قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثلاثون

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثلاثون

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثلاثون

استلقت مكانها ببشرة متوردة، براقة، و هي تشعر بالخجل، محاولة سحب الغطاء عليها، متجنبة النظر اليه...
فقد كان مستلقيا بجوارها، مستندا بمرفقه الى الوسائد، وهو يتأمل ملامحها دون ملل و دون أن تضيع الإبتسامة عن شفتيه...
أخذت سوار نفسا مرتجفا و هي تتمنى لو ابتعد، يخرج من الغرفة ليجد له شيئا يفعله، و يتركها مع حالة الحرج التي تعيشها حاليا...

تسمرت سوار فجأة تماما و هي تسمع نبرته المبتسمة العميقة وهو يهمس لها بنعومة
(صباح الخير)
أبقت جفنيها منطبقين لعدة لحظات، شاعرة بالنقمة على العرق الذي ينتفض في عنقها حاليا، و من الأرجح أنه يراه بكل وضوح، لذا حاولت تشتيت انتباهه عن هذا العرق المنتفض لتقول بخفوت
(هل نحن مساءا أم صباحا؟).

ما أن نطقت بالسؤال الساذج حتى تبين لها مدى غبائه، فازداد احمرار وجهها بشدة مما جعله يضحك سعيدا منتشيا، فأغمضت عينيها و هي تزم شفتيها من هذا الإرتباك الأحمق الذي يلازمها منذ ساعة وصوله...
تكلم ليث أخيرا وهو ينحني اليها الى أن شعرت بأنفاسه على وجنتها قبل أن يقبل تلك النبضات المندفعة بجنون، و كأنه يحاول أن يهدئها
(صباحا أو مساءا، لا يهم، المهم أنك هنا، معي أخيرا).

ابتلعت سوار ريقها بتوتر و هي تحاول سحب الغطاء أكثر الا أنه منعها ليمسك بقبضتها المتشنجة، حتى تركت الغطاء، فرفعها الى فمه ليقبل ظاهرها وهو يهمس فوق بشرتها
(كفي عن الهرب، تبدين خيالية الجمال)
أخذت سوار نفسا طويلا قبل أن تقول بتهذيب و هي تنظر الى السقف بعينين واسعتين
(شكرا)
عادت ضحكته من جديد بشكل أكثر وضوحا، ثم انحنى مجددا ليقبل انحناءة كتفها الغض وهو يهمس لها
(لا شكر على واجب يا سيدة الحسن و الجمال).

أسبلت جفنيها قليلا و هي تقول بخفوت
(أنت تبالغ)
ابتسم وهو يلاحق ملامحها ذات الكبرياء الشرقي بنعومة قبل أن يقول بصوت أجش خافت
(لو ترين نفسك بعيني كما أراك في تلك اللحظة، لما قلت هذا)
صمت للحظة وهو يبعد خصلات الشعر الأسود عن جبهتها بنعومة، ثم لم يلبث أن استقام جالسا وهو يقول ضاحكا
(و ما الحاجة للتخيل! تعالي سأريك نفسك، لتحكمي على جمالك بعينيك).

جذبها من كفها فاستقامت جالسة، مما جعلها تصرخ بذعر و هي ترفع الغطاء بسرعة
(لا، لا، توقف يا ليث، )
الا أنه كان يقول ضاحكا
(أنا مصر)
صرخت سوار مجددا و هي تقاوم قيد كفه بينما تحارب كي تتشبث بالغطاء كدرعها الحامي...
(لا أرجوك، صدقتك، صدقتك)
جذبها مرة أخرى ضاحكا، الا أنه قرر أن يرحم احمرار وجهها، و لا يضغط على أعصابها المرهقة أكثر...

فتركها، الا أنه لم يحررها، بل جذبها الى أحضانه برفق حتى ارتاحت تماما، أما قلبها فكان متوترا يخفق بعنف معلنا عن المزيد من توتر أعصابها...
حينها فقط همس لها في أذنها بنعومة
(اهدئي، لا داعي لمثل هذا التوتر، فأنت بين ذراعي عاشقك، من ملكك قلبه و حياته)
قالت سوار بخفوت و هي تحاول التحرر منه
(لست متوترة).

مد ليث كفه ليمسك بها ذقن سوار يرفع وجهها اليه، فنظر الى عينيها العسليتين الشبيهتين بشمسين مشرقتين في نهار ربيعي رائع، ثم همس لها بصوته الأجش الخافت
(كاذبة، أنت متوترة و تكاد عروقك تنتفض من عنقك الأبيض، تثير عطفي، و تسبي نظري)
عضت سوار على جانب شفتها قليلا، الا أنه رفع اصبعه الى شفتها يربت عليها برفق وهو يقول آمرا مبتسما
(هل تأكدت الآن من توترك؟، أتركيها، هيا اتركيها).

بدت سوار كجرو متوتر يعض على شيء ما و يرفض تركه، و بالفعل كانت من شدة التوتر بحيث رفض عقلها اعطاء الأمر بترك شفتها على الفور، لكن و ما أن هدأت قليلا حتى تركتها بالفعل، دامية متوترة...
مما جعل ليث يلاحق تلك الإصابة الصغيرة باصبعه، ثم قال بخفوت
(لما كل هذا يا مليحة؟، أين تلك المرأة التي أخبرتني في الهاتف أنها تشتاق و تغار؟، هل تحتاجين الى الهاتف كي تختبئين خلفه و أنت تخبريني بما تشعرين تجاههي؟).

ظلت سوار ساكنة قليلا بين ذراعيه، تنظر الى نافذة غرفتهما، حيث تلوح لهما السماء شاحبة، لا تعلم تحديدا هل هو المغيب أم الشروق، فقد استفاقت منذ دقائق على قبلاته الدافئة التي تخبرها أنه قد سمح لها بما يكفيه من النوم، و لم يعد قادرا على الإنتظار بعد...
أغمضت عينيها و هي تتلقى منه قبلات ناعمة كالفراشات بينما هو يهمس بينها برقة
(ربما قبلاتي ساعدتك على الإجابة).

زفرت سوار بنعومة و هي تستسلم بكرم، حتى أنها ابتسمت بخيانة من شفتيها الناعستين...
حينها فقط رفع رأسه ينظر الى تلك الإبتسامة التي خانتها بوضوح، فهمس في أذنها بصوت أجش...
(سلمت لي الإبتسامة و صاحبة الإبتسامة، و سلم الثغر الذي تبسم فساعد الشمس في شروقها)
تأوهت سوار و هي تبتسم أكثر، و دون أن تفتح عينيها، غير قادرة على مواجهة عينيه وهو ينطق بتلك الكلمات، لكنها همست بخفوت ساحر.

(تجيد حمل السلاح، و تجيد الكلام، ترى هل هناك ما لا تجيده؟)
انحنى ليث اليها ليقبل وجنتها هامسا بجدية
(الفوز بقلبك)
بهتت الإبتسامة على وجهها، حتى اختفت تماما، و فتحت عينيها تنظر الى النافذة من جديد بشرود حزين...
بينما ليث يمشط لها خصلات شعرها بأصابعه و يفردها على وسادته كالحرير الأسود الحالك، منتظرا منها الكلمات، متلهفا لكلمة تحيي بها قلبه...
و حين تكلمت همست بصوت خافت، بعيد، بعيد جدا...

(لا أريد ان تتورط معك مشاعري يا ابن خالي)
توقفت أصابع ليث عن تمشيط شعرها، ليتأكد مما سمع للتو، و لم يستطع تحديد مشاعره في تلك اللحظة تحديدا...
كانت مشاعرا متناقضة عنيفة...
ما بين نشوة استنتاج أن الفرصة سانحة أمامه بعد أن كانت مستحيلة، و بين الغضب من رفضها للإستسلام له قلبا قبل الجسد...
أخذ ليث نفسا عميقا، و سيطر على انفعالاته قبل أن يقول بصوت خافت متزن، و لا يقبل التهرب
(لماذا؟).

لماذا؟، كم هي كلمة مختصرة بسيطة، لا تطلب الا الصراحة...
بينما الجواب عليها قد يتطلب حروبا شعواء...
لأن لا أمل لي معك، لأن لا أمل لي في الحياة بطيب خاطر بعد أن رحل سليم...
لأنني لا أشم في أنفي سوى رائحة الدم، بينما أنت لا تشم الا عطر شعري لتتغزل به...
لو كان الأمر بيدها، لكانت قصت هذا الشعر الذي يتغزل به في قصائد، تفوق جمال قصائد الشعراء...

لكنها لم تمتلك الجرأة، و كأنها تحولت الى ملك من ممتلكاته، لا تتصرف فيما يخصه الا باذن كتابي منه...
كم تغيرت خلال أسابيع قصيرة!
هل يعقل أن تكون هي نفسها سوار الحرة ذات البأس! لماذا تبدو الآن على وشك الإستسلام لتخمة مشاعره فيضعف عزمها!
هل نسيت سليم يا سوار؟،
عند هذا السؤال تحديدا انتفض جسدها لا اراديا، فشعر به ليث، مما جعله يضمها اليه بقلق وهو يهمس لها بخفوت
(ماذا بك؟، هل تشعرين بالبرد؟).

وعت سوار الى نفسها فسارعت الى هز رأسها نفيا دون أن تجيب، فزم ليث شفتيه وهو ينظر اليها بملامح قاتمة، قبل أن يقول بصوت قاسي قليلا رغم خفوته
(لا زلت أنتظر ردا على سؤالي)
شعرت بقبضة تغلف صدرها و هي تراه لا ينوي تركها الا بعد أن تقر أمامه بحقيقة نواياها كلها...
لذا تعمدت ادعاء النسيان و هي تقول بفتور
(أي سؤال؟، لقد نسيت عما كنا نتحدث).

رأت الظلال السوداء ترسم في عينيه الداكنتين عاصفة ساكنة، حاول السيطرة عليها، جاهدا الى ان ابتسم أخيرا دون أن تصل الإبتسامة الى عينيه، ثم قال بخفوت
(لا عليك، لم يكن سؤالا مهما على أية حال)
اسبلت سوار جفنيها و هي تشعر بتأنيب ضمير غريب، لا محل له من الإعراب...
لكنها رفضت أن تستسلم لمثل تلك المشاعر، لذا رفعت وجهها و نظرت الى وجهه لتقول بخفوت هادىء
(كيف كانت سفرتكما، أنت و ميسرة؟).

ارتفع حاجبي ليث قليلا، قبل أن يقول مبتسما بخفوت
(ما الذي تريدين معرفته تحديدا؟)
رفعت سوار كتفيها و هي تقول بلامبالاة، لكن بتهذيب
(شعرت أنه من التهذيب أن أسأل عن نجاح سعيكما، في انجاب طفل)
ارتفع حاجبيه أكثر، لكنه لم يتكلم على الفور، بل ظل ينظر اليها عدة لحظات قبل أن يقول بهدوء
(هل تظنين أن هذا هو المكان و التوقيت المناسب، كي تتمنين فيه الخير و التوفيق لضرتك؟).

ابتلعت سوار ريقها و زمت شفتيها قبل أن تقول ببرود
(أنا لا أحقد)
ابتسم ليث بمداعبة وهو يقول ببساطة
(لم أطلب منك أن تحقدي، لكن على الأقل، احترمي خصوصية المكان الذي تحتليه الآن)
مطت سوار شفتيها بامتعاض رغم الإحمرار الذي غزا وجنتيها و قالت بفظاظة
(الفراش!)
لم يرد ليث على الفور، لكنه قال بعد لحظة بهدوء
(قصدت ذراعي).

ارتفع حاجبي سوار بينما انسدل جفنيها و هي تشعر بالغباء، و ياللغرابة و كأنه يقرأ أفكارها فقد قال ببساطة
(هل تشعرين بالغباء يا مليحة؟، لا بأس أن تشعري به من آن لآخر متنازلة عن ذكائك قليلا)
ابتسمت رغما عنها، حينها مد ليث يده ليقبض على ذقنها بين اصبعيه وهو يقول بهيام
(حين تبتسمين يزداد طابع الحسن عمقا، و كأنه يتحداني كي أقبل حسنه)
ضحكت سوار رغما عنها و هي تقول بخفوت مختنق.

(هلا توقفت عن التغزل بي! بدأت أظن أنك تمتلك الموهبة و تستخدمني فقط كنموذج عرض لتنمي هوايتك)
ضحك ليث بنعومة وهو يقول
(و هل سأجد عارضة أجمل منك كي أبثها أشواقي! أنت المرأة التي انتظرتها عشر سنوات، حتى عبرت من عالم المراهقة الى عالم النضج بعيدة عني، و الآن، حين أنظر الى جمالك الملوكي بين ذراعي و قد نلته أخيرا، تتدفق الكلمات من بين شفتي دون أن أجد القدرة على ايقافها).

ابتسمت سوار و هي لا تملك سلاح الكلمات كي ترد عليه في مبارزته الكلامية الغزلية...
ربما لأنها لا تملك سلاح القلب الذي يمتلكه...
لذا حاولت تغيير الموضوع مجددا و همست و هي تنظر اليه
(أنت تتمنى أن تنجب طفلا من ميسرة، اليس كذلك؟)
انعقد حاجبي ليث بجدية وهو ينظر اليها، ثم قال بهدوء خافت
(ميسرة تشغل بالك كثيرا هذه الأيام، ما اللذي يقلقك؟)
قالت سوار بخفوت.

(أنا أسال عن الأطفال، لا عن ميسرة، انت تقارب الأربعين الآن و من المؤكد أن قلبك تاق للأطفال و الأبوة منذ سنوات، ما الذي جعلك تنتظر كل هذا الوقت؟)
قال ليث ببساطة وهو يداعب شعرها بنعومة
(ما اللذي كان بإمكاني فعله؟، إنها مشيئة الله)
ارتفع حاجب سوار بينما تصلبت ملامحها بصلف و هي تقول ببرود لم تقصده.

(كان بإمكانك الزواج من أخرى، منذ سنوات خلت، لكنك لم تفعل و مرت بك السنوات فزاد الشيب بشعرك و أنت لم تحصل بعد على ولد)
حين قالت كلماتها الأخيرة، طالت عيناها الشعرات الفضية على جانبي وجهه دون تركيز منها، و كم زاده هذا الشيب المبكر جاذبية، عما كان عليها منذ عشرة سنوات مضت...
ضحك ليث ضحكة رجولية بدأت تتعرف عليها مؤخرا بل و تشتاق اليها ايضا ان غابت...
ثم قال متأوها يدعي الرعب.

(كنت لأكون متزوجا من ثلاث نساء الآن، ياللهي!)
مطت سوار شفتيها و هي تقول ببرود
(من يعلم، ربما كنت قد امتنعت عن فكرة الزواج بي لو كنت متزوجا من اثنتين)
ابتسم ليث بحنان قبل أن يقول هامسا
(لم يكن هذا ليحدث، كتب القدر أن تكوني لي في نهاية المطاف)
قالت سوار و هي تنظر اليه بقوة
(لكنك رفضت الإنجاب من امرأة غير ميسرة، لا يفعل هذا الا رجل يحب و بقوة قادرة على فعل المعجزات).

لم ينكر ليث، بل أومأ برأسه وهو يقول بهدوء
(صحيح، لا يفعل هذا الا رجل يحب)
انعقد حاجبي سوار، و هي تميل بوجهها مبتعدة عن عينيه و هي تشعر بمشاعر مؤلمة غريبة...
نار، نار فجائية دبت في أعماقها...
نار أشبه بال، الغيرة...
كانت تتنفس بسرعة و ألم، قبل أن تشعر بكف ليث ترتاح على قلبها وهو يميل ليهمس في أذنها بخفوت
(لأنني أحبك لم أستطع تكرار التجربة. لا أقسى من زواج رجل بإمرأة، بينما قلبه مع امرأة اخرى).

ارتجفت شفتي سوار و كلماته تدغدغ مشاعرها، بينما انقلبت النار في داخلها الى فيض وردي من سائل عذب أشبه بالشهد في حلاوته...
رفعت وجهها اليه، و نظرت الى عينيه و كأنما لم تعد قادرة على مقاومة النظر اليهما أكثر، ثم قالت بهدوء خافت
(إن كان الأمر كذلك، فلا بأس)
ضحك ليث بسعادة وهو يبدو في سعادته أصغر سنا، ثم قال برقة وهو يقبل وجنتها بشقاوة
(سلمت لي عينا الواثق من نفسه).

ابتسمت سوار بخجل و هي تتجرأ و تداعب بأصابعها ساعده الأسمر، ثم قالت بخفوت
(لكنني أظلمك، و اشعر بالكره لنفسي لهذا السبب)
رفع ليث وجهها اليه و قال بجدية خافتة
(الامر أسهل مما تتخيلين، ما عليك الا الشعور بالغيرة من محاولات ميسرة، لتحملي طفلا، الطفل الذي أشتاق اليه أكثر من أي شيء آخر في هذه الدنيا، طفلك يا مليحة)
أظلمت عينا سوار و هي تطرق بوجهها، بينما تلبدت ملامحها تماما.

نظر ليث الى عنقها الذي كان يلتوي بوضوح و كأنها تصارع نفسها، تعاني و يمكنه رؤية هذا...
الى أن نظرت اليه أخيرا و قالت مبتسمة بهدوء
(لما لا أنزل و اعد طعام الإفطار لكلينا)
ساد الصمت لعدة لحظات دون ان يجيبها ليث، بل كان ينظر اليها بجدية و دون مرح، ثم قال أخيرا بهدوء
(لما لا).

حين دخل ليث الى الحمام الملحق بالغرفة، وقفت سوار تنظر الى نفسها بشرود في مرآة طاولة الزينة المذهبة...
بدت و كأنها تنظر الى امرأة أخرى لا تعرفها، ككل مرة...
باتت هذه المرآة كنافذة لها، تريها كم تتغير كل مرة تنظر فيها الى نفسها...
لكن في هذه اللحظة كانت كامرأة أخرى من الأساس، امرأة لا تعرفها...
متوهجة الوجنتين، براقة العينين...

و كلماته لا تزال ترن في اذنيها منذ ان تركها، كلمة كلمة تتذكرها و كأنها لحن قديم يأبى أن يغادر ذهنها...
زفرت سوار و هي تستدير لتبتعد عن صورتها الجديدة و التي بدأت تستفزها...
طرقة على باب غرفتها أخرجتها من شرودها، فعقدت حاجبيها، قبل ان تتجه الى الباب لتفتحه بنفسها، واقفة خلال شقه كي لا يظهر شيئا من الغرفة خلفها. او السرير الفوضوي المشعث...

كانت نسيم تقف امامها، أقصر منها، الا أنها كانت تحاول اختلاس النظر الى الغرفة من خلف سوار و هي تقول بخفوت
(صباح الخير سيدة سوار)
احكمت سوار اخفاء ما ظهر من الغرفة امام عيني نسيم الفضوليتين، ثم ردت بهدوء
(صباح الخير يا نسيم، لقد أبكرت في الصعود، كنت سأنزل لتحضير الفطور بنفسي)
قالت نسيم بارتباك و توتر
(هل السيد ليث في الحمام؟).

ارتفع حاجبي سوار بتعجب و امتنعت عن الرد قصدا، فازداد ارتباك نسيم و هي تقول بخفوت هامس متلعثم
(أسال، لأنني جئتك بما طلبت)
برقت عينا سوار فجأة و هي تهمس بقوة مندفعة
(هل عرفت طريق فواز الهلالي؟)
انعقد حاجبي نسيم و هي تهمس بخفوت
(لا بالطبع، و كيف لي ان أعرفه، لقد اختفى تماما، لكنك كنت قد طلبت مني عنوان بيته بالتفصيل)
تنهد سوار بتعب و هي تفرك جبهتها ثم قالت بهدوء
(آه، نعم، هل حصلت عليه؟).

أومأت نسيم برأسها ثم سارعت بإخراج ورقة صغيرة من صدر جلبابها و مدتها الى سوار هامسة
(هذه خريطة مرسومة، يمكنك منها الذهاب الى بيته بسهولة)
أخذت سوار الورقة المطوية، ففتحتها و نظرت اليها مليا قبل أن تقول بخفوت
(جيد، شكرا لك يا نسيم، كنت نعم العون)
ابتسمت نسيم بارتباك و هي تهمس
(لم أفعل ما يستحق يا سيدة سوار، عسى أن أكون قد نفعتك بهذه الورقة)
رفعت سوار وجهها تنظر الى عيني نسيم ثم قالت بهدوء.

(نفعتيني بما يفوق تصورك يا نسيم، يكفيني اخلاصك و تفانيك في خدمتي)
انخفض وجه نسيم مباشرة ما أن نطقت سوار بما قالته، لكن و قبل أن ترد سمعت سوار صوت باب الحمام يفتح و ليث ينادي عليها فأخفت الورقة لتقول بخفوت
(اذهبي أنت الآن يا نسيم و سألحق بك).

أومأت نسيم برأسها، ثم استدارت لتنزل السلالم جريا بينما أغلقت سوار الباب و استدارت الى ليث الذي كان يراقبها مبتسما وهو لا يزال مبلل الشعر و الصدر، و الرجولة تنضح من كل ذرة به و تحيطه بهالة جذابة للنظر...
قال ليث برفق مبتسما
(مع من كنت تتكلمين؟)
ابتسمت سوار برزانة و قالت
(إنها نسيم، تسألني عن الوقت الذي نريد تناول الفطور فيه).

قال ليث وهو يمد اليها كفيه، فوضعت يديها بهما تلقائيا و كأنها اعتادت قربه، ليجذبها اليه هامسا في أذنها بنعومة
(لا داعي للأكل الآن، لدي ما هو أهم)
الا أن سوار انتفضت و هي تقفز من بين ذراعيه لتقول بسرعة و هي تبعد شعرها خلف أذنها
(لا، أقصد، يجب أن تتناول شيئا، أنت لم تأكل منذ أمس)
ابتسم ليث و قال مداعبا بخفوت عابث محبب
(لم ألحظ، كنت مشغولا)
ازداد احمرار وجنتيها، الا أنها قالت متلعثمة بحرج.

(لكن أنا، أنا جائعة، سأعد لك الفطور بنفسي)
كان يتمنى لو منعها بالقوة، الا أنه لم يشأ أن يضغط على أعصابها أكثر، لذا التقط كفها و رفعها الى فمه يقبل ظاهرها بنعومة وهو يقول مبتسما
(حسنا كما تحبين، سلمت يداك مقدما)
أومأت سوار مبتسمة دون أن ترد، فرفع ليث رأسه لينظر الى عينيها قائلا بهدوء
(هل تودين زيارة جدك اليوم؟)
اتسعت عينا سوار و هي تقول بدهشة
(حقا؟، هل تتكلم بجدية؟)
ارتفع حاجبي ليث وهو يقول بتأكيد.

(طبعا أتكلم بجدية، ابنة وهدة الهلالي سيدة هذا البيت و ليست سجينة فيه، أنا كنت فقط أراعي بعض الأصول و التقاليد القديمة)
قالت سوار بخفوت
(شكرا، شكرا لك يا ليث، كنت في حاجة للخروج من هذا البيت قليلا)
أظلمت عينا ليث قليلا قبل أن يجذبها الى أحضانه يضمها إلى صدره بقوة و حنان، ثم قال بجدية.

(أعلم ما تعانينه يا سوار، أعلم أن شخصيتك حرة، مندفعة و ذات عنفوان لا يقبل التقييد، و أنا لا أبقى معك طوال الوقت، أعلم جيدا حبيبتي، لكنني سأعوضك، سنسافر في رحلة طويلة و أقضي المتبقي من عمري محاولا اسعادك)
أغمضت سوار عينيها و هي تهمس في داخلها
كفى، كفى أرجوك،
الا أنها تحررت من بين ذراعيه بلطف و هي تقول متجنبة النظر الى عينيه
(سأتصل بجدي كي يرسل لي عبد الكريم بالسيارة)
عقد ليث حاجبيه وهو يقول بحيرة.

(و لماذا عبد الكريم؟، أنا أقلك بنفسي)
سارعت سوار لتقول بهدوء حازم
(لا، ارتاح أنت قليلا، لا أريد أن أتعبك، ثم أنني كنت أريد جدي في موضوع خاص ان لم يكن لديك مانع وهو يسعد بارسال عبد الكريم الي)
راقبها ليث طويلا بصمت، حتى بدأت تتململ و تنظر بعيدا شاعرة بالارتباك، متمنية الا يلاحظه في مراقبته الصامتة لها
ثم قال أخيرا بصوت هادىء، ثابت
(لا بأس، لا بأس يا سوار).

جالسة في المقعد الخلفي لسيارة جدها العتيقة التي يقودها عبد الكريم...
كانت شاردة تماما، انما بعينين ثابتتين، تفيضان بالعزم...
تراقب الطرق التي يمران بها، و ذهنها يسجل كل منعطف رغم شرودها، و ما أن وصلت الى منعطف محدد بعينه، حتى نظرت الى عبد الكريم و قالت بهدوء
(هلا أوقفت السيارة هنا لدقائق يا عبد الكريم)
نظر اليها عبد الكريم في مرآة السيارة قبل أن يقول بدهشة
(هل هناك مشكلة يا سيدة سوار؟).

رفعت سوار وجهها و قالت برزانة
(لا مشكلة اطلاقا. لكنني أردت المرور على بيت سيدة بسيطة أساعدها، دقائق و سأعود اليك سريعا)
قال عبد الكريم وهو ينظر حوله
(أين هو البيت يا سيدة سوار و أنا سأقلك حتى بابه؟)
سارعت سوار تقول ببساطة
(لا داعي يا عبد الكريم، أنه قريب جدا، و سرعان ما سأعود)
قال عبد الكريم معترضا
(لكن يا ابنتي)
فتحت سوار باب السيارة و هي تقول مقاطعة بهدوء
(لن أتأخر، انتظرني هنا).

قال عبد الكريم باستسلام...
(كما تأمرين يا ابنتي، سأنتظرك و خذي الوقت الذي تحتاجين)
تحركت سوار في الطريق الفرعية المغبرة و عبائتها الحريرية تزحف خلفها بينما عملت أصابعها على جذب طرف الوشاح لتغطي به وجهها، تاركة عينيها فقط...
كانت قد حفظت الورقة التي أعطتها لها نسيم عن ظهر قلب، فسارت على الخطوط المرتسمة في ذاكرتها...
الى أن توقفت أمام دار قديم، منقوش الجدران...

وقفت سوار تنظر الى الدار البسيط المتواضع بدقة و هي تتأمل كل جزء فيه، الى أن تحركت قدماها ببطىء متجهة الى باب الدار، ثم رفعت قبضتها لتطرقه بقوة، مرة و اثنتين...
الى أن سمعت صوت أمرأة تنادي من الداخل
(قادمة، قادمة)
و مرت لحظة قبل أن يفتح الباب، فرأت سوار امرأة بسيطة الملبس، هزيلة الجسد، و هشة الملامح تنظر اليها بقلق من خلف الباب و هي تحاول اخفاء وجهها بمنديل أسود تلفه حول رأسها...
ثم قالت بقلق.

(من؟، من أنت يا شابة؟)
ردت سوار بترفع
(هل يمكنني الدخول لدقائق؟)
بدا القلق في عيني المرأة يتزايد، لكنها قالت بتوتر
(ليس قبل أن أعرف من تكونين)
قالت سوار بهدوء و ثبات...
(أنا زوجة ليث الهلالي)
تسمرت المرأة مكانها و اتسعت عيناها حتى أن المنديل سقط من كفها و ظهر وجهها البسيط واضح الملامح، ثم قالت بخوف
(أنت، أنت لست السيدة ميسرة)
قالت سوار ببرود
(الا تعرفين أن ليث الهلالي متزوج من امرأتين؟).

الآن اتسعت عينا المرأة بهلع أكبر و هي تقول بخوف
(أنت، أنت، هل أنت)
أومأت سوار و هي تقول بسخرية
(سوار غانم الرافعي، هل ستبقيني على الباب أكثر؟).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة