قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الحادي والأربعون

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الحادي والأربعون

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الحادي والأربعون

تلك الليلة نامت سوار نوما متقطعا متعبا...
كان سريرها خاليا من وجود سليم، لذا كانت تشعر بالألم في كافة أنحاء جسدها و كأنها سقطت من فوق جبل عال...
تداخلت لديها الأحلام، فرأت سليم وهو يودعها...
و كأن المشهد يعاد من جديد في أحلامها...
يتقترب منها و يقبل جبهتها برقة، ثم أمسك بوجهها بين كفيه و همس لعينيها برقة
(اعتني بنفسك يا سوار، و لا تقطعي صلتك بليث مهما حدث، لقد أوصيته عليك)
همست سوار له بخوف غريب.

(لا أريدك أن تسافر يا سليم، لقد غيرت رأيي، دعنا نبقى هنا)
ظل سليم صامتا طويلا، وهو ينظر اليها و يربت على وجنتيها، ثم قال أخيرا بصوته الجميل
(لا مفر من المكتوب، لا مفر)
انتفضت سوار جالسة من نومها فجأة و هي تلهث بتعب...
كان جسدها مبللا من العرق البارد. فنظرت بجوارها و هي تستعيذ بالله من السيطان...
و مدت يدها تتلمس وسادة سليم بقلب منقبض...

لا تعلم ما الذي أيقظها من النوم مختنقة بهذا الشكل، لكن لم تكد تمر لحظة حتى عرفت السبب...
كان هناك صياحا، و صرخات، آتية من عند بوابة دار الرافعية...
فغرت سوار شفتيها بقلق قبل أن تقفز واقفة ثم تجري الى النافذة ففتحتها و هي تطل منها لترهف السمع جيدا...
و فعلا رأت عدة رجال واقفين عند البوابة، يتكلمون مع جدها في مثل هذا الوقت المتأخر، بينما احدى الصرخات وصلتها بعنف مزق أذنها و طاح بروحها المرتعبة...

(أحد أبناء عائلة الهلالي قتل سليم الرافعي!)
هزت سوار رأسها نفيا و هي تهمس لنفسها بذهول
(أنا لازلت نائمة، لازلت نائمة، هذا جزء من الكابوس)
ثم رفعت يديها لتغطي بهما أذنيها صارخة بجنون
(لااااااااااااااااا)
و كانت تلك آخر صرخة تسمعها قبل أن تسقط مغشيا عليها...

اليوم التالي:
يوم العطلة، و هي ترتدي منامتها الرياضية الواسعة، ممسكة بكوب من الحليب الساخن و هي تنوي قضاء اليوم بأكمله في السرير...
تريح ذهنها من حروب و مشاكل و مضايقات العمل خلال الفترة التي مضت...
لكن ما أن وضعت كوب الحليب على الطاولة الجانبية للسرير حتى وجدت هاتفها يرن بجوار الكوب...
عقدت مسك حاجبيها و التقطت الهاتف لتضعه على اذنها و هي تجلس على حافة السرير مجيبة بتكاسل
(نعم، من معي؟).

استلقت على السرير و هي تتأوه مبتسمة بصمت و دلال قبل أن تسمع صوت وفاء جارتها تهتف بجذل
(هل أنت جاهزة يا مسك؟)
فتحت مسك عينيها و عقدت حاجبيها و هي تتذكر فجأة، و مع ذلك انتفضت جالسة تسألها
(جاهزة لماذا؟)
قالت وفاء بقلق
(هل نسيت موعدنا بعد نصف ساعة؟)
أخذت مسك تضرب جبهتها بقبضتها عدة مرات و هي تشتم دون صوت، لا تصدق انها ستخرج اليوم!

تريد الإعتذار عن هذا الموعد، و حاولت بالفعل، الا أنها. لم تلبث أن تنهدت قائلة
(نعم، جاهزة، أين سنذهب، نعم أعرفه، لا بأس سامر عليك بعد نصف ساعة)
قالت وفاء بلهفة قبل أن أن تغلق مسك الخط
(مسك، تزيني جيدا و ارتدي أفضل ما لديك)
ارتفع حاجب مسك بارتياب و قالت دون مقدمات
(لماذا؟)
ارتبكت وفاء الا إنها قالت بتلعثم
(لماذا نتزين؟، لأننا سنخرج سويا و نستمتع بأنوثتنا)
أغمضت مسك عينيها و قالت بيأس
(حسنا لا بأس).

و ما أن أغلقت الهاتف حتى سقطت الى الخلف و هي تهمس بغضب
(تبا لذلك، لماذا وافقت على هذا الموعد؟، لماذا).

(لا أصدق أنني وافقت على هذا الموعد يا أمي، لا أصدق)
قاد أمجد سيارته غير مرتاحا بينما كانت أمه تجلس بجواره سعيدة منتشية و هي تنظر أمامها بجذل و كأنها تبصر الطريق، و كأنها متجهة الى رحلة، الى أجمل رحلاتها...
ترتدي أجمل عابائتها، و الإبتسامة تزين وجهها الطيب...
راقبها أمجد متذمرا، لكنه لم يلبث أن ابتسم رغم عنه وهو يرى تلك السعادة على وجهها...
فقال بجفاء مازحا.

(و ما تلك السعادة يا أمي بالله عليك؟، من يراك يظن أننا متجهين الى حفل الزفاف)
قالت أمه بسعادة
(ليتنا اختصرنا الوقت و كانت هذه خطبة و عقد قران و زفاف أيضا)
ضحك أمجد وهو يهز رأسه يائسا، ثم قال بخشونة
(والله يا أمي لولا تلك السعادة البادية على وجهك و التي لم أراها منذ زمن لما استجبت اليك أنت و ابنة أختك المجنونة)
عبست أمه و هي تقول.

(هل هذا جزائها لأنها تفكر بك و بمصلحتك؟، اسمعني الآن أهم ما عليك اتقانه هو تمثيل المفاجأة و الصدفة، فهمت؟ )
زفر أمجد وهو يقول بضيق
(لا أحب تلك المواقف، و لا أجيدها)
قالت أمه بصرامة
(ستحبها و تتقنها يا أمجد، لقد واقفت و انتهى الأمر، فلا تحرجنا أمام الفتاة)
نظر اليها أمجد بسرعة و قال محذرا بحزم
(على ماذا وافقت؟، أمي أنا لم اوافق سوى على رؤيتها رضوخا لطلبك أنت و ابنة أختك، لا خطوات رسمية بعد).

قالت أمه و هي تتأفف
(أوووف، فهمت يا أمجد فهمت، لقد قلت هذه العبارة خمس مرات حتى الآن، لا تفسد فرحتني بالله عليك)
نظر اليها و قال يائسا
(لست خائفا سوى من فرحتك تلك، لا أريد أن أراها تتحول الى خيبة أمل)
زمت شفتيها و قالت بغضب
(كم أنت كئيب و ضد الفرح يا أمجد، يا ابني تفائل، نحن متجهين لرؤية عروس، اسمع العبارة، عبارة تشع فرحا و سرور)
قال أمجد بملامح متجمدة كالخبز المقدد
(كم أنا فرحا و مسرور!).

زفرت أمه و هي تقول بغيظ
(لو كنت ستبدأ في اغضابي فمن فضلك، اسكت)
زم أمجد شفتيه و فضل السكوت فعلا، الا ان أمه تذكرت و التفتت اليه سائلة بسرعة
(أي قميص ترتدي؟)
نظر اليها أمجد بطرف عينيه، ثم قال بقنوط
(حسنا، لقد سألت هذا السؤال عشر مرات و حصلنا على نفس الجواب و نفس ردة الفعل، الأزرق الفاتح يا امي)
ضربت أمه على ساقها و هي تتأوه باحباط، فرفع أمجد حاجبيه و قال يائسا
(هانحن ذا سنبدأ من جديد).

و بالفعل قالت أمه بغضب
(لماذا يا امجد؟، لقد جهزت لك القميص الأبيض ووضعته لك على سريرك مع الحلة الرمادية)
ابتسم أمجد وهو يهز رأسه، الا أن أمه قالت بغضب
(و طبعا لم ترتدي الحلة، اليس كذلك؟)
نظر اليها امجد و قال ضاحكا
(و تطلبين مني اتقان دور المفاجأة؟، من الفترض أن تكون صدفة و نشهق في صدمة معا، فكيف سأتقن الدور و انا أرتدي حلة كاملة في مكان عام، مع أمي!)
تأففت أمه و قالت متبرمة.

(لن أصل معك الى أي شيء، اسكت و انظر أمامك)
ضحك أمجد و ركز عينيه على الطريق، الا أن أمه عادت لتقول بلهفة
(أولم تضع رابطة العنق أيضا؟)
كانت ضحكة أمجد هي الجواب الذي زادها غضبا و هي تضرب ساقها احباطا من جديد، فقال أمجد يهدئها
(أمي حبيبتي، هل تظنين أن العروس ستوافق على الزواج مني بسبب رابطة العنق؟، العالم مليء برابطات العنق، لكن كم رجل رائع ووسيم مثلي؟)
قالت أمه بمنتهى التصديق على كلامه.

(هو أمجد واحد لا غيره)
ضحك أمجد و التقط كفها ليضعها فوق ساقه و ربت على ظاهرها وهو يقول برقة
(حسنا ابتسمي الآن و استمتعي بالخروج أيا كانت النتيجة)
قالت أمه مبتهجة و هي تربت على ساقه
(فل، النتيجة فل أبيض و ياسمين بمشيئة الله، أكاد أسمع الزغاريد من الآن)
تنهد أمجد وهو يخشى أن يبدد سعادة أمه، لم يراها سعيدة بهذا الشكل منذ وقت طويل...

في الحقيقة لا يزال غير مصدقا أنه وافق على المجيء بعد أن اعترفت أمه له بسبب هذه المقابلة...
لقد دبرت أمه و ابنة خالته فخا له، و لقد كشفه اليوم، لكنه وافق في النهاية ارضاءا لتلك الرغبة اليائسة على ملامح أمه الحبيبة...
لكن إن اراد الصراحة مع نفسه...
ربما كان حواره الأخير مع غدير هو السبب، لا ينكر أنه تأثر بها قليلا...

ليس حجرا ليستطيع اخراجها من تفكيره بهذه السرعة، لا تزال نفس الفتاة الهشة و الضعيفة و التي تنظر اليه بعينين تستدعيان كل غرائز الحماية بداخله...
زفر أمجد بقوة، ناسيا وجود والدته بجواره و التي عقدت حاجبيها لتقول بقلق و قد سمعت زفرته المثقلة
(لماذا أنت غاضب يا ولدي؟، ترى هل ضغطت عليك أكثر من اللازم؟ أنا لم يكن لي هدف سوى رؤية سعادتك في بيتك، مع زوجة و أطفال).

انظر اليها أمجد بسرعة ثم ربت على كفها مجددا و قال متظاهرا بالمرح
(و أنا لا هدف لي سوى اسعادك، لا تقلقي حبيبتي لست غاضبا، إنها مجرد ضغوط في العمل)
ربتت أمه على ساقه و قالت تقنعه
(تخيل حين تعود من عملك مضغوطا، تعبا لتجد زوجة جميلة تنتظرك، تسمع منك و ترفه عنك و تخفف من تعبك، تتحمل معك الحياة بمصاعبها و شقائها، تكن أمامك أنثى و من خلفك رجلا)
ابتسم أمجد بحنان وهو يتابع الطريق بعينيه، ثم قال بهدوء حنون.

(و ما حاجتي لها و أنت تقومين بهذا الدور على اكمل وجه)
عبست أمه و قالت بغلظة
(لا تتحامق أمامي يا ولد و تمثل دور الطفل البريء)
ضحك أمجد وهو ينظر من نافذته، ثم قال أخيرا بجفاء و تذمر
(عامة، ماذا تعمل العروس المصون؟، أم أنها ستكون ربة منزل؟، ما هو شكلها؟)
ارتبكت أمه و تململت في مكانها و هي تنظر من نافذتها متهربة هي الأخرى
فعقد أمجد حاجبيه و قال بتوجس.

(أمي!، هل تعرفين ما لا أعرفه؟، هناك سؤال في الثلاث أسئلة لن تعجبني اجابته بناءا على ردة فعلك، اليس كذلك؟، ما هو؟)
ردت أمه ببراءة و هي لا تنجح في الكذب عليه مطلقا
(ماذا بإمكاني أن أخفي عنك؟، بالنسبة للعمل أممممم هي تعمل، و أنت فلتجعلها ربة منزل فيما بعد لو أردت، فهي ستكون زوجتك و طوع أمرك، ستكون وديعة و مطيعة و تنفذ ما تطلبه منها).

ازداد توجسه و عدم راحته وهو يشعر بأن أمه تلهيه عن معلومة هامة، لكنه قال بشك
(و ماذا عن الجمال؟)
ردت أمه بقوة
(اسمع يا بني، الجمال جمال الروح، و الزوجة الصالحة هي من تراها أجمل النساء)
ضحك أمجد عاليا ثم قال
(بشرك الله بالخير يا أمي)
قالت أمه بسرعة و ندم
(صدقني أنا لم أراها. يووووه طبعا لم أراها، أقصد لم أعرف شكلها، لو كنت مبصرة لكنت اخترت لك أجمل عروس رأتها عيني).

ضحك أمجد وهو يرفع كفها المرهق الى شفتيه و قبلها ليقول بهدوء مخففا عنها...
(ليت من سأتزوجها تحمل شيئا من صفاتك يا أمي، حينها ستكون قطعة من الجنة).

جلست مسك تنظر الى المنظر الجميل أمامها بابتسامة شاردة رزينة...
و قد احتفظت على وجهها بملامح دبلوماسية كرد على كلام وفاء الذي لا ينتهي أبدا...
كانت تسألها عن كل شيء و لا شيء، و كأنها تريد معرفة المتبقي من أدق التفاصيل عنها...
الا أن مسك كانت تحتفظ بحياتها لها، و تجيب عن ما تريد اظهاره فقط...
هتفت وفاء فجأة بسعادة
(ياللهي تبدين جميلة فعلا)
التفتت اليها مسك رافعة حاجبيها ثم ابتسمت بهدوء و قالت.

(شكرا على تلك المجاملة يا وفاء، في الواقع لم أجد الوقت الكافي كي أتأنق فعلا)
هتفت وفاء بصدق
(بل أنت رائعة كما أنت، تبدين أصغر سنا و أنت خارج الهيئة العمل)
مالت مسك بوجهها و قالت مبتسمة
(ربما تحمست في النهاية للخروج قليلا، فأنا لم اخرج للنزهة منذ وقت طويل، أعتقد أنها المرة الأولى منذ، منذ عودتي من السفر)
تأملتها وفاء و قالت برقة
(تبدين كوردة جميلة)
ضحكت مسك رغم عنها ضحكة قصيرة و قالت برزانة.

(ليس الى هذا الحد)
كانت قد ارتدت بنطالا بلون أصفر زاهي، و قميص من الحرير الأبيض فبدت عصرية و رقيقة في نفس الوقت...
أما ما زاد جمالها فهو شعرها الذي تركته حرا يتطاير ملامسا كتفيها بأناقة...
و اقتصرت زينتها على الكحل الأسود و احمر شفاه، دللت نفسها و اختارته أحمر داكن...
في الواقع على الرغم من عدم رغبتها في الخروج أو مخالطة الناس الا أنها شعرت بأقل القليل من الحماس ما أن بدأت في ارتداء ملابسها مرغمة...

قالت وفاء و هي تنظر حولها
(هل أعجبك المكان؟)
نظرت مسك الى المنظر المفتوح أمامها بتأمل مبتسم، و قالت
(انه جميل، و أجمل ما فيه أنه قريب من البيت، كي لا أقود السيارة)
قالت وفاء بسعادة
(نعم سعدت بالمشي، على الرغم من أنك تمشين بسرعة كالحصان)
نظرت اليها مسك رافعة حاجبيها فسارعت وفاء للقول معدلة كلامها
(لم أقصد، قصدت أنك رياضية، سريعة)
لم ترد مسك و هي تبتسم بترفع، و شردت في التأمل من جديد...

الا انها أجفلت حين صرخت وفاء فجأة بجذل
(لا، لا، لا، غير معقول؟، ما تلك المصادفة الغريبة و الجميلة؟)
نظرت مسك اليها بتعابير وجه حيادية ثم التفتت الى حيث تنظر وفاء...
ثم لم تلبث أن تسمرت مكانها و ارتفع حاجبيها و هي ترى الوقح الفظ، يقترب منهما وهو يساند امرأة متوسطة في العمر و تبدو ضريرة...
طالت عينا أمجد بعد ان سمع هتاف وفاء العالي الى الفتاة الجالسة بجوارها...

و حينها توقف مكانه متسمرا وهو الآخر ناظرا الى مسك بصدمة...
قالت أمه بقلق
(لماذا توقف يا أمجد؟، هل رأيت العروس؟)
قال امجد بذهول و الصدمة لا تزال بادية عليه
(ليتني ما رأيتها!)
قالت أمه بخيبة أمل
(لماذا؟، ما شكلها؟، اليست جميلة الى هذا الحد؟، تكلم يا ولد بسرعة قبل أن نصل اليهما)
زم أمجد شفتيه و أخذ نفسا خشنا غاضبا لدرجة أنه يستطيع قتل وفاء في تلك اللحظة...

نظر الى مسك التي كانت لا تزال جالسة مكانها، واضعة ساقا فوق الأخرى بينما الصدمة تعلو وجهها بشكل مرعب...
قالت أمه بتوتر
(تحرك يا أمجد، يجب أن نجلس معهما من باب الذوق على الأقل و لن يجبرك أحد على الزواج ممن لا تعجبك)
عض أمجد على أسنانه وهو يفكر في الالتفات و المغادرة، لكن وجود أمه معه يعيقه...
لذا تحرك مرغما نفسه بكل قوة لديه...

ما أن وصلا الى طاولة وفاء و مسك حتى هتفت وفاء بصوت سعيد، متفاني في اداء الدور بمهارة
(خالتي!، لا أصدق، ماذا تفعلين هنا؟، ياللها من صدفة)
قالت أم أمجد ببراءة و سعادة طفولية...
(هل تأخرنا عليكما؟)
ارتفع حاجبي مسك أكثر دون أن تنهض من مكانها و هي تراقب هذا الوضع الهزلي، بينما أغمض أمجد عينيه بيأس...
أما وفاء فهمست لنفسها و قد تلون وجهها بكل ألوان الطيف
(ياللهي!).

كانت لحظة الغباء النموذجي بكل المقاييس، فكل منهم فشل فشلا ذريعا...
و كانت وفاء أول من استطاعت الكلام كالعادة و هي تقول بصوت مرتبك
(مرحبا يا أمجد، كيف حالك، اشتقنا لك)
قال امجد بصوت من يشرب ماء غسيل الصحون وهو يرمقها بنظرة مهددة بالقتل
(أهلا)
ابتلعت وفاء ريقها من شدة التوتر و الخوف من ملامح أمجد الصارمة المخيفة، و نظرت حولها لا تدري كيف تتصرف...

بينما مسك لا تزال بنفس الهدوء، جالسة مكانها بترفع واضعة ساقا فوق الأخرى دون أن تتكفل عناء النهوض، أما عيناها فقد تحولتا من الصدمة الى التسلية وعيناها تترصدان عينا أمجد المتهربتين منها دون ان ترحمه من هول احراج الموقف...
قالت وفاء أخيرا بتوتر
(كيف حالك خالتي حبيبتي، أعرفك على مسك جارتي و صديقتي)
ظلت مسك مكانها تراقب الموقف بملامح ما بين الذهول و الابتسام، و الإستياء في آن واحد.

و السبب الوحيد في الابتسام هو التشفي في الحرج الذي يمر به الوقح...
حين ظلت جالسة مكانها بنفس الغرور، أشار اليها أمجد بصرامة و غضب كي تنهض...
ارتفع حاجبيها أكثر و هي لا تصدق مدى وقاحته و غروره...
تنهدت بغضب و نهضت من مكانها لتقترب من والدته قائلة بهدوء فاتر
(أهلا سيدتي).

الا أن والدة أمجد رفعت يديها بحثا عن مسك من صوتها حتى أمسكت بكتفيها فجذبتها اليها حتى كادت مسك ان تنقلب على وجهها، بينما المرأة تغمرها بالقبلات...
و هي تقول بسعادة
(أهلا حبيبتي، أهلا أهلا، كم أنا سعيدة بمقابلتك)
لم تنسى والدة أمجد أن ترفع يدها الى شعر مسك الناعم فعبثت به بسعادة و دون تحفظ لتقول و كأنها قد نسيت نفسها
(ليست محجبة، لكن شعرها ناعم كالحرير ما شاء الله، سيأتي الحجاب فيما بعد ان شاء الله).

رمقته مسك بذهول و هي تتمنى لو أحرقته نظراتها حيا بينما همس أمجد بعذاب وهو يحك جبهته
(يا الله!)
بيأس قالت وفاء
(لما لا تشاركانا الطاولة، اجلسي يا خالتي أرجوك)
ساعدها امجد حتى جلست، بينما ظلت مسك واقفة مكانها في اشارة واضحة لنيتها للرحيل فورا و حالا...
الا أن أمجد نظر اليها بضراوة، و قال قبل أن يستطيع منع نفسه
(أجلسي)
ارتفع حاجبيها بذهول من مدى صلفه، الا أنه تابع بصوت أكثر خفوتا و تهذيبا
(رجاءا).

ظلت واقفة مكانها تنظر اليه، وهو يبادلها النظر بعينين ترسلان اليها الإشارات الا تتحامق الآن...
و على ما يبدو انه كان شديد الضعف في تلك اللحظة بوجود والدته...
زفرت مسك بغضب و مدت يدها الى كرسيها تريد الجلوس الا ان والدة امجد تمكنت من الإمساك بساعدها و قالت بلهجة سعيدة غير مدركة للجو المشحون حولها...
(تعالي و اجلسي بجواري)
ظلت مسك مكانها مترددة و هي توشك أن تضربه بحقيبتها في منتصف وجهه...

الا أنها تحاملت على نفسها و جلست بجوار والدة أمجد بينما جلس هو على الجانب الآخر منها...
رفعت أم أمجد يدها لتلامس شعر مسك الناعم، بينما مسك تنظر اليها بتوجس. و هي تبدو متحفزة لأي حركة منهم...
فقالت والدة أمجد تقول بسعادة
(رائحتك جميلة جدا)
ضربت وفاء على وجنتها و هي تنظر بعيدا، تريد الهرب الى أقصى مكان...
أما مسك فنظرت الى أمجد الذي بدت ملامحه جامدة بائسة، لكنها نظرت الى والدة أمجد و قالت بهدوء أنيق...

(شكرا لك سيدتي، الإستحمام يعود على الفرد بفائدة على ما يبدو)
ضحكت والدة أمجد و هي ترفع يدها لتقرصها من وجنتها قائلة
(كم هي لطيفة، لقد قصدت عطرك، رائع)
فتحت مسك فمها لتجيب، الا أن أمجد قال بهدوء قاتم
(إنها رائحة المسك، كإسمها)
أجفلت مسك من كلماته الهادئة التي بدت عميقة، فرفعت عينيها الى عينيه، و توترت حين رأته ينظر اليها مباشرة...
ارتبك كيانها للحظة فأدارت وجهها بعيدا عنه، أما والدته فقد قالت بعفوية.

(هل تعرفها يا أمجد؟)
قال أمجد من بين أسنانه...
(نعم يا أمي، اعرفها، أستاذة مسك تعمل معنا في الشركة، و لا أصدق تلك الصدفة الرائعة)
لاحظت أنه شدد على استخدامه للقب قبل أسمها رغم أنهما في غير أوقات العمل الرسمية...
لذا تراجعت مسك في مقعدها بأريحية و قالت ببرود
(عجبا من تلك المصادفة!، وفاء تعرف جيدا أين أعمل و منذ متى، حتى أنها تعرف ساعة ذهابي و عودتي و ماذا أرتدي في العمل كذلك).

قالت والدة أمجد بسعادة و هي غير مدركة للجنون الدائر من حولها
(الصدفة الحلوة خير من ألف موعد)
نظر أمجد الى وفاء شزرا، فغصت في العصير الذي كانت ترتشفه و سعلت بقوة
قالت والدة أمجد و هي تربت على وجنة مسك
(صوتك أيضا جميل جدا كالكروان، فهل وجهك جميل مثله؟)
ابتسمت مسك بغرور و قالت بصوت هادىء
(يقولون هذا)
نظر اليها أمجد طويلا و للمرة الثانية أربكتها نظراته، على الرغم من كونها نظرات غاضبة ومستهينة...

الا ان بها شيء يربكها...
ردت عليها أم أمجد تقول بسعادة
(لديهم بعد نظر اذن، ليتني أستطيع أن أراك، لكن البركة في ابني أمجد، واثقة أنه سيجيد وصفك لي)
لم يتمالك أمجد نفسه من الإبتسام، ابتسامة جانبية رجولية لمحتها مسك فاحمرت وجنتيها رغم عنها...
و تسائلت الى أي حد سيصف رجل عروس متوقعة الى أمه، كي يتدارسا تفاصيلها حين يكونا بمفردهما!

قفزت وفاء من مكانها و هي تقول بذعر واضعة حد للحوار قبل أن يتطور اكثر و الى مناطق أكثر خطورة...
(خالتي حبيبتي، لما لا نسير معا قليلا لقد نصحك الطبيب بذلك)
عبست أم أمجد و قالت بغضب
(الآن يا وفاء؟، هل هذا وقته؟)
قالت وفاء من بين أسنانها
(اسمعي مني يا خالتي، ربما كان لديهما ما يريدان التحدث عنه فيما يخص العمل و هذه ستكون فرصة مناسبة، ها، هل أنت معي على الخط يا خالتي؟).

ابتسمت مسك و هي تطرق بوجهها، بينما قالت أم أمجد
(آه صحيح، معك حق يا وفاء، لقد تذكرت نصيحة الطبيب، تعالي يا ابنتي و خذي بيدي)
نهضت أم أمجد و أمسكت وفاء بذراعها، ثم ابتسمت لهما و هي تقول بمودة...
(خذا راحتكما)
قال أمجد بصرامة
(اذهبي يا وفاء، اذهبي و ابقي عينيك على أمي)
ابعدت عنه بسرعة و هي تدرك أنها قد ضغطت عليه أكثر من اللازم...
و ما ان ابتعدتا حتى قالت مسك بصوت في منتهى الهدوء
(لااااا أصدق هذااااا).

التفت امجد ينظر اليها و قد تشنج جسده بأكمله، كانت تجلس متراجعة في مقعدها بأريحية، واضعة ساقا فوق الأخرى، مستندة بفكها الى اصبعها، تنظر اليه نظرة نافذة كلها تسلية. تشاركها الإبتسامة المرتسمة على شفتيها المكتنزتين الحمراوين بلون قان...
قال أمجد بصرامة و غضب
(لا تبدأي بقول كلمة واحدة)
ارتفع حاجبي مسك ببراءة و قالت بخجل زائف
(هل هكذا تتكلم مع العروس؟)
شتم أمجد من بين أسنانه، فقالت مسك بلهجة جليدية كالصقيع.

(عريس يشتم!، كم هذا رائع، لكن أتعرف ماذا؟، كل تصرفاتك متوقعة و تناسب شخصك تماما، كان على ادراك أن رجل فظ مثلك لن يتزوج الا بهذه الطريقة المتخلفة)
برقت عينا أمجد و قال بغضب ناري
(احترمي نفسك)
الا ان مسك قالت بهدوء مشدد دون أن تفقد وقارها
(كلمة متجاوزة أخرى و سأخرج من هنا دون اعتبار لاحد)
قال أمجد بهدوء مماثل، الا أنه هدوء مخيف
(حاولي ذلك و ستندمين)
ارتفع حاجبي مسك و قالت بغضب.

(هل ستحتجزني هنا؟، من تظن نفسك لتتصرف بتلك الهمجية؟)
لم ترتبك ملامح أمجد بل ظلت على قسوتها وهو يقول دون تردد
(لن أسمح لمخلوق أن يهين أمي)
فتحت مسك فمها تنوي أن ترد عليه بقسوة، الا أنها عادت و زمت شفتيها و قالت من بين أسنانها
(أخلاقي هي الشيء الوحيد الذي سيجعلني أمرر هذا الوقت باي طريقة)
قال أمجد بفظاظة و دون مودة
(شكرا).

مدت مسك يدها تلتقط كوب القهوة الخاص بها و ارتشفت منه ببطىء و هي تعود الى شرودها و تأمل المنظر المفتوح امامها، مقررة ان تتحمل تلك الكارثة التي تعيشها الآن بأكبر قدر ممكن من الرقي...
علي ان مشاعرها الداخلية لا تحمل أي نوع من أنواع الرقي حاليا...
منح شرودها الفرصة لأمجد كي يتأملها خلسة، مجددا...
كانت مختلفة جدا في شكلها خارج العمل.

بدت أصغر سنا، بدت كشابة صغيرة حلوة، خاصة مع شعرها الذي يداعب ذقنها و يلامس كتفيها بحرية...
و شعر بنوع من الغيظ لأنها قصته ذات يوم، أخذ وقته في تخيل كم الحرير الأسود الذي قد يجري بين أصابع الرجل الذي يحبها لو طلب منها ان تطيل شعرها...
شعر بجنون الوجهة التي تتجه اليها أفكاره، لذا أعاد تفكيره الى شيء أكثر اتزانا ووقارا.

اللون الأحمر الوقح الذي تصبغ به شفتيها مثلا!، فاتن الى درجة مقيتة، و يراهن أن كل رجل في هذا المكان قد نظر الى شفتيها اللتين ازدادا حجمهما بسبب هذا اللون و وقاحته...
شتم أمجد في داخله وهو يطرق برأسه...
تبا لذلك، إنها تتبعه الآن، حتى لو رفضت ذلك لكنها امرأة تتبعه و جالسة على طاولته وهو يشعر بالضيق بسبب نظرات الرجال اليها...
كانت رشيقة الى حد ملفت، كل ما بها يجذب النظر...

لو كان جمالا مبهرا ساحرا للفت الأعين فقط...
لكن جمالها و تفاصيلها تمس شيء داخل أهواء البشر، و هذا أشد خطورة...
حين شعر ان افكاره تزداد خطورة مع كل لحظة تمر من الصمت، قرر الكلام فقال بهدوء عميق
(اذن، ما هي هواياتك؟)
التفتت اليه غير مصدقة و عيناها متسعتين، قبل أن تنفجر ضاحكة رغم عنها...
سحرته ضحكتها...
لقد تعمق خطين دقيقين اعلى زاويتي شفتيها مما جعلها اشبه بالوجوه الضاحكة الكارتونية...
خطين فاتنين بشدة...

من الظلم وصفهما كتجاعيد، يبدوان عليها كوشم من نوع خاص...
ما أن انتهت حتى قال أمجد ضاحكا بخفوت
(هل انتهيت؟)
سعلت قليلا، و دمعت عيناها فتناولت منديلا ورقيا لتمسحهما و هي لا تزال تضحك بخفة...
ثم قالت بخفوت
(ياللهي، يا له من موقف)
قال امجد بهدوء شارد
(نعم، ياله من موقف)
رفعت مسك عينيها الدامعتين اليه، و ارتبكت مجددا من نظراته النافذة، ثم قالت بهدوء حاولت جاهدة أن تعود به الى رزانتها.

(حسنا، سننسى هذا الحدث الكارثي غدا، اتفقنا؟)
مال برأسه موافقا كرجل مهذب أنيق، بينما على شفتيه ابتسامة وقورة جعلته أكثر جاذبية...
مضت فترة قصيرة من الصمت المتوتر و كل منهما يختلس النظر الى الآخر...
الى ان قالت مسك و هي ترتشف رشفة أخرى من كوبها، تراقبه من فوق حافة الكوب بتأمل
(ترى، ما الذي ينقص رجل مثلك كي يتعرف على فتاة بطريقة طبيعية؟، دون الحاجة لإصطحاب أمه كي تختار له!)
عقد أمجد حاجبيه و قال بفظاظة.

(هل عدنا الى قلة الأدب من جديد؟)
عقدت مسك حاجبيها و قالت ببرود
(قلة الأدب هي أن تخاطب سيدة بمثل هذه الصفاقة)
قال أمجد بغضب مكبوت ظهر في عينيه كألسنة من اللهب
(أنت حقا)
ردت مسك بشراسة
(ماذا؟)
ابعد أمجد وجهه بعيدا وهو يزفر بغضب قائلا من بين أسنانه...
(لا شيء)
قالت مسك ببرود رافعة حاجبيها
(هل تعني بكلمتك أنك تتراجع عن وقاحتك أم أنني مجرد نكرة؟، أتسائل فقط كي أرد عليك الرد المناسب).

أغمض أمجد عينيه و زفر بقوة، ثم نظر الى المنظر أمامه يتجنب النظر اليها كي لا يفقد اعصابه...
و بعد مضي فترة من الصمت، نظر اليها أمجد ليقول باهتمام
(من كانت تلك المرأة التي اصطحبتها معك يوم أمس؟، التي كانت تجلس على الرصيف)
رفعت عيناها الى عينيه مباشرة و سألت دون مقدمات
(لماذا خرجت غدير من مكتبك باكية؟)
تسمر مكانه، و التقطت عينا مسك الدقيقتي النظر كل ملامح تغيره. و توتر نظراته...

و ساد صمت مشحون قبل أن يقول أمجد ببرود
(ما رأيك لو مررنا الأمر كغرباء افضل؟)
رفعت مسك كوبها محيية و هي تبتسم قائلة بأناقة
(اقتراح رائح، و اجابة على سؤالك الأول، هوايتي الوحيدة هي ركوب الخيل)
عقد حاجبيه قليلا من تغيير المواضيع السريع و استغرق الامر منه عدة لحظات ليحافظ على توازنه قبل ان يبتسم بسخرية قائلا
(كم هي اجابة نموذجية تليق بملكات الجمال، كوني واقعية)
رفعت مسك حاجبها و قالت ببرود.

(ألا تصدقني؟، يؤسفني ذلك، لكنني لا امزح أنا فعلا كنت بطلة في الفروسية و أحتفظ بعدة مادليات تدل على ذلك)
حسنا، الآن صدقها...
برقت عيناه وهو ينظر اليها، يتخيلها فوق ظهر الفرس، تشبهه في كبريائها و ترفعها...
قاطعت مسك أفكاره لتقول مبتسمة بخيلاء
(يسعدني يوما ما ان أدعوك لترى أحدى جولاتي على ظهر الخيل)
نظر أمجد أمامه دون أن يجيب، و في ذهنه شيء واحد...

هذا ما كان ينقصه!، مرت المقابلة بهدوء نسبي، كل منهما متحفظ تجاه على الآخر...
و على الرغم من ذلك اندلع بينهما فضولا عنيفا، كل منهما كان يختلس سؤالا للآخر على سبيل المزاح...
الا انه كان يقصده و يرغب في معرفة المزيد عن الآخر...
لكن الصمت عاد حليفهما بعد عودة أم أمجد و وفاء...
نظرت مسك أخيرا الى ساعة معصمها أخيرا و قالت بهدوء
(لقد تأخر الوقت، يجب أن أذهب الآن)
قالت أم أمجد بحسرة
(بهذه السرعة؟).

نهضت مسك و هي تقول بأناقة
(لا أستطيع التأخر أكثر، تشرفت بمعرفتك)
كانت شديدة الرسمية، لهجتها الأنيقة لا تتناسب مع لهجة ام أمجد الودودة المتلهفة عليها، مما جعل أمجد يشعر بالغضب في قرارة نفسه...
الا انه لم يملك أن يجبرها أكثر، من الواضح أنها تتوق لأن تنهي هذه الجلسة الخانقة المجنونة...
قالت مسك مخاطبة وفاء بجفاء
(هل ستسيرين معي الى البيت؟).

فتحت وفاء فمها كي ترد و هي تشعر بغضب مسك الهادىء منها لأنها وضعتها في هذا الموقف دون ان تطلب اذنها قبلا...
لكن أمجد سبقها و نهض من مكانه قائلا بهدوء حازم لا يقبل الجدل
(سأقلكما)
رفعت مسك عينيها الى عينيه، كانت عينين صارمتين عميقتين، داكنتين...
لكنهما لم ترهباها، فقالت بهدوء
(يمكنك أن تقل وفاء، أنا افضل المشي، شكرا لك)
مدت يدها الى حقيبتها و أخرج حافظتها الجميلة ما أن أحضر النادل بطاقة الحساب...

فأمسكتها تلقائيا و فتحتها...
لم تكن متوقعة لليد الصارمة التي اختتفطها منها قبل أن حتى أن تنظر اليها، فرفعت عينيها لترى وجه أمجد و قد تحول الى وجه شديد الغضب وهو يقول
(مع من تظنين نفسك جالسة؟، ألم يعلمك أحد أن هذه الحركة تعد إهانة في وجود رجل؟)
ارتفع حاجبيها و قالت بهدوء.

(رجل يفكر في الزواج بتلك الطريقة من الطبيعي أن يفكر أن تدفع المرأة ما يخصها يعد اهانة له، لكن اعذرني أنا ارفض أن تدفع لي شيئا، لأنني أعتبرها اهانة، خاصة و أنني أتيت الى هنا دون علمي بالسبب الحقيقي)
ساد صمت مطبق بعد انفجارها الهادىء، الهادىء جدا و رغم ذلك فظاظة الكلمات كانت اكثر من كافية كي تجعل وفاء تشهق، و أم امجد تتوتر ملامحها و هي تخفض رأسها شاعرة بالقنوط من الطريقة التي خاطبت بها مسك ابنها...

من الواضح أن تلك المراة تضع ابنها في منزلة عالية جدا، و لم تتخيل أن تخاطبه فتاة بتلك الطريقة...
قالت وفاء بخفوت متوتر
(أنت تضخمين الأمر يا مسك، أمجد لم يفعل شيئا و أنا السبب)
أخفضت مسك عينيها و هي تشعر بشعور غبي من الندم بسبب تهورها، على الرغم من اقتناعها الكامل بما قالت، الا أن ندمها الوحيد كان منصبا على كونها جرحت أمه...
زفرت مسك بغضب ثم قالت ببرود
(يمكنك أن تدفع، و تقلني، و شكرا لك).

ظهر بعض الأمل على عيني وجه أم أمجد التي كانت مرتبكة و حزينة و أصابعها متوترة...
أما أمجد فقد نظر الى مسك نظرة طويلة، قاتمة، لم يفلح معها محاولتها للإعتذار الغير مباشر...
حين جلست خلفه في السيارة كان الوضع لا يزال على نفس التوتر و الصمت المطبق من الجميع...
و أبقت مسك عينيها على الطريق من نافذتها...
لكن شيئا ما جعلها تنظر الى المساحة الخالية بين المقعدين الأماميين...

فوجدت أمجد ممسكا بكف أمه، لا يتخلى عنها أبدا، حتى أثناء قيادته
و كأنها زوجته أو حبيبته...
رغم عنها وجدت ابتسامة تشق شفتيها بشرود...
لكن ما أن رفعت عينيها حتى وجدت عيناه النافذتين تلاحقانها في المرآة الأمامية للسيارة...
ارتبكت مسك و اعادت نظرها الى النافذة بجوارها بسرعة...
شيء غريب بداخلها و رغم كل التوتر و الفظاظة المحيطة بتلك المقابلة...
الا ان بعض الجذل يتوهج قليلا...
أن تخرج في مقابلة لرؤية خاطب...

لم يتقدم لها احد من قبل!، لذا لم تخوض تلك التجربة أبدا مسبقا
ابتسمت بسخرية و هي تفكر
هي مسك سالم الرافعي لم يتقدم لها أحد، فقيرة الخاطبين
بل معدومة...
فلقد خطبت الى أشرف منذ سن مبكر، ثم توالت الأحداث و المرض عليها فابتعد الزواج عنها بالأميال...
أخفضت وجهها ووجدت نفسها تضحك ضحكة جميلة صغيرة دون صوت...
و ما ان رفعت وجهها، وجدت نفس العينين تلاحقانها في المرآة، ببريق لا يمكن انكاره!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة