قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثلاثون

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثلاثون

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثلاثون

ربت ليث على الفرس التي تم معالجتها حديثا، بعد أن جند الجميع في احضار و مساعدة الطبيب و معاونه...
بدت الفرس متعبة، و الألم ظاهر عليها رغم العنفوان الذي لم تضيع هيبته...
كانت أبية، صلبة العينين و هي تراقبه بتحفز، تنفر برأسها كلما داعبتها يده الغريبة عنها...
همس ليث بخفوت
(ما كان على قاصي اجبارك و الخروج بك اليوم، لازلت غريبة، تملكين المقاومة و الرفض).

يعرف قاصي حق المعرفة، تتملكه روحا هاجعة، لا تقبل المقاومة أبدا...
و هذا منذ أن بدأ يتعرف عليه عن قرب...
علي الرغم من جنون شخصيته و عنفها، الا أنه يظل الإبن الأفضل لدى عمران الرافعي...
الابن الغير شرعي، شتان بينه و بين الإبن الشرعي...
منذ صباه، بدأ قاصي في الظهور و التواجد في البلد...
كان غريبا منطويا، غامض العينين دائما و كان سالم يرعاه و يضمه تحت جناحه أينما ذهب...

يتذكر يوما، حين كان أول لقاء حقيقي بينهما...
كان قاصي في الثامنة عشر تقريبا...
بينما ليث يكبره باربع سنوات، و قد أتى الى البلد بعد سفر لمدة عام كامل...
وجد ذلك الصبي المدعو قاصي الحكيم يتحرك تحركات غريبة...
منذ بداية اليوم وهو يطوف حول دار الرافعية...
و بداخله شعر ليث أن شيئا مريبا يحدث، لذا وضعه تحت مجهر مراقبته لحظة بلحظة عن بعد...

و سرعان ما صدمه رؤية سلاح في يده. أشهره ما أن خرج عمران على قدميه من الدار و معه بعض الرجال...
كان قاصي مختفيا و لم يره أحد سوى ليث، الذي سرعان ما أنقض عليه و اسقطه أرضا...
كانت معركة محتدمة بينهما و ليث يقبض على ساعد قاصي الممسك بالسلاح و يضربه في الأرض الى أن أوقعه من يده أخيرا...
كان كلا منهما يلهث و ينظر الى الآخر، و ساد السكون الى أن أبتعد عمران تماما و اختفى عن مرمى النظر...

حينها نهض ليث و انهض قاصي بالقوة، فحاول قاصي لكمه بكل قوته
الا أن ليث تلقى اللكمة على معصمه، حاول قاصي مجددا فتلقى ليث اللكمة على معصمه الآخر بمنتهى السهولة، قبل أن يلكم قاصي بكل قوته ليسقطه أرضا مجددا...
قفز قاصي وحاول ضرب ليث مجددا الا أن ليث عرقله بقدمه و لكمه و أوقعه للمرة الثالثة...
ووقف يشرف عليه من علو ثم هدر بقوة
(هل اكتفيت الآن؟، أم تريد المتابعة الى أن تخلع فكك بالكامل!).

و حين ظل قاصي مكانه يلهث ناظرا الى ليث بعينين كالجمر المتقد سوادا بينما الدم يندفع من شفتيه عنيفا...
انحنى ليث اليه و جذبه من قميصه المهترىء و جره معه، و السلاح في يده قائلا بغضب
(هذا الحوار يجب أن يتم في مكان خال)
و بالفعل جره معه بتهديد سلاحه حتى أحد الإسطبلات القريبة ثم دفعه و وقف ينظر اليه بأعين قاتمة قبل أن يقول بصرامة
(الآن أريد أن اسمع منك، لماذا كنت تريد أن تقتل عمران الرافعي؟).

عاد ليث من ذاكرته وهو ينظر الى الفرس المتحركة بتعب. قبل أن تنحني و تستقر جاثية كي ترتاح...
و ضيق عينيه وهو يتذكر عبارته لقاصي منذ عشر سنوات
(كي تنال حقك بالقوة، عليك أن تمتلكها أولا، و الا فلن تصبح أكثر من لقمة يابسة ملقاة أرضا، تدهسها أول قدم لتسحقها في شظايا)
في ذلك الوقت كان راجح و سليم صديقيه اللذين يعود اليهما بعد السفر دائما...

لكن راجح بدأ يتغير، و بدأت أخلاقه في التدنس شيئا فشيئا بشكل جعل ليث يراه بصورة أخرى...
مغايرة تماما لصورة الصديق القديم...
و انفجر كل شيء أمام عينيه لاحقا حين بدأ يلاحظ اهتمامه ب، سوار...
ابنة خالته التي بدأت في النضج المبكر جدا، و هي تنتقل من مرحلة الطفولة الى المراهقة كزهرة تتفتح بمنتهى الجمال...
حينها أوشك على أن يسحقه بكل معنى للكلمة، لولا أن رأى الإهتمام متبادلا بعينيها!
حاول خداع نفسه طويلا...

لكنه لم يكن يوما غبيا، لم يكن أبدا أعمى...
رفع ليث رأسه عاليا يتنهد تنهيدة بدت كبخار مرجل يغلي، محاولا نفض تلك الأفكار عن ذهنه
و للأبد هذه المرة...
عليه أن يسافر...
سيأخذ زوجته و يسافر، عليه أن يبتعد عن أرض تسكنها أمرأة تهاجم أفكاره دون أن يمتلك الحق في ذلك...
لن يكون كراجح الرافعي، لن يتدنى الى هذا المستوى أبدا حتى و لو في أفكاره فقط...
رفع ليث ذقته بعزم حقيقي و اتجه الى بيته...

كانت قد استيقظت و هي تشعر بمنتهى الظفر، عيناها تبرقان...
بالغت كثيرا في تزيين نفسها بما لا يتناسب مع بداية النهار، و أسرفت في ارتداء حليها الذهبية...
تهادت ميسرة و هي تنزل السلالم بخيلاء، تشعر بنفسها كملكة متوجة على الأرض...
لقد أثمر السحر هذه المرة...
و أصبح سيد عائلة الهلالي مسيرا لها دون أي مقدمات...
اقباله عليها صباحا كان غريبا و صادما، ليس له أي تفسير سوى أنه بفعل سحر لا يخيب...

شعرت بنفسها تمتلك القوة و السيطرة، و مقاليد الأمور...
لم تكن مجرد وقتا حميميا بين زوج و زوجته، بل كان تسليما لها بفعل قوة أكبر، تملكها بين أصابعها...
اتجهت الى المطبخ على صوت ضاحكة و مزاح منبعثة من داخله، فدخلت تتهادى و تنظر من فوق أنفها
الى هريرة شقيقة ليث...
كانت جالسة الى طاولة المطبخ و هي تقوم بحشو بعض الخضراوات، بينما تتضاحك مع الخادمة المتوسطة العمر...
قالت ميسرة بلهجة فاترة متعالية.

(صباح الخير يا هريرة، أرى أنك أبكرت في المجيء، ماذا تفعلين هنا و قد تركت زوجك في مثل هذا الوقت!)
رفعت هريرة عينيها اليها، ثم اتسعتا فجأة و هي ترى ميسرة و كأنها على وشك تقديم أحد العروض على منصة مسرح!
كانت ترتدي عباءة شرقية من الحرير الأحمر، مطرزة بالذهبي من اولها و حتى قدميها...
و على الرغم من التطريز الزائد، فقد ارتدت فوقه عددا من السلاسل الذهبية الخالصة...
و أساور تقيد كلتا معصميها...

أما زينة وجهها فقد فاقت الحد، ما بين الكحل الأسود و الألوان التي تعلوه و حتى أحمر الشفاه الفاقع بأشد درجات الإحمرار...
حتى بشرتها لم تكن تتنفس، فقد غطتها بعدة طبقات من الدهان الأبيض أخفت معالمها تماما...
ميسرة تتقن استخدام أدوات التجميل كخبيرة...
الا أنها لا تضع سوى ما يناسب السهرات و حفلات الزفاف، حتى لو كان ذلك منذ بداية الصباح!
حين طال الصمت و بدت هريرة مشدوهة فاغرة فمها، مطت ميسرة شفتيها و تابعت.

(أغلقي فمك يا هريرة حبيبتي، هل رأيت عفريتا أمامك؟)
ارتبكت هريرة و سارعت بغلق فمها و هي تنظر بطرف عينيها بتأنيب الى الخادمة التي كانت تحاول جاهدة ابتلاع ضحكتها...
ثم قالت ببشاشة
(صباح الخير و السرور يا ميسرة، هل أزعجتكما بحضوري الباكر؟)
تمطت ميسرة بدلال و هي تقترب منها، قبل أن تجلس على الكرسي قبالتها و تضع ساقا فوق الاخرى لتقول بلهجة ممطوطة مستفزة.

(إطلاقا حبيبتي، الدار دارك، لكن كنت أتعجب من سماحه لك بالخروج من فراشه مبكرا هكذا، وهو الذي يبدو مدلها بحبك كلما أتيتما معا)
ارتفع حاجبي هريرة بصدمة، قبل أن تقول بحذر
(و ما التناقض في سماحه لي بالحضور مع حبه؟)
ابتسمت ميسرة بخبث و مالت اليها لتقول بدلال
(الا تعرفين غرام الصباح؟)
احمر وجه هريرة بشدة، و زمت شفتيها لتقول بارتباك
(الناس لا تعيش فقط لهذا السبب يا ميسرة).

ضحكت ميسرة بصوت رنان و حدقتي عينيها تتلاعبان بخبث قبل أن تميل الى هريرة لتهمس لها بغنج و دلال
(يمكنك اخبار شقيقك بهذا)
التهبت وجنتي هريرة أكثر بينما التمعت عيناها غضبا و هي تلتفت الى الخادمة لتقول بحزم
(هلا ذهبت و أحضرت لي حقيبتي من الخارج رجاءا)
و ما أن خرجت الخادمة مسرعة حتى التفتت هريرة الى ميسرة لتقول بقوة
(ميسرة لا تتكلمي هكذا أمام الخدم، تعلمين أن ليث لا يحب التجاوز في الأحاديث الشخصية).

ارتفع حاجبي ميسرة و تمطت بلامبالاة و هي تقول ببرود
(أنا في داري يا هريرة، لذا من حقي التكلم كما أريد)
قالت هريرة بغيظ
(لكن تلك الأمور خاصة، و عليك الإحتفاظ بها لنفسك)
تظاهرت ميسرة بالبراءة و هي تهز كتفيها قائلة من بين شفتيها المتكورتين
(و هل صورت لك ما حدث بيننا؟، لقد كانت مجرد مزحة)
زفرت هريرة بقوة و شعرت بالغثيان فنهضت و هي تحمل وعاء الخضروات معها...
لقد أوصلت ميسرة المعلومة التي تريد منذ بداية الصباح.

و كم يثير هذا نفورها، و في نفس الوقت تشعر بالشفقة عليها
فالوضع الطبيعي. تحب ميسرة اظاهره للعلن بمنتهى الوقاحة، ربما كان ذلك بسبب النقص الذي تشعر به...
ربما تشعر في قرارة نفسها أن ليث لم ينجح في حبها يوما...
دلف ليث الى المطبخ في تلك اللحظة و ما أن رأى هريرة أمامه حتى تهللت ملامحه القاسية المجهدة، و فتح ذراعيه قائلا بدلال اعتادته منه دوما
(مرحبا، مرحبا، و أنا الذي كنت أتسائل عن سر جمال هذا الصباح).

اسرعت هريرة اليه مبتسمة و هي ترفع رأسها لتتلقى قبلته على جبهتها، ثم قالت بسعادة
(صباح الخير و الهناء يا ليث، اشتقت اليك منذ يومين كاملين)
تنهد ليث و هو ينظر اليها متظاهرا بالعبوس، ثم قال بخشونة
(لقد بدأت أندم على تزويجك يا فتاة، بعد أن صرت عروسا شابة، يأتي من يخطفك بهذه السرعة، بماذا تعب هو كي يأخذك هكذا ببساطة!)
تخضبت وجنتاها و قالت بدلال طفولي.

(ليث توقف، و كأنك منحتني إياه بسهولة!، لقد كاد أن ييأس من شدة تعنتك)
ازداد انعقاد حاجبي ليث وهو يقول بخشونة أكبر
(احمدي ربك، أنا نفسي لا أعلم كيف واتتني كل تلك القوة في الدفاع عن تلك الزيجة، و انتهى الأمر بسفرك معه)
ابتسمت هريرة ابتسامة براقة وهي تنظر الى عينيه الصارمتين ثم قالت بامتنان واضح
(لن أنسى أبدا حربك من أجلي يا ليث، أبدا، يا أبي و أخي و كل من لي في هذه الدنيا)
ضيق عينيه و قال محذرا.

(و ماذا عن زوجك؟)
قالت بثقة و دون لحظة تردد
(أنت قبل زوجي، وهو يعلم و يغار و أنا لا أهتم)
ضحك ليث وهو يتلمس شعرها الناعم ليقول بخفوت
(حسنا، عليه التحمل فهو دخيل بيننا)
رفعت هريرة عينيها لأعلى و هي تقول بيأس
(ليث، ليس مجددا!)
ارفع حاجبيه وهو يقول
(ماذا؟، لم أقل سوى الحقيقة، فهو دخيل)
هزت هريرة رأسها يأسا ثم لم تلبث أن أشارت بعينيها اشارة خفية و هي تقول بمودة
(ألن تلقي تحية الصباح على زوجتك؟).

انتبه ليث فجأة الى وجود ميسرة، جالسة الى أحد الكراسي، تضع ساقا فوق أخرى و هي تنظر اليهما نظرات نارية سوداء...
فقال ليث بخفوت رقيق وهو يمد ذراعه
(صباح الخير يا ميسرة، تعالي)
ظلت مكانها ترمقهما من أعلى رأسهما و حتى أخمص قدميهما قبل أن تنفض ساقها و تنهض مقتربة منه، تتمايل بسحر مغوي و عيناها ترسلان اليه رسائل غرامهما الصباحي...
الى أن وصلت الى فضمها بذراعه ليقبل وجنتها قائلا بهدوء
(تبدين جميلة).

تألقت شفتاها الحمراوين في ابتسامة أكثر إغواءا، قبل أن تهمس بنعومة
(أين اختفيت منذ الصباح؟، توقعت أن أجدك ما أن أفتح عيني)
ضاقت عينا ليث و ارسل اليها اشارة محذرة الا تتمادى في كلامها الجريء و الذي اعتادته دائما مع النساء من شقيقاتها و أمها و زوجات أشقائها، و هذا أكثر ما يبغضه من تصرفاتها، و كأنه موضوع به مدعاة للتفاخر!
قال ليث بصوت جاف
(لم أرغب في أزعاجك فخرجت كي لا أوقظك).

اتسعت ابتسامتها أكثر و ازدادا اقترابا منه دون حياء، بينما سحب نفسا خشنا وهو يحاول افهامها بعينيه أن هريرة لا تزال واقفة هنا...
لكنها قالت بنعومة
(أردت اليوم دعوة أمي و نساء عائلتنا، فهل لديك مانع؟)
قال ليث بهدوء
(مرحبا بهن، الدار دارهن، و لماذا يكون لدي مانع)
عند هذه النقطة قالت هريرة دون تفكير.

(لكن ماذا عن الطعام الذي سهرت في اعداده و أتيت مبكرا من أجل اكماله!، ظننت أننا سنتناول الغذاء معا سويا، بمفردنا)
نظرت اليها ميسرة بعينين شرستين و هي تقول بقوة
(ماذا تقصدين يا هريرة؟، هل أهلي ليس مرحبا بهم في داري؟)
ردت هريرة بقوة دون أن تجفل من شراسة ميسرة.

(مرحبا بهم طبعا، كما كان مرحبا بهم أمس و أول و أول، أنا فقط أرغب في يوم واحد من عطلة أخي كي أقضيه معه، لقد تعبنا كثيرا حتى قمنا بتوفيق موعد عودتنا سويا من السفر بنفس الوقت، و مع ذلك لم استطع قضاء يوما واحدا معه)
وضعت ميسرة يديها في خصرها و هتفت بقوة أكبر
(ليس ذنبي سفرك و سفره، يكفي أن زواجك كان هو السبب في ابتعادكما دائما بخزي أمام عائلتنا)
امتقع وجه هريرة فجأة و تراجعت خطوة و هي تقول بجمود.

(ماذا تقصدين؟)
هتفت ميسرة بقوة أكبر دون أن تلجم لسانها
(أقصد ما فهمته تماما، بسبب زواجك من رجل ليس من عائلتنا و حرب ليث من أجلك، جعلنا ذلك في وضع مخزي، و بسببه سافرت أنت مع زوجك لتتهربي من نظرة الأقارب لك، و ليث أيضا أصبح يسافر دائما و لا يستقر هنا سوى قليلا، بسببك أنت زوجي يبتعد عني و عن أرضه)
همست هريرة ووجهها شاحب تماما
(هذا ليس صحيحا)
لكن همستها ضاعت في صرخة ليث الصارمة.

(اصمتي يا ميسرة، أي هراء هذا الذي تنطقين به؟)
الا أن صوته المزلزل لم يردعها، بل نظرت اليه و قالت بتصميم عنيف
(هذا ليس هراءا، أنت تعلم كم أنزل هذا الزواج من مكانتك لدى العائلة، و من الممكن أن أن يتسبب في ابتعادك أكثر، و ضياع منصب كبير العائلة من بين يديك).

كانت عينا ليث قد ازدادتا خطرا من شدة الغضب البادي بهما، وهو يقترب ليقبض على ذراع زوجته فجأة قائلا من بين أسنانه، بلهجة جعلتها ترتجف رغم خفوت نبرته وهو ينظر الى عمق عينيها
(تعلمين جيدا أن سفر هريرة مع زوجها كان بسبب عمله لا أكثر، أما أنا فأسافر دائما و كان هذا من قبل زواجي بك و قد رفضت دائما مرافقتي كما تفعل هريرة مع زوجها)
صمت قليلا ثم ازداد صوته خفوتا، و صرامة في ذات الوقت.

(و هذا هو نهاية الحوار، إياك و محاكمة هريرة مجددا كما فعلت للتو، إياك، فقط حين أموت يمكنك فعل ذلك)
هتفت هريرة متأوهة
(أطال الله عمرك يا ليث، لا تقل هذا أرجوك)
الا أن ليث لم يلتفت اليها، بل ظلت عيناه على عيني ميسرة وهو يقول بصوت لا يقبل الجدل
(فهمت؟، أم أقحم الكلام برأسك مجددا؟).

كان جو المطبخ قد تحول الى جو مشحون متوتر و ميسرة تتحدى نظرات ليث الجبلية دون أن يرف لها جفن على الرغم من أنها ترتجف داخليا، لكنها تعاند بكل غباء...
الا أن التوتر لم يطل كثيرا، فقد تعالى صوت زعيق صاخب من أعلى البيت...
بدا صوت صراخ رجل في أشد حالات جنونه و غضبه، جعل ليث يلتفت خلفه متفاجئا وهو يضيق عينيه و يعقد حاجبيه، قبل أن يخرج مسرعا من المطبخ تلحق به هريرة و ميسرة و ملامح الذهول تحيط بهما...

و ما أن فتح ليث باب الدار حتى استطاع جيدا التعرف على صوت هذا الرجل و هويته...
فاستدار مخاطبا أخته و زوجته ليقول آمرا بلهجة قاتمة
(ابقيا هنا و لا تخرجا من البيت مطلقا)
أغلق الباب خلف بقوة هزت أرجائه بينما برقت عيناه بكره قديم، قاتم، شديد السواد، وهو يستمع الى الصوت الصارخ بجنون
(ليث، أخرج وواجهني)
أبصر راجح وهو يبدو في أسوأ حالاته، عيناه بلون الدم الأحمر، و فمه يصرخ بشكل منفر...

بينما أحد الغفر يحاول جاهدا الإمساك به كي لا يقتحم البيت...
فهدر ليث بقوة
(أتركه)
تركه الغفير بالفعل مترددا و لم يتوانى راجح عن الهجوم على ليث صارخا
(أين هو، اين تخفيه؟)
أوقف ليث اندفاعه وهو يمسك بذراعه بقبضة من حديد، ليهدر بنبرة أشد سطوة
(إن أردت أن أكرمك كضيف، اذن احترم حرمة بيتي أولا و أخفض صوتك)
الا أن راجح بدا كمن تلبسه شيطان من الغضب وهو يضرب ليث بصدره صارخا بجنون.

(أنا لم آتي الى هنا من أجل ضيافتك، أخرج ذلك اللقيط الذي تخفيه بدارك حالا و اجعله يواجهني رجلا لرجل بدلا من التخفي كالجبناء الذي هو منهم، عديم الأصل و النسب)
حينها دفعه ليث بدفعة أقوى جعلته يترنح قليلا وهو يصرخ بصوت بدا مخيفا
(أحترم المكان الذي تقف على أرضه و راقب ألفاظك و تصرفاتك، هناك نساء في الداخل أم أنك بت لا تستطيع تمييز الأصول)
حينها قبض راجح على قميص ليث بكلتا كفيه وهو يضحك عاليا بصوت مقيت...

بينما المرح كان أبعد ما يكون عن عينيه الشرستين، وهو يقول بحقد أسود
(الأصول!، تقول الأصول؟، و هل تعرف أنت شيئا عن الأصول؟، هل زوجتك في البيت؟، هل تسمعنا الآن؟)
برقت عينا ليث فجأة ببريق عاصف متوحش قبل أن ينتزع قبضتي راجح بعنف...
تلاه بلكمة حطت على فكه بمنتهى القوة ألقته ارضا...
اهتزت حدقتي راجح بينما نزف الدم عن انفه غزيرا...

للحظات تذكر ليث نفس الموقف، و نفس اللكمة التي لكمها لقاصي و اسقطته أرضا وهو في عمر الثامنة عشر...
كان مستلقيا أمامه مثل راجح الآن و الدم يندفع من فمه...
لكن شتان بين الابن الشرعي و الغير شرعي...
شتان ما بين الأخوين...
تكلم ليث أخيرا بصوت مرعب
(إياك و التجرؤ على حرمة بيتي، و الا قطعت لك لسانك)
ضحك راجح مجددا وهو يبصق الدم من فمه قبل أن يرفع عينين شيطانيتين الى عيني ليث الهادرتين ليقول بصوت مقيت.

(اليس من الأولى أن ترعاها أنت أولا؟)
عقد ليث حاجبيه بشدة و ضاقت عيناه، بينما تابع راجح بصوت بدا أعلى من اللازم
(أتعرف زوجتك سبب إيوائك للقيط في بيتك؟، و ما هو الا لتنتقم مني، بسبب المرأة الوحيدة التي لم تستطع نيلها و لن تستطيع عمرك كله).

إن كانت عينا ليث متوحشتين قبلا، فقد ازدادتا توحشنا و دون تفكير اندفع ليركل راجح في جانبه بقدمه مما جعله يتلوى وهو يتأوه بقوة، لكن ليث لم يكتفي، بل انحنى اليه ليجذبه من قميصه حتى أنهضه على قدميه، ثم لكمه بقوة أكبر أسقطته أرضا مجددا وهو يهدر به بجنون
(إياك و نطق اسمها على لسانك القذر، إن كنت أنت غير قادرا على صون اسم ابنة عمك فأنا أكثر من قادر على الدفاع عن اسم ابنة عمتي).

ضحك راجح وهو يهز رأسه بشراسة، قبل أن ينظر الى ليث قائلا بنفس اللهجة المنفرة
(و ما أدراك أنني أتكلم عنها؟، أرأيت كم أنت مثير للشفقة!)
لم يجفل ليث و لم يتراجع، بل قال بازدراء
(هي عقدتك الوحيدة المريضة، و أنت من تستحق الشفقة و العلاج كذلك و حتى ذلك الحين، أقسم أن اقطع لك لسانك لو تكرر تجاوزك في الحديث عن نساء عائلتي)
نهض راجح على قدميه وهو يمسح فمه بظاهر يده، قبل أن ينظر الى ليث ليهدر فجأة بصوت عال.

(أخرج أيها الجبان، أخرج بدلا من تخفيك بين النساء)
حينها لم يتحمل ليث أكثر، بل قبض على قميصه و جره جرا الى خارج اسوار الدار، ثم ألقى به بعيدا، وهو يصرخ
(اخرج من داري و لا تقترب من أرضي مجددا، و الا قسما بالله أن المرة القادمة لن تخرج على قدميك أبدا)
التقت عينا راجح الشيطانيتين بعيني ليث المتوحشتين وهو يلهث بجنون، قبل أن يهدر بعنف.

(لنا لقاء يا ليث، لنا لقاء، و حينها ستتمنى لو لم تتحداني يوما بمساندة اللقيط ابن الزنا في دارك الذي تدعي طهر أرضه، لكن أخبره بشيء واحد فقط، دمه الفاسد سيراق على يدي)
استدار ليرحل مندفعا، بينما وقف ليث يرمقه باحتقار و عيناه مشتعلتان بنيران الغضب...
بينما صدره يكاد أن يؤلمه من شدة الغضب المستعر بداخله، فلقد أيقظ ذلك المعتوه وحشا كان يحاول جاهدا أن يخمد نيرانه...

ما أن دخل ليث الى بيته حتى اندفعت اليه هريرة لتضع يدها على صدره و هي تهتف بخوف
(هل أنت بخير يا ليث؟، هل أصابك هذا المجنون بشيء؟)
ربت ليث على ظاهر يدها برفق ليقول بصوت خشن
(لا تخافي يا هريرة، إنه مجرد مجنون)
قالت ميسرة بنبرة غريبة قاتمة
(مجنون قلت!)
رفع ليث عينيه الى عينيها السوداوين دون أن يرد فمن نظرتها عرف بأنها سمعت كل ما نطق به راجح...
لقد سمعت حوارهما عن سوار، و عرفت أنها المقصودة...

لكنها تابعت قائلة بصوت بارد كالجليد
(الى متى سنستمر في هذه الحروب؟، و لأي سبب؟)
صمت ليث طويلا وهو ينظر اليها بغموض، قبل أن يقول أخيرا بصوت مفاجىء في قراره
(لن نستمر طويلا، لقد قررت هذا الصباح السفر و الإستقرار في الخارج)
اتسعت عينا ميسرة بذهول قبل أن تهتف
(ماذا؟، ما معنى أن تستقر في الخارج؟، وماذا عني؟)
عقد ليث حاجبيه و قال بقوة
(ستأتين معي بالطبع)
برقت عيناها برفض فوري و هتفت بغضب.

(مستحيل، مستحيل، كنت اتحمل سفرك المتكرر و الآن تريد مني ترك بيتي و أهلي و مرافقتك للأبد؟)
قال ليث بغضب
(سنأتي لزيارة أهلك كلما رغبت)
ضربت ميسرة الأرض بقدمها و هي تصرخ
(هل تريد أن تصيبني بالجنون؟، و ماذا عن كونك كبير عائلة الهلالي؟، هل ستتنازل عن ذلك ببساطة؟)
قال ليث بعنف
(أنا لا أريد أن أكون كبير العائلة، تتكلمين و كأنها وظيفة!)
صرخت ميسرة و هي تلوح بذراعيها.

(أنت لا تريد؟، ياللهي!، إن كنت أنت لا تريد فأنا لن أتنازل عن كوني زوجة كبير العائلة)
ضاقت عيناه أكثر و هو يلتفت اليها بكليته و كأنه يحاول استيعاب غضبها الجنوني
كان يظنها ستكون أكثر من سعيدة بالإبتعاد عن البلد التي تضم سوار...
لكن غضبها المستعر هذا أثار تعجبه و حنقه، فقال بصوت خفيض غريب
(هل هذا هو كل ما يهمك؟)
صرخت بكل تأكيد...

(و هو ما يجب أن يهمك أنت أيضا، بالله عليك أنا لا أصدق ما تقول!، تريد التنازل عن كل شيء لمجرد أنك لا تتحمل وجودك بقرب الأميرة التي رفضتك من قبل و اختارت غيرك)
صرخ ليث بها بغضب هادر
(اخرسي يا ميسرة)
الا أنها صرخت مجددا
(لن أخرس هذه المرة، لقد بت مفضوحا لدرجة أن ابن عمها المدله بعشقها صارحك بهذا على أرض بيتك، و ماذا كان تصرفك؟، تريد الهرب و ترك كل شيء خلفك).

اندفع ليث ليرفع يده فجأة، الا أن هريرة قفزت بينهما و هي تمسك بمعصمه صارخة
(لا يا ليث، لا تتهور)
هدر ليث وهو يبعدها عنه
(ابتعدي يا هريرة)
و صرخت ميسرة هي الأخرى
(نعم ابتعدي و افسحي له الطريق كي يضرب زوجته لأجل حبه القديم، تلك التي كانت امها مجرد صفقة صلح، لا معززة مكرمة تتزوج أحد أبناء أعمامها كنسائنا)
حينها لم يتمالك نفسه من رفع يده و صفعها قبل أن تستطع هريرة منعه...

رفعت ميسرة يدها الى وجنتها و هي تصرخ بجنون
(تضربني؟، تضربني أنا ابنة الأصول لأجل الساحرة التي تسحر للرجال و تسقطهم بهواها؟)
اندفع اليها مجددا لكن هريرة ارتمت على صدره و هي تصرخ
(كفى يا ليث انها تستفزك فقط، كفى)
الا أن ميسرة صرخت دون تفكير
(أقسم أن أنشر قصتها في كل مكان لو أقدمت على تنفيذ قرارك يا ليث، أقسم على ذلك).

ثم اندفعت تجري لتصعد درجات السلالم و عبائتها تطير من خلفها بينما أراد ليث اللحاق بها و جنون الغضب يسيطر عليه، لكن هريرة تشبثت بذراعه و هي تصرخ باكية
(أرجوك يا ليث اتركها، أنت تعرفها حين تغضب تصبح حمقاء، لا تعاقبها الآن و تندم فيما بعد)
وقف ليث مكانه و هو يلهث بقوة، بينما هريرة تربت على صدره و هي تهمس له
(اذكر الله يا ليث أرجوك و ابعد الشيطان عنكما).

ظل على حاله عدة لحظات قبل أن يزفر بقوة، ثم قال بصوت عنيف خافت
(الشياطين تحيط بالبيت بسبب أفعالها، بت أشعر أن صلاتي ليست مقبولة هنا بين أرجاءه بسببها)
ابتلعت هريرة ريقها و همست
(لا تبالغ يا ليث و تخلط الأمور ببعضها، لقد توقفت ميسرة عن كل ما يغضبك و ما فعلته الآن ليس سوى زلة لسان بفعل الغضب مما سمعته، اعذرها فلا زوجة تتحمل أن تسمع عن زوجها ما سمعته من ذلك الحقير راجح)
ضحك ليث ضحكة ساخرة مريرة وهو يقول.

(أي زوجة يا هريرة، ألم تسمعي سبب اعتراضها على السفر؟، إنها لا تريد فقدان ذلك المركز المريض بين النساء كزوجة كبير العائلة ليس الا)
قالت هريرة بارتباك
(إنها تهذي فقط من شدة الغضب، دعك منها الآن و اخبرني بصدق، هل تستطيع حقا الإبتعاد عن أرضك للأبد؟)
نظر ليث الى عيني هريرة الباكيتين الصامتتين و هي تنظر اليه، و سؤالها يقع على قلبه أشد وقعا من كل هذيان ميسرة الأحمق...

بعد وفاة والدته و زواج هريرة و سفرها مع زوجها، فكر كثيرا في السفر و الإبتعاد عن مرآى سوار دائما أمامه...
و حبه لهذه الأرض هو الشيء الوحيد الذي كان يمنعه من اتخاذ هذا القرار...
ترى أيهما أشد ألما، انتزاع نفسه من أرضه أم البقاء بجوار الهوى المحرم؟

قبل عشر سنوات،
ثريا حبيبتي...
أم أقول هذه المرة أمي؟..
علي الرغم من معرفتي بأنك تبغضين هذه الكلمة لأنها تزيدك عمرا...
لكن تحمليني هذه المرة و أنا أكتبها، لعلها تكن شفيعة لي عندك و تخفف من غضبك الذي أتخيله و أنت تقرأين تلك الرسالة...
أمي، ارجوك خذي نفسا عميقا و عدي للعشر و انت تقرأين...
ربما لاحظت أنني لم أنم في غرفتي ليلة أمس، و لم تجدي سوى تلك الرسالة على هاتفك...
أنا سأتزوج يا أمي...

و قبل أن تصرخي اسمعي المتبقي من الصدمة مرة واحدة
أنا سأتزوج قاصي...
أعلم بأنك كنت تشعرين بوجود شيء ما بيننا، و كنت تكذبين شعورك طويلا، لكنك في النهاية أم و قلبك يشعر بما بداخلي دون الحاجة للنطق به...
قاصي كان لي و كنت له منذ اليوم الأول الذي عرفته به، انه القدر المرسوم لنا...
اعلم أن العواقب ستكون وخيمة، و أنني سأظلمك معي، لكنني لن أتركك أبدا يا أمي.

ما أن نتزوج و تستقر امورنا حتى اعود اليك و آخذك معي...
لن اتركك ابدا مثلما فعل والدي...
لا تحاسبيني بذنبه يا أمي و تمني لي السعادة ارجوك...
تيماء
نظرت تيماء الى الرسالة طويلا و هي تدقق بكل حرف بينما قلبها يقصف بعنف، قبل ان يتهور اصبعها و يضغط على زر الإرسال كي لا تمنح نفسها أي لحظة تردد...

أخذت نفسا عميقا مرتجفا، ثم نهضت من على حافة سريرها ببطىء جالت بعينيها تنظر ربما للمرة الأخيرة لأنحاء غرفتها التي لم تعرف غيرها منذ طفولتها...
لقد بقت الغرفة على حالها، لم يتغير بها شيء...
كانت غرفتها و هي طفلة، و غرفتها و هي شابة، و الآن ستغادرها عروس...
ما أن سمع ذهنها المتعب كلمة عروس
حتى اظلمت عيناها الفيروزيتين قليلا، على الرغم من التصميم البادي فيهما...

الا أنها لم تستطع منع نفسها من الشعور بالمرارة و هي تغادر بيتها ليلا مثل اللصوص و السارقين...
لم يكن هذا هو الفخر الذي تخيلت نفسها ستخرج به رافعة ذقنها منزهة عن مال أبيها...
لقد تخلت عن ماله بالفعل. الا أنها تخرج مطئطئة الرأس، متسسللة على أقدام أصابعها...
رفعت ذقنها بتصميم، و رفعت يدها لتمسح دمعة خائنة أوشكت على أن تفلت من زاوية عينها...

ستخرج مرفوعة الرأس بالقوة، فهي ذاهبة للزواج من الرجل الذي اختارت...
التقطت تيماء حقيبة ملابسها، و لم تنسى القاء نظرة أخيرة مريرة على كتب دراستها التي لم يع لها داع الآن، فتركتها مكانها على سطح مكتبها...
لكنها عادت و همست بقسوة
(اجمدي يا تيماء، قد يؤلمك ترك كليتك، لكن فراق قاصي يميتك، لا مجال للحزن أو الندم).

أن تفترق عن قاصي هو رابع المستحيلات بالنسبة لها، لذا فلتذهب اليه أولا، ثم تبكي على دراستها ثانيا...
خرجت تيماء في سكون الليل و هي تحمل حقيبتها محاولة الا تصدر صوت، و حانت منها نظرة الى باب غرفة أمها المغلق...
كم كانت تتمنى لو دخلت اليها و عانقتها، حتى قبل أن تنام ثريا لم تستطع تيماء أن تعانقها خوفا من أن تشك بشيء مريب...
فثريا لم تعتد منها على مثل تلك التصرفات العاطفية...

برقت الدموع المؤلمة في عينيها تلسع حدقتيها، فأبعدت وجهها بسرعة و هي تهمس بإصرار
(سأعود اليك يا أمي، أعدك أنني لن أتركك أبدا)
خرجت تيماء مسرعة و أغلقت الباب خلفها بحرص، بينما كانت الدنيا تدور من حولها من فرط الإنفعال.
و ما أن خرجت من بنايتها حتى وجدت قاصي يقف مستندا الى سيارة قديمة ينتظرها...

وقفت للحظة تتأمله، فعلى الرغم من هيئته الساخرة دائما بكل ما حوله الا أنه كان يبدو في تلك اللحظة متوترا، يوشك على الإنقضاض على أول شخص يمر به...
ما ان رفع رأسه و نظر اليها، ابتسمت له بارتجاف، تتمنى لو بادلها الإبتسام كي يزيل القليل من الرعب القابع في زاوية عميقة من زوايا قلبها...

الا أنه لم يجد الوقت للإبتسام، بل استقام و أسرع اليها على الفور فوقفت مكانها تنتظر بعينين واسعتين براقتين. الى ان وصل اليها...
وقف كل منهما ينظر للآخر قد بدت ملامحه، مترددة!
منعقد الحاجبين، الصراع يتداخل مع نظرات عينيه وهو يدقق النظر بها و كأنه يتفحصها ليقرأ ما تشعر به...
ثم تكلم أخيرا بصوت خشن خافت...
(هل أنت بخير؟)
ابتسمت تيماء رغم عنها و همست.

(ليس هذا هو السؤال المناسب، من المفترض أن تسألني إن كنت مستعدة!)
لم يبتسم قاصي، بل أخفض عينيه الحارقتين الى حقيبتها ثم قال بخفوت أجش
(أرى أنك مستعدة تماما)
لكنه أعاد عينيه الى عينيها بإصرار و قال بنبرة أقوى
(هل أنت بخير؟)
ترددت للحظة، تلكها الخوف لجزء من اللحظة، كانت كفيلة لأن يلحظ قاصي ترددها، فازداد إنعقاد حاجبيه بشدة، الا أنها قالت و هي تفتعل ابتسامة قوية
(أنا بخير، لا تقلق)
قال قاصي بصوت أكثر خشونة.

(و ثريا!).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة