قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الرابع والأربعون

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الرابع والأربعون

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الرابع والأربعون

فغرت شفتيها تنتوي ان تشتمه و تقذفه بكل اللعنات، و تخبره ان يذهب الى الجحيم...
لكنها حين تكلمت، كانت مأسورة بفعل عينيه الشيطانيتين في تلك اللحظة، فقالت بخفوت دون ان تحيد بعينيها عنهما...
(لن أستطيع، لا امتلك القوة)
اشتدت قبضته على ذراعها اكثر و اكثر بينما انعقد حاجبيه و برقت عيناه بغضب أسود، يحمل خيبة الأمل بها...
تأوهت في داخلها من الألم الذي تسببه أصابعه في ذراعها...

بدا مخيفا، مخيفا، و على استعداد لخنقها...
الا انها لم ترتعب، بل تابعت بنفس الخفوت و هي تنظر إلى عينيه
(لن استطيع تحمل فكرة ارتباطك بمسك، ألمها يفوق قدرتي على الإحتمال)
تسمر قاصي مكانه فجأة، و شحب وجهه...
و رأت شفتيه تنفتحان قليلا وهو يحدق في ملامحها محاولا استيعاب ردها...
فقالت بخفوت اكبر، همسا رائعا و هي ترفع يدها تلامس فكه المتصلب.

(ظننت أنني فقدت كل قدراتي على المحاربة في سبيل الحصول على حقي بك، الا أنك و بعد أسبوع أعدتها إلى، ليس الآن و ليس حين كتبت لك أنني أحتاجك، بل أنني لم أفقدها من الأساس)
كانت عيناه تضيقان، و الذهول باد بهما، و على الرغم من ضيقهما الا أنهما كانا كفضاء واسع تسبح به طافية...
ارتجفت شفتيها و همست بألم...
(سأكون لك، كما كنت دائما، لكن لا تخذلني، أرجوك).

هز رأسه قليلا وهو يلتهم ملامحها الفتية بعينيه، قبل أن يقول بصوت أجش، خافت في خفوت صوت الريح من حولهما...
(آآآه يا تيمائي المهلكة)
تحشرج صوته و صمت تماما وهو يخفف ضغط أصابعه عن ذراعها الى أن تركها الآن، دون أن تتركها عيناه، بدا و كأنه يحارب كي يتخلص من غصة بحلقه، يهز رأسه قليلا محاولا السيطرة على انفعاله...

بينما دموعها هي لا تزال تجري بسخاء على وجنتيها، تشاركها ابتسامة جديدة على شفتيها جعلت غمازتيها تزدادان عمقا...
الا أنها تمكنت من الهمس بصوت خافت و هي تربت على ذراعه
(لا بأس، اهدأ، خفف من انفعالك هذا و ارخي جسدك)
رفع عينيه الى عينيها الغارقتين في بركة من الدموع و همس بصوت أجش
(لا أستطيع، اشعر أنني على وشك سحقك فوق صدري، سأموت إن لم افعل).

تراجعت تيماء خطوة للخلف و هي تعرف بأنه جاد في ما يقول و همست و هي تضحك باختناق باكي...
(لا تفعل، فكر في أنك ستموت قبل أن نتزوج، و هذه الفكرة تبقيك مؤقتا على قيد الحياة)
كانت عيناه حمراوان بلون الدم و انفعالها على قدر شكله المخيف الا انه يحمل عمقا لم تحلم به يوما...
فبكت مغمضة عينيها رغم عنها و هي ترخي سيطرتها أخيرا...

مد يداه يريد الإمساك بها الا انه عاد و تراجع ليستدير عنها وهو يرفع راسه عاليا، ينظر الى السماء الداكنة الواسعة لا يضيئها سوى النجوم البعيدة الشاحبة...
ثم همس بتعب
(يالله، أتعبتني معك تيمائي)
نظرت الى ظهره المتصلب و ارتجفت بشدة و هي تدرك هول الخطوة التي ستقدم عليها بكل غباء و تهور...
لكنها كانت أضعف من الرفض، أضعف من الإبتعاد عنه للمرة الثانية دون أن تسلخ جزءا آخر من روحها...

و هي قد تألمت بما يكفي في حياتها و تريد بعض الراحة...
قال قاصي قاطعا الصمت المهيب بينهما...
(غدا في الصباح الباكر ستتجهين الى محطة القطار سأكون في انتظارك هناك...
لقد اعددت كل شيء، و خلال ساعات بعدها سنتزوج)
رفعت يدها تلامس وجنتها الحارة على الرغم من الرجفة التي تكتنفها...
ياللهي!، و كأنه الزمن يعيد نفسه!
و لولا أنها ترفض التشاؤم لكانت أرجعت خوفها الى تطابق الاحداث...
قالت تيماء بصوت مرتجف.

(لكن جدي، أنا لا أريد أن أحط من قدره بهذا الشكل، عليك اقناعه أولا)
استدار اليها قاصي بسرعة وهو ينظر اليها مذهولا غاضبا، ليقول بقوة
(لن أجازف مجددا يا تيماء، لن أحيا العذاب الذي عشته من قبل، سنتزوج ثم أتكفل بمواجهته)
هزت تيماء رأسها و هي تقول بحدة بينما قلبها يخفق بجنون و خوف من سرعة ما تمر به.

(أنا لن أفعل به ذلك يا قاصي، قد أرفض قراراته، لكن ليس بتلك الطريقة، أنا لم اعد في الثامنة عشر، لقد اصبحت مسؤولة عن نتائج تصرفاتي و عواقبها وهو لا يستحق ذلك مني)
اندفع اليها بقوة فتراجعت أكثر حتى كادت أن تتعثر في حجر ناتيء الا انها تماسكت و وقفت ثابته و هي تمنعه من التقدم هامسة بارتجاف
(هذا هو شرطي يا قاصي، أن تقنع جدي و تخطبني منه علنا أمام الجميع، و أكون مرفوعة الرأس أمام سالم الرافعي تحديدا).

نظر اليها بغضب الا أنها تابعت تتحداه بصوت مرتجف
(الا أستحق ذلك؟).

ضاقت عيناه عليها و ترمي اليه التحدي الصعب، فقال بصوت جامد صلب
(تعلمين أنك تستحقين، لكن بنسبة أكبر سأفشل في اقناعه، فماذا ستفعلين حينها؟)
نظرت الى عينيه طويلا ثم قالت بهدوء خافت
(سأخبرك ماذا سأفعل، لن يجبرني أحد مطلقا على الزواج بمن لا أريد، هل هذا كافي لإقناعك؟)
هتف قاصي بعنف
(أنا خائف عليك)
ابتسمت تيماء و هتفت بقوة مماثلة.

(و أنا كنت خائفة حين وصلت الى هنا بعد كل تلك السنوات، بل كنت مرتعبة و لم أتجرأ حتى على النظر اليك دون أن أشعر بالمزيد من الرعب من أن أكون مراقبة، لكن الآن بدأت أشعر أنهم لا يخيفونني...
و انني قادرة على مواجهتهم دون الهرب، الهرب قد يؤذيني أكثر، لدي عمل و حياة أنوي التمسك بها و انا لن أتنازل عنهما مجددا)
بهت وجه قاصي قليلا وهو يستمع اليها، و للمرة الأولى شعر بأنها قد كبرت بالفعل...

تملي شروطها و تخبره بما لن تتخلى عنه في حياتها...
احساس التملك لديه اصابته بجديتها و صرامة شرطها...
لو كان الأمر بيده لقيدها و رماها في تلك اللحظة و ألقى بها في المقعد الخلفي ليسافر بها بعيدا...
لكنها تيماء، تلك الأرض المهلكة، لا ينجو منها الا من تزدهر له...
أما من يخطو أرضها القاحلة فهو هالك لا محالة...
حين تكلم أخيرا قال بصوت خافت، صلب و صارم، و الغضب يلوح بنبراته.

(اذن سأطلب يدك من جدك غدا، لكن اعلمي يا تيماء أنها ما هي الا شكليات فلو رفض كما أنا متوقع تماما، فسوف أخطفك و أهرب بك و لو غصب عن ارادتك)
ارتجفت من تهديده و هي تعلم أنه جاد تماما، الا أنها ابتلعت خوفها و اومأت برأسها بتردد...
فقال عابسا بشدة
(تبدين غير واثقة)
هل يتوقع أن تصرخ موافقة بكل ثقة بعد كل تلك السنوات؟
كم هو مغرور!، ...

الا يدرك انها مقدمة على كارثة، كارثة بكل معنى الكلمة بعد أن حكمت قلبها فوق عقلها...
تدرك كم هما مختلفان، و كم هو رجل يعاني الكثير و هي لا تخلو من الأكثر...
قالت تيماء بصوت مرتجف
(كل منا يعاني الكثير يا قاصي، كل منا يحمل ندوبا غير قابلة للتجميل، فهل تدرك العواقب جيدا؟)
نظر اليها طويلا و صوت الريح يعلو بينهما بصفير خافت و يطير عبائتها السوداء الحريرية...
ثم قال أخيرا بصوت مهدد.

(أدرك جيدا معاناة خمس سنوات من الفراق، فهل ستستطيعين متابعة تلك المعاناة؟)
تنهدت تيماء و هي تحصل على الجواب الواضح داخلها قبل أن تنطق به، لكن و ما ان فغرت شفتيها كي ترد حتى أسكتها صوت اطلاق عدة أعيرة نارية ليست بعيدة...
انتفضت تيماء و هي تهتف مفزوعة...
(ماهذا؟)
نظرت الى قاصي الذي كان قد أجفل أيضا من الصوت وهو ينظر الى البعيد بنظرات قلقة...
فقالت تيماء حين لم تسمع رده
(ربما كانت طلقات الزفاف).

لم ترتاح ملامح قاصي، بل ظل ينظر الى نفس الإتجاه بعينين غير مطمئنتين ثم قال اخيرا
(لا، الصوت آت من الناحية الشرقية، أما الزفاف فعلى الناحية المقابلة، و لن نسمع صوت طلقاته من هنا)
شعرت بخوفها يتضاعف و كتفت ذراعيها و هي تدلكهما بكفيها، لكن قاصي آمرا بقوة
(ادخلي الى السيارة حالا و اخفضي رأسك)
لم تجادله و جلست في المقعد الخلفي بينما انطلق بالسيارة وهو يعود بها...
قالت تيماء بخوف و هي مخفضة رأسها.

(لا تتحرى عما حدث يا قاصي، لا تذهب الى مكان اطلاق الأعيرة النارية)
ابتسم قاصي و عيناه على الطريق الترابي، ثم قال اخيرا بنبرة تتوهج
(هل أنت خائفة علي؟)
اسبلت جفنيها دون ان ترد، و شعرت ان دقات قلبها تتسارع بعنف كبير، فتابع قاصي يقول بخشونة
(ألن تغيري شرطك فتصبحين زوجتي غدا؟)
لكم تتمنى هذا، على الرغم من الرعب الهائج بها الا أنها تتمنى ان تصبح له و يصبح لها بالفعل...
لكنها همست بقنوط.

(لا، لن أغير شرطي مطلقا)
زفر قاصي زفرة مثقلة وهو يقول بغضب
(في الغد او بعد غد، او بعد شهر، ستكونين لي يا تيماء و سأرتوي من نبع جمالك بما يعوضني عن فراق السنين، و لن اكتفي)
كانت عيناها متسعتين، براقتين كنجوم من الفيروز الطبيعي، تطالعان السماء الداكنة و هي شاردة في كلماته العنيفة، و مدى سحرها...
تاركة لوم عقلها للغد...

دخلت ميسرة الى غرفة نومها و هي تلقي بعبائتها ووشاحها ارضا بغضب...
دون ان تتكلف عناء رفعهما...
كانت في حالة من الحقد الأسود، حقد لا يهدأ أبدا مهما نجح مسعاها...
لقد رأتهما بعينيها...
رأتهما يتحدثان، لقد خرجت الساحرة اليه تناديه بنفسها...
ووقفا معا وحدهما يتحدثان دون اي اعتبار لمكانتها ووجودها...

و منذ أن استقلت معه السيارة و مع اخته التافهة هريرة وهو يبدو شارد الذهن، لا ينظر اليها و لا ينطق بكلمة...
و كي تزداد نيرانها اندلاعا، فقد نادته هريرة عند مدخل البيت تريد محادثته على انفراد...
في اشارة واضحة لها كي تبتعد!
صرخت ميسرة بعنف و هي تضرب احدى زجاجات عطرها الكثيف المسكر، فسقطت ارضا و تصاعدت الرائحة الخانقة في كل مكان، لكنها لم تهتم و هي تهتف بغليان ناري.

(اللعنة عليك يا فاجرة، اللعنة عليك و على سحرك الذي تسلطينه على الجميع)
سقطت جالسة على سريرها و هي تقضم أظافرها الحمراء بكل غل، بينما عيناها تبرقان بنيران من الحقد الاعمى...
لقد حضرت لها كل الأعمال و السحر الذي بيعدها و يشل اغوائها...
لكنها تعلو و تعلو و كأنها تستمد طاقة من السحر الموجه ضدها، فتحوله الى سحر مغوي خاص بها...
ترى ما الذي قالاه من خلف ظهرها؟

لم تتمكن من سماع كلمة واحدة من أي منهما و هي تنظر عبر النافذة المزينة الخشبية لقاعة النساء و التي أطلت منها ما ان خرجت سوار من القاعة...
و كما توقعت كان ليث واقفا، ينتظرها؟
ترى هل تواعدا على اللقاء في هذا المكان؟، لكن هذا معناه أنهما يتواصلان في الخفاء!
نهضت ميسرة من مكانها قافزة بجنون و هي تصرخ
(اللعنة عليك، فاجرة، فاجرة)
انفتح باب الغرفة فجأة بعنف حتى أنه ضرب في الحائط المجاور مصدرا صوتا عاليا...

فاستدارت تنظر الى ليث الذي كان واقفا في اطار الباب و عينيه تقدحان شررا، و بدت ملامحه غاضبة بشكل لم تراه به من قبل...
ارتجفت قليلا و هي تتراجع للخلف قائلة بتوتر
(ماذا، ماذا بك؟)
لم يرد عليها ليث على الفور، بل اقترب منها ببطىء و عيناه تنظران اليها بنظرات مخيفة، أرعبتها...
الى أن قال أخيرا بصوت مهدد خافت
(من كنت تقصدين بالفاجرة للتو؟)
ابتلعت ريقها بخوف الا أنها قالت كاذبة بتحدي...

(احدى الخادمات في الزفاف، كانت تتعمد اغواء كل من تقع عيناها عليه من رجال)
أزكمته رائحة العطر الثقيل المنتشرة في الغرفة، و نظر الى القارورة المحطمة أرضا، و قد أشعرته بالغثيان من شدة ما اقترنت بنظرات الحقد الأعمى بعيني ميسرة...
لكنه نظر اليها و قال بصوت خطير
(كل هذا الغضب الأعمى من أجل، خادمة!)
تحدت نظراته بعينيها السوداوين المتسعتين ببريق حاقد، لتقول بصوت متشنج.

(تعرفني جيدا، لا أحب تلك التصرفات المغوية و التي تدل على تربية وضيعة، و أصل مدنس)
ضاقت عينا ليث وهو يكاد أن يحطم المكان من حولها و لم يترك نفسه طويلا...
فتحرك تجاهها و دون أن تلمحه كانت يده قد ارتفعت و سقطت على وجنتها لتلطمها دون مقدمات!
شهقت ميسرة بذعر و هي ترفع يدها لتلامس وجنتها الحمراء، ناظرة الى وجه ليث المجنون من شدة الغضب و هتفت بجنون.

(هل جننت؟، كيف تتجرأ و تمد يدك على مجددا؟، أقسم أنني لن أتراجع هذه المرة عن جمع كبار العائلة كلهم و فضحك أمامهم، ليعلموا جيدا حقيقة كبيرهم الهمجي)
أطبقت يده على مقدمة فستانها يجذبها اليه دون هوادة، حتى انقطعت احدى قلاداتها الذهبية و سقطت أرضا الا انه لم يبالي بها...
بل كان ينظر الى عيني ميسرة المشتعلتين غضبا و ذعرا، ثم قال بصوت باتر كحد السيف
(كيف تجرأت على نطق تلك القذارة عن سوار أمام الجميع؟).

فغرت شفتيها بذعر، ثم لم تلبث أن هتفت بجنون و هي تداري ذعرها
(الآآآن فهمت، أختك المصون أتتك جريا كي تشي بي و أنت يا محترم لم تتأخر لحظة بعد سماعها في ضرب زوجتك)
لم يتأثر ليث لكلامها الحاقد، بل على العكس، جذبها اليه اكثر وهو يهدر مشددا على كل حرف
(اخرسي، و لك الجرأة على التحدي بعد فعلتك السوداء تلك؟، زوجتي أنا، زوجة ليث الهلالي تقف أمام النساء لتشهر بسمعة ابنة عمته دون خجل أو ضمير)
صرخت ميسرة بجنون.

(كل ذلك لأنني أخطأت في اسم زوجها؟، و ما أدراني انا بتلك العائلة الفاسدة كي أتذكر من تزوجت و من اغوت)
جن جنون ليث و هو يسمع المزيد و المزيد من الخوض في عرض عمته و ابنتها، فدفعها عنه بكل قوته حتى سقطت أرضا كي لا يتهور و يصيبها هذه المرة...
لكنه أطل عليها هادرا بصوت زلزل الجدران...

(اخرسي و امنعي سفالتك عن البشر، الا تخجلين من نفسك و أنت تدعين الكذب بتلك الطريقة المروعة؟، أراهن أنك تعرفين ما تنطق به سوار في بيتها كل يوم، لا مجرد اسم زوجها، ثم أنني لا أتحدث عن خطأك في اسم زوجها و الذي بدا مفضوحا لدرجة السذاجة، انما اقصد ما همست به في أذنها و انت تظنين ان لا أحد يسمعك، أو تظنين، فأنا لم أعد أستبعد عنك شيئا)
صرخت ميسرة و هي واقعة أرضا بجنون
(إنها أختك، أختك الوضيعة ال).

انحنى اليها فجأة و أمسك بخصلات شعرها حتى شهقت ألما فصمتت و ابتلعت الباقي من شتائمها، . بينما قال ليث بصوت مهدد هادر
(كلمة أخرى عن هريرة و سألقي عليك يمين الطلاق، ثلاثا)
اتسعت عينا ميسرة أكثر و اكثر بذعر و هي ترى الحقيقية في عينيه و كأنه يتمناها، لكنها لن تمنحه الفرصة مطلقا...
لذا أخذت نفسا مرتجفا ثم قالت بصوت متشنج متأوه من جذب أصابعه لشعرها
(لم يسمعني أحد، كانت مجرد كلمات همست بها من ضيقي).

هدر بها ليث بغضب جامح
(هريرة سمعتك، و ابنة عمها سمعت كذلك والله أعلم من سمع أيضا، كيف تتجرأين على فضح ما حدث داخل بيتي أمام الجميع و التشهير بابنة عمي علنا، كيف)
صرخت ميسرة بعنف و هي تحاول دفعه عنها دون جدوى
(أنا لم اكذب، هذا ما حدث و أنا لا أريده أن يتكرر في بيتي مجددا، فلتبعد رجالها عن بيتي)
اتسعت عينا ليث فرفع يده ليصفعها مجددا و الغضب يغشاه كالأعمى...

حينها أغمضت ميسرة عينيها و هي صرخ بقوة متوقعة نزول الصفعة على وجهها في أي لحظة...
الا ان يده بقت معلقة في الهواء وهو ينظر اليها قبل ان يدفعها عنه باشمئزاز...
هامسا من عمق أعماقه الهادرة بتنهيدة محترقة
(استغفر الله العظيم، أنت حقا حالة ميؤوس منها)
نهض واقفا ليلتقط أنفاسه الهادرة، ثم لم يلبث أن قال بصوت يحترق.

(لم أشعر يوما بالخزي كما أشعر به حاليا، و زوجتي تخرج أسرارا من بيتي لتشهر بأحد أفراد عائلتي، و على مسمع من الجميع)
نظرت اليه ميسرة بغل و هي تقول هاتفة
(ألم تشعر بالخزي و أنت تقف مع امرأة متزوجة، بينما زوجها قرير العين وهو يرى الرجال يتهافتون لنيل رضا زوجته المصون)
اندفع ملتفتا اليها و قد زادته جنونا فوق جنون، فانحنى اليها ليجذبها من الأرض حتى وقفت على قدميها ليهزها بعنف هادرا بها.

(أتتمنين الضرب؟، صدقا أخبريني، أتتمنينه و هذا ما يجعلك تنطقين بكل هذا الكم من قمامة المتناثرة من فمك؟)
صرخت ميسرة به بجنون دون مراعاة لأنها قد استفزته الى الأحد الأقصى و الأخطر...
(أنا رأيتكما، و سمعتكما)
هدر بها وهو يهزها
(طالما سمعتنا كالمتلصصين و أدركت أننا لم نقل ما يخجلنا لماذا تتفوهين بتلك المعاني القذرة؟)
صرخت به كي توقعه في الفخ بسذاجة.

(بل سمعت كل كلمة و عرفت بمواعدتكما في هذا المكان من وراء زوجها الساذج)
لم يتمالك نفسه هذه المرة فصفعها مجددا، حينها أخذت تضربه بجنون أعمى وهو يتفادى ضرباتها ليبعدها عنه الى أن رماها على السرير، و قيد معصميها بينما هي تلهث و تصرخ في حالة هياج عاصف...
الى ان صرخ بها ليث هادرا
(أصمتي حالا، اخرسي).

أخذت تلهث وهي تصمت ناظرة اليه بعينين حاقدتين شديدتي السواد، بينما كان ليث يبادلها النظر بجنون من الكره لكل ما تفعل و تنطق حتى بات ينفر منها...
و ما أن تاكد من سكوتها تماما، حتى هدر بها بكل وضوح كي تستوعب ما يقول
(اسمعيني جيدا لأنني لن أكرر ما سأقول، ستذهبين اليها و تعتذرين منها)
فغرت شفتيها على أقصى اتساع و هي تشهق بصوت مقيت، قبل أن تصرخ بهياج الثيران
(على جثتي، على جثتي يا ليث لن يحدث، أقسم أن).

لكنها لم تقسم فقد صرخ مقاطعا قسمها قبل أن تقسم به...
(و إن لم تفعلي فسأطلقك و سأكون ممتنا للفرصة)
بهت وجهها و سكنت مكانها و هي تنظر اليه بصمت، تتنفس بصعوبة و اختناق، لكن العجيب أنها لم تذرف دمعة واحدة...
لم تستثر عطفه بدمعة تجعله يندم ولو للحظة، فنظرات عينيها في تلك اللحظة كانت كريهة لدرجة تخيف
ثم قالت أخيرا بصوت بارد كالجليد
(أتفعل هذا بي؟، بعد هذه العشرة؟)
قال بكل وضوح.

(نعم و دون ذرة ندم طالما لا تحترمين حرمة بيت أو عرض أو حتى تحترمين كلمتي، بالله عليك على ماذا أبقيت كي أندم؟)
أخذت تلهث بعنف و هي تنظر اليه، ثم قالت بصوت أجوف
(لن أقول ما قلت، لكن لن أذهب لأعتذر اليها، لا يمكنك أن تكون قاسيا الى هذا الحد!)
قال ليث بغضب هادر.

(لو كان كلامك المخزي قد اقتصر عليه سمعي أنا فقط لكنت تغاضيت عن اعتذارك لها، لكنك فعلت فعلتك على مسمع من الجميع، لذا ستعتذرين اليها و بعدها سنترك هذه البلد و نغادر كي لا يكون لديك أي دافع للشك في الوساوس التي تتلاعب برأسك الأحمق)
هتفت ميسرة بترجي متوسلة
(لا تجبرني على ذلك يا ليث، أرجوك، أرجوك أنت تقتلني، ستكسر روحي و تذلني، لا تفعل).

ترك ذراعيها بعنف وهو يجلس على حافة السرير. يفك الزرين العلويين من قميصه و قد بدأ يشعر بضيق في النفس من شدة الغضب المحيطة به...
و ما أن تمكن من التقاط أنفاسه حتى قال اخيرا بصوت بارد كالجليد
(ستفعلين يا ميسرة، لم تتركي لي حلا آخر، انت امرأة يجب ايقافها عند حدها كي لا تتمادى في أذية الآخرين)
لم يكن واعيا الى النظرات الشريرة التي ترمقه بها وهو يوليها ظهره...

الا أنها استقامت نصف جالسة في السرير خلفه، ثم اقتربت منه الى أن أحاطته بذراعيها من الخلف فتشنج نفورا على الفور...
الا أنها لم تيأس، بل همست بصوت ساحر في أذنه
(لا تجبرني على ذلك أرجوك، آنا آسفة)
استطالت قليلا لتقبل عنقه هامسة مجددا
(آسفة)
بينما أخذت أصابعها تكمل فتح أزرار قميصه و تتلمس صدره القوى و هي تهمس بصوت أكثر خفوتا
مقبلة كتفه
(آسفة).

أغمض ليث عينيه وهو يزفر بضيق، شاعرا بغضبه يتحول الى غيمة من الرماد تملأ رئتيه فتعيقه عن التنفس، و ما ان شعر بعدم القدرة على التحمل أكثر، دفعها عنه ليقول بغضب
(ابتعدي)
و دون المزيد من الكلام خرج من الغرفة وهو يشعر بحاجة شديدة لاستنشاق هواءا باردا...
كي يبعد عنه رائحة العطر المهدور أرضا، و استجدائها العقيم...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة