قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الستون

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الستون

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الستون

شعرت بأنها غير قادرة على البقاء في هذا المكان للحظة إضافية...
لذا التقطت حقيبتها بعد أن ألقت بالدفتر في الجارور و صفقته، ثم خرجت من المكتب لا تنوي الا الفرار...
لكن للأسف كان هذا اليوم رافضا أن يمضي الا بمزيد من الصدمات...
و كانت الصدمة الأخيرة حين اتجهت الى مكتب دليلة و ناريمان، تنوي تسليمهما مفتاح مكتب ليث لأنها المرة الأخيرة التي ستأتي فيها الى هنا...

لكن ما أن وصلت الى الباب و قبل أن تظهر منه، سمعت ناريمان تقول
(كفاك كلاما عنها يا دليلة، المرأة لم تبقى هنا سوى خمسة أيام فقط، أنت تتحاملين عليها فقط لسبب أعرفه أنا و انت، فلا داعي للمتابعة)
توقفت سوار مكانها و هي تستمع اليهما بحاجبين منعقدين، الى أن وصلها صوت دليلة و هي تقول ببرود.

(رغبتي في الزواج من ليث ليست هي السبب في نظرتي لها على أنها مجرد دخيلة، هاوية، لا تفقه شيئا في المكان و لم تأت الى هنا الا لأنها امرأة سطحية لديها وقت فراغ أكبر من اللازم)
اتسعت عينا سوار بشدة و فغرت فمها بذهول، فوضعت يدها عليه تكتم شهقة الصدمة...
بينما قالت ناريمان بيأس
(اخفضي صوتك، لا نحتاج الى حدوث كارثة بسببك إن سمع أحدهم رغباتك المجنونة تلك)
قالت دليلة بثقة و خيلاء.

(ليست مجنونة، و الإنسان يحيا في هذا العالم كي يحقق رغباته، طالما أنها مشروعة)
كانت سوار تهز رأسها بعدم تصديق بينما يدها لا تزال على فمها، ثم أخذت تتراجع بحذر الى أن ابتعدت عن مكتبهما لتطلق الريح لساقيها، هاربة من هذا المكان قدر الإمكان...

وقف ليث في شرفة داره القديم يراقب المنظر الآسر له، لكن بعينين لا تبصران شيئا من جماله...
كان بداخله طوفان من مشاعر سلبية، غير قادر على ابعادها...
لم يشعر بميسرة التي كانت واقفة من خلفه تراقبه بعينين مخيفتين، الى أن قالت ببرود
(حاولت الإنتظار، لكني على ما يبدو سأنتظر للأبد)
ظل ليث واقفا مكانه دون أن يجيبها لفترة، قبل أن يستدير اليها ببطىء، وهو يرمقها بنظرات طويلة
ثم قال بصوت خافت دون تعبير.

(ما الذي تنتظرينه؟)
كتفت ذراعيها و هي ترفع حاجبها الرفيع لتقول بنبرة مقيتة
(هل تسأل؟، أنتظر منك كلمة، أو حتى ابتسامة على الأقل، أي شيء يشعرني بأنك سعيد بحلم عشنا نتمناه لسنوات طويلة)
ضاقت عيناه وهو ينظر اليها بتفحص، ثم قال أخيرا بجمود
(سعيد يا ميسرة، سعيد لدرجة أنني لازلت معك حتى الآن، لم أغادر، حتى أنني لن أرحل الا و أنت معي)
اتسعت عينا ميسرة قليلا متفاجئة من كلامه، ثم هتفت بحدة.

(أرحل معك؟، ماذا تقصد؟، هل عدت مجددا الى اقتراح تركي لداري و بلدي كي أرافقك بسبب سمعة ساحرتك القذرة، و الآن تحديدا بعد أن حملت بطفلك؟، كنت أتخيل أنك ستعود الى رشدك و دارك، لتضمن لابنك حقه)
ابتسم ليث قليلا وهو يهمس لنفسه
(ابني، كم تمنيت نطق هذه الكلمة، وقعها رائع).

ابتسمت ميسرة بخبث و هي ترى الحزن المتلهف في عينيه، فاقتربت منه ببطىء و هي تضم شالها المتوهج الى صدرها بقبضتيها، حتى وقفت أمامه مباشرة ثم همست له بنبرة غريبة
(وقعها ساحر، اليس كذلك؟، الا تستحق منك أن تنسى كل شيء في هذه الحياة، الا هذه الكلمة؟، الا تستحق أن تنبذ هذا العشق المراهق و تتمتع بكونك أبا، سيكون له ولي العهد أخيرا؟).

ظل ليث ينظر اليها طويلا، ثم مد أصابعه يلامس بها خصلات شعرها المتطايرة على جبهتها فابتسمت أكثر، ابتسامة انتظار متوهجة...
جعلت ليث يبعد يده أخيرا وهو يقول بهدوء
(بلى تستحق، بل و تستحق أكثر من هذا كله، تستحق التضحية و الشكر ممتنا، لهذا سآخذك معي كي تتابعين حملك لدى أفضل طبيبة في المدينة، و لن أتركك للحظة واحدة)
بهتت ملامح ميسرة قليلا و ارتجفت شفتيها، الا أنها قالت بجمود.

(لماذا؟، كل شيء بخير، ما الغرض من المتابعة؟، الا تصدقني؟)
ارتفع حاجبي ليث وهو يقول محتارا
(ما الذي جعلك تظنين هذا؟، بالطبع أصدقك، لكن هذا الحمل جاء بعد عناء، لذا علينا الإهتمام به كما يجب)
قالت ميسرة بصوت قاتم و هي تستدير عنه
(لكن أنا لدي طبيبتي الخاصة هنا، و أنا مرتاحة معها)
عقد ليث حاجبيه وهو يقول بتعجب و استنكار.

(الطبيبة هنا لا تمتلك الإمكانيات المناسبة لمتابعة حملك، أنا لا أصدق أنك متهاونة في الأمر الى تلك الدرجة)
ظلت ميسرة صامتة قليلا، ثم قالت بحدة
(لا أطيق أن أخط الأرض التي تحمل المرأة التي سحرتك و جعلتلك تتركني و تجري خلفها، هذا أكبر من احتمالي، كل هذا الضيق ليس سليما على صحتي و سلامة الحمل)
قال ليث من خلفها بهدوء و ثقة
(سآخذك لمدينة أخرى، نتابع حملك، و نتأكد من سلامته، ثم نعود الى هنا لو أردت).

ضمت ميسرة ذراعيها الى جسدها، ثم قالت ببرود
(لا أريد السفر و لا يحق لك اجباري)
ساد الصمت من خلفها، الى أن قال أخيرا بهدوء
(لا بأس، لن أجبرك، كما لم أفعل في المرة الماضية)
توترت ميسرة قليلا و هي تشعر به يتجاوزها داخلا الى الغرفة، فاستدارت، تستند لسور الشرفة و هي تنظر الى الأراضي الشاسعة بضيق قبل أن تضرب السور بقبضتها...

خرج ليث من الدار ما أن رأى أحد رجاله يشير اليه من الشرفة، فنزل اليه مسرعا حتى وصل اليه و سأل بجدية
(هل وجدتها؟)
قال الرجل مسرعا
(دخنا والله يا سيد ليث الى أن عرفنا قرارها، لقد انتابنا الشك في أن يكون أحد قد قتلها)
قاطعه ليث بحدة
(أريد النتيجة، هل وجدتموها؟)
أومأ الرجل برأسه قائلا بلهفة.

(لم أكن لأتصل بك كي تأتي من آخر الدنيا لو لم نجدها، إنها تسكن حاليا في احدى قرى البادية على بعد كبير في الصحراء، و قد تزوجت من بدوي، استلزمنا الأمر شهورا حتى نقبنا عنها قرية بعد قرية)
كان ليث يستمع اليه بإهتمام، مضيقا عينيه، ثم قال بهدوء بعد فترة طويلة
(جيد، جيد)
رد الرجل بطاعة
(ما الذي تأمر به حاليا سيدي؟)
قال ليث بصلابة.

(ابعث من يحضرها الى هنا، بالقوة إن اقتضى الأمر، لكن دون أن تعلم السبب، و إن اعترض زوجها، أحضروه معها، أريدها أمامي اليوم، مهما كانت المسافة بعيدة).

كانت تلهث بذعر كأرنب على وشك أن يذبح...
تنظر حولها برعب، لقد اعادوها، وجدوها و أعادوها الى هنا، فهذا دار السيد ليث و هي تعرفه جيدا، إنه دار السيدة سوار...
قيدوها كالغنم و ساقوها الى هنا ملقاة في مؤخرة سيارة مفتوحة قديمة...
و ما أن أدخلوها الى هنا حتى القوا بها أرضا و أحكمو غلق الباب عليها بعد أن حلوا وثاقها...
ظلت تدور حول نفسها بجنون و عدم ادراك و كأنها حشرة تم احتجازها في وعاء زجاجي...

إنها النهاية، سيقتلها ليث الهلالي، تعلم بأنه لن يرحمها...
أخذت نسيم ترتجف بقوة و هي تدلك ذراعيها بكفيها بقوة، هامسة بصوت مرتعش و عيناها تتسعان أكثر و أكثر
(سيقتلني، سيقتلني، إنها النهاية لا محالة)
و بقت على هذاينها الى أن سمعت صوت الباب يفتح، فاستدارت بقوة و هي تنظر اليه بذهول، علي وشك الإصابة بالإغماء رأته يدخل...
ليث الهلالي بنفسه...

من الواضح أنه لن يكلف أحد رجاله بقتلها، بل سيفعل بيديه ليعذبها ببطىء قبل الموت...
اخذت تتراجع أمام ملامحه الصلبة و التي لا تحمل أي تعبير...
بينما هو يقترب منها ببطىء...
فراحت تهمس بصوت مرتعش. كلمات غير مترابطة
(الرحمة، الرحمة، لست أنا، غصبا عني، ارحمني)
توقف ليث مكانه بهيبة وهو يرمقها بنظرة طويلة قاتمة، ثم قال أخيرا بصوت عميق مخيف
(أتعبتنا في البحث عنك يا نسيم، لم يكن هذا لائقا منك أبدا).

كانت الآن ترتج في اهتزازات لا ارادية مذعورة، و أنفاسها تخرج على هيئة شهقات عالية الصوت...
بينما تحول وجهها الى لون رمادي مرعب و هي تنظر اليه كمن ينظر الى حبل المشنقة...
و أمام حدقتيها الواسعتين، رأته يخرج يده من خلف ظهره، ممسكا بسوط جلدي أسود، يفوق ثمنه كل ما أنفق عليها منذ بداية حياتها...

فشهقت أعلى، و هي تراه يرفع السوط عاليا، ثم نزل به بكل سرعة في الهواء، محدثا صوتا خاطفا كجرس الأفعى وهو يهبط على الأرض في ضربة جعلتها تصرخ بجنون
لتسقط أرضا على ركبتيها، محنية رأسها، تغطيه بكلتا كفيها، ترتعش بل تنتفض...
ثم أخذت تصرخ برعب
(ارجوك لا تفعل، أرجوك، ارحمني، ارحم الطفل الموجود بأحشائي)
لم يتحرك ليث من مكانه وهو ينظر اليها بصمت، ثم قال بنفس النبرة الغير مرتفعة
(هل أنت حامل؟).

صرخت بهيستيريا دون أن ترفع رأسها
(نعم أنا حامل، ارجوك، أتوسل اليك الا تعذبني، و لا تقتل طفلي، أتوسل اليك ارحمني)
لقد ابلغوه أنه ما أن علم زوجها بهويتهم حتى ولى هاربا دون حتى أن يحاول الدفاع عنها أو منعهم...
و ها هي الآن مرمية أمامه ترتعش بعنف، حاملة طفلا في احشائها، ووزر ذنب سمعة زوجته التي شوهتها بالباطل، حاملة عرضه الذي دنسته...

كانت تسمع صوته يهمس في أذنها أجشا
(سوار، استيقظي، سوار)
تعلم نبرة صوته جيدا و تستطيع تمييزها من بين ألف حلم و حلم...
لذا ردت عليه بألم
(ابتعد، ابتعد عني يا ليث، لا أريد أن أراك)
الا أنه لم يبتعد، بل ظل محتلا حلمها دون خجل، خاصة و أن عطره الذي تعرفه جيدا عبق أنفها و تخلل رئتيها...
ثم وصل صوته الى أذنها يقول بنبرة قوية مهددة
(لن أذهب لأي مكان، دونك، لذا فعودي نفسك على أن تريني في كل لحظة).

تأوهت قليلا و هي تتململ في سريرها، الا أنها تسمرت ما أن لامست يدها صدر رجل يعلوها بإنشات قليلة، يكاد أن يحتويها بكل كيانه المهيمن من حولها...
حينها فقط سحبت سوار يدها و فتحت عيناها على أقصى اتساعهما في حركة واحدة مما جعله يبتسم أمام وجهها...
سوار الرافعي دائما تبدو كأحد المطاردين الساكنين بين كهوف الجبال...
تنام بحذر، و ما أن يقلق منامها أي خطر فأنها تفتح عينيها على أقصى اتساعهما دفعة واحدة...

أخذت سوار تستوعب احتضانه لها فنظرت حولها و هي ترى أنها لا تزال في غرفتها بشقة فريد...
هل هذا حلم؟
لكن تلك السلطة الرجولية المطبقة عليها لا يمكن أن تكون حلما أبدا...
لذا أبعدت شعرها عن وجهها قليلا و هي تنظر اليه بحاجبين منعقدين و قالت بشك
(هل عدت؟)
ابتسم لها مجددا و قال بهدوء هامسا
(لا، لم أعد بعد)
رمشت سوار بعينيها و هي تحاول التحرر منه بقوة بينما وجدت قلبها يخفق فجأة في ضربات مجنونة غير محسوبة...

لكنه لم يتركها، بل حامت يداه على حلتها الرياضية وهو يقول بنبرة غريبة
(تبدين مختلفة يا وحش الليل)
زمت شفتيها بغضب و هي تحمل ضده ما يفوق حبها، ثم قالت باقتضاب
(كم الساعة الآن؟، و ابعد يديك عني لو سمحت)
ابتعد عنها ليث بالفعل، الا أنه أمسك بكفيها يجذبها بكل قوة حتى استقامت جالسة في السرير...
ليواجه كلا منهما الآخر، متجهما، منفعلا في صمت...
ثم قال ليث أخيرا
(انهضي و جهزي نفسك، سنعود الى بيتنا حالا).

عقدت حاجبيها و هي تنظر اليه باستنكار لتقول بنبرة رافضة قوية
(ماذا؟، كم الساعة الآن؟)
رد عليها ليث بصرامة
(الثالثة صباحا، هيا جهزي نفسك)
كانت سوار تحاول استعادة استقرار أنفاسها باستيعاب وجوده، و السيطرة على ضربات قلبها المدوية، ثم رفعت وجهها و قالت بعنفوان
(الوقت متأخر جدا، لم يكن عليك اقتحام البيوت بهذا الشكل، كان عليك الإنتظار حتى الصباح)
ضاقت عينا ليث قليلا، ثم قال بصوت خفيض مقلق.

(من أنت كي تملين على ما أفعل و لا أفعل!)
اتسعت عيناها في حالة تأهب غريزية و هي تقول بحدة
(أنا سوار الرافعي إن كنت قد نسيت هذا)
رد عليها ليث قائلا بجفاء
(حتى سوار الرافعي بنفسها لا تملك أن تملي على أوامرها حين أرغب في استعادة زوجتي)
و دون أن يترك لها المزيد من الوقت للجدال، تركها و نهض من مكانه آمرا بصرامة
(انهضي).

كتفت سوار ذراعيها و هي تنظر اليه بتمرد، لا تصدق تلك الصيغة الآمرة التي يكلمها بها، و التي فاقت تحفظ الإتصالات السابقة كلها...
قال ليث مجددا ازاء صمتها...
(انهضي يا سوار و الا قسما بالله سألفك بعبائتك و أحملك على كتفي)
ارتفع حاجبها ساخرا و هي تقول بنبرة متهكمة
(بقائك في البلدة طويلا، أثر عليك)
رد عليها ليث بصوت متماسك قاتم...
(بل أنت فقط من لم تري الوجه الآخر بعد، هيا انهضي).

أرادت الرفض و طرده من هنا، كانت تحمل تجاهه حاليا غضبا يفوق أي مشاعر اخرى بداخلها...
غضبا ناريا و تمرد على سطوته...
لكنه عادت و رفضت أن تفتعل فضيحة في أرض غير أرضها...
فما سيسمعه فريد لن يسره اطلاقا، تفضل أن تكون بمفردها مع ليث حين تواجهه...
لذا قالت بصرامة مماثلة لصرامته...
(اخرج من هنا و انتظر في الخارج)
الا ان ليث لم يتحرك من مكانه وهو يقول بصوت أكثر تسلطا و جفاءا.

(لن أخرج الى أي مكان، فهل ترتدين ملابسك أم ألبسك اياها بنفسي؟)
ضحكت سوار ساخرة على الرغم من موجة الجنون الهادرة بداخلها و التي تهدد بضربه بأقرب شيء لها...
ثم قالت ببرود
(آسفة لأنني سأحرمك فرصة نادرة للتسلط الذكوري، سأضع عبائتي فوقي لا غير)
تحركت شفتا ليث وهو ينظر اليها حين استقامت واقفة في مكانها بحلتها الرياضية، ثم قال بهدوء أثار حفيظتها أكثر...

(هذا أفضل، فحين نعود لن يكون لدينا متسع من الوقت كي أطلب منك معاودة ارتدائها)
ضيقت سوار عينيها قليلا و هي تنظر اليه بحذر
كان يبدو مختلفا، مجهدا جدا، و غاضبا جدا، و في نفس الوقت، هناك روح من التحدي ظاهرة في نظراته لها...
ترى ما الذي حدث في البلدة و جعله يعود اليها بمثل هذه السرعة و هذا المزاج المتصابي المستفز!

تحركت ببطىء متعمد أمام عينيه لتفتح الدولاب و تلتقط منه احدى عبائاتها، ثم استدارت اليه و هي ترتديها بينما لم تحيد عيناها عن عينيه بحذر، غير مطمئنة لنظرة الترصد المفترسة في عينيه...
و مرت دقائق انتهت خلالها من تحضير حقيبة صغيرة لها، قبل أن يمسك بمرفقها، فانتزعته منه بقوة و هي تقول من بين أسنانها
(أستطيع السير بمفردي)
نظر اليها نظرة متوعدة صامتة، ثم تركها تخرج أمامه دون أن ينطق بكلمة...

خرجت سوار من الغرفة، ففوجئت بفريد يجلس على احد المقاعد رأسه ملقى للخلف، و فمه مفتوح و قد راح في سبات عميق، من الواضح أنه فتح الباب لليث، ثم راح في سبات عميق بعدها...
اقتربت منه كي توقظه، الا أن ليث منعها قائلا
(دعيه نائما، يكفي أن أيقظته مرة، هيا بنا)
نظرت اليه سوار بنظرة نارية قصيرة، قبل أن تتحرك في اتجاه باب الشقة مرفوعة الرأس، بينما هو ينظر اليها بنوايا لم تعجبها، لم تعجبها مطلقا...

كانت رحلة العودة الى البيت، مظلمة و خاوية بينهما تماما كالطريق الذي انطلق به ليث في مثل هذه الساعة...
و كان التوتر هو رفيقهما الثالث...
كانت تريده أن يتكلم، مجرد كلمة مستفزة كي تنفجر به، الا أنه لم يفعل، و كلما نظرت الى وجهه الجانبي رأته متصلبا هادئا، لكن في عينيه تصميم يتزايد مع كل مترا يقطعه...
أبعدت سوار وجهها عنه كي لا يرى الإنفعال المخزي الذي تشعر به في تلك اللحظة...

لن تمنحه هذه المتعة أبدا...
دخلا الى الشقة بصمت، فتحركت بسرعة الى غرفتهما و هي تقول ببرود و دون مقدمات
(من فضلك نم في الغرفة الأخرى)
كانت هذه العبارة هي ما تنطق به كل مرة بعد عودته من عند ميسرة، فهي ترفض أن يعاملها بتلك الطريقة...
لكن و قبل أن تحكم غلق الباب كان ليث قد دفعه بقدمه بكل قوة، مما جعل سوار تتراجع للخلف و هي تنظر اليه مذهولة هاتفة
(ماذا تفعل؟).

رد عليها ليث بصوت قاطع وهو يخلع سترته ليلقي بها بعيدا
(لن أنام في أي مكان سوى هنا)
تراجعت سوار للخلف وهي تهتف بقوة و رفض
(لن يحدث يا ليث، أنا أرفض أن تعاملني بتلك الطريقة، لن تقربني بعد عودتك من عندها أبدا)
كان ليث قد بدأ في خلع قميصه، ثم ألقى به هو الآخر، لينظر اليها نظرة غريبة، و قال بهدوء
(و أنا لم أطلب اذنك).

فغرت شفتيها قليلا، الا أنها تماسكت و حاولت الخروج جريا من الغرفة، لكنه كان أسرع منها فأمسك بها بسهولة متفاديا لكماتها و مسيطرا على قوتها البدنية التي كادت أن تصيبه...
صرخت سوار بعنف
(لن يحدث يا ليث)
الا أنه هتف دون انفعال
(بلى سيحدث)
و دون أن ينتظر الإذن منها كما وعد كان قد تمكن في القاء عبائتها بعيدا و دفعها بقوة الى فراشهما...
فاستقامت و هي تصرخ
(توقف عن هذا الجنون).

الا أنه قال أقترب منها و امسك بذراعيها بكل قوة متراجعا بها الى الوسائد من خلفها ليسكت اعتراضاتها...
حاولت سوار المقاومة مرة بعد مرة الا أنه كان أقوى منها و من كل محاولاتها، و رغم عنها بدأ اشتياقها يتحرك نحوه بغدر...
فأبعدت وجهها عن مرماه و هي تهتف بعجز
(أريد شيئا أولا)
لكن ليث أخفض وجهه وهو يهدر بإنفعال لم يستطع كبته أكثر...
(لا، ستحملين طفلي يا سوار، و لن تحمله غيرك، شئت أم أبيت).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة