قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل السادس والأربعون

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل السادس والأربعون

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل السادس والأربعون

مر بها زوجان، من الواضح أنهما عاشقين، أو حديثي الزواج، فوقفت الشابة بجوارها و قالت مبتسمة لها بلغة البلد التي تدرس بها تيماء
(مرحبا، هل تحادثين طفلك؟)
ابتسمت تيماء و هي تجيبها بنفس اللغة بإتقان
(نعم، اعتدت هذا منذ معرفتي بحملي به، فهذا يزيد من ترابطنا سويا)
قالت الشابة بسعادة
(هذا رائع، فأنا أقوم بالمثل مع طفلي)
وضعت الفتاة يدها على بطنها المسطحة، فقالت تيماء بمودة
(هل أنت حامل؟، تهنئتي لك).

قالت الفتاة شاكرة بمرح و هي تشير الى رفيقها
(أشكرك، كانت مفاجأة و قد أعلنا خطبتنا فور معرفتنا بخبر الحمل)
ارتفع حاجبي تيماء و هي تقول
(آآآآ، آآآمممم، نعم، هذا أفضل بالتأكيد)
قالت الفتاة بحماس
(صبي أم فتاة)
ابتسمت تيماء بحزن و هي تلامس بطنها قائلة
(صبي، اسمه سليم، هذا الإسم الذي اختاره له والده)
هتفت الفتاة بجذل
(رائع، سيكون صبي جميل، و أرجو أن يكون اضافة مثالية لحياتكما)
همست تيماء بصوت واه
(وأنا أيضا).

رفعت الفتاة يدها و هي تقول بنبرة متوهجة من السعادة
(سعيدة بالكلام معك، فمنظرك جعلني أشتاق للطفل منذ الآن، وداعا)
رفعت تيماء كفها بصمت، ثم وقفت مكانها تنظر اليهما في ابتعادهما عنها وكل منهما يحتضن الآخر...
بينما هي تقف وحيدة و يدها على بطنها المنتفخة، تنظر ببؤس و هي تقول.

(هل رأيت هذا يا سليم؟، يحتفلان بالخطبة بعد الإحتفال بالحمل! بينما أمك الحزينة، عاشت سبعة أشهر بك وحدها، تدرس و تعمل و تحضر محاضرات، و تتابع مراحل نموك، و حتى قبل السبعة أشهر كانت مجرد ضرة بدوام جزئي، أما والدك فهو يهيم في الأرض كالمجرمين)
صمتت تتنهد بحزن قبل أن تتابع بحزم.

(كفى حسدا في الناس، لا دخل لنا، يكفيني أن الله رزقني بك، بقطعة منه، القطعة الأغلى على الإطلاق، أنت السبب الوحيد الذي يساعدني على فراقه، بهذه القسوة)
أخذت نفسا عميقا، ثم قالت بقوة
(هيا لنعود الى البيت، لقد تنزهنا بما يكفي اليوم)
لكن و قبل أن تتحرك، تعالى صوت رنين هاتفها. فسارعت للإمساك به، ثم تهللت ملامحها و هي تقول بلهفة
(مسك، هل وصلك أي أخبار عن قاصي؟)
ساد الصمت لبضعة لحظات، ثم قالت مسك ببرود.

(الا يمكنك على الأقل التظاهر بالإهتمام بي شخصيا! قبل السؤال عن حبيب القلب)
تنهدت تيماء و هي تقول
(اعذريني يا مسك، كنت أفكر به للتو، لذا هتفت بالسؤال قبل أن أفكر)
قالت مسك بإمتعاض
(هذا ما تهتفين به كل اتصال يا تيماء)
قالت تيماء متوسلة
(أرجوك يا مسك، ارحمي قلبي و أخبريني، هل لديك جديد. أرجوك، أرجوك ليكن لديك أخبار جيدة)
ساد الصمت لبضعة لحظات، احترقت أعصابها خلالها أكثر و أكثر، حتى قالت مسك بخفوت.

(للأسف يا تيماء، الأخبار ليست جيدة على الإطلاق)
أفلت نفس مرتجف من بين شفتيها، بينما غامت عيناها و هي تهمس
(ما الذي حدث؟)
ردت عليها مسك تقول.

(قاصي حتى الآن مختف تماما، بينما والدة عمرو تزورنا كل اسبوع تقريبا، تبكي و تتوسل أن نخبرها أي معلومة عنه، و في نفس الوقت عرفت أنها قدمت بلاغ منذ فترة طويلة و الشرطة تبحث عنه حاليا، أما راجح فهو يساندها بكل ما يمتلك من قوة، أشعر أن راجح يحمل ضد قاصي أكثر من مجرد اختطافه لعمرو)
فغرت تيماء شفتيها و هي تهمس بصوت ضائع.

(الشرطة تبحث عنه؟، كيف لها أن تفعل ذلك؟ هل نست كم وقف قاصي معها؟، كيف يمكنها أن تحرر بلاغا بالخطف ضده؟، ليس هناك من يخطف ابنه، و هي أدرى الناس بذلك)
قالت مسك بجمود
(الطفل ابنها يا تيماء، و حين تضع الإثنين في كفتين، سترجح كفة ابنها بالتأكيد، و بالنسبة لها قاصي حاليا مجرد رجل خطف ابنها و حرمها منه لمدة سبعة أشهر كاملة، و كأن الأرض قد ابتلعتهما).

دارت تيماء حول نفسها و الهواء البارد تحول الى صقيع جليدي، ربما بفعل الخوف المتنامي بداخلها...
ثم قالت بصوت مرتجف
(مسك، ما هي عقوبة الخطف حاليا؟)
صمتت مسك بضعة لحظات، ثم قالت بهدوء خافت
(لا أعلم تحديدا يا تيماء، الا أنها نهمة خطيرة، و عقوبتها رادعة)
رفعت تيماء كفها الى صدرها الخافق و هي تهمس بصوت ميت
(ما معنى هذا؟، هل انتهت حياة قاصي بهذا الشكل؟، هل قضي على مستقبله؟).

تنهدت مسك تنهيدة صامتة، و كانت كفيلة بأن تعطي تيماء الجواب دون أي شك...
أغمضت عينيها بألم، بينما سألتها مسك بهدوء
(كيف حال الجنين؟، و أنت كيف تبلين في الشهور الأخيرة؟، هذا التوتر العنيف ليس صحيا لك وله)
هزت تيماء رأسها بضعف، ثم لم تلبث أن قالت بخفوت
(أنا، نحن بخير، كلانا بخير، مسك أنا مضطرة لإغلاق الخط، اعذريني)
الا أن مسك قالت بقوة
(تيماء، هل أنت بخير؟، لا تغلقي على الفور).

ردت تيماء بصوت لا يكاد أن يكون مسموعا...
(أنا بخير صدقيني، أنا فقط بحاجة، للإختلاء بنفسي قليلا)
صمتت مسك قليلا، ثم قالت بهدوء
(حسنا كما تحبين)
لكن و قبل أن تغلق الخط، هتفت تيماء فجأة
(مسك، هل لديك رقم هاتف راجح؟)
ردت مسك بجدة
(لماذا تريدينه؟، احذري يا تيماء، فالتعامل مع راجح شديد الخطورة، لا تحاولي حتى)
الا أن تيماء قالت بتوسل
(أرجوك، أرجوك يا مسك، ارسلي لي الرقم في رسالة، أرجوك).

زفرت مسك بعدم ثقة، الا أن تيماء تابعت بضعف يكسر القلب
(أرجوك)
قالت مسك أخيرا بعدم اقتناع
(حسنا سأرسله لك، لكن توخي الحذر، فهذا الشخص محب لأذى الغير دون سبب، فمابالك بمن يخص قاصي)
أغمضت تيماء عينيها بقوة...
من يخص قاصي، كم هي عبارة غالية على قلبها، الا أنها همست بإختناق قبل أن تصرخ بهذا...
(أشكرك).

أغلقت تيماء الخط، ثم استدارت تنظر الى السماء الرمادية، والتي بدأت تزداد قتامة، مما جعل المتنزه يخلو من زائريه شيئا فشيئا قبل هطول الأمطار الغزيرة...
لكن تيماء كانت في عالم آخر، غائمة العينين كتلك السماء الكئيبة في لونها...
لقد ضاع قاصي منها للأبد...
كتب النهاية بيده...
كم ترجته أن يبقى لها و بها، لكنه استمر في رحلته التي قطع على نفسه عهدا الا أن يتمها لنهايتها...

لكن على ما يبدو أن تلك الرحلة، كانت مكتوب لها أن تكون مفتوحة النهاية...
و كم تكره النهايات المفتوحة...
أخرجها من شرودها الموجع صوت رنين مختصر، يعلمها بأنها تلقت رسالة، و ما أن فتحتها و نظرت بها...
حتى سارعت الى طلب الرقم، قبل حتى أن تأخذ من وقتها دقيقة لتفكر في الأمر...
وصلها الصوت الذي تعرفه جيدا، صوت راجح، يقول بقتامة
(من)
هكذا دون مقدمات أو ترحاب...

ابتلعت تيماء ريقها و التزمت أقصى درجات الصبر، ثم قالت بهدوء خافت
(مرحبا راجح)
ساد الصمت بضعة لحظات، قبل أن يقول بصوت عابث رنان
(آآآآه ابنة العم الصغيرة، ذات العينين الشقيتين، تلك التي لن أخطىء صوتها أبدا)
أغمضت تيماء عينيها للحظة و هي تهدىء نفسها بنفس بطيء، ثم قالت بصوت أكثر خفوتا
(كيف حالك يا ابن عمي؟)
تشنجت بقوة و هي تسمع صوت ضحكته العالية المنفرة، ثم قال بمرح.

(كلمة ابن عمي خرجت من فمك كالشهد، لكن بما أني أعرفك جيدا، فلن أخدع نفسي، أنت لم تنطقيها الا و لك توسل لي، اليس كذلك يا، ابنة عمي الفأرة؟)
لم تعد قادرة على الوقوف أكثر، لذا بدأت في السير بسرعة، كي تفرغ فيه طاقتها المشتعلة، بينما دست يدها الحرة في جيب معطفها...
ثم قالت بصوت لاهث من البرد و المشي السريع
(نعم يا راجح، أصبت، إنه ليس طلب، بل توسل، توسل لن أتوانى عن تقديمه لك ذليلة إن كان هذا يرضيك).

أجابها الصمت لبضعة لحظات، الى أن قال راجح بصوت منتشي، شرير، قاس
(لن أتجمل و أتظاهر بأن سماع صوتك تتوسلين لي يرضيني، يغريني بإطالة، تعذيبك كي أسمع المزيد والمزيد من التوسل، لكن لحسن حظك فضولي غلبني، )
كانت خطواتها تتسارع أكثر و أكثر، و لهاثها بات أكثر وضوحا، و هي تقول
(تنازل عن بلاغ الخطف الذي قدمته ضد قاصي).

هذه المرة كانت مهيئة نفسيا و متوقعة سماع ضحكته، لكن على الرغم من ذلك، فعلوها كان كصياح مجنون، جعلها ترتعش أكثر، لكنها لم تتراجع، بل انتظرت و انتظرت، الى أن سمعته يقول هازئا بشراسة
(اعطني سببا واحد يجعلني أفعل)
تمشي أسرع، أسرع، حملها يثقل أكثر و ضربات طفلها ترجاها كي تتوقف، الا أنها لم تفعل...
حتى شعرت بنفسها تدور في دوامة سريعة، مجنونة...
تكلمت بصوت ذو رنين غريب
(هل سبق و عرف قلبك العشق؟).

تسمر راجح مكانه، و تصلبت ملامحهه بشكل غريب، بينما كانت تيماء على الجانب الآخر من العالم
تتابع بقوة و حدة
(لا أقصد الحب العادي الذي مر به الجميع، بل أقصد العشق، هذا الشعور الذي جعلك مستعدا للموت في سبيل من تحب، الشعور الذي يجعلك ترتكب كل جنون ممكن و قد تضائل العقل أمام هذا الشعور المرضي)
كان راجح يستمع اليها بصمت، و حاجباه ينعقدان، و صورة واحدة ترتسم أمام عينيه جراء كلامها اللاهث.

صورة سوار الرافعي، تلك الوحيدة التي عرف معها معنى هذا العشق الذي تتكلم عنه الفأرة، و كأنها تدرك تماما، كل ما يختلج في صدره منذ سنوات طويلة...
لكن تيماء لم تمنحه الفرصة كي يجيب على سؤالها، بل تابعت بقوة أقرب الى الهتاف و هي تشير باصبعها و كأنه أمامها، تصرخ في وجهه بعنف.

(أنا عرفته، أنا عشت كل ذرة منه، أوجع قلبي، عذبني، جعل مني معتوهة أحيانا، مجنونة أحيانا أخرى، و في أغلب الاوقات مرتعبة على هذا العشق، حتى تلخصت حياتي كلها حول محور واحد، اسمه عشقي لقاصي، ربما كان لعنة و ربما كان نعيما، لكن في كل الأحوال هو كل حياتي، كل المتبقي منها)
صمتت تلهث بعنف شديد و كادت أن تزهق أنفاسها، من البرد و المشي السريع، و الأقصى، المشاعر العنيفة التي تنتابها...

تكلم راجح أخيرا، يقول بصوت ميت الإحساس
(لماذا تخبريني بكل هذا؟)
توقفت تيماء للحظة و هي تنظر حولها، عمياء العينين، لاهثة الصدر و القلب، قبل أن تجيب بصوت متهدج
(أخبرك بكل هذا لأن، لأنك لو عشت مثل ما عشته أنا، ستفهم لماذا أتوسلك، و أترجاك الا تؤذي قاصي، أرجوك)
ساد صمت طويل، بينما قلبها يزداد عنفا في ضرباته، الى ان قال راجح أخيرا بصوت أشد قتامة و جمودا لدرجة تثير النفور في النفس.

(كل ما نطقت به، لم يثنيني للحظة عما انوي فعله به، بل على العكس، لقد زادني اصرارا، لكن إن كنت تريدين التذلل أكثر فافعلي، لأن هذا يشعرني بنشوة لا توصف، لا ينقص اكتمالها سوى أن يستمع بنفسه الى زوجته تتذلل و تحط من قدر نفسها)
فغرت تيماء فمها و هي تتنفس بصعوبة، قبل أن تهتف بعذاب
(الا تمتلك بعض الرحمة؟، تذكر أنه هو من ربى ابنك، رعاه يوما بعد يوم، لقد عامله أفضل مما فعلت أنت).

صرخ راجح فجأة بصوت مجنون كاد أن يصم آذانها
(لم يفعل هذا الا ظنا منه بأنه بهذه الطريقة قد نال فضلا على عائلة الرافعي، بتربيته لأحد أبنائها، كان هذا يمنحه شعورا مريضا بأنه أصبح منا، لكنه لم و لن يكون مطلقا، أفيقي و انظري اي مسخ ملكته قلبك)
رفعت تيماء يدها المرتجفة الى جبهتها، و حاولت أن تلتقط أنفاسها على الرغم من ارتجافها العنيف، ثم ققالت بخفوت
(راجح، راجح، انتظر لحظة أرجوك، لا تغلق الخط).

رد عليها بجفاء و حقد
(ماذا تريدين؟، تنازل، لن أفعل، و سآخذ ابني منه و أزج به في السجن حتى نهاية عمره الذي أتمنى ألا يطول)
شهقت تيماء بصدمة و قبها يصرخ
بعيد الشر عنه، عسى أن تموت قبله، الا أنها عادت و لجمت لسانها و هي تكتم ما كانت ستتفوه به للتو، ثم قالت بصوت خافت، هادىء قدر الإمكان
(أنت لم تجب عن سؤالي بعد، هل جربت هذا العشق من قبل؟).

سمعت صوت أنفاسه ساخرة، محترقة و كأنها آتية من الجحيم، ثم قال أخيرا بلامبالاة
(نعم جربته، كل كلمة نطقت بها)
شعرت تيماء ببارقة أمل فسارعت الخطى و هي تقول لعلها تستطيع اطالة المكالمة و إقناعه
(حقا! و ما الذي فرقكما؟)
ضحك راجح ضحكة خشنة مرعبة، قبل أن يقول بمنتهى الوقاحة و كأنه يتلذذ بما ينطق
(ألن تسألي من هي؟، إنها سوار الرافعي، المرأة الوحيدة التي احتلت قلبي، و قلبت كياني).

توقفت تيماء مكانها، و سرى في ظهرها خيط من الثلج...
سوار، لقد عرفت من مسك أنها تزوجت من عائلة أمها...
صحيح أنها كانت تعرف بخطبتها قديما لراجح، الا أن هذا كان منذ سنوات بعيدة...
و هي الآن امرأة متزوجة و لا يحق له أن يتكلم عنها بهذا الشكل!
وقفت تيماء مرتبكة، لا تعلم كيف تتصرف...
الا أن راجح أخذ المبادرة منها وهو يقول ساخرا
(هل أكلت القطة لسانك؟، أين ذهب مقدرتك العالية على الخطابة؟).

فغرت تيماء شفتيها قليلا بارتباك، ثم همست
(سوار تزوجت، و انتهى الأمر يا راجح)
انتفض جسدها و هي تسمع ضحكته المجنونة، قبل أن يقول بمرح مخيف
(مرتين، لا مرة واحدة، بل اثنتين، و ها أنا أمامك أحيا حياتي، و لم أمت كما تدعين أنك على وشك الموت إن فقدت ابن الزنا)
زمت تيماء شفتيها و هي توشك على غلق الخط في وجهه، جراء كلامه القذر عن قاصي، الا أنها مجددا ألزمت نفسها بالتحمل...
فأبطأت المشي وهي تقول بحذر.

(إن كانت قد أحبتك حقا، لما استطاعت أن تكون لرجل غيرك)
لم يرد، ضيقت تيماء عينيها و هي ترهف السمع جيدا، الا أنه كان موجودا، تستطيع سماع صوت أنفاسه جيدا، في الواقع هي شبيهة بصوت أنفاس قاصي الى حد ما...
تكلمت تيماء بجرأة، على الرغم من صوتها شديد الخفوت و المختلط بصوت الريح من حولها
(ألازلت، تحبها؟)
ساد صمت طويل، و كان لا يزال على الخط، دون أن يجيب، فهمست متابعة بتردد.

(لا تبقي على قلبك لمن لم يحتفظ به، مضى وقت طويل، عمر على ما أظن)
ضحك راجح وهو يقول بصوت ميت
(أرى أن الفأرة، بدأت تتمتع بغريزة الأمومة الفطرية و هي تشفق على جريح صريع الهوى مثلي)
قالت تيماء بفتور
(أنت من النوع الذي يشفق عليه الناس لما هو عليه، لا لما هو فيه، و الفارق ضخم)
ضحك راجح عاليا نفس الضحكة التي جعلتها ترتج، ثم قال بوحشية
(و هل تظنين أن ابن الزنا ذو روح أكثر اتزانا مني؟).

أغمضت تيماء عينيها و هي تهمس معترفة
(لا، لكنه يمتلك حق الحصول على الندبات، أما أنت، فلا)
عاد راجح ليضحك عاليا، ثم قال من بين ضحكاته المخيفة
(كم أنت مسكينة غبية مخدوعة! الا يكفي أنه اتخذك كزوجة ثانية، أذلك و أهانك و ضربك، حسنا اسمعي الأفضل، زوجك العزيز لن يقضي عمره في السجن لمجرد قضية خطف عمرو، بل سيفعل لأجل قضية أخرى، زوجك سرق مني مبلغا ضخما، لهذا اختفى، و أنا سأدفنه حيا).

توقفت تيماء مكانها مجددا، عاقدة حاجبيها و قلبها يخفق بعنف بينما هتف لسانها تلقائيا
(كذب، أنت كاذب)
الا ان رده كان شديد السخرية و التشفي، ممتزجان بالغضب المجنون الذي بات غير قادرا على السيطرة عليه...
(سترين بنفسك، كم كنت غبية الى حد مثير للشفقة)
و دون اي كلمة أخرى أغلق الخط في وجهها، بينما وقفت تيماء في البرد الجليدي، تنظر الى الهاتف بملامح ميتة و شفتاها تهمسان.

كاذب، كاذب، أما راجح فما أن أغلق الهاتف مع تيماء، حتى فتح الصور مجددا، صور سوار الرافعي...
يقلب بها ميت الروح، داكن العينين، ثم همس بصوت أجش
تلك الفأرة، كلما سمعت كلامها عن العشق المرضي الذي تكنه لإبن الزنا، لا أتمالك نفسي من النظر الى صورك من جديد، و كأنني نسيتك من الأساس!
(ما الذي يؤكد لك أنه قاصي؟، كيف لصعلوك مثله أن يدبر خطة مثل هذه؟).

صرخ عمران في ولده بصوت محتد، بينما كان راجح ينظر من النافذة بصمت، الى أن قال أخيرا بصوت مشتد
(لقد باع كل ما يخصه قبل الصفقة، ثم اختفى بعدها، لقد فاتني مغزى كل تهديد ألقاه في وجهي من قبل)
ضرب عمران كف على كف، ثم قال بجنون.

(و ماذا بعد؟، الى متى سنظل نتسائل عن هذا دون فعل أي شيء كالحريم! لقد مضت على خسارتنا سبعة أشهر! تبا لكل ما يحدث لنا، انت خرجت من دائرة الميراث بسبب فعلتك السوداء، و تنازلت عن حصتك في الأرض، و أنا ايضا تنازلت عن أرضي و ارثي بعد الفضيحة التي افتعلها ابن الحرام منذ أكثر من عام، ثم تلحقنا تلك الصفقة لتكون الضربة القاضية، نحن نحتضر، و أنت صامت لا تفعل شيئا).

لم يرد راجح على الفور، بل ظل على وقفته ينظر الى السماء المظلمة من النافذة، ثم قال أخيرا بصوت مخيف
(أنا أنتظر عثوري عليه، و حينها)
صمت مجددا، وهو يشرد في الظلام البعيد، بينما قال والده بصوت يرتجف
(هذا الولد كان لعنة و حطت على العائلة، منذ اعتراف الحاج به منذ عام أمام العائلة، و اللعنات لا تتوقف أبدا، لقد نالت الجميع، تحصدهم حصدا)
قال راجح بصوت منفر دون أن يستدير لوالده...

(أنت من جلبته الى هذه الحياة، أنت لا غيرك)
ضحك عمران ضحكة متشفية قصيرة، قبل أن يقول بقسوة
(و لقد جلبت الى الحياة ولدا قذرا مثله، و ابن الحرام هو من ينفق عليه حاليا، نفس البذرة و نفس اللعنة)
استدار راجح الى والده يرمقه بنظرة مظلمة، قبل أن يقول بهدوء جليدي.

(ليست نفس البذرة يا حاج، ابني، ابن حلال، يحمل اسمي على الرغم من كل شيء، و سرعان ما سأستعيده من ابن الزنا، الذي هو ابنك أنت، دون اسم أو شرف، الفرق كبير جدا)
هتف عمران بغضب و قد احمرت عيناه بشكل أشبه بشياطين الإنس
(احترم والدك يا ولد)
لكنه لم يلبث أن سعل بقوة و ضعف، فابتسم راجح بسخرية وهو يقول باستهانة
(كبرت يا حاج، ووهن صدرك)
نظر اليه عمران بغضب، بينما قال راجح بصوت هادىء غريب.

(منذ متى و سوار هنا في نفس المدينة معنا؟)
أولاه عمران ظهره عاقدا حاجبيه، ثم قال بصوت مشتد.

(منذ سبعة أشهر تقريبا، لقد خرج ليث الهلالي بها من البلدة بعد أن تناقلت الألسنة سمعتها بالسوء، و كل هذا بسبب فعلتك القذرة، إن كان لدي أدنى أمل في التصالح مع الحاج سليمان قبلا، فلقد ضاع تماما بعد ما نال سوار بسببك، و بعد سقوط الحاج سليمان من بعد رحيلها، إنه يلازم الفراش من يومها و حالته تزداد سوءا، لو استرد الله أمانته حاليا فسنكون قد خسرنا كل شيء).

ابتسم راجح ابتسامة ساخرة دون أن تصل الى عينيه، قبل أن يقول ببرود
(الأخبار تصلك بدقة، مصادرك في البلدة تستحق الإعجاب)
نظر اليه عمران بقسوة وهو يهتف
(و ما الذي يمكنني فعله سوى هذا، بعد أن حرم على كلينا دخول البلدة في حياة الحاج سليمان)
هز راجح كتفه وهو يقول ساخرا
(و ها هو الحاج سليمان قد سقط، لقد سقط عكاز العائلة، و بقت كسيحة الساق)
رفع عمران اصبعه وهو يقول محذرا.

(اسمع ايها الغبي، إياك و الإقتراب من سوار مجددا، لا ينقصنا المزيد من المتاعب)
ضحك راجح وهو يقول بصوته الميت...
(نحن هنا في المدينة، حيث التخلص من الأوامر، لو أردت رؤيتها لفعلت)
اتسعت عينا عمران وهو يهتف بجنون
(اياك، لا تتغابى أكثر، لقد أصبحت على ذمة ليث الهلالي الآن، و إن تطاولت و ذكرت اسم زوجته فقط، فستمزقك عائلته اربا)
ابتسم راجح ابتسامته الشيطانية وهو يقول.

(أي عائلة! التي طردته بعد أن تشوهت سمعة زوجته بالفعل! انسى، لقد انتهى ليث الهلالي، وأصبح ليث فقط، مجرد ليث و الحساب لا يزال بيننا طويل).

كانت تعلم أن هناك كارثة محلقة في الأجواء حولها...
هذا هو ما استشعرته اليوم تحديدا صباحا و هي تستيقظ في دار والدها في البلدة، لتجد أن هناك حالة من التوتر و الإرتباك تسود المكان...
نزلت بدور السلم بعرج، و ببطىء و هي تنظر الى الخادمتين، تعملان بسرعة على تنظيف المكان، بينما والدتها تتحرك في البهو مهرولة بقلق، هاتفة في هذه و تلك...

رفعت حافة جلبابها القطني الأبيض الفضفاض كي لا تتعثر به، حتى وصلت الى البهو بالقرب من أمها، فقالت بخفوت
(صبحك الله بالخير يا أمي، ماذا يحدث؟)
استدارت أمها على عقبيها بسرعة و هي تلحظ نزول ابنتها، فهتفت و هي تضمها بقوة الى صدرها
(صباح الهناء و البركة، مبارك يا حبيبة أمك، مبارك يا عروس).

شعرت بدور فجأة بالبرودة تسري في أوصالها، و استعت حدقتي عينيها بينما تعالت ضربات قلبها، بعدم استيعاب، فرفعت وجهها الشاحب عن كتف أمها و هي تهمس بتلعثم و بصوت ميت
(ع، عر، عروس! أنا لا أفهم يا أمي)
هتفت أمها بلهفة و هي تبكي بشدة.

(لقد أكرمك الله يا حبيبتي، ليلة أمس، اتصل الحاج حسين ابن عم والدك به، و أخبره عن نيته في خطبتك لإبنه جمال، و الليلة ستأتي والدته و شقيقاته و زوجات أشقائه كي يخطبنك، و آخر الاسبوع ستكون جلسة الرجال و قراءة الفاتحة)
في لحظة واحدة بهتت كل الألوان عن وجه بدور، و زاغت حدقتيها، قبل أن تشعر بالأرض تميد من تحتها، فترنحت و سقطت أرضا، متسعة العينين، زرقاء الفم...
ضربت الأم صدرها بيدها و هي تصرخ بهلع.

(بدور، قلب أمك يا حبيبتي، ماذا أصابك؟)
ثم سقطت أرضا بجوارها و هي تضرب وجنتها الشاحبة بكفها صارخة
(يا أم مسعود، تعالي الى هنا، احضري كوب ما لبدور، لقد أغشي عليها)
ثم عادت تنظر الى وجه ابنتها الباهت و هي تصرخ
(بدور، أجيبيني يا ابنتي، بدور يا حبيبتي)
رفعت بدور نفسها الى مرفقيها بعد أن عاد الدم الى أوردتها، فساعدتها أمها بلهفة، الا أن بدور قالت بصوت ضائع و هي تنظر حولها
(ماذا حدث؟).

ضمتها أمها الى صدرها و هي تقول بحنان و قد انسابت دموعها رغم عنها
(لقد أصبت بالإغماء حبيبتي، الخطأ خطأي، لم يكن على أن أفاجئك بالخبر بهذه الطريقة ما أن فتحت عينيك، أنا أيضا كدت أن يغشى على من الفرحة)
كانت بدور تنظر حولها كمن أصيب بمرض عصبي لا ارادي، الا أنها همست بضياع
(خطبة، سيأتون لخطبتي)
أومأت أمها و هي تقول من خلال بكائها الحنون.

(نعم يا حبيبتي، لقد فاتحوا والدك في الامر و حين تتم الخطوة الأولى، سنبدأ في التحضير للزفاف مباشرة، هذه المرة لن نطيل الخطبة أبدا)
كانت بدور تنظر الى أمها التي رفعت كفيها الى السماء قائلة
(اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد، ستتستر ابنتي، بعد أن كنا قد فقدنا الأمل)
نهضت بدور من مكانها بتعثر و هي تقول بإعياء
(أريد الذهاب الى غرفتي يا أمي)
ساعدتها أمها و هي تقول بحبور.

(اصعدي حبيبتي و نالي قدرا وافيا من النوم، و أنا سأحضر لك الطعام، المهم أن تكوني الليلة في أبهى حالاتك، استخدمي كل أدوات الزينة الخاصة بك)
حين دخلت بدور الى غرفتها، وقفت تنظر الى نفسها في المرآة طويلا، قبل أن ترفع يدها و تصفع نفسها بقوة، بينما بقت ملامحها جامدة، فقد اعتادت فعل ذلك خلال الأشهر الماضية، و قد فقدت القدرة على التأوه حتى...
و ما أن انتهت حتى كانت وجنتاها قد اشتعلتا بعلامات الأصابع...

بعد بضعة ساعات، كانت واقفة نفس الوقفة، بنفس النظرات، الا أنها تزينت كما طلبت والدتها تماما...
مرتدية عباءة حريرية مزخرفة لائقة، و تضع أحمر شفاة قاني، و كحل أسود سميك...
أما شعرها فقد تركته حرا، الا من مشبكين صغيرين جمعا جانبيه...
كانت تنظر الى شفرة حادة موضوعة على طاولة زينتها، و كأنها تتحداها أن تنهي خوفها بيدها، فهو لم يعد مطاقا أبدا...

الا أنها تحركت في وقفتها و استدارت، كي تنزل لمقابلة قريبات العريس...
دخلت بدور عدة خطوات داخل مضيفة النساء، فنظرن جميعا لها، بتفحص و سكن الكلام مباشرة، بينما أطلقت أمها زغرودة عالية...
كانت تعلم ما ستقوم به جيدا، حتى أنها نظرت اليهن و ابتسمت، ثم تحركت ثلاث خطوات أخرى بعرج...
واحد، اثنان، ثلاثة...
و في الرابعة أقدمت على الأمر، تعمدت لي ساقها العرجاء تحت نفسها، فسقطت أرضا أمام الجميع...

هتف والدها بغضب و عنف
(سقطت! كيف حدث هذا؟)
ردت والدة بدور ببكاء لا ينضب
(لم تتعثر في شيء والله يا أبا زاهر)
ضرب أبا زاهر كفيه ببعضهما، قبل أن يهتف منفعلا
(و فيما يفيدنا هذا؟، لقد اتصل أبا جمال و أخبرني بتحفظ أن والدة العريس قد رفضت الأمر برمته حين رأت ابنتك تسقط أرضا بساقين لينتين مجوفتتين)
ضربت أم بدور على وجنتها باكية
(ياللحظ العاثر، لا حول و لا قوة الا بالله)
هتف أبا زاهر بإستياء.

(هذا ما ينالنا من انجاب المزيد من الخرقاوات، حتى المشي لم تعد قادرة عليه)
اقتربت أم بدور منه ترتجف، ثم همست برجاء
(أبا زاهر، لما لا تفاتح أمين ابن أخيك في الزواج من البنت؟)
استدار أبا زاهر اليها بكل قوة وهو يصرخ مذهولا بعنف بينما قبض على مقدمة ثوبها
(أتريدين مني التدليل على ابنتي! هل جننت يا امرأة؟)
هتفت أم بدور بارتياع.

(لم أقصد هذا مطلقا أقسم بالله، أنا فقط، أظنه أكثر الأحفاد شهامة و أصل، و سيتقبل البنت بحالها)
ضاقت عينا أبا زاهر وهو يفكر متجهما، بعمق...

بعد اسبوع، كانت منحنية تطوي الحلة الصغيرة ذات اللون الأزرق و ترتبها برفق في الحقيبة الملونة...
ثم قالت مبتسمة برقة
(ها قد رتبنا حقيبة الذهاب للمشفى أثناء الولادة يا سليم، لقد وضعت كل ما قد أحتاجه، اتمنى الا أكون قد نسيت شيئا)
استقامت تيماء و هي تضع كفها في ظهرها متأوهة بتعب، ثم قالت مجهدة
(ظهري يؤلمني بشدة، و ضغط بطني يشتد، أنت تؤلم أمك أكثر كما يفعل والدك، وغد صغير).

صمتت قليلا و هي تداعب بطنها برفق، ثم اتجهت الى المرآة المثبتة في شقتها الأنيقة العصرية و التي تسكنها منذ أن انتقلت الى هنا، و نظرت الى نفسها مبتسمة بحزن...
كانت ترتدي قميصا قطنيا قصيرا جدا، يشتد على صدرها الا أنه يظهر بطنها المنتفخة عارية، لطيفة الشكل، و فوق القميص كنزة صوفية بسيطة تضمن لها بعض الدفىء...
لامست بشرة بطنها العارية و هي تهمس بصوت متوهج.

(لقد اقترب الوقت يا سليم، لن أكون وحيدة بعد أن تأتي يا حبيبي، ستكون لي العائلة و الحبيب و كل الحياة، يكفي أن تحمل رائحة والدك، و ليتك تشبهه)
صمتت للحظة ثم قالت بجدية
(لقد أعددت لكل شيء مسبقا، سنتابع دراستي معا، سيكون لك مكانك قبلي في كل مكان اذهب اليه، الجامعة و المكتبة و حتى أثناء الدراسة، سننجح في هذا معا)
ابتسمت برقة و هي تتابع مداعبة بطنها
(أنت الأمل الوحيد المتبقي لي، أنت فرصة السعادة الأخيرة).

أظلمت عيناها قليلا قبل أن تهمس قائلة
(والدك قد يدخل الى السجن، و يمكث هناك لسنوات طويلة، ربما كان هذا أفضل، فعلى الأقل في السجن سأكون أكثر اطمئنانا عليه من نفسه، على الأقل سأراه بصفة دورية)
رفعت كفيها الى جانبي جبهتها و هي تهز رأسها قائلة
(هل انحدر بي الحال اليائس الى هذه الدرجة؟، أتمنى سجن والدك، ليكون في أمان من نفسه، و كي أتمكن من رؤيته حين أريد! أي بؤس هذا!)
تنهدت تيماء بتعب و ألم، ثم قالت بخفوت.

(لا أعرف لمن ألجأ أيضا لأساعده! لقد أعيتني الحيل)
أوشكت على متابعة تحضير الحقيبة للمرة المئة، الا ان صوت رنين جرس الباب جعلها تجفل و هي تهمس لنفسها بقلق
(من سيأتي الآن؟، دون أن يستخدم جهاز الإتصال الداخلي للبناية!)
تقدمت الى الباب بحذر حتى استطالت على اقدام قدميها لتنظر من ثقب الباب، و مرت لحظتين فغرت خلالهما شفتيها شاهقة بعنف و هي تتراجع للخلف مندفعة عدة خطوات...

متسعة العينين بذهول، مفتوحة الفم، قبل أن تصرخ بقوة
(قاصي!)
و ما أن استعادت وعيها حتى جرت الى الباب مجددا لتفتحه على أقصى مصرعيه، فوجدته واقفا أمامها، مبتسما، بعينيه المتوهجتين، بلون الجمر...
همست مجددا بعدم تصديق
(قاصي).

الا أنه لم يتحرك اليها، بل ظل واقفا مكانه ينظر اليها بنفس الإبتسامة البطيئة وهو يمر بعينيه بدئا من شعرها الذي قصته حتى كتفيها و حجزته بطوق ذو أسنان حادة، ليندفع بعد الطوق متطايرا في كل مكان كشمس مشتعلة مجنونة الأشعة...
و حتى صدرها المنتفخ، فأطالت عيناه النظر هناك قليلا، قبل أن تنحدران الى بطنها المستديرة العارية، ثم توقفتا عليها...

مرت دقائق طويلة، و هي تقف مكانها تنظر اليه بذهول و كأنه حلم اندمج بواقعها...
بينما هو يقف ناظرا الى بطنها بنظرات غريبة العمق...
و حين تكلم أخيرا قال بلهجة مداعبة
(تدفئين نفسك بإهتمام، بينما تتركين طفلي عاريا! هل هذه هي الأمانة التي تركتها لك؟)
فغرت تيماء فمها أكثر و هي تهمس مجددا و كأنها قد تحولت الى آلة لتكرار كلمة واحدة
(قاصي!).

مد قاصي كفه في الهواء ليمسح على صورة وجهها عن بعد، قبل أن يطبق قبضته بقوة أمام عينيها قائلا بصوت أجش يرتجف قليلا
(ليتني أستطيع القبض على هذا المشهد حي كي أحتفظ به للأبد، عيناك الفيروزيتان البراقتين، واسعتين تتوهجان بلغة لا يعرفها سواي، شفتاك المرتجفتان، فاغرتان، ذاهلتان، لا تنطقان سوى باسمي فقط، بطنك العارية المنتفخة تحتضن ابني، ابن قاصي الحكيم).

انعقد حاجبيها و كأنها تتألم جسديا، ثم همست بإختناق و كأنها فقدت القدرة على أي كلام آخر
(قاصي!)
تحرك قاصي تجاهها، فتراجعت للخلف، مما جعله يدخل و يغلق الباب من خلفه...
يتقدم و عيناه على عينيها، بينما هي تتراجع، و عينيها مأسورتين بعينيه الى أن ارتطمت بالجدار من خلفها فشهقت بقوة هاتفة
(قاصي).

الا أنه كان قد وصل اليها، فرفع أصابع يده ليضعها على فمها يصمت ندائها المذهول، فصمتت بالفعل، بينما انحدرت كفه من شفتيها الى ذقنها، ثم مرت عبر عنقها، نزولا الى قلبها...
حتى انحنى فجأة و سقط على ركبتيه أمامها...
وجهه مواجه لبطنها، ينظر اليها بذهول و انبهار، بينما أصابعه تتلمس بشرتها العارية بسحر لا يمكن وصفه...
الى أن وضع كلتا يديه على جانبي بطنها، ثم انحنى ليقبلها برفق ولهفة مغمضا عينيه...

أغمضت تيماء عينيها هي أيضا مستندة الى الجدار من خلفها، بساقين واهنتين...
و مضت بهما الدقائق طويلة حتى فقدا القدرة على عدها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة