قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الأول

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الأول

رواية طائف في رحلة أبدية ج3 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الأول

نكمل حيث توقفنا في الجزء الثاني.

أغلقت مسك الخط مع قاصي، و ظلت شاردة و هي تتلاعب في طبق افطارها المكون من قطع مشكلة من الفواكه و شريحة من البيض المقلي، الى أن انتبهت لدخول أمجد الى المطبخ، فنظر إلى هاتفها الموضوع على الطاولة بجوار طبقها، نظرة ذات مغزى.
فردت ببساطة قبل أن يسأل...
(كان هذا قاصي)
تخيلت أن عضلات جسده كلها تتشنج دفعة واحدة، بينما تصلبت ملامحه
فعقدت مسك حاجبيها و هي تتسائل.

هل يعقل أن يغار من قاصي بالفعل؟، كيف يحدث أن يغار رجل من زوج أخت زوجته؟
إنها لا تحب هذا، لا تحب هذا مطلقا...
إن كانت ترفض الغيرة الطبيعية، فكيف و تلك الغير منطقية بالمرة و الأقرب الى الخلل في كل منطق...
الا أنها أحكمت اخفاء أفكارها عنه ثم قالت متابعة ببساطة
(اتصل ليدعونا لزيارته و تيماء في شقتهما)
ضاقت عينا أمجد وهو ينظر اليها، ثم اتجه الى غلاية الماء و قام بإعداد قهوته الخاصة...

فعقدت مسك حاجبيها و قالت بحدة أكثر قليلا من صوتها المعتاد
(أمجد، هل سمعتني؟)
توقفت يدا أمجد قليلا عما يفعل، الا أنه تابع بعد لحظة دون أن يستدير اليها ثم قال بهدوء
(سمعتك، أخبريني باليوم و الساعة، و سأضبط مواعيدي)
ظلت تراقبه و هي مستندة بمرفقها الى ظهر كرسيها عاقدة حاجبيها، الى ان انتهى و احضر كوبه ليسحب كرسيا و يجلس الى الطاولة في مواجهتها...

بينما هي تراقبه دون أن تنزع عينيها عنه، أما هو فظل يتابع الأخبار عبر شاشة هاتفه، دون أن يعيرها أي اهتمام...
تأملته مسك للحظات طويلة، تقر في نفسها بإعجابها بملابسه الأنيقة و البسيطة في ذات الوقت...
يوما بعد يوم تزداد الجاذبية بينهما، أو من جهتها على الأقل...
فليلة أمس حين خلد الى الفراش، أدار لها ظهره للمرة الأولى دون أن يحاول أخذها بين أحضانه ككل ليلة...

لقد عودها على أن تكون ذراعه هي وسادتها دائما، و كثيرا ما كان احتضانه لها يقودهما الى مشاعر محمومة بدأت تتخلل كيانها بسرعة قياسية...
لكن ليلة أمس لم يقترب منها و لم يمنحها ذراعه حتى كي ترتاح اليها...
في البداية لم تبالي، فهي لم تظن أن يستمر على هذا المنوال العاطفي طويلا، لكن بعد ساعة طويلة من نومه الهادىء، اكتشفت أنها راقدة على جانبها تنظر الى ظهره الساكن و هي تفتقد بشدة احتضانه لها...

لكنها لم تكن أبدا لتلامس ظهره و توقظه من نومه كي تبادره بمشاعرها أبدا...
ثم ظلت مستيقظة لساعة اضافية و هي تحاول تحليل هذه الرغبة الخطيرة تجاهه...
ترى هل شعر بها هو الآخر و لهذا بدأ في الإبتعاد عنها؟
أيكون قد زهد بها ما أن لاحظ تزايد انجذابها له؟
أو ربما يحاول التلاعب بهذا الإجذاب؟
إنها تعلم جيدا أن هذا هو حال الرجال دائما...
عقدت حاجبيها و هي تتلاعب في طبقها مجددا لتهمس لنفسها ضاحكة بعصبية.

(بالطبع لا، ما هذه الحماقة؟)
رفع أمجد وجهه لينظر اليها، ثم سألها بحيرة
(هل قلت شيئا؟)
انتبهت مسك الى أنها تكلمت بصوت عال، فتداركت نفسها و ابتسمت له ابتسامة أنيقة، لتقول بهدوء
(كنت شاردة فحسب، أفكر في شيء ما، غير مهم، لا تشغل بالك)
رمق أمجد زاويتي شفتيها في نظرة لم يتحكم بها، حينها فقط اتسعت ابتسامتها أكثر...
هي تعلم سر هذه النظرة...

إنه معجب بالخطين العميقين فوق زاويتي شفتيها و اللذان لا يظهران الا حين تضحك...
لا تزال تتذكر ردة فعله حين أخبرته عن تفكيرها في وخزهما بمواد تجميلية مالئة، كان على وشك خنقها...
انتابتها روح عابثة شيطانية فمالت اليه و سألته بخبث
(ألن تقبلهما؟)
أجفلت ملامح أمجد وعقد حاجبيه وهو يقول بإرتباك
(ماذا؟)
انحدرت عيناه أكثر الا ان ضحكة قوية منها جعلته ينظر اليها غاضبا وهو يقول بغيظ
(أنت مستفزة جدا في الصباح).

اتسعت ابتسامتها و هي تسأله ببراءة
(ماذا قلت أنا؟، سألتك ألن تقبل خطي ابتسامتي؟)
رقت عيناه رغما عنه وهو يرمقهما بنظرة جعلتها تهز ساقها تحت الطاولة بعصبية لم تعتدها في نفسها...
ثم مال اليها عبر الطاولة، و شعرت بقبلته على احدى زاويتي شفتيها، فأغمضت عينيها الى أن شعرت بقبلة أخرى على الزاوية الثانية...

أبعد وجهه عنها قليلا، ففتحت عيناها و نظرت الى عينيه القريبتين منها، ثم كتفت ذراعيها فوق الطاولة و ظلت بوجهها قريبة من وجهه، و كل منهما ينظر الى الآخر...
حتى قالت بخفوت مبتسمة
(تبدو وسيما هذا الصباح يا حسيني)
لم يبتسم أمجد وهو ينظر اليها، ثم قال بهدوء صادق
(أما أنت فجميلة كل يوم يا ألماس)
بدت ابتسامتها أكثر جمالا و قالت بمشاغبة.

(حسنا، ألماس أفضل من ألمظ على كل حال، الا أنك بدأت تعتاده بعد فوات الأوان، فجميع أطفال شقيقتك يدعونني ألمظ حاليا)
قال أمجد بجدية...
(ألماس هو حقيقة ما أراك به، أما ألمظ فهو اسم تحببي نبع من قلبي، يؤسفني أنه لم ينال اعجابك)
ارتجفت شفتاها قليلا و شعرت بشيء يصرخ في داخلها أنها تريد استعادة اسمها التحببي...

الا أنها أمسكت لسانها بالقوة و أبقت على ابتسامتها الأنيقة، الى أن انحنى أمجد مجددا و قبل جبهتها، ثم نهض من مكانه ليقول بصوت هادىء
(يجب أن أذهب للعمل الآن، سأتصل بك خلال اليوم، و لا تنسي أن تخبريني بموعد زيارتنا لأختك قبلها بفترة مناسبة)
ظلت مسك مكانها مستندة بذراعيها المكتفين فوق الطاولة و هي تنظر اليه بملامح باهتة قليلا و قد اختفت ابتسامتها...
الا أنها سألته قبل أن يخرج من المطبخ
(هل ستتأخر اليوم؟).

التفت اليها و قال مؤكدا
(بالطبع)
ثم خرج...
أما هي فقد تراجعت في كرسيها و هي تنظر الى الباب الخالي بصمت غريب...
بالطبع، لقد خرجت منه الكلمة و كأنها لكمة في معدتها...
علي الرغم من أنها هي التي منحته الإذن و الحرية كاملة...
أظلمت عيناها و هي تدلك ذراعيها ببطىء...
و هي تشعر بشيء غير مريح، غير مريح اطلاقا...
و كأنها تنزلق ببطىء، بينما هو ينسحب أسرع...

عاد ليث من عمله منهكا، غير مفسر الملامح، اما هي فكانت تنتظره منذ ساعات مضت...
أعصابها تحترق دون هوادة، حتى أوشكت أكثر من مرة على الذهاب الى عمله كي تعرف بما فعل...
الا أنها أمسكت نفسها في اللحظة الأخيرة
أوقفت سوار هز ساقها ما أن سمعت صوت المفتاح في الباب و رأته يدخل بملامحه التي لم تستطع قرائتها...
فنهضت بسرعة و قالت بصوت صلب، رغم التوتر الحارق بداخلها
(السلام عليكم).

توقف ليث ناظرا اليها بتلك النظرة المتباعدة ثم قال بهدوء يرد عليها
(و عليكم السلام و رحمة الله)
انتظرت منه ان تسمع الأخبار و ما حدث سريعا، الا أنه و لدهشتها استدار عنها متجها الى غرفته ببساطة...
اتسعت عينا سوار بصدمة، لكنها سيطرت على أعصابها و قالت بهدوء
(هل أسخن لك طعام الغذاء؟)
قال ليث بجفاء دون أن يوقف خطواته الثابته أو حتى أن يستدير اليها...
(لقد تناولت شيئا سريعا في المكتب و أحتاج للراحة فقط).

ثم ابتعد أمام ناظريها الى الغرفة فدخلها و اغلق الباب خلفه
ظلت سوار مكانها تنظر الى الباب المغلق و هي تتنفس بسرعة و غضب، الا أنها لم تستطع السيطرة على نفسها هذه المرة، فرفعت طرفي عبائتها و أسرعت الخطى خلفه الى أن وصلت للباب ففتحته و اقتحمت الغرفة دون اذن، ثم سألته بصوت آمر عديم الأدب
(ماذا فعلت بالأمر؟)
رفع ليث عينيه ينظر الى عينيها عبر مرآة طاولة الزينة وهو يخلع قميصه...
(أي أمر؟).

برقت عينا سوار بروح جامحة متهورة، فقالت بصوت قاصف
(لا تتلاعب معي بالألفاظ يا ليث، كيف تصرفت فيما يخص دليلة؟)
ارتفع حاجبيه بتعجب، ثم قال ببساطة
(دليلة؟)
كاد بروده أن يصيبها بالجنون، فصرخت و هي تضرب الأرض بقدمها
(توقف عما تفعل يا ليث، نعم دليلة، هل تكلمت معها؟)
استدار ليث اليها ثم انحنى ليستند الى طاولة الزينة بكفيه وهو يقول بهدوء قاتل
(نعم تكلمت معها).

اشتعلت عيناها و هي تنتظر منه المزيد، لكنه ظل صامتا وهو ينظر اليها بعينيه الجافيتين، فهتفت بقوة و هي تلوح بكفيها
(و ماذا؟، كيف شرحت لها الأمر و ماذا كان ردها؟)
ارتفع حاجبي ليث، الا أنه أجابها بثبات و برود
(هذا شيء لا يخصك)
فغرت سوار فمها قليلا و هي تتراجع للخلف خطوة، و لسانها يهمس دون أن تستطيع منه
(ماذا؟)
أجابها ليث بنفس الهدوء.

(قلت أنه أمر لا يخصك منذ هذه اللحظة، لقد قمت مشكورة بخطبة الفتاة من نفسها، لذا عرفت بأنك مستعدة و موافقة، أما ما يلي ذلك فهو أمر خاص بيني و بينها، و سأخبرك بما سيتم حين أرى الوقت مناسبا)
ردتت بنفس الصوت المصدوم
(بينكما؟، ما هو هذا الذي يمكن أن يكون بينكما؟)
اشتد صوت ليث وهو يقول قاطعا، (أخبرتك بأنه أمر لا يخصك)
بهتت ملامح سوار وهي تقول بصوت مرتجف غير مصدقة.

(كيف تكلمني بهذه الطريقة؟، أنا سوار غانم الرافعي)
استقام ليث من مكانه و قد لمعت عيناه غضبا فجأة و قال بصوت هز جدران الغرفة
(أنت زوجتي قبل أن تكوني أي شيء آخر، و عليك أن تتأدبي كي تتعلمي هذا، لقد تحملت منك غباءا لو تم توزيعه على العالم بأسره لوفى و فاض)
حاولت سوار الصراخ مجددا، و فتحت فمها تنوي صب جنونها عليه. الا أنها أغلقته و هي ترمقه بنظرتها النارية الخطيرة...

و تواجهت قوى كلا منهما، في حرب للإرادة، ثم قالت أخيرا بصوت يرتجف قسوة و إباءا
(ما عاش من يعاملني بتلك الطريقة)
أظلمت عينا ليث بشدة، الا أن سوار رفعت ذقنها و قالت بصوت أكثر ثباتا و عينين قاسيتين كالحجر المرمري
(تريد تأديبي يا ليث الهلالي؟، حسنا فليكن لك هذا، و أعدك إن نجحت فسأنحني على يدك و اقبلها، لكن الى هذا الحين بيني و بينك جدار لن يهدم بسهولة).

و دون أن تنتظر منه ردا، استدارت على عقبيها تنفض شعرها و هي تخرج من الغرفة تاركا الباب مفتوحا بإهمال، الا أن صوت ليث ناداها بقسوة
(سوار)
توقفت مكانها و هي تنتظر منه أن يراضيها، و أن يعود الى رشده، الا أن صوته قصف من خلفها
(اتصل قاصي يدعونا لزيارته هو و ابنة عمك، ضعي في حسابك أننا سنذهب و ستلتزمين الأدب أمام الجميع)
أفلت نفس ساخن من بين شفتي سوار و هي تلهث بغضب، بينما انقبضت كفاها بشدة...

كانت تبدو كفرس جامحة يحاول أحدهم ترويضها، و هي تحارب كي لا تضربه في صدره بقائمتيها و تقتله...
لأنها تستطيع، تستطيع أن تسقيه السم في كلمات تعلم بأنها ستوجعه...
الكنهالا عوضا عن ذلك، التفتت اليه برأسها و قالت ببرود
(بالطبع سنذهب، و سنمثل دور زوجين واقعان في الغرام)
أظلمت عينا ليث بشدة، أما هي فابتسمت له بتشفي، ثم ابتعدت عنه مرفوعة الرأس...

أما هو فشعر للمرة الأولى كم هي قاسية تلك المرأة التي أحبها منذ أن عرف للحياة معنى...
خرج أمين من المصعد مساءا بعد عودته من عمله، متجها بتثاقل الى باب شقته، الا أنه توقف و عقد حاجبيه وهو يخفض وجهه مستمعا الى صوت صخب عالي، فأرهف السمع قليلا...
حينها استطاع تمييز أصوات أغان عالية، ترافقها أصوات ضحكات فتيات أكثر علوا...

ازداد انعقاد حاجبيه وهو يقترب من حاجز السلم، فوضع يده عليه و أطل برأسه كي يسمع بوضوح أكبر...
حينها لم يعد لديه أي شك في أن الاصوات منبعثة من شقة ياسمين...
رفع أمين رأسه و هو يشعر بغضب مفاجىء يملأ صدره دون توقف، و ما أن فاض الكيل حتى أسرع الى شقته يفتح الباب مناديا بعنف...
(أمي، ام أمين، أم أمين)
خرجت أمه من المطبخ متعثرة و هي تهتف بقلق
(ماذا حدث؟، خير يا ابني ماذا حدث).

قبض أمين كفه وهو يسألها من بين أسنانه غير قادرا على التحكم في نوبة الغضب التي تتملكه.
(هل عادت نورا؟)
قالت أمه بصوت قلق متلعثم
(نورا، نورا لدى جارتنا ياسمين، لقد أخبرتني بأنك وافقت على زيارة جماعية لها مع صديقاتها عند ياسمين)
صرخ أمين بغضب أعلى حدة...
(اذن هي لا تزال عندها؟، الا تسمعين ما يحدث يا أم أمين؟، و كأنه مرقص! حين وافقت على الزيارة لم يكن هذا هو مفهومي عنها).

فتحت أمه كفيها و هي تقول بصوت مرتجف محاولة تهدئته
(و ما الضير يا ولدي من سماعهن لبعض الاغاني؟)
ردد أمين بصوت اعلى
(بعض الاغاني؟، الا تسمعين هذه المساخر يا أمي، أرهفي السمع الى أصواتهن الرقيعة، و اعلمي أن ابنتك احداهن، هل هذه هي الثقة التي منحتها لها؟)
قالت أمه بقلق أكبر تتوسله
(اهتدي بالله يا ولدي، وادخل لتبدل ملابسك، لتجدها و قد عادت من فورها).

ضغط أمين على أسنانه ثم قال بحدة محاولة السيطرة على نفسه كي لا ينسى أنه يخاطب أمه، (اتصلي بها يا أمي و آمريها أن تأتي حالا)
أومأت أمه برأسها و هي تقول بطاعة
(حاضر، حاضر يا ولدي كما تشاء، سأتصل بها)
أمسكت والدته بالهاتف و هي تطلب رقم ابنتها، مرة بعد مرة، بينما أمين يرمقها شزرا...
الى أن يئست في النهاية و قالت بصوت مرتجف
(لا، لا ترد، مؤكد لا تسمعه)
ابتسم أمين بغضب و هو يقول ساخرا.

(بالطبع، و كيف ستسمعه و هي تجلس في هذا الماخور)
هتفت أمه برجاء
(يا ولدي لا يصح ما تقول، اهتدي بالله)
الا أن أمين رد عليها بصرامة
(سأنزل اليها لأحضرها بنفسي)
جرت والدته خلفه وهو يتجه الى باب الشقة و هتفت
(انتظر يا ابني، لقد هدأت الأمور بينكما قليلا، فلا تشعلها من جديد لسبب تافه)
استدار اليها أمين و قال بعنف.

(ما تربت عليه أختي ليس امرا تافها يا أمي، و ان كانت تلك المرأة قد تربت بصورة مختلفة، فعليها أن تبتعد عن نورا تماما)
و دون أن ينتظر ردا من والدته، كان قد خرج من الشقة نازلا على السلم دون انتظار للمصعد...
طرق أمين الباب بقوة مع ضغطه على الجرس باستمرار كي يسمعن...
فما أن وقف أمام شقتها حتى صعق من صوت الأغاني العالي و أصوات ضحكاتهن...
ظل يضرب على الباب الى أن فتحته ياسمين فجأة و هي تلهث ضاحكة...

فتسمر أمين مكانه للحظة...
كانت تقف أمامه مخلوقة مختلفة تماما...
هي نفسها ياسمين التي نظر اليها مرتين أو ثلاث على الأكثر، الا أنها بدت مختلفة...
ترتدي فستانا أسود طويل متناسق مع قوامها الممتلىء فجعله مكتنزا مضموما بأناقة، بينما التف شعرها في موجة واحدة على احدى كتفيها...
عيناها اللتان تألقتا ما أن نظرت اليه، كانتا مكحلتان بعناية بالكامل، بينما هتفت شفتاها الحمراوان
(أمين، أقصد أستاذ أمين، مرحبا).

رمش أمين بعينيه، كي يستعيد توازنه ثم قال بصرامة...
(أريد نورا)
بهتت ابتسامتها قليلا و هي ترى لهجته التي عادت الى نبرتها القديمة، فقالت متوترة
(هل هناك خطب ما؟)
أوشك على أن يخبرها بالخطب، الا أن نظرة منه طالت خلف كتفها لسبب ما، فلمح أخته و هي ترتدي فستانا يلامس ركبتيها بينما تعقد حول وركيها وشاحا!
من الواضح أنها كانت ترقص!
صرخ أمين فجأة و قد أعماه جنونه
(نوراااااااااااا).

شهقت نورا بصدمة و هي ترفع يدها الى صدرها ناظرة الى أخوها من بعد، فسارعت الى فك الوشاح من حول وركيها، ثم أغلق صوت الأغاني فجأة، و اختفت من أمامه...
أما ياسمين فكانت واقفة شاحبة الوجه أمامه و هي ترى هذا الغضب الهادر أمامها و الذي جعلها ترتجف بشدة و هي المرة الأولى التي تشعر فيها بهذا القدر من رجل...
تمالكت نفسها و قالت بصوت أكثر ارتجافا.

(ما الذي حدث يا أمين؟، ألم تمنحني الإذن في إقامة هذا الحفل للبنات؟)
التفت اليها و عيناه تقدحان شررا، ثم صرخ بقوة مما جعلها تتراجع للخلف بذعر
(أي اذن هذا في تلك الفضيحة التي تفعلينها؟)
رفعت ياسمين يدها الى صدرها و هي تهتف بارتياع
(أي فضيحة؟، لماذا تتكلم بهذا الشكل؟)
الا أن أمين صرخ بها مجددا...
(كيف تسمحين لنفسك بأن تجمعي فتيات في شقتك ليرتدين مثل هذه الملابس و يرقصن بخلاعة؟، و من بينهن أختي!).

صرخت فيه ياسمين بغضب اعلى من غضبه على الرغم من الدموع التي تجمعت أمام حدقتيها
(و ماذا لو رقصن؟، كلنا هنا نساء، اليس لديكم أفراح منفصلة؟، ما الخطأ في بعض المرح؟)
صرخ فيها مجددا
(و ما الذي يضمن لي الا تقوم احداهن بتصويرها و تسريب هذه الصور؟)
رفعت ياسمين كفيها الى جبهتها و هي تصرخ فيه بجنون
(يالخيالك الزائد، من منا ستصور أي واحدة وهي ترقص؟، كلنا بنات عائلات محترمة، و ليست أختك فقط).

صرخ بها بعنف و قد احمرت عيناه
(أنا لا أعرف أحد سوى أختي، و هي فقط من تهمني)
في تلك اللحظة خرجت نورا و هي ترتدي ملابسها المحتشمة و تلف شعرها بحجابها، هاتفة بتوسل
(أرجوك كفى، فضحتني أمام صديقاتي، كفى)
أشار أمين الى السلم و قال مهددا بضراوة
(اصعدي الى البيت دون كلمة واحدة و حسابنا هناك)
لكن و قبل أن تتحرك، أخذت صديقاتها يتجاوزنها واحدة تلو الاخرى بحرج و هن يرحلن بتوتر...

بكت نورا بخزي بينما جرت الى السلم، فنظر اليها أمين بغضب، ثم أعاد عينيه الى ياسمين...
الا أنه تسمر مكانه وهو يرى الدموع تنساب على وجهها الشاحب دون أن يصدر عنها أي صوت، من عينين تنظران الى الفتيات اللاتي غادرن من بيتها بهذه الصورة و كأنه بيت مشبوه
بينما كان الحرج يملأها و قلبها ينبض بعنف ظاهر على حركة تنفسها المتسارعة...
شحب وجه أمين بشدة وهو يرى وجهها المتساقط بهذا الإنكسار...

فتراجع للخلف خطوتين، قبل أن يغادر سريعا وهو يشعر بشيء ثقيل كالحجر يثقل صدره...

استيقظت تيماء على صوت رنين جرس الباب، فنهضت من على الأريكة تتعثر...
حتى وصلت اليه و قالت بصوت ناعس
(من؟)
وصلها صوت امتثال من الخارج و هي تقول بصوت عال
(أنا إمتثال يا تيماء، افتحي الباب)
فتحت تيماء الباب و هي تبعد خصلات شعرها الكثة عن وجهها و قالت بإرهاق
(صباح الخير سيدة امتثال، اعذريني على ما يبدو أنني تركتك على الباب طويلا)
قالت امتثال بلهفة.

(بل اعذريني أنا على ايقاظك، الا أنني لم أستطع الإنتظار طويلا كي أطمئن على والدتك)
تنهدت تيماء و هي تشير للداخل قائلة
(تفضلي ادخلي يا سيدة امتثال، أمي نائمة في الداخل)
دخلت امتثال الى داخل الشقة، فاغلقت تيماء الباب خلفها، بينما استدارت امتثال لها و سألتها بشك
(أين المقروص؟)
عقدت تيماء حاجبيها و هي تقول بعدم فهم
(أي مقروص؟)
ردت امتثال بحنق
(زوجك المقروص في قلبه)
قالت تيماء مدركة.

(آآآه، لا أعلم اين ذهب، على الأرجح خرج و أنا نائمة، استيقظت فلم أجده)
قالت امتثال مرتاحة
(أحسن، أراح و استراح، عله لا يعود، فننعم جميعنا بالراحة، المهم أخبريني كيف حال والدتك)
قالت تيماء بخفوت و اهتمام
(آه لو ترين حالها يا سيدة امتثال، الحقير زوجها ضربها كما كان يضرب للمرة الأخيرة في حياته، وجهها معجون تماما)
رفعت امتثال يدها الى صدرها و هي تشهق قائلة بتعاطف.

(لا حول و لا قوة الا بالله، المسكينة، قطعت يده المجرم ابن المجرمين)
ثم انحنت الى تيماء و ربتت على كفها هامسة
(و هذا سيكون حالك لو بقيت مع المقروص في قلبه قاصي، اليوم كسر مرآة، غدا سيكسر رأسك)
نظرت تيماء اليها بصمت و بدت متباعدة التفكير، بينما قالت امتثال بخبث اكبر.

(أنا نصحتك و أبرأت ذمتي، أمثال قاصي هذا، كل ما يشارك به في حياتنا هو بعض الموسيقى الصاخبة، لنبلغ عنه الشرطة بعدها، لكن لا نتزوجه أبدا، عقلك في رأسك تعرفين خلاصك)
تنهدت تيماء بصمت، بينما قالت امتثال متابعة، (لماذا لم تأتي الى بيتي؟، عدت اليه بمنتهى البساطة يا بنيتي؟)
ردت تيماء بخفوت
(كانت والدتي معي، فلم أستطع أن آتي اليك و هي معي، و طبعا لا يمكنني تركها لقاصي).

مطت امتثال شفتيها برفض الا أنها قالت أخيرا راضخة
(حسنا، مضت الليلة و انتهينا، الآن هاتي أمك و تعالي للبقاء معي، فأنا وحدي به كما رأيت حاليا، سأعتني بكما، الى أن تتخلصين منه)
صمتت امتثال فجأة و هي ترى سيدة تخرج من الرواق، ترتدي فستانا قصيرا ملونا، و شعرها منسدلا على كتفيها...
تضع أحمر شفاة و بعض الزينة على وجهها، أو ما تبقى منه سليما...

أما خفها فكان يطرق الأرض بكعب عال لم ترتدي امتثال مثله في الأفراح حتى...
فغرت امتثال شفتيها، بينما قالت تيماء باهتمام و لهفة
(صباح الخير يا أمي، هل تشعرين بتحسن الآن حبيبتي؟)
ردت ثريا بتأوه و هي تبعد شعرها بأناقة الى خلف كتفها...
(متعبة قليلا يا تيموءة والله، هل لديك ضيوف؟)
ردت تيماء و هي تشير الى امتثال قائلة
(هذه جارتنا السيدة امتثال، جاءت كي تطمئن عليك يا أمي).

أومأت ثريا برأسها، بينما قالت امتثال التي كانت لا تزال فاغرة فمها
(سلامتك يا أم تيماء)
أومأت ثريا مجددا و هي ترمقها بنظرة مبهمة، ثم قالت بإختصار
(اها، شكرا)
حينها مالت امتثال الى تيماء و همست بريبة
(هل هذه هي أمك المضروبة؟، لماذا ترتدي هذه الملابس؟، هل تعاني من حالة نفسية؟)
شعرت تيماء بالحرج، الا أنها قالت بصوت منخفض
(لا، هذه ملابسها الطبيعية، أمي أممم، تحب الحياة أكثر من اللازم).

نظرت امتثال الى ثريا متفهمة و هي تجلس على الاريكة واضعة ساقا فوق أخرى مما جعل الفستان ينحصر أكثر ثم أرجعت رأسها للخلف مغمضة عينيها، فقالت امتثال و هي تضرب كفا على كف
(لا حول و لا قوة الا بالله)
قالت تيماء بسرعة، مدركة أن امتثال لا تزال واقفة عند الباب
(ادخلي سيدة امتثال، تفضلي اجلسي)
دخلت امتثال و جلست بالقرب من ثريا و هي تراقبها، بينما استقرت عيناها على ساقي ثريا العاريتين...

ثم هزت رأسها هامسة لنفسها مجددا
(لا حول و لا قوة الا بالله)
اتجهت تيماء الى المطبخ بينما ظلت امتثال تنظر الى ثريا، الى أن قالت أخيرا بمودة
(حمدا لله على سلامتك يا أم تيماء)
رفعت ثريا رأسها و نظرت الى امتثال، ثم قالت بخفوت
(شكرا، اسمي ثريا)
مطت امتثال شفتيها و هي تنظر الى الخف ذو الكعب العالي، بينما عادت تيماء حاملة كأسين من العصير...
فقدمت منهما الى امتثال و ثريا...

أمسكت ثريا بالكأس تنظر اليه، ثم نادت تيماء قبل أن تجلس
(تيموءة حبيبتي، هل لديك ماصة عصير؟)
ارتفع حاجبي امتثال بدهشة، بينما نادت تيماء و هي متجهة للمطبخة
(نعم يا أمي، سأجلب لك واحدة)
نادت أمها مجددا
(هل لديك أي دهان لكعب القدم ضد التشقق حبيبتي؟، نسيت الخاص بي، إن لم يكن لديك اتصلي بأقرب صيدلية حتى يرسلون الينا منه)
صاحت تيماء من المطبخ
(حاضر يا أمي).

مصت امتثال شفتيها و هي تنظر الى ثريا بطرف عينيها، حتى جاءتها تيماء بإحدى الماصات فوضعتها ثريا في الكأس و رشفت منه بصمت...
حينها نظرت امتثال الى تيماء و سألتها بإهتمام
(هل أصلحت مرآة غرفة النوم؟)
لكن ثريا هي من ردت ممتعضة
(لم يصلحاها، حتى أنني اضطررت الى تزيين وجهي في مرآة الحمام)
رفعت امتثال حاجبها بتوجس و هي تنظر الى الكدمات و البروزات التي تلون وجهها، غير قادرة على تمييز الزينة من الصفعات...

ثم مالت الى تيماء هامسة في أذنها
(هل أنت متأكدة بأن زوج أمك لم يضربها على رأسها، فتصرفاتها غريبة)
عضت تيماء على شفتها غامزة، ثم همست لامتثال
(لا، هذه تصرفاتها الطبيعية، كما اخبرتك، فهي محبة للحياة قليلا)
هزت امتثال رأسها و هي تقول بتعجب
(لا حول و لا قوة الا بالله)
في تلك اللحظة دخل قاصي الى البيت محملا بالعديد من الأكياس وهو ينادي
(لقد عدت يا أوزتي، زوجك عاد فأقيمي الأفراح و).

توقف الكلام في حلقه وهو يرى كلا من ثريا و امتثال ملتفتتين، تنظران اليه بإمتعاض، فقال مصدوما
(بسم الله الحفيظ)
نهضت تيماء من مكانها و ذهبت اليه و هي تنظر بدهشة الى الأكياس، ثم سألته بحيرة
(ما كل هذا؟، أين كنت؟)
قال بصوت شرير وهو يرمق كلا من امتثال و ثريا بنظرات قاتلة
(أحضرت ما ينقص البيت)
تهكمت ثريا و هي تقول
(كم جلب الغراب لأمه!)
نظرت اليها تيماء بصمت بينما قال قاصي محاولا السيطرة على أعصابه...

(يا فتاح يا عليم، احسني استقبال اليوم يا ثريا فعلى ما يبدو أن حياتنا ستطول سويا)
قلبت ثريا شفتيها و هي تقول بحدة
(أي حياة تلك التي ستطول؟، هل هذه هي الشقة التي تسكن ابنتي بها؟، هل هذه هي الحياة التي تعدها بها؟، هل أنت راض عما تقدمه لها؟)
أظلمت عينا قاصي بشدة، الا أنه قال بصوت عال
(هل تستطيعين رؤية الخلل هنا يا ثريا؟، الخلل هو أنك لا مكان لك فيما تحكمين عليه، لذا لا تتدخلي بيننا منذ البداية و الا).

صرخت به ثريا بعنف تقاطعه
(ماذا ستفعل؟، هل ستضربني بالخف مجددا؟)
شهقت امتثال بصوت عال و هي تضع يدها على صدرها هاتفة
(ضربت حماتك بالخف؟، شفاك الله من العته!)
صرخت ثريا و قد بدأت في احدى نوبات بكائها رافعة يدها الى وجهها
(نعم فعل، بعد كل ما حدث رفع الخف و ضربني به)
شهقت امتثال مجددا، و اقتربت من ثريا بسرعة، تضمها الى صدرها، و هي تربت على ذراعها قائلة بتعاطف
(لا تفعلي هذا بنفسك يا أم تيماء).

صمتت لحظة و هي تنظر بطرف عينيها بتوجس الى يدها التي كانت تفرقع على ذراع ثريا العاري...
فهزت رأسها و هي تهز رأسها هامسة
لا حول و لا قوة الا بالله، و أنا التي كنت أتعجب من رؤية شعره الطويل، معه حق إن كانت حماته بهذا الشكل، كان قاصي يراقبهما بنظرات تغلي، و قد برزت عروق ساعديه، فشعرت تيماء بقرب الخطر لذا أمسكت بساعده و قالت تحاول تهدئته.

(أدخل الأغراض الى المطبخ يا قاصي، أمي متضررة نفسيا، فلا تحاسبها على كلامها)
صرخت ثريا بعنف و هي تنتزع نفسها من بين ذراعي امتثال
(هل هذا كل ما لديك؟)
أغمضت تيماء عينيها بتعب، بينما نهضت امتثال من مكانها و هي تقول بحرج
(سأغادر الآن يا تيماء، فعلى ما يبدو الوقت غير مناسبا)
مرت بهما، الا أن قاصي قال متهكما باستياء عنيف.

(لما العجلة يا سيدة أنتينال؟، لقد جلبت معي بعض مخللات البصل، الا تودين تذوقها؟، لما لا تبقين للمبيت معنا؟)
تمتمت امتثال من بين أسنانها...
(جائتك ضربة في لسانك، همجي)
خرجت من باب الشقة و أغلقته خلفها، أما قاصي فكان ينوي الخروج خلفها صارخا، لكن تيماء تمسكت به و هي تهتف
(أرجوك يا قاصي كفى، لا تثير استفزازها أكثر)
نظر قاصي الى تيماء بحدة، فقالت بقوة أكبر.

(اذهب الى المطبخ، لا تتكلم الآن، تحكم في نفسك قبل أن تخرج أي كلمة من فمك)
بدا على وشك الصراخ بالمزيد، الا أنه انتزع ذراعه منها و اتجه الى المطبخ، أما تيماء فذهبت الى أمها و جلست بجوارها و نظرت اليها بقنوط بينما ثريا منفجرة في البكاء...
قالت تيماء أخيرا بخفوت
(كفى يا أمي، لا داعي لكل هذا الإنهيار)
رفعت ثريا وجهها المختنق المتورم و صرخت بقوة منهارة
(كيف لك أن تتعاملين معه بهذه البساطة بعد أن ضربني؟).

قالت تيماء متنهدة
(لم تكن ضربة بالمعنى المفهوم يا أمي، الأمر، الأمر فقط خرج من بين يديه)
نظرت ثريا اليها بذهول بعينيها الحمراوين، ثم هزت رأسها غير مصدقة و هي تقول بألم
(كيف لك أن تدافعي عنه؟، أنا أمك)
نظرت اليها تيماء بصمت، ثم قالت أخيرا
(الأمر يا أمي، أنك ضغطت على نقطة حساسة جدا بالنسبة اليه، لذا لم يستطع تمالك نفسه)
اتسعت عينا ثريا أكثر و أكثر، تهز رأسها مصدومة، و همست
(أنا لا أصدق ما أسمع).

أغمضت تيماء عينيها و هي تحك جبهتها بتعب، ثم قالت بخفوت
(أنا لا أدافع عنه يا أمي، أنا أحاول إفهامك فقط، أن معاقبته على تصرفه هذا كالضرب في الميت، هذا الموضوع يمثل له عقدة من بين الكثير من العقد التي تتحكم به، و هو يتصرف بغير عقل حين يمس أحد هذه العقدة)
هزت ثريا رأسها منفعلة قبل أن تدفن وجهها بين كفيها و انخطرت في البكاء أكثر، فاقتربت تيماء منها و ضمتها الى صدرها لتربت عليها و هي تهمس.

(انسي قاصي يا أمي، لديك الكثير مما يجب عليك معالجته في نفسك أما هو فلديه ما يكفيه، لا تحاولي التصادم معه، من الظلم أن تفعلي هذا)
ظلت ثريا تبكي، بينما اراحت تيماء ذقنها على رأس ثريا، بينما طالت عيناها الى المطبخ حيث اختفى قاصي، و تذكرت شكله وهو يدخل الى البيت محملا بالأغراض...
هذه اللحظة كانت كفيلة كي تدغدغ قلبها الخائن بنعومة...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة