قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل السادس والستون

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل السادس والستون

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل السادس والستون

تقلبت تيماء في سريرها بعنف و هي تركل الأغطية يمينا و يسارا و تصارع لتتحرر منها...
ملوحة بذراعيها و هي تحاول الخروج من الكابوس الذي تعانيه و يجثم على صدرها فيثقله و يمنعها من التنفس...
تحركت رأسها بعنف من جهة لأخرى...
ترى أمامها صورا متداخلة، ووجوها مختلفة تعرفها الا انها لا تتذكر هويتهم...
و كأنها فاقدة للذاكرة، و الظلام يثقل من حولها حتى يكتم أنفاسها ببطىء، شيئا فشيئا حتى اقتربت من الاختناق...

حينها فقط استيقظت من نومها بعنف و هي تشهق شهقة كبيرة طالبة للتنفس...
استقامت جالسة و هي تنظر حولها، لتجد أن الظلام قد عم غرفتها، بينما العرق البارد يغطي جبهتها و نبضات قلبها متسارعة...
تنهدت بتعب و هي ترفع يدها الى صدرها الخافق لتريح من شدة انقباضه...
باتت الكوابيس تزعجها جدا مؤخرا، لقد تزايدت جدا في الأيام الخمس الماضية، حتى أنها لا تكاد تحصل بضعة ساعات قليلة من النوم القلق كل ليلة...

يبدو أنها ستعود الى تناول أقراص النوم من جديد...
فجسدها سينهار سريعا بهذه الطريقة طلبا للنوم العميق دون قلق...
رفعت يدها لتبعد شعرها الغزير عن وجهها، الا أن أصابعها تسمرت و هي تسمع صوت همهمات رجولية عنيفة خارج غرفتها...
حينها فقط استيقظت كل اعصابها و عاد اليها استيعابها و هي تتذكر كل ما سبق فهمست بصدمة.

قاصي!، نهضت من سريرها بتعثر و اقتربت من باب غرفتها المغلق بحذر و بقدمين حافييتين، ثم وضعت كفيها عليه و أرهفت السمع...
نعم انه صوت قاصي!، يتكلم بصوت مكتوم عنيف و كأنه يتشاجر مع احد!
مع من يتكلم؟، هل يهاتف أحد في مثل هذه الساعة؟
لم تستطيع السماع جيدا، الا أن صوته يعلو قليلا و يحتد، إنه يتشاجر فعلا لكنها لا تفهم ما يقول...

ظلت واقفة خلف الباب و قلبها يخفق بسرعة، تريد معرفة ما يحدث، لكن عقلها يأمرها بالبقاء مكانها خلف الحاجز بينهما. و لا تتعداه...
لكن مع تزايد الضغط في صوت قاصي، كان ضغط نبضاتها يزيد معه و يتضاعف...
و فجأة انتصرت نبضات القلب في فضولها على أوامر عقلها...
فأخفضت كفها لتدير المفتاح بحذر. ثم فتحت الباب...
حكرت تيماء ببطىء، تسير في الرواق خطوة خطوة...
و مع كل خطوة تخطوها. كانت تسمع صوت قاصي بوضوح أكبر...

همهماته المتحشرجة العالية. آتية من غرفة الجلوس، فسارعت تيماء الخطى قليلا حتى وصلت الى هناك متوقعة أن تراه يتحدث في الهاتف...
الا أنها تسمرت مكانها و هي تراه مستلقي على الأريكة الكبيرة، في ضوء المصباح الجانبي الخافت
كان مرتمي عليها بمعنى أصح...
و ذراعيه الضخمتين مرتميتين خارجها، تتحركان بضعف و كأنه مقيد بقيود وهمية...

اتسعت عينا تيماء و هي تستوعب منظره، كان نائما، و قد تخلص من قميصه و بقى ببنطاله الجينز فقط، مما جعلها ترى تسارع أنفاس صدره ارتفاعا و انخفاضا...
بنما شفتيه تتحركان بهذيان لم تفهم من كلمه!
كان يتصارع مع شيء وهمي!
جسده متشنج بشكل غريب و كأنه محموم ينتفض!
شيء مجهول كان يكبل حركته، فلو تحرر لربما حطم كل ما في الغرفة، الا أن حركاته كانت مقيدة و جسده ينتفض في استلقائه...

رأت العرق يلمع على صدره المتسارع، كما استيقظت هي تماما منذ لحظات!
ازداد انفراج شفتيها و هي تستوعب ببطىء أنه يعاني من كابوس كما عانت هي!
أي صدفة تلك التي تجعلهما يتشاركان حتى الكوابيس!
استفاقت من شرودها على صوته المختنق وهو يهمهم بعنف و كأن هناك شريط لاصق على فمه
لا. لاااااالالا، لا، عضت تيماء على شفتها و هي لا تعرف كيف تتصرف، الألم بداخلها عنيف لرؤيته يتصارع مع الظلام بتلك الطريقة الموجعة...

انتفاضة اخرى وحيدة منه، جعلتها تحزم أمرها و تسرع اليه، حتى جثت على ركبتيها أرضا بجوار الأريكة، و رفعت يدا مترددة لتلمس بها كتفه و هي تهمس
(قاصي، قاصي استيقظ)
الا أنهم لم يسمعها من الأساس، بل انتفض و تلوى في مكانه، مكبل الذراعين فوق رأسه بقيده الوهمي...
هزته تيماء بقوة أكبر و نادته
(قاصي، قاصي أنها أنا، تيماء، استيقظ)
كان منظره مؤلما بشدة، لم تتخيل أن تراه بمثل هذا الضعف من قبل...

ابتلعت غصة في حلقها و هي تحرك يدها على صدره منادية مجددا بصوت مختنق
(قاصي)
تعالت همهماته أكتر، و منها استطاعت التقاط كلمة واحدة مفهومة الأحرف
أمي، أفلتت من بين شفتيه كصيحة مترجية بترجي مختنق وحشي...
رفعت تيماء يدها الى فمها المرتجف، و بقت مكانها أرضا و هي تراقبه بعينين مشوشتين، لا تعلم متى امتلآتا بالدموع بهذه السرعة!
في لحظة واحدة، و بكلمة وحيدة، ضاع منها كل غضبها منه و كل نفورها طار ادراج الرياح...

وودت لو امتصت المه و اسكنته صدرها بدلا منه، عله يرتاح قليلا...
رفعت وجهها عاليا و هي تحاول التقاط أنفاسها بصعوبة و ترمش بعينيها كي لا تبكي.
ثم أعادت عينيها اليه و اقتربت بوجهها منه و همست في أذنه برفق و هي تمشط شعره بأصابعها
(قاصي، استيقظ حبيبي، إنها أنا، تيماء، استيقظ).

كانت تستطيع الشعور بكل ذبذبات جسده المكبل تحت أصابعها، و أعضاؤه كلها تتصارع، حينها ارتفعت على قدميها، و استلقت بقربه، تضم رأسه الى صدرها هامسة له باختناق
(قاصي)
انتفض فجأة بقوة أكبر و ارتفعت يده بسرعة لتقبض على ساعدها بعنف كاد أن يسحق عظامها الرقيقة...
الا أنها هدأته قائلة برفق
(اهدأ، اهدأ، أنا تيماء، اهدأ).

رأت عيناه تفتحان وهو ينظر اليها غير مستوعب لمن تكون، و لم تكن هذه هي المرة الأولى التي ترى فيها مراحل استيقاظه من أحد تلك الكوابيس المفزعة...
لكن قديما لم تكن تعرف سببها، أما الآن فهي تعرف أي مأساة مر بها في طفولته و قد تركت عليه آثارها حتى الآن...
ضمت رأسه الى صدرها بذراعها الحره و انحنت لتهمس فوق جبهته، تمسها بشفتيها
(أنا تيماء)
بينما تركت معصمها الآخر في قبضته العنيفة لو كان هذا سيريحه...

استمرا على هذا الوضع لعدة لحظات، قبل أن يرفع وجهه اليها، ينظر الى عينيها المببلتين الواسعتين...
فهمس بصوت أجش
(تيماء)
أومأت برأسها و هي تهمس بصوت لا يكاد يسمع
(نعم)
نظر اليها لحظة، ثم نظر الى ساعدها الذي سحق في قبضته، حينها فقط خفف من قبضته عليه، فرأى العلامات الحمراء التي تركتها أصابعه على بشرتها الحساسة...

و أمام عينيها المتألمتين، رأته يرفع ساعدها الى فمه ليقبل باطنه برقة، متمهلا و كأنه لا يود تركه أبدا...
ثم أمال رأسه ليرتاح على صدرها مغمضا عينيه و كأنه يود النوم مجددا، الا أنه التقط كفها الرقيقة ليضعها فوق صدره. و قبض عليها بيده كي لا تسحبها...
لكنها لم تكن لتسحبها، بل تركته ليرتاح، ساد صمت حزين بينهما، ثم قال قاصي بخفوت دون أن يفتح عينيه
(هل هذيت كثيرا؟)
ابتلعتلا تيماء الغصة في حلقها و همست كاذبة.

(لا)
ثم همست له بخفوت
(لماذا تنام في ضوء المصباح؟، ربما كان هو ما أزعجك)
ساد الصمت مجددا، ثم قال قاصي أخيرا بصوت خافت...
(لا أحب النوم في الظلام)
اتسعت عيناها و ارتفع حاجباها و هي تنظر اليه بعدم تصديق...
ففاض الألم بداخلها أنهارا و انهارت كل قواها أمام هذا الحزن الكامن بداخل حبيبها، حبيبها الذي يخشى الظلام...
أحنت رأسها اليه دون ارادة منها و عادت لتقبل شعره و جبهته...

تأوه قاصي بخفوت وهو يتقبل منها كرمها بشهية مفتوحة لكل ما تجود به...
همست تيماء له بخفوت
(قاصي، لماذا لم تحاول الحصول على مساعدة؟)
رأت شفتيه تبتسمان دون مرح، و دون أن يفتح عينيه، ثم قال بصوت خافت أجش
(لأجل بضعة كوابيس؟)
نظرت الى وجهه بألم، ثم همست له
(تعرف أن الأمر أكبر من هذا)
فتح قاصي عينيه، و رفع وجهه ينظر اليها طويلا، ثم همس بصوت أجش شارد
(نعم، إنه أكبر من ذلك).

ابتلعت تيماء ريقها أمام النبرة الخاصة التي تكلم بها، و عيناه تحاوران عينيها المتهربتين منهما...
حينها بدأت تشعر بشحنات غير مستحبة حاليا في الجو بينهما، فحاولت النهوض الا أنه منعها بأن لف ذراعه حول خصرها بسرعة يضمها الى جسده بقوة، ثم مال عليها حتى وجدته مشرفا عليها بعد أن كانت هي التي تضمه...
ابتلعت تيماء ريقها بصعوبة و همست بجفاء
(أرى أنك أصبحت بخير الآن يا قاصي، سأذهب الى غرفتي).

الا أن يداه منعتاها و هي تحاول التملص منه فتزيد من رغبته التي بدأت تتوهج في عينيه، ثم قال بخفوت أجش. خشن
(ابقي معي يا تيماء، أنا أحتاجك)
للحظات لم تفهم إن كان يقصد بطلبه أن تمضي الليلة بين ذراعيه أم يقصد أن تبقى معه كزوجة و تنبذ فكرة الإنفصال و السفر...
و حين أصابعها العجز، تململت هامسة برفض على الاحتمالين
(لا، لا يا قاصي، أنت تطلب المستحيل)
لكنه أحكم الطوق من حولها تماما و همس لها بعنف خافت.

(أنت من تهذين بالمستحيل، أنت و أنا لا سبيل للفراق بيننا يا تيماء، مطلقا، أنت الشخص الوحيد المتبقي لي في هذا العالم و لن أتركه أبدا)
همست تيماء بعذاب و هي تحاول الإبتعاد عنه
(لديك ابنك، أنت اخترته)
اقترب منها أكثر وهو يمرر يده على بطنها فوق قميصها الحريري هامسا
(نعم اخترته عن قصد، أما ابني منك لم أختره، سيولد رغما عنك و عني و عن الجميع)
أبعدت وجهها بضعف عن مرمى شفتيه و هتفت بألم.

(أنا لست حامل، و لن أكون، لن تقترب مني مجددا)
ضمها اليه أكثر حتى أصبحت مجرد الحركة البسيطة لها تتشكل مع حركات جسده، تزيد من ناره و توجعه...
ثم قال بخفوت
(و لماذا خرجت إلى اذن؟، لماذا لم تبقي أسيرة غرفتك الباردة؟)
هتفت بيأس و هي تبعد وجهها عنه
(كنت أسمع صوتك، و خفت أن)
صمتت و هي لا تعرف كيف تجيب، الا أنه لم يرحمها وهو يقترب منها هامسا.

(خفت، أن ماذا؟، خفت من أن يكون قد أصابني مكروه؟، تخافين على و أنا في بيتك و بين ذراعيك يا تيماء، غريزة الحماية لديك تفوق أي اعتبارات أخرى، هذه هي العلاقة بيننا يا تيماء)
اخفض وجهه ببطىء وهو ينظر الى عينيها المتسعتين، الى أن تقابلت شفتاهما برقة و عذوبة كادت أن تطيح بعقلها...
قبلاته لها طعم يختلف عن كل عنفه و فقدانه للسيطرة على نوبات غضبه...
أغمضت تيماء عينيها و هي تهمس لنفسها.

ثوان فقط، ثوان ثم سأبعده عني، الا أن الثواني تحولت الى دقيقة و اثنين، ثم ابعد قاصي وجهه عنها لينظر الى وجهها المشتعل و شعرها الأهوج من حولها...
فالتقط خصلة متكسرة طويلة منه، لفها حول اصبعه كسلك معدني جميل في شكله الغريب، ثم همس لها مبهورا
(و كأن السنوات لم تمر، لم يتغير بك شيء، نفس النظرات، نفس الشفتين، هو التملك ذاته و الوحد بالحصرية المطلقة التي تمنحينها لي دون الحاجة للكلام).

هزت رأسها نفيا بقوة، ثم لم تلبث أن هتفت بغضب متداعي و متكسر على شاطىء تلك العذوبة المفرطة منه...
(لست هي، تغيرت، تغيرت)
رفع يده ووضعها على قلبها المذعور، فشعر بكل اختلاجاته العنيفة تحت كفه...
بينما هو ينظر الى عينيها المهتزتين بخوف، ثم همس لها مبتسما بحنان
(تقولين أنك لست مولعة بالأمر يا تيمائي، لكن استمعي الى هذا القلب الخافق تحت كفي، متعته تفوق أي متعة أخرى، متعة لن يسلبها منك أي بشر).

أغمضت عينيها بقوة تبتعد عن هذا السحر المسكر، بينما شعرت بأنفاسه تقترب منها الى أن قبل عنقها برفق، ثم همس بنعومة
(لمن ارتديت هذا القميص؟)
هتفت بقوة يائسة دون أن تفتح عينيها
(بالتأكيد ليس لك)
هزتها ضحكته الخافتة وهو يقبل وجنتها ليهمس لها بنعومة
(لمن أذن؟، تريدين أن أراك جميلة، تملكين كل المقومات بداخلك لتكوني مولعة بالامر يا تيماء، فقط امنحيني الفرصة).

أفلتت تنهيدة يأس من بين شفتيها المرتجفتين و هي تتصارع مع نفسها الغبية، التي تستحق كل بلايا الزمن جراء هذا الغباء...
ابتعد عنها فجأة ففتحت عينيها مصدومة من البرد الذي شعرت به فجأة و كأن صقيعا لفها و جمدها...
فرأته يقف أمامها مبتسما...
ثم سار ببطىء الى حيث كان جهاز التسجيل الذي تضعه في الغرفة، فعبث في أسطوانتها وهو يقول بخفوت.

(حين كنت أبحث في تلك الاسطوانات، في وقت سابق، كنت اود معرفة الى مدى تغير ذوقك، و الحق يقال أنه قد تغير تماما، الا اسطوانة واحدة، كنت أبحث عنها الى أن وجدتها، لم يخب ظني)
كانت تيماء قد قفزت واقفة من فوق الأريكة و انطرقت تجري و هي تنوي الهرب...
حيث انبعثت في الغرفة ألحان أغنية تعرفها جيدا...

الا أنه كان أسرع منها فلف ذراعه حول خصرها و أدارها اليه بنعمومة فسقطت على صدره الذي تقبلها بسهولة، ممسكا باحدى قبضتيها مضمومة فوق قلبه، بينما يده الأخرى على ظهرها تمنعها من الهرب، تتحرك عليه ببطىء صعودا و نزولا و هو يتمايل بها
غرباء في الليل، امتزج صوته الأجش بالألحان الناعمة، ثم همس متابعا وهو يدور بها في الغرفة ذات الضوء الشاحب.

(هل تتذكرين تلك الأغنية يا تيماء؟، متى سمعناها للمرة الأولى و كم مرة رقصنا عليها؟)
هزت رأسها نفيا دون أن تجيب، و دون أن تفتح عينيها، الا أنه مال بها وهو يرد.

(كاذبة، كانت المرة الأولى التي اراقص بها فتاة في السادسة عشر، ليلة احتفالها بيوم مولدها، الا أنه في الواقع لم يكن احتفالا بهذه المناسبة، بل كان احتفالا أعدته عن سبق اصرار لتعترف فيه بحبها للمرة الأولى، فتاة كانت طفلة تثير جنوني، و في نفس الوقت أجدني غير قادرا على الابتعاد عنها، لكن تلك الطفلة حركت بداخلي مشاعر غير مرغوبة تجاهها عاما بعد عام و أنا أرى بعيني أنوثتها تكتمل أمامي، هل تدركين كم كنت أرى نفسي دنئيا و أنا أختلس تلك النظرات لها!

كم شتمت نفسي و أنا أستيقظ من نومي على حلم جمعني بها!
الى ان قررت تلك الطفلة أن تأخذ بزمام المبادرة، فحضرت الحفل كي تعترف بحبها، بكل شجاعة لم أمتلكها أنا، يومها وجدت نفسي أسلم كل حصوني لها، رغم انها كانت الشخص الخاطىء تماما، و الذي دخل حياتي في الوقت الخاطىء، أتتذكرين هديتي لها؟).

افلتت تنهيدة بكاء من بين شفتيها دون أن تهز رأسها هذه المرة، فقد رفع يده و لامس السلسال الذي أهداه لها و تابع يقول بهمس أكثر خفوتا...
(طبعا تتذكرين، لأنك لم تخلعيه مجددا، منذ آخر مرة هددت بحرمانك منه)
توقفت الأغنية و توقفا عن التمايل...
وقفا متواجهين، قاصي مخفض الرأس يراقبها، بينما تيماء تنظر أرضا و الدموع تنساب على وجنتيها بصمت...
فقال أخيرا بخفوت ساحر.

(تيمائي المهلكة، يا أرضا أينعت جمالا، فأهلكت الأعين بسحرها).

ياللهي!
كم هو قاسي، و يعرف كيف يؤلمها في الوقت الصحيح حتى تسقط بين يديه منهارة القلب...
كان الألم أكبر من احتمالها فقالت دون أن ترفع وجهها اليه
(ماذا تريد مني يا قاصي؟)
قال قاصي بخفوت وهو يمسك بأعلى ذراعيها
(أريدك أن تنامي بين ذراعي، لا أريد أكثر من هذا، و لندع التفكير في المشاكل للغد، أحتاجك بجواري فقط)
همست تيماء بوجع
(هذا لن يفلح يا قاصي).

رد عليها بصوت أجش وهو يحرك كفيه نزولا على ذراعيها حتى امسك بكفيها
(بل سيفلح، ستنامين على الفور، على الأقل سيتمكن كل منا من النوم اخيرا بدون كوابيس)
فتحت عينيها دون ان تفرع وجهها اليه، و كانت تعلم انه يرى الصراع على وجهها بمنتهى الوضوح و كان هذا يرضيه بشدة...
فجرها خلفه الى أن استلقى على الأريكة، ثم جذبها اليه لتستلقي بجواره...

و ما أن استقر ظهرها على صدره حتى أحاطها بذراعيه و أغمض عينيه وهو يستند بذقنه فوق رأسها ثم همس برضا
(آآآآه، هذا رائع)
لم ترد تيماء عليه، بل كانت تتنعم باحتضانه لها و كأنه يعلم تماما كم هي في حاجة اليه...
دقات قلبه على ظهرها قوية و ثابتة، متسارعة قليلا، و يشعرها هذا بالسعادة، يشعرها أنها عادت الى تلك الفتاة المراهقة التي كان يتحدث عنها، فتاته...

لكن كيف السبيل الى التخلص من الألم بداخلها كي تنعم بتلك السعادة خالصة
مر وقت طويل قبل أن يهمس قاصي في أذنها بخفوت
(لماذا لم تطلبي مني طلاقها؟)
ابتسمت تيماء ابتسامة مريرة، ثم همست بصوت أجش مختنق
(هل تظن أن بطلاقها تحل المشكلة؟، لا يا قاصي، لن يريح قلبي الا أن أراك متألما، كما آلمتني)
ابتسم قاصي هو الآخر ابتسامة ألم و قال بلا روح
(كانت هذه نفس اجابتي).

عقدت تيماء حاجبيها و هي تستنتج المعنى المبطن لكلماته...
هل يتكلمان كثيرا؟، هل يحدثها عنها؟، هل يمتلك الوقاحة و الجرأة ليبحث علاقتهما مع زوجته!
هزت رأسها منتفضة فجأة، فزاد من ضمها اليه وهو يهمس بقلق
(ماذا بك، هل تشعرين بالبرد؟)
الا أن تيماء لم تجب، بل فتحت عينيها الفيروزيتين بلون كاللهيب الأزرق و هي تنظر أمامها، ثم همست أخيرا بهدوء.

(هل لديك أدنى فكرة عن الوضع الذي وضعتني به يا قاصي؟، أنا حتى لا أملك حق مسامحتك و اعتبارها مجرد نزوة، لأن هناك طفل، هناك طفل يا قاصي عمره خمس سنوات كاملة، منذ أن أبصر النور لم يعرف سواك والدا، هل تتخيلني بالدناءة التي تجعلني اشترط عليك تركه؟، و طبعا بطلاقك لوالدته، ستنتهي علاقتك به، فهي لن تتركه لك كهدية مع بطاقة شكر!، الحقيقة يا قاصي أنني هي الدخيلة، انكر كلامي و اخبرني أنك تستطيع التخلي عن عمرو و اخراجه من حياتك).

ساد صمت طويل. و شعرت بصدره يضرب ظهرها بقوة، و أنفاسه تلفح عنقها تكاد أن تحرقه...
لكنها تحملت و انتظرت منه الرد، الى أن أجاب أخيرا بجفاء خافت
(لا أستطيع التخلي عن عمرو، انه ابني، أنا من علمته المشي، أنا من كنت آخذه الى الطبيب، أنا من سمع منه كلمة أبي للمرة الأولى)
ضاقت عينا تيماء على دموع لا تريد أن تذرفها، و هي تتخيل تلك الحياة المستقرة و التي تمثل اطار متكاملا و هي خارجه...
لذا تابعت بقسوة و اختناق.

(و أنت من كنت تريد اسمه، اسم عائلته، هل تتنازل و تخبرني عن خطتك؟، تلك العائلة متنازله عنه تماما، لماذا تسعى أنت اليه)
ظل قاصي صامتا، و كفيه تنقبضان على ذراعيها المكتفتين بقوة آلمتها، ثم قال أخيرا
(هذا الولد أريده أن يكبر معتمدا على ما أكسبه من مال، أريده أن يتربى تحت سقف بيتي بعد أن تخلى عنه والده، ابن عائلة الرافعي)
همست تيماء باختناق
(كما فعل والدي معك).

اخفض قاصي عينيه ينظر الى شعرها المرتمي على صدره، فرفع يده يبعده عن وجهها، يتمنى لو يراها الآن في تلك اللحظة، ثم قال بخفوت
(نعم، كما فعل والدك معي، لكن أنكر فضله، الا أن الفارق هو أنني جعلت من عمرو ابني، لا مجرد خادم، و ان اردت الحقيقة، راجح الرافعي رغم كل عيوبه و دنائته لا يقارن بوالده، عمران الرافعي، فأطفال راجح دائما من الحلال، وهو يمنحهم اسمه في النهاية، سيرثونه و لن يحملون وصمة ابن غير شرعي).

همست تيماء شاعرة بالفراغ
(و ماذا عن عمرو نفسه؟، ألم تفكر به؟، ما أن يستوعب الأمر حتى يتألم كل لحظة و كل ساعة وهو يرى بعينيه نبذ والده له)
قال قاصي بعد فترة طويلة
(مثلما تألمت أنت)
مثلما تألمت أنت، و حتى الآن لا تزال تعاني...
عمرو خسر والده و انفاقه عليه، لكن الله عوضه بقاصي...
أما تيماء، فقد خسرت والدها و لم تخسر انفاقه عليها لسنوات طويلة في رفاهية مقبولة...

فهل عوضها الله بقاصي مثل عمرو!، ام أنه بالنسبة لها ابتلاء؟
أغمضت عينيها و هي تهمس بلوعة و قهر
(يا للها من دائرة سوداء، عميقة و مخيفة)
قرب شفتيه منها لطبعهما أعلى وجنتها المرتفعة بقوة وهو يهمس
(مظلمة يا تيماء، و أنت لا تخشين الظلام، أتتذكرين، )
أغمضت عينيها و هي تشعر بالتعب يهد روحها قبل جسدها، فهمست تشدد على أحرفها تؤلمه بكل ما أوتيت من قوة
(أنا متعبة، متعبة جدا).

تحركت تندس به و هي ترغب في الحصول على مسكن لهذا الألم، فضمها قاصي اليه و همس بخفوت
(نامي الآن، لكن لا تتحركي كثيرا، فهناك حدود لسيطرتي على نفسي، يا تيمائي المهلكة)
لم تسمعه تماما، فقد أغلقت عينيها في نعاس داهمها كهروب من تلك اللحظة...
لطالما كانت تلك هي عادتها منذ الصغر، حين تضر الى اتخاذ قرار لا يرضاه قلبها المندفع، كانت تهرب الى النوم كي تهدىء من عنفوانه و اندفاعه...

أما قاصي فلم يستطع النوم كما ادعى، بل ظل ينظر اليها وهو يداعب شعرها الكث...
كانت جميلة في عينيه، مهلكة لكل من يعرفها، من لا يعرفها و يستطيع منع نفسه من الغرق بها؟
لكنها اختارته هو...
هي له، و انتهى الأمر...
قرار مضته و على آخر سطر به مخطوط لا تراجع،
تململت تيماء في نومها و هي تشعر بالخدر يسري في أوصالها، بعد نوم ليلة كاملة دون أن ينتابها أي كابوس جديد...

رمشت بعينيها و هي تنظر الى سقف الغرفة، تمد ذراعيها المسترخيتين...
و ما هي الا لحظة، ثم انتفضت جالسة تنظر الى غرفتها!
ماذا يحدث الآن؟
هل هي مجموعة من الأحلام تنتابها؟
متى استيقظت و متى نامت وكيف عادت الى غرفتها؟
نهضت من فراشها تبحث عن قاصي في أنحاء الشقة الصغيرة، و كان في داخلها أمل خائن في أن تراه...
لكن الامل مات حين تأكدت من أنه قد رحل، بعد أن منحها السكينة لساعات قليلة...

وقفت تيماء في منتصف شقتها، مستندة بكفها الى الجدار...
هل تلعن غبائها، أم ببساطة تعترف أنها كانت في حاجة الى وجوده ليلة أمس...
حتى و إن كان الجاني، ماذا يفيدها أن تعاقبه و هي تحتاجه!
هذا التفكير العقيم جعلها تستند الى الجدار بظهرها و هي تنظر الى الشقة الخاوية، لتعرف تماما ما هي مكانتها، في دائرته السوداء...

أخذت نفسا عميقا و هي تسمع دقات ساعة الحائط، تعلن أنها الثامنة صباحا، اي أن موعد محاضرتها بعد ساعة تقريبا.
لم تتأخر يوما في الاستيقاظ الى هذا الحد، لكن على ما يبدو أن هذا تأثير قاصي عليها...
تحركت تيماء تجر قدميها جرا كي تستعد...
ستذهب الى محاضرتها و تواجه طلابها، فهي ليست جبانة أو متخاذلة و هذا الوقت الذي ستمضيه في البكاء، هم أولى به...

(باحث الانثروبولوجيا الاجتماعية. لا يستوي عمله، الا بالتعايش في البيئة التي يدرسها لفترة طويلة، الكتب وحدها، لن تنفعه بنسبة مئة بالمئة، انما تكون عينه هي جهاز التصوير الخاص به، في مراقبة المجتمع الذي يريد دراسته، تسجيل عاداته و تقاليده و ثقافاته، و مقارنتها في الوقت الحالي بما كانت عليه في نفس المجتمع منذ عشرات السنوات، و هذا النظام هو ما يطلق عليه. نظام الملاحظة بالمعايشة...

من أهم ما يتطرق اليه باحث الانثروبولجيا الاجتماعية. في دراسته، هي نظم الزواج و عاداتها و المختلفة من مجتمع لآخر...
و مدى تطورها على مدى السنوات، نجد أن التطور كان سريعا جدا في بعضها، و كان بطيئا جدا في البعض الآخر، لدرجة أنه قد لا يلاحظ أي تطور في فترة من خمسين الى ستين عام...

يعتمد هذا على المجتمع نفسه، و مدى قابليته للتطور القادم مع الوافدين من مجتمعات مختلفة، أو العائدين من أجيال جديدة عايشت مجتمعات أخرى، لكن في كل الأحوال هناك تطور و تغيير حتى و ان كان غير ملحوظ، حيث ثبت بالدراسة، استحالة الثبات على نفس النظم الاجتماعية بنسبة تامة على مدى السنوات، انتهت تيماء من تلك الفقرة و هي تنظر الى الجمع الجالس أمامها...
بينما كان عقلها لا يسمع سوى لحن الليلة الماضية...

ترى هل وجنتيها الساخنتين محمرتين فعلا أم أنها تتوهم، و هل يلاحظ طلابها ارتباكها اليوم؟
لم تتوتر نبرتها...
الا أن ارتباك كيانها لا يمكنها أن تنكره...
اللحن يدور في أذنها، أما السؤال المرافق له فهو
هل سيعود اليها الليلة؟، و لماذا غادر بمثل هذه السرعة؟، لم تكن فخورة بنفسها...
علي الرغم من ثباتها على موقفها الذي اتخذته، الا أن في داخلها ضعف تجاهه، يمنحه الأمل...
أي أمل يبتغيه؟

أن تكون استاذة جامعية، بينما لا توصيف اجتماعي لها سوى زوجة ثانية له؟
هذه العبارة، هي العبارة المنمقة التي سترميها في وجهه ما أن يترجاها مجددا ما أن يترجاها في أن تتراجع عن السفر...
لكن الأنثى بداخلها، تصرخ بعبارة أخرى. أكثر عذابا و أشد جنونا...
أنا لن أقبل أن تشاركني بك امرأة أخرى، و ألم فراقك أهون من وجع المشاركة...
لقد خنت وطنك يا قاصي، و خيانة الوطن، لا عقاب يكفيها سوى الطرد منه، (أستاذة تيماء).

رفعت تيماء وجهها الشاحب مجفلة و هي تسمع نداء احدى الطالبات في مكبر الصوت، فردت عليها معتذرة
(نعم يا سهيلة، تفضلي بسؤالك)
ردت عليها الطالبة تسأل.

(في المحاضرة السابقة، كنت قد طرحت سؤالا، عن شخص ولد في بيئة، بموروثات معينة، لكنه نشأ في بيئة أخرى بظروف مختلفة تماما، هل سنحصل على شخص مختلف تماما عما لو كان قد نشأ في بيئته؟، أعتقد أن الإجابة الواضحة هي أننا سنحصل على شخص مختلف، لن تبقى به سوى الموروثات الجسدية و الجينية، لكن الطبائع ستختلف جذريا).

فتحت تيماء شفتيها لتجيب، الا أن الكلمات تسمرت في حلقها و هي ترى دخول شخص من الباب الخلفي في نهاية القاعة...
هذا الشخص و رغم بعد المسافة، الا أنه غير قابل للبس في هويته...
قاصي الحكيم!
اتسعت عينا تيماء بصدمة و هي تراه يتخذ إحدى المقاعد الخلفية و يجلس عليها بأريحية مكتفا ذراعيه، ينظر اليها و عيناه في عينيها من هذا البعد!

ارتجفت تيماء كليا و هي تستوعب وجوده، ماذا يفعل هنا؟، و كيف سمح له الأمن بالدخول الى الكلية من الأساس؟
هزت رأسها قليلا، ثم حاولت جاهدة استجماع قواها العقلية و هي تجيب بصوت بدا مهتز تماما، و عيناها لا تحيدان عن عيني قاصي...
(الإنسان يختلف باختلاف البيئة التي نشأ بها، يكتسب منها ما يؤثر عليه سلبا أو ايجابا، لكن تظل لديه موروثات لا تقبل التغيير و هذه الموروثات ليست جسدية بالضرورة...

هناك نظريات أخرى تقول أن السلوك الإنحرافي مثلا قد يكون وراثيا، حسنا هذه النظريات عليها خلاف كبير، ففي التعاليم الدينية، لا يرث الانسان السلوك الإنحرافي و الا لما كان هناك مبدأ الحساب و العقاب، و الذي يعتمد على الطريق الذي اتخذه كل انسان بملء ارادته...
هل المجرم مثلا يورث ابنه نفس الميول الانحرافية حتى لو نشأ الإبن في بيئة مخالفة لبيئة والده؟).

كانت تتكلم و قلبها يخفق بعنف، و عيناها أسيرتي هاتين العينين البعيدتين...
فتابعت بصوت مهتز
(هل يكون الأخ، مرآه لأخيه في بيئة أخرى مهما حاولنا الإنكار؟)
شعرت تيماء بعيني قاصي تلفحانها من بعد، و كأنه لهيبهما قد وصلها و أحرق الكلمات على شفتيها...

بينما ضيقت الفتاة عينيها و هي تحاول استيعاب كلام تيماء الذي اهتز و ابتعد عن المحاضرة، لكن و قبل أن تسألها، سمعت تيماء صوت طرق على باب القاعة الأمامي، ثم دخلت احدى الموظفات و انحنت على تيماء تهمس لها بصوت غير مسموع
(أستاذة تيماء، العميدة تريدك في مكتبها على الفور)
عقدت تيماء حاجبيها و هي تسأل بحيرة
(لماذا؟)
قالت الموظفة
(لا أعرف، لكنها أرسلتني اليك على الفور حيث أنك تغلقين هاتفك أثناء المحاضرة).

ازداد انعقاد حاجبي تيماء و هي تهمس
(ترى أهو شيء يخص ورق المنحة؟ عسى أن يكون قد اقترب من الإنتهاء من الروتين الطويل)
هزت الموظفة كتفيها و هي تهمس لها
(أتمنى هذا)
ابتسمت لها تيماء باهتزاز ثم قالت
(حسنا، سأذهب الى مكتبها على الفور، شكرا لك)
خرجت الموظفة بينما رفعت تيماء عينيها الى حيث يجلس قاصي، لكنها فوجئت بالمقعد الذي كان يحتله خاليا!

تسمرت تيماء مكانها و هي تبحث عنه بعينيها في كافة أرجاء القاعة دون أن تجد له أثرا...
فهمست لنفسها مصدومة
هل كان وجوده هو أحد أكبر أوهامي!،
طرقت تيماء باب مكتب عميدة الكلية...
ثم دخلت و هي تبتسم بتهذيب، الا أن ابتسامتها تصلبت و هي ترى الدكتور أيمن جالسا أمام مكتب العميدة...
ينظر اليها باستياء واضح لا يبشر بالخير...
ماذا حدث؟، هل يشكو منها للعميدة في شيء؟

كانت تيماء طوال الطريق الى المكتب و هي تشعر بالتضارب في مشاعرها، حيال قرب انتهاء اجراءات حصولها على المنحة، و هي فرصة يتمناها الكثير غيرها...
الا أنها حين شعرت بالأمر وشيكا...
صدمها ذلك الألم النابع من فراقها الأخير لقاصي...
و مع كل خطوة تخطوها تجاه مكتب العميدة، كانت ترى لحظة الفراق تقترب أكثر و أكثر...
فينقبض صدرها أكثر...
أما الآن، فهناك شيء خاطىء...
هل طارت المنحة من بين أصابعها لأي سبب كان؟

حسنا لا بأس، قدر الله و ما شاء فعل...
لن يمنعها هذا من ترك قاصي، و الإهتمام بعملها هنا و بطلابها، و بدء التحضير للدكتوراة...
العميدة هي سيدة مهذبة جدا، لطالما كانت مشجعة لها منذ عودتها، تشعرها بالفخر
لذلك نظرات الأسف المرتسمة على وجهها، تعطي تيماء فكرة عن صدق توقعها في فقدانها للمنحة...
قالت تيماء بتهذيب و هي تنظر الى أيمن بقلق
(السلام عليكم، صباح الخير دكتورة هناء)
ابتسمت العميدة بحرج و هي ترد.

(صباح الخير يا تيماء، تعالي اجلسي من فضلك)
اقتربت تيماء و جلست في الكرسي المقابل لأيمن و عيناها تتنقلان بينه و بين العميدة، ثم همست بقلق
(أشعر أن هناك خطب ما)
أخذت العميدة نفسا عميقا، ثم قالت بهدوء حازم
(لماذا لم تخبرينا بزواجك يا تيماء؟)
وقع قلب تيماء بين قدميها أرضا و هي تسمع هذا السؤال الصادم و الغير مبشر...
مجرد معرفتهم بالأمر يدل على أن ما ستسمعه الآن لن يسرها أبدا...

ردت تيماء و هي تنظر الى أيمن الذي بدا غاضبا و بشدة...
(حدث كل شيء بسرعة، حتى أننا، لم نقم اي احتفال بالزفاف، كانت هناك حالة وفاة لدى العائلة، ابن عمي توفي لذا)
تبا لذلك، كانت تثرثر كالمجانين...
لذا صمتت و هي تلتقط أنفاسها قبل أن تهمس باستسلام عاجز...
(لكن لماذا؟، ماذا حدث؟)
تطوع أيمن للكلام وهو يهتف فجأة.

(تزوجت ذلك الهمجي الرابض على باب غرفتك، و أنا كنت أعلم أن شيء ما في الصورة خاطئا، أنا فقط أتسائل عن سبب تلاعبك بموضوع جاد كالقبول من ابن عائلة محترمة، بينما أنت على ما يبدو مرتبطة بهذا ال)
قاطعته العميدة بنبرة عالية محتدة
(دكتور أيمن، لا مجال للكلام هنا عن أمور شخصية تسيء الى صورة زميلة في الجامعة، أنا لن أسمح)
لكن تيماء لم تسمعها و هي تنظر الى أيمن بعينين تتقدان بشرر لاهب ثم قالت بنبرة باترة كالسيف.

(اياك، ثم اياك، الكلام عن زوجي بتلك الطريقة، كونك أستاذي لا يمنحك الحق في التجاوز معي و خاصة عن زوجي، أو الرجوع الى موضوع يسيء الى كرامته كزوج)
تقابلت نظراتهما طويلا، الى أن ضحك أيمن ضحكة أجفلتها...
ضحكة ساخرة يمتزج فيها الغضب بالسخرية!، ضحكة متشفية، جعلت وجهها يمتقع بشدة...
ثم قال مخاطبة العميدة باستهزاء
(تفضلي يا دكتورة هناء، أخبريها)
كانت تموت ببطىء بينهما...

المزيد من الأوجاع، الى أن قالت العميدة بصوت قاتم متعاطف
(لقد حضر زوجك الى هنا يا تيماء)
أغمضت تيماء عينيها على صدمة كان يجب أن تتوقعها، و ظلت صامتة حتى بات التنفس عبارة عن طعنات مؤلمة...
و ما أن استجمعت قواها، حت فتحتهما و نظرت الى العميدة قائلة بصوت هادىء، لا تعبير فيه
(لماذا؟)
فتحت العميدة كفيها و هي تقول بحيرة
(أنا آسفة جدا يا تيماء، لقد أتى كي يعلمنا بعدم موافقته على سفرك بصفته زوجك، ).

صوت صفير عال صدح في أذنيها، حتى كاد أن يخرقهما، لقد شعرت بعينيها تنزفان من شدة هذا الصفير العالي...
بينما الضغط يتزايد على جانبي جبهتها و هي تنظر الى العميدة بنظرة فارغة، و كأنها لم تفهم...
فتابعت العميدة بخفوت
(آسفة جدا يا تيماء، هذا الموضوع خاص بينكما، لكن طالما أنه غير موافق، يمكنه منعك من السفر قانونيا، لذا أرى أن المنحة ستأول الى من تناسب ظروفه أكثر منك، أعرف أن هذا غير عادل، لكن.

يمكنه منعك لاحقا و حينها تكونين قد أضعت وقتا طويلا قد يستغله غيرك)
نظرت تيماء الى ايمن، حيث كانت الابتسامة الساخرة المستاءة لا تزال مرتسمة على وجهه...
بينما تابعت العميدة توضح
(لقد أوشك على أن يتشابك بالأيدي مع الدكتور أيمن، لكننا تداركنا الموقف، أنا آسفة يا ابنتي).

عضت تيماء على شفتها و عيناها تلمعان بغلالة من دموع زجاجية حبيسة، و هي تنظر بتشوش الى نظران التعاطف في عيني العميدة، فنهضت ببطىء و هي تقول بهدوء
(آسفة لما حدث، بعد اذنك، أحتاج الى المغادرة. ).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة