قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الخامس عشر

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الخامس عشر

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الخامس عشر

(ماذا أفعل هنا؟)
همس لنفسه بهذا وهو يقف في الطابق الثالث أمام شقتها...
لم تكن تلك المرة الأولى التي تطأ فيها قدماه أرض هذا الطابق أثناء صعوده الى ابن عمه، و زوجة عمه التي تقريبا تتبناه هنا في المدينة...
لكن الفارق أنه الآن يقف أمام باب شقتها منذ ما يقرب من العشر دقائق...
حسنا الأمر ليس مجنونا تماما، لقد انجذب لتلك الفتاة و يود لو رآها مجددا ليتحقق من صدق انجذابه هذا، و ربما ينقذها من بطش أمين...

آخر مرة أوشك أمين على ان يسلمها للشرطة بتهمة تجرأها على السكن في نفس البناية التي يقطنها...
الجلف...
هل هذه طريقة ليتعامل بها مع فتاة مثلها تشبه ثمرة الخوخ!
قطع أرض الطابق مجددا وهو يفكر بطريقة يخرجها بها من جحرها...
زفر بقوة وهو يهمس
(هذه ليست تصرفات شخص محترم أبدا، ربما لو انتظرتها في الطريق يصبح الأمر أهون من البقاء على باب بيتها كالمجرمين!).

تأفف فريد وهو يستند بظهره الى حاجز السلم، ناظرا الى باب الشقة المغلق، و الذي لا ينم عن وجود أحد خلفه أبدا...
مضى حتى الآن اثنا عشر دقيقة على وقوفه هنا بلا فائدة، فاستقام عاقدا حاجبيه، ليقول بخفوت
(سأتابع طريقي الى بيت أمين، أنا لست مراهقا كي أتصرف بتلك الطريقة مع مجرد فتاة انجذبت لها).

تحرك فريد متجها الى السلم الصاعد لأعلى، لكن و قبل أن يتجاوز الباب ركله بقدمه، في حركة قوية ثم تراجع للخلف بحذر، منتظرا وهو يرهف السمع...
و فجأة فتح باب الشقة بقوة لتظهر الفتاة أمامه عاقدة حاجبيها بخوف، ارتفع حاجبي فريد للحظة قبل أن يضرب الأرض بقدمه وهو يهتف عابسا
(لقد هرب)
ارتفع حاجيها بتوتر و هي تقول من خلفه بقلق
(ما هو الذي الهرب؟).

ابتسم فريد دون أن يستدير اليها، ثم محا تلك الإبتسامة بسرعة وهو يلتفت ليقول لها عابسا
(فأر ضخم، كان يحاول التسلل من احد شقوق الباب، لكنني ضربته فجائت الضربة في باب شقتك، اعتذر إن كنت قد أقلقتك)
شهقت ياسمين و هي تقول بخوف حقيقي
(فأر؟، هل يوجد فئران في البناية؟)
قال فريد وهو يحك شعر رأسه
(لم أرى غيره من قبل، ربما كان حديث العهد هنا)
وضعت ياسمين يدها على صدرها و هي تقول بقلق
(أنا أخاف من الفئران جدا).

ابتسم فريد بجذل وهو يقترب منها خطوة ليقول برقة
(لا تخافي، لقد هرب للأبد)
عبست ياسمين و هي تقول
(لا يمكنك تأكيد ذلك تماما، اكبر الظن أن يعود)
قال لها بلطف
(لا أظن ذلك، لقد ضربته على رأسه ضربة أصابته بالدوار فهرب مترنحا)
قالت ياسمين بحذر
(ألم تذكر أن الضربة قد اصابت الباب؟)
رد فريد بتراجع سريع
(لقد ضربته أولا ثم طاحت قدمي فاصطدمت بالباب)
أومأت ياسمين برأسها و هي تقول مفكرة.

(و مع ذلك يجب تأمين المكان، ربما شراء مصيدة فئران قد تفيد)
رد فريد متحمسا
(يمكنني شرائها لكِ في المرة القادمة و أنا قادم لزيارة أمين)
انتبهت ياسمين فجأة و برقت عيناها للحظة قبل ان تقول
(أمين؟، تقصد الأستاذ أمين شقيق نورا؟، هل تقرب لهما؟)
عقد فريد حاجبيه استيائا و قال بجفاء
(أنا من سبق و ارتطمت بكِ المرة السابقة، ثم نزلت اليكِ كي آخذ حقيبة نورا، هل نسيتني بهذه السرعة؟)
هتفت ياسمين تقول.

(آآآه نعم، تذكرت، اعذرني أنا أنسى الوجوه بسرعة)
رد فريد وهو يتأملها عن قرب
(لا عليكِ، لنتعارف من جديد، أنا فريد الرافعي، ابن عم أمين)
ابتسمت ياسمين برقة و هي تقول
(و أنا ياسمين معروف، جارة أستاذ أمين و أعمل باحدى شركات الماء الحكومية)
ارتفع حاجبي فريد وهو يقول جاذبا اطراف الحديث
(شركة ماء، كم هذا مثير للاهتمام)
قالت ياسمين و هي تبتسم بحرج.

(انها مجرد وظيفة مكتبية، و خدمة عشرات المواطنين يوميا، لا شيء مثير للاهتمام حقا)
تأملها فريد مجددا و قد غابت عنه روح الهزل...
كانت تبدو أكثر اشراقا، و جمالها في بساطة ملامحها...
عيناها تتألقان للحظة، ثم تخبوان مجددا بسرعة و كأنها تتوخى الحذر فيمن تتعامل معهم...
قال فريد مبتسما
(بل اعتقد أنها مثيرة للاهتمام لمن يأتيك صباحا طلبا للخدمة، فتقضيها له بوجهك البشوش، حينها يصبح يومه مثيرا للاهتمام).

ضحكت ياسمين و هي تتشبث بالباب، ثم قالت
(هذا لطف منك)
ابتسم فريد و اقترب منها خطوة اخرى وهو يقول يريد معرفة الكثير عنها
(لقد اتيت الى هنا عددا لا ينتهي من المرات، لكني لم ارك سوى المرة السابقة فقط، منذ متى انتقلتِ الى هنا؟)
قالت ياسمين بحذر
(منذ ثمانية أشهر تقريبا)
رد فريد متفاجئا
(كل هذه الفترة و لم أرك، هذا غريب فعلا)
ابتسمت ياسمين و قالت.

(ليس غريبا تماما، فاحتمال صدفة ان تراني في نفس لحظة خروجي نادرة جدا)
ابتسم فريد بحرج وهو يقول
(آآآآه نعم، صحيح، نادرة جدا، ربما لو لم نرتطم ببعضنا لما كنا التقينا من الأساس)
ضحكت ياسمين و قالت
(بلى كنا لنلتقي الآن و أنت تضرب الفأر)
ابتسم فريد محتفظا لنفسه بمخطط رؤيتها الساذج و الذي نجح أسرع مما تصور، ثم قال باهتمام وهو ينظر اليها
(مع من انتقلتِ؟).

بدت ياسمين مرتبكة قليلا و هي حذرة من منح الكثير من التفاصيل الى غريب، لكنها عادت و تذكرت أنه ابن عم أمين و نورا لذا لا يعد غريبا تماما، فقالت بخفوت
(انتقلت وحدي)
ارتفع حاجبي فريد للحظة، ثم قال بهدوء
(هل أنتِ وحيدة؟)
قالت ياسمين بايجاز وهي تنظر بعيدا
(لا لست وحيدة، لدي أسرة، الا أنني فضلت السكن بمفردي بعد طلاقي)
توقف فريد مكانه وهو ينظر اليها بوجوم للحظة ثم سألها بخفوت
(هل أنتِ مطلقة؟).

رفعت ياسمين عينيها اليه بتحدي و هي تقول
(نعم أنا مطلقة، و يبدو أنك مثل ابن عمك تعانيان من رفض المرأة المطلقة في المجتمع)
ظل فريد يتأملها للحظات واجما، قبل أن يبتسم ببطىء شاعرا بالندم لاحراجها بصدمته التي ظهرت على وجهه دون ارادة منه، فقال برقة
(أنت تقولين كلام كبير و معقد، بينما الأمر أبسط من ذلك، أنا فقط ظننتك آنسة، لا شيء اكثر، لا تكوني حساسة الى تلك الدرجة)
اطرقت ياسمين برأسها و هي تقول بقنوط
(نعم).

أراد فريد البقاء معها لفترة اطول قليلا عكس ما توقع، لقد ظن أنها بكلامه معها للحظات سيتبين له أنها فتاة عادية و أقل من العادية أيضا، فيتوقف عن التذرع بالحجج لمقابلتها...
لكنه اكتشف أنها مطلقة مع الأسف، و أنه يرغب في رؤيتها مجددا للأسف أيضا...
أمر معقد و غير مريح...
تحرك فريد متراجعا وهو يشعر بأن وقوفه هنا أصبح غير لائق، فقال بلطف.

(أنا سعدت بمعرفتك جدا يا ياسمين معروف، لكن نصيحة مني، قبل أن أتابع صعودي، أنت تبوحين بأسرارك لأي عابر سبيل، حاولي أن تتحفظي قليلا في المستقبل، ها أنا مثلا أعرف أنك شابة وحيدة مطلقة تقطن بمفردها، و هذه في حد ذاتها معلومة خطيرة)
ارتبكت ياسمين قليلا و هي تقول بحرج من صراحته الشديدة
(أنت لست غريبا، أنت ابن عم الأستاذ أمين و نورا، صديقتي)
هز فريد كتفيه وهو يقول.

(و ماذا؟، لازلت غريبا، اسمعي الكلام و لا تجادلي، طالما انكِ تفضلين السكن بمفردك فعليكِ أن تكوني أكثر حذرا في المستقبل)
ابتسم لها فريد ثم قال بمودة
(أراكِ لاحقا)
أومأت ياسمين برأسها مبتسمة، لكن و قبل أن يصعد نادته فجأة
(أستاذ فريد)
توقف مكانه وهو يضغط على أسنانه بغيظ...
أستاذ...
لكنه ابتسم و استدار اليها يقول بتهذيب
(تحت أمرك يا أستاذة)
قالت ياسمين بلهفة.

(أظن أنك سبق و اخبرتني أنك طبيب، هل هذا صحيح أم أنني لم أسمع بشكل صحيح؟)
ارتفع حاجبيه وهو يطلب الصبر، ثم قال بهدوء
(نعم، أنا طبيب، هل هناك خدمة أستطيع تقديمها لكِ)
قالت ياسمين.

(أمي تعاني منذ فترة من خشونة المفاصل و هشاشة عظام، كان الأمر في البداية بسيطا الا أنه ازداد سوءا، و بات تحركها صعبا للغاية و ذهبت بها الى عدد من الأطباء فتضاربت أقوالهم، و معظمهم يلجأون الى الحل الأغلى ثمنا، لا الأنسب، كنت أحتاج سؤال طبيب من خارج الصورة، أنا لا أهتم بالمال مطلقا لكن لا أريد اجرائات جراحية لا فائدة منها)
قال فريد بتفكير.

(أنا تخصصي في مجال الوراثة، لكن لما لا تأتين الى المشفى غدا و سأكلف أحد زملائي بمعاينة حالتها)
قالت ياسمين بلهفة
(حقا؟، أخشى أن أسبب لك الحرج)
فتح ذراعيه وهو يقول بصدق
(أي حرج؟، أنت تعالي فقط و سيكون كل شيء على ما يرام ان شاء الله)
ابتسمت ياسمين و هي تقول
(أشكرك جدا أستاذ فريد)
أغمض عينيه وهو يكز على أسنانه، ثم فتحهما ليقول مبتسما ببشاشة
(هلا طلبت أنا منكِ طلبا الآن)
قالت ياسمين بدهشة و حرارة.

(بالطبع، تفضل)
اقترب منها خطوة ليقول مشددا على كل حرف من خطبته الشهيرة.

(سبع سنوات، سبع سنوات من الدراسة المضنية الكفيلة باخراج العاقل عن وقاره، و قد ينتهى به الحال يكلم نفسه في الطرقات، سبع سنوات من الحرب مع النفسية و العصبية و الباطنية، الحرب مع أجزاء من الجسم تحمل أشياء لا داعي لذكرها، حرب مع كتب ذات أوزان قد تكون أثقل منكِ، و في النهاية تأتي أنثى لطيفة رقيقة و مهذبة تلقبني بالأستاذ! هل جئتك أطلب رقم عداد منظم الغاز؟، ها؟، أم جئت مطالبا بفاتورة كهرباء).

تراجعت خطوة للوراء و هي تنظر اليه بعينين واسعتين ثم قالت بخفوت
(أعتذر دكتور فريد، خطأ غير مقصود)
حافظ فريد على ابتسامته الظاهرة وهو يقول بتشديد
(اذن من فضلك لاحظي الخطأ مستقبلا، و ادعيني فريد مجردا من الألقاب، لكن لقب استاذ هذا يجعلني أتحسر على الطريق الطويل طلبا للقب الغالي)
ارتفع حاجبها الآن و هي تقول
(لا بأس، هدىء من روعك يا فريد، لا تدع لبسا في الألقاب يفقدك أعصابك).

كانت تتكلم ببساطة، الا أن نطقها باسمه مجردا و بهذه العفوية
جعله ينسى اللقب و ينسى الطب، و يتذوق اسمه و كأنه يسمعه للمرة الأولى...
فقال مبتسما بسعادة وهو يتأمل الوجه الطفولي البريء
(أراح الله قلبك)
ابتسمت و هي ترفع يديها للسماء قائلة بمزاح رقيق
(يا رب).

كانت تنتظر المصعد و هي تقضم شطيرة الدجاج التي طلبتها بالهاتف منذ قائق...
لتأخذها معها و تخرج الى موعد الصف الرياضي الذي اشتركت به كي تخفف من وزنها...
كانت محبطة و كئيبة و لا تريد حتى المشي لنهاية الطريق، فماذا عن الصف الرياضي، لقد كرهته قبل حتى ان تجربه، و تعلم أنها ستفشل لا محالة...

تنهدت ياسمين بقوة و هي ترى المصعد يصل اليها، لكن ما ان فتحت الباب حتى تسمرت مكانها و هي ترى أمين بداخله، رفع وجهه اليها فتجهمت ملامحه على الفور مما جعلها تشعر بثقل معدني في معدتها...
ودت لو تلقي بالشطيرة بعيدا، و تسحب بطنها للداخل كما تفعل كلما قابلته، الا انها لم تجد الوقت لذلك...
و في النهاية ما الفائدة...
انه يحتقرها، لا لشيء سوى أنها مطلقة...
أطرقت ياسمين بوجهها و هي تقول بقنوط خافت
(السلام عليكم).

ثم تحركت لتدخل مطأطأة الرأس و هي تتذكر كلماته التي قذفها بها آخر مرة، الا أنه رد عليها بجفاء
(و عليكم السلام و رحمة الله)
وقفت أمامه و تعلقت نظراتها بالأرقام المضيئة، فقال برسمية جافة
(بعد اذنك)
ثم تحرك ليقف هو أمامها كي يطمئنها أنه لا ينظر اليها، كان يقوم بهذه الحركة كلما استقلت معه المصعد...

و لم تفهم معناها الا من اخته نورا، و هي احدى تصرفات الاحترام، مما جعلها تبتسم بذهول، فهو لا يزال متبعا لبعض الأصول التي أوشكت على الانقراض...
و من يومها و هي تستمتع جدا كلما اقدم على ذلك...
لكنها الآن ليست مستمتعة مطلقا، فهذا الرجل الواقف امامها لا يكن لها أي احترام، و دون أن ترتكب اي ذنب...
لكنها لم تستطع منع نفسها من تأمله كما تفعل كل مرة...

انه جذاب جاذبية شرقية، قد يكون ابن عمه الطبيب أكثر وسامة منه بشقاوته و ملامحه الكحيلة...
الا أنها معجبة بشكل أمين أكثر، فهو هادىء الملامح الا انه صعب الصفات، شرقي للغاية و متعصب و ربما كان هذا هو ما جذبها اليه منذ البداية...
أنه رجل شرقي، غيور و يرعى من هم تحت حمايته، صارم و يعرف الأصول جيدا...
صفات تليق ببطل رواية...
لكن للأسف البطل لا يريد حتى النظر اليها...
قالت ياسمين بخفوت
(كيف حالك أستاذ أمين).

لم يرد على الفور، لكنها لاحظت تصلب جسده، فامتقع وجهها قليلا خوفا من الا يرد عليها...
لكنه قال في النهاية بجفاء دون أن يستدير اليها
(الحمد لله، اشكرك)
عضت على شفتها مبتسمة برقة، تخون قرارها في عدم التواصل معه، فقالت بصوت جميل
(و كيف حال نورا؟، اشتقت اليها)
ساد الصمت مجددا و توقعت أن يسمعها ما لا تحب، الا أنه قال باختصار
(بخير)
فقالت له بلهفة
(هلا بلغتها سلامي رجاءا؟).

فتح المصعد أبوابه، فسقط قلبها بين قدميها الا أنه قال بخفوت
(ان شاء الله، السلام عليكم)
ثم خرج، و تركها هي في المصعد بعد أن خرج معه جزء من قلبها مرفرفا...

دخلت تيماء الى الشقة و هي تضرب الباب بعنف يتبعها قاصي ليصفقه بعنف أكبر حتى كاد أن يخلعه من مكانه، ثم هتف بها بقوة
(أنا لم أنهي كلامي بعد)
الا أنها كانت متعبة و مرهقة و قد نال منها التعب و الجوع و العصبية، فاستدارت اليه بعنف و صرخت هي الأخرى
(أما أنا فقد اكتفيت، و لن أتكلم في الأمر مجددا)
هتف بها قاصي وهو يضرب الحائط بقبضة يده
(ما دخلك أنتِ حتى تفسدين زواجها؟، ما هي غايتك؟).

رفعت سبابتها في وجهه و هي تهتف بنبرة أكثر صرامة
(انا لن أكرر تبريري، و لو كنت تهتم ذرة بمسك كما تدعي لكنت أنت من تدخل ليوقف هذا الزواج، الا أنك ببساطة غير مهتم)
تركته و دخلت الى غرفتها بعنف فلحق بها وهو يصرخ
(نعم صدقتِ، انا غير مهتم، أتعلمين لماذا؟، لأن مسك أقدر مني و منكِ على ادارة شؤون حياتها)
استدارت اليه و صرخت
(حسنا لم يطلب أحد منك الإهتمام لكن لا تتدخل بيني و بين أختي الوحيدة حين أحاول مساعدتها).

صرخ قاصي بها وهو يقول ساخرا
(أختك الوحيدة! منذ متى؟)
صرخت به تبتلع سخريته العنيف و ألمها
(منذ أن وجدتها آتية الى هنا في أول قطار كي تنقذني منك، على الرغم من صداقتكما القوية)
صمت قاصي تماما وهو ينظر اليها لاهثا، ثم قال بعد فترة بصوت جاف
(اذن هذه هي النقطة، حين أتت كي تنقذك مني، أسرتك بمعروفها، لكن طالما الأمر كذلك، لماذا لم تذهبي معها و تنقذي نفسك من هذا الزوج الغير مشرف لوضعك و مكانتك و عائلتك).

رفعت يديها بعصبية و هي تقول
(أنا لن أتابع هذا النقاش، لقد تعبت)
خلعت وشاحها بعنف لترميه أرضا، ثم خلعت ملابسها امامه كي تلحق بالوشاح فتوقف مكانه ينظر اليها بتوتر و هي تتحرك كالجنية أمامه وشعرها اللولبي يتطاير يمينا و يسارا...
سيحرق ديارهم جميعا لو تجرأ أحدهم على سرقة هذه المرأة منه...
كل يوم يجدها تقترب منهم خطوة، هي ذاتها نفس الخطوة التي تبتعدها عنه...

تحركت تيماء بعنف متجهة الى الحمام، فلحق بها الا أنها كانت أسرع منه فجرت اليه و احكمت غلقه مما جعله يضرب الباب بعنف وهو يهتف بغضب
(افتحي الباب يا تيماء)
صرخت به من الداخل...
(اريد استخدام الحمام ببعض الخصوصية، طبعا لو سمحت لي بذلك، تبا لك)
زفر قاصي بقوة وهو يتراجع ليستند بظهره الى الجدار، مرجعا رأسه للخلف وهو يكتف ذراعيه...
الأمور كلها تهدد بالخروج عن نطاق سيطرته...

و هذا ما لن يسمح به، انهم يتسللون اليها واحدا تلو الآخر، و هي تستسلم...
مجيء مسك الى هنا كان الصدمة التي لم يتوقعها، فمسك تختلف عن سالم
مسك هي المعدن النظيف في تلك العائلة، و لو رغبت في ضم تيماء اليها فستجد بها تيماء نعم الملاذ...
و الصدمة الأكبر هي سرعة استجابة تيماء و افسادها لزواج مسك بفرقعة من اصبعها...
فك قاصي ذراعيه وضرب على الباب بقبضته وهو يهتف بغضب
(اخرجي الآن).

لكنها لم ترد، بل ظلت في الداخل الى ان ضرب الباب مرة اخرى وهو يصرخ
(ان لم تخرجي امامي الآن، فسأكسر الباب و أقسم الا يثبت له مزلاج مجددا)
ساد الصمت عدة لحظات و قبل أن يقدم على تنفيذ تهديده، كانت تيماء قد فتحت الباب بعنف لترفع شريطا الى وجهه يحمل خطين حمراوين، لتتجاوزه قائلة بصلابة و جفاء
(أنا حامل).

ثم ابتعدت عنه لتدخل غرفتها مغلقة الباب خلفها بعنف، الا ان قاصي كان من الذهول و كأنه يسمع الخبر للمرة الأولى، لا كمن ينتظره كل يوم خلال الأسبوعين الماضيين...
اندفع قاصي من مكانه متجها الى غرفتها فحاول فتح الباب الا انه كان مغلقا...
فلم يحاول حتى ان يطلب منها هذه المرة فتحه
بل ضربه بكتفه عدة مرات الى ان خلع القفل من مكانه فدخل مندفعا وهو يهتف لاهثا
(تيماء).

كانت تيماء تجلس على حافة السرير بملابسها الداخلية، و شعرها المجنون، شاحبة الوجه بشدة، و الدموع تغرقه...
تأوه قاصي وهو يهمس بعنف
(يا مجنونة، يا مهلكة، )
ثم اندفع اليها ليلتقطها بين ذراعيه و يرفعها من الأرض يكاد أن يصهرها بين ذراعيه، صارخا بقوة
(حامل يا مهلكة، و دون أي شكوك، تحملين طفلي)
أما هي فأخذت تشهق باكية بعذاب الى أن همست بضعف
(أرجوك، أشعر بالغثيان).

أنزلها قاصي فلم تستطع حتى الجري الى الحمام، بل انحنت ارضا على ركبتيها و هي تتقيأ بقوة
ربت قاصي على ظهرها قائلا بصوت مختنق
(لا بأس، اهدأي، اهدأي)
رفعت وجهها الشاحب المبلل اليه و هتفت من بين دموعها شاهقة بنحيب عالي
(أنا أكرهك يا قاصي الحكيم، أكرهك)
ساد الصمت لعدة لحظات وهو ينظر اليها، قبل أن يقول بصوت مختنق، محترق
(و أنا أعشقك يا مهلكة، أعشقك).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة