قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل التاسع والثلاثون

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل التاسع والثلاثون

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل التاسع والثلاثون

(قد أتأخر اليوم قليلا، لا تنتظرني، يمكنك النزول و تناول طعامك مع والدتك)
قالت هذا بهدوء و هي تلتقط حقيبتها تنوي الخروج من البيت صباحا، الا أنه أمسك بذراعها بقوة قبل أن تتجاوزه يمنعها من الخروج، فنظرت اليه بغرور رافعة حاجبيها متسائلة...
و للحظات شعرت بشيء ما أوجعها في صدرها بسبب نظرته العميقة، التي تسللت الى أعماقها هي...

و كأنها فتحت نافذة من روحها الى روحه، تكشفها تماما أمامه و تجعلها عرضة للخطر...
أخفضت وجهها و هي تحاول اغلاق تلك النافذة الفاضحة بينهما، فما كان منه الا أن قال بإصرار
(سأنتظرك، لا أحب تناول طعامي وحيدا)
قالت بنبرة حاولت جاهدة أن تجعلها لا مبالية...
(أخبرتك أنه ليس عليك انتظاري أو الأكل وحيدا، تناوله مع أمك و أختك).

ثم أبعدت ذراعها عن يده ببساطة و خرجت، لكنها لم تلحظ أنه خلفها خطوة بخطوة، حتى وجدت نفسها تستدير اليه بفعل كفيه...
تأففت مسك و هي تقول بنفاذ صبر
(لقد تأخرت على عملي يا حسيني، ماذا تريد الآن؟)
ظل أمجد صامتا للحظات ثم قال أخيرا بجفاء
(أريد الكلام معك، حديث تأخر كثيرا)
رفعت حاجبيها بإستفزاز و سألته بهدوء.

(الآن تريد الكلام؟، طالما أن الحديث قد تأخر كثيرا فلا مانع من أن يتأخر لفترة اضافية، فأنا لا أملك الوقت الآن)
رد عليها أمجد بنبرة أكثر تسلطا...
(بل الآن، فأنا على وشك الإمساك برأسك و مسح زجاج النافذة بشعرك)
برقت عينا مسك بحدة، الا أنها قالت بهدوء جليدي
(طريقتك اللطيفة في بدء الحوار لن تفيدك الآن تحديدا يا حسيني، فلا تحاول استفزازي أكثر و اتركني من فضلك)
زم شفتيه للحظات ثم قال ببطىء من بين اسنانه.

(ناديني حسيني مجددا و صدقيني لن أكون مسؤولا عن تصرفي معك)
شعرت بدهشة حقيقية هذه المرة، لكنها سألته بلامبالاة زائفة
(هل يضايقك لقب الحسيني؟، عجبا! بهذه الطريقة أنا أستحق وسام الشرف لتحملي الكثير من الألقاب التي تكرمني بها، بدئا من ألمظ، ظاظا)
تابع أمجد بصوت أكثر عمقا حين خفت صوتها و صمتت
(كليوباترا، ألماس).

ابتسمت بسخرية على الرغم من ذلك الشعور الغير مرغوب فيه و الذي ينبض داخل صدرها كل حين حتى باتت معتادة عليه، تألفه...
ثم همست بإقتضاب و هي تبعد عينيها عن عينيه
(نعم، و هذان أيضا)
أخذت نفسا عميقا و هي تسوي كتفيها ثم قالت ببساطة و عفوية قدر الإمكان
(حسنا، هل تعطيني قائمة بالألقاب التي ترفضها، أو ربما الأسهل في حالتك الألقاب التي تقبلها).

نظر أمجد الى عينيها المتهربتين منه و ظل صامتا حتى أصبح جو الصمت بينهما خانقا متوترا...
فإضطرت الى رفع عينيها اليه أخيرا بتوتر، حينها ذابت دقات قلبها أمام نظراته الجادة النافذة الى أعماقها، دون ابتسام حتى...
فقال أمجد أخيرا بخفوت
(فقط لقبين، الأول هو أمجد، لا أحب لدي من سماع اسمي أنا من بين شفتيك، لك نبرة غريبة حين تنطقين بها اسمي، و كأنني الرجل الوحيد الذي يحمل هذا الإسم).

ضحكت مسك بسخرية، الا أنها كانت سخرية زائفة، فخرجت كضحكة عصبية مختنقة كسعال مجروح من القلب...
و كي تخفي تلك العصبية ردت بمرح بارد و هي تنفض شعرها ناظرة اليه بثقة
(و ما هو اللقب الثاني؟)
لم يرد عليها على الفور، ثم قال ببطىء
(ستعرفين حين تنطقين به)
اضطربت مسك أكثر، لكنها قالت بنبرة بدت خشنة أكثر من اللازم
(يجب أن أذهب الآن، أنا جادة يا أمجد)
الا أنه شدد قبضتيه على كتفيها و رد بصرامة.

(لن تذهبي قبل أن ننهي ما بدأناه من كلام، لقد ضقت ذرعا بهذا الصمت الخانق بيننا)
هتفت مسك فجأة بحدة و انفعال
(أي كلام؟، نحن لم نبدأ أي كلام حتى الآن)
رد عليها أمجد بصوت أكثر عصبية
(كلام مضى عليه أكثر من شهر، احترمت رغبتك في العودة اليه لأنه آلمك، لكن النتيجة كانت أن كل ما اقتربناه من خطى من بعضنا، عادت لتفرق بيننا من جديد، أنت تتجنبينني منذ فترة)
ارتبكت ملامحها و توترت، الا أنها هتفت بقوة.

(هذا من أكثر ما سمعته منك سخافة، كيف أتجنبك؟، نحن لم نفترق أي ليلة، لم ينقطع كلامنا أي يوم)
هتف بها أمجد بإنفعال
(كلام مهذب بارد، حتى علاقتنا الحميمية)
ارتفع حاجبيها و برقت عيناها بشراسة و هي تضع كفيها في خصرها هاتفة تقاطعة بشعور بالإهانة
(هل ستشكو من هذا أيضا؟، انظر الى عيني وواجهني، هل تعاني من مشكلة في هذه النقطة كذلك؟)
نظر الى عينيها بالفعل، نظرة أبلغ من أي كلام، الا أنه قال أخيرا ببطىء أجش.

(أعاني من عدم وجودك معي، بين ذراعي فعلا، لا تكونين معي بكامل روحك)
شعرت مسك بغصة تؤلم حلقها بشدة، الا أنها قالت بصوت باهت غليظ
(هذا ثاني أسخف شيء أسمعه منك، و أظنك تحاول التحجج بأي شيء لتثبت أن زواجنا ليس على ما يرام، إن كان هذا هو الأمر فأنا أفضل الصراحة يا أمجد، يمكنك التحرر مني بكل بساطة و أنا لن أعيقك طريقك مجددا).

ضغط على أسنانه بقوة وهو يغمض عينيه لدرجة أنها سمعت صوت صرير تلك الأسنان التي هددت بنهش عنقها في اي لحظة كمصاصي الدماء، و حين فتح عينيه الغاضبتين، شعرت مسك للمرة الأولى بالخوف فابتلعت ريقها متوترة، الا أنه دفعها عنه قليلا وهو يقول بصوت قاتم
(اذهبي الى عملك، من الأفضل أن نترك الكلام عند هذه النقطة حفاظا على عنقك الجميل).

ظلت مسك واقفة مكانها تشعر بشيء من الندم على هذا الصباح المتوتر بينهما، خاصة و أنه ابتعد عنها يوليها ظهره متجها الى النافذة ينظر الى الطريق و يديه في جانبيه و ظهره متشنج و كأنه يحمل حملا أكبر من طاقته...
مضت بضع دقائق و هي واقفة مكانها تنظر اليه بصمت، الى أن شعرت بصورته تضطرب أمام عينيها حتى أصبح خيالا، فأدركت أن هناك غلالة من الدموع تكونت على حدقتيها تكاد أن تحجب الرؤية عنهما...

حينها شعرت بفزع حقيقي، مما جعلها تستدير بسرعة و تهرع الى باب الشقة لتخرج منه و تصفقه بقوة دون حتى أن تلقي عليه تحيتها الروتينية المعتادة...
سماع صوت الباب يصفق بدا و كأنه صفعة على قلبه، مما جعله يغمض عينيه بألم للحظة...
ثم فتحهما وهو يأخذ نفسا عميقا حتى كادت أزرار قميصه تخلع من مكانها من شدة ما يحمل في صدره من مشاعر مكتومة و عدم راحة...

كان يظن أنهما اقتربا من بعضهما و اقترب هو من غايته، كان قريبا جدا من حد ملامسة قلبها بل يكاد يقسم على أنه كاد يتخلل اعماق روحها دون أي حواجز...
الى أن تفجر بينهما موضوع الطفل المتبنى و الذي لا يعلم من أين هبط كي يفسد عليه كل ما بناه معها، و من وقتها و هي رافضة الكلام في هذا الموضوع رفضا قاطعا...

رآها تخرج من البناية أخيرا و تتجه الى سيارتها، فابتسم رغم عنه وهو يتذكر تلك الأيام التي كان يراقبها فيها من نافذة مكتبه، تحمل شطيرتها الصحية لتتخذ المقعد الوحيد المنعزل بجانب الحديقة الصغيرة...
واضعة ساقا فوق أخرى، تتناول شطيرتها بكل أناقة و هي تنظر للبعيد...
كانت من أجمل أوقات التلصص التي أمضاها في حياته الى أن قرر اقتحام خلوتها بكل تطفل لم يندم عليه حتى هذه اللحظة...

فتحت مسك باب سيارتها، ثم توقفت للحظة مما جعل قلبه يتوقف معها، الى أن رفعت وجهها اليه...
فابتسم لها وهو يرفع كفه...
للحظات لم تتجاوب معه، بل ظلت واقفة بشكل غريب، تضع نظارة سوداء فوق عينيها مما جعل ابتسامته تتوتر، ماذا بها؟، لماذا تقف بهذا الشكل؟
هل نست شيئا؟
عقد أمجد حاجبيه، ثم ابتعد عن النافذة و ذهب يبحث عن هاتفه، حتى وجده فاتصل بها على الفور...

و مضى الإتصال دون أن ترد عليه، فإزداد قلقه و اتصل بها من جديد حتى وصله صوتها و هي ترد عليه بنبرة غريبة
(ماذا تريد يا حسيني؟)
ازداد قلقه و انعقاد حاجبيه، فسألها بخشونة
(ماذا به صوتك؟، هل تبكين؟)
وصله صوت ضحكة ساخرة عصبية، ثم قالت بإستهزاء
(أبكي؟، كم تظن عمري يا حسيني؟)
الا أنه لم يتجاوب مع سخريتها، بل قال بصرامة
(انتظري مكانك، سأنزل اليك حالا).

لكنه لم يكد ينهي كلماته حتى سمع صوت صرير سيارة في الخارج، ثم وصله ردها باردا
(أنا في منتصف طريقي للعمل الآن، أراك مساءا)
ثم أغلقت الخط قبل أن تنتظر منه ردا، فسارع أمجد ينظر من النافذة ليجدها و قد خرجت للطريق و اختفت عن ناظريه في لمح البصر...
أغلق أمجد هاتفه و ألقاه على أقرب كرسي هاتفا
(تبا، تبا، من أين لي بالصبر عليها؟، لقد تعبت دون مبالغة).

وقف مكانه و يداه في جانبيه و حين شعر أنه على وشك كسر أي شيء في البيت، عاد و أمسك هاتفه و كتب لها رسالة سريعة غاضبة
أتدرين ما أنت؟، أنت صبارة شائكة يحاول من يحبك اختراق أشواكك الحادة و بعد سلسلة من الجروح يتنهد مرتاحا لوصوله الى قلبك، فلا يجد سوى سائل شديد المرارة كالعلقم...
يمكنك وضع هذا اللقب بين قائمة ألقابك، أراك مساءا يا صبارة، ثم أرسل الرسالة وهو يشعر ببعض الراحة الشريرة...

و ما هي الا لحظات حتى وصله الرد فأسرع يفتحه و كان...
شكرا لذوقك يا محترم، يوما سعيدا، فغر أمجد شفتيه وهو ينظر الى الرسالة، ثم لم يلبث أن ألقى الهاتف مجددا وهو يزفر بنفس منفعلا عنيفا...
هناك شيء ناقص بينهما، سعى بكل جهده كي يملأ فراغه، و ما كاد يفلح في هذا حتى تسرب كل أمل من بين يديه فجأة، تاركا كلا منهما على حافة منحدر، يولي ظهره للآخر...
قريبان و في نفس الوقت اقترابهما شبه مستحيل...
أما مسك...

فقد ألقت هاتفها هي أيضا على المقعد بجوارها، ثم تبعته بنظارتها السوداء لتشهق باكية بصوت عال دون أي اعتبار للطريق المزدحم الذي تقود سيارتها خلاله أو نظرات الناس الفضولية لبكائها العالي...
و حين شعرت بأنها على وشك الإقدام على حادث مروع حتى أوقفت سيارتها جانبا و تركت لدموعها العنان...
فتابعت بكائها رحمة بقلبها المتعب...

قبل أن تخرج من باب الشقة و حين كانت تنظر الى ظهره أوشكت على النزول الى ركبتيها و البكاء أمامه متوسلة
أرجوك لا تتركني، اضمن لي الا تتركني، أريد ضمانة عينية، لأنني لا أستطيع الإكتفاء بما تقول، و لأنه ليس من المنطق في شيء، ارجوك لا تتركني، أتوسل اليك الا تتركني، رفعت مسك وجهها المبلل المحتقن تنظر الى الطريق امامها و هي ترجع رأسها للخلف، ثم همست بصوت ممزق.

(اتوسل اليك الا تتركني، لم أعرف سعادة و رضا لنفسي قبل أن تدخل حياتي، فأرجوك لا تسلبهما مني)
شهقت بنفس آلم صدرها حتى أنها وضعت راحتها عليه و تشرد بعيدا
لماذا قبلت به من البداية؟، دمرت حياته و حياتي لأجل سعادة قصيرة، مهجة كانت على حق، كنت في منتهى الأنانية و أنا أختار رجلا لا ينقصه شيء، كي يرتبط بشبه امرأة...

أعمى الغرور عيني و تصرفت و كأنني مسك الرافعي، ناسية أن مقدارها أنا من أقدره بنفسي و ليس من حقي فرضه على حساب حياة رجل كل ذنبه أنه أحبها، فأعماه الحب عن رؤية يوم آت لا محالة، يوم ستنتصر فيه رغبة الأبوة على نداء القلب بعد أن يكون قد خفت صوته، رفعت يدها و عدلت من وضع مرآة السيارة حتى نظرت الى عينيها الحمراوين الظالمتين...
و أقرت هامسة بصمت.

اعترفي بأنك تطيلين عذابه كي تبقين في المنطقة الآمنة، طالما لا يزال يريد منك شيئا غامضا صعب المنال فهو لن يتركك، تتلاعبين بقلبه فيظل يدور في فلكك، لكن الى متى؟، يأتي يوم و يمل فيه تلاعبك حتى و إن لم ينالك كما يتمنى، أغمضت عينيها بقوة و هي تبكي بأنين يمزق نياض القلب، و ظلت على حالها حتى سمعت طرقا على نفاذ زجاج سيارتها...

ففتحت عيناها مجفلة و هي ترفع رأسها، لترى طفلة لا يتجاوز طولها ارتفاع النافذة، لكنها تبدو في العاشرة من عمرها، ترتدي ملابس مهترئة، لكن على الرغم من ذلك ممشطة الشعر بأنوثة و في عينيها بريق شقاوة لم يمحوه شقاء اللف في الطرقات بعد، و تمتلك غمازة جميلة ذكرتها بأمجد على الفور...
همست من بين أسنانها بصوت مختنق و هي تفتح النافذة
أخرج من ذهني يا حسيني، أخرج بغمازتك الغير مرغوب بها.

نظرت الى فتاة بصمت، ثم قالت أخيرا بصوت باهت
(أهلا)
اتسعت ابتسامة الفتاة و رفعت لها عددا من علب المحارم الورقية و هي تهتف مترجية
(اشتري مني علبة محارم، حفظ الله لك أولادك)
ظلت مسك تنظر اليها دون مشاعر و رأسها مرتاح على مؤخرة مقعدها، ثم قالت بصبر و بنفس النبرة الباهتة
(ليس لدي أولاد)
ظلت الطفلة تفكر قليلا، ثم قالت مبتسمة
(اذن اشتري مني علبة، رزقك الله بأولاد قريبا).

ابتسمت مسك على الرغم من الدموع التي تغرق وجهها، ثم قالت بخفوت
(لن يرزقني الله بأطفال)
نظرت الطفلة الى أصابع مسك المرتاحة على المقود، ثم قالت عاقدة حاجبيها
(أنت متزوجة، كل شيء بإرادة الله)
ابتسمت مسك أكثر، بينما انسابت دمعتان ناعمتان على وجنتيها ثم قالت بلطف
(و نعم بالله، لكن الله لن يرزقني بأطفال أبدا و هذا أيضا يخضع لإرادته).

ظلت الطفلة صامتة و هي تفكر في طريقة أخرى تستدرج بها مسك كي تشتري منها علبة محارم بينما مسك تسد أمامها كل طرق الدعاء، ثم لم تلبث أن قالت بحماس
(اذن اشتري مني علبة محارم، حفظ الله زوجك لك)
رمشت مسك بعينيها الحمراوين و هي تحاول جاهدة الا تبكي على الرغم من أنها لم تفقد ابتسامتها بعد، ثم همست أخيرا بصوت واه ضعيف
(ليحفظه الله في كل الأحوال، حتى إن ابتعد)
تهللت ملامح الفتاة الجذابة و هي تقول.

(و من يترك القمر و يهبط للأرض! هل تشترين مني علبة محارم يا قمر؟)
أومأت مسك برأسها و هي تلتفت لتفتح حقيبتها و التقطت منها ورقة مالية ناولتها للفتاة في صمت، فأخذتها الفتاة بعينين متلهفتين و هي ترى الورقة الكبيرة، ثم قالت بفرحة و أمل
(ليس معي ما يكفي، هل تأخذين العلب كلها؟، لكن حتى إن أخذتها فلن تكفي)
قالت مسك بوقار و هي تمسح وجهها بظهر يدها
(بل احتفظي بالعلب، سعدت بالكلام معك).

ظلت الفتاة تدعو لها و تهتف بسعادة، بينما مسك تتحرك بالسيارة، ثم ابتعدت لتتخذ أول ملف...
عائدة الى البيت، فهي لن تسمح لأي مخلوق بأن يراها في مثل هذه الحالة مطلقا...
خرجت مسك من المصعد بتثاقل، حيث كان يفترض بها الصعود الى شقتها، لكن شيئا ما جعلها تمر لشقة حماتها أولا، فهي تعرف أنها الآن تجلس وحيدة في فراشها تنتظر قدوم مهجة...

الحقيقة أن مهجة تبذل مجهودا ضخما في البقاء مع والدتها لخدمتها بالإضافة الى المرور على شقتها في غياب زوجها، و الإعتناء بأطفالها و الإهتمام بمطالبهم و دراستهم، لذا بعض الأحيان تترك أمها نصف نهار، تسرع خلاله في انهاء كل مصالحها خارجا...
حتى أنها حددت يوما واحدا في الإسبوع لهذا، و في هذا اليوم غالبا ما تمر مسك بها بعد العمل...

و اليوم ستقضيه معها، طوعا و ليس كرها، فهي غير قادرة على تحمل وحشة الجدران من حولها و هي في مثل هذه الحالة...
فتحت الباب بالمفتاح الذي تمتلكه و الذي سلمته لها مهجة للطوارىء، و دخلت ببطىء و دون صوت حتى غرفة حماتها، فأطلت عليها بهدوء...

كانت حماتها نائمة في سريرها، مبتسمة الملامح، مما جعل مسك تبتسم هي الأخرى و ظلت مكانها تتأملها لبضعة لحظات قبل أن تتجه للمطبخ كي تعد فنجان قهوة يساعدها على استجماع بعض قوتها...
لكن ما أن دخلت المطبخ حتى تسمرت مكانها و هي تنظر الى المنظر الغريب أمامها...
عقدت مسك حاجبيها و هي تهز رأسها قليلا، ثم اقتربت ببطىء و حذر تتأكد مما ترى...
فبجوار الثلاجة كانت هناك عربة أطفال مزدوجة، و تحتوي على طفلين صغيرين...

من الواضح أنهما توأم لشدة الشبه بينهما، الا أن الملابس الزرقاء و الوردية أخبرتاها أنهما صبي و فتاة...
كلاهما مستيقظان و ينظر اليها، و كلاهما يضحكان لها كذلك!
فغرت مسك فمها ببطىء و هي تهمس
(من أنتما؟، المزيد من أطفال مهجة، سقطا من ذاكرتي سهوا؟، لا بالتأكيد لا، من أنتما؟).

وصلها صوت ساخر من خلفها يقول بمرح
(هل حقا تنتظرين إجابة منهما؟ ام أنك ساخرة بطبعك؟)
شهقت مسك منتفضة و هي تستدير حول نفسها ما أن سمعت هذا الصوت الرجولي من خلفها، ثم تراجعت للخلف مجفلة و هي ترى شابا في منتصف العشرينات على الأرجح، يرتدي بنطالا من الجينز فقط...
بينما صدره مبلل كشعره و منشفة ملقاة حول عنقه! من الواضح تماما أنه كان يستحم هنا في الشقة و قد خرج من الحمام لتوه!

هتفت مسك بصرامة و هي تستعد لقتال شرس
(من أنت؟، و كيف دخلت الى هنا؟، انطق قبل أن أصرخ و أطلب الشرطة)
رفع الشاب حاجبيه ساخرا وهو يتأملها مليا، ثم قال ببساطة مبتسما.

(يجدر بي أن اسألك نفس السؤالين، لكنني سألجأ لإستخدام تلك الكتلة المسماة مخا و الموجودة في رأس الإنسان عادة، لكنها معطلة لديك على ما يبدو، لأنني لو كنت لصا، فهل يعقل أن أحضر مناوبة عملي و معي طفلاي في عربتهما؟، صحيح أن عالم الجريمة قد تطور لكن ليس الى هذه الدرجة، أفضل تركهما مع والدتهما و التي تتوقف عن النشل في الحافلات، أثناء هجماتي على الشقق كي ترعى الطفلان، نحن نسير على مبدأ المساواة عادة).

صمت قليلا وهو يرفع احد حاجبيه بخبث وهو يتأملها مجددا، ثم قال ساخرا
(اذن على ما يبدو أنك زوجة أمجد التي لن تنجب أبدا)
عقدت مسك حاجبيها للحظة و هي تتأمله بالمثل و بإدراك جديد هذه المرة
شاب لا يشبه أمجد في شيء، أسود الشعر و لديه لحية خفيفة أيضا لكنها سوداء و ملامحه يعلوها المكر...
لكن نفس الفظاظة في طريقة الكلام، حتى أنها تذكرت اسلوب أمجد في التعامل معها في بداية علاقتهما...
نفس الوقاحة و قلة الأدب...

كتفت مسك ذراعيها و هي تمط شفتيها إمتعاضا قائلة ببرود
(و أنت الإبن الضال على ما يبدو، ماذا كان اسمك؟، آه تذكرت، مصطفى)
رفع مصطفى ذراعيه وهو يقول بمرح هاتفا بطريقة مسرحية
(قامت بإستخدام الكتلة الهلامية في رأسها أخيرا، الحمد و الشكر لله)
زادت مسك من مط شفتيها و هي تقول بصوت جليدي
(و كأنني أرى نسخة مصغرة من الحسيني! و كأن واحدا لا يكفيني)
وضع مصطفى يده على صدره وهو يقول مدعيا الألم.

(أوووووتش، تشبهني بأمجد! ضربتني في مقتل)
ثم نظر اليها و قال بشقاوة
(لست ذكية تماما كما سمعت عنك)
رفعت مسك حاجبها دون أن تتأثر، و سألته بجمود و لا مباللاة
(و ماذا سمعت عني؟، بخلاف الغباء و العقم!)
للحظات لم يرد عليها، و لم يفقد ابتسامته و شقاوته، الا أن السخرية زالت من عينيه و لاح بهما تعبير لطيف قبل أن يقول
(سمعت أنك أنانية جدا، أنانية في اغتنام الفرص في حياتك).

شعرت مسك بقرصة لوعة في قلبها فقد أصاب الهدف تماما دون رحمة، الا أن شيئا لم يظهر على وجهها البارد الأنيق و هي تقول ببرود
(من الواضح أنك كنت على تواصل قوي بمهجة خلال الفترة الماضية)
ضحك عاليا وهو يلقي بالمنشفة بعيدا، ثم اتجه الى عربة طفليه فجثا على عقبيه أمامهما وهو يبحث عن زجاجتي الحليب الخاصة بكلا منهما، الى أن وضعهما في فمي الطفلين معا...

راقبته مسك بنفس الملامح الجامدة الا أن الحنين أثار الجوع بداخل قلبها بمنتهى الوحشية و هي ترى نظرة الحب التي يرمق بها الطفلين...
قال مصطفى دون أن يلتفت اليها...
(هل تجيدين تغيير حفاضات الأطفال؟)
ارتفع حاجبي مسك تلقائيا و هي تهتف بخشونة
(عفوا!)
رد مصطفى وهو يتابع ارضاع الطفلين
(الحفاض، الا تعلمين ما هو! وعاء حمل فضلات هذه الكائنات، عليك تغييره كل فترة بآخر نظيف).

هتفت مسك بعصبية من خلفه، بينما عيناها تتقدان بشرر صامت
(و ما الذي يجبرني على تغيير حفاضات أطفالك؟، أحدى مزايا العقم أنني لست مضطرة للقيام بمثل هذه الوظائف الدنيا)
ضحك مصطفى عاليا أكثر وهو يتابع عمله بمهارة، ثم قال أخيرا بسعادة
(الا أنك بصراحة خفيفة الظل)
ردت مسك بإمتعاض
(يسرني أنني رفهت عن جنابك، أنا ذاهبة الى شقتي، حين تستيقظ حماتي أخبرها أنني قد مررت)
ثم تحركت بإتجاه باب المطبخ، الا أنه ناداها بسرعة.

(انتظري، مستكة، انتظري)
تسمرت مسك مكانها و هي تضغط على أسنانها بغيظ شاعرة بكل عصب في جسدها ينتفض غيظا، ثم استدارت اليه ببطىء و عي تقول من بين أسنانها مشددة على كل حرف
(اسمي، مسك)
ابتسم مصطفى وهو يرفع الطفلة من عربتها برفق الى كتفه، ثم استقام ناظرا اليها وهو يقول ضاحكا
(الإثنان متوفران لدى نفس العطار، لا فارق ضخم)
همست مسك بشيء بدا و كأنه شتيمة، الا أن مصطفى قال ببساطة وهو يربت على ظهر طفلته.

(خذي عبد الرحمان من العربة و ربتي على ظهره حتى يتجشأ)
ارتفع حاجبي مسك مجددا و هي تقول بدهشة
(عفوا!)
هتف بها مصطفى قائلا
(يا فتاة شغلي مخك قليلا، خذي الولد كي يتجشأ قبل أن توجعه الغازات، الا ترين أنني أحمل عائشة؟، كيف سأتدبر أن يتجشأ الإثنان معا؟)
ظلت مسك واقفة مكانها تتنفس نفسا لاهبا كالتنين و هي تنظر اليه، موشكة على ضربه بأقرب مقلاة كما كانت ستفعل مع شقيقه مرة من قبل...

حين رآها مصطفى لا تزال واقفة لا تنوي الحراك، قال ببساطة
(ذنبه في رقبتك، منك لله، سيضطر للإنتظار حتى أنتهي من عائشة، قدر الرجال أن تكون النساء أولا)
زفرت مسك بغيظ دون صوت، ثم اتجهت بنفاذ صبر الى العربة بينما مصطفى يدور في أنحاء المطبخ حاملا عائشة على كتفه يربت على ظهرها و يهمس لها بشيء لم تسمعه مسك...

الا أنه ابتسم وهو ينظر اليها بطرف عينيه وهي تنحني لترفع عبد الرحمان من عربته و تضعه على كتفها برفق، ثم بدأت في التربيت على ظهره بحنان
و عم السكون المطبخ الى أن صدح صوت تجشؤ عائشة فإبتسم مصطفى قائلا بزهو المنتصر
(صحة يا سيدة، سبقت الأسد)
ثم استدار الى مسك و قال ببساطة
(هات عبد الرحمان، يمكنني أخذه منك الآن بما أنك فاشلة تماما).

ابعدت مسك عبد الرحمان عن مرمى ذراعي والده بعد أن وضع طفلته في عربتها و هي تقول بحدة و إباء
(أستطيع فعلها، توقف فقط عن ازعاجه)
ضحك مصطفى رافعا كفيه بإستسلام قائلا
(كما تحبين)
ثم اتجه الى الموقد و سألها بتهذيب
(أتسمحين لي أذن بأن أعد لك فنجان من القهوة تعبيرا عن امتناني؟)
أرادت الرفض و الخروج من هنا سريعا، الا أنها قالت بتذمر و جفاء
(أسمح)
ضحك مصطفى وهو يهز رأسه قائلا
(أنا ممتن لقلبك الطيب).

استدارت مسك عنه و هي تربت على ظهر عبد الرحمان، الى أن أصدر صوتا أعمق و أكبر من الصوت الذي أصدرته عائشة فهتفت مسك منتصرة
(هاك)
رفع مصطفى وجهه اليها ضاحكا وهو يقول ببساطة
(أحسنت، الآن ضعيه في عربته و اتخذي كرسيا كي أسكب لك القهوة)
وضعت مسك الطفل في عربته بحرص، ثم جلست على أحد الكراسي و هي تنظر اليه بحذر، بينما هو يسكب القهوة، فسألها مبتسما دون أن ينظر اليها.

(ترى ما هو السؤال الذي يشغل بالك حاليا و أنت تنظرين الي!)
سحبت مسك الفنجان أمامها و قالت بهدوء و أناقة
(كنت أتسائل، ألست صغيرا على أن تكون والدا لطفلين؟)
جلس مصطفى أمامها وهو يقول يائسا
(الطفلان جاءا في نفس البطن، لذا أعتبر والدا مرة واحدة يا ذكية)
قالت مسك ببرود
(لازلت صغيرا في نظري، التساؤل الثاني لماذا لم تأتي زوجتك معك بعد كل هذه الغيبة؟).

ظل مصطفى صامتا قليلا وهو يرتشف قهوته ببطىء، ثم قال بهدوء وهو يرفع عينيه اليها
(فكرت أن آتي بالأطفال أولا كورقة ابتزاز عاطفي، فزواجي مرفوض نوعا ما)
ارتفع حاجبي مسك و هي تقول
(لم أعرف أنك متزوج من الأساس)
رد عليها مصطفى و هو ينظر اليها بفضول
(ألم تحاولي السؤال عن شقيق زوجك مطلقا؟)
هزت مسك كتفها و هي تقول بنبرة ذات مغزى.

(لم أهتم للسؤال، فأنا لا اشعر بالفضول تجاه أي انسان عادة، بخلاف البعض ممن يقتنصون المعلومات عن الغير)
ضحك مصطفى وهو يقول دون خجل
(إن كنت تقصديني بتلميحك، فأنا أعترف بأنني شعرت بفضول كبير لمعرفة كل ما يخص الفتاة التي قرر أمجد الزواج منها فجأة)
سألته مسك مباشرة بغرور
(أتسائل كيف كان انطباعك حين عرفت بعض المعلومات عني)
قال مصطفى دون تردد.

(صدمت حتى أنني نسيت فمي مفتوحا، الا أنني خلال لحظة انفجرت ضاحكا بقوة)
ظلت مسك ساكنة تماما و هي تنظر اليه دون تعبير ثم سألته قائلة
(الا ترى نفسك فظا، سيء الاخلاق، شديد الوقاحة، أم انك ببساطة تكره أخيك لدرجة التشفي فيه؟)
نظر اليها مصطفى وهو يقول ببراءة
(و لماذا أتشفى فيه؟، لقد تزوج الفتاة التي أحبها رغما عن الجميع، مضحيا لأجلها بالكثير).

شعرت مسك بنفس لوعة الألم التي اعتادت عليها مؤخرا، فأخفضت وجهها لترتشف القهوة تداري فيها حزن ملامحها، الا أنها لم تلبث أن رفعت وجهها و هي تقول بدهشة
(لم تسألني عن نوعي المفضل من القهوة، و على الرغم من ذلك فقد أعددتها كما أحبها تماما! هل قهوتي المفضلة كانت أحدى المعلومات التي حصلت عليها و تخصني؟)
ضحك مصطفى وهو يقول بمرح.

(لا تغتري الى هذه الدرجة، هل ما في الأمر هو أننا متشابهان، لذا من الطبيعي أن يتطابق نوعنا المفضل من القهوة)
رفعت مسك حاجبها و هي تسأله بسخرية
(أنا و أنت نتشابه؟، ما هو وجه التشابه يا ترى؟)
رد عليها مصطفى دون تردد
(ألم أخبرك منذ قليل؟، انك من النوع الأناني الذي يغتنم الفرص في حياته، و أنا أيضا كذلك)
لم ترد مسك و هي تبادله النظر بملامح جامدة بينما هو يرتشف قهوته مبتسما راضيا...
فسألته مسك بتردد.

(ألم ترى والدتك منذ خروجك من البيت)
أجابها مصطفى و قد اختفت ابتسامته
(كنت أتصل بها، و هي أتت لمقابلتي في شقة مهجة مرات قليلة)
رفعت مسك حاجبها و سألته بخفوت
(و ماذا عن أمجد؟، ألم يفعل أبدا؟)
ابتسم مصطفى ابتسامة أبعد ما يكون عن المرح وهو ينظر الى سطح قهوته، ثم قال بخشونة
(لم يفعل)
عقدت مسك حاجبيها و سألته بدهشة حقيقية.

(لا أفهم كيف استطاع أمجد فعل هذا! مر أكثر من عام على خلافكما بكل تأكيد، هل طردك من بيت والدك؟)
رد مصطفى بجفاء دون أن ينظر اليها
(بل أنا من خرجت من البيت و رفضت العودة الى أن يعتذر)
هتفت مسك مصدومة
(يعتذر! تريد من أخيك الأكبر أن يعتذر لك؟، ماذا فعل؟)
نظر اليها مصطفى و قال بهدوء
(عليك سؤاله بنفسك بعد أن تتحلي ببعض الفضول)
ظلت مسك صامتة طويلا ثم سألته أخيرا
(ما الذي جعلك تغير رأيك و تأتي الى البيت؟).

قال مصطفى دون مقدمات وهو يتأملها
(أنت)
ارتفع حاجبي مسك و هي تتراجع في مقعدها قائلة بدهشة
(أنا؟، كيف؟)
أومأ مصطفى برأسه وهو يقول ببساطة
(أردت رؤية الفتاة التي تزوجها أمجد، فانتظرت الى أن تكون معي ورقة الإبتزاز العاطفي التي أخبرتك عنها، ثم أتيت)
نظرت مسك تلقائيا الى الطفلين في عربتهما، ثم أعادت عينيها الى مصطفى قائلة
(لماذا تريد رؤيتي؟)
تأملها مصطفى مليا، ثم قال أخيرا مبعدا عينيه عنها
(فضول).

استنتجت مسك أنه لا يريد الكلام أكثر فصمتت و هي ترتشف المتبقي من قهوتها، ثم سألته مجددا لكن بصوت خافت
(لماذا لم توقظ والدتك كي تراك؟، أقصد كي تعرف أنك هنا. )
قال مصطفى ببطىء
(خفت عليها أن تستفيق على صوتي فيضطرب قلبها، ففضلت أن تستيقظ من نفسها، لقد مر عامان منذ أن خرجت من باب هذا البيت)
لم تجد مسك ما ترد به سوى أن همست
(هي تستيقظ في مثل هذه الساعة عادة، لا تطيل في قيلولتها الصباحية).

ثم ظلت صامتة قليلا، و قالت بعد فترة
(أنت أصغر مما توقعت، لقد أنجبتك أمك في سن متقدم على ما يبدو)
رفع مصطفى وجهه اليها و قال ضاحكا
(نعم، كنت غلطة غير محسوبة أغلب الظن)
لم تستطع مسك منع نفسها من الإبتسام، لكنها لم ترد و هي تداعب حافة الفنجان برفق، الى أن سمعا معا صوت مفتاح في باب الشقة، فنظر كلا منهما الى الآخر و قالت بهدوء
(لقد عادت مهجة)
لم تكد تكمل عبارتها حتى سمعت صوت أمجد وهو ينادي بقلق.

(مسك، هل أنت هنا؟)
اتسعت عينا مسك و هي تنظر الى ساعة معصمها هامسة بدهشة
(أمجد! ماذا يفعل هنا في مثل هذه الساعة؟)
و لم تفطن الى تشنج ملامح مصطفى بالكامل، بل نهضت مسرعة لتخرج من المطبخ...
فوجدته يبحث عنها بملامح متوترة، الى أن وقعت عيناه عليها فسألته بقلق
(ماذا تفعل هنا يا أمجد؟، أليس من المفترض أن تكون في عملك؟).

تأوه أمجد دون صوت، ثم أسرع اليها و قبل أن تدرك ما ينتويه وجدت نفسها بين ذراعيه وهو يحتضنها بقوة الى صدره حتى سمعت بعض فقرات ظهرها تصدر صريرا...
ارتبكت مسك و لم تستطع الكلام للحظات، ثم قالت أخيرا بخفوت
(ماذا بك؟)
لم يتركها أمجد، بل دفن وجهه في عنقها ثم قال بصوت أجش.

(شعرت بالقلق لأنني أرسلت اليك تلك الرسالة اللعينة قبل قيادتك السيارة، فلم أستطع التركيز للحظة مما جعلني أترك العمل و أذهب الى عملك لأطمئن عليك خاصة و أن هاتفك مغلقا، الا أنهم أخبروني أنك لم تصلي بعد، هل لك أن تتخيلي الرعب الذي عشته حتى وصلت الى البيت؟، لكن رؤية سيارتك في الأسفل أعادت إلى بعضا من أنفاسي).

أغمضت مسك عينيها و هي تتنعم برائحة عطره، و جمال احتضانه لها و قلبه الذي ينبض خائفا فوق صدرها، و في لحظة زال الخصام مما جعلها تعقد ذراعيها حول عنقه...
الا أن صوتا ساخرا من خلفهما جعلهما يبتعدان عن بعضهما بسرعة البرق
(لطالما كان كلامك أشبه بمطب في طريق سريع، ترى ما هو فحوى الرسالة التي أرسلتها الى زوجتك؟)
كانت مسك قد نست وجود مصطفى تماما، بينما اتسعت عينا أمجد وهو يهتف بدهشة
(مصطفى! ماذا تفعل هنا؟).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة