قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثالث والستون

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثالث والستون

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثالث والستون

أغلق ليث المكالمة بإزدراء وهو يقول بقرف
(يكفي هذا، فهناك سيدة في المكان، لا يليق بها أن تستمع الى المزيد من هذه الألفاظ القذرة)
رفع عينيه مباشرة الى عيني سوار المذهولة و التي كانت تستمع الى ما يحدث بصدمة عقدت لسانها...
ثم تحرك تجاه ميسرة و انحنها اليها ليسحبها من على الأرض، و دون مقدمات كان قد رفع كفه و صفعها بقوة
وضعت ميسرة يدها على وجنتها و هي تنظر اليه بذهول، بينما هدر بقوة.

(شرف سوار الذي خضت فيه بالباطل ما هو الا شرف زوجك، لكنك أكثر وضاعة من ان تهتمي لهذا)
كانت ترتجف فعليا، الا أنه لم يرحمها فصفعها مجددا فصرخت بعنف، أما هو فهدر متابعا...
(شرف زوجك الذي كنت تنوين الصاق طفل له ليس من صلبه)
غطت ميسرة وجنتيها الملتهبتين بكفيها، تنظر اليه كمن يساق الى حبل المشنقة...
أما هو فقد أمسك بذراعيها و قال من بين أسنانه بتقزز.

(لا تستحقين مني أكثر من هذا، أما عقابك الحقيقي هو أن تقضين المتبقي من حياتك مع عائلتك و التي تعرف ما فعلت، و الذي لن ينسى بسهولة أبدا)
صمت للحظة، ثم التقط نفسا عميقا و قال بقوة
(و شيء واحد متبقي، أنت طالق، طالق، طالق).

ثم دفعها عنه بازدراء ليرميها أرضا، بينما اتجه الى سوار و التقط كفها ليسحبها عن المقعد حتى وقفت على قدميها، فرفعت وجهها المذهول لتنظر اليه، بينما انسابت الدموع على وجنتيها بغزارة، فهزت رأسها و هي تهمس بعدم تصديق
(الحمد لله، الحمد لله، ياللهي الحمد و الشكر لك يا رب)
ثم انخطرت في بكاء حار على صدره بينما ضمها اليه بقوة وهو يريح وجنته الى جبتها هامسا.

(انتهى ألمك حبيبتي، و ستعودين مرفوعة الرأس، ابكي ان كان هذا يريحك، فدموعك دموع طهر و كرامة)
ضمته سوار اليها بكل قوتها و هي تنتحب بعنف، حتى أن أظافرها نشبت في ظهر سترته، و لم يتجرأ أحد من الواقفين على الإعتراض...

في المساء كانت قد وصلت الى أقصى درجات تحملها...
تركت تيماء الكتاب يسقط من يدها الى ركبتيها بتعب، ثم خلعت نظارتها و هي تزفر بنفاذ صبر و عدم تركيز...
منذ ان تناولا الطعام سويا وهو يتظاهر بالإنشغال في أشياء وهمية، بينما عيناه تراقبانها خلسة و هي تعلم ذلك...
لذا حين فقدت الأمل اتجهت الى غرفتها كي تدرس قليلا، بينما تسمع صوت ضرباته و تكسيره لأشياء في الخارج...

ان تركته على هذا الحال، سيكون البيت محطما في الصباح فوق رؤوسهم...
تنهدت تيماء و هي تفكر في خطوتها التالية، كانت تظن الأمر سهلا، لكنها على ما يبدو قد أخطأت الظن...
ظلت على شرودها، الى أن أجفلت و هي تراه يدخل الغرفة دون اذن، فابتسمت له و هي تشعر بحماقة الإنتصار...
نظر اليها قاصي بنظرة مختلسة، ثم توقف مكانه قبل ان يقول بصوت أجش لطيف
(هل تدرسين جيدا؟).

لم ترد تيماء على الفور، بل ظلت صامتة قليلا، ثم قالت بهدوء
(نعم، الفضل للقهوة التي أعددتها لي، جاءت في وقتها و ستمكني من السهر طوال الليل)
أغمض قاصي عينيه وهو يهمس
ياللهي! ملعون غباء الإنسان
قالت تيماء رافعة حاجبيها
(هل تقول شيئا؟)
فتح قاصي عينيه و قال مبتسما بعفوية
(أقول جيد، كلما درست أكثر، كان هذا أفضل لك)
أومأت تيماء برأسها بينما تحول وجهها الى رغيف خبز بائت من الإحباط، فقال قاصي متنحنحا بخشونة.

(هل تضايقين إن خرجت قليلا و تركتك؟)
فغرت تيماء شفتيها قليلا، الا أنها لم تجد سوى أن تهز رأسها نفيا ببطىء، فابتسم لها بأسى...
ثم قال بلطف
(إن أحسست بالتعب، نامي)
ردت تيماء بفتور
(سأفعل، شكرا للنصيحة)
أومأ قاصي برأسه قليلا، ثم اندفع ليأخذ بنطاله و قميصه قبل أن يخرج مسرعا...
و خلال دقائق سمعت صوت باب الشقة يصفق بقوة...

ظلت تيماء مكانها تنظر الى فراغ كبير يحيط بها، ثم التقطت هاتفها و كتبت على موقع بحث بأصابع بطيئة
نفور أحد الزوجين من العلاقة الزوجية بعد وفاة طفل لهما،
ظل قاصي يهيم على وجهه في الطرقات مشيا على قدميه، بينما يدس كفيه في جيبي سترته لا يعلم الى أن يجذبه الطريق...
كل ما كان يهمه هو أن يبتعد عنها مؤقتا...
ابتسم قاصي قليلا وهو يتذكر ملامحها الجديدة، فهي تبدو كالدمية الحذرة ذات الأعين الجانبية دائما...

كم تشبه القطط في خبثها و مكر عينيها...
توقف قاصي مكانه وهو يراقب الشمس المائلة للمغيب، ثم أخذ نفسا عميقا وهو ينظر الى الالوان المتداخلة...
تاهت عيناه قليلا وهو يهمس بتعب
(الى ماذا تسعين يا مهلكة؟، الفرار أم تعذيبي قبل البقاء؟، ليتك تبقين و أنا سأتقبل عذابك بكل صدر رحب، ليتك فقط تضمنين لي البقاء، أهلكنا الفراق. ).

تحرك نسيم المساء فحرك شعره حول جبهته و فكه القوي، فضيق عينيه وهو يشعر بشوق من نوع آخر ينهش أعماقه...
شوق صبر عليه لأكثر من شهر...
شوق لم يجربه لمدة خمس سنوات...

فتحت ريماس الباب ببطىء وهي تنظر من شقه الصغير، الا أنها تسمرت و اتسعت عيناها و هي تقول بصدمة
(أنت!)
وقف قاصي أمام الباب داسا كفيه في جيبي سترته وهو يراقب ملامحها المصدومة الشاحبة، ثم قال بخفوت
(كيف حالك يا ريماس؟)
فغرت ريماس شفتيها قليلا ثم لم تلبث أن قالت بقسوة
(كيف لك أن تأتي الى هنا بعد ما فعلته؟، كيف تجرؤ؟)
ابتسم قاصي ابتسامة باهتة وهو يقول بصوت خفيض
(أجرؤ، لأني لي ابن في الداخل).

ارتجفت شفتي ريماس قليلا و غامت عيناها، الا أنها قالت بقوة
(لم يعد لك أحد هنا، اذهب يا قاصي، يكفي ما فعلته به، يكفيني حريق قلبي لشهور طويلة حتى اوشكت على الجنون)
لم يتحرك قاصي من مكانه وهو ينظر اليها بحزن، ثم همس بصدق
(أنا آسف)
انحنى حاجباها بألم، فقالت بإختناق
(هل أنت حقا آسف؟)
رد قاصي مبتسما
(ليس تماما، كنت مستعد لفعل أي شيء كي أحمي ابني منه)
هتفت ريماس بقسوة و اختناق.

(و ماذا عني؟، كنت تريد أخذ ابني و اعطائه لإمرأة أخرى)
هز قاصي رأسه نفيا ببطىء، ثم قال بهدوء
(كنت أسعى الى اصطحابك كي تلحقين بنا، ما أن تفيقين من وهم راجح الرافعي، لطالما كان له سلطان عليك قادرا على افقادك كل ذرة عقل لديك)
تجمعت الدموع أمام عينيها بأسى، فلعقت شفتيها المرتجفتين و هي تغمضهما دون أن تجد القدرة على الكلام، فقال قاصي بخفوت
(هل يمكنني أن أراه يا ريماس؟، أرجوك، لدقائق فقط).

فتحت ريماس عينيها و قالت بقسوة على الرغم من الدموع المتجمعة بهما
(ماذا تظن؟)
همس قاصي دون كبر
(أرجوك)
كان فعليا يتوسل اليها فارتجفت بشدة، قبل أن ترد سمعت صوت عمرو من خلفها يصرخ بسعادة و ذهول...
(بابا!)
و دون انتظار كان يجري الى قاصي بكل قوته متسللا من خلف أمه عبر الباب المفتوح جزئيا، فانحنى قاصي ليحمله بين ذراعيه وهو يعتصره بين ذراعيه بقوة مغمضا عينيه بشدة هامسا بإختناق.

(ياللهي، سلم لي هذا الحضن، كم اشتقت اليه)
أخذ عمرو يقبل كل جزء في وجه قاصي بينما هو يتنعم برائحته الطفولية التي اشتاق اليها بعذاب...
قال قمرو بصوت مختنق
(لماذا تركتني؟)
همس قاصي بعنف وهو يقبل عينيه ووجنتيه و جبهته و شعره
(كنت مضطرا يا حبيبي، كان هذا رغم عني، ياللهي كم ثقل وزنك، لقد كبرت قليلا)
هتف عمر وهو يكبل عنق قاصي بذراعيه بكل قوته
(لا ترحل مجددا).

ظل قاصي صامتا وهو يضم رأس عمر الى عنقه بقوة بينما احمرت عيناه بشكل واضح و بدا غير قادرا على الكلام...
فقالت ريماس و هي تمسح دموعها
(عرفت بما حدث لطفلك، البقاء لله)
قبل قاصي وجه عمرو مجددا بقوة ثم همس بإختناق
(أنا لم أجد الفرصة كي أشكرك على تنازلك عن البلاغ)
ارتجفت شفتاها و هي تهمس بإختناق من بين دموعها
(لم يكن لدي أي خيار آخر، الأم غير قادرة على ايذاء والد طفلها مهما فعل).

نظر قاصي اليها بإمتنان عميق صامت، ثم همس
(شكرا لك، لقد بعثت بداخلي الأمل بهذه العبارة، علني لم أفقد كلا من طفلي رغم كل شيء)
أطرقت ريماس برأسها قليلا ثم قالت بصوت معذب
(لقد رفع راجح دعوى ضدي لضم عمرو اليه، و سيستند الى كثير من الأشياء، ادماني السابق وكوني أم غير مسؤولة حيث ارسلت طفلي مع رجل غريب للخارج)
قست عينا قاصي وهو يقول واعدا.

(لن يحدث يا ريماس، لن يأخذ عمرو و أنا على قيد الحياة و هذا ما أستطيع أن أعدك به)
نظرت اليه ريماس بعينيها المتورمتين ثم همست
(أنت من كنت تتكفل بنا خلال الفترة السابقة، اليس كذلك؟)
ظل قاصي صامتا قليلا ثم قال بهدوء
(هل نقصكما شيء؟)
هزت ريماس رأسها نفيا ببطىء و على وجهها شبح ابتسامة حزينة، فقال لها مؤكدا
(ستظلان دائما مسؤلان مني، أنتما جزء من أسرتي)
أغمضت ريماس عينيها و هي تبكي دون صوت بينما قال عمرو مترجيا.

(أريد المبيت معك الليلة، أرجوك، هل أعد حقيبتي؟)
أخذ قاصي يشم عطره مجددا بلهفة، ثم انحنى ليوقفه على قدميه أرضا و جثا بجواره، ناظرا الى عينيه الكبيرتين وهو يقول بجدية و بطىء كي يستوعب
(الليلة لن يكون هذا ممكنا يا عمرو، علينا التحمل قليلا، يوما ما قريب سأعد أنا و امك خريطة كي تبقى معي بوقت منتظم)
رفع وجهه وهو ينظر الى ريما متسائلا، الا أنها أبعدت وجهها باكية وهي تتشبث بالباب غير قادرة على اتخاذ قرار...

ثم همست أخيرا من بين شهقاتها الباكية
(أرجوك ارحل الآن).

حين وصل الى البيت كان الساعة متأخرة ليلا، و كم تمنى أن تكون نائمة...
لك يكن له القدرة على مقاومة اغرائاتها الساذجة حاليا، لقد ظل يهيم على وجهه ساعات طويلة الى أن نال التعب منه...
فتح قاصي الباب بحذر وهو ينظر الى الداخل بتوجس...
كان الضوء الجانبي مضاء، فأغلق الباب بحرص خلفه و تحرك يبحث عنها الى أن وجدها!
وقف قاصي مكانه رافعا احدى حاجبيه وهو يستوعب المنظر المرتسم أمامه...

كانت تيماء تجلس على المقعد الوثير في غرفة الجلوس، لكن بالمقلوب!
النوم غلبها على ما يبدو و سقط كتابها فوق معدتها، حيث كان ظهرها على مقعد الكرسي بينما ساقيها واقفتين ومستندتين الى ظهره، أما رأسها فساقط عن المقعد لأسف بشكل مؤذي و نظارتها منزاحة الى جبهتها!

اقترب منها ببطىء وهو يراقب هذا المنظر التاريخي و دون أن يستطيع منع نفسه أخرج هاتفه من جيب بنطاله و التقط لها صورة في هذا الوضع، ثم ابتسم ناظرا اليها قبل أن يعيد الهاتف الى مكانه...
ثم اقترب منها أكثر وهو ينظر اليها و كأنما ينظر الى المهرج الذي كان يحبه في صغره أيام الموالد...
دار قاصي حول المقعد وهو يقيم الوضع بدقة، ثم همس عاقدا حاجبيه مبتسما بدهشة
(من أي جهة يمكنني حملك؟).

رفع كفيه في اطار كي يقيس وضعها تماما بعين واحدة مفتوحة، ثم اتخذ قراره و مد يده يسحب نظرتها عن جبهتها ليضعها على أقرب طاولة...
قبل أن ينحني من جهة الظهر، فأحنى رأسه عليها وهو يسحب ذراعيها بحرص الى أن تمكن من رفعها على احدى كتفيه، كرجل المطافيء، ثم اتجه بها الى الغرفة وهو يهمس لنفسه
(ساقاها ناعمتان جدا، تبا لهذا الشيء الذي ترتديه).

أسرع الخطى حتى وصل الى السرير فأنزلها اليه برفق، وهو يشعل الضوء الجانبي، قبل أن يجثو بجوارها على عقبيه وهو يتأمل وجهها النائم و فمها المفتوح و شعرها الأشعث...
علي الرغم من كل فوضاها الا أنها كانت لذيذة جدا...
مد قاصي يده ليغطي بها وجنتها بحنان ثم همس بخفوت
(تيماء، هل أترك لك الضوء مشعلا؟)
تأوهت قليلا و هي تتقلب، ثم همهمت قائلة دون أن تفتح عينيها
(لا، أطفئه، فأنا لا أخشى الظلام).

ابتسم قاصي و شردت عيناه بها طويلا ثم همس
(متى استيقظت؟)
قالت تيماء بنعاس
(حين شعرت بنفسي مقلوبة رأسا على عقب، كالبصلة)
ابتسم قاصي بحنان ثم قال بخشونة
(هذا على أساس انك لم تتخذي وضعية البصلة و انت تدرسين؟، لقد تمكنت من رؤية حلقك عبر فتحتي أنفك)
همهمت مجددا دون رد، فانحنى حاجباه تعاطفا معها قبل أن ينهض ببطىء، لكن و قبل أن يتحرك من مكانه، أمسكت تيماء بيده تمنعه، ثم همست بخفوت بين الوسائد.

(قاصي، غني لي شيئا)
تجمد قاصي مكانه وهو يسمع طلبها الغريب، الا أنه لم يستغرق وقتا طويلا قبل أن ينحني اليها اليها حتى جلس بجوارها، ثم مال اليها و همس في اذنها مدندنا بنعومة.

يا غريب الدار بأفكاري
قد تخطر ليلا ونهارا
ادعوك لتأتي بأسحاري
بجمال فاق الأقمار
الثغر يغني ويمني
والطرف كحيل بتار
والقلب أسير هيمان
ما بين بحور الأشعار.

و استمر يهمس في تجويف أذنها و كأنه يشي لها بسر خفي، الى أن راحت في سبات عميق...
و بقى هو، ينظر اليها هامسا دون ابتسام وهو يداعب شعرها
الثغر يغني و يمني، و الطرف كحيل بتار، و القلب أسير هيمان، والله القلب أسير هيمان.

(الجميل خارج اليوم، و لم يحاول حتى اخباري من باب المجاملة)
استدارت مسك بسرعة الى أمجد الذي كان واقفا يراقبها مبتسما بهدوء، بينما هي تبثت الحلق في أذنها مرتدية حلتها الكلاسيكية...
ثم ابتسمت قائلة بعفوية
(ألم أخبرك؟)
قال أمجد بهدوء و دون انفعال
(لا، لم تخبريني على ما يبدو)
ضحكت مسك قليلا و هي تقول بعفوية مستديرة لتضع في حقيبتها الأنيقة الصغيرة مرآة و المفاتيح...
(لدي مقابلة عمل اليوم).

ارتفع حاجبي أمجد بصمت وهو ينظر اليها، بينما هي تعد نفسها منشغلة عنه تماما، ثم قال أخيرا بجدية
(هل نسيت إخباري؟)
قالت مسك و هي تنحني لتضع حذائها في قدمها...
(بصراحة لم أشأ أن أخبرك قبل أن أنال الوظيفة، ما الداعي كي تتعشم في شيء قد لا يحدث)
ظل أمجد على صمته وهو ينظر الى أناقتها التي تأسر النظر ثم قال أخيرا آمرا بخفوت
(تعالي الى هنا).

رفعت وجهها تنظر اليه في المرآة مبتسمة ابتسامة عريضة بينما وجهها يتوهج بحيوية و نشاط، ثم قالت ضاحكة
(لا)
ابتسم هو الآخر بإتزان ثم قال يسألها ببساطة
(لماذا؟)
رفعت اصبعها تشير الى صورته في المرآة و هي تقول بشقاوة
(لأنك ستفسد زينتي و ملابسي، و أنا لا وقت لدي)
ابتسم مجددا برقة، ثم قال بهدوء
(تعالي اذن بتهذيب قبل أن أهجم عليك و ألقي بك على الفراش)
استدارت اليه مبتسمة و اقتربت منه بسرعة و هي تدعي الخوف.

(لا أرجوك، لا نريد أي فضائح على بشرتي)
وقفت أمامه بطاعة بينما وضع كفيه على خصرها وهو ينظر الى عينيها ثم قال بجدية
(كان عليك اخباري)
قالت مسك متنهدة
(صدقا كنت سأخبرك إن نلت الوظيفة، أما الآن فلماذا أفعل؟، أعرف أنك ستظل على اعصابك تتمنى لي التوفيق و إن لم أحظى بها فسوف تحزن بداخلك كثير، أنت حساس جدا و بت أعرف عنك الكثير)
قال أمجد بهدوء
(هل حقا تعرفين عني الكثير؟).

أومأت مسك برأسها مبتسمة رافعة حاجبيها و قالت و هي تحيط عنقه بذراعيها
(أنت عاطفي جدا، تتأثر بكل ما يخصني، )
قال أمجد بخفوت
(تتكلمين و كأن هذا عيبا!)
تنهدت مسك و قالت
(لو فقط تتوقف كونك تعطي كل شيء هذا القدر من العاطفة، سيكون كل شيء على ما يرام)
قال أمجد بجدية و دون ابتسام.

(أحبك، هل تعملين معنى هذه الكلمة؟، معناها أن أكون بجوارك في أوقات القلق و الحزن و الالم قبل الفرح و الراحة، كان عليك اخباري كي أطمئنك ليلة أمس بأكملها)
ضحكت مسك بنعومة، ثم قالت بنبرة خبيثة
(كيف ستطمئنني تحديدا؟، لعل الأمر مشوق)
قال أمجد مبتسما بإتزان...
(لا أقصد شيئا مما جال في رأسك من أفكار منحرفة، أنا قصدت فقط الجانب المعنوي)
ابتسمت ابتسامة عريضة، ثم قالت ببساطة.

(أنا لست قلقة يا أمجد، علمتني الحياة الا أقلق على أي خسارة، لا شيء يساوي لحظة قلق على شيء ليس لي به نصيب)
أخذ أمجد نفسا عميقا ثم قال بخفوت
(أنت جميلة يا ألماس، داخلك ماسة حقيقية)
ابتسمت له برقة مترددة و كأنها تريد قول شيء ما، لا تعرف ما هو...
الا أن رنين هاتفها قاطعها، فابتعدت عن أمجد و سارعت الى الرد على الهاتف لتقول بجدية و اهتمام.

(كيف حالك حبيبي، و كيف حالها اليوم؟، أرجو أن تكون قد سمعت كلامي حتى الآن على الأقل، بالمناسبة، والدي على وشك ازهاق روحيكما، وأنا أحاول منعه قدر الإمكان)
انتفض رأس أمجد وهو ينظر اليها بحدة صادمة، بينما لم تنتبه اليه، و تابعت المكالمة تستمع الى قاصي بإهتمام...
ثم تنهدت و هي تقول
(الأمر غريب جدا يا قاصي، لا اعلم تحديدا ما تريد تيماء، لكن أنا متأكدة أنها ليست على طبيعتها اطلاقا)
ظلت تستمع قليلا و هي تقول.

(أها، نعم، بالمناسبة سنأتي لزيارتكما في أقرب وقت، على أستطيع التأثير عليها)
أبعدت مسك الهاتف عن أذنها فجأة و هي تسمع منه صوت هتاف غاضب، فحكت أذنها قبل أن تقول
(هل هذا ترحيب من نوع ما؟)
هدر قاصي بصوت واضح من الهاتف
(لا، لا تأتي، أنا أحذرك، اتركي زوجتي و شأنها)
مطت مسك شفتيها و قالت ببرود
(هل على تذكيرك أن زوجتك تلك، هي أختي قبل أن تكون زوجتك؟)
هتف قاصي بغضب.

(هل على تذكيرك أن أختك تلك لم تعرفيها الا من خلالي؟، إنها ملكي أنا و حدي)
نظرت مسك الى سقف الغرفة و هي تطرق الأرض بحذائها، ثم قالت أخيرا بجمود
(أنا حقا لا أفهم لماذا تصر على الإتصال بي كل صباح يا بني آدم، طالما أنك ترفض كل ما أقول!)
ساد صمت قصير بينهما، ثم قال قاصي بصوت متردد
(مسك، أنا أحتاجك، أشعر و كأنني لا أعرف كيف أتصرف)
ابتسمت مسك قليلا ثم همست باستسلام.

(و أنا بجوارك دائما يا قاصي، حتى إن لم يعجبك كلامي، أنا بجوارك)
أغلقت مسك الخط بعد دقيقة و هي تتنهد، بينما ركزت على ما تحتاج اليه كي تخرج...
الى أن قال أمجد من خلفها بصوت غريب
(كيف تسمحين لنفسك بقول كلمة حبيبي، لرجل، أي رجل)
استدارت مسك تنظر الى امجد عاقدة حاجبيها، محتارة من النظرة العنيفة في عينيه، ثم قالت بعدم فهم
(ماذا؟)
هتف أمجد فجأة بصوت لم تعتده
(كيف تنادين زوج أختك بكلمة حبيبي؟).

فغرت مسك شفتيها قليلا ثم قالت بنفس الحيرة
(هل فعلت؟، لم ألحظها من الأساس!)
ضرب أمجد على الحائط وهو يهتف
(أنا لاحظتها، سمعتها و اخترقت أذني)
هزت مسك رأسها قليلا و هي تحاول التذكر، ثم قالت مترددة
(أنا صدقا لم ألحظها، و حتى إن فعلت من المؤكد أنها غير مقصودة، مجرد لقب اعتدته)
هتف أمجد بغضب
(هل تنادين أي رجل في حياتك بلقب حبيبي كشيء معتاد؟)
قالت مسك بجدية
(بالطبع لا)
هدر أمجد قائلا...

(اذن هو ليس غير مقصود، أنت تخصينه هو وحده بهذا اللقب)
فغرت مسك شفتيها بذهول، ثم قالت غير مستوعبة
(هل تتهمني بشيء ما يخص زوج أختي؟)
أفلتت من بين شفتيه ضحكة غريبة، بدت كسخرية ما، فقالت مسك بذهول
(هل تفعل؟، صدقا؟)
رفع أمجد وجهه لينظر اليها، ثم قال بصوت غامض
(لا، لا أتهمك بشيء)
هتفت مسك بحدة
(جيد، لأنني بصراحة شككت في الامر).

لم يرد أمجد عليها، بل ظل ينظر الى عينيها بطريقة غريبة، فأخذت نفسا عميقا و هي تحاول تهدئة نفسها...
ثم اقتربت منه الى ان وقفت أمامه، و قالت فجأة دون مقدمات
(أنا آسفة)
نظر اليها أمجد صامتا، و بدا مجفلا من اعتذارها المفاجىء، فقالت مجددا بتأكيد أكبر.

(أنا آسفة، ربما قلتها بالفعل و هذا لا يصح، سأحاول أن أنتبه الى كلماتي من الآن، أنت محق في غضبك، لكن يا امجد الوضع يختلف، ربما التصقت في لساني منذ الأيام التي كان يجلس فيها جواري و انا أعاني من أقسى وجع يمكن لك أن تتخيله، هي مجرد مكانة مميزة، و ليست صفة عاطفية أبدا، لكنني لن أنطقها مجددا، هل هذا يرضيك؟)
ظل أمجد ينظر اليها طويلا ثم قال أخيرا بصوت غريب
(لا يا مسك، لست راضيا)
ارتفع حاجبيها و قالت بدهشة.

(لقد اعتذرت، ووعدتك الا أكررها!)
ضحك أمجد ضحكة لم تفهمها، ثم قال أخيرا
(بالتوفيق في مقابلتك اليوم، أنا قد أسهر لدى أمي الليلة، أرجو الا يضايقك هذا)
ردت مسك بخفوت
(بالطبع لا يضايقني، يكفي أنك لبيت لي طلبي في شقة مستقلة، لذا من المنطقي أن تبقى معها كما تريد و كما تحتاج هي)
أومأ أمجد برأسه دون أن يرد، ثم خرج من الغرفة صامتا، بينما ظلت مسك مكانها تشعر بشيء غريب...

كيف له أن يغار من قاصي، على الرغم من أنه متأكد أن لا مشاعر خاصة بينهما كرجل و امرأة؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة