قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل التاسع عشر

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل التاسع عشر

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل التاسع عشر

أعتذر إن كانت رسالتي لك قد ضايقتك، نظر أمين الى الرسالة الواصلة الى هاتفه، فضاقت عيناه، ثم أرجع رأسه للخلف متنهدا وهو يحك رأسه...
و مضت بضعة لحظات قبل أن يرفعها مجددا، ثم كتب بتردد
لم تضايقني، بل أسعدتني
و أرسل الرسالة...
بينما كان فريد ينظر اليه بتفحص وهو يجلس معه في شرفة منزله، يرتشف من كوب الشاي خاصته ثم يغمس به واحدة من البقسماطات، ليلتهمها وهو يراقب كل تغير يمر على ملامح أمين...

وقد لاحظ دون شك احمرار أذنيه، و تلك علامة خطيرة يعرفها عنه منذ طفولتهما...
وصلت أمين رسالة على الفور لم تستغرق سوى لحظات، ففتحها أمين ليقرأ بعينين براقتين
لماذا لم ترد اذن؟، رفع أمين وجهه ينظر أمامه الى البنايات المتجاورة وقت المغيب، كان يبتسم، ثم يعقد حاجبيه في ذات اللحظة كرجل يعاني بعض الطفرات الغريبة، وهو خير من درسها في علم الوراثة...
ثم كتب ببطىء
خفت أن يضايقك ردي، فأنا تجاوزاتي قد زادت مؤخرا.

وصله الرد أسرع مما يتخيل، فقد أرسلت اليه رسالة كتبت بها
إن كان سيضايقني ردك، لما كنت قد أرسلتها لك من البداية
أخذ أمين نفسا عميقا، ثم كتب لها
اذا، مساء الخير يا ياسمين (باقة ورد)
انتظر ردها لبضعة لحظات، ثم وصله ردها
(ضحكتين خجولتين) ترى هل رسائلي لك تدعم انطباعك السيء عني؟، ضاقت عينا أمين وهو يقرأ سؤالها، ثم رفع وجهه وهو يفكر في الجواب مليا، و حين وجد الرد...
كتب لها.

انسي الإنطباع السيء، أنت متهورة نعم، لكنك لست سيئة
ردت ياسمين مباشرة في رسالة جديدة
أنا صريحة يا أمين، لذا أردت اخبارك بأن اعتذارك لي شكل فارقا ضخما، شكرا لك، ابتسم أمين وهو ينظر الى الرسالة، ثم كتب لها
أنت على الرحب يا ياسمين، (باقة ورد)
فوصله الرد سريعا.

(ضحكتين خجولتين)، تنهد أمين تنهيدة عميقة قبل أن يترك هاتفه على الطاولة الصغيرة، ثم شبك كفيه خلف رأسه وهو يمد ساقيه للأمام مستريحا، مبتسما، الا أن ابتسامته كانت شاردة تماما...
قال فريد يقطع عليه سيل أفكاره
(جاء اليوم الذي أراك فيه تتبادل الرسائل مع أحدهم، و ضع خطين تحت كلمة أحدهم، ممن تلك الرسائل؟)
نظر اليه أمين عاقدا حاجبيه، ثم قال بجدية
(و ما دخلك؟)
هز فريد رأسه وهو يقول بإستسلام.

(سبحان الله، نفس الدرجة من السماجة منذ أن كنت طفلا، كنت أظن أنك قد تنضج قليلا، الا أنني كنت مخطئا على ما يبدو، اذن أخبرني لماذا دعوتني الى هنا، و جئت بي من سابع نومة، هل لمجرد أن تتأمل جمالي و أنا أتناول بقسماط الحاجة والدتك؟)
رد أمين بفظاظة وهو ينظر اليه بطرف عينيه...
(أنا لم أدعوك، أنت من تدعو نفسك الى بيتنا كل يومين طلبا للطعام)
رفع فريد حاجبيه وهو يقول بدهشة.

(اذن أنت لم توقظني منذ بضعة ساعات، بعد سهر يومين و تخبرني بصوت متملق منافق بأن الحاجة قد أعدت لي الكبسة التي أحب، فجئت بي على ملىء وجهي، حتى أنني لم أجد الوقت لأرتدي جواربي)
رد أمين قائلا بتأكيد
(أي أنك أتيت طلبا للطعام، لم أخطىء اذن)
نهض فريد من مكانه وهو يترك كوب الشاي و البقسماط ليقول بنفاذ صبر
(و بما أنني أنهيت ما أتيت لأجله، فسأغادر، أراك في وجبة أخرى ان شاء الله).

أمسك أمين بمعصمه وهو يجلسه بالقوة قائلا
(اجلس و كفى استفزازا، لست رائق البال لتصرفاتك)
جلس فريد و نظر اليه مبتسما ليقول
(هذا شيء واضح وضوح الشمس، هناك ما يشعل بالك منذ أيام، ما الأمر؟)
نظر اليه أمين بتردد، ثم لم يلبث أن مال الى الأمام مستندا بمرفقيه الى ركبتيه، ثم قال بجدية
(اسمع، أريد منك استشارة، لكن بجدية)
تراجع فريد في مقعده واضعا ساقا فوق الأخرى وهو يقول بإتزان.

(لامست نقطة ضعفي و ذكرت كلمة السر، استشارة، هات ما عندك، كلي آذان مصغية)
حك أمين عنقه وهو ينظر الى فريد، ثم سأله أخيرا
(هل يعقل أن يعجب الإنسان بشيئين مختلفين تماما، يمكنك القول أنهما على النقيض؟)
عقد فريد حاجبيه وهو يحاول فك الشفرة، ثم قال مستفهما
(ما هي طبيعة الشيئين تحديدا؟)
رد امين بإرتباك
(لا تهم طبيعتهما، أي شيئين و السلام)
هتف فريد بجدية.

(كيف لا تهم؟، ستختلف اجابتي بناءا على طبيعة الشيئين، بطتين، قطتين، شطيرتين)
تأفف أمين ثم قال مستسلما بنفاذ صبر
(فريد تساهل معي و أجبني، كيف يمكن للإنسان أن يرى نفسه في شيء، بينما يعجب بشيء آخر لا يشبهه في شيء؟)
نظر اليه فريد بإهتمام
(ربما كان هذا هو سر الإعجاب، أنه لا يشبهك في شيء، الإنسان يجذب في كثير من الأحيان الى ما يرفض أن يكون عليه)
عقد أمين حاجبيه وهو يفكر، ثم قال بتوتر.

(لكن حين يكون الإنسان على محك الإختيار، لا تتم الأمور بمثل هذه السهول، من يختار؟)
رفع فريد حاجبيه و سأله بخبث
(من يختار، ام ماذا يختار؟، ألم أخبرك أن طبيعة الاشياء تشكل فارقا في الإستشارة)
نظر اليه أمين بضيق، ثم قال مستاءا
(توقف عن التحاذق، تريد مني الإعتراف، حسن فليكن، أنا)
صمت قليلا وهو يبدو مرتبكا و محرجا، ثم مال الى فريد و همس بتوتر
(أنا أشعر بانني معجب بفتاتين، فهل يعقل هذا؟).

اتسعت عينا فريد و شهق هاتفا
(فتاتان؟، معجب بفتاتين؟)
هتف به أمين بصرامة و ذعر وهو ينظر الى باب الشرفة
(هششششش، اخرس، إنه خطئي أنا أن اخترتك من بين الناس لآخذ برأيك)
أخفض فريد صوته وهو ينظر الى باب الشرفة كذلك، قائلا بإعتذار
(حسنا حسنا، لكن أنا مذهول، أمين ولد راشد، معجب و بفتاتين مرة واحدة؟، كنت في جرة ثم فلت عيارك؟)
عقد أمين حاجبيه وهو يقول
(لقد دمجت مثلين!)
هز فريد رأسه وهو يقول بحدة هامسا.

(دعك من الأمثلة و أتركها للمساكين أمثالنا، و أخبرني، كيف حدث أن تكون معجبا بفتاتيتن؟، أين وجدتهما؟)
هتف به أمين همسا
(هذه ليست مدعاة للفخر، لقد حدث الأمر ووجدت نفسي منشغل البال فجأة بفتاتين)
قال فريد بإهتمام
(و ماذا عنهما؟، هل هما تبادلانك الإعجاب؟)
أمال أمين رأسه وهو يقول بتردد
(حسنا، واحدة منهما، معجبة بي، تصرفاتها واضحة، أما الأخرى فهي، حسنا هي منشغلة بدراستها و لا تشعر بشيء مما يدور حولها)
هتف فريد.

(دراستها! صغيرة الى هذا الحد؟، بينما الأخرى معجبة بك فعلا؟، يا ابن المحظوظة يا أمين يا ولد راشد؟، أنت من اليوم ستكون قدوة لي في الحياة)
قال أمين بإستياء
(اسمعني جيدا، أنا لست فخورا بما يحدث، لكن، لست أدري كيف أتصرف، هذا ليس طبعي، ليست أخلاقي)
ضيق فريد عينيه وهو ينظر الى أمين مفكرا، ثم قال بجدية
(من المؤكد أن هناك من تشغل تفكيرك و مشاعرك أكثر)
نظر اليه أمين مفكرا، ثم قال بخفوت.

(تلك الفتاة، التي أخبرتك أنها معجبة بي، تصرفاتها شديدة الوضوح، و هي قوية بشكل يثير الإعجاب، بها روح من التمرد تعجبني، الا أنها جريئة قليلا، متهورة بطريقة أنا أرفضها في زوجتي)
قال فريد بهدوء
(لكن من الواضح أنها محترمة، و الا لم تكن لتعجب بها)
رد عليه أمين مؤكدا
(إنها محترمة، لكن طباعها تختلف عن طباعنا، تربكني و تصدمني مرة بعد أخرى)
ساد صمت ثقيل بينهما، ثم قال فريد بهدوء خافت.

(اسمعني جيدا، إن وجدت المرأة التي تعجبك بحق، بل ولامست قلبك، فإخطفها و لا تتردد، أو ستندم بقية عمرك، الفيصل لأخلاقها يا أمين، . أما ما هو خلاف ذلك، فبإمكانك أن تتناقش معها، تصل معها الى حياة وسط ترضي طباع كلا منكما)
ضيق أمين عينيه و قال متوترا
(و أنا معها، أشعر بأن أعصابي متوترة، متحفزة، و عيني في منتصف رأسي)
نظر اليه فريد، ثم سأله مبتسما
(و ماذا عن الأخرى؟، تلك الصغيرة).

ابتسم أمين هو الآخر، بينما أخفض رأسه ضاغطا أعلى أنفه بين عينيه، ثم قال بهدوء دون أن ينظر الى فريد
(الأخرى، هي ترشيح أمي لي، و الغريب أنني من يومها، لا أنفك أفكر في لطفها و طفوليتها، تجذبني بطريقة مختلفة تماما، طريقة تثير في نوازع الحماية الرجولية بداخلي و تشعرني بالرضا...
لكن الاولى، تشكل تحديا لكل خط رسمته مسبقا)
ارتفع حاجب فريد بخبث وهو يقول
(ترشيح من الوالدة! ترى من تكون؟)
رد عليه أمين بصرامة.

(لن أخبرك بالطبع، لا تحاول)
قال فريد ببراءة
(حسنا احتفظ بالإسم لنفسك يا فهيم)
تنهد أمين وهو يتراجع في مقعده، ينظر الى السماء التي بدأت تظلم، ثم قال بخفوت
(يجب أن أنهي هذه القصة، لن يستقيم الوضع هكذا)
رد عليه فريد قائلا بهدوء
(ستجد الحل أسرع مما تظن، توقف عن التفكير لفترة، و اترك المهمة لإحساسك وهو سيدلك)
نظر أمين اليه بعد لحظات، ثم سأله بخفوت
(هل فكرت فيما عرضته عليك سابقا، نورا).

عقد فريد حاجبيه، و نظر الى البعيد هو الآخر، بينما بدت ملامحه ساكنة تماما و شديدة الهدوء، ثم قال أخيرا ببطىء
(أمين، أنا، أنا كذلك معجب بفتاة منذ فترة، و تحرجت من)
قاطعه أمين قائلا دون تردد
(لا تكمل يا فريد، انسى الموضوع تماما و تأكد بأنني نسيته قبلك)
ابتسم فريد بحرج، بينما قال أمين بعد فترة بإبتسامة ممثالة
(اذن، أنت أيضا معجب بإحداهن، ماذا تنتظر اذن؟)
ظل فريد صامتا للحظات ثم قال بصوت متنهد.

(أنتظر التأكد من أنها تبادلني نفس الإعجاب، ألم أقل لك أنك ابن محظوظة!)
ضحك أمين بصوت أجش ثم قال وهو ينظر الى السماء القاتمة أمامهما
(ها قد تبقينا أنا و أنت، هل تتذكر منافسة شباب الرافعية في الحصول على ابنة عمك سالم. ارضاءا لجدك؟)
ضحك فريد بقوة وهو يقول.

(أنا كنت خارج المنافسة منذ البداية، لكن معك حق، زاهر تزوج و ينتظر طفلا، حتى عرابي خطب و سيتزوج قريبا، بينما ذهبت تيماء الى قاصي الحكيم، و لم يتبقى سوانا، الخوف أن تمر السنوات و نظل فعلى جلستنا تلك، نأكل بقسماطا و نشرب شاي)
ضحك أمين مجددا، بينما تابع فريد ضاحكا
(بالمناسبة، زوج تيماء هذا شخص غامض و مريب، و غير طبيعي اطلاقا)
قال أمين بخفوت.

(لطالما كان قاصي الحكيم غير طبيعي، نظرا لظروفه، لكنه كان قليل التعامل معنا، فلم نحتك به كثيرا)
قال فريد مندهشا
(أنت لن تصدق انطباعه أثناء زيارتي لهما، كان يبدو و كأنه على وشك دس رأسي في المرحاض، لقد انتابني الشك في رائحتي من شدة الإزدراء الظاهر على ملامحه كلما اقترب مني)
رد عليه أمين قائلا
(من المؤكد أنك كنت ذاهبا للأكل فقط لا غير)
رد فريد ببديهية
(شيء منطقي)
قال أمين فجأة متذكرا.

(بالمناسبة، أريد منك رقم تيماء ابنة عمك، لقد أوصتني بدور بالبحث لها عنه)
ارتفع حاجبي فريد وهو يقول بنبرة ذات مغزى
(بدور! يالك من مفضوح!).

تلك الليلة و قبل أن يخلد للنوم، كان هو من بادرها برسالة بعد تفكير طويل.
فكتب لها
أردت الإطمئنان أن يومك كان أفضل من الأمس، ثم انتظر وهو مستلقيا في فراشه ينظر الى السقف، و سرعان ما وصله الرد، فقرأه بسرعة
أسوأ، عقد أمين حاجبيه وهو ينظر الى الكلمة المختصرة طويلا، ثم أرسال لها رسالة مكتوب بها
هل يمكنني الإتصال بك، ظل ينتظر طويلا، الى أن وصلته رسالة مكتوب بها
نعم أرجوك،.

أمسكت تيماء بهاتفها ترد عليه بصوت متحشرج، فوصلها صوت انثوي متردد، خائف
(تيماء؟)
عقدت تيماء حاجبيها قليلا، لكنها ردت بصوت متعب
(نعم أنا تيماء، من معي؟)
أجابتها الفتاة تقول بصوت أكثر خفوتا
(أنا، بدور)
ردت عليها تيماء بلهفة
(بدور، هل مرت أمورك بخير؟، كنت أريد الإطمئنان عليك الا أنني لم أمتلك رقم هاتفك، و بصراحة قررت ترك سوار و زوجها اليوم دون التدخل بينهما)
ساد صمت طويل، ثم قالت بدور بصوت مختنق.

(أنت من أردت الإطمئنان علي؟، بعد ما فعلته بكما؟)
تنهدت تيماء، ثم قالت بتفهم
(أنا مقدرة للرعب الذي تعيشين به يا بدور، و متخيلة الى أي حد يمكن للتقاليد أن تكون قاسية)
تحشرج صوت بدور و هي تسألها بصوت متعثر
(الرعب الأكبر، هو ما عشته خلال الساعات الماضية، و أنا أتخيل أسوا ما قد يحدث لك أنت و سوار، أو زوجيكما، بينما أنا من تسببت لكم في ذلك، كنت أموت في الساعة ألف مرة)
قالت تيماء تهدئها.

(اطمئني، نحن بخير، لقد أصابوه و بشدة، لكن في المجمل لا خسائر في الأرواح و هذا شيء علينا أن نكون ممتنين بسببه)
ساد صمت طويل، سمعت به تيماء صوت نشيج خافت، فسألت بخفوت
(بدور، هل تبكين؟)
ردت عليها بدور صوت هامس.

(أنا آسفة، أرجوك اقبلي اعتذاري، رغم شعوري بتفاهة كلماتي أمام ما فعلته، و رجاء آخر، بلغي سوار اعتذاري، و أخبريها أنني لم أمتلك الجرأة على الإتصال بها مجددا، و عهد على الا تراني أو تسمع صوتي أبدا، أنا كنت في حالة من الرعب أعمت عقلي و قتلت تفكيري وقتها)
تنهدت تيماء و هي تقول بحزن
(هوني عليك يا بدور، لا شيء لا حل له، )
ردت بدور بصوت واهن مرهق.

(أنا قررت الإستسلام لقدري يا تيماء، لن أحاول و لن أقاوم التيار، سأدفع ثمن ما فعلته بنفسي و عائلتي و أخضع للمكتوب، مهما كان، أرجوك بلغي سوار اعتذاري)
أغلقت تيماء الخط و هي ترجع رأسها للخلف، جالسة على أرض الحمام، مستندة الى الباب لتترك لدموعها العنان، فقد كانت توقفت للحظات قليلة، هي فترة المكالمة فقط...

(كنتما ماذا؟، هل تحاولين إخباري بأنكما كنتما رهينتين محتجزتين لراجح ابن عمران؟)
صرخت مسك بهذه العبارة، و هي تنظر الى سوار المستلقية في فراشها...
نصف جالسة، و قد بدت شاحبة مرهقة...
فردت عليها سوار متنهدة
(هذا ما حدث)
رمشت مسك بعينها و هي تدور في الغرفة ملوحة بكفيها هاتفة بحدة.

(كيف يحدث هذا؟، هل يظن أنه يعيش في غابة أم أنه فقد عقله تماما؟، نعم كنت أعلم أنه يعاني من جنون العظمة، لكنني لم أتخيل أن تتطور حالته الى تلك الدرجة!)
زمت سوار شفتيها ثم قالت بصوت مكتوم
(أرجوك يا مسك، لا أريد تدنيس بيتي بالكلام عنه)
اقتربت منها مسك الى أن جلست على حافة السرير، ثم سألتها بقلق
(لماذا تبدين متعبة الى هذه الدرجة؟، هل هذا بسبب رد فعل زوجك؟، هل كان عنيفا معك؟).

أطرقت سوار برأسها و هي تنظر الى أصابعها تتلاعب بها فوق حجرها. دون أن ترد، فسالتها مسك بحدة
(هل ضربك؟)
ظلت سوار صامتة للحظات، ثم هزت رأسها نفيا، قبل أن تقول بخفوت
(ليث ينوي الزواج من زميلته في العمل، بعد فعلتي الأخيرة، هجرني تماما و من المؤكد أنه يقوم بالتحضير لهذا الزواج)
وقفت مسك ببطىء و هي تنظر اليها بذهول و كأنما هي تنظر الى سيرك بمهرجيه، ثم قالت محاولة الإستيعاب.

(يتزوج عليك! يتزوج على سوار الرافعي، بينما هي جالسة في السرير تدعي المرض عوضا عن القيام و جمع حاجياتها لمغادرة هذا البيت للأبد!)
رفعت سوار وجهها تنظر الى ملامح مسك المترفعة المستنكرة، ثم قالت بصوت كئيب
(أنا كنت السبب في كل ما حدث يا مسك)
رفعت مسك حاجبيها و هي تضحك بسخرية قائلة بنفس الذهول.

(أنت السبب! أيا كانت التفاصيل، لا احتاج سوى لمعرفة، أنك لا ينقصك شيء كي يتزوج عليك! إن كنت أنا بنفسي رفضت أن تكون لي شريكة، على الرغم من أن هذا حق أمجد)
قالت سوار تقاطعها بخفوت باهت
(رفضت أن أمنحه طفلا، كنت مضطربة وقتها، و أعاني من الكثير فرفضت طفله ثم خطبت له امرأة أخرى بنفسي، ماذا تفعلين لو كنت مكاني؟)
ساد صمت طويل بينهما و كلا منهما تنظر الى الأخرى...
ثم قالت مسك بصوت اكثر خفوتا، ساخرا متألما...

(لو كنت مكانك، لحصلت على الطفل، ثم رحلت به، أما أنت فقد خسرت الطفل، و جلبت شريكة لك بإرادتك! أي ذكاء هذا يا ابنة غانم!)
أغمضت سوار عينيها و هي تهمس
(و ها أنا قد آلمتك دون قصد، لا حدود لما أتسبب فيه من كوارث)
كان من الواضح أنها تحتضر روحيا، لذا راقبتها مسك لفترة، قبل أن تضع كفها فوق يد سوار و سألتها بهدوء
(و ما الذي تنوين عليه الآن؟، لا تخبريني أنك ستقبلين بالأمر الواقع!).

فتحت سوار عينيها و نظرت الى مسك بنظرة لم تعتدها بل لم تتعرف عليها، ثم همست بألم
(أنا أحبه يا مسك، لا يمكنني تركه، بل أنا أعشقه)
فغرت مسك شفتيها قليلا و هي تستمع الى هذا الإعتراف من سوار، بينما تابعت سوار قائلة بصدق
(تسأليني عن رد فعله؟، لقد قام بلي ذراعي خلف ظهري، و جذب شعري بشدة، اهانني، أهانني بشكل مبالغ فيه، أهان سوار ابنة وهدة الهلالي و غانم الرافعي).

برقت عينا مسك برفض تلقائي فطري، و أظلم وجهها، الا أن سوار تابعت تقول أكثر ألما
(أوجعتني الإهانة جدا يا مسك، لكن الغريب، أن هذا الوجع، نبهني كم يمكن للإهانة أن تكون مؤلمة، و أنا تسببت في إهانته كثيرا، مرات دون ذنب مني، و مرات بسبب عنادي و تحكمي...
لقد تحمل الإهانة من الجميع بسببي، ووقف ثابتا، مدافعا قويا)
اختنق صوتها في النهاية فصمتت، و غامت عيناها بشدة و هي تنظر الى البعيد، بينما مسك تراقبها بدقة...

و حين طال الصمت بينهما، قالت مسك أخيرا بهدوء
(لا بأس اذن، هو من حقك، أهنتيه فأهانك، لكنه من حقك أنت، لذا حاربي لأجل حقك و لا تكوني متساهلة فيه بتلك الدرجة)
نظرت اليها سوار بدهشة، فوضعت مسك ساقا فوق أخرى و هي تقول ببرود
(هل تعرفين أن غدير، آه نعم، هي نفسها صديقتي القديمة التي سبق و سرقت أشرف، هددتني هاتفيا وبشكل صريح، أنه إن تركها أشرف فسوف تلاحق أمجد، و لن تجد صعوبة في سرقته هو الآخر!).

هتفت سوار بذهول و صدمة
(ماذا؟، هل وصلت بها القذارة و الدناءة الى تلك الدرجة؟)
أومأت مسك برأسها ببساطة، فسألتها سوار و الصدمة لا تزال مرتسمة على ملامحها...
(و أنت، ماذا كان ردك؟)
رفعت مسك ذقنها و قالت ببساطة
(لم أرد عليها في الهاتف، بل ذهبت اليها بمكان عملهما، و صفعتها أمام أمجد)
فغرت سوار شفتيها و هي تقول بذهول
(لا، لم تفعلي)
أومأت مسك برأسها و قالت بهدوء
(بلى فعلت، تريد أخذ ما هو حقي، ماذا تنتظرين مني؟).

كانت سوار تنظر اليها مشدوهة، ثم قالت بتعجب
(لكن هذا لم يكن تصرفك حين سبق و فعلتها مع أشرف، لقد تركتيه لها بكل ترفع، على الرغم من حبك له، فما الذي غيرك الى هذه الدرجة؟)
ساد الصمت بينهما مجددا و شردت مسك و هي تنظر بعيدا، لكنها قالت بثبات
(أشرف كان مجرد خطيبي، أما أمجد فهو زوجي، لقد وقعنا سويا على عقد واحد بملكية مشتركة، الفارق ضخم).

ابتسمت سوار ببطىء، فبادلتها مسك الإبتسام، ثم قالت بنبرة أقوى و أشد تسلطا
(اذهبي الى عمله و اصفعيها بكل قوتك، صدقيني ستكونين أفضل حالا، و سيحل هذا الوهن عنك)
ضحكت سوار رغم عنها و هي تهز رأسها بذهول، ثم لم تلبث أن أمسكت بكف مسك بكلتا يديها و هي تقول بصوتها الرخيم القوي
(كنا أعز صديقتين فيما مضى، أتذكرين؟، لكن تعمقك مع تلك الوضيعة أبعد بيننا)
هزت مسك رأسها موافقة بأسف، و همست بصوت لا يكاد يسمع.

(وثقت فيمن لا يستحق، و تعلمت من خطئي)
أخذت نفسا عميقا، ثم قالت بصوت هادىء
(اذن، لهذا السبب كان صوت تيماء مختنقا حين هاتفتها، لقد طلبت مني زيارتك و الإطمئنان عليك وجها لوجه، لأنها غير قادرة على الخروج من البيت بنفسها، كانت مخطوفة، هذا يفسر الأمر)
ضحكت سوار و هي تهز رأسها قائلة بيأس
(أنت مستحيلة، برودك يجب أن يدرس في الكتب).

في مكتب ناريمان و دليلة...
كانت دليلة تضحك بعفوية و هي تقول مخاطبة ناريمان توليها ظهرها
(لو ترين وجهه وهو يكلم والدي، مهذلة، ظل يتصبب عرقا، حتى ناوله أبي علبة المحارم الورقية و طلب منه أن يهدأ)
ضحكت ناريمان هي الأخرى و هي تقول
(ياللهي، من يسمع هذا عنه يظن أنها المرة الأولى التي يتقدم فيها لخطبة فتاة)
قالت دليلة و هي تبحث عن المخططات المطلوبة.

(و على الرغم من ذلك يبدو والدي على وشك تقييده كي لا يهرب، و كأنه الأول و الأخير)
ضحكت ساخرة، بينما ساد صمت غريب خلفها، ثم قالت ناريمان بحذر
(أممم دليلة، أعتقد أن لديك زائرة)
استدارت دليلة، تنظر الى الباب، فوجدت سوار تقف بكامل هيبتها كالمرة السابقة، الا أنها بدت أكثر شحوبا، و قد فقدت الكثير من الوزن على ما يبدو...
رفعت دليلة حاجبيها و قالت ببرود
(ليس مجددا)
اسبلت سوار جفنيها قليلا، ثم قالت بخفوت.

(هل يمكننا الكلام على انفراد من فضلك)
أوشكت ناريمان على الخروج، الا أن صوت دليلة قصف بعنف
(ابقي مكانك يا ناريمان)
ثم نظرت الى سوار و كتفت ذراعيها قائلة بقسوة
(إن كان لديك ما تقوليه، فتفضلي على الملأ، لأننا على عكس، مشغولتين و لدينا عمل نقوم به، و المكان ليس لتبادل الأحاديث الشخصية)
نظرت سوار الى ناريمان التي أخفضت عينيها بحرج و بدت أكثر ارتباكا...

ثم أعادت وجهها الى دليلة و هي تأخذ نفسا عميقا، بينما انقبضت كفها بشدة، خاصة و دليلة تتحداها بنظرة كلها سخرية و استهزاء و تحدي...
ففتحت سوار فمها، ثم قالت فجأة
(أنا أعتذر)
عقدت دليلة حاجبيها بعدم فهم للحظة، فسألت بإقتضاب
(ماذا؟)
أخذت سوار نفسا عميقا، ثم أعادت بنبرة أقوى
(أتيت كي أعتذر لك، تصرفاتي معك لا تغتفر، فاقبلي اعتذاري أرجوك).

فكت دليلة ذراعيها و بدت متوترة و هي تنظر الى ناريمان المذهولة، بينما تابعت سوار بألم و ترجي
(ارفضي الزواج من ليث أرجوك، حتى و إن كان الثمن هو أن أعتذر لك أمام الجميع)
رمشت دليلة بعينيها و فتحت فمها تنوي الكلام، الا أن سوار سبقتها و قالت بقوة
(أعرف ما ستقولينه، أن الأمر بيني و بين ليث، الا أنني وصلت معه الى نهاية المطاف، و بات الطلب من الغريب أسهل من اقناعه).

ارتجف صوتها فعضت على شفتها تمنع نفسها من البكاء، ثم قالت بهدوء مرتجف قليلا
(أنت لا تعلمين ما مررت به يا دليلة، و الأهم انك لا تدركين مقدار الحب بيني و بين ليث، أنا أحبه م كل قلبي، إن تزوج غيري، لن أقول أنني سأموت، لكن سيموت بي شيء، و هذا أفظع ألما)
أطرقت دليلة برأسها و هي ترى الذل الذي تتكبده سوار أمامها، لكن سوار تابعت تقول بصوت أكثر آختناقا.

(لا أريد منك ردا، لقد جئت لأفعل ما يتعين على لإنقاذ زواجي و حبي، لكنني غير قادرة على انتظار الحكم بنجاتهما أو اعدامهما، لذا سأغادر حاليا، قبل أن يراني ليث و يعرف بقدومي)
عضت دليلة على شفتها، ثم قالت بحذر
(آآآ، أظن أنه قد فات الأوان على هذا)
رفعت سوار وجهها الشاحب تنظر اليها لتعرف ما تقصده، فوجدت أنها تنظر الى نقطة ما خلفها...
استدارت حينها ببطىء، لتجد ليث واقفا في باب المكتب ينظر اليها بذهول...

أغمضت سوار عينيها بشدة، ثم لم تلبث أن انطلقت تجري شاهقة، تتجاوزه قبل أن يستفيق من ذهوله...
كانت تتعثر على السلالم نزولا و الدموع تغشي عينيها، لكنها لم تهتم بطرف عبائتها الذي دهسته مرارا...
كل ما كان يهمها في تلك اللحظة هو الهرب سريعا منه، و من ذلها أمامه...
لكن أمنيتها لم تتحقق، فخلال لحظات أمسكت بها كفين قويتين، لتديرانها بقوة الى صدره الرحب...
لكنها صرخت فيه باكية بعنف و هي تقاومه بجنون صارخة.

(ابتعد عني يا ليث، ها قد حققت ما تريد و قمت بإذلالي، اتركني)
ترك ليث كتفيها ليمسك بوجهها بكلتا كفيه، يرفعه اليه بالقوة، حتى نظرت له من بين دموعها...
فقال بصوته الأجش المختنق
(لم أكن لأتزوج امراة سواك يا غبية، لم يكن ليحدث أبدا).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة