قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل السادس والثلاثون

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل السادس والثلاثون

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل السادس والثلاثون

أخذ يداعب الصغيرة كريمة بين ذراعيه و هي تقهقه ضاحكة حتى سعلت بقوة
من بين جميع أطفال شقيقته مهجة و الذين يدعوهم بجيش التتار، تظل كريمة هي الأغلى على قلبه و هي الشخص الذي يتفائل به دائما، كلما نظر الى وجهها...
كانت محبوبة و جذابة بشكل غير طبيعي، رغم أنها صهباء و شعرها أقرب للون البرتقالي بينما وجهها يعلوه النمش الكثيف، الا أنها متعة للنظر...

دس أمجد أنفه في عنقها الدافىء و هو يتلذذ بشم رائحتها الطفولية قائلا باستمتاع
(كم أنت شهية يا برتقالة، رائحتك تثير شهيتي كي)
لم يتابع كلامه على الفور بل قلبها على ظهرها و تظاهر بأكلها وهو يدغدغ بطنها بفمه حتى كادت تشهق مجددا من شدة الضحك...
للحظات أبعد أمجد وجهه عنها وهو يعلوها، لينظر اليها بصمت، ثم مد أصابعه يداعب تلك الخصلات اللولبية الجميلة، ثم همس بخفوت.

(أنت جميلة جدا، ربما لم يكن من الصواب أن ألعب معك، الآن تحديدا من بين كل الأوقات)
شردت عيناه قليلا ثم همس في أذنها بخفوت دون ابتسام
(أعلم ما أنا على وشك فقده، الموضوع الآن هو انني أختار بين أيهما سيؤلمني فقده أكثر، و قد حصلت على الجواب، عسى أن يكون هو الجواب الصحيح، فبعض الإختبارات، الرسوب فيها يكلف الانسان حياة قلبه)
صمت للحظة مجددا، ثم اقترب منها و همس بخفوت أشد.

(أنا خائف يا كريمة، و أمامي مهمة كبيرة، مهمة اسعاد تلك المرأة، و نسيان رغبتي الخاصة، على أن أتحلى بقوة اكبر، استعدادا لليوم الذي ستنهار فيه باكية على صدري من فرط ألمها، حينها أحتاج لقوة الجبال، صلابة الصخر)
صمت قليلا وهو يراها تبتسم و تمد أصابعها كي تقبض على أنفه، فجعده لها مما جعلها تقهقه مجددا...

خرجت مهجة من غرفة والدتهما و هي تغلق الباب خلفها بهدوء، ثم اتجهت الى غرفة الجلوس على صوت ضحكاتهما، لتجدهما مستلقيان فوق البساط الكثيف وهو يداعب كريمة مدغدغا و هي لا تتعب من الضحك و لا تمل صحبته مهما طال وقت لعبهما معا...
كانت مهجة تراقبهما بملامح جامدة، خالية التعبير، قبل ان تقول فجأة بشدة
(أنت أناني، بل غاية في الأنانية).

توقف أمجد عن اللعب مع كريمة، ثم رفع وجهه ينظر إلى مهجة بملامحها المتصلبة، قبل أن يمشط خصلات شعره بأصابعه وهو يقول بهدوء
(حسنا، كان هذا غير متوقعا، هلا تكرمت و أخبرتني عن سبب أنانيتي تحديدا)
أشارت مهجة باصبعها الى باب غرفة والدتهما و هي تقول بحدة و حرارة
(أمك لم تتوقف عن البكاء للحظة منذ أن زففت لها الخبر المشؤوم، بينما أنت لا تهتم، و تجلس هنا لتلاعب كريمة بكل برود أعصاب).

وضع أمجد كريمة أرضا، ثم استقام جالسا ليقف على قدميه وهو ينوي الإتجاه الى غرفته، فصرخت به مهجة بغضب
(ألن تجيب؟، هل ستغادر و تتركني أكلم نفسي هكذا بكل بساطة؟)
قال أمجد ببساطة دون ان يتوقف أو يلتفت اليها
(هل أقلك الى بيتك في طريقي أم ستقضين ليلتك معنا؟)
صرخت به مهجة بغضب
(أجبني يا أمجد، أنتظر منك ردا)
توقف أمجد للحظة. ثم استدار اليها مرفوع الرأس، وقال ببساطة.

(بما أن أمر خطبتي ما هو الا خبرا مشؤوما بالنسبة لك، فأنا أستنتج أنه لا نية لك في تقديم تمنياتك الطيبة لي، و أنا تأخرت بالفعل كي أحاول أقناعك، هل حسمت امرك؟ أقلك أم تبيتين معنا)
هتفت مهجة بغضب
(لن أبيت ليلتي هنا، بيتي أولى بي و بأطفالي)
هز أمجد كتفيه و قال مبتسما
(كما ترتاحين)
التفت يتابع طريقه الا أن مهجة جرت خلفه و هي تقول متوسلة
(أرجوك أعد التفكير يا أمجد، لا تفعل هذا، لا تؤلمنا و تؤلم أمك).

دخل أمجد غرفته، ثم استدار ينظر اليها ليقول بخفوت
(كنت أنتظر منك دعما أكبر من هذا يا مهجة، فلطالما دعمتك)
و دون أن ينتظر ردا، أغلق الباب بهدوء، و تركها واقفة تنظر حولها بعدم تصديق، ثم نظرت الى طفلتها التي كانت تلعب بألعابها المتناثرة بكل مكان، فانعقد حاجبيها بألم و هي تهمس
أهو مجنون خالك كي يتخلى عن الحصول على قطعة حلوى مثلك بمحض ارادتك!

رفع أمجد الهاتف الى أذنه وهو يحاول موازنة العلبة الضخمة لقالب الكعكة التي يحملها، و باليد الأخرى باقة ورد حمراء بديعة الجمال...
و ما أن استطاع الرد حتى قال وهو يسنده بذقنه.

(لقد وصلت، أنا في مدخل البناية الآن، هلا توقفت عن الإتصال بي رجاءا، لقد اتصلت بي حتى الآن أربع مرات منذ أن خرجت من بيتي، و أنا الآن أحمل قالب كعك ضخم، و اقسم بالله لو سقط من يدي بسبب امساكي بالهاتف كي أرد عليك، فسوف أصعد به اليك و أضربه في وجهك)
هتفت به وفاء باستياء.

(قالب كعك! من أي عام خرجت أنت! لقد انتهى هذا الطراز منذ عشر سنوات تقريبا، ياللهي، يا أمجد من يجلب قالب كعك معه أثناء التقدم لعروس، يظنه أهلها يريد الأكل منها، لماذا تتصرف من عقلك دون أن تستشيرني)
وصل أمجد الى المصعد وضغط الزر بصعوبة قائلا من بين أسنانه
(ليس هذا الوقت الأمثل كي تبثين في ابرة احباطك، أغلقي الخط و لا تتصلي بي الليلة، فأنا أحتاج للتركيز)
هتفت وفاء بصرامة لا تقبل الجدل.

(أقسم بالله يا أمجد، أنك لن تدخل شقة مسك قبل أن أراك، لن أفوت هذه اللحظة ولو مقابل ملايين العالم)
زفر أمجد بغضب وهو يقول من بين أسنانه
(لماذا تقسمين الآن؟، لمن أت أنا، لخطبة مسك أم لخطبتك؟ توقفي عن هذا الفضول و الذي سيقتلك يوما)
ضربت وفاء الأرض بقدمها و هي تقول
(لقد أقسمت يا أمجد، و لن أعيد قسمي، أصعد الى طابقي أولا كي أعطيك اشارة الموافقة على مظهرك)
زفر بقوة وهو يضرب رقم طابقها بعنف قائلا.

(أنا آت اليك، بصراحة أنت كحدبة على الظهر)
وصل المصعد الى طابق وفاء أولا و ما أن فتح بابيه، حتى رآها أمجد واقفة تنتظره و هي تفرك أصابعها...
رفع حاجبيه وهو يراها ترتدي خف الحمام المطاطي، بينما تلف شعرها على بكرات غريبة الشكل...
توقفت وفاء لتنظر اليه مبهورة، بينما قال أمجد بهدوء
(هل هذا شكل الزوجات في البيت؟، لقد أملت ألا يكون هذا حقيقيا، فمهجة تجيد اخفاء تلك الكوارث حين تكون عندنا).

زفرت وفاء بضيق و هي تقول
(توقف عن استفزازي و اخرج، أريدك في كلمة)
هتف أمجد بغيظ
(الآن يا وفاء! العروس ووالدها في انتظاري بالله عليك، اذهبي و اعدي كوب شاي لزوجك أو اضربي أحد أطفالك، هيا)
أشارت وفاء بإصبعها صارمة، حادة العينين لا تمزح، فزفر وهو يخرج بأدب و طاعة...
نظرت اليه وفاء تتفحصه جيدا، حيث كان يرتدي حلته كحلية اللون على قميص أبيض ناصع، مفتوح العنق دون ربطة، بينما بدى شعره مصففا للخلف بعناية...

قالت وفاء مبتسمة بخفوت و تأثر
(بسم الله، ما شاء الله، تبدو وجهيا يا أمجد)
قال أمجد نافذ الصبر
(لا تبالغي في دور الأم يا وفاء بالله عليك، لقد خطبك زوجك مني شخصيا، و رحم الله يوم كان يرتشف كوب الشراب الاحمر في صالون بيتنا)
تنهدت وفاء و هي تتأمله مليا مرة اخرى، ثم نظرت الى عينيه لتقول برقة
(منذ أن اتصلت بي مهجة كي أحاول اثنائك عن الخطبة و علمت منها السبب الحقيقي و أنا لم أتوقف عن البكاء للحظة).

أظلمت ملامح أمجد وهو يقول بصلابة خافتة
(لا يا وفاء، اياك، الا أنت، لقد تفاءلت بموقفك)
أغمضت عينيها و هي تهز رأسها نفيا، ثم فتحتهما لتهمس من قلبها برقة و حزن.

(لم أكن أبكي شفقة عليك، بل كنت أبكي لأجلها، بكيت كما لم أبكي الا في مرض طفلتي، و فكرت في مساعدة مسك لها قبل حتى أن نتعارف، لقد فعلت ما لا يفعله الأخوات، ظللت أبكي على حظ تلك المخلوقة الجميلة الأنيقة، و التي تستحق كل السعادة، لكن حين هدأت قليلا، تذكرت أنه ربما أرسلك القدر لها كي تسعدها و تعوضها، حينها فقط توقفت دموعي)
ظهر في عيني أمجد تعبير عميق الا أنه لم يستطع الكلام...

الا تدري وفاء أنه سيكابد ألما عليها طوال عمره معها ان تم زواجهما...
الا تعرف أنه لا يظن نفسه فرصة لا تعوض بالنسبة لها لمجرد قبوله بها، بل يظن أن طريقه طويل و صعب في محاول احتوائها و تعويضها...
إنه لا يرى نفسه متعطفا عليها في شيء، بل يرى أنها اكبر من هذا بكثير، هي في حد ذاتها فرصة نادرة للمحظوظ الذي سينالها...
هي مسك الرافعي، و أناقة الاسم تكفي...

اقتربت وفاء منه خطوة و هي تنظر اليه بعينين تفيضان بالدموع، ثم همست مختنقة
(لا يحزنك موقف مهجة، هي تتصرف كأخت، تريد الأفضل لأختها، أما أنا فأتصرف كأم، لا تنسى من قدم معروفا لطفلها المريض مطلقا، و سيظل دينا في عنقها العمر كله)
صمتت للحظة، ثم قالت بهدوء و هي تحاول السيطرة على انفعالها
(خلاصة القول، تلك الفتاة ذات معدن ذهبي نقي، لا تخسرها و حاول بكل جهدك تعويضها، كطلب شخصي مني).

ابتسم أمجد دون أن يرد، ابتسامته كانت أكثر من كافية، ابتسامة حملت الكثير من المشاعر العنيفة المختنقة في صدره...
لكنه أومأ بصمت، فقالت وفاء بمزاح و هي تمسح دموعها
(هيا اذهب الآن فلقد تأخرت، و ليس هناك انطباعا أسوأ من عريس متأخر في زيارته الأولى)
دخل أمجد الى المصعد، ثم استدار ينظر اليها، لكن و قبل أن يغلق المصعد أبوابه تمكن أخيرا من القول بهدوء بعد أن وجد صوته
(وفاء، شكرا).

ابتسمت له و هي تومىء برأسها، و لم تستطع الرد، فقد كانت غصة حادة في حلقها تمنعها من الرد، و شعرت فجأة بشوق غامر الى طفلتها، فدخلت شقتها تنوي احتضانها و النوم بجوارها، و لينام والدها وحيدا الليلة...

وقف أمجد منتظرا أن يفتح له الباب...
طرق الجرس منذ ما يقرب من الدقيقة، و ها هو ينتظر، كان يعلم أن الأمر لن يكون سهلا مطلقا...
لذا أخذ نفسا عميقا، و رفع رأسه وهو يعد الى العشر بداخله بصبر...
فتح الباب أخيرا، ليجد سالم الرافعي واقفا أمامه، ينظر اليه بصمت، نظرة شملته كله من قمة رأسه و حتى حذائه اللامع الأنيق...

مارا بعينيه على قالب الكعك، و باقة الورد الحمراء الكبيرة، فتوقفت عيناه عندهما طويلا و عن قصد قبل أن ينظر الى امجد قائلا برسمية مهذبة
(مرحبا يا أمجد، تفضل)
أزاح الباب و سمح له بالدخول فأخذ أمجد نفسا طويلا آخر وهو يرى الجواب ظاهرا من عنوانه...
كان سالم الرافعي رغم تهذيبه، باردا، متباعدا، واضعا حدا بينهما، لم يضعه في العمل مسبقا...
الا أن أمجد لم يستسلم للسلبية فابتسم قائلا بتهذيب أكبر.

(مساء الخير سيد سالم، أرجو الا أكون قد تأخرت في موعدي)
ابتسم سالم ابتسامة باهتة وهو يقول بنفس الرسمية و باختصار
(اطلاقا، تفضل)
دخل امجد الى الشقة بحرج وهو يدرك بأن سالم لم يبادر بأخذ قالب الحلوى منه على الأقل لذا ظل واقفا ممسكا به و بالباقة لا يعلم أين يضعهما،
فاتجه الى احد المقاعد المذهبة الأنيقة، فوضع القالب و الباقة على الطاولة الوسطية ثم وقف منتظرا سالم الذي أقترب ووقف يقول مشيرا المقعد خلف امجد.

(تفضل، اجلس يا أمجد)
وقف امجد ينتظر جلوسه، ثم جلس هو الآخر وهو ينظر الى المكان بروح مزهوة...
كانت الشقة هادئة تماما، لا أثر للخدم بها، و لا صوت...
لولا عطرها لكان انتابه الشك في أنها ليست هنا، لكن عطرها كان واضحا جدا داخل جدران الشقة...
عطر لن يخطئه مطلقا...
ترى هل كانت تدور هنا في نفس المكان انتظارا له؟

تلك الفكرة أسعدته بشكل أكبر مما توقعه، و أشعره برضا غريب، حتى أنه لو تركوه في عالم مواز لدخل الى غرفتها مقتحما و غمرها بالأحضان مهنئا نفسه على الخطبة...
حين استمر الصمت لعدة لحظات، و سالم يراقب أمجد المبتسم بنشوى ناظرا حوله، مختلسا النظرات...
تكلم ليقول بجمود
(كيف حالك يا أمجد، و حال العمل معك، ربما كنت تود مناقشة المتبقي من)
رفع أمجد وجهه البشوش قائلا ببساطة.

(الحمد لله، دون مقاطعة حديثك، فأموري كلها بخير الحمد لله، رجاء خاص دعنا لا نتحدث في العمل الآن)
أظلمت عينا سالم و صمت تماما، دون حتى أن يبادر بالموافقة، بينما تجمد الجو بينهما و توتر تماما...
أخذ أمجد نفسا عميقا كي يبدأ الكلام، الا أن صوت خطوات هادئة جعلت الكلمات تتوقف على شفتيه وهو يدير وجهه تجاه مصدر الخطوات...
و حينها فقط، علت ملامحه ابتسامة زادته روحا حلوة من حلاوتها...

فوقف ببطىء دون أن يبعد عينيه عنها...
كانت مسك تقترب منهما بهدوء و بساطة، ترتدي فستانا رقيقا، في منتهى البساطة يتحرك حول ساقيها برقة، بينما تركت شعرها حرا تماما دون أي تقييد...
تحركت عينا أمجد على وجهها المبتسم ابتسامة هادئة رزينة، لكنه لا يحمل أي أثرا للزينة...
لكن شعرها مصفف، رغم جهله بهذه الأمور لكنه يستطيع تمييز أنه أصبح أملسا متطايرا أكثر من اللازم...

ربما لم تهتم بوضع أي زينة، الا أنها اهتمت بتصفيف شعرها...
رباه، سيصاب بالجنون وهو يحاول تحليل كل ما يحيط بها، كي يتأكد من سعادتها بخطبته لها كسعادته...
لذا أبعد كل هذا عن تفكيره وهو يبتسم ابتسامة عريضة، قبل أن يقول يسبقها
(مرحبا يا مسك)
اتسعت ابتسامتها قليلا، بدرجة غير ملحوظة، الا أن عيناه رأتها، فردت بهدوء جميل
(أهلا يا أمجد)
ان شاء الله أهلا، و اكثر من أهل...

مد يده يلتقط الباقة التي لم يأخذها سالم منه، فقدمها لها على مرأى منه وهو يقول مبتسما برقة
(تفضلي، هذه لك)
ارتبكت قليلا في ظاهرة كونية نادرة، لكنها التقطت الباقة منه، تنظر اليها بصمت، قبل أن تقول بخفوت دون أن ترفع وجهها اليه و هي تلامس أورقها الحمراء القانية
(شكرا لك، هذا لطف كبير منك).

تركته و ابتعدت بأناقة لتضع الباقة كما هي في اناء كريستالي رائع موضوع على احدى الطاولات الجانبية، قبل أن تتتحرك بخفة و هي تدخل الى المطبخ، و سرعان ما خرجت منه حاملة أبريق ماء، فصبته في الإناء الكريستالي...
كل هذا و أمجد واقفا مكانه يراقبها مشدوها من مدى بساطتها، و هدوء تصرفاتها...
لا يعلم ان كان هذا عاديا أم، لا مبالاة...
تكلم سالم وهو جالسا في مكانه واضعا ساقا فوق أخرى بصلف.

(اجلس يا أمجد، لقد أطلت الوقوف)
تنحنح أمجد بحرج، قبل أن يجلس، محاولا السيطرة على جو البعثرة الداخلية التي أثارته فور دخولها المدروس.

بدأ أمجد كلامه و عيناه عليها و هي تجلس بهدوء على كرسي يقابلهما...
(دون مقدمات، سيد سالم، لقد أتيت الليلة، متشرفا بطلب يد الآنسة مسك للزواج)
ابتسمت، الآن ابتسمت بدبلوماسية تثير الإستفزاز. ، لكم يتمنى أن تصبح حلاله...
حينها فقط، سيكون قادرا على بث بعضا من دفىء مشاعره اليها، ليذيب تلك الرسمية المحيطة بها...
سيريها أن المشاعر ليست ضعفا، و الحب ما هو بخدعة...

أفاق أمجد من أفكاره المجنونة الجياشة على صوت سالم وهو يقول بنبرة قاطعة جليدية
(ليتك أخبرتني في العمل عن سبب الزيارة، لكنت وفرت عليك عناء الطريق، آسف يا أمجد، طلبك مرفوض، ).

(انتظري هنا يا مسك و كلميني)
صرخ بها سالم يوقفها و هي تندفع بعنف تجاه غرفتها
(توقفي حالا)
توقفت مسك بالفعل، قبل ان تدور حول نفسها فدار فستانها الرقيق حولها، الا انها لم تكن التفاتة رقصة ناعمة، بل التفاتة رفض و جموح، قبل ان تواجه قائلة من بين أسنانها
(أنا لا أفهمك، لا أفهمك، لماذا تتصرف معي على هذا النحو؟، لماذا؟)
بدت مسك في تلك اللحظة كفرس غير مروضة، عكس برودها الذي عرفه عنها لسنوات قليلة...

بدت و كأن شرارة الحياة قد عادت اليها فبرقت عيناها بلمعان متحدي
تراجع سالم لخطوة، قبل أن يقول بجفاء
(حاولت افهامك أن هذا شيء مرفوض، الا أنك تعمدت لعب دور البلادة، لذا لم يكن هناك بدا من الصراحة، لا يمكنك الزواج من رجل غريب)
قالت مسك بعنف مفاجىء.

(و أين هو القريب؟، أين هو القريب و ماذا ربحت من خلفه سوى الإهانة و النبذ و الألم، اثنان من أولاد أشقائك عاملوني كبضاعة مستهلكة، و لم أحاول حتى الإعتراض، بل مضيت في طريقي مرفوعة الرأس، الا أنك أنت من تصر على خفضها على ما يبدو)
اتسعت سالم وهو يقول باستنكار
(أنا يا مسك؟، أنا؟، بعد كل ما قدمته لك، )
أغمضت مسك عينيها و هي تحاول السيطرة على نفسها، ثم فتحتهما و نظرت اليه مباشرة و قالت بجمود.

(أحيانا أتسائل لماذا ضحيت لأجلي كل هذه التضحية؟، لماذا لم تسارع بالزواج من أخرى قبل فوات الأوان كي تحصل على الإبن الذي يرث أرضك و أملاكك، خاصة أنك لست متقدما في السن الى تلك الدرجة، لقد تزوجت من أمي صغيرا في الأساس...

كنت أسيرة تلك التضحية لسنوات طويلة يا أبي، لكن مؤخرا بت أشعر بالضغط أكثر مما أستطيع تحمله، و في النهاية بدأت أتسائل، لماذا لم تحررني من هذا الدين و تتزوج و تنجب ابنا، فور معرفتك بحالتي!)
ساد صمت طويل و كل منهما ينظر للآخر بصمت...
هي تنتظر جوابا شافيا، بينما هو صامت، بملامح غريبة...
عقدت مسك حاجبيها قليلا و هي تضيق عينيها محاولة فهم معنى تلك النظرة و الملامح الرمادية الغريبة...

و مضت اللحظات قبل أن تفغر فمها ببطىء و هي ترفع حاجبيها محاولة الكلام، بينما اتسعت عيناها تدريجيا و هي تقول بخفوت متردد
(لقد سبق و تزوجت، اليس كذلك؟، بعد وفاة والدتي، تزوجت من ثانية، أقصد ثالثة، هل استنتاجي صحيح؟)
أطرق سالم بوجهه بصمت كان أبلغ من أي رد آخر...
فتراجعت مسك للخلف خطوة و هي تنظر اليه بذهول، لكنها مالت برأسها و همست تتأكد ببطىء
(هل أنت متزوج؟).

تنهد سالم قبل أن يستدير يوليها ظهره، بينما هي تنظر اليه فاغرة فمها...
هزت رأسها قليلا و هي تقول بخفوت
(ياللغبائي! كيف لم أستنتج هذا من قبل؟)
أخذت نفسا عميقا، ثم أعادت النظر اليه بعينين جامدتين، و ملامح ثابتة، باتت أكثر صلابة من ذي قبل، ثم قالت ببرود خافت
(اذن، أتشوق لسماع المزيد، لماذا لم تنجب الطفل الذي تتمنى؟).

ظل سالم صامتا لا يجيب، لم يلتفت اليها حتى، بل ظل مكانه و كأنه تحول الى صنم لا يسمع، لا يرى، لا يتحرك...
عقدت مسك حاجبيها و هي تقترب منه خطوة، ثم قالت بخفوت
(أبي، ما الذي حدث؟ أنا ليس لدي أخ، أم أنه حدث؟ لم أعد أتعجب لشيء أبدا)
رأته يخفض وجهه قليلا، ثم قال بصوت خافت
(حاولت عدة مرات و لم يفلح الأمر، و كأن الله يعاقبني على شيء لا أعرفه بعد).

أغمضت مسك عينيها و هي تحاول أن تتغلب على صدمتها، ثم فتحتهما و اقتربت منه خطوة أخرى و هي تقول بثبات خافت الصوت
(مهلا على يا أبي، أريد أن أفهم، تزوجت و حاولت الحصول على طفل الا أن زوجتك لم)
قاطعها سالم بصوت أكثر خفوتا دون أن يستدير اليها
(ليست امرأة واحدة)
سقط فكها بذهول حتى بدت كالمجانين، منتظرة منه أن يضحك، لا بد و أنه يمزح كي يخرجها من الغضب الذي شعرت به ازاء تصرفه تجاه أمجد...

لكن صمته كان مريعا فقالت بصوت أكثر خفوتا...
(تزوجت اكثر من مرة بعد، ثريا؟، أو الأصح بعد مرضي؟)
رد سالم بخفوت
(ثلاث مرات، ثلاث زيجات سرية قصيرة، لم تسفر عن شيء)
ظل فمها مفتوح طويلا، الى أن تمكنت من اغلاقه و هي تقول بهدوء
(أنت تمزح يا أبي، انت تمزح اليس كذلك؟، لا يمكن، لقد ظللت تدفع ثمن زيجتك سرا من ثريا لأمي لفترة طويلة، تبكي فيها بدلا من الدموع دم، و الآن، الآن).

صمتت للحظة و هي تهز رأسها، ثم صرخت فجأة بجنون و غضب
(الآن تخبرني أن كل هذا ما كان الا تمثيلا زائفا و أنك تزوجت ثلاث زيجات بخلاف ثريا!)
استدار اليها سالم بسرعة وهو يهتف بصوت أجش متعب
(بل كان بعد وفاتها رحمها الله، لقد أقسمت يوم علمت بزواجي من ثريا الا ألمس امرأة غيرها مجددا، و أوفيت بقسمي، لكن بعد وفاتها)
صمت قليلا وهو يتنهد، مطرقا برأسه، فمدت مسك رأسها منتظرة، الا أنه ظل صامتا فحثته قائلة بحدة.

(ماذا، ماذا حدث بعد وفاتها؟، أتفهم أنك قد تتزوج مرة، لن أحاكمك لهذا، فهو حقك، لكن ثلاث، ثلاث يا أبي! و ما الذي يجبرك على زيجات سرية؟ ما الذي تخاف منه؟)
بدا قاتم الوجه وهو ينظر حوله بارتباك، قبل أن يقول بصوت مختنق
(لم يفلح الأمر، حاولت معهن، لكن)
تراجع رأسها للخلف و هي ترمش بعينيها، قبل أن تخفض رأسها قائلة
(لا بأس يا ابي، لا أريد معرفة التفاصيل، لم أعد أهتم لشيء مطلقا).

رفع سالم وجهه ينظر اليها بصمت، قد بدا في عينيه تخاذل غريب، أشعرها بطعم الصدأ في حلقها و هي تبصره...
فارتجفت شفتاها قليلا و هي تهمس
(لماذا أخبرتني بهذا الآن؟، لماذا تسمعني مثل هذه التفاصيل؟، لم أكن في حاجة لسماعها)
قال سالم بصوت ميت،
(أنت من طلبت سماعها، و لم تتركي الامر الا بعد أن عرفت التفاصيل)
كتفت مسك ذراعيها و هي تدلكهما ببطىء قائلة بصوت باهت
(هل النساء الثلاث، لا تزلن).

رفع سالم كفه وهو يقول قاطعا بخفوت
(لقد ذهبت كل منهن الى حال سبيلها حين لم تفي بالغرض من الزواج منها)
همست مسك بنفور لم تستطع السيطرة عليه
(و ما المطلوب مني الآن)
قال سالم بصوت أجش خافت
(تسافرين لتسلم عملك السابق في الخارج، أنا أبحث لتيماء حاليا في الجامعة بنفس البلد و حينها ستسافران معا، ما رأيك؟).

ارتفع حاجبي مسك بدهشة، قبل أن تطلق ضحكة عالية صافية، الا انها باترة كلوح زجاج قاس شفرته قاطعة، قاسية، ثم لم تلبث أن نظرت اليه عاقدة حاجبيها بعنف على الرغم من الإبتسامة التي لا تزال مرتسمة على شفتيها و قالت بخفوت
(لا أصدق مدى سرعتك في حل الأمور)
انعقد حاجبي سالم بغضب و اسود وجهه وهو يرى سخريتها و نفورها منه للمرة الاولى، فقال بصوت مكتوم.

(زواجك من رجل غريب، انسه يا مسك، خاصة بعد ما قمت به تجاه ابن عمك زاهر، ان تزوجت أمجد ستكون القطيعة بيني و بين العائلة، للأبد)
وقفت مسك مكانها و هي تنظر اليه بصمت، ثم لم تلبث ان قالت بهدوء ثابت
(سأتزوجه)
تسمر سالم مكانه وهو يقول بصدمة
(ضد رغبتي؟)
ظلت مسك تنظر اليه بلا رد، ثم قالت ببساطة.

(هذا يرجع لك يا أبي، كل منكم سلك طريقه، أنت، أشرف، زاهر كان ناويا قبل حتى أن نبدأ، كل منكم يبحث عن ضالته دون تفكير فيما أشعر به، لذا نعم، أنا سأتزوجه في كل الأحوال و لك حرية القبول و الوقوف معي ضد غضب اخوتك و فقد الأرض، أو الرفض و حينها كل ما سأفعله هو أنني سأبحث عن ولي آخر يزوجني لأمجد).

استدارت عنه و هي تتجه الى غرفتها بخطوات ثابتة، الا أن سالم اندفع اليها وهو يمسك بذراعها بكل قوة ليديرها اليه وهو يهدر غاضبا
(كنت لأقتلك لو أقدمت عليها يا مسك، هل تسمعين؟)
نزعت مسك ذراعها من كفه و هي تقول بحدة.

(لن تقتلني يا أبي، لن تقتلني، لم تعد سوى كلمة تهددون بها دون الإقدام عليها فعليا، لم يعد هناك نساء تقتل لأنها تجرأت على الزواج ضد رغبة العائلة، إن كانت تيماء أختي الصغرى قد سبقتني، ضاربة بالعادات عرض الحائط، فهل أخضع أنا؟، مسك الرافعي؟، أفق يا أبي أرجوك و انظر الى الحياة من حولك)
صمتت للحظات و هي تتنفس بسرعة و انفعال، ثم لم تلبث أن تنهدت و هي تنظر الى صدمته قائلة بخفوت.

(أبي، ربما لو كان هناك فرصة ملائمة للزواج من أحد أبناء أعمامي، لانتهزتها، محافظة على الأرض داخل نطاق العائلة، و أنت تعرف أنني أوشكت على الزواج من زاهر بالفعل، لكن الآن، لا فرص و لا زواج، لذا ما الذي يمنعني من اختيار الزوج الذي يناسبني، طالما أنه لا أمل آخر؟)
كان سالم يهز رأسه مذهولا، ثم قال بعدم تصديق.

(لماذا، اخبريني لماذا ترفضين العمل في الخارج و الذي هو كل طموحك، كي تبقي هنا دون عمل و تتزوجين من رجل اقل منك في المستوي، من الواضح أن أسلوب حياة عائلته يختلف كليا عن اسلوب حياتك)
رفعت مسك كفيها و هي تهتف فجأة بقوة و صلابة.

(لأنني أريد الزواج، لأنني انسانة، بشر، أخشى الوحدة مثل الجميع، ربما حرمت من الإنجاب، الا أنني لا أزال اتنفس، أحيا، قادرة على الزواج، لماذا ينظر إلى الجميع على أنني آالة؟، قوتي لا تعني مطلقا أنني مصنوعة من معدن)
كان سالم ينظر اليها مذهولا، و كأنه ينظر الى انسانة غريبة لا يعرفها، ثم قال أخيرا بخفوت
(ماذا تفرقين عن أختك الغبية الآن و في تلك اللحظة؟)
رفعت مسك وجهها و هي تقول بعد فترة صمت،.

(أفرق عنها بأنني لن أسمح لشيء ان يحط من قدري، سواء كان زوج أو فردا من عائلة، قانون، أو حتى ما يسمى الحب و الذي لم أعد أعترف به من الأساس و هذا فارق ضخم جدا، ما أريده هو أن أفعل ما أريد، دون قيد من مخلوق لأنني لم أخلق لأقيد)
ظل سالم مصدوما، بينما رمت هي كلماتها الأخيرة و استدارت عائدة الى غرفتها، مغلقة بابها بهدوء...

ظل أمجد يقود سيارته وهو لم يتخلص بعد من هول احراج المقابلة الكارثية مع سالم الرافعي...
زفر بقوة وهو يضرب المقود بقبضته، بينما كلمات سالم الباردة لا تزال ترن في أذنيه
لعائلتنا وضع آخر يا أمجد، بناتنا لا يتزوجن الا من العائلة، الأمر أكبر مني، أعتذر و اتمنى لك التوفيق مع أخرى، شرفت،.

كان يعلم مسبقا أنه سيسمع شيئا من هذا القبيل، و كان مستعدا له، معدا ما سيقوله و يدافع به، بدئا من الإقناع الهادىء بالعقل و المنطق، نهاية بجملة باترة بأنه لن يقبل بالرفض كجواب...
لكن كل ما أعده من كلام، تبخر أمام ردة فعل مسك...
حيث ظلت من بداية الجلسة و حتى نهايتها، صامتة و على شفتيها شبه ابتسامة رزينة، لعينة...

لم تفقد ثباتها ولو للحظة، تبا أنها حتى لم تفقد ابتسامتها و كأنهما استدعياه الى بيتهما كي يسخرا منه...
ضرب أمجد المقود مجددا وهو يشعر بالغباء...
أين تلك الحرب التي وعدته أن تخوضها معه!
لا يزال يقود لساعة كاملة، لا يقوى حتى على الذهاب الى بيته، معرضا نفسه الى تعاطف أمه و أخته، بنظرة مفادها...
أخبرناك أنها ليست الزوجة المناسبة،.

زم أمجد شفتيه وهو يشدد قبضتيه على المقود، مركزا عينيه على الطريق بصلابة، قبل أن يسمع صوته وهو يهمس بخفوت
لن أقبل الرفض كجواب،
و دون انتظار مد يده ليخرج هاتفه، ناظرا اليه نظرة عابرة، وهو يخرج اسمها، ثم اتصل بها وهو يغلي غضبا...

كانت مستلقية على سريرها تحدق في سقف الغرفة بملامح باهتة و عينين واسعتين و هي تهمس بخفوت
ثلاث مرات! كل التضحية التي كانت، ما كانت الا مجرد فشلا في حمل زوجاته!
شردت مسك و هي تتذكر والدتها، بكل تفاصيلها و التي عمدت الى نسيانها بعد وفاتها كي تقي نفسها من ألم كاد أن يفتك بها...
لكن الليلة بدأت تستخرج هذه الذكريات، كاملة...
كانت امرأة جامحة، فاتنة الشخصية و جذابة الملامح...

يقول الجميع أنها نسخة من أمها، لكنها لا تظن هذا، فهي تظن أنها أشبه بسوار أكثر، في جموحها و عاطفتها و قوتها...
أما هي، مسك فهي قوية أيضا، لكن قوتها تتلخص في كبرياء لا يقهر، يجعلها تؤخر المشاعر درجة دائما، أما الآن فقد نبذت قسم المشاعر بأكمله...

لكن أمها لم تكن كذلك، بل كانت عاشقة و ذات عنفوان آسر، لقد عشقت والدها بكل قلبها و أختارته بكل ثقة أمام الجميع، لكنه خذل هذه الثقة، و طعن حبهما، فتزوج ثريا في نزوة عابرة...
و من يومها، لم تعد أمها بنفس اشراقتها و عنفوانها القديم، لقد كسر بها شيء لم يستطع مداوته بعدها مطلقا رغم أنه حاول كثيرا...

و بدأت أمها تذوي شيء فشيء، ما بين موجات الجنون و الغضب و الصراخ، الى انحسارها في صمت مطبق قد يستمر لايام...
أما مسك فقد كانت تراقبها بصمت، الى أن تمكن منها المرض...
ولولا أن مسك انسانة واعية مثقفة لكانت أقسمت على أن المرض تمكن منها بسبب غدر والدها بحبهما...
لكنها أقسمت على شيء آخر...

مع كل يوم كانت أمها تذوي فيه أكثر و تذبل من شدة المرض و الإكتئاب، كانت مسك تقسم على الا تسمح يوما بشيء يتمكن منها بهذه الدرجة، حتى لو كان حبها لأشرف...
فمضت يوما بعد يوم تبني قشرة صلبة. ، استخدتها حين غدر بها اشرف أيضا...
لكن مسك ليست كوالدتها، شتان بينهما، لن تسمح لحب أو مشاعر بأن تذلها مطلقا...

رفعت أصابعها تمسح دمعة ماسية، متعلقة بطرف أهدابها و هي تسمع صوت رنين هاتفها، فرفعته الى أذنها، تجيب بهدوء أنيق
(نعم)
الا أن صيحة رجولية اندلعت فخرقت طبلة أذنها فأبعدت الهاتف عن أذنها، و هي ترمش بعينيها
(أنا لن أقبل بالرفض كجواب)
أخذت نفسا هادئا، ثم أعادت الهاتف الى أذنها و هي تقول
(لقد غادرت قبل أن أقطع لك جزءا من قالب الحلوى الذي أتيت به، هذا لا يصح أبدا).

صمتت للحظات و هي تسمع سيلا من الشتائم، فارتفع حاجبيها و هي تقول بحذر
(هل أغلق الخط قليلا لأمنحك بعض الخصوصية؟)
هتف بها بغضب و استياء
(أقسم يا مسك الرافعي ان أغلقت الخط الآن، أن أغلق باب مكتب على أنفك المتعالي في الغد، فأنا أعرف أنك ستأتين الى العمل رغم ما حدث)
ابتسمت مسك رغم عنها و هي ترمش بعينيها كي تقتل المزيد من الدموع في مهدها...

دموع ذكرى والدتها التي انتصر المرض و الغدر عليها، فرحلت سريعا، دون أن تترك ذكرى أو أثر لدى أحد
قالت مسك تقاطعه بهدوء
(لقد زرتنا كما طلبت، الآن حان دوري، أحجز لي موعدا لزيارة والدتك و أخوتك كما طلبت منك).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة