قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثالث والثلاثون

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثالث والثلاثون

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثالث والثلاثون

لكنها أخذت نفسا طويلا قبل أن تستدير ناظرة اليها بهدوء و هي تقول بصوت عملي باهت
(تحت أمرك)...
تحركت نظرات سالم عليها ببطىء تتفحصها قبل ان تتوقف على وجنتها المحمرة لعدة لحظات قبل أن يقول ببرود ساخر
(ترى ماذا فعل التعيس مجددا، و تحاولين الهرب بسرعة كي تتجنبين الإجابة؟)
زفرت تيماء و هي تنظر بعيدا مكتفة ذراعيها، بينما تحركت مسك و قالت
(دعها الآن يا أبي رجاءا، فهي ليست في حالة تسمح لها ب).

الا ان تيماء قاطعتها قائلة ببرود
(لا يا مسك، أنا في خير حال يسمح لي بالمواجهة)
ثم استدارت الى والدها و قالت بنفس البرود مبتسمة
(نعم، تشاجرت مع قاصي مجددا و اتهمني أنني أتآمر ضده كي يسترد راجح طفله منه، ثم صفعني، هذه هي آخر اخباري، شكرا لك على السؤال)
استدارت لتتجه للغرف، الا أن صوته قصف من خلفها وهو يقول بعنف.

(الى متى ستتحملين هذه المعاملة؟، كم يلزمك كي تتعظي و تتراجعي قبل أن تفسدي المتبقي من حياتك؟!)
اندفعت تيماء تنظر اليه ثم قالت بنفس القسوة و البرود
(يا عديمة الكرامة، هيا قلها، خطابك ينقصها)
انعقد حاجبي سالم بشدة وهو يقول دون تردد
(بالطبع عديمة الكرامة، انظري الى نفسك في المرآة و ستعرفين هذا دون الحاجة الى سماعه، اليوم ضربك و غدا سيخونك، و ستتوالى صفعاته، بينما أنت تعودين اليه كل مرة بتذلل قذر).

ضحكت تيماء و هي تهز رأسها قليلا بعدم تصديق، ثم رفعت وجهها تنظر اليها بسخرية منبهرة، قبل أن تقول بوقاحة
(أتدري ماذا! يليق بك دور الأب والله، صدقا أتكلم، أنت تصلح لأن تكون والدا مراعيا مهتما، ولولا ماضينا البائس معا، لصدقت أنك مهتم بمصلحتي فعلا)
هتف سالم بغضب.

(لطالما كنت حقودة و لا تشكرين المعروف مطلقا، لو لم أكن والدا صالحا، لما قضيت كل تلك السنوات و أنا أحاول منعك بكل طريقة عن هذا الطريق المظلم الذي تمشين فيه، تركت كل ما أفعل لحمايتك و لا تتذكرين سوى عدم قدرتي على التواصل معك بالشكل الذي تريدين)
هتفت تيماء بحدة و هي تشير اليه
(تقصد على الأطلاق، عدم تواصلك معي على الإطلاق، انتق كلامك يا سيد سالم)
هتف بها هو الآخر.

(ها قد عدت الى وقاحتك، كما هو اسلوبك دائما، أتتذكرين سلة المهملات التي ألقيت بها من فمك ما أن عرضت عليك الزواج من أحد ابناء أعمامك منذ سنوات؟، أتعلمين ماذا أصبح منصبه الآن؟ بخلاف أنه متزوج و لديه طفلين)
نظرت مسك الى ساعة معصمها بملل، قبل أن تعاود النظر اليهما مكتفة ذراعيها بصمت، بينما هتفت تيماء بغضب مماثل
(هذا لأنك لم ترد سوى التخلص من همي كفتاة تتربى وحيدة، و قد تجلب لك الفضيحة في أي يوم، ).

هتف بها سالم
(و كنت محقا، أم نسيت سقطتك؟، كنت تواعدين خادمي دون علمي، بل وحاولت الهرب معه)
هزت تيماء رأسها بيأس و هي تضحك قائلة بسخرية سوداء
(لا فائدة، لا فائدة، لا أعلم لماذا نتابع هذا الحوار كل مرة)
قال سالم بصوت مزدري
(نتابعه كل مرة، لأنك تذلين من نفسك كل مرة أكثر، فأعاود تذكيرك علك تفيقين لنفسك)
عضت تيماء زاوية شفتها و هي تكتف ذراعيها، شاردة بملامح قاتمة، ثم رفعت وجهها الجامد أخيرا و قالت ببرود.

(هذه المرة ستكون الأخيرة، لن تحتاج الى تذكيري مجددا، فقد تركت قاصي، و للأبد هذه المرة)
رد سالم بقوة و ازدراء و دون تردد
(لا أصدقك)
هزت تيماء كتفها و هي تقول ببساطة
(كما تشاء، لست مهتمة بنيل تصديقك على كل حال)
ظل سالم ينظر اليها قليلا متجهم الوجه، ثم نظر الى مسك و كأنه يسألها، الا أن مسك بدت غير راضية عما يحدث، لكنها رفعت حاجبيها في اشارة منها الى أن هذا هو ما يبدو...

أعاد سالم عينيه الى تيماء يدقق بها ثم قال بتجهم
(ان كان هذا حقيقيا، فهل سيتركك هذا الحيوان لحالك بهذه البساطة؟)
ردت تيماء بصوت صلب
(لم يعد القرار بيده بعد الآن، انتهى الأمر)
ضاقت عينا سالم قليلا وهو يفكر، ثم قال رافعا وجهه بغلظة
(لكنه سيظل يلاحقك، من شقتك الى كليتك و حتى بيت أمك، لن يتركك أبدا الا بعد أن يستفذ كل قواك)
ابتسمت تيماء بسخرية حزينة و هي تقول بصوت باهت
(و كأنك تهتم حقا، بدأت أتأثر صدقا).

زفر سالم وهو يرفع رأسه عاليا بغضب، ثم هتف بنفاذ صبر
(ها قد عدنا الى الوقاحة و قلة الأدب من جديد)
نظر اليها و قال بصوته الجهوري
(اسمعيني جيدا يا فتاة، هل أنت جادة تماما في رغبتك للخلاص منه؟، أريد ردا قاطعا، نعم ام لا، الآن حالا، و لن أكرر سؤالي مجددا).

نظرت تيماء الى مسك و كأنها تسألها المشورة، الا أن مسك ظلت صامتة، صلبة الملامح و هي تواجه نظرات تيماء بتحدي، و كأنها تخبرها بأن هذا هو قرارها لا قرار غيرها، و عليها أن تتخذه بملىء ارادتها دون الرجوع الى أحد...
ظل التواصل بين عيني مسك و تيماء لبضعة لحظات، الى أن استدارت تيماء الى والدها رافعة وجهها و هي تقول بهدوء و ثبات...
(نعم جادة، كل الجد).

لمحت في عيني سالم بريقا لم تخطىء فهمه أبدا، كان كل همه هو قهر قاصي بأي طريقة كانت، حتى لو كانت بطلاق ابنته منه، و سلبه عمرو الذي رباه كطفله...
ظلت ملامحها ثابتة، هادئة و كأنها تراقب الفصل الاخير من نفس المسرحية القديمة و التي تنازلت عن بطولتها بعد أن سئمت منها...
قال سالم فجأة بصوت أجش قوي
(إن كان الأمر كذلك، يمكنني التصرف اذن)
صمت للحظة وهو يراقبها مفكرا، ثم قال بنبرة آمرة.

(لقد خسرت منحتك لتحضير الدكتوراة بسببه، اليس كذلك؟)
أطرقت تيماء بوجهها و هي تفكر بشرود...
كم خسرت بسببه؟، دراسة و منحة، كرامة و أسرة، كيانا و، قلبا...
حين ظلت صامتة، ابتسم سالم بسخرية ثم قال بسلطة
(يمكنني تعويضك عنها، سأساعدك على السفر للخارج، و أنفق عليك حتى تتابعين دراستك)
رفعت تيماء وجهها تنظر اليه بدهشة، ثم قالت بصوت فاتر
(سيكلفك هذا كثيرا، و ستستغرق سنوات)
مط سالم شفتيه بسخرية، ثم قال ببرود.

(لم تقدري يوما الحياة المرفهة التي منحتها لك، فلماذا تفعلين الآن؟)
لم ترد تيماء عليه، بل ظلت تنظر اليه مفكرة، بينما مسك تراقبهما بصمت، شاعرة بالغثيان...
أخيرا ردت تيماء بصوت قوي و دون تردد
(قبل أن أجيبك، هناك أمر يجب أن تضعه في حساباتك، قد يغير مخططاتك كلها)
توجست ملامح سالم وهو يقول بتجهم
(ما هو؟، هل بدأت في التردد من الآن؟)
نظرت تيماء الى عينيه مباشرة و قالت بنبرة تحمل بعض الظفر و التشفي...
(أنا حامل).

برقت عاصفة من الغضب في عيني سالم فجأة و كأن شجرة القيت في اللهيب مما جعلها تشتعل محرقة ما حولها...
و استمر تحدي النظر بينهما، ما بين غضب و خزي منه، و انتصار و تشفي منها...
الى أن قال سالم بصوت مكتوم عنيف
(ايتها الغبية، عديمة الأخلاق و التربية)
ضحكت تيماء ضحكة عالية، لكنها ميتة و شبعت موتا، قبل ان تقول من بين ضحكاتها
(لما عديمة الأخلاق يا والدي العزيز؟، إنه زوجي و من الطبيعي أن).

هدر بها سالم مقاطعا بقسوة
(عديمة التربية، حقا تربية امرأة)
عادت لتضحك و هي تسعل قليلا تغطي فمها باصابعها، ثم قالت ببرود و تسلية
(اعذرني، فلم يكن هناك سوى هذه المرأة التي تتحدث عنها كي تربيني، لذا لا يمكنك لومي أو لومها)
زم سالم شفتيه قد تحولت ملامحه الى لون شبيه بالأسود...
ثم لم يلبث أن زفر نفسا ساخنا حادا، قبل أن يقول بنبرة ذات مغزى
(طالما أنك قررت الإنفصال عنه للأبد، الم تفكري في).

لم تحتاج تيماء الى سماع المزيد، فقد فهمت للتو ما يقصد، فهدرت بصوت أجفله شخصيا و هي تضع يدها على بطنها في حركة حماية غريزية...
(لن أجهض طفلي، سأحافظ عليه حتى آخر يوم في عمري، فإن كان هذا هو شرطك، فانسى الأمر، أنا لست مثلك، أفتقد غريزة الأبوة و التي تمتلكها الحيوانات)
صرخ فيها سالم وهو يرفع كفه ينوي صفعها
(اخرسي يا)
الا أن مسك هتفت به بقوة
(لا يا أبي يكفيها ما نالها، أرجوك كفى).

بينما لم تتحرك تيماء من مكانها، بل ظلت ثابتة، مرفوعة الوجه و هي تنظر اليه بعينين قويتين، فقدتا الخوف...
بقت كف سالم مرفوعة في الهواء، و كل منهما ينظر الى عين الآخر، الى أن اسقط ذراعه أخيرا وهو يهمس من بين أسنانه
(الخطأ خطأي، أنا من لم يربيك و تركك لأمك، أنت محقة، الخطأ خطأي)
ابتسمت تيماء ابتسامة عريضة و هي تقول بنبرة رياضية متفائلة.

(ها قد اتفقنا على شيء واحد أخيرا، بمزيد من المجهود قد نجد المزيد مما نشترك به)
رمقها سالم بنظرة ساخطة، ثم قال أخيرا بصوت متذمر
(هذا الحمل سيؤخرك جدا في طريقك، بالله عليك كيف تكوني بمثل هذا الغباء؟)
ابتسمت تيماء باستهزاء، ثم قالت ببرود
(رجاءا اترك لي أمر تقرير ما سيؤخرني و ما سيقدمني، لقد اعتدت التصرف في شؤون حياتي بنفسي طوال سنوات عمري)
قال سالم بعنف.

(أنا سأدفع مالا، أريد ان أرى نتيجة لقاء هذا الثمن، أريد أن أراك و قد نلت رسالتك في أسرع وقت ممكن و هذا الحمل سيؤخرك)
أظلمت عيناها و هي ترد عليه بنبرة لا تقبل الجدل
(هذا هو ما لدي، إما أن تقبل أو ترفض، فما هو رأيك؟)
ارتفع حاجبي سالم وهو ينظر اليها بذهول قبل أن يهتف باستنكار
(أنت تضعين شروطك و كأنني أنا المستفيد من نجاحك؟، ما تلك الوقاحة و التبحج الذي تملكينه؟)
ابتسمت تيماء ابتسامة قاتلة و هي تقول بهدوء.

(دعنا نكن واضحين أولا، أنت لا تفعل هذا لأنك مهتم بمستقبلي، أنا لست غبية لأظن ذلك، أنت لا تفعل هذا الا لتقهر قاصي و تنتصر عليه ليس الا، و أنا أحقق لك ما تريد، لذا فأنا من سيطلب الثمن، ثمن الغربة، و بدل طلاق كذلك)
ارتفع حاجبيه أكثر، قبل ان يضحك رغما عنه ضاربا كفا على كف وهو يقول
(آخر الزمن صحيح)
لم تهتم تيماء بسخريته بل قالت بقسوة
(و هناك شرطا آخر بعد).

ضحك سالم عاليا وهو غير قادر على منع نفسه، بينما تابعت تيماء ببرود
(ان كنت قد انتهيت من الضحك، فشرطي الثاني هو أن تنفق على أمي في غيابي، و لا ينقصها شيء)
فغر سالم شفتيه، ذاهلا أكثر، ثم سألها محاولا التأكد مما سمع للتو...
(لحظة واحدة، هل حقا قلت ما سمعته للتو؟، هل تريدين مني الإنفاق على والدتك بعد أن تزوجت؟، ربما تريدين مني الإنفاق على زوجها أيضا!)
قالت تيماء بنبرة جامدة، خالية المشاعر.

(زواجها من مراهق يصغرها بالكثير سينتهي آجلا أم عاجلا، فهو زواج لم يعقد ليستمر، بل كان زواجا تحاول فيه ان تتمتع ببعض أنوثتها الزائلة، التي ضاعت خلال سنوات احتكارك لها رغم الطلاق، كشرط كي تنفق عليها، لقد ضاع شبابها، لذا أنا لا ألومها لو تمسكت بالقليل من المتعة)
مط سالم شفتيه بقرف وهو يقول
(متى اكتسبت كل هذا القدر من القذارة؟)
ابتسمت تيماء و ردت بهدوء
(في غيابك).

واجها بعضهما بصمت، قبل أن يقول سالم أخيرا بجمود
(أنت تتمادين كثيرا يا بنت ثريا، و انا لست مجبرا على القبول)
هزت كتفها و هي تقول ببساطة
(حقك طبعا، لذا فكر و أخبرني برأيك)
أطرق سالم ينظر الى الأرض بملامحه القاتمة و عينيه الحاقدتين، بينما تابعت تيماء بصوت أكثر بأسا
(شيء أخير، لو وافقت، فأنا لا أريد أذية قاصي)
ارتفع وجه سالم وهو يهتف قائلا باستياء
(هل بدأنا في الحنين؟)
قالت تيماء بصلابة و جمود.

(لا حنين أو أي شيء آخر، كل ما في الأمر أنني أحمل طفله، و أي شيء يمسه، فهو يمس طفلي في المقابل، أخبرتك أنني لست مثل غيري من الآباء، أنا أنوي أن أنشئه كما ينبغي أن ينشأ الطفل السوي)
نظر اليها سالم لعدة لحظات، و كان صمتا ثقيلا، أرخى ستاره علىى كلاهما ثم قال أخيرا بجمود.

(حسنا يا تيماء، سأمنحك هذه الفرصة، بكل شروطك، لكن ليكن في معلومك، أنها المرة الأخيرة قبل أن تفسدي الأمور مجددا، حينها أقسم أن أساعدك بنفسي على افساد حياتك)
ابتسمت تيماء ببرود دون أن ترد...
بينما رفعت مسك وجهها الأنيق و هي تقول بهدوء
(أكره أن أقاطع هذا الجو الرائع من الصفقات الدنيئة، لكن أنا تأخرت على عملي بالفعل، لذا سأخرج وأترككما)
قال سالم بصوت صلب
(سآتي معك يا مسك، فأنا في حاجة للذهاب الى الشركة).

قالت مسك بقلق
(لكنك وصلت من السفر للتو، اليس في هذا ارهاق عليك؟)
وضع سالم يده على ظهرها وهو ينحني ليقبل جبهتها قائلا بصوت مجهد
(أنا بخير، تعالي معي و سأقلك)
أومأت مسك بصمت، بينما كانت تيماء تنظر اليهما بعينين ميتتين، وهما يتجهان الى الباب، لكن و قبل خروجهما استدار سالم ينظر الى تيماء نظرة طويلة قبل أن يقول بصوت آمر
(سنتركك حتى تفكرين في قرارك للمرة الأخيرة، و حين أعود أرجو أن يكون قرارك كما هو).

لم تتنازل تيماء و ترد، بل ظلت واقفة مكانها مكتفة ذراعيها و هي تنظر اليهما بصمت، فلوحت مسك لها مبتسمة ابتسامة قصيرة...
ذكرتها بأول لقاء بينهما، حين اقلها قاصي معه، حينها ابتعدت مسك، الا أنها استدارت ولوحت لها مبتسمة...
لكن شتان بين الإبتسامتين، فابتسامة مسك كانت باردة، باهتة، و كأنها رافضة لما أقدمت عليه تيماء للتو...

فعلى الرغم من أنها هي من كان يحثها على التمرد و ترك قاصي و التفرغ لعملها و مركزها، الا أن النتيجة الآن لم تعجبها...
و بالفعل حين أقلت المسك الباب بعد أن خرجت مع والدها، استقلت معه المصعد، لتشرد بعينيها و هي تفكر بداخلها
قلبي معك يا حبيبي، قلبي معك يا قاصي، رغم كل ما فعلته، الا أن الضربة التي ستتلقاها أوجعتني قبلك، أنت لا تستحق تلك الضربة، كما أنك لا تستحق تيماء، فأي فوضى تلك!

وقفت تيماء في منتصف البهو...
تنظر الى الباب المغلق بعد خروجهما، و مضت الدقائق...
دقائق طويلة تكفي ان يستقلا سيارتهما و يبتعدا، بينما هي لا تزال واقفة مكانها مكتفة ذراعيها، و ملامحها جامدة...
و ما أن تأكدت من رحيلهما حتى أخفضت ذراعيها، ثم رفعت وجهها و دون مقدمات صرخت صرخة عالية جدا، كصرخة حيوان يحتضر...
صرخة استمرت و استمرت دون انقطاع، حتى باتت صراخا مدوي لا ينتهي...

رأسها مرتفعة و عروق عنقها بارزة و هي تصرخ و تصرخ و تصرخ...
بينما يدها تغطي بطنها و كأنها تترجى جنينها أن يتحمل صعوبة هذه اللحظة معها...
كان صراخها جافا، دون دموع، فكان موجعا أكثر، شق أحبالها الصوتية و جرح حلقها، لكنها لم تأبه، بل استمرت في الصراخ...

كان رنين جرس الباب مستمر لا ينقطع بإلحاح، رافقه طرق قوي...
و مضت عدة لحظات قبل أن تفتح تيماء الباب مبتسمة بهدوء بعد أن نظرت من ثقبه لترى وفاء جارة مسك تقف و يديها على الباب و الجرس، ملامحها مرتعبة، و هي تتفحص تيماء من أعلى راسها و حتى أخمص قدميها...
و لم تستطع النطق لعدة لحظات، فبادرتها تيماء قائلة بنبرة شبابية ودودة
(مرحبا، كيف حالك؟).

لم ترد وفاء على الفور بل ظلت تنظر الى تيماء و تتفحصها بخوف، الى أن قالت بصوت مرتجف
(هل أنت بخير حبيبتي؟)
ردت تيماء بابتسامتها الذهبية المشرقة
(بالطبع، لما تسألين بهذا القلق؟)
اشارت وفاء باصبع مرتجف اشارة واهية و هي تلتقط أنفاسها قائلة بتلعثم
(سمعت صراخا عاليا آتيا من شقة مسك فأتيت جريا، لك أن تتخيلي حالة ارتجاف أطرافي)
اتسعت ابتسامة تيماء و هي تبعد شعرها الكث خلف أذنها، ثم قالت ببساطة.

(آه حبيبتي أنا آسفة جدا، كان هذا مجرد تدريب صوتي آمارسه بين الحين و الآخر، فانسى نفسي و يعلو صوتي، أنا آسفة جدا جدا)
ابتسمت وفاء ابتسامة مرتجفة، و هي تتفحص تيماء مجددا، ثم قالت بتوتر
(لا عليك، لقد خفت عليك ليس أكثر)
أمالت تيماء رأسها مبتسمة بتعاطف و هي تقول
(كم هذا لطيف منك، انا في غاية الحرج حقا)
قالت وفاء و قد بدأت ترتاح قليلا،
(سأعود اذن الى شقتي)
الا أن تيماء أوقفتها قائلة ببشاشة.

(انتظري، كيف حال السيد أمجد؟)
عند هذه النقطة، تهللت أسارير وفاء و نسيت خوفها تماما و هي تعود الى باب الشقة قائلة بنبرة ما بين التعاطف و التوسل
(أمجد يكاد يسترق كلمة الرضا من أختك، فاتحيها في أمره مجددا يا تيماء بالله عليك، والله لن تجد من هو افضل منه)
ابتسمت تيماء دون أن ترد، بينما تابعت وفاء متنهدة بصمت.

(حلم أمه في الحياة أن تحمل طفله، و هو لم اراه يميل الى امرأة كما فعل مع أختك مطلقا، كلنا نتمنى له السعادة)
صمتت للحظة قبل أن تنظر الى تيماء مبتسمة بسعادة و أمل
(و سعادته مع مسك، لذا همتك معنا كي نقنعها)
أومأت تيماء بوجهها المبتسم، و أيضا دون رد...

(اعترفت بنفسها؟، فعلا؟)
هتفت ريماس بهذا و هي تنظر الى قاصي بعدم تصديق، بينما كان هو مرتميا على الأريكة، رأسه متراجعا للخلف، ينظر الى السقف بصمت،
شعره طويل و لحيته واضحة داكنة، بدا في شكله و نظرة عينيه البعيدة كالقراصنة...
اقتربت منه ريماس بسرعة الى أن جلست بجواره على حافة الأريكة و قالت محاولة الإستيعاب
(قالت بلسانها أنها تساند راجح؟).

ظل قاصي صامتا وهو ينظر الى السقف بصمت و بملامحه الغريبة، ثم قال اخيرا بصوت أجوف
(هذا ما قالته)
اتسعت عينا ريماس و هي تنظر أمامها هامسة بعجب و تشفي
و كانت تمثل دور الواعظة! ياللها من جنية خبيثة،
التفتت الى قاصي بسرعة، الا أنه بدا و كأنه لم يسمعها، فمدت يدها و هي تمسد معصمه قائلة بنعومة
(لا تحزن بهذا الشكل، الحمد لله أنك اكتشفتها على حقيقتها)
لم يرد قاصي لبضعة لحظات، بينما تجرأت ريماس على مراقبته بصمت...

تحب وجهه جدا، تحب فيه شيئا خاصا يختلف عن راجح...
علي الرغم من ضعفها الأبدي أمام جاذبية راجح و روحه الفاسدة، الا أن روحها تشتاق الى هذا الشيء الخاص في قاصي، و الذي لم تستطع تمييزه حتى الآن...
مدت أصابعها ببطء تلامس بظاهرها ذقنه الغير حليقة، و التي كانت ناعمة كشعره...
مستمتعة بتلك الجذور القوية التي تمرر أصابعها عليها، و هي تتحسس فكه القوي، ثم همست بخفوت
(لا تتألم بهذا الشكل، لا شيء يستحق).

ظل قاصي مكانه صامتا، لا يتحرك، تاركا لأصابعها حرية ما تفعل، فابتسمت قليلا بحزن شارد...
ثم همست بنعومتها ذات الخرير المغوي و الذي لم تفقده بعد
(لو أعلم ماذا تمتلك تلك الفتاة لتأسرك اليها بتلك الصورة الميؤوس منها؟)
لم يرد قاصي، بل و لم يرمش بعينيه، فتنهدت بكبت، ثم قالت بيأس حاد
(سبق و اخبرتك أنكما لا تليقان ببعضكما، و علاقتكما لن تنجح، فماذا ربحت من المحاولة سوى ألم الإدراك، أنتما غير متناسبين، ).

صمتت للحظة و هي ترى صمت ملامحه النحيلة بعد أن فقد بعض الوزن مؤخرا، ثم لم تلبث أن قالت بخفوت
(قاصي أفق أرجوك، أنا في حاجة اليك كي نواجه راجح، صدقني أنت لا تعرفه كما أعرفه أنا، إنه قادر على سرقة الكحل من العين)
ساد الصمت لبضعة لحظات قبل أن يتكلم قاصي بصوت خافت متباعد، عميق كالمحيط في آخر ساعات الليل...
(أريد البقاء وحدي).

اشتدت شفتي ريماس بصلابة، و غضب، قبل أن تنتفض لتنهض و تبتعد، بينما بقى قاصي على حاله ناظرا للسقف...
بداخله دوامة لا تهدأ، دوامة عنيفة تزيد ذهنه جنونا...
كان عليه استنتاج ما حدث، كان عليه ادراك هذا، فمنذ فترة أتاه اتصال ليث محذرا...
لا يزال يتذكر كلماته المقتضبة حتى الآن
اتصلت بك كي أنبهك ان تحذر من راجح، راجح الآن كالوحش المطعون، يبحث عن فريسة كي تسد جوعه و تشفي اصابته،.

كان قاصي يعلم جيدا أي نوع من أنواع المخلوقات هو راجح، لكن مكالمة ليث أثارت شكوكه أكثر، فسأله بصوت قاتم
ماذا حدث في البلد أثناء غيابي يا ليث؟، من طعن راجح ليجعله أكثر وحشية و دناءة مما هو عليه؟،
رد عليه ليث قائلا بصوت متصلب خشن...
لا أستطيع الإفصاح عن الكثير يا قاصي، لكن احذر راجح، و احذر ممن قد يتعاون معه،
حينها سأله قاصي بشك.

هل فعل لك شيئا يا ليث؟، أخبرني، فأنا على اتم استعداد لأن أنتقم منه لك قبل أن يكون لي،
رد عليه ليث يومها بصوت عنيف مكتوم، لم يسمعه منه من قبل
ليس الآن يا قاصي، حسابه يثقل، فدعه يزد مما ينوي فعله، كي يكون الحساب عسيرا،
قال قاصي يومها بصوت حزين شارد
رحم الله سليم، لم يصدق أن الإنتقام واجب مع بعض البشر، و اخذ الحق غصبا، كرامة بخلافنا أنا و أنت،
ساد الصمت بينهما فقال قاصي بتعجب
ليث، هل تسمعني؟،.

أجابه ليث بخفوت أجش
نعم سمعتك،
قال قاصي بصوت خافت مشتد
بالمناسبة، علمت أن فواز هنا في المدينة، الا انني لم اصل الى مكانه بعد،
ساد صمت غريب بينهما، الى أن قال ليث بصوت خشن
ما أن تعرف مكانه بلغ عنه الشرطة،
قال قاصي بشك
ظننتك تريد أخذ القصاص منه بنفسك،
رد ليث بصوت متباعد...
لن أضحي بسوار يا قاصي، لن أفعل، و لم يكن سليم ليقبل بهذا.

عقد قاصي حاجبيه وهو يبعد الهاتف عن أذنه ينظر اليه، يتاكد من أن المتحدث هو ليث الهلالي فعلا...
كانت تلك هي آخر مكالمة هاتفية بينهما...
لقد اختار ليث الهلالي سوار، و ترك الإنتقام جانبا...
بينما لم يأبه هو بتحذير ليث، كان عليه توقع هذا...
رفع قاصي كفه ببطىء حتى فردها أمام وجهه ينظر اليها دون تعبير، ضخمة، ضخمة جدا و قادرة على كسر قالب حجري، لا وجنة في رقة الورد...

اطبق قبضته ببطىء و شدة حتى ابيضت مفاصل أصابعه، بينما انعقد حاجباه، بألم...

خرجت تيماء من مبنى الكلية الرئيسي و هي تجر قدميها بتعب...
فمنذ أن وصلت الى مدينتها، حتى تابعت حياتها بروتين مجهد، و طفلها لا يساعد، بل يزيد من ارهاقها، بالغثيان و الدوار الذي يسببه لها...
الا أنها كانت مبتسمة و هي تقول مداعبة
(جيناتك الوراثية شبية باجدادك، متعب لغيرك من يومك، هلا ترفقت بأمك قليلا)
اتسعت ابتسامتها حتى بانت غمازتي وجنتيها، تحت النظارة التي باتت تضعها مؤخرا...

كانت تبدو من بعيد شهية المنظر، لا تختلف عن الطلاب نفسهم، فهي لا تكبرهم بالكثير، خاصة مع الكتب التي تحملها على ذراعها...
رفعت وجهها المحمر كي تتلقى المزيد من النسيم على بشرتها علها تستفيق قليلا من الغثيان الذي أصابها في نهاية المحاضرة...
لكنها توقفت مكانها و هي تراه واقفا من بعيد...

كان ينظر اليها مباشرة بابتسامة عابثة، وهو يستند الى سيارته، واضعا نظارته الداكنة على عينيه، لكنه كان ينظر اليها، فمرت بضعة لحظات قبل أن تأخذ نفسا حازما و هي تعاود السير...
تقدمت تيماء ببطىء و هي تقر بأنه شديد الجاذبية، لا يمكنها انكار ذلك...
وصلت اليه أخيرا، و دون تردد قالت بهدوء
(لا تخبرني أن وجودك هنا صدفة! فأنا لا أصدق الصدف شديدة الغرابة)
ابتسم أكثر وهو يقول بنبرته العابثة التي تتذكرها.

(لست جميلة فقط، بل و ذكية أيضا)
رفعت تيماء يدها تظلل بها عينيها من أشعة الشمس ثم قالت
(ماذا تريد يا راجح؟)
أبعد النظارة الداكنة عن عينيه فرأت بهما لمعانا خاطفا وهو يقول بمرح
(أتتذكرين اسمي؟)
مطت تيماء شفتيها و هي تقول بهدوء و دون أن تجفل
(أنت أخ زوجي)
زالت الإبتسامة عن وجهه، استطاعت تيماء رؤية الشر الذي ظهر في نظرته للحظات، لكنه سرعان ما سيطر عليه و ابتسم قائلا بنعومة.

(و أنا أتشرف بأن لي زوجة أخ، في مثل جمالك)
ظلت تيماء تنظر اليه، ثم قالت ببساطة
(أترك عنك المقدمات و أخبرني بما أتيت لقوله)
وضع راجح كفيه في جيبي بنطاله وهو يقول بمكر متلاعب
(أتصدقين لو أخبرتك أنني أتيت للتعرف اليك دون أهداف؟)
ردت تيماء بمنتهى الهدوء و الرقة...
(لا، لا اصدقك، هات التالي)
برقت عيناه قليلا ثم قال بصوته الأجش ذو النبرة البطيئة الخاصة
(لا تنسي أنك ابنة عمي، أي أقرب لي من أخ غير شرعي).

ارتفع حاجبيها و هي تنظر اليه بدهشة قبل أن تقول
(قديم جدا هذا المدخل، هناك مقدمات أكثر تطورا، تعلمتها من طول فترة تعاملي مع الطلاب)
ضحك راجح بصوت عال حتى جذب اليه عددا من الأنظار، الا هي فقد ظلت هادئة ثابتة، منتظرة أن يذكر سبب زيارته، و ما أن انتهى من الضحك حتى أخفض وجهه اليها يتأملها مليا، ثم قال أخيرا بتكاسل.

(أنت مزيج غريب من كل شيء، قصيرة جدا بالنسبة لعائلتنا، و ذات عينين غربتي اللون، بعيدة عنا، طاقة من الإنفعال، محتجزة داخل أستاذة هادئة، صارمة، تنتظر الإشارة كي تترك لنفسها حرية الجنون)
مطت تيماء شفتيها، ثم قالت بفتور
(و بعد يا راجح، رجاءا انجز ما جئت لقوله فقد كان يومي مرهقا)
تأوه راجح مصدرا صوتا رافضا وهو يقول بتلاعب.

(أنت لست ودودة أبدا، بينما من المفترض بك أن تكوني ممتنة لي، حيث أنني سأريحك من ابني، و حينها سيبقى، زوجك لك وحدك، دون شركاء)
لم تتغير ملامح تيماء و هي تنظر اليه بملل، ثم قالت أخيرا بعد فترة انتظار
(هل هذه الرسالة التي أتيت إلى خصيصا كي تسمعني اياها؟، لقد قطعت الطريق هباءا فهو خبر قديم، و إن كنت تريد التشفي فعليك الذهاب الى قاصي مباشرة)
صمتت للحظة، قبل أن تتابع بخبث
(أم أنك تخصص مواجهة نساء فقط؟).

زال بريق العبث عن عيني راجح وهو ينظر اليها بشر، قبل أن يقول بنبرته الخفيضة
(وقحة)
مطت تيماء شفتيها و قالت بملل أكبر
(سمعتها قريبا جدا من والدي والله، قديم أنت جدا بصراحة)
ظل يراقبها بغضب و استياء واضح، قبل أن تفلت من بين شفتيه ضحكة لم يستطع منعها وهو يقول بدهشة
(أنت حكاية)
زفرت تيماء و ي تقول
(من الواضح أنك أتيت لتتسلى ليس الا، لذا تشرفت بقائك سيد راجح، وداعا)
حاولت أن تتجاوزه، الا أنه مس مرفقها وهو يقول.

(انتظري)
انتفضت تيماء و هي تبعد ذراعها عنه بقسوة لتقول من بين أسنانها،
(لو مددت يدك مجددا، لقطعتها لك)
ضاقت عينا راجح وهو يطلق صفيرا خافت طويل، ثم همس وهو يعض على شفته
(شرس)
قالت تيماء بصرامة
(انا ذاهبة)
الا أنه قاطعها مجددا وهو يعترض طريقها، رافعا كفيه باستسلام
(انتظري للحظة، لن أفعل ما يغضبك، أريد فقط سؤالك عن شيء)
وقفت تيماء أمامه و هي تزفر مكتفة ذراعيها حول كتبها و حقيبتها، ثم قالت ببرود.

(هات ما تريد، انجز)
رمقها راجح بنظرة متفحصة، ثم قال أخيرا بهدوء
(ما رأيك في رغبتي بضم عمرو الي؟)
هزت تيماء رأسها يأسا، قبل ان تقول بصلابة
(هل تظنني حمقاء؟، لأصدق أنك أتيت الى هنا فقط لتعرف رأيي فيما تنوي فعله؟)
لم يفقد راجح ابتسامته، الا أنه قال بهدوء
(اجيبي سؤالي، فلدي مغزى)
ظلت تيماء تنظر اليه بدقة طويلا، . قبل أن تقول رافعة وجهها أكثر.

(حسنا أنا لا أصدقك، و أعرف أنك لا تأتي الا لتجلب الخراب معك، لكنني سأنتهز الفرصة و أجيب سؤالك)
صمتت للحظة قبل أن تتابع بهدوء.

(اترك عمرو لقاصي يا راجح، اكرهه كما تشاء، لكن لا تأخذ عمرو منه، هو من رباه و يعلم عنه ما لا تعرفه أنت، أعلم أنك لا تشعر باي تعاطف من كلامي هذا، لكنني لا أقوله دفاعا عن قاصي، بل أدافع عن عمرو، ستتسبب له في صدمة كبيرة، فهو لم يعرف سوى أب واحد، و أنت لا تريد أخذه الاآن الا لتؤلم قاصي، دون أن تهتم لمشاعر ابنك أو ما يريد، أنت ستسلبه والده، و لا تتفضل بإخباري بأنك ستعوضه، فأنت لو أخذته سرعان ما ستفقد لذة الإنتقام. و تدرك أن لديك طفلا بكل مسؤوليته، حينها ستهمله، و تؤلمه، إنه أبنك في النهاية، اشعر نحوه ببعض الشفقة و أتركه للوزالد الذي يعرفه).

كان راجح يستمع اليها بصمت وهو ينظر اليها بنظرته المتفحصة الوقحة، قبل أن تتابع تيماء بهدوء
(لقد قلت ما عندي، و أتعشم أن تتحلى ببعض الضمير، الآن عن اذنك)
حاولت الابتعاد، الا أن راجح قال بهدوء ساخر وهو يراقبها
(و أنا الذي كنت أتعشم أن تساعديني، لأفاجأ بك تلقين على مسامعي محاضرة طويلة، كتلك التي تقدمينها الى طلابك)
توقفت تيماء مكانها و هي تقول رافعة حاجبيها
(أساعدك؟، كيف؟)
قال راجح ببساطة.

(تشهدين في صالحي، حين ارفع قضية ضم عمرو)
قالت تيماء بصوت جامد بطيء
(اذن فأنت سترفعها على كل حال! خسارة الكلام معك، عن اذنك)
الا أن راجح قال من خلفها
(انتظري لحظة، ألن تسمعي الخطة أولا؟)
استدارت تيماء تنظر اليه، قبل أن تقول بدهشة
(خطة؟، هل أنت أحمق تماما، كي تأتيني أنا، كي أساعدك على طعن قاصي في ظهره؟)
رد راجح ساخرا وهو يتأملها دون كوابح أخلاقية
(فهمت من عمي سالم أنك ستحصلين على الطلاق قريبا).

رفعت تيماء وجهها و هي تقول ساخرة بصوت مدرك
(عمك سالم، الآن فهمت، عامة، لا أهتم بخطة عمك سالم، فأنا وهو لدينا خطة خاصة أما عن موضوع عمرو. فلقد بلغت رأيي بوضوح كي أخلي ضميري)
بينما كانت تتكلم مع راجح...
كانت هناك عينان تراقبانهما من بعيد، عينان بلون الجمر، و كفين يطبقان على مقود سيارة...
رجل أشبه بالقراصنة، طويل الذقن و الشعر...
بينما يهمس بخفوت من بين أسنانه
خائنة، خائنة،.

نظر اليه الشاب الذي يجلس بجواره، فضحك بعصبية وهو يقول متوترا
(اهتدي بالله يا رجل، من هي تلك الخائنة؟، هيا بنا لننهي أمر بيع السيارة، و دع عنك من تراقبها تلك)
نظر اليه قاصي بصمت، قبل أن يعاود النظر اليهما وهو يتنفس بسرعة و خطورة...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة