قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الخامس

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الخامس

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الخامس

(هل أنتِ حامل؟)
وقع هذا السؤال على كيانها كله، و ليس لآذنها فقط...
و كأنه مطرقة ضربتها بقوة فوقت أمامه ترتجف لتلك السطوة الظاهرة في صوته و ذهول عينيه!
حاولت التحرك و هي ترتعش حرفيا، الا أنه أمسك بذراعها بقبضة من حديد بينما ذراعه الأخرى تلتف حول خصرها تتحداها أن تتجرأ...
و بالفعل نطق مرة أخرى بصوتٍ مخيف أكثر و عيناه تخترقان عمق عينيها...
(حاولي الهرب، فقط حاولي).

ابتلعت تيماء ريقها و رفعت وجهها الشاحب اليه منتظرة مصيرها المحتم...
بينما كانت تستشعر بجسده الضخم يرتجف بعنف أكبر من عنف ارتجافتها!
حتى أنها رأت عروقا تنفر و تظهر في عنقه المتشنجة، أما وجهه فكان يزداد احمرارا و عيناه...
عيناه تبرقان ببريق يزيد من خوفها الداخلي...
كانت تلك احدى نوباته الغير مسيطر عليها...
نوبة أخرى و عاصفة جديدة، لذا كل ما استطاعت فعله هو أن همست بخفوت
(اهدأ)
صرخ فجأة بقوة أجفلتها...

(اللعنة توقفي عن تلك الكلمة التي تجعلني أشعر بكِ تعاملينني و كأنني فرس غير مروض)
أرادت الصراخ به...
انك بالفعل فرس غير مروض، هائج، تنتظر أن تسحق من يحاول تخطي قوقعة سيطرتك المخيفة على كل ما تضمه الى أملاكك...
تكلم قاصي مجددا بصوت مرتجف، يستمد ارتجافته من ارتجافة عضلاته...
(أريد اجابة واحدة، واضحة، هل أنتِ، حامل؟).

فغرت تيماء شفتيها و هي تنظر اليه بصمت حزين، ثم لم تلبث أن همست و هي تسبل جفنيها متهربة من عينيه المحاصرتين لها
(لا يزال الوقت مبكرا جدا لأعرف)
كلماتِ غبية جدا...
أدركت مدى غبائها ما أن شعرت بقبضته تزداد قوة على ذراعها، تدريجيا محدثة ألما باتت تعرفه جيدا...
حتى أنها لم تتأوه هذه المرة، بل انتظرت فحسب...
ابتلعت ريقها بتوتر، و هي تنتظر...
الا أنها أجفلت ما أن سمعت صوتا من خلفهما يقول.

(ماذا يحدث هنا؟، نحن نريد أن نقفز و أنتما تحجزان المكان منذ فترة طويلة)
نظرت تيماء خلف كتف قاصي الى الصبي الصغير الذي كان ينظر اليهما غاضبا...
حاولت أن تنتهز الفرصة و تتحرك، الا أن صوت قاصي قصف بقوة بسطوة و دون أن يستدير حتى
(اخرج من هنا)
اتسعت عينا تيماء، بينما ارتعب الصبي و خرج جريا وهو يهتف
(لن أسكت، سأخبر الجميع)
نظرت تيماء الى قاصي بعينين فيروزيتين لاهبتين و هي تهتف.

(انظر ماذا فعلت؟، هل ملكت المكان؟، هيا لنخرج من هنا قبل أن ينقلب الأمر الى فضيحة)
الا أن عينا قاصي لم تلينا، و لم يهدأ بريقهما...
كانت بهما نظرة غريبة...
يمتزج بها الغضب بانتصار غريب، انتصار جعلها ترتعش أكثر و كأنه حقق أقصي أحلامه في تخصيب احدى خيول عائلة الرافعي...
هذا التفكير جعلها تشعر بغثيان مريع، فأخفضت وجهها البائس حتى كادت جبهتها أن تلامس صدره...

و كأنها تترجاه أن يأخذها بين أحضانه و يمنحها بعض الحنان، بعض الرفق...
الا يرأف بحالها ولو قليلا؟، أين جمال أبوته لعمرو؟
أين هي حلاوة صداقته لمسك؟
أين هي تلك الشهامة التي جمعته بوالدة عمرو؟
أين اختفى الفتى الذي عشقته منذ الطفولة و الذي لم يشغله عنها سوى أميالٍ بالية يقطعها ذهابا و ايابا لمجرد رؤية عينيها...
قال قاصي أخيرا بصوتٍ لا يقبل الجدل و كأنه لم يسمعها
(أنتِ فعلا حامل).

زفرت تيماء بعنف، فخرجت زفرتها نفسا مرتعشا من بين شفتيها فنظرت جانبا الى عمرو الذي كان واقفا يراقبهما باهتمام...
فتمكنت من القول باستياء
(أخبرتك أنه من المبكر جدا التأكد من الأمر، من المضحك حتى مناقشة الأمر)
ساد الصمت بينهما طويلا و هي تستشعر كل رجفة في جسده، تنتقل عبر ذراعه المحيطة بخصرها لتسري في جسدها كله كتيار كهربي...
ثم قال أخيرا بصوتٍ خفيض، لا يقل خطورة عن صراخه في أشد نوباته العاتية...

(المضحك هو محاولتك الفاشلة في القاء أدلتك الكاذبة هنا و هناك بدرجة تثير شكوك طفل صغير، متوقعة مني أن أصدق و أتناسى السؤال)
ضحك فجأة ضحكة مستاءة قاسية، و شدد على خصرها يجذبها الى صدره وهو يهمس من بين أسنانه و كأنه يداعب طفلة مشاغبة
(لازلتِ صغيرة للغاية، و جاهلة جدا كي تتخيلين أن بامكانك أن تخدعي زوجك الذي قاربك بكل طريقة بهذه البساطة).

احمرت وجنتي تيماء و شعرت بالغضب و الإنكسار و الرغبة في كسره هو شخصيا...
فتلوت محاولة الهرب و هي تهمس بعنف
(اتركني يا قاصي و كفى كلاما في هذه الأمور، هل نسيت أين نحن؟، أرجوك كفى)
قاومها لعدة لحظات وهو ينظر اليها بعينيه المفترستين الظافرتين قبل أن يتركها أخيرا وهو يفرد ظهره، نافخا صدره بنفسٍ عميق، منتعش، مزهو...
ثم لم يلبث أن ابتسم أن قال بصوتٍ مخادع في رفقه و قسوته.

(لكن أتسائل لماذا تعمدتِ اخفاء الأمر عني؟، ليس هناك سوى احتمالين، أنكِ تنوين التخلص منه، أو ربما ابقائه للهرب به بعيدا فتحرقين قلبي، ترى أي الإحتمالين كنتِ تنوين يا صغيرتي التي تحتاج الى تأديب من جديد؟)
رفعت تيماء اليه عينين شرستين و صرخت فجأة بكل عنف
(و هل من هو مثلك يملك قلبا من الأساس؟).

ارتفع حاجبه و كأنه يملك الجرأة على الإندهاش من عنفها المفاجىء، لكن ندمها الوحيد كان لأنها لمحت عمرو ينتفض في مكانه اثر صرختها...
فأخذت نفسا عميقا محاولة تهدئة الغثيان العنيف بداخلها...
هل يعقل أن يكون هذا غثيان حمل و بهذه السرعة؟ أم أنه غثيان روح و دوار قلب؟
ضاقت عيناه وهو يلمح ألم عينيها و شحوب وجهها...
بينما العنف بداخله يتضاعف، تصور أنها قد تفكر في قتل طفله الذي تمناه تكاد أن تقتل الفرحة بداخله...

تحرك أخيرا وهو يمد كفه الى أن وضعها على بطنها الصغيرة...
فتشنجت كل عضلة في جسدها الا أنها لم تتحرك، وهو لم يرفع كفه وهو يقول بخفوت أجش و كأنه يكلم نفسه
(تركت القلب لكِ، قلبك و طفلي)
أغمضت عينيها ألما و هي تمنع نفسها من البكاء حسرة على هذا القلب الخائن المسكين...
انه حتى لم يحاول أن يبثها كلمة حب ولو كذبا ليطمئنها بها...
و الآن فقط أدركت أن السنوات قد مرت طويلة دون أن ينطق بكلمة حب واحدة...

قال قاصي بصوتٍ أعلى قليلا
(أنتِ تحملين طفلي)
رفعت عينيها اليه تراقب النشوة في عينيه و التي تغلبت على غضبه أخيرا، ثم همس مجددا بصوت أعلى و أكثر زهوا
(أنتِ تحملين طفلي، أتفهمين هذا؟)
هزت رأسها نفيا و هي تهمس بصوت متداعِ
(لست متأكدة بعد)
أحاط وجهها بكفيه يجذبه اليه و قال بكل وضوح ناظرا الى عينيها
(أنتِ تحملين طفلي، ولو لم يكن كذلك فستحملين به، ولو فكرتِ مجرد تفكير في التخلص منه فسوف).

صمت و قد بدا و كأنه غير قادر على ايجاد الإنتقام المناسب إن تجرأت و أقدمت على ذلك...
بينما هي تنظر اليه بصمت، و بداخلها شراسة تتدافع كي تنهش قلبه عله ينزف كقلبها...
لكن هل من أملٍ في أن ينزف الصخر دما؟
تعالت أصوات من خلفهما و دخل حارس اللعبة وهو يقول بتوتر متنحنحا
(يا سيد، الجمهور يشكو في الخارج، و بعض الأهل بدأو في الظن أن هناك فعلا غير لائق يتم بداخل المكان).

احمرت وجنتا تيماء أكثر و أكثر، بينما ابتسم قاصي وهو ينظر الى جنون ارتباكها، فترك وجهها ليخفض يده ملتقطا كفها بهيمنة، ثم استدار الى الرجل وقال منتشيا سعيدا...
و كأن الغضب قد انحسر و ترك مكانه للانتصار
(لقد انتهينا)
ثم نظر الى عمرو قائلا بسعادة
(هيا بنا يا بطل).

خرج قاصي وهو يجر تيماء خلفه، يتبعهما عمرو راكضا وهو يحاول اللحاق بخطوات قاصي القوية الثابتة، و ما أن تجاوز مجموعة الأطفال و الأهل المنتظرين بتذمر...
حتى استدار اليهم و قال بقوة مبتهجا
(أعتذر منكم، فزوجتي كانت تبشرني للتو بحملها، سنرزق بطفل)
اتسعت عينا تيماء بذعر بينما شهقت مصدومة مما نطق به قاصي للتو، فهتفت بارتياع
(قاصي!)
بدأت البسمات ترتسم على الوجوه التي كانت متذمرة للتو، فهدر قاصي وهو يديرها اليه.

(زوجتي حامل)
و أمام ذعرها و ذهولها، التفت ذراعه حول خصرها بقوة قبل أن تجد قدميها ترتفعان عن الأرض ليدور بها مجلجلا
(زوجتي الصغيرة المهلكة تحمل طفلي)
صرخت به تيماء وهي تضرب كتفيه
(قاصي هل جننت؟، انزلني، الجميع ينظرون الينا)
الا أنه بدا و كأنه طفل يدور في احدى ألعاب الملاه السريعة وهو ينظر اليها ببريق خطف قلبها و صرع عينيها وهو يتابع هتافه
(سنرزق طفلا يا تيمائي).

ارتجفت شفتاها رغما عنها وهما تصارعان ابتسامة مذهولة مذعورة، كان صادقا...
كانت فرحته صادقة و سعادته بادية للأعمى، لقد حلم بهذا الحمل طويلا...
لقد بدأ حلمه في الإكتمال...
وها هو حفيد سليمان الرافعي في الطريق أخيرا، و الوالد قاصي الحكيم...
على الرغم من الألم القاتل، الا أن قلب العاشقة بداخلها رق له، مال الى هذا الطفل الصغير الذي لم يذق في حياته سوى ظلما بعد ظلم، و قهرا يلي قهر...

وجدت كفيها ترتفعان لتتخلل بأصابعها خصلات شعره و عيناها تبرقان بالنجوم كما طلب تماما في بداية الصباح...
و لم يكن بريق النجوم لأجل كل ما فعله لها، بل كان لسعادته، لا أكثر...
تعالت بعض الضحكات من حولهما وهو لا يتوقف عن الدوران بها و عيناه تأسران النجمات في عينيها...
الى أن لامست الأرض أخيرا بقدميها، عائدة من رحلة كانت فوق السحب الوردية...
وقفت مكانها و رأسها يعلو اليه، بابتسامة تداعب شفتيها السخيتين...

بينما هو كان يلهث فعليا...
نست تهديده الذي كان منذ لحظات، و تناست قسوته...
و أبقت فقط على جمال تلك اللحظة النادرة بينهما...
انه يكاد أن يبكي فرحا بجنين عمره أيام فقط! هذا ان كان موجودا من الأساس، أي منطق هذا؟
همست أخيرا بشفتين مبتسمتين
(مجنون)
بضخامته و ملامحه المهلكة ابتسم لها، ابتسامة حقيقية وهو يهمس بصوت أجش خافت
(يحق لي الجنون و قد نلت ما تمنيت، لديكِ طفلنا، تيمائي المهلكة تحمل طفلي).

أخفضت وجهها و هي تمنع ضحكة ملعونة الضعف، فعضت على شفتها السفلى تكبحها، ثم لم تلبث أن قالت بصرامة زائفة و هي تنظر الى من ينظرون اليهما بفضول
(هلا تحركنا الآن رجاءا؟، أنت تفتعل فضيحة لا تغتفر)
للحظات ظنت أنه لن يتحرك و أنه سيبقي عليها لتطول هذه اللحظات لساعات و ساعات، و لم تكن هي لتمانع مطلقا، ليت العمر كله يختزن في تلك اللحظة، دون ألم، بلا تفكير، و بلا أي منطق...

أخفض يده و أمسك بكفها مجددا ليهمس لعينيها العاشقتين
(تعالي معي)
جرت خلفه و هي تمسك بي عمرو بيدها الأخرى حريصة رغم حالة العشق التي تراها الا يغيب عن نظرها للحظة خوفا من رد فعل قاصي...
هتفت تيماء و هي تلهث
(الى أين؟، ألن نعود للبيت؟)
التفت اليها بوجهه المنتشي و قال بمكر
(لم ينتهي اليوم بعد، لا يزال الليل بعيدا).

ارتبكت دقات قلبها و تعثرت خلفه حتى كادت أن تقع، الا أنه استدار اليها و أسندها حتى هدأت، فسألها بجدية
(هل أنتِ بخير؟)
أومأت تيماء بصمت دون ان ترد، فابتسم لها قائلا بمداعبة
(يجب عليكِ توخي الحذر في كل خطوة تخطيها، فأنتِ تحملين أمانة منحتها لكِ، الأغلى على الإطلاق)
ابتسمت تيماء ابتسامة باهتة و هي تنظر الى ملامح جاذبيته بصمت، و لم تستطع الرد، لم تقدر على النطق...

فاستسلمت الى يده و سلمتها مقاليد قيادتها للمتبقي من اليوم...
كان يجرها من لعبة الى أخرى، يختار ما يلائم حالتها و كأنها امرأة حامل في شعرها التاسع و ليس مجرد أيام؟، هذا ان كان موجودا...
هذه المرة لم تهتم لجمال الإنطلاق و المرح...
كل اهتمامها كان منصبا على قاصي فقط، تتأمل سعادته و بريق عينيه و تمني نفسها الا يعود لقناعه الساخر القاسي من جديد...

في كل لعبة استقلاها كان شعره يتطاير حول وجهه وهو يبدو ضاحكا مختالا، سالبا عقل كل أنثى تقع عيناها عليه...
جاذبية سافرة، وروح طفل، يقتنصها شيطان حين يتحول...
اخيرا كان الإرهاق قد نال منها فمالت اليه و هي تجلس باحدى الألعاب التي تدور على مهل و استندت برأسها الى صدره و قالت مغمضة عينيها
(لقد تعبت يا قاصي، الا يمكننا الراحة قليلا؟).

ضمتها ذراعه اليه بينما أمسكت يده بذقنها يرفع وجهها اليه ليطبع شفتيه على وجنتها بقوة قبل أن يهمس لها بصوت مشاغب
(ما رأيك في المثلجات الآن؟).

(أتعملين أنني أعشق النظر الى وجهك؟)
ارتفع وجه تيماء التي كانت تلعق مثلجاتها الحمراء بشره، فنظرت اليه مصدومة من عبارته القوية المفاجئة...
كان ثلاثتهم يجلسون الى طاولة المقهى الملون المبهج و الموجود في الملاه...

و كانت في حاجة جدا الى شيء بارد يعيد اليها بعضا من نشاطها و توردها، لذا ما أن أحضر اليها المثلجات ذات الحلقات الحمراء القانية حتى أقبلت عليها بنهم، غير مهتمة بتلطيخ وجهها و أنفها و حول فمها...
قالت تيماء بخفوت تتأكد مما سمعته للتو...
(ماذا؟)
تأملها مرة أخرى مبتسما و ببريق في عينيه قال بهدوء متراجعا في مقعده بأريحية
(أعشق النظر الى وجهك باستداراته، تملكين وجه طفل، و جسد امرأة، رغم قصره).

لعقت تيماء السائل الأحمر عن شفتيها فازداد البريق العابث في عينيه، ثم قال بخفوت
(هناك المزيد على أنفك)
عقدت حاجبيها و قالت بتوتر و هي تمسح أعلى أنفها بظاهر يدها
(حقا؟)
لاحظت البقعة الحمراء على ظاهر كفها فازداد عبوسها و قالت باستياء
(أنا في حالة فوضى، كان عليك تنبيهي ابكر قليلا)
اتسعت ابتسامة قاصي و قال مغيظا.

(استمتعت برؤية وجهك الملطخ بسائل الفراولة وهو يتحدى الوحمة الوردية في جانب وجنتك، أعشقها هي الأخرى)
حسنا الآن فقط أصبحت دقات قلبها تقصف بجنون...
لفظ العشق خرج من بين شفتيه مرتين و بمنتهى البساطة، في دقيقة واحدة...
أعشق النظر الى وجهك...
و أعشق الوحمة الوردية في وجنتك...
الا يعشقها هي؟، لماذا لا يهمس لها ب (أعشقك يا تيماء)
هكذا و دون شراكة في هذا العشق الذي كلما ظنت أنها قد ملكته، تسرب من بين أصابعها...

همس لها قاصي أخيرا يناديها بصوت غريب
(تيماء)
رفعت عينيها اليه و همست بخفوت
(نعم)
ظل صامتا لعدة لحظات ثم قال بصوت أجش خافت
(أريد العودة للبيت الآن، احتاج للعودة الآن، رغبتي بكِ تهدد بما لا يحمد عقباه)
اتسعت عيناها أكثر، و فغرت شفتيها و هي ترى تلك المشاعر الهوجاء تضيء عينيه...
مشاعر لم ترها في عيني رجل سواه...
كانت شقية، نعم...
محبوبة، ربما...
تحرش بها شخص وحيد في هذا العالم و لم ينظر اليها من الأساس...

تلقت أكثر من عرض زواج محتمل، أيضا نعم...
لكن أي منهم لم ينظر اليها بتلك الطريقة التي كان قاصي ينظر بها اليها...
و كأنه ينظر الى امرأة، بل المرأة الوحيدة على سطح الكوكب بعد حالةٍ من حرمان ذكوري مضني...
منذ سنوات مراهقتها الأولى و قد تربت على تلك النظرات...
كانت في البداية مختلسة متهربة، ثم تحولت الى متملكة فاضحة...
لقد تغير شيء ما بجسدها...
شيء تستطيع تفسيره علميا، و تمييزه روحيا...

لكن النبضات لم تتغير كلما نظر اليها...
شعورها بأنوثتها أمام عينيه لم تريقه اي شفرة حادة...
حتى بدأت تتسائل إن كانت قد فقدت شيئا مهما أمام ذلك الإحساس الذي تحسه الآن!، همست تيماء بصوت خفيض و هي تطرق بوجهها
(قاصي، أنا، هل تشعر بالرضى، حين تكون معي؟)
لم تملك الجرأة على رفع عينيها اليه وهي تسأل هذا السؤال ذو المضامين الخفية...
و انتظرت...

لا تعلم لماذا سألته هذا السؤال بعد كل ما كان منه، و كأنها جارية مملوكة، تحاول زيادة عدد ليالي مولاها معها...
أما هو فلم يحاول انكار فهمه للسؤال، فقال بصوت جاف خفيض
(انظري الي)
رفعت عينيها اليه بنظرة هادئة رغم ارتباكها الداخلي العنيف، و كما توقعت كانت عيناه تتوهجان اكثر و ببريق خاطف...
الا أنه حين تكلم قال بصوت جدي آمر
(أنا فعلا أحتاج العودة للبيت)
انتابتها حالة احباط خفي فأسبلت جفنيها، ثم قالت بخفوت.

(أنت حتى لم تحاول الرد على سؤالي)
ساد الصمت لعدة لحظات، ثم قال قاصي بصوت لا يقبل الجدل
(ردي سيصلك حين نصل، فعلا لا قولا)
احمرت وجنتاها بشدة، و عضت على شفتها و هي تهمس معترضة بارتباك
(أنا لا أمزح يا قاصي، أنا أسألك هذا السؤال بشكل عملي تماما لأنه يهمني، فتوقف عن العبث)
رد قاصي بنفس الجدية و دون تردد، حتى أنه كان عابسا قليلا
(و أنا سأجيب سؤالك بشكل عملي تماما).

الآن باتت تعض على جانب شفتها بقوة حتى أدمتها، ليس من المفترض أن تكون على هذه الحالة من الخجل و الارتباك و الحذر منه و من مطالبه و تلميحاته...
انها استاذة جامعية الآن، و ليست المراهقة التي كانت مدلهة تجري خلفه...
إنها زوجة تقف في مفترق الطرق مع زوج خاطىء تماما، و عليها أن تختار...
لكنه لا يساعدها، فمجرد تلميح عابث صغير منه، يقلب كيانها كله و يحطم كل منطقٍ درسته من قبل...

إنه الزوج الخاطىء، لكنه المالك الحصري لقلبها، و الجارح الوحيد له...
كان قاصي يراقبها بصمت ثم قال أخيرا بصبر نافذ
(هلا تحركنا الآن من فضلك؟)
ظلت تنظر اليه قليلا و بداخلها مشاعر متناقضة، من خوف و رفض سيطرة، و، عشق، عشق زائد عن الحد، و من بينها كلها، نبعت روح من الكبرياء جعلتها ترفع ذقنها و تقول بلهجة هادئة بريئة
(ليس بعد، أريد المزيد من المثلجات).

ازداد عبوس قاصي وهو ينظر اليها، ثم قال بصوت خفيض يحمل ألف معنى، و ألف تحذير و تهديد
(تيماااااااء)
جعلها تهديده تشعر بأنوثتها أكثر، و الاكثر أن هناك من سيعود معها الى البيت، بل و يتلهف لذلك...
و ليس اي أحد، انه قاصي، حبيبها الوحيد...
كم هو شعور رائع...
أي بشر يمكنه أن يحكم العقل الآن و أمامه كل هذه السعادة تفرد ذراعيها له و تأمره أن يغترف منها...

تدافعت البهجة في أوردتها أنهارا وردية، فنظرت الى عمرو و قالت برقة و ابتسامة عريضة
(أتريد المجيء معي لشراء المزيد من المثلجات يا عمرو؟)
نهض قافزا وهو يهتف بسعادة
(نعم، أريدها بالشوكولا)
تألقت ابتسامة تيماء و قالت بطفولية لا تقل عن عمرو
(يمكنك الحصول عليها، ثم نتبادل التذوق)
حاولت النهوض من مكانها و هي ترمق قاصي بعفرتة، الا أن صوت رسالة في هاتفها، جعلتها تتوقف و تفتحها ببساطة...

تسمرت ملامحها تماما و هي تقرأ الكلمات المختصرة الرسمية الواصلة اليها
لو احتجتِ الى مساعدتي، هاتفيني و توقفي عن المكابرة، بعكس ما تظنين، كنت دائما أحاول اختيار الأفضل لكِ، حتى لو لم تناليه مني، سالم الرافعي
شعرت تيماء بخيط من الجليد يسري في سلسلة ظهرها، و تجمدت عيناها تماما و هي تعيد قراءة الكلمات الصارمة...
والدها أرسل اليها رسالة...
يخبرها أنه موجود، بعد أن كان قد لفظها تماما من حياته و من قلبه...

أخذت تيماء نفسا متوترا و هي ترفع وجهها تنظر الى البعيد بملامح لا تحمل أي تعبير...
في داخلها رجفة ذات مذاق غريب، و كأنها تريد أن، ماذا؟، هل هي مجنونة؟
بعد ما اقترفه في حقها؟، بعد ذبحه لها؟
يا عديمة الكرامة...
قصفت تلك الكلمات القاسية في ذهنها بصوت قاصي و بمنتهى العنف، تتذكر حين صرخ بها دون رحمة ما أن تجرأت على الإحتماء بوالدها...

كان محقا، و كان قاسيا، في غاية القسوة، و لا زال صوته الصارخ بتلك الكلمة يرن في اذنيها بلا رحمة من يومها...
يا عديمة الكرامة...
تكلم قاصي بهدوء فجأة قائلا
(هل هناك مشكلة؟، ممن الرسالة؟)
أجفلت تيماء و هي تنظر اليه مصدومة بملامح شاحبة، الا أنها بمهارة ابتسمت له ابتسامة صغيرة و قالت تهز كتفها
(رسالة من زميلة لي، تخبرني بتغيير في الجدول الدراسي).

لم يظهر على ملامحه أهي اهتمام كما توقعت تماما، فليس هناك طريقة لاطفاء اهتمامه أفضل من الحديث عن عملها...
وضعت هاتفها على الطاولة و هي تشعر بقليل من الظفر، فلها سر تخفيه عنه، سر لو عرف به سيؤذيه، و يحطم بعضا من تلك الثقة حد الغرور التي يعاملها بها...
ثم قالت بلهجة هادئة
(هيا بنا يا عمرو)
لكن و ما أن مرت بقاصي حتى التقط كفها بقبضة من حديد دون أن يتحرك من مكانه أو حتى ينظر اليها، ثم قال بلهجة غامضة.

(لم تحصلي على ردٍ لسؤالك يا تيماء، الى متى ستجبريني على الإنتظار؟)
ابتسمت بنعومة و انحنت اليه مستندة بكفها الى ظهر كرسيه، لتهمس في أذنه
(لا يزال الليل بعيدا، ثم أنني حصلت على الجواب بالفعل، لذا فلندع التطبيق العملي لوقته)
رفعت أصابعها تمسح بها نقطة من المثلجات عن زاوية شفتيه ثم همست برقة
(هناك مثلجات على فمك يا أخرق).

حاولت الإستقامة لتبتعد عنه، الا أنه جذبها مجددا بقوة كادت أن توقعها و ما أن وصلت أذنها الي مجال وجهه استدار اليها و همس فيها بخفوت أجش
(حين نصل الى البيت لن أرحم محاولتك في التهرب حينها)
شعرت و كأنه يهددها بالفعل بعد أن رمت له سؤالها و تركت له مهمة الإجابة، ثم تخاذلت...
ابتسمت له بنعومة أكبر ثم ابتعدت عنه و قالت ببهجة
(لن نتأخر).

و ما أن اختفت مع عمرو، حتى التفت وجه قاصي الى هاتفها الموضوع على الطاولة يتحداه...
و لم يكن بحاجة الى تحدي فمال اليه ليأخذه دون تردد ثم فتح الرسائل بكل ثقة...
الى أن حصل على الرسالة المنشودة...
حينها رفع وجه بملامح قاتمة و عينين غاضبتين، أما أصابعه فكادت أن تحطم الهاتف المسكين بينها...
سالم الرافعي، يهدد بابعاده عن امرأته، مستخدما أقذر الطرق...

هذا التفكير في حد ذاته جعل عينيه تتلونان بلون الخطر القاتم...
كانت تيماء واقفة بجوار عمرو، تنتظر انتهاء تحضير المثلجات الخاصة بهما...
تهز ساقها بعصبية و تعض على شفتها، تكاد ان تصرخ في الرجل أن يسرع...
تتسائل بداخلها ان كان قاصي قد فتح الرسالة و رآها...
كان بامكانها أن تخبره ببساطة، لكنها أرادت أن يكون لها سرها، فيحترق على مهل و لا يتعبرها أمر مسلم به في حياته...
أخذت المثلجات سريعا و عادت هي و عمرو...

الا أنها توقفت تماما، و هي ترى قاصي واقفا يحادث فتاة جميلة تتلاعب بشعرها و عيناها لا يمكن أغفال الإعجاب الصارخ فيهما تجاه قاصي...
اما السيد المحترم فقد كان يحادثها ببساطة مبتسما واضعا يديه في جيبي بنطاله و عينيه تتحدثان بلغة العبث التي تعرفها جيدا...
كان منظرهما معا ملائما جدا، كلاهما بشعرٍ طويل متحرر من القيود، كلاهما يرتدي بنطال من الجينز الضيق يبرز قوام كل منهما...

كلاهما يبدو جذابا و متمردا على أي قانون...
أما هي فقد كانت كالنشاز بينهما، بملابسها الوردية الفضفاضة و ووشاح رأسها، تمسك بمخروطي مثلجات و طفل صغير ممسك بطرف سترتها بناءا على أوامرها!
وقفت تيماء بعينين متسعتين تراقب شفتيه الشهوانيتين وهما تبتسمان و تتحركان في كلام متكاسل، بينما جسده يتحرك بخفة في لغة أخرى متناسبة مع لغة جسد تلك الفتاة المتمايلة و كأنها لا تملك عمود فقري...

رأته يقول شيئا، فضحكت الفتاة بصوتٍ عالٍ و كأنها قد سمعت نكتة الموسم...
فهمست تيماء بذهول و تهديد
أيها السمج السخيف، يا ظريف كظرف دب متدحرج...
نفخت تيماء صدرها، و رفعت وجهها و هي تقول بصلابة
(هيا يا عمرو)
و دون ابطاء كانت قد وصلت اليهما في أربع خطوات عريضة، ثم قالت بصوت عملي تعامل به من يقلل من احترامها من الطلاب في المحاضرة
(عفوا، بماذا يمكننا أن نخدمك؟).

أجفلت الفتاة و هي تنظر الى تيماء المتحفزة بينما التفت قاصي اليها وهو يرى قامتها القصيرة متحفزة و كأنها تكاد أن تقف على اطراف أصابع قدميها...
بينما الخطر في عينيها ينبئه انها على وشك الإستسلام لاحدى نوبات جنونها المعروف...
الا أن الفتاة تكلمت ببرود و هي ترمق تيماء من أعلى راسها و حتى قدميها، ثم قالت بميوعة
(كنت تائهة و أسأل عن باب معين)
ارتفع حاجبي تيماء و قالت بتعاطف مسرحي زائف.

(تائهة! يا حبيبتي، من المؤكد أن والدتك مرتعبة عليكِ الآن، المرة القادمة اطلبي منها أن تثبت في قميصك ورقة مدون عليها أسمها و رقم هاتفها كي يستدل عليها من يجدك)
ارتسمت ابتسامة متلاعبة على شفتي قاصي وهو يراقب تيماء دون أن يتحرك من مكانه و كأنه يراها و قد عادت للسابعة عشر من عمرها، تلك المجنونة الصغيرة التي اشتاق لوقاحتها و دفاعها الشرس عنه...

ارتفع حاجبي الفتاة باستنكار من هذا الهجوم الغير مبرر فقالت باستياء متبجح
(عفوا و من انتِ كي تكلمينني بتلك الطريقة؟)
ردت تيماء و هي تهز كتفيها متبجحة مثلها تماما و مقلدة نبرة صوتها القميئة
(أنا زوجته يا نور عيني)
نظرت اليها الفتاة نظرة ممتعضة، و هي تراها كربات البيوت، قصيرة ممسكة بالمثلجات ووشاحها يكاد أن يسقط على عينيها، بينما هناك بقعة مثلجات على سترتها، و طفل يمسك بطرفها...

ثم نقلت عينيها الى قاصي...
طويلا، حرا كرجلٍ يقطر عبثا، بعينيه الصريحتين و شعره الطويل الذي يزيد من مظهر عبثه...
فرفعت حاجبها و قالت بخفوت ممتعض...
(لم أخمن أبدا)
أوشك الغضب أن ينال من تيماء و علمت أن تلك الفتاة بخامة الجينز هوية و غلافا، ستجبرها على التصرف بطريقة لا تليق بالقليل من العقل الذي نجحت في تكوينه عبر السنوات...
لذا أغمضت عينيها و اخذت نفسا طويلا و هي تقول بخفوت.

(يا طول البال، اذهبي من هنا قبل أن أتصرف معكِ بما يليق بكِ، و مرة أخرى حين تضيعين، حاولي الذهاب الى العاملين في المكان أو سؤال أي سيدة، الا اذا كنتِ تبحثين عن الخطف بذراعين مفتوحتين)
أصدرت الفتاة صوتا ساخرا، قبل أن تنظر الى قاصي قائلة بقرف
(كان الله في عونك، سلام).

راقبت تيماء ابتعادها، و اردافها تتحرك في هذا البنطال الضيق بجرأة و استفزاز، ثم استدارت الى قاصي بوحشية متوقعة أن يكون واقفا ليراقب تلك الأرداف المتلاعبة بعينيه اللتين تطلبان الخرق بأظافر شرسة الآن...
الا أن عيناها اصطدمتا بعينيه البراقتين و ابتسامته الواسعة وهو يراقبها هي، و كأن لا أحد آخر غيرها في هذا المكان...
هتفت تيماء بغضب مجنون
(سعيد طبعا، اليس كذلك؟).

ظل يراقبها بنفس النظرات العميقة ذات الإشتعال الذاتي الشبيه بموقد ذو قدرة عالية، ثم قال بصوتٍ متوهج من السعادة
(في غاية السعادة، و كأن السنوات لم تمر يا مجنونة)
همست تيماء من بين أسنانها بشراسة
(قاصي، لا أنصحك باستفزازي حاليا، الا تحترم نفسك و عمرك؟، لم تعد نفس الفتى في العشرينات، منظرك و انت تكلمها مبتسما ببلاهة كان مثيرا للشفقة).

ضحك قاصي عاليا حتى تراجع رأسه أمام عينيها الغاضبتين، بينما أخذ صدرها يعلو و يهبط بسرعة عنيفة و كادت أن تقحم مخروط المثلجات في أنفه المتباهي المستفز...
و ما أن انتهى حتى نظر اليها وهو يسعل قليلا ثم قال بلهجة سعيدة تفيض بالوعيد
(الناس ينظرون الينا يا أستاذة، أرى أنكِ قد افتعلتِ فضيحة أكبر مما فعلت أنا).

نظرت تيماء حولها بوجهٍ مرتبك و قد لاحظت النظرات تتجه الي تلك الأسرة المجنونة، حتى أن هناك امرأة قالت لزوجها على مقربة منهما و قد تصادف وجودها بنفس المقهى الخاص بالملاه...
أنهما نفس المجنونين من كانا عند منصة القفز!
أغمضت تيماء عينيها و هي تلتقط أنفاسها محاولة تهدئة نفسها، الا ان قاصي تكلم أخيرا آمرا وهو ينحني ليحمل عمرو فوق كتفيه
(احضري المثلجات و الحقي بنا، آن أوان العودة، و لا مزيد من التأجيل).

أرادت الصراخ به و الإعتراض على تلك الهيمنة التي يمارسها عليها، الا أنها كانت قد تعبت من تلك العروض العلنية التي قدماها اليوم، لذا تحركت خلفه وهي مطرقة الرأس تشعر بالغضب من تتبعه بتلك الطريقة...
الا أنه وقف فجأة و استدار اليها ليقول ببساطة
(لقد نسيتِ هاتفك على الطاولة)
استدارت تيماء مجفلة، و وجدته على الطاولة فعلا في المكان الذي تركته به دون أن يمس...

رمشت بعينيها بتوتر و حاولت الرجوع اليه، الا أن قاصي قال بهدوء آمر
(لن تستطيعين أخذه و انت تحملين المثلجات، لقد بدأت تسيل على يديك بالفعل، سآخذه انا)
و دون انتظار ردها، اتجه الى الهاتف و دسه في جيب بنطاله ثم تحرك أمام عينيها الواسعتين الضائعتين بينه، و بين الهاتف في جيبه...
قال قاصي ساخرا عابثا وهو يرفع راسه الى عمرو المستقر حول عنقه
(عمرو، هل رأيتها و هي تقول، أنا زوجته يا نور عيني ).

ضحك عمرو و هز كتفيه وهو يقول مقلدا صوتها ببراءة
(نعم كانت تفعل هكذا، أنا زوجته يا نور عيني )
هتفت تيماء من خلفهما متعثرة بغضب
(توقف يا قاصي، هذا ليس مضحكا)
ضحك قاصي دون أن يستدير اليها قائلا
(حاضر يا نور عيني)
بينما عمرو يقلده مع حركة أكتافه الصغيرة
(حاضر يا نور عيني)
صرخت تيماء بغضب و هي تلحق بهما...
(توقفا عن هذا حالا).

دثرته تيماء بالغطاء جيدا فوق الأريكة، بعد أن حممته و مشطت شعره...
فأغمض عينيه مع أول سطر في قصة كانت قد بدأت تحكيها له، و راح في سبات عميق حتى تعالت صوت أنفاسه اللاهثة الصغيرة...
بقت تيماء مكانها تراقب عمرو بصمت و هي جالسة أرضا على ركبتيها بجوار الأريكة، تداعب شعره في الضوء الخافت للمصباح الجانبي...
بينما راحت أصابعها تداعب خصلات شعره الناعم بشرود...
هذا الطفل يثير بداخلها مشاعر غريبة جدا...

ولعل تلك المشاعر هي السبب الوحيد الذي يحد من احساسها بخيانة قاصي لها...
هذا الطفل ما هو الا مزيج غريب منها و من قاصي...
يحمل جزءا من مأساة كل منهما...
قصة جديدة محزنة، بطلها هذا الصغير ذو الإبتسامة التي تسرق قلب مارد...
تشنجت تيماء فجأة و انتبهت من شرودها و هي تستشعر بكفين رجولين يحطان على كتفيها قبل أن تشعر بقاصي يجثو خلفها بصوت خافت...

لم يتكلم، انما لامستها أنفاسه وهو يقترب بوجهه منها الى أن قبل عنقها برقة كادت أن تذيب أوصالها...
ساد الصمت لعدة لحظات و شفتاه تتحركان على طول عنقها و أذنها و جانب فكها، بينما مالت هي برأسها للجانب الآخر و كأنما تسهل له مهمته...
و كم تمنت أن يطول هذا الصمت للأبد، لا يقدم على أكثر من هذا...
تلك الروعة التي تشعر بها الآن لا ترغب في أكثر منها...
لكنه رفع وجهه و همس في أذنها بصوت أجش خافت
(تعالي معي).

و دون أن ينتظر ردها كان قد نهض من مكانه ممسكا بكفها يجذبها معه، يجرها خلفه الى غرفة نومها...
همست تيماء من خلفه باعتراض متداعي يائس
(انتظر يا قاصي، انتظر)
لم يستدر اليها و لم يمهل خطواته وهو يقول بسطوة آمرة
(لا، لقد اكتفيت، إنه شهر عسل الاكثر عذابا بين كل من تزوجوا من قبل، كلما نهلت جرعة منكِ مرت بعدها أيام و ساعات طويلة ليتضاعف عذابي، و قد آن لهذا الحال أن ينتهي).

كان قلبها ينبض بعنف، و ساقاها تتشابكان...
لذا حاولت القول بصوت متلعثم متردد
(أريد ان أحضر نفسي على الاقل)
كان قد وصل الى غرفة نومها و أغلق الباب خلفهما قبل أن يديرها اليه، ينظر اليها بنظراتٍ لم ينظر بها رجل غيره اليها...
و هي ترتدي رداء الحمام الزغبي الضخم الذي يكاد أن يبتلعها...
ثم تحركت يداه الى ربطته فوق خصرها ليحلها وهو يهمس بصوت أجش
(سأحضِرك أنا).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة