قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الرابع والستون

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الرابع والستون

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الرابع والستون

خلال خمسة أيام، كانت تحاول استعادة نفسها...
بالقوة أو بالغصب...
بأي طريقة كانت و مهما بلغ ألمها، لم تكن تيماء لتسمح لنفسها بالإنهيار...
ففي اليوم التالي لعودتها البائسة، استيقظت باكرا و نظرت الى نفسها في المرآة فهالها تورم عينيها المريع...
لكن الابشع من التورم و الاحمرار كانت تلك النظرة المنكسرة في عينيها...
يومها وقفت طويلا امام المرآة لتدرس تلك النظره و هذه الملامح...

بشعرها الكث المشعث و الذي يكاد ان يبتلعها، و ووجهها الشاحب كوجوه الموتى...
بينما تلك العينين الفيروزيتين واسعتين جدا، تنظران اليها عبر المرآة بنظرة انكسار لم تعرفها منذ سنوات و كانت تظن بانها عقدت العزم على الا تراها مجددا...
هذا اليوم صباحا و هي تقف امام المرآة و تنظر إلى عينيها، همست اخيرا بصوت لا حياة فيه
لن يهزمني رجل مطلقا، مهما بلغ عشقي له، حتى والدي لم يهزمني رغم كل ما فعله.

بعد هذه العبارة ارتدت ملابسها ببطىء و اتجهت الى الكلية حيث عملها الذي لم تعد تمتلك غيره...
و الآن و بعد خمسة أيام من المواظبة في الذهاب الى الكلية و حضور المحاضرات...
بدأت تندمج شيئا فشيئا مع طلابها...
هؤلاء الطلاب كانو الحافز الوحيد لها على تحمل الألم العنيف بداخلها، و ابتلاعه عميقا...
استدارت تيماء عن اللوح الالكتروني الضخم لتواجه مدرجا اضخم يحوي حوالي ثلاث آلاف من الطلاب...

تابعت محاضرتها مبتسمة بمرح
(باختصار، في دراستنا للانثروبولوجيا، يمكنكم القول اننا ندرس الانسان، طبيعيا و اجتماعيا و حضاريا، اي ان الانثروبولوجيا لا تدرس الانسان ككائن وحيد بذاته او منعزل عن بني جنسه، انما تدرسه بوصفه كائنا اجتماعيا بطبعه، يحيا في مجتمع معين، له ميزاته الخاصة في مكان و زمان معينين...

كما انها دراسة للانسان في ابعاده المختلفة، الاجتماعية و الثقافية، كما انه علم جمع بين تلك المايدين المختلفة و منها ايضا تاريخ تطور الجنس البشري و الجماعات العرقية و النظم الاجتماعية المختلفة باختلاف المكان الذي تنتسب اليه كل منها)
تشعر تيماء و هي تتكلم بثقة في مكبر الصوت الصغير امام هذا الحشد الضخم من الطلاب، بالقوة و السيطرة...

السيطرة التي تتمكن بها من النفاذ الى عقلية كل طالب على الرغم من اختلافاتهم...
فمنهم من هو شديد الاهتمام بما تقول، منهم من يهتم بالطريقة التي تنقل بها المعلومة لهم عن طريق المزاح و المرح...
احيانا يضج المدرج بالضحك لمجرد عبارة عفوية ذكرتها، و هي لا تمانع ابدا، طالما في النهاية سيخدم هذا هدفها في توصيل الكلمات بسلاسة الى عقولهم...

تحركت تيماء بأناقة لتستند الى طولتها مواجهة للمدرج الضخم لتتابع محاضرتها...
الا انها تلجمت فجأة و هي تشعر بأنها قد لمحت بين الأعين الكثيرة، زوج من عينين بلون الجمر الملتهب...
انتفض قلبها بين اضلعها انتفاضة مالوفة لديها و هي تميل بوجهها يمينا و يسارا بحثا عن هاتين العينين دون جدوى...
عشرات الوجوه تنظر اليها دون ان تجد ضالتها...

توقفت تيماء عن البحث و أطرقت بوجهها الشاحب لعدة لحظات تستعيد توازن أنفاسها المتقطعة و هي تهمس لنفسها
اجمدي يا تيماء، سيكون الأمر صعبا، لكنك لن تنهاري، لن يهزمك رجل
رسمت على وجهها ابتسامة براقة و هي لا تزال مطرقة الوجه و كأنها ترتديها على ملامحها عنوة...
ثم رفعت وجها مشعا مبتسما و هي تتابع ببساطة و ثقة عبر مكبر الصوت...

(أهداف دراسة علم الانثروبولوجيا، والله من عدد المرات التي كررتها من المفترض أن تكون قد رسخت في عقولكم و تثبتت، لكن لا مانع من الاعادة، ففيها استفادة)
توقفت عن الكلام و هي تلمح أحد الطلاب يلعب بهاتفه و شارك من حوله في اللعبة ضاحكا
تستطيع عيناها اقتناصه من على بعد...
فقربت مكبر الصوت من فمها و نادت بحزم
(مجدي عبد العظيم على المناويشي، تعال الى هنا).

انتفض صاحب الاسم رافعا رأسه بعينين متسعتين، و نادى من مكانه
(نعم يا أستاذة)
قالت تيماء عبر المكبر
(تعال الى هنا يا بني)
نادى الطالب ببراءة و هو يتظاهر بالدهشة
(لماذا يا استاذة؟، ماذا فعلت؟)
قالت تيماء عبر المكبر
(لم تفعل شيئا، أنا شخصية ظالمة، تعال الى هنا)
نهض الطالب من مكانه متبرما و نزل درجات المدرج ثم صعد الى المنصة التي تقف عليها فوقف بجوارها...

استسعت عينا تيماء قليلا و هي ترفع وجهها عاليا حتى تستطيع الوصول الى وجهه
كان شديد الضخامة طولا و عرضا، فقالت تيماء بدهشة
(هل ترى نفسك منطقيا بطولك هذا؟)
نظر مجدي لأسفل و قال بنفس البراءة
(أنت القصيرة جدا يا أستاذة)
لوت تيماء شفتيها ثم قالت بجدية...
(حسنا دعنا لا نخض في هذا الأمر أكثر، خذ مقعدي و اجلس هنا بجواري)
مد مجدي ذراعيه و قال ببراءة مدعي الإحساس بالظلم
(لماذا يا أستاذة؟، أنا لم افعل شيء).

ابتسمت تيماء بحزم و هي تقول
(اعلم انك لم تفعل شيئا، لكنني أتفائل بوجودك بجواري يا مجدي، و الآن اجلس)
سحب مجدي المقعد و جلس بجوارها باستسلام و ما ان جلس حتى قاربها طولا تقريبا، فقالت تيماء متابعة محاضرتها...
(لنتابع ما توقفنا عنده، اهداف دراسة علم الأنثروبولوجيا، )
استدرات تيماء تواجه مجدي و قالت
(هل يمكنك اخباري نبذة عن الاهداف، مع الشرح التفصيلي لكل نقطة يا مجدي من فضلك).

ارتفع حاجبي مجدي قليلا مجفلا وهو ينظر حوله، ثم اشار الى صدره قائلا
(أنا؟)
أومأت تيماء بوجهها و قالت مكتفة ذراعيها مستندة الى طاولتها أمامه
(نعم أنت، لا مجدي هنا سواك)
حك مجدي شعره قليلا، ثم بدأ يتكلم
(آآآآآآه، بسم الله، الأهداف، أول هدف هو أن هذا العلم سيفيدنا في ال، ال تربية الحديثة، عامة، في المجمل، ثانيا هذا العلم هو الذي يحدد انواع البشر و، ااااااه).

كانت تيماء تقف مكانها مستندة الى طاولة، تستمع اليه مكتفة ذراعيها و هي ترفع احد اصابعها و تعض عليه بين اسنانها و ما ان يئست تماما حتى قالت بهدوء
(هو علم جميل اليس كذلك؟)
اوما مجدي برأسه قائلا
(و هام جدا)
عضت تيماء على زاوية شفتيها و قالت بجدية.

(مجدي عبد العظيم على المناويشي، الأهداف هي مقدمة المقرر، هل تعرف معنى هذا؟، معناه أنك لم تقرأ كلمة واحدة تؤهلك لدخول الاختبار، هلا اخبرتني بأي وجه ستنظر الى ورقة الأسئلة؟، أنا لو كنت ورقة من أوراق اجاباتك في الاختبارات الدورية، لخرجت عن صمتي و شتمتك على تلك الاجوبة البائسة التي أضعت بها ورقة ثمينة، تلك الورقة لو قمنا بلف بعض الشطائر بها لكانت مفيدة اكثر).

كان مجدي يستمع اليها وهو فاغر الفم قليلا شارد التفكير تماما، فتوقفت تيماء عن الكلام و هتفت مفرقعة باصبعيها
(مجدي عبد العظيم على المناويشي، أفق، هل نمت؟)
هز مجدي رأسه قليلا و قال ببساطة
(لا لم أكن نائما، شردت قليلا يا استاذة)
زمت تيماء شفتيها ثم قالت مبتسمة بدبلوماسية
(لا بأس، هلا أخبرتنا عما شردت به من فضلك؟)
اتسعت عينا مجدي قليلا و قال
(لماذا؟)
قالت تيماء بعفوية و بساطة...

(لا مانع لدينا من الخروج قليلا من جو المحاضرة، لذا يمكنك اخبارنا)
حك مجدي شعره مجددا وهو يرفع حاجبا واحدا، ثم قال ببساطة
(هل أنت متاكدة أنك تودين المعرفة؟، الن تثوري؟)
رفعت تيماء حاجبا مماثلا و قالت بحذر
(انها ليست أفكارا خادشة للحياء كما أتمنى؟)
قال مجدي بسرعة
(لا اطلاقا، الحقيقة لو أردت المعرفة، فأنا كنت أتسائل ان كانت عينيك حقيقية اللون، أم أنك تضعين عدسات لاصقة).

تعالت الضحكات من المدرج، ممتزجة بالصفير الممازح
فاحمرت وجنتي تيماء قليلا، الا انها لوحت بذراعيها قائلة بابتسامة مرحة
(كفى، كفى، حسنا يا استاذ مجدي عبد العظيم على المناويشي، اجابة على سؤالك فلون عيناي حقيقي تماما، و هذه ليست المرة الاولى التي أسمع بها هذا السؤال، فهلا عدنا الى المحاضرة رجاءا)
تنحنح مجدي قائلا
(لا توجد فتاة واحدة في الدفعة لها نفس لون الأعين)
تعالت الضحكات مجددا فقالت تيماء متنهدة.

(والله يا مجدي لو شغلت نفسك بالمقرر بدلا من شغلها بالتدقيق في لون اعين الطالبات لبارك الله لك و قد تستوعب شيئا)
قال مجدي ببراءة
(انها مجرد ملاحظات، يمكنك اعتبارها مرتبطة بعلم الانثروبولوجيا، الا يحتوي على الجانب الوراثي كذلك و من ضمنه لون الأعين؟)
برقت عينا تيماء و قالت مبتسمة
(بسم الله ما شاء الله يا مجدي، هل حقا ذكرت معلومة حقيقية في المقرر؟، أنا فخورة بك حقا).

احمرت وجنتي مجدي و عدل من ياقة قميصه قائلا بحرج
(الفضل لعينيك يا استاذة)
تعالت الضحكات و الصفير مجددا، فابتسمت تيماء و قالت بجدية
(حسنا يا مجدي لقد ربحت، عد الى مكانك و اعرني تركيزك من فضلك)
تعالى فجأة صوت صفق عالي بدا عنيفا بشدة، صادرا من نهاية المدرج، فانتفضت تيماء و نظرت الى الباب الخلفي الذي ارتج اثر خروج أحدهم و صفق الباب خلفه بمنتهى العنف...
قالت تيماء بصرامة.

(ما هذا؟، من خرج من المحاضرة صافقا الباب بهذا الشكل و قلة الذوق؟، لقد منحتكم حرية الخروج و الدخول الى محاضراتي من البداية، لأن التركيز لا يأتي غصبا، لكن هذا ليس معناه أن يصفق الباب بهذا الشكل و كأن من خرج يخبرني بوضوح أنه قد سئم الوضع، بعض الإحترام من فضلكم، هذا كل ما اطلبه)
زفرت تيماء بعدم ارتياح، ثم لم تلبث أن قالت متابعة شرحها.

(حسنا، دعونا نعود الى المحاضرة، بالفعل و كما بسط لنا مجدي المعلومة فعلم الانثروبولوجيا يتضمن جزئا طبيعيا و حيويا، و علم الوراثة و حتى علم التشريح ايضا، بالاضافة الى الجانب الاجتماعي و الثقافي، سأطرح عليكم سؤال، لو لدينا شخص نشأ في بيئة معينة، و تحت ظروف خاصة، هذا الشخص له موروثات معينة ولد بها، و أخرى اكتسبها...

لو زرعنا نفس الشخص بنفس الموروثات التي ولد بها في بيئة أخرى بحضارة مختلفة و ظروف مغايرة، هل سنحصل على انسان مختلفا جذريا أم أن الموروثات هي الأساس؟).

حين خرجت من المدرج، سمحت لنفسها اخيرا باسقاط قناع الابتسامة الذي تضعه...
كانت مرهقة نفسيا لدرجة أكبر من تلك القوة التي تدعيها...
تنهدت تيماء و هي تسير في رواق الكلية الطويل، تنظر الى مربعات الأرض تعدها بشرود
أوراقها و ملفاتها في يدها و بيدها الأخرى تمسك بحقيبتها...
خمسة أيام مرت دون أن يهاتفها أو يأتي لرؤيتها...
و كعادتها تشعر بنفسها دائما كمرتبة ثانية في حياة كل من هم حولها...

المخزي في الأمر أنها لا تزال تشتاق اليه بكل غباء، و تتقلب على فراش من جمر كل ليلة و هي تتخيله في احضان زوجته الأخرى...
نعم هي لا تزال تعشقه بكل جنون، و بكل غباء، و تشك في أنها قد تستطيع نبذ عشقه يوما...
ستنبذه هو، و تخرجه من حياتها، الا أنها لن تتمكن من أن تنبذ عشقه...

كيف تستطيع وهو الرجل الوحيد الذي احتل سنوات ادراكها كلها، منذ نهاية الطفولة و حتى المراهقة و حتى هذه اللحظة، بعد ان جعلها امرأة كاملة، امرأته...
توقفت تيماء مكانها و هي تشعر بنفسها مراقبة!
هذا الأحساس يراودها منذ عدة أيام، تكاد تستشعر وجوده في كل مكان حولها، الا انها تتلفت حولها فلا تجده.

و هذه المرة ليست استثناء، فقد توقفت مكانها، ثم استدارت لتبحث عمن يراقبها، الا أن الرواق كان خاليا و طويلا من خلفها...
ظلت تيماء على حالها تنظر بوجوم الى الرواق الخالي و الممتد الى ما لا نهاية و كأنه طريق حياتها التي اسقطت منه كل زائريها و بقت هي وحيدة في نهاية المطاف...
(تيماء)
انتفضت تيماء و هي تستدير مسرعة لتنظر الى من يناديها مجفلة رغم هدوء الصوت،.

ابتسمت برزانة و هي تبتلع الغصة في حلقها قائلة بابتسامتها المشرقة
(مرحبا عماد)
قال عماد زميلها في الكلية، مبتسما ببشاشة
(هل أجفلتك؟)
هزت رأسها نفيا و هي تقول
(على الإطلاق، كنت شاردة فحسب، )
ابتسم و قال بروح طيبة
(جيد، كيف حالك و ما هي آخر أخبار المنحة؟)
قالت تيماء بابتسامة مماثلة
(لا زلت أدور في دائرة الأوراق و الإجراءات التي لا تنتهي، لكنني لن أستسلم، انها فرصة لا تتكرر كثيرا)
قال عماد مبتسما بأسف.

(سنشتاق اليك يا تيماء، لست وحدي بل و كل الطلاب، لا أعلم ماذا فعلت لهم فأحبوك في مثل هذا الوقت القصير!)
ابتسمت تيماء بسعادة و هي تقول
(و أنا أيضا أحببتهم جدا، و أحببت العمل هنا، و احيانا أشعر بأنني لا أرغب في السفر، لكن للأسف، إنه هدف أكثر منه رغبة)
قال عماد بصدق
(اتمنى لك كل التوفيق يا تيماء، و ان كان في سفرك خير لك فليتممه الله لك و ان كان شر، فليبعده عنك و يرضيك بقضاءه).

ابتسمت تيماء و هي تنظر اليه...
عماد معيد معها في الكلية تعرفت عليه منذ عدة اشهر، شديد الطيبة و النقاء...
و شديد الالتزام ايضا...
لا يشبه شخصية الدكتور ايمن مطلقا، على الرغم من انها تستشعر رغبة منه في التقدم لخطبتها و هي تتغابى و تتعامى...
الا انها لا تملك منع نفسها من مراقبة صفات كل من يمر في حياتها
انها تعرف حق المعرفة أنه لم يقع رجل في هواها من قبل...

لكنها كانت خطيبة محتملة لعدد منهم، و لكل منهم نظرة و طلب مختلف عن الآخر
الدكتور أيمن...
كان يبحث عن زوجة تناسب وضعه، اجتماعيا و علميا وماديا، لأنه وصل للسن المناسب للزواج بل و تعداه قليلا...

عرابي ابن عمتها، فقد كان أفضل حالا قليلا من الناحية العاطفية، نشأ على فكرة زواجه من ابنة عمه، وهو متقبل الفكرة تماما، و ما أن رآها ووجدها مقبولة قليلا حتى بدأ يستعد نفسيا و عاطفيا لها دون أي تواقف عقلي بينهما، يكفيه أنها ستكون مميزة عند جدها و بالتالي سيكون لها الكثير من العطايا...
أمين ابن عمها، هذا هو من صدمها فعلا...

للوهلة الأولى يبدو لطيفا للغاية و أنيق كما أنه متحضر و هادىء الطباع، يختلف في ظاهره عن باقي أبناء أعمامها، الا أن سؤال واحد منه جعلها تجفل و تنظر اليه بعدم تصديق
حين كان يتمشى معها ذات يوم أثناء اقامتها في البلد...
سألها بهدوء
تيماء، هل سبق لك الإرتباط من قبل؟،
يومها ارتبكت و لم تعرف كيف تجيب، فقالت ممازحة
حسب علمي لم أخطب من قبل، و لم اتزوج، لذا،
قاطعها امين مبتسما.

اعلم انك لم تكوني مخطوبة او متزوجة، انا اتسائل عن شيء آخر، هل كنت مرتبطة بشخص عاطفيا؟
ارتبكت تيماء أكثر و توترت، لكنها قالت بثبات
هل لي أن أسالك عن سبب سؤالك؟،
قال أمين ببساطة وهو يسير الى جوارها.

أنا انسان صريح يا تيماء، و قد يكون هذا شيء ايجابي الا أنه في أكثر الأحيان يظهر أشد عيوبي، لذا على الإعتراف لك بما أنك على وشك اختيار زوج لك و قد أكون زوجا محتمل، أنني كشخص لم استطع يوما تقبل العلاقات العاطفية الخفية، و الارتباطات الغير رسمية تحت مسى الحب، أنا لا احاكم أي امرأة لكنني غير قادر على تقبلها كزوجة لي و الوثوق بها فيما بعد، فمن تخون ثقة أهلها من السهل جدا أن تخون ثقة زوجها،.

فغرت تيماء شفتيها و هي تنظر اليه بذهول، فما كان منه الا أن ابتسم باستياء و قال بهدوء
صدمتك، اليس كذلك؟،
اجابت تيماء على الفور
بصراحة، نعم،
قال أمين بهدوء
كما أخبرتك، صراحتى تتسبب في اظهار أسوأ عيوبي،
أطرقت تيماء بوجهها و هي تسير بجواره ثم قالت بعد فترة
أنا أقدر الصراحة مهما كانت صادمة، و من حقك أن تحدد خياراتك في زوجتك المستقبلية حتى ولو اختلفت معك في وجهة النظر، لذا سأكون صريحة معك بالمقابل،.

رفعت وجهها اليه و قالت بخفوت
كنت مرتبطة منذ سنوات، احببت شخص لكن هذه العلاقة لم يكتب لها النجاح، لذا اهتممت بدراستي و عملي و حاولت جاهدة ان اتجاوز الأمر،
ساد صمت طويل بينهما، الى ان قالت تيماء كي تعفيه من الحرج
اتمنى لك التوفيق في حياتك يا امين، و عسى ان يرزقك الله بالزوجة التي تناسبك،
عادت تيماء من شرودها و هي تنظر الى عماد الذي لا يزال واقفا مكانه يحدثها ببشاشة...

ثلاث نماذج من الرجال فكرو بها كزوجة محتملة، و كل منهم على النقيض من الآخر...
اما الرابع...
الرابع هو الوحيد الذي ارتبطت به روحا و زوجا، هو الوحيد الذي امتلكها بمحض ارادتها
فان كان الثلاثة قد فكروا في الزواج منها محكمين العقل، الا ان قاصي هو من فاز بها مع غياب تام للعقل و المنطق، و ها هي تعاني الآن من فرط غبائها...
(تيماء، هل تسمعينني؟)
نظرت اليه تيماء و هي تقول بشرود.

(ها، عفوا يا عماد، يبدو انني متعبة قليلا)
قال عماد بقلق
(لا عليك، اذهبي و ارتاحي قليلا، انا فقط كنت اسألك ان كنت ستشتركين معنا في الرحلة؟، جميع الطلاب يريدون منك الذهاب معهم و انا كذلك)
ابتسمت تيماء ابتسامة مرتجفة و هي تقول
(لا أعلم يا عماد، ظروفي غير مستقرة هذه الأيام و لا أعلم ان كنت س)
قال عماد برقة.

(حاولي، فقط حاولي و ستستمتعين بها جدا، أنا شخصيا أشترك بها كل عام، الا أنه العام الأول لك و لن يكون الأخير ان شاء الله)
ابتسمت تيماء و قالت بخفوت
(حسنا، سأحاول)
ابتعدت عنه بعد أن ودعته و هي تشعر بالإرتباك، لا أحد يعلم بعد أنها متزوجة...
و هي لا تعرف كيف تعلن الأمر و هي على وشك الإنفصال...
عماد يتقرب منها و قد وصلها من احدى زميلاتها أنه يبحث عن عروس ملتزمة دون تشدد و تكون طيبة و قنوعة...

عندها تأكدت من أنه يراها العروس المناسبة، و لا يعلم بزواجها...
إنها لا تخدعه، لكن ليس من المنطقي أنه تحييه ذات صباح قائلة
صباح الخير يا عماد، بالمناسبة أنا متزوجة لكن على وشك الإنفصال، لأن زوجي تبين أنه نذل و حقير و خائن، و أكثر من آلم قلبي،
تابعت تيماء سيرها في الرواق الخالي و هي تهمس مكررة بشرود
و أكثر من آلم قلبي!،.

دخلت تيماء الى شقتها و أغلقت الباب خلفها بتعب...
ككل يوم نفس الشقة الخاوية، الا انها اصبحت كل عالمها، هي و نباتاتها الصغيرة...
فلقد اشترت العديد من شاليات أشجار الزينة و النعناع، و أشجار ورود متعددة...
كانت تهتم بها و كأنها أطفالها، علها تبدد الوحدة المقيتة التي تحياها ممتزجة بألم الغدر...
حتى أمها، نالت منها أكبر خذلان...

و هي تتصل بها كل يوم تهتف بغضب و ووعيد عن الكارثة التي اوقعت نفسها بها و تهورها في زواجها من قاصي، و ما ينتظرهما من بلاء على يد سالم الرافعي...
حتى أن تيماء في النهاية توقفت عن الرد على اتصالات أمها، و قررت الانعزال تماما...
عملها و طلابها صباحا، و نباتاتها و القراءة مساءا...
كانت تعالج نفسها ببطىء و تنهض من سقطتها ككل مرة...

القت بمفاتيحها جانبا، و خلعت حجابها تلقي به ايضا، الا انها انتفضت صارخة بعنف و هي تسمع الصوت المعروف لقلبها يقول بعمق أجش
(أنيقة للغاية)
رفعت تيماء يدها الى فمها تكتم صرختها القوية و هي ترى الظل الطويل يقف في بداية رواق شقتها الصغيرة...
مستندا بكفه الى الجدار...
هو، هل هو فعلا أما أنها تتوهم مجددا؟
تحرك قاصي الى الضوء الشاحب لغرفة الجلوس حتى بانت ملامحه واضحة بما لا يقبل الشك...

عيناه بوهج الجمر، و لحيته قد استطالت كشعره، بينما بدا الجرح في وجهه اكثر بروزا، او ربما وجهه هو ما كان اكثر نحولا...
دس يديه في جيبي بنطاله الجينز الاسود وهو يراقبها بنظرات مشتعلة صامتة، من اعلى رأسها و حتى اخمص قدميها...
متفحصا حلتها شديدة الأناقة، و حذائها الجميل رغم أنه منخفض الكعب...
و شعرها الهمجي تهدل على ظهرها و كتفيها بلمعانه المعدني و تشابكه العسير...

قال مجددا بصوت أكثر خشونة و كأنها ادانة لا مدح
(أنيقة للغاية)
كلمته الباردة جعلتها تستفيق من صدمتها الأولى فانتفضت صراخة بعنف
(ماذا تفعل هنا؟، و كيف دخلت الى شقتي في عدم وجودي؟)
ابتسم قاصي ابتسامة قاسية دون أن يتحرك من مكانه و دون أن يتنازل عن مراقبته الوقحة لها
ثم قال ببساطة
(استخرجت نسخة من مفتاحك حين كنت في بيتي)
بهت وجه تيماء و فغرت شفتيها، محدقة الى لامبالاته الواضحة و صفاقته قبل أن تقول ببطىء.

(كيف تجرؤ؟، كيف تجرؤ؟، تخطط و تقتحم حياتي الخاصة كالمجرمين؟)
ازدادت ابتسامته التواءا، ثم قال بامتعاض
(أقتحم حياتك الخاصة؟، أنت زوجتي، أي أنه لم يعد لك حياة خاصة غير مسموح لي باقتحامها كما تدعين)
كانت لا تزال على نفس ذهولها و صدمتها من مدى بروده، بينما بادرها متابعا بهدوء
(تركتك خمسة أيام كاملة على أمل أن تهدأي و نتفاهم، لكن نظرات عينيك الشبيهة بالقطط البرية لا توحي بالتفاؤل).

ظلت تيماء على صمتها لعدة لحظات، تراقبه و تدرس انفعالاتها الداخلية المجنونة، الى أن تمالكت نفسها و اتجهت الى باب شقتها، ففتحته و التفتت الى قاصي قائلة بكل هدوء جامد بل ميت...
(أخرج من بيتي، الآن)
ضيق قاصي عينيه و قد تشنج وجهه من معاملتها الباردة له، فتحرك ببطىء يقترب منها دون ان يزيح عينيه عن عينيها...
بينما ظلت واقفة مكانها متشبثة بالباب المفتوح عله يمنحها القوة و الشجاعة...

و ما أن وصل اليها حتى وقف أمامها يواجهها بصمت، فأبعدت وجهها جانبا و هي تلعن قلبها المنتفض الغبي في عشقه البائس...
ثم قالت ببرود متمنية أن تنتهي تلك اللحظة المضنية
(وداعا)
شعرت فجأة بالباب ينتزع من يدها ليصفق بعنف فاستدارت اليه بغضب صارخة
(ما اللذي؟)
الا أنه لم يمنحها الفرصة لتتابع صرخة تذمرها، فقبض على خصرها و الصقها بالباب وهو يهدر بحدة
(اخرسي)
برقت عينا تيماء بعنف و هي تصرخ
(لن أخرس).

فرد عليها هاتفا بحدة أكبر جعلتها تجفل
(بل ستخرسين)
حاولت دفعه عنها بجنون و هي تهتف
(أيها المتوحش الطاغية، لن أمتثل الى أوامرك، و لن تستطيع اخراسي ابدا)
ابتسم قاصي ابتسامة تلاعبت بقلبها المتداعي و قال بخفوت مفاجىء
(أستطيع تقبيلك و حينهار ستخرسين على الفور)
رمشت بعينيها و تأثرت بمداعبته الخشنة، لها للحظة، الا أنها تمكنت من الهتاف بعنف و غضب
(توقف عن سخريتك المقيتة، أتظن نفسك بطل أحد أفلام رعاة الأبقار؟).

اتسعت ابتسامته حتى بانت اسنانه و غزت قلبها، ثم قال بنبرة مداعبة
(تعالي لنمثل فيلما لرعاة الأبقار، نحن وحدنا و يحق لنا القدر الذي نريده من الجنون)
صمتت تيماء و هي تلهث بعنف، غير مستوعبة، تهز رأسها بعدم تصديق، ثم همست بذهول
(كيف تمتلك القدرة على المزاح؟، من أين لك بمثل هذه السادية، لقد ذبحتني، لقد ذبحتني حرفيا و ها أنت تقف أمامي تمزح بمنتهى البساطة!)
تأوه قاصي و قال بنبرة متملقة و صوت أجش.

(لا تبالغي بمأساوية يا تيماء، أنا لم أذبحك، و أنت لا تكرهينني الى هذا الحد، دعينا نتفاهم)
فغرت شفتيها اكثر، كانت ببساطة غير قادرة على استيعابه، كان هذا التفاوت في ردات فعله يرهقها، بل يحرقها نفسيا...
رفع قاصي يده و غطى بها عنقها ثم مال بوجهه ليهمس امام وجنتها
(مرت خمسة ايام يا تيماء)
ابتلعت ريقها و الغصة الحادة، فتحرك عنقها تحت كفه و هي تهمس بجمود
(ماذا تقصد؟).

رفع عينيه الى عينيها الميتتين و هي تنظر اليه نظرة طعنته في الصميم، ثم تابعت بنبرة اكثر جمودا
(هل تريد اخذ حقوقك الشرعية مني مجددا؟، هل تتخيل أن أرتمي في أحضانك بضعف مخزي كالمرة السابقة؟، أخبرتك عن سبب قبولي بك، كانت لحظة عذاب و انتهت)
قال قاصي مكررا بنبرة عميقة
(مخزي؟)
عضت على باطن شفتيها و هي ترى بأنها قد نالت من كبرياء رجولته، الا انها قست قلبها و قالت بشدة.

(نعم، و لن تتكرر، و لعلمك، لست مفتونة بالأمر كثيرا و أنت خير من يعلم ذلك)
ساد صمت كئيب بينهما، بينما شحبت ملامح قاصي قليلا ثم قال بصوت خافت
(أعلم، وأستطيع تغيير ذلك، لو منحتني الفرصة، لحظة الضعف المخزي كما تطلقين عليها بامكاني تكرارها)
ارتفع حاجبيها قليلا، و امتقع وجهها، ثم همست من بين اسنانها
(ايها الوغد!)
صمتت و قد اختنقت الكلمات في حلقها، الا أنها لم تلبث أن ضربته في صدره بكلتا قبضتيها و هي تهتف.

(تريد حقوقك؟، خذها، خذها، ليس عليك سوى اغتصابي)
ظل قاصي واقفا أمامها كالطود بينما هي تستفزه الى أقصى حدود سيطرته، فضربت صدره مجددا بقبضتيها هاتفة من بين أسنانها
(هيا، اغتصبني، مارس رجولتك، هيا، )
لم يتحرك قاصي من مكانه، بل تركها تتصرف كما يحلو لها و ظل واقفا أمامها يراقبها بصمت...
الا أن صوتها علا و هي تهتف لتضربه مرة ثالثة
(هيا، خذ حقوقك)
قال قاصي أخيرا بصوت جامد.

(أخفضي صوتك، فأنت حتما لا تريدين أن يظن جيرانك، جارتهم البريئة الطفولية، تعاني من هذا القدر من الماسوشية)
الا أن تيماء كان الغضب قد استبد بها حتى تحول الى عاصفة و هي تضربه مجددا صارخة
(هيا، خذ حقوقك، انتزعها)
حينها أمسك بها قاصي يجرها بعيدا عن الباب و هي تقاومه بشراسة، الى ان دفعها لمنتصف غرفة الجلوس، ثم تركها ووضع يديه في خصره ناظرا اليها بغضب بدا في الاشتعال ثم قال.

(هيا، تابعي عرضك المسرحي، فأنا أستمتع به)
صرخت تيماء و ضربته مجددا بكل قوتها على صدره دون أن تهتز به عضلة واحدة، بل تركها تفعل، و هي تهتف بعنف
(أيها الحقير، أيها الحقير)
شعرت فجأة بالتعب و الدوار، فتشبثت بقميصه بكلتا قبضتيها و تتنفس بمجهود، حينها فقط امتدت يدي قاصي و أمسك بخصرها يسندها، ثم قال بجفاء خافت
(هل اكتفيت؟)
هتفت بغضب مجهد...
(لااااااا، لم أكتفي و لن أكتفي الا بموتك).

شعرت بأصابعه تتشبث بخصرها لدرجة آلمتها، فتأوهت بصمت بينما قال قاصي بصوت خافت عميق
(أتتمنين موتي يا تيماء؟)
عضت على شفتها و هي تطبق جنيها بشدة، كي لا تبكي، بينما هتف قلبها صارخا
لا، لا، سأموت قبلك،
الا أنها رفعت وجهها المجهد تنظر اليه بعينين غائرتين، ثم قالت بصوت قاتم خافت
(طلقني)
أظلمت عينا قاصي و تصلبت ملامحه فجأة، ثم قال بصوت جامد كالصخر مشددا على كل حرف
(سيكون قتلك لي اسهل يا تيمائي).

ارتجفت شفتيها للحظة و هي تنظر الى عمق عينيه الحارتين، فابتعدت عنه بتعب توليه ظهرها، حينها قال بخفوت من خلفها
(هل هدأت الآن؟، لم أكن أريد سوى الكلام معك، ليس لدي أي أفكار اخرى)
كتفت تيماء ذراعيها و هي تغمض عينيها بألم دون أن تستدير اليه...
الا أنها سمعت صوت خطواته تقترب منها الى ان أصبح خلفها مباشرة...

ارتجفت بشدة حين التفت ذراعاه حولها يضمها اليه برفق حتى الصق ظهرها بصدره، حاولت الابتعاد بتخاذل الا أنه همس في اذنها برفق
(اهدئي، و اسمعيني جيدا)
أصدرت أنينا منهكا الا أنه ضمها اليه أكثر و همس في أذنها بصوت أجش
(لم ألمسها، لم تكن زوجتي الا اسما فقط)
تسمرت تيماء مكانها و ارتجفت شفتاها، لحظة ارتياح خائنة اجتاحت كيانها كله، فهمس قاصي متابعا
(أنا لم ألمس أي امرأة اخرى منذ أن عرفتك).

فغرت تيماء شفتيها المرتجفتين و همست ببطىء
(أهذا هو ما اردت قوله؟، هل هذا هو عذرك؟)
هز قاصي رأسه نفيا وهو يشدد من ضمها اليه كي لا تهرب، ثم قال بنفس الصوت الأجش
(ليس عذرا، لكنها حقيقة، يتوجب عليك معرفتها)
رمشت تيماء بعينيها و هي تنظر لاعلى كي لا تبكي، ثم قالت بصوت مختنق بغصة في حلقها.

(حقيقتك لا تهمني في شيء يا قاصي، عد اليها و ابدا معها حياة جديدة، أما أنا فلا تأمل في ان نتابع ذلك الحلم المزيف معا مطلقا)
جذبها من ذراعيها فجأة بعنف حتى دارت حول نفسها فترنحت الا انه امسكها بقوة و نظر إلى عينيها بعينيه المشتعلتين ثم قال بصوت غريب
(أتظنين أنك قد تخدعيني ببرودك المزيف هذا؟، لو أنا اقتربت من امرأة أخرى يا تيماء فستموتين في اللحظة ألف مرة)
ضحكت ضحكة كلها قهر و هي تهز رأسها هامسة.

(يا لغرورك!، لقد وصلت الى حد جنون العظمة)
قال قاصي بعنف
(بل ثقة في حبك)
أبعدت وجهها و هي تقول بصوت ميت
(سأقتله، سأقتل هذا الحب با قاصي)
رد عليها قاصي بصوت مرتجف قليلا
(وإن نجحت في قتلك حبك لي فهل ستتمكنين من قتل ابني معه؟)
انتفضت تيماء بقوة و هي تهمس بعدم فهم
(ابنك؟)
مد قاصي يده ليضعها على معدتها المسطحة وهو يقول بخفوت حنون
(قد تكونين حامل الآن).

ارتجفت تيماء بشدة، لم تفكر بهذا الإحتمال من قبل!، بهت لونها بشدة و هي تقول بتعثر
(هذا احتمال بعيد)
قال قاصي ببساطة
(الا أنه يظل قائما)
ردت تيماء بعنف و هي تبتعد عنه بالقوة
(حينها سنتصرف كأي والدين منفصلين و متحضرين)
لم تتوقع أن يرجع رأسه للخلف ليضح عاليا و بقوة، ضحكة جعلتها ترتجف أكثر، الى ان انتهى تماما، فنظر اليها بعينين غاضبتين، مخيفتين!، على الرغم من ضحكته الصاخبة...

ثم قال اخيرا بصوت شرس، لا يمت للمرح بصلة...
(بعد الحياة التي عشتها، اتتخيلين أن احرم ابني من بيت ووالدين؟، والله لن يحدث يا تيماء، أنت تتحججين بالحجة الخطأ مع الشخص الأكثر خطأ)
هتفت تيماء بقوة و عنف
(انت تتصرف و تحكم كما و كأنك متأكد من حملي!)
ضيق قاصي عينيه و قال بصوت صلب شديد الصدق
(أنا اتمنى هذا الولد يا تيماء، أتمنى ابنك الذي سيحمل اسمي، إنها الرغبة الأكثر سيطرة على حياتي كلها).

هتفت تيماء بقوة تمنع عن نفسها سحر التأثر بكلماته...
(لديك ابن بالفعل)
رد عليها قاصي بنفس العنف
(لا يحمل اسمي)
فصرخت تيماء بقوة
(الا أنه الاسم الذي تريده، و لهذا ابقيت عليه و تزوجت من أمه)
صمت قاصي و تراخت عضلاته قليلا وهو ينظر اليها طويلا قبل ان يقول برفق
(لطالما علمت أنك ذكية يا تيماء)
ابتسمت تيماء بمرارة و هي تهمس ملوحة بذراعيها
(ليس ذكاء يا قاصي، انما أعرفك أكثر من نفسك، أفهمك أكثر من كل البشر).

اقترب منها خطوة الا أنها تراجعت عنه برفض، فقال بقوة
(و طالما أنك تفهمين ما أعيشه و ما أريده، لماذا تصعبين الأمور؟)
هتفت تيماء بقسوة
(أصعب الأمور؟، هل أنت مجنوووووون؟)
أغمضت عينيها و هي تحاول السيطرة على نفسها، ثم فتحتهما و نظرت الى عينيه قائلة بهدوء
(قاصي، لقد سمعت منك كل ما أردت قوله، و الآن عليك سماعي، أنا سأسافر في منحة، ستسمر لأربع سنوات تقريبا، سأبتعد عنك للأبد، انساني أرجوك و كفاني ما نالني منك).

صدرت منه ضحكة ساخرة، ثم طال الصمت بينهما وهو ينظر اليها بنظرة غير مريحة، الى ان قال اخيرا
(كان عليك التفكير في ذلك قبل الزواج مني، فأنا لن أسمح لك بالسفر، و لن أحررك).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة