قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الحادي عشر

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الحادي عشر

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الحادي عشر

ابتسمت تيماء رغم عنها و قالت تهمس بخفوت
(قل لنفسك، فأنت من أحضرت ابنك الى هنا بدلا من أن تصطحبني الى شهر عسل طويل نعوض به ما فاتنا من سنوات)
ارتفع حاجبيه وهو يقول بمكر
(لا تستفزيني يا مهلكة، كي لا أهرب بكِ بعيدا)
مطت تيماء شفتيها و هي تقول تستفزه
(و ماذا عن الأطفال؟)
برقت عيناه أكثر من بريقها بحديثه عن شهر العسل، فانحنى اليها يلتهم الكلمة منها بشوق...
الا أن عمرو طرق الباب مجددا ونادى.

(أبي، أنا أحتاج الذهاب الى الحمام، جدا)
ابتعد قاصي عنها وهو يتمتم بشتيمة ما، ثم فتح الباب وهو يقول
(تعال يا فتى، الحمام تحت أمرك)
نظر عمرو اليهما بعينين ناعستين، ثم قال بارتياب
(ماذا كنتما تفعلان في الداخل؟)
احمرت وجنتا تيماء و ابتسمت دون أن ترد، بينما قال قاصي بخبث
(كنت أساعدها في الدخول للحمام كما أفعل معك)
هتفت تيماء بحرج و هي تضرب ذراعه
(قاصي، احترم نفسك).

الا أن قاصي دفعها للخارج و اخذ عمرو للداخل وهو يقول آمرا
(هيا اذهبي و أعدي الفطور، و أنا سأساعد هذا الصغير)
ثم أغلق الباب قبل أن تجيبه...
وقفت تيماء قليلا تنظر الى الباب المغلق، قبل أن تكتف ذراعيها، و الإبتسامة تبهت قليلا عن شفتيها و هي تتذكر أشلاء هاتفها المحطم على أرض غرفة الجلوس...
أصر قاصي على أن تجلس تيماء على ركبتيه أثناء جلوسهم لتناول الفطور، ليطعمها بنفسه، بينما قال عمرو معترضا...

(أنا من يجلس على ركبتيك)
قال قاصي ببساطة وهو يدس لقمة أخرى بين شفتيها
(اليوم دور تيماء، الحقيقة أن دورها سيستمر لأيام تعويضا لها عن كل أيام جلوسك على ركبتي)
هتف عمرو باعتراض
(لا، ليس معقولا)
ضحكت تيماء و هي تقول باتزان، بما أنها العاقلة الوحيدة بينهما...
(لا بأس يا عمرو، يمكنني أن أشاركك دوري، أنا ركبة و انت الأخرى)
ابتسم عمرو راضيا وهو يقول بسعادة
(نعم، هذا يبدو معقولا).

ابتسمت تيماء و هي تنظر الى قاصي قبل أن تضع احدى حبات الكرز بين شفتيه، فهمهم قائلا بخشونة خافتة
(أمممم، عليك شراؤه باستمرار، فله مفعول السحر في امتصاص غضب الرجل)
ارتفع حاجبي تيماء بدهشه
هو الغاضب! الصبر يا رب...
ارتفع فجأة صوت رنين جرس الباب، فعقد قاصي حاجبيه وهو يقول
(من سيأتي منذ بداية الصباح؟، هل تنتظرين أحدا؟)
هزت تيماء كتفيها و هي تقول بحيرة.

(لا أحد يأتي في مثل هذه الساعة، ربما كان حارس البناية يريد شيئا، سأذهب لفتح الباب)
الا أن قاصي أمسك بخصرها يرفعها من على ركبتيه، ثم نهض و أجلسها مكانه، وهو يقول
(أنا سأفتح الباب، اكملي أنتِ فطورك)
جلست تيماء و هي تنظر الى اختفاؤه مستندة بذقنها الى كفها بشرود، الا أن عمرو قال يقاطع شرودها
(تيما، أليس قاصي هو والدي؟)
نظرت اليه تيماء متفاجئة من السؤال، الا أنها قالت بخفوت.

(بالطبع هو والدك، لماذا تسأل هذا السؤال الغريب؟)
قال عمرو وهو يعبث في طبقه
(قالت المعلمة أن اسم والدنا هو الإسم الذي يلي اسمنا، لكن والدي اسمه قاصي، لا راجح)
ارتبكت تيماء و هي تنظر الى الصغير متفاجئة من سرعة انكشاف الحقائق...
لم تظن أن يأتي هذا اليوم سريعا، بل و تكون هي المطالبة بجواب منطقي...
أخذت تيماء نفسا عميقا ثم سألته بهدوء
(هل سألت والدك عن هذا؟).

هز عمرو رأسه نفيا، فأومأت تيماء متفهمة قبل أن تقول ببطىء كي يستوعب.

(اسمعني جيدا يا عمرو، والدك الذي تحمل بضعا من شعراته، و شيئا من صفاته، و لون عينيه، هو من تحمل اسمه، لكن هناك والد يقدم ما هو أكثر، مثلما قدم والدك قاصي، هو من يحضر لك ما تتمنى و يرعاك في مرضك، و يعتني بوالدتك، و يجلسك على ركبتيه، و يحملك على كتفيه، أشياء تجعل منه والدك أيضا و أكثر، لذا أنت محظوظ فلديك نوعين من الآباء، لكن احتفظ بهذا كسر خاص لك، خاص جدا، لأنه سر مميز، لا تريد أن يعرفه الجميع فيشعرون بالأسى لأن لديهم والد واحد).

كانت تود لو تكلمت مع عمرو أكثر، الا أن صوتا مألوفا أتى من باب الشقة جعلها ترهف السمع عاقدة حاجبيها...
حينها سمعت عبارة واحدة بالصوت المألوف الذي تعرفته بوضوح
(للمرة الثانية، لم أتوقع أن تفعل هذا باختي!)
فهمست تيماء عاقدة حاجبيها بحيرة
مسك!

فتح قاصي الباب، الا أنه تسمر مكانه وهو يرى مسك واقفة تنظر اليه بصمت...
قبل أن ترفع حاجبيها و هي تراه يرتدي بنطاله الجينز، دون قميص، و كأنه يمتلك البيت بمن فيه...
تكلم قاصي قائلا بدهشة
(مسك! ماذا تفعلين هنا؟)
ارتفع حاجبي مسك قبل أن تبتسم ساخرة و هي تقول بهدوء
(روح الضيافة لديك ضعيفة جدا يا قاصي، عامة أنا آتية لزيارة أختي، فهل لديك مانع؟)
عقد قاصي حاجبيه وهو يقول باعتراض لم يستطع اخفاؤه.

(منذ متى و أنتما تتزاوران؟، و كيف؟)
ازدادت ابتسامة مسك سخرية ثم قالت
(هل سنتابع حوارنا اللطيف على الباب؟، ألن تدعوني للدخول حتى؟)
بدا قاصي مترددا و كأنه لا يريدها ان تدخل، الا أنه أفسح لها الطريق وهو يشير بكفه قائلا دون ترحيب حقيقي
(تفضلي)
دخلت مسك ثم فقدت ابتسامتها الساخرة و هي تستدير اليه قائلة بغضب حقيقي
(للمرة الثانية، لم أتوقع أن تفعل هذا بأختي).

كانت تيماء قد تركت عمرو في المطبخ ليكمل فطوره، ثم خرجت بقدمين حافيتين و هي تسمع مسك تقول متابعة.

(و كأن السنوات تعيد نفسها، و ها أنا أصدم بك من جديد، أتتذكر حين اكتشفت علاقتك بها و هي لا تزال طفلة تحت رعايتك؟، تمر السنوات و لم تتغير يا قاصي و ها أنت تتزوجها دون موافقة والدها و دون أن تخبرها بزواجك من أخرى! تبا لما تفعله يا قاصي، على الأقل احترم الصداقة التي جمعت بيني و بينك يوما، كيف تتمادى الى هذا الحد في ايذائها؟)
هتف قاصي بقوة.

(اهدئي قليلا يا مسك، هذه الأمور تمت تسويتها بيني و بين تيماء و لا خلاف بيننا، كما أنها لا تتأذى كما تتوهمين، أو ربما كما يود أحدهم ان يوهمك بذلك)
عند هذه النقطة، تحركت تيماء لتتقدم أكثر و قالت بهدوء
(مرحبا مسك، هذه زيارة مفاجئة، لكن سعيدة)
استدارت مسك تنظر اليها بنظرة تقييم طويلة و بطيئة من أعلى رأسها و حتى قدميها، ثم قالت بجمود
(هل أنتِ بخير؟)
ارتفع حاجبي تيماء و هي تقول.

(نعم، أنا بخير تماما، و لما هذا السؤال؟)
ردت مسك تقول
(اتصل بي والدك، و فهمت منه أنه كان يهاتفك، ثم انقطع الخط بشهقة منكِ، حاول اعادة الاتصال بكِ مجددا، لكن الخط مغلق، فطلب مني المحاولة ان كنت أعرف لكِ أي رقم آخر)
ارتفع حاجبي تيماء بدهشة من تصرف والدها المهتم للمرة الأولى، و ربما لاحظ قاصي اهتمامها، فقال بعنف ساخر
(على ما يبدو وهو يطلب منكِ رقما آخر لتيماء، شعر بالضجر فقص عليكِ بعضا من يومياتي).

استدارت مسك لتنظر اليه بسخرية مماثلة، ثم قالت ببرود
(على ما يبدو هذا، و قد سمعت الكثير عن صولاتج و جولاتك في الخداع، )
هتف قاصي يقول
(مسك، توقفي عن التعامل معي كما تعاملين من يلقي بهم حظهم السيء في طريقك، أنتِ تعلمين أنني من المستحيل أن أخدع تيماء)
ضحكت مسك ضحكة عالية قاسية قبل أن تقول مبتلعة المتبقي منها بغضب
(كيف تمتلك الجرأة على قول هذا، بمنتهى التبجح؟)
صمتت قليلا، ثم قالت بخفوت.

(لم أتوقع هذا منك أبدا يا قاصي، لقد وعدتني ذات يوم و ها أنت تخلف وعدك معي، تشعرني كم كنت غبية حين وثقت بك تجاهها و تسترت على علاقتكما، ربما لو تصرفت يومها لكنت نجحت في التفريق بينكما و لكانت الآن آمنة بعيدا عنك)
صرخ قاصي بقوة وهو يضرب الحائط المجاور له بقبضته و بكل قوته
(كفى يا مسك، أنتِ تنفذين خطته في ابعادها عني، و أنا لن أسمح لكما)
ارتفع حاجبيها و قالت ببرود
(أنت مهووس، عليك أن تخضع للعلاج).

صرخ قاصي بغضب
(مسك)
الا أن تيماء كانت هي من تدخلت هذه المرة و صرخت بحزم و صرامة
(كفى، كفى)
نظرت الى مسك و هي تتنفس بغضب متسارع، ثم قالت بهدوء
(كيف حضرتِ الى هنا يا مسك؟)
ردت عليها مسك بهدوء
(أتيت في قطار السابعة صباحا، و ها أنا، أصدم بما أرى)
كانت مسك تنظر خلف تيماء و هي تتكلم، مما جعل تيماء تستدير خلفها، لتجد عمرو واقفا، يستمع اليهم...
فرفعت مسك حاجبيها و هي تقول بذهول.

(هل أحضر ابنه اليكِ كي ترعيه؟، أنا لا أصدق عيناي)
رد قاصي بفظاظة
(صدقي اذن، و الآن من فضلك اذهبي و احجزي تذكرة عودة الى مدينتك، الا أذا أردتِ أن أقلك بنفسي، فسأفعل، لطالما فعلت، لكن على ما يبدو أنكِ قد نسيتِ يا مسك).

طالت نظرة عيني مسك الى وجه قاصي الغاضب، على الرغم من فظاظته معها و طرده لها من بيت تيماء، الا أن نبرته كانت تذكرها بوضوح عن وقوفه بجوارها، و هي لم تنسى، و لن تنسى مطلقا للمتبقي من عمرها...
لكن هذه نقرة و تلك نقرة اخرى...
قالت تيماء بقسوة فجأة
(لا يمكنك أن تطرد أختي من بيتي، و في وجودي).

نظر اليها قاصي بصدمة و كأنها أحرجته، الا أنها لم تتراجع، بل بادلته النظر بغضب، فقالت مسك ببرود و هي تنظر الى ساعة معصمها
(ليس لدي الكثير من الوقت لأبقى هنا، فاطمئن، )
رفعت وجهها الى تيماء و قالت بحزم
(أتيت اليكِ في كلمتين، وحدنا)
قال قاصي مندفعا
(قولي ما تريدينه أمامي يا مسك، فتيماء لا تخفي عني شيئا)
ارتفع حاجبي مسك و هي تنظر الى تيماء، ثم قالت بسخرية
(هل هو معتاد على الرد نيابة عنكِ باستمرار؟).

ارتبكت تيماء و اخفضت وجهها، الا أنها قالت بخفوت
(تعالي معي الى غرفتي)
هدر قاصي من خلفهما
(تيماء، لا تسمحي له، اياكِ)
استدارت مسك تنظر اليه باستهزاء، ثم قالت بنعومة
(لها، التصحيح: لا تسمحي لها، عائد علي أنا، فمسك الرافعي لا يسيرها الا نفسها)
ثم تحركت أمام تيماء التي كانت تنظر الى قاصي بصمت، قبل أن ترافق أختها...
دخلت تيماء خلف مسك الى الغرفة، ثم أغلقت بابها، الا أن مسك توقفت و ابتسمت قائلة بسخرية.

(اذن لهذا السبب لم نستطع اعادة الإتصال بكِ!)
نظرت تيماء الى حيث تنظر مسك، ثم احمر وجهها بشدة و هي تتذكر أنها كانت قد جمعت أجزاء هاتفها المكسور، ووضعتها فوق طاولة الزينة...
قالت تيماء بهدوء
(تعالي يا مسك، اجلسي و دعكِ من الهاتف).

تحركت مسك لتجلس على حافة السرير بأناقة، واضعة ساقا فوق الأخرى، و عيناها تراقبان تيماء التي جلست على كرسي طاولة الزينة، منحنية، و مستندة بذراعيها الى ركبتيها، ناظرة الى الأرض...
قالت مسك أخيرا
(تعلمين أن كسر الهاتف بتلك الصورة يعد مؤشرا خطيرا، و قد تكونين التالية في مجال غضبه)
قالت تيماء بخفوت دون أن ترفع وجهها الى مسك
(لماذا أتيتِ يا مسك؟)
ردت مسك عليها بنبرة محتدة قليلا.

(ربما أنا من كان عليه سؤالك، لماذا؟، لماذا يا تيماء تسمحين له بالتلاعب بكِ بهذه الطريقة المخجلة؟، أنت أستاذة جامعية، اتعلمين معنى هذا؟)
رفعت تيماء وجهها تنظر الى مسك و قالت بخفوت
(هل هذا ما أتيتِ لأجله؟)
قالت مسك بترفع
(أتيت كي أصرخ بكِ، لعلك تفيقين لنفسك و حياتك و مستقبلك)
قالت تيماء بعد فترة بصوت ثابت و عينين قويتين.

(أنا أحبه يا مسك، أحبه، أدرك أنكِ لن تقبلين بمثله كزوج لكِ، و ادرك أنه آلمني كثيرا، لكنني لست غبية مغيبة، أنا أسير اليه مدركة تماما ما سينالني من أوجاع و مخاطر، أنا الوحيدة القادرة على تقبله و اسعاده، و تبديد كوابيسه)
هتفت مسك بحدة مفاجئة
(أي حب هذا الذي يجعلك تتنازلين عن كرامتك، و تقبلين بالفتات من رجل، لأنه غير قادر على منحك أكثر! ملعون الحب اذن و الذي يذل صاحبه بتلك الصورة).

أسبلت تيماء جفنيها أمام حدة مسك، الا أنها لم تجفل، بل قالت بقوة
(أنتِ لن تفهمي ما أقصده الا حين تشعرين تجاه رجل كما أشعر أنا تجاه قاصي، قاصي هو عائلتي الوحيدة يا مسك، و أنا بيته و أرضه، لن أتخلى عنه مطلقا)
هتفت بها مسك باستياء و الغضب يعمي عينيها من تلك الحمقاء.

(عائلتك الوحيدة؟، أنتِ تعلمين جيدا مكانة قاصي لدي، و هي مكانة لن تتغير أبدا و لن يحتلها غيره، و رغم ذلك ما ان سمعت من والدك عن خداعه لكِ حتى شعرت بالدم، يغلي في عروقي، و لم يكد الصباح أن يشرق حتى أتيت اليكِ كي أجبرك على تركه ولو بالقوة)
صمتت مسك قليلا، ثم تنهدت قائلة بصلابة.

(ربما لم نكن أختين من قبل، و ربما لم تشعري باي صلة تربطك بنا، و أعلم أنكِ قد ظٌلمتِ ظلما بينا، لكن عكس ما تعتقدين يا تيماء، فأنا ووالدك نرغب في مساعدتك هذه المرة بحق، لا مصلحة لنا سوى انقاذك من حياة قد تطول، لتفاجئي في نهاية المطاف أنكِ قد تنازلتِ عن كل شيء، مقابل الوهم المسمى بالحب، حب مريض أجوف، و قابل للكسر، مبني على الخداع و سوء التملك)
قالت تيماء و هي تنهض من مكانها بعنف.

(هل تظنين أنني لست مدركة لما تقولين؟، أنا أعلم جيدا عواقب اختياري، لكن ربما، أنا لست في مجال اختيار من الأساس، اينما وجد قاصي، كانت هناك تيماء، كيفما كان قاصي، مجبرة تيماء على احتواءه، قضيت سنوات طويلة في معاندة نفسي كما تطلبين مني الآن، الى أن أدركت في النهاية، أنني لا أختار بالفعل، أنا فقط أحيا ما هو مقدر لي)
صمتت قليلا ثم قالت متابعة بهدوء.

(حبي يؤلم يا مسك، و أنا قادرة على تحمله لأن لا خيار آخر لي)
أطرقت مسك بوجهها بصمت، بينما نظرت اليها تيماء قبل أن تبتسم هامسة بخفوت
(لم أكن أعلم أنكِ كنتِ تتسترين على علاقتنا منذ سنوات!)
رفعت مسك عينيها الى عيني تيماء و قالت باستياء
(كنت حمقاء و غبية مثلك، و احيا قصة حب وردية متخلفة، ففكرت من أكون أنا كي أحرمك من حلاوة ما أحياة من الحب، كان علي منعك بأي طريقة، )
قالت تيماء و هي ترفع كتفيها باستسلام.

(حتى لو فعلتِ، كنتِ ستفشلين، لقد حاولو و بأقسى الطرق ابعادي عن قاصي، و قد رضخت في النهاية من شدة الذل الذي عشته، الا أنني عدت اليه ما أن تلاقت أعيننا من جديد، اينما وجد قاصي، كانت تيمائه)
كانت مسك تسمعها بملامح جامدة، و عينين شاردتين، قاتمتين، ثم قالت أخيرا بخفوت
(حسنا يا تيمائه، والدك قلق عليكِ، و أعتقد أنه صادق هذه المرة، لم أره يتكلم عنكِ بهذه الصورة من قبل).

للحظات ارتبكت تيماء، ثم لم تلبث أن أدارت وجهها و هي تقول بخفوت
(ربما، لكن للأسف، فات الأوان، هو يطلب شرطا للصلح، و أنا لست تواقة للصلح معه من الأساس كي أقبل بشرطه المستحيل، إنه يتخيل أن أترك قاصي رغبة مني في نيل هذا الرضا الغالي الذي تسولته لسنوات طويلة، هل هذا تفكير منطقي منه؟، أترك قاصي لاجله؟)
نهضت مسك واقفة و هي تقول ببساطة
(ليس لاجله أو لأجل أي مخلوق آخر، بل تتركين قاصي لأجلك أنتِ).

اتجهت مسك الى الباب، ثم استدارت اليها و قالت بهدوء
(من الحماقة قول هذا، لكن لو احتجتني في مساعدة خلعك منه، أنت تعرفين رقم هاتفي، هذا طبعا بعد أن تشتري هاتفا جديدا)
ابتسمت تيماء، فابتسمت لها مسك ابتسامة غير راضية، الا أنها تظل ابتسامة...
ثم لوحت لها و خرجت من الغرفة، الى أن اصطدمت بقاصي الذي كان يدور حول نفسه و كأنه على وشك افتراس احدهم...

توقف قاصي مكانه و نظر اليها رافعا ذقنه بتوتر، ثم قال بصوت مضطرب
(ماذا قالت لكِ؟)
اشارت مسك بعينيها للغرفة ثم قالت ببساطة
(اسألها، فهي لا تخفي عنك شيئا، اليس كذلك؟)
زفر قاصي بعنف وهو يبعد خصلات شعره للوراء، بينما تحركت مسك في اتجاه الباب تنوي المغادرة...
لكن قاصي ناداها قبل أن تفعل
(مسك)
استدارت تنظر اليه بصمت فقال لها بخفوت
(ابقي خارج الأمر رجاءا، أنا لا أريد خسارتك، ليس بعد كل طريقنا معا)
قالت مسك بهدوء.

(حافظ عليها و توقف عما تفعله، و أنت لن تخسرني، أنا جادة يا قاصي)
خرجت مسك و أغلقت الباب خلفها، بينما استدار قاصي الى تيماء ينوي التحقيق معها، لكنه لم يتحرك، فقد كانت واقفة خلفه مباشرة، تنظر اليه بصمت، فاندفع اليها ليمسك بكتفيها قائلا
(ماذا أرادت؟)
قالت تيماء بخفوت
(اليوم و لأول مرة، أشعر بأن لي أخت، حقا)
انخفضت كفي قاصي عن كتفيها ببطىء، الى أن سقطتا على جانبيه، وهو يبادلها النظر بصمت، مقيت...

يقال أن المرأة تتورد بالحب، فيشرق وجهها و تلمع عيناها بالنجوم...
و هي كانت تتورد بالحب...
على مدى أسبوعين، باتت هدف قاصي الذي لا يغيب عن ناظريه الا قليلا...
فقد أعاد عمرو الى والدته، ثم عاد اليها...
اسبوعان، تتذوق بهما طعم الأنوثة على يديه...
تلمع عيناها و هي تسمع همساته لها...
مهما حملت لها الروح من قلق، تخرسه هي بتذوق المزيد من الحب...

كانت واقفة في المدرج تكتب جزءا من رسم تخطيطي عن الدرس الذي تساعد في شرحه، تحت اشراف الدكتور أيمن، كونها لا تزال معيدة، تنتظر اليوم الذي ستنال فيه الدكتوراة بفارغ الصبر...
كي تطمئن نفسها الى أنها لم تتخاذل معمية العينين و هي تسير خلفه دون عقل أو ادراك...
سمعت صوت باب المدرج الخلفي يفتح و يغلق، فقالت في مكبر الصوت دون أن تستدير.

(لم أسمع طرقك على الباب، لكن مرحبا بكِ رغم تأخيرك، لترى أنني أكرم منك، أي كان اسمك)
سادت بعض الضحكات قبل أن تستدير تيماء لتتابع شرحها، لكن الكلمات توقفت في حلقها و هي تراه يجلس في نهاية المدرج، ينظر اليها مبتسما...
فتوردت وجنتاها و هي تنظر اليه مبتسمة، بينما قلبها يخفق بعنف لم يفتر على مدى اسبوعين كاملين...
تكلمت تيماء أخيرا في المكبر قائلة بجدية رغم ابتسامتها ذات الغمازة.

(لا يفترض بك الدخول الى هنا، سيخرجك الأمن في أي لحظة)
ازدادت ابتسامته اتساعا، ثم ناداها قائلا
(ربما بتوصية من الأستاذة، قد يقبلون بي)
عضت على ضحكتها بالقوة، و قالت بحزم
(لا توصيات هنا، من فضلك غادر المدرج و الكلية لو أمكن)
رد عليها مناديا بابتسامته البراقة
(تعبت من انتظارك خارجا يا أستاذة)
ضحكت تيماء رغما عنها، لكنها نظرت الى ساعة معصمها و قالت في مكبر الصوت.

(أنت من أتيت مبكرا يا أستاذ، هيا غادر من فضلك، لا تتسبب لنا في ملاحظات غير مرغوب بها)
تحرك قاصي لينهض من مكانه لافتا الأنظار اليه، و أولها نظرها هي، ثم غمز لها وهو يشير اليها بأن تسرع...
ثم خرج من الباب الذي دخل منه للتو، فتعالت بعض الضحكات، و كذلك ضحكتها، الا أنها قالت بحزم
(حسنا، كفى، كفى، كان هذا زوج الأستاذة، لا شيء محرج، هلا تابعنا كي أتمكن من الخروج اليه)
نعم المرأة تتورد بالحب...

كانت تستغل الفرص كي تراقبه من بعيد، أثناء انشغاله عنها...
كحالها الآن و هي تقف على سلم الكلية، ناظرة اليه وهو يقف مستندا الى دراجة بخارية...
يلفت أنظار الجميع بهيئته الغريبة، و الجذابة...
تحركت تيماء تقطع الأمتار بسرعة حتى تصل اليه، و بالفعل ما أن اقتربت منه لاهثة حتى رفع وجهه اليها و ابتسم، ابتسامة سلبت عقلها، تبعتها قبلة على وجنتها زادتها توردا...

الا أن طيف السعادة الذي تحياه لم يلهيها عن الدراجة، فلامستها و هي تهتف
(من أين لك بها؟)
قال قاصي بعبث وهو يربت على مقعد الدراجة وكأنه يداعب فرس أصيل...
(ما رأيك؟، الم تعيد اليكِ الحنين للماضي؟)
رفعت تيماء وجهها اليه و هتفت بجزع
(هل بعت سيارتك و ابتعت دراجة بخارية؟، مستحيل، لا تخبرني أنك قد فعلت ذلك)
ابتسم قاصي و قال.

(اهدئي يا مهلكة، انها ملك صديق لي، شعرت أنني اشتقت لركوبها فاستعرتها منه، أما سيارتي فهي بخير و آمنة من مطامعي)
زفرت تيماء بارتياح و هي تقول
(لوهلة كدت أن أضربك)
عبس قاصي و قال متذمرا
(تحولتِ الى ربة منزل لا تعترف بروح المغامرة)
قالت تيماء مشددة على كلامها و هي تلوح بكتبها
(ماذا عن روح المسؤولية؟، روح العقل، روح رب الأسرة)
تأفف قاصي وهو يقول معاكسا
(كفى كلاما و اصعدي خلفي، اشتقت اليكِ).

ابتسمت تيماء و قالت بخجل
(تركتك منذ ساعاتٍ قليلة فقط)
رد عليها قاصي دون خجل أو مجاملة
(و لم أكتفي منكِ)
ازداد احمرار وجنتيها و هي تنظر حولها، ثم نظرت اليه هامسة بشقاوة
(أنت شره)
اقترب منها و همس لها
(فقط حين أرى ما يثير شهيتي)
ابعدته تيماء بكفها في صدره، و هي تقول ضاحكة محذرة
(ابتعد و لا تتهور، مركزي لم يعد يسمح لي بفضيحة من فضائح الماضي)
ابتسم قاصي بعبث و همس لها.

(في الماضي كنا محرومين، أما الآن فما علي الا أن أمد يدي اليكِ و)
مد يده اليها فعلا الا انها قفزت من مكانها و همست ضاحكة
(انطلق بنا من هنا قبل أن يتم القبض علينا)
و دون انتظار رده أسرعت بالجلوس على مقعد الدراجة، بينما انحنى قاصي و أخرج الخوذة فألبسها لها و جذب الرابط تحت ذقنها، ثم صعد أمامها لتمسك بخصره بكل قوتها...
و كما أمرت المهلكة، انطلق بها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة