد من جدول محاضراتي الذي تحفظه عن ظهر قلب، هذا بالإضافة الى أنها من المستحيل أن تتقابل معي مجددا بعد ما فعلته بها، لقد هربت و تركت لنا البناية بأكملها كي ترتاح و يهدأ بالك).

هز أمين رأسه قليلا ثم سألها بحدة لم يستطع السيطرة عليها، (كيف لك معرفة أخبارها؟)
رفعت نورا حاجبيها و قالت بدهشة
(بالهاتف طبعا، و هل هذا يحتاج الى ذكاء؟، أم أنك تريد منعي من الإتصال بها أيضا؟)
همس أمين لنفسه بصوت قانط من قلة استيعابه...
(صحيح)
ثم نظر الى نورا طويلا و سألها مجددا بتردد
(ألم تخبرك شيئا آخر؟، أو أنها قد تكون قد رحلت لسبب آخر مثلا؟)
هتفت نورا بدهشة.

(أتريد أن تريح ضميرك يا أمين؟، للأسف لن أساعدك في هذا، ياسمين رحلت من هنا بسبب ما فعلته معها دون الحاجة لأن تنطق بشيء)
رفعت ذقنها ثم قالت بحدة
(و الآن بعد اذنك، أريد الذهاب للحمام)
خرجت من غرفتها و أغلقت بابها عن عمد، قبل أن ترمقه شزرا، ثم تبتعد لتدخل الحمام صافقة الباب خلفها...

ظل أمين واقفا مكانه بضعة لحظات، ثم دون تردد فتح باب غرفة نورا و دخل ببطىء مجيلا نظره في أنحاء المكان، حتى وجد هاتفها فوق سطح مكتبها، فأمسك به و بسرعة فتحه بحثا عن آخر الأرقام التي اتصلت بها، الى أن عثر على الإسم المطلوب، و جرت عيناه على الأرقام تحفظها بمهارته المعروفة في الحفظ السريع...
ثم أعاده الى مكانه و خرج من الغرفة مغلقا بابها خلفه، و قد أخذ ما يريد...

بينما هي جالسة مكانها تسجل بعض الأرقام على ورقة حكومية من مئات الأوراق المماثلة التي تمر عليها يوميا، كان هو واقف هناك في باب المكتب، ينظر اليها مبتسما بتعاطف...
كانت تبدو مختلفة بشدة عن باقي السيدات المتواجدات في نفس المكتب، فقد كانت أصغرهن سنا، و أكثرن صمتا و حزنا، لكنها بالتأكيد أجملهن...
حتى مع شعرها المرفوع بعشوائية، بدت في عينيه عشوائية جميلة...

و نظارتها فوق وجه خال تماما من الزينة، بدت اكثر نضارة و شبابا من كل السيدات الجالسات معها في نفس المكتب، لكنها كانت تحمل الهم فوق أكتافها دون شك، و كان هذا ظاهرا على ملامحها و عينيها المرهقتين...
تقدم أخيرا و في يده ورقة وضعها أمامها على سطح المكتب و قال بهدوء مبتسما
(أريد التقديم على طلب عداد ماء من فضلك)
ردت ياسمين تلقائيا دون أن ترفع وجهها اليه
(لدى السيدة ماجدة)
ابتسم مجددا، ثم قال بجدية.

(لكنني عدت للتو من عند السيدة ماجدة و هي أخبرتني أن آتي اليك، ألست أنت السيدة ياسمين؟)
ردت ياسمين دون أن تتنازل لرفع رأسها و النظر الى من يخاطبها كمواطن عادي على الأقل...
(اذن اذهب الى الأستاذ عبد اللطيف في المكتب المجاور)
رد عليها مبتسما ابتسامة أكثر عرضا...

(أيضا ذهبت الى الأستاذ عبد اللطيف و طلب مني الحضور اليك، حرام عليك يا سيدة تعاوني معي و لا تعطليني عن عملي فقد أخذت اذن من العمل كي أستطيع تخليص مصلحتي)
تنهدت ياسمين و هي تخلع نظارتها عن عينيها، لتضغط أعلى أنفها بإرهاق، ثم همست متنهدة و هي تأخذ الطلب منه، لتراجعه بسرعة، قبل أن تسجل بضعة أرقام و تأخذ منه نسخة، و قالت بروتينية.

(يجب أن تختمها من المدير في نهاية الرواق، ثم عد إلى و معك طابعي دمغة و خذ هذه الإستمارة لتملأها)
رد عليها بصوت ممازح شقي
(لكنك لم تنظري الى اسمي حتى!)
رفعت عينيها اليه أخيرا و هي تقول بحدة
(و بماذا سيفيدني اسمك يا أستاذ)
صمتت فجأة و هي تنظر اليه بدهشة، قبل أن تتابع همسا
(فريد!)
ابتسم فريد وهو يقول رافعا احدى حاجبيه بخبث
(أستاذ! مجددا!)
ابتسمت ياسمين ابتسامة واهية و هي تقول
(لم أعلم أنه أنت، أنا آسفة).

رد عليها فريد بجدية
(على تقديم شكوى ضدك، فهذه ثاني مرة لا تتعرفين فيها على صوتي، على الرغم من أنني أقف أمامك مباشرة)
رمشت ياسمين بعينيها، ثم وقفت بسرعة متداركة نفسها و هي تقول بأسف حقيقي
(أنا فعلا آسفة يا فريد، يمر على مكتبي عشرات المواطنين يوميا و من المستحيل أن أميز الصوت مهما بلغت أهمية صاحبه عندي)
ابتسم فريد ابتسامة هادئة، وهو ينظر الى عينيها، قبل أن يجيبها دون مزاح هذه المرة
(تكفيني هذه الجملة).

أشارت ياسمين الى كرسي خالي بعيد و قالت بسرعة
(ارجوك اسحب هذا الكرسي و تفضل بالجلوس)
قال فريد ببساطة
(لا أريد تعطيلك عن العمل)
تنهدت ياسمين و هي تنظر المكتب المكتظ المزعج بالأصوات المتداخلة
(أنا أرحب بأي تعطيل عن العمل)
سحب فريد الكرسي و جلس في مواجهة مكتبها بينما جلست هي الأخرى تنظر اليه بإرهاق، ثم سألته بصوت مرتجف
(ماذا تفعل هنا حقا؟، هل تريد التقديم لطلب عداد فعلا؟)
ابتسم وهو يقول بجدية.

(بصراحة كنت أقوم على تأجيل هذه الخطوة منذ أشهر، كحالي مع كل المصالح الحكومية، فكما تعلمين يقوم أمثالك بتحويل حياتي الى جحيم، لقد كدت مرة أن أقذف احدى الموظفات بدباسة أوراق في رأسها، لولا أن تطوع باقي المواطنين و قاموا بتقيدي لمنعي من التهور، لكنها قدمت ضدي شكوى تعدي على موظف حكومي اثناء تأدية وظيفته).

ضحكت ياسمين بخفوت، و هي تسحب الدباسة من أمامة لتضعها في درجها بطريقة عفوية، ثم نظرت الى الطلب و قالت بإهتمام
(اذن، هي شقة أخرى بخلاف شقتك الحالية)
رد فريد مبتسما
(الشقة الحالية مؤجرة، لكن لدي شقة أنوي تجهيزها للزواج)
رفعت عينيها تنظر اليه بدهشة و هي تقول متفاجئة
(هل ستتزوج؟، بهذه السرعة؟)
ارتفع حاجبي فريد وهو يسألها بخبث
(هل تظنيني لا أزال صغيرا؟)
احمرت وجنتاها قليلا و قالت بحرج مبتسمة.

(لا بالطبع، لا أقصد هذا، لقد قصدت، لا تهتم، مبارك لك على كل حال)
رد عليها بصوت جاد وهو يتأمل أصابعها المرتجفة من الإرهاق و الورقة المهتزة بينها...
(أشكرك يا ياسمين، كيف حال والدتك؟)
ابتسمت ياسمين و هي تقول
(بخير، و يصلها الدواء، شكرا لك)
رد فريد بصوت حذر
(سأعمل على أن يصلك الدواء على عملك، بعد أن تركت الشقة و عدت الى بيت والدتك)
اخفضت ياسمين وجهها الباهت و هي تقول بخفوت
(هل عرفت؟)
أجابها فريد بلطف.

(نعم عرفت، نورا أخبرتني بما فعله أمين)
أشاحت ياسمين بوجهها عنه و هي غير قادرة على الكلام فيما يخص أمين، فمجرد ذكر اسمه يذكرها بتلك اللحظة التي تحجم بها لسانها و هي تراه يدخل الى شقتها و يغلق الباب...
وقتها عرفت تماما، معنى أن يقع الانسان في فخ سلب الارادة للحظات قد تكون الفارقة في حياته...
أغمضت عينيها بخجل من نفسها، بينما تابع فريد قائلا بصوت خافت هادىء
(لا تخجلي مني).

نظرت اليه بصمت، ثم قالت بصوت خفيض جدا
(لا أخجل منك يا فريد، هكذا أفضل، كان سكني بمفردي خطأ على كل حال، فأنا أعيش في مجتمع له قوانينه)
ابتسم فريد وهو يقول
(لن تخدعيني بهذه النبرة، هذه ليست انت، ليست شخصيتك)
وضعت ياسمين نظارتها على عينيها و هي تقول بصوت فاتر
(على التعود اذن على شخصية جديدة تلائم المجتمع، فهذه لم تفلح حتى الآن)
أجابها فريد ببساطة وهو يلاعب دمية تقف بثبات على سطح مكتبها.

(لا تكوني الا نفسك، لأنك ستتعبين في المحاولة، ثم تكرهين الشخص المشوه الذي تحولت اليه، جميلة جدا هذه الدمية، هل هي صناعة يدوية؟)
رمقت ياسمين الدمية من فوق نظارتها ثم قالت بخفوت
(أنا صنعتها)
ارتفع حاجبي فريد بدهشة وهو ينظر اليها قبل ان ينظر إلى الدمية و يقلبها بين أصابعه وهو يهمس مبتسما
(إنها رائعة، أنت موهوبة حقا)
ابتسمت ياسمين له بسعادة خفيفة، فقالت له بدون جدية
(تفضلها).

اتسعت ابتسامة فريد وهو يرفعها بين أصابعه ليقول شاكرا بصدق
(شكرا لك، هذه من ألطف الهدايا التي وصلتني يوما)
نظرت اليه ياسمين بدهشة وهو يضعها في جيب سترته الداخلي، فأعادت نظرها الى طلبه و قد فقدت ابتسامتها و هي تقول بصوت باهت
(طلبك يحتاج الى ختم من المدير المباشر)
ظلت صامتة تتنهد بأسى، فسألها بحيرة
(هل يمكنك ختمها منه بنفسك)
ظلت تنظر الى الطلب طويلا بنفس النظرة، الى أن قالت بصوت كئيب
(بالطبع).

لكنها ظلت جالسة مكانها دون حركة، فعقد فريد حاجبيه وهو يقول بتردد
(تبدين متضايقة، هاتي الطلب و أنا سأختمه بنفسي)
شعرت ياسمين بالحرج منه، بعد كل خدماته التي سبق و قدمها في مساعدة والدتها، فقالت بصوت خفيض
(لا بأس، أدخل اليه في اليوم عشرات المرات، و هذا أقل ما أقدمه لك)
و دون انتظار رد منه، تركته مبتسمة و خرجت من المكتب و الطلب في يدها، أما هو فقد كان يراقبها عاقدا حاجبيه بعدم فهم...

طرقت ياسمين الباب، ثم دخلت الى المكتب و حرصت على ترك الباب مفتوح لتقول ببرود
(عفوا أستاذ جمال، هذا الطلب يحتاج الى ختم منك)
رفع الرجل السمج المكتنز وجهه عن الأوراق أمامه لينظر اليها مبتسما، ثم قال بنبرة مقيتة
(نحن تحت أمر السيدة ياسمين، هاتي الطلب)
ناولته الطلب دون أن ترفع عينيها الى عينيه، حريصة على رسم التجهم على ملامحها بأبشع صوره...

فختم الطلب لها، لكن بينما هي تمد يدها الى أخذ الطلب، أبعده عن مجال أصابعها ليقول بنبرة مازحة
(هل ازداد وزنك قليلا، أم أنني أتوهم؟)
نظرت ياسمين اليه دون رد، بينما تابع قائلا بخبث
(تلك التنورة كانت أكثر وسعا منذ شهرين)
امدت أصابعها لتخفض حافة الكنزة بتوتر رغما عنها، فقال ضاحكا
(تلك المؤهلات لا يمكنك اخفائها بسهولة أبدا)
قالت ياسمين بنبرة حادة.

(من فضلك يا استاذ جمال، أخبرتك أكثر من مرة أنني لا أقبل مثل هذا النوع من المزاح)
قال جمال بنبرة ثقيلة، متباطئة كنظرته على تفاصيل جسدها
(أنت جدية أكثر من اللازم و لا تقبلين المرح، بينما الحياة لا تحتمل)
مدت يدها و قالت بصرامة
(هات الطلب من فضلك)
ناولها الطلب أخيرا بنظرة ساخرة، فسحبته منه بحدة قبل ان تستدير لتخرج من الباب، لكنه ناداها قائلا...
(احذري أن يصفعك أحدهم و أنت منحنية).

لم تلتفت اليه ياسمين بل أسرعت الخطا و هي ترتجف بشدة، بينما الغثيان يملأها و التقزز يغشي عينيها...

بعد يومين و بعد خروجها من العمل، أثناء وقوفها تنتظر وصول حافلة الأجرة الصغيرة، تعالى رنين هاتفها فأخرجته دون حماس، لتجيب على الرقم الغريب بصوت متنهد
(نعم)
وصلها صوت رجولي مألوف يقول بخفوت
(أنا أمين)
اتسعت عينا ياسمين بذهول بينما فغرت شفتيها بصمت و دق قلبها بعنف، لكنه قال بسرعة
(أرجوك لا تغلقي الخط، أريد أن أراك).

(لا أصدق أنك خرجت دون بطاقة هويتك! أي رجل على قدر من المسؤولية يفعل ما فعلت!)
همست مسك بذلك في حدة و هي تخرج معه من باب غرفة الضابط المسؤول بينما الشياطين تتلاعب في وجهها...
رد عليها بغضب همسا أيضا.
(هذا لأنني نسيت حافظتي في المكتب)
توقفت مسك و التفتت اليه بالكامل لتقول بصوت قاسي و عينين مشتعلتين
(آه بالطبع، هذا لأنك خرجت جريا كي تراقب زوجتك الخائنة و تضبطها متلبسة بجرمها)
همس أمجد بجدية و جنون.

(اخرسي يا مسك و لا تستخدمي تلك الألفاظ)
ابتسمت بسخرية و هي تقول بقرف
(ما أنبلك، لا تقبل على بمثل هذه الصفات بينما أنت تتصرف بناءا عليها)
قبض أمجد كفه وهو يغمض عينيه بشدة، آخذا نفسا عميقا، قبل أن يقول ضاغطا على أسنانه
(أنصحك بالسكوت يا مسك، فأنا في حال لا يسمح لي بالجدال المستفز حاليا).

ضيقت مسك عينيها، و هي ترفع يدها تمسك بها ذقنه و هي تدير وجهه قليلا و هي تشاهد الخدوش و الكدمات به فتأوهت بتعاطف كاذب و هي تهمس
(هذه ليست مجرد رتوش، هل لكمك؟)
نظر أمجد اليها بصمت و بملامح صلبة، خالية التعبير تكلم قائلا
(أنت تقصدين فعل هذا، اليس كذلك؟ و في هذه اللحظة بالذات)
ردت مسك دون تردد و بكل ثقة.

(نعم أفعل، كي تستشعر مدى خجلي منك و من تصرفاتك، زوجي أنا، زوج مسك الرافعي يتشاجر في نادي الفروسية كالرعاع و يضرب و يتم تحرير محضر ضده، و آتي بنفسي كي أضمنه لأنه لا يحمل هوية، كيف لي أن أدخل النادي بعد ما فعلته؟، و كيف تفعل هذا من الأساس؟)
رد عليها أمجد بصوت مشتد منفعل
(اطمئني، لن تخطو قدميك الى هذا النادي مجددا)
برقت عينا مسك و هي تنظر اليه طويلا، قبل أن تقول ببطىء خطير
(أنت تتمادى، ناسيا من أكون).

مال اليها هامسا من بين أسنانه
(و أستطيع كسر رأسك أيضا، مع احترامي لمن تكونين، طالما أنك لا تحسنين احترام زوجك)
ساد صمت مشحون بينهما، ثم قالت مسك أخيرا بنبرة غريبة
(هذا الحوار سنتابعه في البيت، كفى فضائح).

لكن و قبلا أن يتحركا، خرج أشرف من نفس الباب، ثم وقف ينظر اليهما بنظرات شرسة مهددة، فعقدت مسك حاجبيها و هي تدقق النظر مجددا في عينه ذات اللكمة التي ازداد لونها قتامة بشكل مخيف، ولولا ستر الله لكان فقد عينه للأبد و حصل أمجد على تهمة عاهة مستديمة...
تكلم أشرف قائلا ببرود
(هل هذا هو المحترم الذي خرجت عن العائلة كي تتزوجي منه يا مسك؟)
التفت اليه أمجد و قبض على مقدمة قميصه وهو يهدر به بعنف.

(كلامك معي أنا و إياك أن تخاطبها مجددا)
أمسك أشرف بملابس أمجد هو الآخر وهو يصرخ به بوحشية
(أنت لن تتوقف الا بعد أن أرتكب بك جناية)
حاولت مسك سحب أمجد بالقوة دون جدوى، الى أن خرج الضابط من غرفته وهو يصرخ بهما
(ما الذي تفعلانه؟، هل تريدان المبيت في الحجز الليلة؟)
هذه المرة نجحت مسك في سحب أمجد و هي تهمس له
(أقسم بالله إن لم تلملم هذا الدور و تنصرف معي فسوف أهجرك للأبد، كفى، لست أنا من تتعرض لكل هذا).

نظر اليها أمجد للحظات دون رد، بينما تحول العنف في عينيه الى شيء آخر أكثر عمقا، ثم ترك أشرف أخيرا و هو ينفض يداه عنه بتقزز...
أما مسك فنظرت الى أشرف و قالت ببرود
(هذا المحترم الذي تتحدث عنه هو زوجي الذي ضربك لأنك تنظر الي، بينما هناك أحد أفراد العائلة التي تتكلم عنها، تدنى بمستواه و خرج هو الآخر عن نفس العائلة، تاركا زوجته كي يتزوج من صديقتها، التي كانت تستعير ملابسها القديمة).

عقد أمجد حاجبيه، بينما تأوهت شفتاه دون صوت، في اشارة الى أنها عادت الى أسوأ طباعها في تشريح البشر بمشارطها، فعلى الرغم من أي شيء، أشفق على غدير مما قالته مسك للتو...
الا أنه على الرغم من مشاعره، فقد طغى عليه الغضب ليهمس لها من بين أسنانه
(إن تجرأت على قول كلمة زوجته مجددا فسوف
و كأنما كانت تنتظر ذكر اسمها، فقد سمع ثلاثتهم صوت غدير و هي تهتف بقلق عن بعد
(أشرف، ياللهي ماذا حدث؟).

تجمدت ملامح مسك على الفور و هي تنظر الى غدير، و بسرعة أخفضت كفها لتمسك بكف أمجد مشبكة أصابعها بأصابعه، مما جعله يخفض عينيه ينظر الى كفيهما عاقدا حاجبيه بدهشة...
بينما قالت مسك بنعومة مبتسمة
(هل نسي أشرف بطاقة هويته هو أيضا و لهذا أتيت يا غدير؟)
نظرت غدير الى مسك بنظرات مبهمة متجمدة و قد بدأت تضائل أمامها، غير قادرة على رفع هامتها أمامها مهما حاولت، الا أنها قالت بصوت متردد.

(أتصلوا بي من النادي و ابلغوني بما حدث فأتيت)
ابتسمت مسك مجددا و مالت الى ذراع أمجد قائلة بإعتذار عفوي بدا صادقا للغاية.

(أنا آسفة جدا يا غدير، لا أعلم ما الذي حدث لأمجد، واحد من أولاد الحرام يملأ أذنيه بالشكوك تجاه زوجك، لذا لم يتمالك نفسه فضربه، لمجرد أنه يحب مراقبتي أثناء التدريب، حاولت مرارا إفهامه أن أشرف يحب تدريبات الفروسية منذ سنوات، الا أنه لم يقتنع، على ما يبدو أن هناك بعض الحزازات في النفوس لم تختفي بعد)
نظرت غدير الى أشرف بنظرة طويلة جامدة، مشتعلة في عمقها بنار تستعر...

بينما جذب أمجد مسك خلفه وهو يقول بصوت آمر
(يكفي هذا، المكان بات مقيتا)
جرت مسك من خلفه وهي تحاول تعقب خطواته السريعة، . بينما التفتت الى غدير و ابتسمت لها بغرور و ثقة...
لكن ما أن خرجا من قسم الشرطة حتى نزعت يدها من كف أمجد بقوة و اختفت ابتسامتها لتقول بحدة
(هل أتيت بسيارتك، أم سحبوك من قفاك؟)
نظر اليها أمجد شزرا، ثم قال بقسوة وهو يضغط زر الأمان الآلي في السيارة ليقول بصرامة آمرا...

(ادخلي الى السيارة و آثري الصمت)
و بالفعل استمر الصمت بينهما طوال طريق العودة...
كانت هي مكتفة ذراعيها تنظر أمامها بملامح باردة و عينين جليدتين، أما أمجد فقد كان يختلس النظر اليها بين الحين و الآخر بإنفعال غير مسيطر عليه، محاولا اكتشاف ما يدور بداخل رأسها الصخري...
هل تفكر في أشرف و يؤلمها منظر غدير بجواره؟
هل تفعل؟

انقبضت أصابع أمجد على المقود بشدة وهو يزيد من سرعة السيارة، و فضل الصمت هو الآخر انتظارا حتى يصلا الى البيت...
و ما أن دخلا الى شقتهما، حتى قال ساخرا من خلفها و هي تسير أمامه ببرود رافعة رأسها
(لماذا أنت صامتة كل هذا الوقت؟، هل تفكرين برضا عن جملتك الختامية التي انهيت بها الحوار و أنهيت على غريمتك؟)
توقفت مسك مكانها و تصلبت ملامحها أكثر، ثم استدارت اليه ببطىء و هي تقول بخفوت.

(أتعلم ماذا تكون؟، أنت منافق)
بهتت ملامح أمجد وهو ينظر اليها بغضب و كأنها قد لكمته للتو، فضاقت عيناه وهو يقول بصوت خطير
(ماذا قلت للتو؟)
ردت عليه مسك بإصرار و هي تشدد على كل حرف
(ما سمعته، أنت منافق)
هدر أمجد مهددا، (مسك، لا تتمادي في الكلام معي)
رفعت حاجبيها و هي تقترب منه ببطىء قائلة بسخرية
(لا أتمادى؟، حسنا، لن أتمادى، هل يمكنك اخباري عن سبب توصيلك لغدير بنفسك في سيارتك؟).

انعقد حاجبيه و لم يرد عليها ناظرا الى ملامحها الباردة و الشحوب الخفيف الذي علا وجنتيها، ثم سألها دون أن يجفل
(كيف علمت بهذا؟)
ارتفع حاجبي مسك بسخرية و ذهول و هي تسأله ضاحكة
(هل هذا هو كل ما يهمك؟، حسنا يا سيدي، اعتبرني أراقبك كما تراقبني، و الآن أجب عن سؤالي، لماذا تقلها؟)
تحرك أمجد ببطىء وهو ينظر اليها مفكرا، ثم استند الى حافة مائدة الطعام و كتف ذراعيه ناظرا اليها
ليقول بصوت غامض.

(كنت سأفرح لو علمت بمراقبتك لي، كنت سأفرح جدا)
ارتبكت مسك قليلا أمام تلك النبرة الخاصة التي ظهرت في صوته، الا أنه سألها متابعا قبل أن تبدي ردا
(هل تغارين من غدير؟)
و كأنه ألقى فوق رأسها فجأة دلوا من الماء البارد، فنظرت اليه بذهول بينما تسارعت دقات قلبها بعنف مفاجىء...
لكنها تدبرت أن تضحك ضحكة عالية بمهارة، ثم هتفت مصدومة.

(أنا أغار! و من غدير؟، اذا كنت لم أفعلها في المرة الأولى، فهل أفعلها الآن؟، لا يا حسيني، أنا لا أغار، لأنها أصلا أدنى من مستواي في كل شيء و مجرد عقد أي مقارنة بيني و بينها يعد اهانة في حقي، لكنني أكره النفاق، أنت تسمح لنفسك بأن تقل حبيبتك القديمة للبيت في سيارة وحدكما بينما جن جنونك لمجرد نظر أشرف إلى من بعيد)
اقتربت منه أكثر و هي مكتفة ذراعيها ثم سألته ببساطة.

(كيف سيكون رد فعلك إن سمحت لأشرف بأن يقلني في سيارته لأي مكان في يوم من الأيام؟)
اشتد خط شفتيه وهو ينظر اليه و قد توترت ملامحه، بينما همس بخفوت
(كنت شربت من دمك، و لن أكتفي)
ارتبكت مجددا، عواطفه الجياشة تربكها، و هي لا تفضل هذا الإرتباك...
ابتسمت مسك أخيرا و هي تقول بصوت باهت...
(كم هذا رائع! الا ترى نفسك منافقا للحظة واحدة؟)
هز أمجد رأسه نافيا ببطىء وهو يقول ببرود.

(لست منافقا يا مسك، فأنا لا تهمني غدير بأي طريقة، لا أسعى لأن أظهر لها سعادتي معك، و لا أهتم بندمها مطلقا، شعورها بالندم و الحسرة لا يلقى بداخلي أي صدى، فهل يمكنك القسم على أن احساس أشرف بالندم وهو ينظر اليك لا يرضيك؟)
ساد صمت طويل بينهما و كل منهما ينظر للآخر، بينما ارتجفت شفتي مسك للحظة، لكنها زمتهما بقوة و هي ترفع ذقنها لتقول بغرور
(لست مضطرة للقسم على شيء، ليس هناك من يستطيع اجباري على القسم).

ابتسم أمجد ابتسامة باهتة، ثم قال ببطىء
(لست في حاجة لإجبارك، فقد نلت الجواب منذ فترة طويلة)
رمقته مسك بإباء، ثم استدارت عنه و انصرفت، الا انها توقفت للحظة، قبل أن تلتفت اليه قائلة...
(الكلام الذي ألقيته بوجهي اليوم صباحا، كسر بيننا شيء، لا أظنك ستتمكن من اصلاحه)
ثم عادت لتتابع طريقها، الا أن صوت أمجد قصف من خلفها ببرود
(أتمنى أن يكون الشيء الوحيد الذي كسر بيننا هو غرورك).

توقفت مسك دون أن تستدير، تتنفس بصعوبة و تشنج، الا أنها همست بصوت حاد
(في أحلامك)
و ابتعدت بعدها تاركة أمجد مكانه يقف بجوار المائدة، ثم نظر الى الشموع التي أشعلتها له ليلة أمس...
توترت عضلة في فكه وهو يلتقط احدى تلك الشموع ليقربها من أنفه و يشم رائحتها العطرية، فأغمض عينيه وهو يهمس
(مسك، لقد تورط قلبي معك أكثر مما تحتاج الحياة الهادئة بيننا، هل يعقل أن أخسرك بسبب هذا القلب الغبي؟).

في اليوم التالي...
جالسة نفس الجلسة المرعبة و هي تفرك أصابعها بتوتر، واضعة ساقا فوق أخرى.
مرجعة رأسها للخلف، و مغمضة عينيها تردد بعض الآيات القرآنية...
موعد الفحص الدوري لها...
لست خائفة، لست خائفة، لم أعد خائفة، فقد عشت كثيرا و حققت الكثير...
لست خائفة...

لكنها انتفضت فجأة و هي تشعر بكف رجولية قوية تمسك بكفها فرفعت وجهها و نظرت الى جانبها مجفلة، لترى أمجد محتلا الكرسي المجاور لكرسيها وهو يشبك أصابعه بأصابعها، بينما عيناه تتعمقان في عينيها الخائفتين...
لكنها ما أن تمالكت نفسها حتى همست بغضب
(ما الذي تفعله هنا؟، هل تراقبني من جديد؟)
لم يرد أمجد على الفور كانت عيناه غريبتين، مرتعبتين، بينما انقبضت أصابعه بين أصابعها بقوة، ثم همس لها بصوت خافت.

(و هل يعقل الا أتحقق من يوم كهذا؟)
نظرت اليه مسك بصمت، بينما رفع كفه الحرة و أحاط بها وجنتها ليقول بهمس أجش
(غدا نتابع حربنا، أما اليوم، فلا أريد سوى الإمساك بكفك، لتكتب لنا الحياة من جديد و نحن متشابكي الأيدي)
أغمضت مسك عينيها و همست قبل أن تستطيع منع نفسها
(أنا، خائفة)
تحشرج صوت أنفاسه وهو ينحني اليها ليطبع شفتيه بقوة أعلى وجنتها المرتفعة ليهمس بنبرة مرتجفة.

(و أنا مرتعب يا ألماس، لا تعاقبيني بتركي مطلقا، لأن الخسارة ستكون بروحين).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة