قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل السابع والعشرون

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل السابع والعشرون

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل السابع والعشرون

احمرت وجنتيها اكثر و اكثر، و تسارعت نبضات قلبها في مؤشر غير مبشر بالخير، الا انها قالت برزانة
(ما هو؟)
قال ليث بخفوت
(حملك كل ليلة)
اسبلت سوار جفنيها، بينما تحولت ابتسامتها المستفزة الى اخرى حالمة ناعمة...
نعم، لقد واظب على حملها كل ليلة الى غرفتهما كما وعد، يوما بعد يوم و ليلة بعد أخرى...
حتى شعرت في غيابه ان ساقيها قد تحولتا الى هلام غير قادر على ايصالها للسرير...
فقالت اخيرا بخفوت.

(على أنا أن أفتقد هذا، لا أنت، )
قال ليث بخفوت
(و هل تفعلين؟)
اطرقت برأسها، و انساب شعرها حول وجهها الهادىء ذو الملامح الصافية، ثم قالت بخفوت
(نعم)
زفر ليث بقوة قبل ان يقول بعنف
(تبا لهذا يا سوار، كنت بجوارك أيام و ليالي، لم تتنازلي خلالها للتلفظ بكلمة واحدة، و الآن تتبرعين بكل هذا الكرم دون رحمة، و أنا بعيد عنك، غير قادر على حملك بين ذراعي و ضمك الى صدري).

عضت سوار على شفتها و هي تنظر الى عينيها الواسعتين في المرآة قبل ان تقول بخفوت مرتبك
(متى ستعود؟)
قال ليث بصوت مشتاق
(في أقرب وقت ستجدين نفسك بين ذراعي، محمولة الى صدري)
ابتسمت سوار بخجل قبل ان تهمس بنعومة
(سأكون في انتظارك، تعود بالسلامة، ان شاء الله يا ابن خالي)
همس لأذنيها بخفوت
(سلمك الله يا روح ابن خالك).

اطرقت بوجهها مبتسمة، الا أن صوتا حادا. جعلها تجفل و تقشعر، فقد سمعت من الجانب الآخر صوت ميسرة ينادي بدلال
ليث حبيبي، ألن تأتي؟، حضرت الحمام،
شهقت سوار بصوت مكتوم، قبل أن تقول بجمود
(في أمان الله)
ثم أغلقت الخط على صوته وهو ينادي باسمها...
وقفت سوار تنظر الى نفسها في المرآة، و قد ضاعت منها الإبتسامة، و ازدادت عيناها اتساعا غائرا...

فأغمضت عينيها عن تلك الصورة من الضعف الجديد الذي حل عليها، يحد من عزمها السابق...
أين ضاع سليم رحمه الله من تفكيرها؟
و ها هي تقف كزوجة دخيلة، تستمع الى زوجها مع زوجته الأصلية و التي يحاولان معا انجاب طفل...
أين ضاع سليم؟، و أين الهدف الذي أتت الى هنا من اجله...
سمعت سوار صوت طرقا على الباب، ففتحت عينيها و رفعت وجهها الشاحب تلتقط نفسا عميقا، قبل ان تقول بهدوء
(ادخلي).

دخلت نسيم تتعثر في ثوبها مطرقة الرأس، متجنبة النظر الى سوار و هي تقول بخفوت
(أحضرت لك كوب الحليب سيدة سوار)
ردت سوار و هي تدقق النظر بها
(شكرا يا نسيم، ضعيه من فضلك على الطاولة، )
و ضعته نسيم دون أن ترفع عينيها الى عيني سوار ثم قالت متراجعة
(سأذهب الآن للنوم إن لم تكوني في حاجة الى شيء آخر سيدة سوار)
ردت سوار عليها بهدوء حازم
(نعم أحتاج اليك في أمر هام يا نسيم).

تسمرت نسيم مكانها و بدت مرتبكة و عيناها واسعتان و خائفتان، فقالت متلعثمة
(هل، هل فعلت شيئا لم يرضيك سيدة سوار؟)
ارتفع حاجب سوار و هي ترد مبتسمة دون تعبير
(بالطبع لا، لماذا أنت خائفة الى هذه الدرجة؟)
هزت نسيم كتفيها و هي تقول بخفوت دون أن يزول التوتر من عينيها
(لست، خائفة، تفضلي بأمرك سيدة سوار)
تهادت سوار الى سريرها حيث جلست على حافته، واضعة ساقا فوق الأخرى، قبل أن تقول بصوت قوي، ثابت.

(هل تعرفين دار فواز الهلالي؟، أريد الطريق اليه بالتفصيل، دون الحاجة للسؤال حوله)
ارتفع حاجبي نسيم و هي تنظر الى سوار بدهشة، ثم قالت متلعثمة
(آآ، آآآ، لا أعرفه حاليا، لكن لو أمهلتني بعض الوقت قد أستطيع الحصول لك على مكان الدار بالتحديد)
قالت سوار تجيبها بنبرة هامة خافتة
(ستكون خدمة لن أنساها لك يا نسيم، أنا أحتاج الى مكان الدار، لكن بصفة سرية، لأن الموضوع خطير و قد يضرني)
قالت نسيم بارتباك...

(بعيد الشر عنك، سيدة سوار، فقد امهليني بعض الوقت. ، )
ردت سوار بنبرة هادئة
(خذي وقتك يا نسيم، و أرجو أن تأتيني بأخبار طيبة)
أومأت نسيم برأسها دون أن ترد، ثم ارتدت بظهرها متجهة الى الباب و هي تقول بخفوت
(تصبحين على خير سيدة سوار)
أومأت سوار برأسها دون أن ترد، ثم راقبتها الى أن خرجت و أغلقت الباب خلفها...
بينما بقت سوار مكانها تنظر الى الباب المغلق قبل أن تدور بعينيها في الغرفة الواسعة الموحشة...

كان هناك انقباضا مجفلا في صدرها، بعد أن كان هذا الصدر ينبض بسعادة منذ لحظات...
تراجعت سوار للخلف حتى استلقت على الوسائد متطلعة الى سقف الغرفة، في صمت لا يقطعه سوى صوت الحشرات الليلية...
كم كانت تشعر بالوحشة في تلك اللحظة، بالوحدة، و بشعور آخر أشد وجعا...

حاولت اغماض عينيها، عسى أم تجلب رائحة البخور لها بعض الراحة، فتنسى ألمها عبر سبات عميق، الا أن النوم جافاها، و فتحت عينيها من جديد لتحدق بسقف الغرفة، غير قادرة على ابعاد ليث و ميسرة عن تفكيرها...
و حين طال بها الأرق و ازداد تململها فوق الاغطية الباردة و التي تحولت الى حمم فوق جسدها، استقامت جالسة بوجه مرهق و هي تتناول هاتفها لتنظر اليه بصمت.

لم يحاول ليث اعادة الإتصال بها، رغم أنه ناداها قبل أن تغلق الخط...
هذا ليس له سوى معنى واحد، وهو أنه مشغول بما لا يستطيع تركه حاليا...
هتفت سوار هامسة و هي تضغط أعلى أنفها بقوة
كفى، كفى، أنا لست مهتمة، ولو عاشرها ألف مرة،
الا أنها لم تهدأ بل زادت عصبيتها و تحولت الى صداع قوي، فشعرت في تلك اللحظة أنها في حاجة الى سماع صوت قريب الى قلبها، عله يهدئها...
صوت فريد...

كانت ستتصل به صباحا في كل الأحوال عاقدة العزم على مفاتحته في الأمر الذي فكرت به مرارا، لكنها الآن لم تستطع الإنتظار الى الصباح، بل تمنت لو كان مستيقظا كي يخفف عنها...
طلبت سوار رقمه و انتظرت، الى أن أتاها صوته المحبب الى القلب وهو يقول بمرح
(سوار الحبيبة تتصل بي قبل النوم! إنها ليلة سعدي و هنائي)
ابتسمت سوار و قالت بهدوء.

(كيف حالك يا حبيب قلب أختك، اشتقت اليك ايها العابث، فأنا لا آخذ منك سوى كلاما فقط)
قال فريد بجدية
(و هل هنت عليك كي تنطقيها؟، كنت عاقدا العزم على زيارتك في نهاية الاسبوع، لكنك سبقتني)
ردت سوار بلهفة
(حقا يا حبيبي! أرجوك الا تتراجع عن زيارتك تلك، فأنا في حاجة لها جدا، أنا، أنا وحيدة جدا هنا يا فريد)
قال فريد عاقدا حاجبيه
(لماذا تشعرين بالوحدة؟، أين هو ليث؟)
أظلمت عينا سوار و هي تقول بنبرة قاتمة.

(مسافر مع زوجته، بينما أنا محتجزة هنا و ممنوعة حتى من زيارة جدي)
هتف فريد بحدة
(ما معنى هذا؟، سآتي اليك غدا و أصطحبك الى بيت جدك و سنقضي اليوم بأكمله في دار الرافعية، و لنرى من يستطيع منعنا)
تنهدت سوار و هي تقول بخفوت
(لا يا فريد، الأمر أبسط من هذا، بل أظن أنه لم يعد لي مكان في دار الرافعية من الأساس، و كأنه لفظني ممتنا)
قال فريد عابسا.

(لماذا تتكلمين بهذه الطريقة حبيبتي؟، لم أعهد تلك النبرة في صوتك من قبل)
تنهدت سوار و هي تقول بشرود
(أنا نفسي بت لا أعهد شيئا عن نفسي، و كأن انسانة غريبة تسكنني)
رد فريد بقلق
(سوار، هل أنت بخير؟، أستطيع القدوم اليك غدا)
ردت سوار بجدية و حزم
(أنا بخير، لا تقلق على، فقط تعال في نهاية الاسبوع، فهناك أمر هام أريد عرضه عليك)
قال فريد بمرح
(و أنا أيضا، هناك أمر أريد اخبارك به)
قالت سوار باهتمام
(اخبرني).

قال فريد بنبرته الشقية
(بعد أن تخبريني أنت، ماذا لديك؟)
بدت سوار مرتبكة، رافضة، فهو شقيقها الوحيد، و ما ستطلبه منه لا تقبله كأخت مطلقا، الا أن الموضوع حياة أو موت، و عسى الله أن يجزيه خيرا لو قبل بالزواج من بدور...
قالت سوار على مضض
(فريد، أنا أتمنى لك الأفضل بين النساء، لكن هناك سر أريد اخبارك به، لعلك تكون السبب في انفاذ حياة فتاة هي)
قال فريد مبتهجا.

(أتعلمين ماذا، كلامك عن الفتيات و النساء، زاد من حماسي و سأخبرك أنا اولا، سوار، أشعر و كأنني، معجب بفتاة)
اتسعت عينا سوار و هي تهتف بذهول
(معجب بفتاة! فتاة حقا من لحم و دم؟)
عبس فريد وهو يقول بخشونة
(نعم فتاة من لحم و دم، لا تشعريني بأنني فاشل اجتماعيا مع الجنس الآخر الى تلك الدرجة)
فغرت سوار شفتيها قبل ان تقول مبهورة
(لكنها المرة الأولى التي تعجب فيها بفتاة، بل و تهتم باخباري عنها)
قال فريد بحرج...

(في الحقيقة لقد اعجبت بالعديد من الفتيات من قبل، لكنني كنت استشعر استحالة الأمر لذا كنت أقتصر الطريق و أنهي هذه العلاقة قبل أن تبدأ، لكن هذه المرة، الأمر مختلف يا سوار)
ابتسمت سوار بسعادة حقيقية و هي تقول بجذل
(أخبرني يا قلب أختك، أخبرني عن تلك الفاتنة التي سرقت قلبك و جعلته أمرا مختلفا، من تكون و أين عرفتها، و ابنة من هي، هل هي جميلة؟)
ابتسم فريد وهو يقول بمرح.

(هي ليست فاتنة، لكنها لذيذة، لذيذة جدا، ما أن أراها حتى أبتسم تلقائيا)
قالت سوار باهتمام عنيف
(هل فاتحتها في الأمر؟)
قال فريد ضاحكا...
(على مهلك يا سوار، لم نتكلم سويا سوى مرتين على الأكثر، لكنني اعتدت رؤيها منذ فترة عن بعد)
ضحكت سوار و هي تهز رأسها غير مصدقة بعد، ثم قالت أخيرا بجدية
(اذن متى ستفاتحها في الأمر؟، و متى سأتعرف أنا عليها؟)
قال فريد بقنوط.

(يا سوار، أنا نفسي لم أتعرف عليها بعد بشكل جدي، لا أملك أول الخيط، لو أمسكت طرفه، لاستطعت التعرف اليها عن قرب، لكن اخر مرة مثلا كانت غير مشرفة اطلاقا، )
تنهدت سوار و هي تقول بجدية
(لا تهدر وقتا كان من الممكن ان يكون من أجمل أيام حياتكما، سارع اليها و اخطفها قبل أن يسبقك اليها آخر، فتظل نادما طوال عمرك، لا تكرر هذا الخطأ يا فريد، اياك)
عقد فريد حاجبيه وهو يقول
(خطأ من كان هذا يا سوار؟، من تقصدين؟).

انتبهت سوار الى نفسها و هي تقول بشرود
(ها، لا تأبه لما أقول، مجرد حالة أمر بها من وحدتي، المهم أسرع في التعرف الى الفتاة عن قرب و لو كانت فعلا هي الفتاة التي تريد، سآتي بنفسي كي أخطبها لك)
قال فريد مبتسما
(و أنا الذي كنت أظن نفسي أحمقا لتفكيري في خطبة امرأة رأيتها مرتين فقط، لكن ثبت أنك أكثر مني حماقة)
قالت سوار بجدية.

(الإحترام ليس حماقة، لسنا نحن من نواعد و نصادق و نرتبط بعلاقة قبل الزواج يا فريد، ثق في نفسك و لا تهتز، ثق بمشاعرك فهي ستقودك، مهما كانت سريعة)
صمتت للحظة، ثم عقدت حاجبيها و هي تقول بحيرة
(هل قلت امرأة للتو؟، تقصد فتاة. ، اليس كذلك؟)
قال فريد فجأة بارتباك
(سوار، الخط مشوش و لا أستطيع سماعك، أراك حين أراك، الى اللقاء).

نظرت سوار الى الهاتف بحيرة، لكنها مطت شفتها و هي تضعه بجوارها لتستلقي برفق علها تستطيع النوم، دون المزيد من الصور المنفرة، الموجعة...

همست نسيم في الهاتف و هي تختبيء في احدى زوايا المطبخ المظلمة...
واضعة يدها أمام فمها
(تريد مكان دار فواز الهلالي، و شددت على أن يبقى الأمر سرا، أو أنها ستتأذى)
برقت عينا ميسرة على الجانب الآخر من الخط، و هي تعيد تشغيل عقلها الجهنمي، لتقول محدثة نفسها
ماذا تريد من فواز الهلالي بعد أن قتل زوجها؟،
صمتت للحظة قبل أن تبرق عيناها أكثر و أكثر، ثم همست بسعادة منتشية.

أتراها تنوي الاخذ بثأر زوجها؟، والله لو حدث هذا فسأوزع العطايا على الأسياد، و أذبح عجلا و أوزع لحمه على الخدام الطائعين لهم،
برقت عيناها بانتصار و همست بنبرة آمرة
(اسمعي يا نسيم، أخبريها مكان الدار بالتفصيل، و سهلي لها أي معلومة تريد الوصول اليها عن فواز الهلالي).

في الصباح و أثناء عمل نسيم في المطبخ...
دخلت أم مبروك مهرولة و هي تلهث. الى أن وضعت الأغراض من يدها و الحقيبة الشبكية من فوق رأسها قبل أن تخلع غطاء وجهها و شعرها لترتمي على احد الكراسي لاهثة و هي تربت على صدرها بذعر هامسة
(سترك يا الله، سترك يا الله، عفوك و رضاك)
تركت نسيم ما بيدها و اسرعت الى أم مبروك و هي تنظر بقلق الى وجهها الأحمر و عينيها الخائفتين، فقالت بهلع.

(ما الأمر يا أم مبروك؟، ماذا حدث؟)
ظلت أم مبروك تربت على صدرها هامسة
(يا ستار من الفضائح)
هتفت نسيم برعب
(ما الذي حدث؟، أخفتني، تكلمي يا امرأة)
نظرت اليها أم مبروك باعياء و قالت ذاهلة
(و أنا أشتري ما يحتاجه الدار اليوم، فوجئت بكارثة، كارثة كبيرة، قد تحرق البلد رأسا على عقب)
هتفت نسيم برعب
(انطقي، ما هي الكارثة؟).

كانت أم مبروك تهز رأسها ملوحة بكفيها و كأنها غير مصدقة بعد لما يحدث، الى أن همست تهذي في النهاية
(السوق، السوق كله لم يكن له سوى حوار واحد، حوار يخوض في شرف السيدة سوار بالباطل، كبارا و صغارا)
ضربت نسيم وجنتها بذعر و هي تشهق بصدمة، لقد فعلتها، فعلتها ميسرة قبل أن تسافر مع زوجها...

أمسكت سوار بسلاحها، و رفعته تنوي التصويب على الهدف الذي اقامته، و ما أن أغمضت عين واحدة، حتى شعرت فجأة بغيمة رجولية تحيط بها من كل اتجاه...
شهقت سوار و هي ترى السلاح ينخفض بالقوة الجبرية، حت سقط أرضا...
بينما كانت هي تنجذب الى الخلف حيث هذا الدفىء الذي افتقدته منذ أيام، و العبائة الرجولية الناعمة تحيط بجسديهما معا...
همست سوار بذهول
(ليث! متى عدت؟)
الا أنه همس في أذنها مزمجرا بصوت مشتاق يحترق.

(هششششش يا مليحة، اصمتى لأروي ظمأي منك فقد اكتفيت من العذاب)
حاولت الحركة كي تبتعد عنه، الا أنه أدارها اليه بسرعة و في حركة واحدة، حتى أصبحت بين أحضانه وجها لوجه، و العباءة لا تزال تضمهما سويا، بينما وجدت شفتاه شفتيها أخيرا بعد أيام طويلة من الحرمان...

حاولت الكلام، حاولت المقاومة، حاولت فعل أي شيء كي تتخلص من تلك الدوامة المخدرة المحيطة بهما، الا أنها لم تستطع، فقد سقطت أسيرة ذلك الفم الهامس بعشقها ما بين كل قبلة و أخرى...
و ما أن حررها قليلا، حتى انحنى ليرفعها اليه ببساطة و كأنها لا تزن شيئا، حتى أصبح وجهيهما متقاربين، شديدي الإحمرار، و أعينهما تتوهج، بصورة كل منهما للآخر، الى أن همس لها أخيرا بصوت أجش غاضب.

(لديك ليال تعوضينني فيها عن عدم حملك، و ستبدأين من هذه اللحظة، حاولي فقط الإعتراض، و حينها سأكون غير مسؤولا عن رد فعلي)
فغرت سوار شفتيها المترجفتين، قبل ان تهمس بخفوت
(لن اعترض).

نظر عمران الى ابنه المستلقي على الأريكة ينظر الى السقف بعينين غامضتين...
فقال بصوت مزدري
(أتعلم يا ولد، حين أتت بك أمك الى هذه الدنيا و نظرت الى وجهك، انتابني شعور بأنك ستكون سبب شقائي، و قد كنت محقا)
ابتسم راجح ساخرا دون أن يجيب، بينما تابع والده بغضب اكبر.

(ما أنت الا ذرية تخزي، أخزيتني أمام أخوتي و الحاج سليمان مرارا، بزواجك بتلك الساقطة التي احضرتها من الطريق، ليست مرة واحدة بل مرتين، بطفلين، و انتهى بك الأمر بأن خطفت ابنة عمك يا عديم الشرف، فتسببت في طردنا من البلد لنخسر أهم ما نمتلك)
مال فجأة الى الأمام في مقعده وهو يصرخ عاليا بجنون.

(أتعلم أن ممتلكاتنا التي اجبرنا جدك على التخلي عنها، تفوق ما نمتلكه هنا من أعمالنا و صفقاتنا! و عوضا عن ان تكون موحلا وجهك في الأرض خزيا، محاولا التفكير في طريقة تسترضي بها جدك، ها انت ملقى أمامي على الأريكة، تفكر في كيفية استعادة ابن الساقطة، التي تعفن جسدها من العيش في الحرام)
تحولت ابتسامة راجح الى ضحكة ساخرة عالية، ارتجت لها الجدران و بدت مخيفة، الى ان قال اخيرا ناظرا الى والده بطرف عينيه.

(تصرفاتي أنا المخزية؟، على الأقل أنا كنت أتزوج في الحلال، و اطفالي ابناء حلال، حتى سوار ما خطفتها الا لأتزوجها في الحلال، لكن يبدو أنك نسيت من اغتصب و انجب ابن زنا في الحرام، و جميعنا لا نزال نعاني من وجوده في هذا العالم حتى يومنا هذا، هل نسيت يا أبي من كان مقيدا في زريبة البهائم)
اسود وجه عمران من شدة الغضب وهو يصرخ قائلا
(احترم نفسك يا قذر)
استقام راجح فجأة منتفضا وهو يصرخ...
(لست أنا القذر).

الا أن والده هدر الكثور المجنون
(اخرس و لا تنسى أنك تكلم والدك)
اشتعلت عينا راجح لعدة لحظات، الا أنه لم يلبث أن ضحك عاليا وهو يقول
(حسنا لا بأس يا والدي العزيز، العفو و السماح منك، لكن رجاءا لا تتدخل في حياتي الخاصة، و حين أقول أنني أنوي استعادة ابني، فأنا أعنيها)
ابتسم عمران بطريقة مقيتة، ثم قال بازدراء
(ابنك الذي أنفق عليه و رباه ابن الحرام كما تدعي، لقد علم عليك يا ولد).

ضحك عمران عاليا، بينما تصلبت ملامح راجح و برقت عيناه ببريق مرعب وهو يقول بخفوت
(لن أرحمه، ابني و سأستعيده، و أحرمه من كل ما يمتلك، البيت و الولد و الشرف)
صمت للحظة قبل أن يهمس مبتسما بنشوى
(و الفتاة التي يحب)
تأفف عمران وهو يقول بنفاذ صبر.

(هلا نسيت أمره قليلا و فكرت في أعمالنا، اسمعني جيدا، صفقة الآثار الجديدة بها مخاطرة كبيرة، خاصة و أننا لسنا قدر المزيد من المخاطرة، إنها تحتاج الى سيولة ضخمة، قد تودي بعملنا كله)
رد راجح بلامبالاة
(ليست المرة الأولى، سندفع الى أن يتم اخراجها من البلد، حينها نستلم ربحنا من التاجر في الخارج، انها صفقة العمر)
رد عمران بانفعال
(لكنه عدد كبير من القطع الأثرية، و أي زيف فيه سيكون)
قاطعه راجح ليقول بهدوء.

(الخبير موجود يا أبي و سيتأكد من أنها القطع الأصلية، تتكلم و كأنها أول مرة، )
هتف عمران به...
(لكن يا غبي المجازفة بها أعلى)
قال راجح ببرود
(لأن الربح أضخم، إنها صفقة العمر و ستعوض كل ما خسرناه، و حينها سأتفرغ لهم واحدا تلو الآخر).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة