قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل التاسع والخمسون

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل التاسع والخمسون

رواية طائف في رحلة أبدية ج2 للكاتبة تميمة نبيل الفصل التاسع والخمسون

في اليوم التالي جلست على كرسيه، خلف مكتبه الخاص كما فعلت خلال الخمسة ايام الماضية...
في الحقيقة كان قدومها الى هنا، حياة أخرى لها...
لقد بدأت تتذكر سوار القديمة، تلك التي سافرت كثيرا و درست و اجتهدت، و كان لها أحلام و طموحات لا أول لها من آخر...
كل ورقة تخصه بدأت في قرائتها كانت تجد نفسها بها...
تجد بها فتاة تتلمذت على حماس و جموح معلمها الأول...

مدت أصابعها تلامس أوراقه في دفتر خاص و قد شردت عيناها في ابتسامة قصيرة حالمة...
هذا الدفتر تحديدا كان في جارور مغلق و مفتاحه معها، يحتوي على مخطوطاته، بخطه الشخصي
ما بين ملاحظات شخصية، و دراسات ينوي البدء بها لمشاريع معينة...
خطه كان عشوائي، و كأنه يخط ما يفكر به بعفوية...
الا انه خط عربي جميل، يكاد أن يكون فنيا...
لكن الأجمل، هو أنه كان يخط في كل ورقة منها عبارة لم تخطئها عيناها ابدا...

المليحة، شاب في عشقها الفؤاد، كانت العبارة فنية لكنها معقدة التشابك، يصعب فهمها، الا لمن يعرفها، يحفظها عن ظهر قلب...
رفعت وجهها و ابتسمت ابتسامة اكثر حالمية...
كان يخطها و كأنه يشرد بين الحين و الآخر بها...
بالنسبة لها كانت دائما تشرد أثناء الدراسة فتخط خطوطا و دوائر دون أن تدري...
أما ليث، فهو يشرد بها وحدها على ما يبدو...

رفعت سوار كفها الى فمها و هي تنظر للبعيد بعينين عسليتين براقتين كشمسين مضويتين...
العشق في الإعتراف به، له طعم آخر، استسلام لذيذ دون مقاومة أو عناد
نعم هي تعشقه بكل جوارحها...
أظلمت عيناها قليلا و ارتجفت شفتاها حين أطل وجه ميسرة القبيح الى تلك الهالة التي استيقظت عليها...
ميسرة، تلك الأفعى التي استولت على سنوات طويلة من شباب ليث، كانت هي الأولى بها...

نعم، كان من المفترض أن تكون زوجته، أم أطفاله، قبل أن يحدث هذا كله و تصبح مكبلة بذنب نسيان سليم رحمه الله...
رفعت سوار يدها الى جبهتها و هي تهمس متراجعة
استغفر الله، مجرد ذكراها توقعني في الخطأ، أخذت تقلب المزيد من صفحات دفتره العشوائي، الى أن وجدت بعض أرقام الهاتف، مسجلة بالقلم و كأنه كتبها كي يحفظها على الهاتف فيما بعد...
كانت بعضها دون اسم، و البعض الآخر مدون فوقه أسماء مختلفة...

لكن ما جذب انتباهها، هو اسم محدد...
اسم قاصي...
اسمه كان مسجلا أكثر من مرة...
قاصي، قاصي حديث، قاصي آخر رقم...
ضاقت عينا سوار قليلا و هي تتبع تلك الأرقام، هي تعلم أن ليث كان يعد قاصي صديقا له...
لكنها كانت تظنه نوعا من التعاطف معه، لم تتخيل ان يكون صديقا فعلا...
رفعت سوار رأسها و هي تتذكر أن ليث رد على مكالمة ذات يوم وهو معها في البيت...

و ما أن استمع الى المتصل قليلا، حتى اكفهرت ملامحه، ثم رمقها بنظرة مختلسة قبل أن ينهض وهو يتكلم بطريقة حيادية...
حينها انتابها الفضول لتعرف من هو هذا الشخص الذي لا يريدها أن تعرف هويته...
و لأول مرة نهضت خلفه و استرقت السمع عن بعد، فسمعت اسم قاصي واضحا...
ثم راقبته وهو يستمع متجهما، الى أن قال بصوت جاف.

كنت أعرف أنه لن يتمكن من الإختباء لفترة أطول، إنه أغبى من أن يستطيع النجاح في هذا، عقد سوار حاجبيها يومها و هي تحاول فك شفرة كلامه، الى أن قال متابعا
المشكلة أنه معنا الآن في نفس المدينة، ألم أقل لك أنه غبي! ماذا أفعل لو عثرت هي عليه، هل عرفت له عنوانا محدد؟، استفاقت سوار من شرودها و هي ترفع وجهها عن الدفتر لتهمس بصدمة
(كيف كنت بمثل هذا الغباء؟، هل اخترت التعامي عن قصد؟).

فغرت شفتاها بذهول و هي تحاول استرجاع ما تتذكره من كلمات ليث، و في كل مرة يتأكد ظنها أكثر...
الكلمات واضحة لا تقبل الشك...
لكنها لم تشأ أن تصدقها، تصدق أن ليث قد يتعمد اسقاط معاقبة من قتل سليم، أعز أصدقائه...
نهضت سوار من مكانها منتفضة و كأنها لم تعد قادرة على البقاء في مكانه أكثر من هذا...
كانت لا تزال ذاهلة، ملامحها مصدومة و عنيفة...
لا تدري الى أين تذهب...
دارت فجأة حول نفسها و هي تهمس لاهثة.

(حسنا، لا داعي للتسرع في الحكم، ربما كانت مجرد أوهام)
صمتت قليلا و هي تحاول التنفس بصورة طبيعية، ثم أومأت قائلة بهدوء زائف
(نعم، أنا حتى لم أسمعه ينطق بإسم محدد، لماذا أتصرف بجنون؟)
رفعت كلتا يداها الى جبهتها و هي تنظر الى المكتب بصمت مفكرة، بينما دقات قلبها تتسارع بعنف...

ثم دون المزيد من التفكير، رفعت وجهها و اتجهت بتصميم الى حقيبتها الموضوعة على سطح المكتب فأخرجت منها هاتفها، لتنظر الى آخر رقم مسجل لقاصي، عله يكون هو بالفعل...
حتى إن لم يكن هو رقمه، ستعرف الرقم من مسك أو أي أحد آخر...
طلبت سوار الرقم، ثم رفعت وجهها منتظرة و هي تدق الأرض بكعب حذائها بإيقاع سريع متوتر...
الى أن سمعت صوته...
كان رده خافتا، مجهدا، غير مباليا بأي شيء في الحياة...

لكنها استطاعت رغم ذلك التعرف اليه بوضوح...
انحنت عيناها قليلا في تعاطف، فهي تعرف جيدا ما مر به مؤخرا، لكنها لم تظن أن يتحول صوته الى هذه النبرة الضائعة كطفل مختنق، لقد ذهبت لتواسي تيماء لدى عمها سالم، لكنها لم ترى قاصي أبدا
قالت أخيرا بهدوء
(مرحبا قاصي)
ساد صمت قصير قبل أن يقول بنفس النبرة اللامبالية الخافتة
(من معي؟)
ترددت قليلا، لكنها قالت في النهاية بعزم
(أنا سوار، سوار الرافعي).

صمت للحظة قبل أن يقول بصوت متردد و قد تبلدلت لا مبالاته قليلا
(سيدة سوار! أهلا بك)
ابتسمت سوار رغما عنها، لطالما كانت متعاطفة مع هذا الرجل و تعامله بكل احترام مدركة طبيعة الحياة القاسية التي يعيشها، و لذا كان هو دائما مهذبا أمامها.
تتذكر في يوم من الأيام، كان يضرب رجلا من البلدة أهانه، فمرت به مصعوقة و هي تهتف...

كفى يا قاصي لا تفعل، لأجلي أنا لا تفعل، حينها فقط نهض ممزق الملابس وهو ينقل عينيه بينها و بين الرجل المدمي الوجه الملقى أرضا...
ثم قال بعد فترة طويلا
لأجلك أنت فقط سيدة سوار، قالت سوار و هي ترمي التعاطف خلف ظهرها قليلا مستعيدة عزمها
(آسفة أنني أكلمك في وقت صعب و أنا أعلم الظروف التي تمر بها، لكن)
رد قاصي عليها حين صمتت...
(تفضلي سيدة سوار، أي خدمة تأمرين بها).

لا يزال حتى الآن يخاطبها بصيغة الخادم أو العامل لديها في تهذيب، على الرغم من كل ما فعله في الكثير من أفراد عائلة الرافعي، قاصي الحكيم شخص يصعب فهمه، شخص استثنائي، لن تحاكمه، و لن تعامله بسوء مهما كانت نتيجة هذا الإتصال...
لذا قالت بخفوت
(أعرف أن الوقت غير مناسب، لكنني اتصلت بك كي أخبرك بأنني عرفت)
صمتت عن قصد، فقال قاصي بعدم فهم
(ماذا عرفت؟)
رفعت سوار وجهها و قالت دون تردد...

(عرفت أن فواز الهلالي هنا في المدينة، و الأهم هو أنني عرفت عنوانه الذي كنتما تحاولان اخفائه عني)
ساد صمت طويل قبل أن يقول قاصي بصوت قوي صارم
(سيدة سوار، أين أنت الآن؟، أخبريني من فضلك؟)
ردت سوار بثقة و هدوء
(أنا في طريقي اليه)
هتف قاصي بصرامة أكبر...
(انتظري، أرجوك انتظري و لا تتهوري، أين ليث؟)
ابتسمت سوار و قالت بقسوة.

(ليث في البلدة و لن يعود قريبا، لدي كل الوقت، و احذر ماذا، لدي سلاحا أعرف تماما كيف استخدمه بمهارة عالية، فقد تعلمت على يد استاذ بارع)
هتف قاصي مجددا
(سيدة سوار، أرجوك تعقلي)
قالت سوار كي تتأكد بما لا يقبل الشك كي لا تندم
(سؤال واحد فقط، لماذا كان ليث يتعمد اخفاؤه؟، ظننتكما صديقي سليم رحمه الله)
هدر قاصي بقوة
(ليحميك، يحاول حمايتك من أي تصرف متهور قد تقدمين عليه، أرجوك أخبريني بمكانك و سآتي اليك).

أغمضت سوار عينيها بأسى، ها هي قد حصلت على اعتراف قاصي...
لقد تعمد ليث اخفائه فعلا، لم تظن يوما أنه سيفعل هذا...
كانت تظن أنه على الأكثر لن يبحث عنه، لكن أن يخفيه أيضا!
ظلت سوار مخفضة رأسها، مغمضة العينين و هي تحاول جاهدة التعامل مع ألم صدمتها بليث...
إنه حتى لم يحاول ابلاغ الشرطة عنه!
لهذه الدرجة كان دم سليم رخيصا عنده؟
تكلم قاصي مجددا بصوت أهدأ لكن أكثر رجاءا و قوة في آن واحد...

(سيدة سوار، لماذا أنت صامتة؟، فقط أخبريني أين أنت و سآت اليك)
تكلمت سوار أخيرا و قالت ببطىء
(أنا في مكتب ليث، لست ذاهبة لأي مكان، و لم أعرف له عنوانا، كنت أريد فقط التأكد من شيء و تأكدت بالفعل، ربما كان لدى ليث سبب، ليس مبررا في وجهة نظري الا أنه يظل سببا، لكن أنت يا قاصي، لماذا تفعل هذا؟، عامة شكرا لك، شكرا جدا يا قاصي).

سمعته يزفر بقوة، كانت زفرة تحمل ما بين الراحة و الغضب في آن واحد، ثم لم يلبث أن قال بصوت فاتر
(هل يتسع وقتك للكلام معي قليلا؟)
ردت عليه سوار بصوت جامد
(ماذا تريد بعد؟)
رد عليها قاصي يقول بصوت ميت، (فقط بضعة دقائق، لن أعطلك كثيرا، ارجوك)
ظلت سوار صامتة قليلا، ثم قالت أخيرا و هي تهبط لتجلس على كرسي ليث ببطىء
(تكلم، أسمعك)
صمت قاصي قليلا، و بدا صوت تحشرج حلقه واضحا في الهاتف، ثم قال أخيرا بصوت ميت.

(كان لدي أرض)
انعقد حاجبي سوار قليلا و هي تحاول استيعاب ما يعنيه، فتابع بصوت أكثر خفوتا
(كان لدي وطن، كان لدي كل ما أحتاج اليه، الا انني لم استطع سوى المضي في رحلة مظلمة، رحلة لم تكن بيدي، بل أجبرت عليها، و لا أظنني سأستطيع الخروج من دوامتها أبدا، لكن كان يتوجب على الحفاظ على الأرض الوحيدة التي امتلكتها في حياتي)
صمت مجددا، ثم همس بصوت مختنق.

(تيماء، تلك التي لقبتها بالمهلكة، منذ سنوات أنوثتها الأولى، تلك التي كان مجرد اختلاس النظر اليها من بعيد، متعة محرمة، لا لجمالها أو فتنتها، بل لأنها هي تيماء و كفى، أرض مهلكة، أردت الهلاك بها، الا أنها رفضت و عمقت جذوري في عمقها)
ابتسمت سوار رغما عنها، كان هذا أجمل ما سمعته من قاصي على الإطلاق، و لم تحاول منعه من المتابعة، رغم أنها لم تفهم حتى الآن علاقتها بالأمر...
تابع قاصي بخفوت مجهد.

(كان على مراعاتها أكثر مما فعلت، كان يتوجب على أن أكون ممتنا لأنها الوحيدة التي منحتني ما لم يمنحني اياه مخلوق، منحتني وطن...
لكنني لم أفعل، بل ضعت أكثر و أكثر في سراديق تلك الرحلة المعتمة، و أهملت ما منحته لي، أهملت السعادة الوحيدة التي قدمت إلى على طبق من ذهب، و ظللت أسعى خلف رجل هالك و عائلة لم أتمناها يوما، فما كانت النتيجة؟، خسرتها، خسرتها للأبد)
ارتجفت شفتي سوار قليلا، ثم همست.

(هل حملتك ذنب فقدانها لطفلها؟)
رد قاصي بصوت ميت، متباعد
(لم تفعل، لكنني خسرتها، خسرت هذا التفاني الغير مشروط في عشقي و الذي كنت أرى بريقه في عينيها بكل وضوح، خسرته و خسرتها في اليوم الذي فقدنا به طفلنا)
شعرت سوار بالألم لأجله...
نعم هذا صحيح، حين ذهبت لتواسي تيماء...
كانت متماسكة بشكل يدعو للإعجاب، لكن هذا لم يخدعها، فقد كان هناك شيء انطفأ في عينيها و روحها...
قالت سوار بخفوت.

(هذه مشيئة الله يا قاصي، لا تفعل هذا بنفسك)
رد عليها بصوت مختنق
(أعلم هذا، لكن لو كان هذا قد حدث و أنا بجوارها، لكنا قد تقوينا ببعضنا، بماضينا و بحاضرنا)
قالت سوار بخفوت شديد
(لا أعلم الكثير من التفاصيل، لكن أظن أنك كنت بجوارها في الولادة)
هتف قاصي بقوة
(لم أكن يوما بجوارها، ملكتها و ابتعدت عنها، اطمئننت أنها أصبحت لي ثم سعيت خلف الماضي، الإنتقام)
صمت قليلا وهو يحاول التقاط أنفاسه، قبل أن يهمس بألم.

(كنت أظن أن الحياة ممتدة أمامي كي أسعد بها مع تيماء و طفلي، بعد أن أنال ما أريد، لكنني لم أحسب حساب ما حدث و كسر بداخلها شيئا، يعلم الله كيف سأصلحه)
قالت سوار بعد صمت طويل
(و أنت تظن أنني أفقد ما أمتلك الآن، بسبب سعيي خلف الإنتقام، أليس كذلك؟)
لم يرد عليها قاصي على الفور، بل صمت قليلا ثم قال بنفس النبرة.

(سليم رحمه الله لم يكن صديقا فحسب، هذه الكلمة لا تنصف مكانته عندي، سليم كان الجانب الأبيض مني، كان المستقبل، و الحياة، أما ليث، فكان أكثر من يشعر بضرورة حصولي على ما أستحق، و أن ينال كل ظالم عقابه، حتى و إن تطلب الأمر أن يكون هذا العقاب بيدي...

في بداية شبابي كنت كالمجنون لا أهدأ، أتطوح بين ليث و سليم، لكن كنت أميل الى وجهة ليث، كان أكثر يشعر بالنار في صدري، فوصلت بي الرغبة في الإنتقام لأبشع الصور التي قد تتخيلينها)
صمت للحظات، قبل أن يقول بصوت ميت
(سأخبرك شيئا، لا يعلمه مخلوق، حتى ليث نفسه)
عاد الصمت من جديد و كأنه غير قادر على النطق، ثم قال أخيرا.

(هل تعلمين انني حين رأيتك للمرة الأولى في مراهقتي، فكرت أنك أنسب من آخذ انتقامي عن طريقها، خاصة و أنني، و سامحيني فيما سأقول، خاصة و أنني لاحظت حب راجح لك، حينها فكرت أن ألقي بشباكي من حولك و أسرقك منه، فكرت بأنها ستكون الفضيحة المثالية لعائلة الرافعي، الابن الغير شرعي يسقط ابنة غانم الرافعي في حبائله، كانت وصمة تخيلتها و زادتني نشوة).

فغرت سوار شفتيها بذهول و هي تسمع ما يقوله، كانت الصدمة أكبر مما تظن...
حتى أنها لم تستطع النطق، فهدر قاصي بعنف صم أذنها
(هل تدركين الآن كم كنت قذرا، وضيعا، عديم الشرف كما كان يلقبني الجميع! لماذا أنت صامتة؟، أخبريني رأيك في بصراحة)
ظلت سوار صامتة طويلا، ثم همست أخيرا دون تعبير
(و ما الذي منعك من متابعة مخططك؟)
قال قاصي بصوت مجهد للغاية.

(أنت، أنت يا سيدة سوار، التي لم أملك يوما سوى مخاطبتها بلقب سيدة، دفاعك عني ذات يوم بضراوة، جعلني أرى نوعا جديدا لم أعرف مثله في عائلة الرافعي، ثم عرفت مسك، وسليم، و الباقين، الى أن دخلت تيماء الى حياتي)
ارتجفت شفتي سوار قليلا ثم همست
(تيماء الرافعي، هل كانت هي الأخرى مجرد وسيلة؟)
صرخ قاصي بعنف.

(أقسم بالله أنها لم تكن كذلك يوما، بل يشهد الله انني حاولت منع نفسي عنها بكل ما استطعت من قوة، لكنها كانت اقوى مني، فقبلت ما عرضته على بسخاء، قبلت الحياة)
أغمضت سوار عينيها، غير قادرة على سماع المزيد، بينما تابع قاصي بصوت اكثر هدوءا
(كنت قد استبدلت الوضاعة بالرغبة في الدم، فعزمت على قتل عمران و نزع قلبه من صدره بقبضتي، سنوات و أنا أتمنى أن تأتي تلك اللحظة، لكن أتت تيماء عوضا عنها...

ربطت بيننا الحياة بروابط لا تنفصم و لن تفعل أبدا، حينها عرفت أن الدم سيبعدني عنها، سيحرمني منها، من أرضي الوحيدة، لذا اخترت الحياة، حين اخترت تيماء، فعزفت عن قتل عمران، عن حلمي القديم)
فتحت سوار فمها ببطىء، ثم قالت بخفوت
(و أنا؟، هل أختار الحياة متمثلة في ليث بعشقه الغير مشروط كتيماء تماما؟)
رد قاصي بصوت قاطع...
(نعم، افعلي، أو ستندمين كما أفعل أنا الآن، فأنا لم أحسن مراعاة اختياري).

ساد صمت طويل جدا بينهما، بدا أن كلا منهما غير قادرا على المتابعة أكثر...
الى أن بادرت سوار أخيرا و قالت بصوت ثابت، دون أي حياة
(قاصي، شهدت للتو أنني لم أعاملك الا بالحسنى، و لم ترى مني الا خيرا، فهلا أجبت طلبي، ارجوك)
صمت قاصي قليلا ثم أجاب بهدوء
(طلبك أمرعلى عنقي سيدة سوار)
أخذت نفسا قويا، ثم قالت
(أريد معرفة مكان فواز الهلالي، أريد مقابلته، أحتاج لهذا، فهل تستطيع مساعدتي؟).

ظل قاصي صامتا للحظات ثم قال أخيرا...
(لن يريحك هذا، بخلاف ما تظنين)
قالت سوار بقوة
(و مع ذلك أريد أن أراه، حتى و إن ضمنت لك الا أحمل سلاحا، أريد فقط أن أعرف)
تنهد قاصي بصمت، بينما انتظرت سوار بقلب ميت الى أن رد أخيرا بصوت باهت
(أعدك، إن وجدته، فآخذك اليه بنفسي، أو آتيك به، لأجل سليم رحمه الله).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة