قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل السادس والخمسون

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل السادس والخمسون

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل السادس والخمسون

بعد ثلاث ساعات كانت تدخل الى مقهى الشركة بتوتر و مع ذلك مرفوعة الرأس
تتهادى بخيلاء و الجميع يختلسون النظر اليها...
بحثت بعينيها بينهم الى أن وجدته جالسا بمفرده الى أحد الطاولات بجوار النوافذ العريضة ينظر منها بشرود...
اخذت مسك نفسا طويلا ثم اتجهت اليه و ما أن شعر باقترابها حتى نهض مبتسما بذوق ثم أشار الى المقعد وهو يقول بتهذيب
(تفضلي).

جلست بتردد و هي تبدو متعجبة و ما أن رفعت وجهها اليه حتى قالت بهدوء
(حسنا أنا الآن مرتابة، أنت تبدو مختلفا تماما، هل هذا فخ من نوع ما؟)
ضحك أمجد بخفوت وهو يتأملها بدرجة جعلتها ترتبك أكثر و تتظاهر بالنظر من النافذة...
أشار الى النادل و طلب قهوة لكليهما، ثم عاد بتركيزه اليها فبادرت قائلة باهتمام
(ماذا أردت أخباري به؟)
قال أمجد وهو يرتشف قهوته ناظرا اليها من فوق حافة فنجانه
(أريد مكالمة والدك).

كانت على وشك ارتشاف قهوتها الا أن كلماته سمرتها مكانها، مضت عدة لحظات قبل أن تعيد كوبها مكانه ثم قالت برهبة
(تريد مكالمته بخصوص ماذا؟)
ضحك أمجد مجددا!، على ما يبدو أن هذا يوم المفاجئات، لقد ضحك لها ما لا يقل عن أربع مرات اليوم
قال أخيرا مبتسما بخفوت
(اريد طلب يدك رسميا منه)
ظلت مسك على تسمرها و هي تنظر اليه بعدم فهم، ثم قالت بصدمة
(ماذا؟)
ابتسم أمجد و قال ببساطة
(لماذا الدهشة و كأن الموضوع جديد؟).

ارتبكت مسك و قالت بخفوت
(ظننت، ظننت أن الأمر بأكمله مجرد صدفة، و تحولت الى مزحة، لا أكثر)
قال أمجد بصوت خفيض
(ليس هذا ما أخبرت غدير به على ما أظن)
اتسعت عيناها و تسمرت مكانها، قبل أن يكسو الجليد عينيها و القسوة تلازم شفتيها، ثم قالت أخيرا بصوتها المتعالي المهين.

(اعذرني على وقاحتي، لكن الا ترى أن حرية الأحاديث بينك و بين غدير أكبر من المفترض خاصة و أن الكثير منها يخصني، و أنت تتقدم لعرض الزواج مني الآن؟، هذا شيء يدعو للارتياب)
تراجع أمجد في مقعده و قال بهدوء
(علاقتي بغدير لم تكن يوما سوى سلسلة من الأحاديث الطويلة، لكنها انتهت الآن خاصة بعد زواجها)
نظرت مسك الى عينيه ثم قالت ببرود
(ليس هذا ما ألاحظه).

أثناء كلامها نظرت خلفه فرأت غدير تدخل من باب المقهى الا أنها تسمرت مكانها حين رأت جلوسهما معا...
بدت شاحبة جدا و كبيرة العينين لدرجة مثيرة للشفقة و هي تجبر قدميها على التحرك الى أن جلست الى احدى الطاولات الفارغة و عيناها مسمرتان عليهما بضياع...
حينها فقط أعادت مسك عينيها الى عيني أمجد و ابتسمت واحدة من أجمل ابتساماتها مما جعله يرتبك و يأخذ بمدى جمالها...

كانت متعة للنظر و هذا ما لا يمكنه انكاره ابدا...
قالت مسك و هي ترتشف قهوتها بأناقة محافظة على ابتسامتها
(أنا أرى أن هذا المشروع محكوم عليه بالفشل، أنت تبغضني و لا تهين ذكائي و تدعي العكس)
عقد أمجد حاجبيه و قال بجدية
(ليس صحيحا!، أنا فقط أبغض بعض صفاتك)
ضحكت مسك بنعومة خلبت رجولته وهو ينظر اليها قبل أن تنظر اليه و تقول متحدية
(اخبرني عما تحبه بي).

نظر اليها أمجد و قد أجفل من عفوية سؤالها و جرأته في آن واحد، لكنه قال أول ما صعد الى لسانه و عينيه
(جمالك)
ارتبكت مسك بشدة و فقدت ابتسامتها، بينما احمرت وجنتيها، حاولت الكلام، الا أنها لم تستطع فضحكت بعصبية لتحول عينيها الى النافذة المجاورة...
فابتسم أمجد وهو يراقبها بصمت...
قالت مسك بصوت متردد بعد فترة دون أن تنظر اليه
(هذا ليس سببا كافيا)
الا أن أمجد كان قد تكلم قبل أن تنهي حروف كلماتها
(و عطرك).

ازداد احمرار و جنتيها فتهربت من نظراته الا انه قال بجدية
(و من العدل أن انبهك الى تخفيفه مستقبلا)
نظرت اليه مجفلة فبدا في منتهى الجدية، فقال بهدوء جاد تماما
(كما ان يدك ملفتة للنظر جدا)
ارتفع حاجبيها بذهول و سارعت لاخفائهما تحت الطاولة و هي تقول بصرامة مهتزة
(لا دخل لك بيدي)
قال أمجد ببساطة رافعا حاجبيه
(بل لي كل الدخل، فهي اليد التي سأطلبها للزواج).

ظلت مسك تنظر اليه و هي غير قادرة على النطق، حتى أنها نسيت غدير التي كانت تراقبهما بعينين تحترقان...
كان بداخلها رهبة عنيفة، رهبة أكبر أسبابها أنها، وجدت نفسها لا تريد لهذه الجلسة أن تنتهي بسرعة...

وقف ينظر من نافذة دار الرافعي الضخمة، يداه خلف ظهره وهو يراقب هذا الجمال الساحر الذي لم و لن يمله أبدا...
لكن اليوم تحديدا، كانت عيناه غافلتين عن هذا الجمال للمرة الأولى...
فبداخل صدره القوي الثابت، روحا تهفو الى جمال آخر...
جمال انتظره منذ سنوات طويلة...
جماله البهي الذي لم يمتلكه يوما، و الذي هوا جمال سوار العسل...

عيناه سارحتين في البعيد و قلبه يعد اللحظات انتظارا لنزولها اليه بعد أن طلبت مقابلته قبل الرد على عرض الزواج...
حين وصله ردها، شعر بقلبه الشائب يعود كقلب مراهق فتي...
يخفق بعنف لان مليحة البنات ارسلت في طلبه...
لم ترفض و لم تثر كما توقع، بل أشترطت رؤيته أولا قبل الرد...
و هذا وحده كان كفيلا بالقاء الأمل في قلبه من جديد...
شعر فجأة بقوة فجائية تدب في اعماقه وهو يسمع خطواتها من خلفه...

خطواتها و يستطيع تمييزها دون أن يلتفت...
بطيئة، واثقة و متهادية...
عبائتها الحريرية ترفل من حولها و تصدر حفيفا ناعما...
خطوة، اثنتين، ثلاث...
ثم وقفت لتنظر اليه على ما يبدو
كانت كل ذرة بداخله تأمره أن يستدير اليها، لكنه كان يخشى من فقدان هيبته أمام جمال ملامحها لذا ظل ساكنا مكانه الى أن نطقت أخيرا بصوت خافت، فاقد للحياة
(مرحبا يا ابن خالي، نورت الدار).

أغمض ليث عينيه وهو يسمع تلك النبرة الأنثوية الرخيمة التي تبدو كصوت قيثارة...
ثم أخذ نفسا عميقا قبل أن يستدير اليها ببطىء...
كانت تقف أمامه مباشرة...
سوار، بكل جمالها و سحرها الخاص
متلحفة بالسواد الحريري بينما يشرق وجهها الأبيض ليناقض تلك الهالة السوداء المحيطة بها...
كانت مرهقة، و عيناها الجمياتين متعبتين، زادتهما الهالات الزرقاء قوة و صلابة ليتجمد العسل بهما...
الا أنها لم تفقد ذرة من بهائها...

تكلم ليث أخيرا و قال بخفوت
(النور في الدار نورك يا سوار)
كان مذاق اسمها على لسانه كطعم الشهد في حلاوته...
اخذ نفسا عميقا ثم قال بخفوت
(كيف حالك الآن يا سوار؟)
ابتسمت دون مرح، ثم قالت بصوتها الشجي
(لماذا يصر الجميع على سؤالي نفس السؤال؟، كيف تعتقد أن يكون حالي؟، خسرت زوجي و جنيني)
أظلمت عينا ليث و نظر اليها يود لو احتضنتها عيناه بقوة، طالما أنها محرمة على ذراعيه و صدره...
لكنه قال بصوت أجش خفيض.

(آسف لخسارتك يا سوار)
ابتسمت مجددا و هي تتحرك في خطوة متهادية، ثم قالت بصوت قاسي
(أي خسارة تقصد يا ليث؟، زوجي أم طفلي؟)
قال ليث بصوت أجش خافت بعد فترة صمت
(أنت مؤمنة يا سوار، تحلي بالصبر)
مالت بوجهها تنظر أرضا و هي تهمس بشرود
(الصبر، الصبر يا رب)
عقد ليث حاجبيه وهو يسمع همستها الشاردة، فشعر بقبضة تعتصر قلبه بقوة و عنف مؤلم، بينما الغصة آلمت حلقه...
أخفضت سوار وجهها و تقدمت قليلا و هي تقول بهدوء بعد فترة.

(اذن، فقد انتهى أمر الخلاف بين العائلتين، و حل بالزواج المتبادل)
رمقها ليث طويلا لا يشبع من عذب رؤياها، و ضميره يأمره بالنظر بعيدا
الا أنه في تلك اللحظة كان أضعف من فعل ذلك، ففكرة عرضه للزواج بها جعلت منها أقرب اليه من نبضات قلبه...
الا أنه حين تكلم قال بهدوء و بصوت واثق لا ينم عن شيء بداخله
(لن يحل الا بقبولك، لك حرية الرفض)
تقابلت أعينهما طويلا وقلبه يصرخ بداخله.

و حينها ستكون تلك هي آخر فرصة لك في الحياة، الا انه لم يسمح لشيء بالظهور على وجهه...
و انتظر، انتظر...
أومأت سوار بوجهها الشاحب القوي الملامح، ثم قالت بجمود أخيرا
(قبلا لدي سؤال)
قال ليث بخفوت حنون وهو يطالع وجهها المنخفض أمامه...
(تفضلي، اسألي ما بدا لك)
ساد صمت قصير قبل أن ترفع سوار عينيها الى عينيه، عينين صلبتين عسليتين، قويتين...
ثم قالت بهدوء
(هل وصاك سليم على قبل وفاته؟).

التوت شفتاه للحظة و رجفت زاويهما، الا أنه قال بخفوت بعد لحظة
(نعم حدث هذا بالفعل، و يحين سألته عن سبب اختياري أنا تحديدا، أجابني بأنه يخشى أن تظلمك القوانين)
ارتجفت شفتي سوار رغم عنها، و لسعت دموع حارقة حدقتيها، الا انها كالعادة كانت ترفض اطلاق سراحها...
ألتقطت أنفاسها ثم رفعت وجهها و سألته بهدوء مختنق قليلا
(هل ذكر شيئا عن الزواج؟).

سحب ليث نفسا أجشا وهو يدور حولها قليلا، موليا ظهره لها، ثم قال رافعا رأسه
(لا، لم يذكر الزواج، الزواج هو رغبتي أنا)
ظلت سوار على وقفتها، كل منهما يولي ظهره للآخر، ثم قالت بخفوت
(و لو أخبرتك أن مهري هو فواز الهلالي، أريده لي و بين يدي)
ظل ليث على صمته بينما تصلبت ملامحه تماما و قست عيناه، ثم قال اخيرا بصوت جاف
(سيكون هذا جوابا بالرفض منك يا سوار، فأنا لن أتزوجك لأراك تزفين الى القيود و الحجز).

التفت اليها أخيرا و نظر الى ظهرها، ثم قال بصوت أشد سطوة
(إن أنا تزوجتك، فسأتعهد أمام الله ان أحميك بحياتي، حتى لو تطلب الأمر أن أحميك من نفسك)
ظلت سوار على وقفتها دون أن تستدير اليه ثم قالت أخيرا بصوت غامض
(أتظن أنك تمتلك القوة الكافية لمنعي؟)
ابتسم ليث بحزن وهو ينظر اليها، ثم قال أخيرا بثقة
(لقد نجحت في تعليمك القوة يا سوار، لكن لا تنسي أنني أستاذك فلن يمكنك التغلب علي).

التفتت سوار اليه أخيرا، تمنحه قبلة الحياة بالنظر الى بهاء وجهها...
كانت عيناها غريبتين، بهما ثقة و تحدي، بهما قهر و نارا موقدة، و خلف كل هذا حزن دفين عميق...
لو أراد سرد قصيدة عن لغة عينيها في تلك اللحظة فلن يستطيع...
كان يعلم أن مثلها لن تسلم بسهولة ابدا، لكنه قادرا الى مواجهتها، و احتوائها و ضمها الى صدره حتى تمتزج بأضلعه...
قالت سوار أخيرا بخفوت بارد
(و هل علمت زوجتك برغبتك في الزواج مني؟).

قال ليث بهدوء وهو ينظر الى عينيها
(تعلم منذ وقت طويل جدا، أطول مما يمكننا انكاره)
حين قال ما قاله اشتعلت عيناها بغضب مفاجىء شرس و قالت بعنف
(بداية يا ليث، لا اريد مطلقا التلميح الى أي شيء من الماضي، وخاصة فيما يتعلق بمشاعرك)
ابتسم ليث وهو يواجه عينيها ثم قال أخيرا بهدوء
(اذن تتذكرين مايتعلق ب، مشاعري!)
برقت عيناها بغضب أشد عنفا و هتفت
(كفى، راعي حرمة صديقك، زوجي).

اظلمت عيناه بالغيرة الممتزجة بالحزن، كيف له أن يحارب الغيرو بالحزن، و يهدىء من حزنه بينما الغيرة تقتله؟
شيء واحد هو اكيد منه، أن حياته مع سوار لو قدرت، ستكون أياما لا تطاق من الألم...
و شهدا لا يوصف من عذب مذاقه...
قال ليث أخيرا بصوت جاف
(صديقي قبل أن يكون زوجك يا سوار، فلا تعلميني الحزن و أصوله)
نظرت سوار الى عينيه طويلا ثم سألته بهدوء
(و هل تعلم أصوله يا ليث؟).

برق شهاب غاضب في عينيه، الا أنه سيطر عليه بسرعة و قال بهدوء
(هذا أمر يخصني، فلا تقتحمي قلبي الا لو كنت على استعداد لمواجهة و تقبل ما تجدينه بهذا القلب)
ظلت تنظر اليه بعينين جامدتين و ملامح أكثر جمودا ثم قالت أخيرا بخفوت
(لا يهمني قلبك يا ليث، لم أعد صالحة لنبش القلوب، )
رفعت وجهها أكثر و قالت بصوت واضح
(أنا موافقة).

أجفل ليث و شعر و كأن قلبه قد فقد أحدى دقاته، فاختل توازنه كله وهو ينظر اليها يحاول التأكد مما سمع للتو، فقال بصوت متوهج ببريق غريب
(وافقت على الزواج مني؟)
نظرت اليه سوار و ردت ببطىء غامض مؤكدة
(وافقت على الإنتقال لدار الهلالية).

مرت ساعات اليوم بطيئة جدا...
ساعة خلف ساعة...
و هي تبكي بلا توقف، حتى نفذت دموعها تماما و تحجرت عينيها...
منذ ساعتين و هي تجلس على نفس الحال تنظر الى ساعة الحائط و تسمع دقاتها الرتيبة، و كأنها مطارق فوق رأسها المشوش...
كانت أشبه بجسد خاوي بلا روح، حتى انها فقدت الرغبة في البكاء مجددا...
فقط تجلس لتستمع الى دقات الساعة، و تنظر الى وجه الطفل النائم أمامها على الأريكة و قد دثرته جيدا...

شعره الحريري الاسود يغطي جبهته، و ملامحه تبدو هادئة بعد أن شبع و ارتاح و اطمئن لزوال صراخ الصباح...
في ذهنها يتردد معنى واحد!
أنه لن يعود الليلة!
نهضت تيماء من مكانها ببطىء و عيناها كعيني جثة هامدة لا تبصر امامها، ثم التقطت هاتفها و طلبت رقم زميلتها في العمل، و ما أن ردت عليها حتى طلبت منها بخفوت فاتر.

(أميمة، هلا قدمت لي على طلب اجازة غدا؟، أنا خارج المدينة و لن أعود اليوم، قد أعود غدا لكنني لست متأكدة، لذا قدمي لي طلب الأجازة على كل الأحوال)
أغلقت الخط ثم وضعت هاتفها مكانه لتعود الى الاستلقاء فوق المقعد الوثير...
بدأ النوم يداعب جفونها أخيرا، الا أنها لم تجرؤ على النوم في السرير الملعون...
بل ستنام هنا في هذا الكرسي...
أغمضت عيناها أخيرا وصورة واحدة أمامهما...

صورة قاصي يغازل امرأة أخرى، مجهولة الشكل و الاسم...
بينما هي أمضت يومها ترعة ابنهما!
علي تلك العبارة نامت و قد انسابت دمعة واحدة صغيرة فوق وجنتها الباردة...

تحركت لتفتح باب شقتها ببطىء، و ما أن فتحته على مصرعيه حتى فوجئت برؤيته واقفا...
محنى الرأس و مستندا بكفه الى اطار الباب...
همست بحيرة بينما أظلمت عيناها بغضب
(قاصي!، ماذا تفعل هنا؟)
رفع قاصي وجهه ينظر اليها ببطىء، فرأت ذقنه غير حليقة و عيناه حمراوين بلون الدم...
بدا صامتا. متباعدا، و لا رغبة له في الرد، فقالت بخفوت أجش
(تبدو متعبا للغاية!، تعال أدخل. ).

استقام قاصي و دخل ببطىء الى الشقة العصرية، مبهرجة الألوان...
وقف في منتصف غرفة الجلوس وهو لا يرغب في التقدم أو التراجع، فجذبته من يده الى غرفة النوم و هي تقول بصوت أجش غاضب
(تعال الى الداخل، يبدو أنك تحتاج الى النوم بشدة)
تركها تقوده الى الغرفة، و ما أن تركت يده حتى اتجه الى الفراش فارتمى جالسا على حافته و أحنى رأسه ليدلك جبهته بتعب...

ظلت واقفة مكانها تنظر اليه طويلا مكتفة ذراعيها، ثم قالت بصوتها الخشن و الذي قد يعتبره البعض ملحنا و مثيرا
(اذن فقد تزوجت حبيبتك الصغيرة!)
رفع وجهه ينظر اليها طويلا...
تبدو جميلة بطريقة ما، و هي ترتدي قميص نومها الحريري الطويل ذو الحمالتين الرفيعتين...
و شعرها الأسود الطويل الذي فقد لمعانه متدليا على ظهرها...
عيناها سوداوان بشدة، تظهران استيائها بوضوح
فقال قاصي بهدوء.

(بما أن اقبال قد نقلت اليك الاخبار بسرعة، فلا داعي لسؤالي يا ريماس)
زمت شفتيها و اخذت نفسا أجشا غاضبا ثم قالت ببرود
(ألم يكن من الواجب أن تخبرني أولا؟)
قال قاصي بنبرة أكثر تسلطا و قسوة
(لا لم يكن من الواجب، هذه حياتي الخاصة و لست في حاجة لطلب الإذن منك)
بدت عيناها كعيني النمور و هي تنظر اليه بلهيب صامت قسرا، ثم قالت من بين أسنانها
(لكني زوجتك)
تنهد قاصي وهو يقول بملل.

(لا داعي لتلك النغمة مجددا يا ريماس، خاصة الآن)
ظلت واقفة مكانها تنظر اليه ثم قالت بصوت جليدي أجش
(اذن لماذا تركت عروسك الغالية وحدها و أتيت الى هنا؟، و اين تركت ابني؟)
حك قاصي فكه و قال بصوت جامد حجري
(عمرو مع تيماء في البيت)
فغرت ريماس شفتيها و هتفت بغضب ناري
(تركت ابني مع زوجتك؟، لماذا؟)
ظل قاصي مطرق الوجه وهو يميل الى الأمام مستندا بمرفقيه الى ركبتيه، ناظرا الى الأرض بصمت قبل أن يقول بجمود.

(لانه كان السبيل الوحيد الذي سيمنعها من الهرب)
زمت ريماس شفتيها بقوة و النفس اللاهب يحرق جسدها ببطىء، ثم قالت بنفس البرود الجليدي
(و لماذا لم تبقى أنت معها و تمنعها؟)
قال قاصي دون أن يرفع رأسه
(لأنني لا أثق بنفسي و أنا معها)
زفرت بقوة لاهبة و هي تتأجج غضبا ثم همست بصوتها الأجش
(يا حبيبي!، لهذه الدرجة تخاف عليها؟)
ساد صمت طويل قبل أن يهمس قاصي بخفوت
(هي الوحيدة المتبقية لي، فكيف لا أخاف عليها؟).

ظلت تراقبه طويلا، ثم فكت ذراعيها و اقتربت منه ببطىء تحت اضواء المصابيح الجانبية الشاحبة، الى ان جلست بجواره على حافة السرير و أحاطت كتفيه بذراعيها، تدلكهما برفق و اثارة و هي تهمس في أذنه
(و ماذا عني؟، أنت هنا الآن و نحن وحدنا و هذا يكفي، لقد أتيت الى هنا ما أن شعرت بالخوف، لقد ساقتك قدماك الي)
تحركت أصابعها على أزرار قميصه، تنزعها واحدا تلو الآخر الى أن نزعت القميص عنه و رمته بعيدا...

ثم مدت يدها تلامس فكه الغير حليقة و تقبلها برفق و اثارة هامسة بصوتها الأجش الخافت
(قاصي)
ظل قاصي مكانه دون أي استجابة وهو ينظر الى البعيد بعينين متحجرتين، مستسلما الى لمساتها دون أن ينظر اليها حتى، بينما هي تتبع لمساتها بشفتيها و هي تهمس فوق بشرتها
(استسلم يا قاصي، تعرف بأنك ستفعل ذلك يوما)
استمر الصمت طويلا، لا يقطعه سوى صوت تنفسها الثقيل، الى أن تكلم قاصي أخيرا بصوت غريب ميت.

(تعرفين أن هذا يشعرني بالنشوى يا ريماس، لكن ليس للسبب الذي في خيالك)
همست ريماس دون وعي تقريبا
(أعلم، و لا فارق لدي)
استمر جنونها لعدة لحظات قبل أن يرفع قاصي يديه ليبعد ذراعيها عن عنقه و كتفيه ثم نهض واقفا وهو يقول بخفوت
(لقد أخطأت في المجيء الى هنا)
انحنى ليتناول قميصه ثم تحرك ببطىء تجاه باب الشقة، أمام ناظريها الذاهلين، الا انها قفزت خلفه و هي تهتف بقوة و غضب
(قاصي، قاصي).

لكنه كان قد فتح الباب و أغلقه خلفه، ضربت ريماس الباب بقدمها و هي تهتف غاضبة دون أن تأبه للألم...

وقف امامها طويلا...
دقائق أو ساعة، ليس متأكدا...
لكنه لم يكن متعبا...
بل كان مستمتعا وهو يراقب نومها فوق المقعد، ساقيها متدليتين من فوق ذراعه و رأسها مرتمي على الذراع الآخر...
و شعرها الهمجي مرتميا خلف الذراع...
اقترب منها ببطىء و عيناه لا تفصحان عن شيء، الى أن وصل اليها، فنظر لها طويلا قبل أن ينحني ليقبل عنقها و نحرها من ياقة القميص المفتوح قليلا...
قبلاته كانت دافئة و نهمة...

متوالية عليها كأمطار تروي الأرض الجافة...
تحرك رأسها يمينا و يسارا و هي تتأوه بخفوت، بينما تلك القوة التي تمتص منها الروح تمنعها من المقاومة...
شعرت برأسها يتراجع للخلف و هي ترتفع الى سماء عالية، بينما ساقيها تتأرجحان من فوق السحاب...
فشهقت خوفا من أن تقع و تشبثت بأول ما أمسكت به يداها...
الا أن قبلة قوية أسكتت شهقتها باحتواء حلو، و همسة تلتها بصوت أجش خفيض في تجويف أذنها.

تيمائي المهلكة، يا أرضا أينعت جمالا، فأهلكت الأعين بسحرها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة