قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثاني والستون

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثاني والستون

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثاني والستون

كان الصباح قد أطل بشعاعه الشاحب من بين الستائر...
فرأته بصورة مظلمة و هو يستقيم جالسا جوارها ثم نهض أخيرا ببساطة...
و على الرغم من ان ملامحه كانت مظلمة اثر وقوفه أمام النافذة المغطاة بالستائر الثقيلة الا من خط رفيع أخبرها أنه الصباح، الا أنها استطاعت أن تلمح الرضا و الكسل المشبع على وجهه و ابتسامته الهادئة...

هذا الرضا جعل الغضب بداخلها يتضاعف و يغلي، حتى شعرت بدقات قلبها تتسارع من جديد و الدماء تندفع عبر أوردتها بجنون، و أصابعها تنقبض و تتشنج بقسوة...
لا يحق له، لا يحق له...
و ما أن رأته يتجه الى الحمام ببساطة، لا مباليا بوجودها، حتى استقامت جالسة في السرير و هي تجذب الغطاء لتغطي به جسدها، صارخة بجنون
(لا يحق لك أن تفعل ما فعلت، لا يحق لك).

توقف ليث مكانه للحظات، ثم استدار اليها ببطىء وهو يرمقها بنظرة بطيئة هادئة، ثابتة...
ثم قال بتهذيب
(صباح الخير يا مليحة، ما هو هذا الذي لا يحق لي تحديدا؟)
كان جنونها و قهرها يتضاعفان بسرعة أكبر من سيطرتها على نفسها و قد ظهر هذا جليا في بريق عينيها الناريتين المبللتين بدموع الرفض...
صرخت بقسوة و عجز
(لا يحق لك أن تفعل ما فعلت)
ابتسم ليث دون أن تظهر عليه ذرة ندم مما زاد من قهرها، ثم قال بجدية لطيفة.

(بلى يحق لي، منحتني هذا الحق، حين وافقت على الزواج مني، صحيح أنني كنت متفهما في الكثير من المرات، مراعاة لما تمرين به، لكن اعذريني إن أخفقت في التفهم مرة أو مرتين، فأنا رجل رغم كل شيء، و زوجك)
نطق الكلمة الأخيرا بصرامة مشددا عليها، بينما اشتدت نظرات عينيه عليها كذلك، مما جعلها تجن أكثر فصرخت بعنف و قد انسابت دمعة على وجنتها
(ما فعلته كان همجية، لست أنا، من تعامل بتلك الطريقة، أنا سوار الرافعي).

ابتسم ليث ابتسامة باهتة و قال ببرود
(و أنا انتظرت منك مؤخرا أن تتصرفي على هذا الأساس. لكنك لا تفعلين، حتى بت لا أعرفك)
صرخت به سوار و هي تشد الغطاء الى نفسها أكثر
(أنت لا تعرفني من الأساس، لا تدعي بأنك تفعل)
تنهد ليث بنفاذ صبر، ثم قال أخيرا بهدوء
(هدئي من روعك يا سوار، و ارتاحي قليلا، )
استدار ليذهب الى الحمام، الا أنها كانت قد بلغت من الجنون درجة خطيرة فصرخت في اثره بقوة
(لقد اغتصبتني).

توقف ليث مجددا، للحظات طويلة، ثم استدار اليها عاقدا حاجبيه و في عينيه نظرة من خطر، مخيفة...
قبل أن يتحرك في اتجاهها ببطىء وهو يتسائل رافعا حاجبه بحذر و تهديد...
(ماذا؟، أعيدي مجددا، ماذا فعلت؟).

ابتلعت سوار ريقها و تراجعت للخلف ببطىء الى أن التصقت بظهر السرير، و هي تراه يقترب منها و تلك النظرة المخيفة في عينيه الى أن وصل اليها، فوضع يده على ظهر السرير فوق رأسها، بينما انحنى اليها و هي أيضا تميل لأسفل بقلق الى أن سألها مجددا بنبرة أكثر تسلطا
(أعيدي، ما قلته للتو)
لو انشقت جدران الغرفة في تلك اللحظة لكان هذا أكبر احتمالية من أن تعيد ما نطقت به للتو...

لذا أبعدت وجهها عنه، و هي تتمنى لو ينسى الكلمة، الا أنه قال بقوة
(سوار، للمرة الأخيرة، هل لديك النية في تكرار ما قلته و اخترق اذني؟)
ابقت وجهها بعيدا عنه بإصرار و هي تتنفس بسرعة و تشنج الى أن قال أخيرا بهدوء
(يبدو أنك قد عرفت خطئك، لذا لن أعاقبك عليه)
نظرت اليه بسرعة و إنفعال، الا أنها تسمرت حين وجدت وجهه قريبا منها للغاية، فجذبت الغطاء الى نفسها أكثر، بينما قال ليث متابعا.

(عيب في حقك يا وحش الليل أن تدعي الإغتصاب! سبة في جبينك)
صرخت سوار بحدة
(لا تمزح، لقد أرغمتني على هذا، و كنت رافضة)
رفع ليث يده ليحتضن بها ذقنها بنعومة وهو يقول بهدوء و صبر موضحا
(كنت رافضة، كنت، الا أنني نجحت في اقناعك في النهاية، أم تراني كنت متوهما؟)
فغرت فمها المشتد بتوتر و خجل، و حاولت الكلام، الا أن كل ما استطاعته هو أن هتفت بيأس
(كان عليك احترام رفضي).

ابتسم ليث بحنان وهو يداعب وجنتها، ثم قال بخفوت
(و كان عليك التزام الرفض للنهاية)
هتفت من بين أسنانها بقوة
(كي تستمتع بإنتصارك للنهاية؟، لا، لا و ألف لا)
ضحك ليث متسليا، ثم قال بنعومة
(أنت مثلة فاشلة يا سوار، لكن تابعي فأنت تمتعيني)
ياللهي لقد وصلت الى مرحلة من الغضب لم تصل اليها من قبل، غضب ناري أسود كاد أن يعصف بالمتبقي من أعصابها حد الجنون، فصرخت
(لا أريد أطفال، و أرغمتني على هذا).

اشتدت قبضته على ذقنها للحظة مما جعل عينيها تتسعان قليلا، و هي ترى في عينيه نظرة جدية، صارمة...
ثم قال ببطىء
(هذا هو ما لا يحق لك، و هذا تحديدا ما سآخذه دون الزام نفسي بموافقتك، لا يحق لك حرماني من طفل بعد هذا العمر الطويل، لقد منحتك وقتا أكثر من كاف كي تتأقلمي، الا أنك لم تفعلي، لذا كان على انتزاع حقي منك، علك تفيقين لنفسك).

كانت سوار تتنفس بسرعة و كأنها تسابق شيئا مجهولا، يرهقها و يطبق على أنفاسها...
فصرخت دون تفكير
(يمكنك الزواج مجددا كي تحصل عليه، لا أهتم)
ارتفع حاجب ليث و قد شحبت ملامحه للحظات، يبادلها النظر بطريقة غريبة لم تفهمها، ثم قال أخيرا ببرود
(و لما الزواج لثالث مرة؟، قد تكون ميسرة حامل).

شعرت سوار فجأة و كأنه قد ضربها على رأسها، ثم صفعها، فدار بها العالم و هي تنظر اليه بوجه انسحب الدم منه تماما، فهمست بعدم استيعاب
(ماذا؟، كيف؟)
ابتسم ليث بقسوة وهو ينظر الى وجهها الباهت و ملامحها المرتعدة، ثم قال ببساطة
(ما هو الذي تسألين عن كيفيته؟، أليست زوجتي و نحاول الحصول على طفل منذ سنوات، أعتقد أن العلاج أفلح هذه المرة)
انعقد حاجبي سوار قليلا وهي تنظر اليه بذهول، ثم قالت بصوت ميت دون تركيز.

(هل تأكدتما؟، أم هو مجرد شك؟)
استقام ليث من مكانه و قد اختفت ابتسامته، ثم قال بجفاء
(هذه مسائل خاصة، لا دخل لك بها)
اتسعت عيناها أكثر وارتعشت شفتاها، بينما استدار و تركها ليدخل الحمام صافقا الباب خلفه بقوة...
ظلت سوار مكانها، تنظر حولها بعدم تركيز
ميسرة حامل؟، ميسرة تحمل طفل ليث؟
بينما يبدو متفاخرا سعيدا! بعد أن أخبرته بما فعلته تلك الحقيرة بها؟

غطت سوار وجهها بكفيها و هي تشعر بنفسها قادرة على حرقهما معا...
كيف له أن يفعل ما فعل طالما أن الحقيرة زوجته حققت ما يتمناه، حملت بطفله...
هل يريد مثلا تعويض ما فاته من سنوات العمر و الحصول على أكثر من طفل؟
رفعت سوار وجهها و هي تنظر أمامها بنظرة محترقة قاسية...
لقد خانها أكبر خيانة يمكن لإمرأة أن تتحملها، خانها بمفهوم أكثر دناءة من المفهوم المعتاد للخيانة...

استدارت تنظر حولها و هي تهمس بعنف من بين دموعها المنسابة على وجنتيها
(لن أحمل بطفله، لن أحمل بطفله مطلقا)
و ظلت تبحث الى أن وجدت رزنامة، فأمسكتها و نظرت الى التواريخ و هي تحاول عصر فكرها هامسة بجنون و عصبية
(هل يمكن لهذا أن يحدث؟، هل يمكن؟)
رفعت وجهها و هتفت يائسة...
(لا أعلم، نسيت، لا خبرة لدي مطلقا، لكن كل شيء ممكن)
رفعت يدها لتغطي بها عينيها و هي تتخيل حياة مخزية...

لنفسها تحتل البيت الثاني و هي تحمل الطفل الذي يريد، بينما ميسرة، تحمل طفله الأول و تسكن في داره الأساسية، في بلده التي من المؤكد سيعود اليها...
رفعت سوار وجهها الشاحب و هي تلهث بإعياء، و هي تتذكر كلمته التي اخترقت أذنها و عبرت كيانها...
ستحملين طفلي يا سوار، و لن تحمله غيرك، عقدت حاجبيها قليلا و هي تتسائل، لماذا يقول هذا طالما أن ميسرة حامل؟
ربما كان يريد قهرها فحسب! لكن لماذا؟، لماذا يفعل بها هذا؟

الا يكفيه ما تعيشه كل مرة و هي تقبع هنا، منتظرة عودته بعد قضائه أيام مع المرأة الأحقر على وجه الأرض...
تتخيل كيف يحتضنها، يقبلها، يلامسها...
أغمضت سوار عينيها بألم و قد تمكن منها شعور بالضياع، بالوجع، بعجز قتل حتى قدرتها على الصراخ...
ثم همست بصوت مرتجف دون أن تفتح عينيها
(سأردها لك يا ليث، سأردها).

حين خرج ليث من الحمام وهو يجفف شعره، توقف مكانه وهو يرى سوار واقفة أمام المرآة...
مرتدية احدى عبائاتها، و هي تجفف شعرها كذلك و قد استخدمت الحمام الآخر على ما يبدو...
أخفض ليث منشفته و قال بصرامة
(الى أين العزم؟)
لم ترد سوار و بدت جامدة الملامح، منشغلة بتجفيف كتل الشعر الطويلة الكثة...
ضاقت عينا ليث و أخذ نفسا عميقا وهو يهمس بغضب.

(لا حول و لا قوة الا بالله، اهتدي بالله يا سوار و بدلي ملابسك، فأنت لن تتحركي من هنا لأي مكان، و لا يخدعك تفكيرك الفذ، فتظنين أنك قد ترحلين مثلا)
نظرت سوار الى عينيه عبر المرآة، نظرة طويلة قاتمة، ثم قالت أخيرا بهدوء
(لا داعي للتهديد، سأذهب معك للعمل، لقد اعتدته في غيابك)
ارتفع حاجبي ليث مترددا، فقالت سوار ببرود
(أنت ذاهب الى العمل، اليس كذلك؟)
رد ليث بهدوء وهو يفرد ظهره بعدم راحة.

(بلى، الا أنني كنت أفضل نهارا في الفراش معك أعوض به غياب الأيام الماضية)
ازادت البرودة في عيني سوار، الا أنها قالت بهدوء مسيطرة على نفسها...
(أنت تبالغ في اذلالي)
ابتسم ليث متهكما، بينما بدت عيناه عميقتان بنظرة حزينة قليلا، ثم قال
(لو تعلمين مدى شوقي اليك، لمحوت كلمة اذلال من القاموس الخاص بك، )
أسلبت سوار جفنيها فوق عينيها الجامدتين، ثم قالت.

(لا داعي لمزيد من الكلام كي لا نجرح بعضنا أكثر، هل لديك مانع في مرافقتي لك؟)
اقترب منها ليث ببطىء، حتى وصل اليها، ثم رما المنشفة من يده بعيدا، بينما يبادلها النظر في المرآة، الى أن قال أخيرا بخفوت
(المانع الوحيد لدي، هو أنك لم تنامي ولو للحظة واحدة، و قد تتعبين)
كان يتكلم بمنتهى البساطة، عن أمر بالغ الحميمية، الا يخجل؟
لكن من يتصرف مثلما تصرف منذ ساعة، من المؤكد لا يعرف الخجل مطلقا...

رفعت سوار وجهها و قالت بخفوت
(نمت في شقة فريد بما يكفيني)
شعرت فجأة بيديه تحاوطان عنقها وهو يديرها اليها ببطىء، فأغمضت عينيها و هي تمنع نفسها من الصراخ بمعجزة. و انتظرت أن يبعدهما، بينما أصابعه تتلمس هذا العنق الطويل بنعومة، الى أن قال بعد فترة صمت بصوت هامس جدي
(عيناك مرهقتان للغاية، يجدر بك أن ترتاحي قليلا، و لتأتي معي يوم آخر)
فتحت سوار عينيها العسليتين، ثم نظرت الى عينيه المشفقتين و قالت بإصرار.

(أريد الذهاب اليوم إن لم يكن لديك مانع، و سأرتاح بعد عودتي، ظننت أن هذا قد يسرك)
ابتسم ليث ابتسامة صادقة هزت قلبها وهو يقول برقة
(أي وقت أقضيه معك يسرني يا مليحة)
ابتسمت سوار ابتسامة مختصرة، متوجعة، بينما ارتفعت أصابعه الى خصلات شعرها الرطب، يرفعها مستمتعا بثقله وهو يهمس لها بشغف ملامسا شفتيها...
(ذلك الستار الطويل، كيف له أن يجف؟).

كانت تظنه يتسائل بجدية، الا أن شفتاه انتقلتا الى شعرها فأخذ يقبله وهو ينعم بعطره الندي على وجهه...
ثم همس بنعومة
(حين رأيته للمرة الأولى خلعت قلبي به، لم أظنه بمثل هذا الكمال مطلقا)
ظلت سوار صامتة، متشنجة تماما و هي تتحمل لمساته و غزله بضعف رافض، منتظرة منه أن يبتعد بينما بدا و كأنه على وشك الإستسلام لشوقه مجددا، الا أنها ابتعدت عنه و قالت بسرعة
(أريد الخروج من البيت، فهل ستصطحبني معك أم لا؟).

نظر اليها ليث نظرة طويلة يائسة، ثم قال متنهدا بإختصار
(أعطني عشر دقائق و سأكون جاهزا ريثما تجففين شعرك و تضعين وشاحك)
رفع ليث عينيه عن اوراقه و نظر اليها عن بعد، جالسة في كرسي بعيد، تضع ساقا فوق أخرى و يداها مستريحتان على ذراعي المقعد، شاردة تماما، بملامح ثابتة، جامدة، عكس تلك الملامح التي انهت بها علاقتهما الحميمة صباحا، فقد كانت ككتلة بركانية مشتعلة...

أما الآن فصمتها يقلقه، لقد ضغط عليها أكثر مما ينبغي...
ربما عليه أن يسترضيها، لكن الى متى؟
إنه يسترضيها كل يوم تقريبا عن ذنب لم يرتكبه...
قال ليث بهدوء خافت
(هل تشعرين بالملل؟)
التفتت اليه سوار مجفلة، فنظرت اليه وهو يجلس بفخامة خلف مكتبه...
ليث الهلالي، لا يوجد من له مثل تلك الهيبة مطلقا...

لم يؤثر عليها رجل مثلما أثر عليها ليث، كانت تشعر بالخيانة لذكرى سليم و هي تعترف لنفسها بهذا الإعتراف، الا أنها كانت الحقيقة...
ليث أثر بها كرجل كما لم تشعر من قبل...
هل حقا كانت تظن بأنها تحب راجح من قبل؟، أي مقارنة خاسرة بينهما الآن...
حبها لراجح لم يكن سوى افتتان مراهقة، و لم تتوانى عن التخلي عنه ما أن رأت به ما يعيبه...
و حبها لسليم كان شيئا آخر، حلم أبيض نقي، انقضى سريعا...

لكن ليث، هو الرجل الذي تمكن من اختراق كيانها و التسلل الى قلبها...
لكن ما فعله معها لا يغتفر مطلقا...
إنه يسيطر عليها، بتعمده اخفاء فواز، و منعها حتى من محاولة العثور عليه، لتسمع منه، أبسط حقوقها لتقرر بعدها...
تناسيه لثأر سليم رحمه الله رغبة منه في الحصول على الحب و الحياة...
سفره الى ميسرة مرة بعد مرة...
و عدم تصديقه لها، حتى بعد أن أخبرته بما فعلت تلك الحية...
و بعد كل هذا، ستصبح أم ابنه...

و ماذا عن فرضه الحمل عليها هي أيضا، لقد أذلها بما يكفي، و هي تريد أن تذيقه لمحة مما فعل...
قال ليث بقلق
(سوار، هل أنت متعبة؟، لماذا لا تردين؟)
رفعت سوار ذقنها و قالت بخفوت
(لست متعبة، أنا فقط لم أسمعك)
عقد ليث حاجبيه قليلا، ثم قال بخفوت
(سألتك إن كنت تشعرين بالملل، فأنت لم تتحركي من مكانك منذ وصولنا)
فغرت سوار شفتيها قليلا و هي تهمس
(سأتحرك الآن، هل تسمح لي؟).

بدا ليث أكثر قلقا من منظرها الغريب، الا أنه قال أخيرا
(المكتب بأكمله تحت أمرك)
ابتسمت له ابتسامة باردة، ثم قالت بهدوء
(سأخرج قليلا، و لن أتأخر)
ثم خرجت مرفوعة الرأس دون أن تنتظر منه ردا، بينما ظل هو جالسا مكانه ينظر الى الباب الذي أغلقته خلفها، قبل أن يخفض عينيه حيث يقع دفتره الخاص، فتنهد متعبا و كأنه يسوي حملا ثقيلا...

وقفت سوار في باب مكتب ناريمان و دليلة تراقب كلامهما المازح أثناء عملهما...
الى ان انتبهت ناريمان اليها، فنهضت من مكانها مسرعة و هي تقول بدهشة
(أهلا سيدة سوار، تفضلي)
لكن سوار لم تتحرك من مكانها، بل نظرت الى دليلة التي ظلت جالسة مكانها واضعة ساقا فوق أخرى، تبادلها النظر دون اهتمام، بعينين باردتين لا مباليتين...
قالت سوار مبتسمة بمجاملة
(شكرا لك، في الحقيقة أحتاج دليلة في محادثة قصيرة على انفراد).

ارتفع حاجبي دليلة و قد فقدت لا مبالاتها فجأة، بينما اتسعت عينا ناريمان و هي تنظر اليهما بدهشة، ثم قالت أخيرا مسرعة بحرج
(بالطبع، تفضلي، أنا سأذهب لأعد شيء أشربه)
قالت سوار بحرج
(آسفة لتعبك)
ابتسمت ناريمان و قالت ببساطة
(لا تعب مطلقا، كنت ذاهبة على أية حال)
ثم خرجت و اغلقت الباب خلفها بعد أن ألقت الى دليلة نظرة قلقة...

بقت سوار و دليلة وحدهما في المكتب تتبادلان نظرات غير ودودة، الى ان تحركت سوار ببطىء تتأمل المكان، فانتظرت دليلة قليلا، قبل أن تقول بجمود
(لا أظنك تريدين الإنفراد بي كي تتأملين المكتب فقط!)
استدارت سوار تنظر الى دليلة مباشرة، ثم قالت بهدوء ملوكي و هي ترفع وجهها...
(أردت التعرف أكثر الى المرأة التي تريد الزواج من زوجي)
انتفضت دليلة قافزة من مكانها و هي تهتف بذهول.

(ماذا؟، هل تعين ما تقولين؟، أنا لا أسمح لك مهما بلغت مكانتك هنا)
لم تجفل سوار، بل ظلت على هدوئها تماما و هي ترد ببساطة
(اذا أردت نصيحتي، تلك الأمور عليك الا تناقشيها مع صديقتك في مكان قد تسمعك به زوجة الرجل المذكور)
ارتبكت دليلة و شحبت ملامحها، الا أنها هتفت بغضب
(حتى و إن كنت زوجته، لا يحق لك التنصت على الغير، هذه أفكاري و لا يحق لك التطفل عليها)
ضحكت سوار بهدوء، ثم قالت بجدية و بنبرة متعاونة.

(أنا لست في حاجة للتنصت بمكان عمل زوجي، أنت من كان صوتها عاليا، فسمعته أثناء مروري، شيء كهذا قد يضر بسمعتك)
قالت دليلة بحدة
(لا تقلقي فيما يخصني، أنا قادرة على التعامل معه، هل هناك شيء آخر؟)
جلست سوار على المقعد أمام مكتب دليلة و أخذت تعبث بأحد أقلامها، ثم قالت بهدوء
(اجلسي و اهدئي، لدي كلام أقوله لك)
الا أن دليلة لم تجلس، بل ظلت واقفة مستندة بقبضتيها الى سطح المكتب و هي تقول بصرامة.

(و أنا لا أريد سماع المزيد منه، و لست أهتم، يمكنك اخبار من تشائين بما سمعته)
ارتفع حاجب سوار بمكر و هي تقول بهدوء
(حتى لو أخبرتك بأنني أوافق على أن يعدد زوجي. و يتزوج الثالثة؟، بل و يمكنني خطبتها له كذلك)
سكنت ملامح دليلة فجأة تماما و هي تنظر الى سوار بدهشة، قبل أن تهبط، لتجلس ببطىء...

حين وصلا الى البيت بعد يوم من الصمت التام بينهما، اتجهت سوار الى غرفتها دون كلام...
الا أن ليث أمسك بيدها، فاستدارت تنظر اليه بشراسة مستعدة للحرب معه مجددا...
الا أنه قال بجفاء وهو يرى نظرات الرفض في عينيها دون الحاجة للسؤال
(غدا سنسافر للبلد)
اختفى العنف من عيني سوار و نظرت اليه بدهشة، لتقول بعد فترة
(نسافر للبلد؟، لقد عدت لتوك!)
أجابها ليث بنبرة قاطعة...
(و سنسافر غدا، فهل لديك مشكلة في ذلك؟).

ابعدت سوار وجهها بكبرياء و هي تقول بنبرة مختصرة
(لا أرغب في السفر، سبق و أخبرتك)
حاولت الإبتعاد مجددا منهية الحوار، الا أن ليث شدد على قبضتها وهو يقول بصوت جاد باتر
(و أنا لم أسألك، بل أخبرتك بما سيحدث، غدا سنسافر شئت أم أبيت)
التفتت اليه سوار تقول بحدة
(شئت أم ابيت! تماما كما تريد فرض طفلك علي؟، ما الذي دهاك لتكون شخصا لا يطاق الى تلك الدرجة؟).

صمتت سوار فجأة و هي ترى ملامحه التي تصلبت و عيناه التي تغيرت فجأة...
فشعرت بالتوتر جراء تلك القسوة التي بدت بهما، و للمرة الأولى، تشعر بأنها لا ترى حبه لها في عينيه...
ساد صمت طويل متوتر بينهما الى أن قال في النهاية وهو يترك يدها
(اذهبي الى سريرك و نامي، فغدا لدينا سفر طويل)
قالها بصوت لا يحمل أي تعبير أو مودة، ثم ابتعد و تركها دون كلمة اضافية...

اطرقت سوار برأسها و هي تجر قدميها بتثاقل الى الغرفة، بإمكانها الإستمرار في الرفض و محاربته...
لكن شوقها الى جدها تغلب عليها، لا يمكنها أن تتركه في مرضه كل هذه الفترة، تحديا لليث ليس الا...
وقفت عند باب غرفتها فأمسكته و هي تستدير بحثا عنه، الا أنه كان قد اختفى تماما، لا رغبة لديه في رؤيتها الليلة...

لكم اشتاقت الى تلك الأراضي الواسعة...
رائحتها و خضارها...
اغمضت سوار عينيها و هي تأخذ أكبر نفس ممكن من نافذة السيارة المفتوحة، بينما ارتسمت على شفتيها ابتسامة حزينة...
تلك ديارها التي أخرجت من غصبا...
فتحت عينيها بعد فترة طويلة، الا أنها عقدت حاجبيها و هي ترى الطريق الضيق الذي اتخذته السيارة، فاستدارت تنظر الى ليث بدهشة و قالت
(هذا ليس الطريق المؤدي الى دار الرافعية!).

أخذ ليث نفسا متمهلا طويلا، ثم قال بهدوء و ثبات
(سنذهب الى داري أولا)
عقدت سوار حاجبيها أكثر و قالت بعدم فهم
(دارك! اي دار تقصد؟)
رد ليث بخفوت
(داري أنا و ميسرة)
فغرت سوار شفتيها، قبل أن تهمس بغباء
(م، ماذا؟)
لكن ليث لم يرد عليها، بل أخرج هاتفه و طلب رقما، و قال ببساطة
(هل وصل الجميع؟، جيد، و نحن على وصول أيضا)
كانت سوار تتنفس بسرعة وهي تنظر اليه...

هل يعقل أن يكون قد وصل الى هذه المرحلة؟، يدعوها الى بيت الحية و كأن شيئا لم يكن؟
تبا له من يظن نفسه!
كانت شفتاها ترتجفان من شدة الغضب بينما هي غير قادرة بنطق كلمة أمام السائق الذي يقود السيارة
برقت عيناها بوعيد صامت وهي تنظر اليه، الا أنه رمقها بنظرة غير مهتمة، حتى وقفت السيارة أمام داره تماما...
حينها قال بصوت آمر
(اخرجي).

ثم خرج من السيارة دون أن ينتظر ردها، بينما بقت هي مكانها تنظر اليه منفعلة وهو يدور حول السيارة حتى فتح الباب المجاور لها ثم انحنى ليجذبها من ذراعها برفق، لكن رفق حازم...
حتى وقفت بالقوة، فهمس في أذنها بصوت أجش
(هناك عدد من الرجال يراقبوننا، فلا تفتعلي فضيحة لا تليق بمقامك و مقامي، اهدئي و ادخلي دون جدال)
رفعت سوار عينيها تنظر الى عينيه، ثم همست بنبرة جادة قاهرة
(لن أسامحك على هذا مطلقا).

قال ليث بهدوء وهو يجذبها معه برفق...
(حين أطلب منك السماح، فلا تفعلي)
تبعته سوار و هي تشعر بنفسها تود الصراخ بأعلى صوتها، لكن وجود الرجال من حولهما منعها...
فهي لن تنزل من قدرها علنا أبدا...
فتحت احدى الخادمات الباب، فدخل ليث ممسكا بسوار، و اتجه من فوره الى المضيفة...
و هناك فقط ترك ذراعها لينظر اليها قائلا بنبرة آمرة.

(ابقي هنا و لا تتحركي هناك أمر هام أريدك أن تكوني شاهدة عليه، سيدخل أعمامي، الآن، استقبليهم بصمت و لا تتكلمي لحين عودتي)
حاولت سوار الكلام بدهشة، الا أنه تركها و خرج من المضيفة مسرعا...
وقفت سوار مكانها و هي تفرك أصابعها بتوتر، تشعر بظان الأمر ليس مجرد دعوة، بل هو أخطر من ذلك...
هل سيتركها ليث بمفردها مع أعمامه؟
شعرت سوار فجأة بخوف غريب عليها، و تمنت لو أنه بقى معها...

لكن ما أن سمعت جلبة حتى رفعت وجهها و رسمت على ملامحها الثبات و الوقار و هي تنظر الى أعمامه اللذين بدأوا بالدخول واحدا تلو الآخر...
لكن ما أن اكتشفوا وجودها حتى بدأ التوتر، و هتف عمه الأكبر وهو يشير اليها بعصاته
(أنت، ماذا تفعلين في دار ابنتنا، بنت الأصول؟)
عضت سوار على أسنانها و شعرت بصفعة لكرامتها، الا أن شيء لم يظهر على ملامحها و هي تقول بثبات.

(هذه أوامر ليث، صاحب الدار، و أنا هنا في انتظاره مثلكم جميعا، لذا رجاءا من يريد الإهانة فلا يحاول، فهذا لا يليق بكم تجاه سيدة).

استدارت ميسرة على عقبيها حين سمعت صوت باب غرفتها يفتح...
ثم رأت ليث يدخل بملامح غامضة، فهتفت بصوت خافت قلق
(ما الذي حدث يا ليث؟، اليوم أفاجأ بزيارة أعمامي بإتفاق منك، و عودتك بعد يوم واحد فقط، هل حدث شيء؟)
ظل ليث على وقفته ينظر اليها بنفس النظرة الغامضة التي أرسلت بها رجفة مجهولة...
فتراجعت خطوة و هي تهمس بصوت واه
(ماذا بك؟، أجبني، هل مات أحد؟، أنت تخيفني).

تكلم ليث اخيرا قائلا بصوت لا يشبه صوته الذي تعرفه جيدا
(تعالي معي لتقابلي زائريك)
ابتلعت ريقها و هي تهمس بخوف
(أفهم أولا)
اندفع اليها ليمسك بذراعها بقوة مما جعلها تشهق رعبا، بينما أجاب هو بنبرة قاطعة مخيفة
(ستفهمين لاحقا)
ثم جرها خلفه دون انتظار...
تعثرت ميسرة و هي تحاول اللحاق بخطواته السريعة، بينما كانت تهتف
(انتظر، انتظر لم أجهز بعد، لم أرتدي ذهبي، لا أريد النزول بهذا الشكل).

للمرة الأولى أنساها خوفها و ارتباكها أن تضع حليها و زينتها المبهرجة، فبدت شاحبة رمادية الوجه...
تحت عينيها سواد و كأنه غضب من الله جراء ما فعلته في العباد سابقا...
وجهها كان يعتليه الظلام و السواد، كالقبور التي تعاملت معها مرارا و عبثت برماد الأموات دون خشية من خالقهم و مستردهم...
تعثرت ميسرة أكثر من مرة على درجات السلالم، لكن ليث كان يتابع جذبها خلفه دون اهتمام فصرخت بعنف.

(توقف، توقف يا ليث أنت ترعبني، لن أخرج الى الناس بهذا الشكل)
الا أنها كانت تخاطب آذان صماء، الى أن وصلها بها الى المضيفة...
كانت سوار تجلس جلستها المعتادة ببهاء واضعة ساق فوق أخرى و هي تراقبهم دون أن تجفل و كأنها في حرب للتحدي...
ستظل دائما سوار الرافعي مرفوعة الرأس، مهما اقترفوا في حقها ظلما...

و بينما هي تنظر اليهم بأنفة، سمعت صوت باب المضيفة يضرب بكل قوة، و من حيث لا تدري وجدت ميسرة ترتمي أرضا عند قدميها، مشعثة الشعر، باهتة الوجه على غير العادة...
انتفضت سوار بذعر و تراجعت في مقعدها و هي ترى هذا المنظر المخيف و للحظة ظنتها جثة هامدة...
لكن ثبت خطأ ظنها حين رفعت ميسرة رأسها من على الأرض و هي تصرخ خوفا...

لكن الصرخة توقفت في حلقها للحظة ما أن اصطدمت عيناها بعيني سوار الواسعتين، و اكتشفت أنها ملقاة أرضا عند قدميها...
حينها اتسعت عيناها أكثر و أكثر و بدت مرعبة الشكل كشيطان أسود، قبل أن يرتسم الشر بأكمل صوره على ملامحها، فأخذت تصرخ و تصرخ و تصرخ و هي تضرب الأرض بقبضتها...
نهض أعمامها مندفعين من أماكنهم أمام هول ما يحدث و أوشكوا على البطش بليث لما يفعل...
الا أنه هدر فجأة بصرخة مفزعة زلزلت أرجاء المكان.

(إياكم و التحرك تجاهها، إنها زوجتي و أنا أؤدبها، و من يتجرأ على التدخل فليواجهني)
هدر والدها بتوترو خوف وهو يرى خطورة الموقف
(ماذا فعلت؟، أقسم بالله ان حسابك سيكون عسيرا إن ثبت خطأك)
لم يرد ليث، بل رمقه بنظرة قاتمة، قبل أن يتجه الى باب المضيفة و يصرخ عاليا...
(أحضروا الفتاة)
ثم نظر اليهم نظرة مرعبة و ما أن حاولت ميسرة النهوض من مكانها حتى هدر بها بصوته المزلزل
(ابقي مكانك، أرضا كما تستحقين).

تسمرت ميسرة مكانها بذعر من نبرة صوته التي تصل الى العظام، لم يتجرأ أي من الرجال واقفين على مواجهة غضبه في تلك اللحظة، أما هي فشعرت بأن هناك قيود حديدية انبعثت من جن الأرض و سلسلتها مكانها، فبدت غير قادرة على الحركة و كانها شلت تماما...
فأخذت تشهق لاهثة، لكن شهقاتها اختنقت في حلقها فجأة و اتسعت عيناها بذعر و هي ترى تلك الفتاة المتشحة بالسواد و التي دخلت ترتجف مطرقة الرأس...
نسيم!

همست سوار باسمها بذهول، بينما أبقت الفتاة وجهها منخفظ و هي تنتفض من شدة ارتجافها...
تكلم ليث بصوت جهوري...
(الآن يا فتاة، إن كنت تريدين الحفاظ على حياتك، فاخبري الكبار عما سبق و اخبرتني به، و لك الأمان مني، لن يتعرض لك أحد)
كانت نسيم ترتعش بشدة و هي تبكي و تنتفض، الا أنها لم تستطع أن تعصي أمر ليث...
فهمست بإختناق مذعور حفاظا على حياتها...

(السيدة ميسرة، كانت قد، أمرتني أن أنقل لها أخبار، السيدة سوار بالتفصيل، و كانت تعطيني بعض المال، و أحيانا تهددني كي أفعل، فاضطررت أن أطيعها خوفا من بطشها...

و في، آخر مرة، جائت سيدة، ضيفة للسيدة سوار، و أنا تنصت عليهما، فسمعت بعض من، المعلومات عن، محاولة، ابن عمها للتهجم عليها و خطفها، مجرد ملاحظات فهمت منها أن الأمر قد انتهى، فأخبرت السيدة ميسرة به، بعدها، سافرت مع السيد ليث لكنها كانت قد استأجرت من نشرت شائعات عن شرف ال، السيدة سوار بالباطل، خلاف ما سمعت)
صمت و هي تطبق جفنيها و تبكي بإنهيار، بينما اتسعت عينا سوار بذهول و صدمة
أما ميسرة فقد صرخت بذعر.

(كاذبة، كاذبة، وضيعة، كيف تصدقون أمثالها من قذارة الارض)
هدر ليث بعنف مما جعلها تنتفض
(اخرسي، اخرسي قبل أن اقطع لك لسانك)
ثم استدار ليث الى نسيم و أمرها قائلا بصرامة
(تابعي، كل شيء)
حاولت نسيم التقاط أنفاسها، ثم همست بصوت مرتعب.

(بعد حدوث الفضيحة، انتابني الذعر من أن يكتشف السيد ليث أنني كنت من ينقل أخبار بيته، و يظن بأنني من شوهت سمعة، السيدة سوار، فلملمت أغراضي و اتجهت الى هنا، الى دار السيدة ميسرة، و توسلت اليها أن تخفيني عن السيد ليث، الا أن غضبها انفجر بي لأنني أكدت الشكوك تجاهي، فضربتني و احتجزتني في القبو لأيام، فظننت أنها ستقتلني، لكنها دخلت الى القبو في يوم و أخبرتني أن المجال الوحيد للهرب هو، هو الزواج من أحد عرب البادية، فوافقت أملا في الهروب منها، و وجدت نفسي برفقة رجل لا أعرفه، سافر بي الى دياره، و، و).

صمتت و هي تبكي بعنف ضاغطة عينيها بقبضتيها، فقال ليث وهو ينظر اليها بعينين ازدادتا قتامة...
(تابعي، تابعي وصولا الى الأقذر)
ابتلعت نسيم ريقها باختناق، ثم همست مختنقة
(بعد مرور بضعة أشهر، شعرت بالحمل يدب بداخلي، فأخبرت زوجي، و الذي اتصل بالسيدة ميسرة طالبا منها بعض المال، لكنها، لكن كان لديها اقتراح آخر، فقد أخبرتني أنها، تريد الطفل، بعد ولادته، و ستدفع لي ما أريد...

لكن أنا والله رفضت و بكيت و توسلت لزوجي، الا أنه أخبرني أنه كان يعلم مطلب السيدة ميسرة قبل زواجنا وهو موافق عليه، و أنه بإمكاننا اعطائها طفل واحد، ثم ننجب المزيد، لن ينقصنا هذا شيئا، حينها رضخت رغم عني، لقد هددني كلاهما أن يلقيان بي الى الصحراء دون مأوى)
صمتت نسيم و هي تغطي وجهها باكية بعنف، بينما أخذت تهذي ميسرة كالمجنونة
(كاذبة، كاذبة، وضيعة).

أما الباقين فكانوا يستمعون الى ما يحدث بذهول، الى أن صرخ والدها بصدمة و غضب
(و ما الذي يجعلنا نصدق خادمة حقيرة مثلها؟، خادمة زوجتك الثانية، فلما لا تكون بنت الرافعي هي من دفعت اليها كي تتهم ابنتي)
ابتسم ليث بقساوة وهو يقول بصوت غريب، شديد القتامة
(عرفت أنك ستدعي هذا)
و دون مزيد من الكلام، أخرج هاتفا من جيبه و قال بتقزز
(هذه المكالمة كانت أمس، في حضوري)
ثم ضغط زر الإستماع، بدت المكالمة.

- هلا، هلا سيدة ميسرة...
- أنت؟، لماذا تتصلين الآن يا حيوانة، الم أخبرك بأنني أنا من ستتصل بك حين أحتاجك؟..
- سيدة ميسرة، استحلفك بالله، لا أريد التخلي عن طفلي، اطلبي مني أي شيء آخر غير هذا
- اخرسي أيتها ال، يا ابنة ال، هل تظنين انني سأتوسل اليك يا حيوانة؟، أنا لم أزوجك من الأساس الا لهذا الغرض...
- لو عرف السيد ليث بأنني فعلت هذا سيقتلني...

- أووووووووف، لماذا تتصلين؟، سبق و تكلمنا في هذا من قبل، كل ما عليك هو تنفيذ الأوامر، ثم تبتعدين مع زوجك للأبد...
- سيدة ميسرة، أنا خائفة من معرفته بنقلي لأخبار السيدة سوار اليك، خاصة حديثها مع الضيفة...
سيعلم أنني السبب في فضح سمعتها بالباطل، بينما أنت من فعلت هذا
- آه منك أيتها ال، ال، أقسم بالله أن اذا ذكرت هذا الأمر مجددا، و سوف...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة