قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثاني والعشرون

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثاني والعشرون

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثاني والعشرون

كنت طالبة بكلية الطب، لكنني خرجت منها و غيرت مجال دراستي كلها، حين نطقت بهذه العبارة البسيطة و كأنها مجرد ذكرى قديمة لم تعد مهمة لها الآن...
وجدت عقلها يرسم لها اهتمام الشخص الوحيد في حياتها منذ سنوات و هي تحكي له منبهرة بالكلية ما أن دخلتها اول مرة...
قاصي...
و كل يوم باتت تحكي له مغامراتها في أروقة تلك الكلية التي هي عالم في حد ذاته...
أغمضت تمياء و هي تتذكر ملامح وجهه ذات القناع الجامد...

و على الرغم من ذلك تبتسم شفتاه في التواءة صغيرة، وهو ينظر اليها مسترخيا بينما عيناه تبرقان لحماسها...
ابتسمت تيماء و هي تتذكر المرة الأولى و هي تحكي له عن دخول المشرحة...
كان مسترخيا، مستندا الى جذع شجرة قديمة قدم الزمن، في إحدى الحدائق المزدهرة منذ مئات السنين حيث اصطحبها...
بينما كانت هي واقفة أمامه، تنظر بأمل و تفاؤل للمستقبل...
تقول بسعادة غامرة.

(كنت قوية ثابتة، لم أهتز للحظة، بينما أصيبت طالبتين بالإغماء و حملوهما على الأعناق خارجا، بينما بكت باقي الفتيات، أما انا فلم يهتز لي جفن)
كانت توليه ظهرها و هي واقفة تنظر الى الحدائق الواسعة أمامها، تماثل اتساع حياتها في تلك اللحظة...
ساد صمت طويل من خلفها دون أن يرد قاصي، فاستدارت اليه بحيرة لترى استرخاؤه و تلك الإبتسامة الصغيرة، و بريق عينيه الخاطف!
فعقدت حاجبيها قليلا لتقول بلهجة آمرة.

(ما بالك صامتا؟، يمكنك أن تفخر بي الآن، أريد أن أسمعك تشيد بشجاعتي)
التوت شفتاه أكثر وهو ينظر اليها مبتسما دون أن يتحرك من مكانه، ثم قال أخيرا بهدوء ساخر
(أيقنت أنك شجاعة منذ اليوم الأول الذي رأيتك فيه تصيدين الفئران بينما لا يتجاوز طولك عن مقبض الباب)
ازداد انعقاد حاجبيها و هي تضع يديها في خصرها قائلة
(لم أكن قصيرة الى هذا الحد!)
رفع قاصي حاجبا مستفزا وهو يقول
(ظننتك في العاشرة من عمرك).

هزت تيماء كتفها و هي تقول ممتعضة
(اذن كانت لديك مشكلة في نظرك)
ازدادت ابتسامته أكثر، حتى بدا أصغر سنا، أقل هما، بدا، طبيعيا كشاب في مثل عمره و كم أشعرها ذلك وقتها أنها ذات تأثير قوي على حياته، و روحه...
و كم أبهجها ذلك!
طال به النظر اليها وهو مسترخيا مستندا الى شجرته، فارتبكت قليلا و احمرت وجنتاها...
تلك الشابة التي لم تهب دخول المشرحة، تقف الآن مرتبكة محمرة الوجه ازاء نظراته القوية المتفجرة...

لكن هذا هو قاصي...
قادرا دائما على ارباك كيانها كله...
لكنها لم تكن تعلم مدى جاذبيتها و هي تقف أمامه، بينما الشمس من خلفها تشعل شعرها النحاسي المعدني بشعراته المتمردة...
فبدت أطرافه و كأنها متوهجة تشتعل...
أما عيناها في الظل ازدادت قتامة لونهما فاصبحتا بلون المحيط الداكن...
قالت تيماء بارتباك بلهجة مستفزة، تحاول الهاء عينيه عنها
(هيا، لا تتهرب من الأمر، أخبرني أنني شجاعة).

طال به الصمت قبل أن يقول بهدوء خافت
(أنت جميلة)
أجفلت تيماء من الجملة البسيطة و التي نطقها بمنتهى البساطة كأنه يلقي عليها التحية...
اختفت ابتسامتها عدة لحظات، قبل أن تقول ضاحكة بعصبية، و هي تبعد خصلات شعرها الهمجية خلف أذنها...
(حسنا أنت الوحيد الذي ترى ذلك، ألم أخبرك أنك تعاني مشكلة بنظرك، ربما لو تخصصت بالرمد فيما بعد لتمكنت من علاجك من باب الشفقة).

لم يرد عليها قاصي، بل زاد من تأمله لها، حتى ابتسمت و نظرت بعيدا...
ذكرى القبلة الوحيدة بينهما كانت تقتلهما معا، لا ترحمهما...
لا تفخر بها، و تشعر بالندم كثيرا، و متأكدة أنه يماثلها الشعور...
و مع ذلك لا يستطيع كلاهما محو تلك الذكرى من ذاكرة روحه...
لم تكن مجرد قبلة، بل كانت امدادا بنوع من الحياة...
تنهدت تيماء، فسمعت صوت قاصي الجاف من خلفها يقول آمرا
(تعالي)
استدارت تنظر اليه بارتباك، قبل أن تقول مبتسمة.

(ماذا تريد؟)
لم يرد عليها بل أشار لها بإصبعه بتلك الحركة الآمرة المتغطرسة أن تقترب، لكنها لم تشعر بالتمرد هذه المرة، بل بالخوف...
الخوف من نفسها و من مشاعرها المتهورة، فقالت مبتسمة بعفرتة...
(لا أظنها فكرة سليمة)
ظل قاصي يضع على وجهه نفس القناع الساخر الهادىء، قائلا
(لماذا؟)
نظرت تيماء الى عينيه لتقول بنعومة
(بعينيك تلك النظرة)
ارتفع احد حاجبيه، و قال مبتسما
(أي نظرة)
برقت عيناها و هي تجيبه برقة.

(نظرة فهد يوشك على مهاجمة فريسته)
لم يرد قاصي على الفور، بل قال بنفس الهدوء و إن كانت لهجته ازدادت دفئا، وهجا...
(أتظنين أنني سأهاجمك؟، يبدو أنني قد تركت لديك انطباعا سيئا جدا)
أسبلت جفنيها و ازداد دفىء وجنتيها بريقا...
كان يشير الى قلبتهما، و احساسه بالذنب لا يزال ظاهرا بصوته ممتزجا بالشغف و الذكرى
حسنا، مهاجمة ليست اللفظ المناسب تماما...
ربما اللفظ المناسب هو، اجتياح، طوفان يوشك على أن يغرقهما معا...

رفعت عينيها اليه أخيرا و قالت بثقة زادتها جاذبية
(لو تدرك الإنطباع الذي تتركه بداخلي، ل)
صمتت قليلا و هي تتأمل عينيه غير قادرة على المتابعة، على الرغم من أنها كانت هي المبادرة دائما في الهجوم اللفظي العاطفي بشجاعة، بينما هو، لا ينطق، و صمته يزيد من جنونها به...
أشار اليه بإصبعه مجددا وهو يقول بصوت أكثر خفوتا
(تعالي).

هذه المرة لم تقوى على المجادلة، فاقتربت منه، الى يده التي فتحها له، متنازلا عن حركة الصلف المعتادة...
فمدت يدها تضعها بكفه الذي اطبق عليها برفق، وقوة...
ثم جذبها اليه لتسقط جالسة بجواره على العشب الأخضر الندي...
ظل ينظر إلى وجهها طويلا و كأنه لا يرغب في الكلام، فقط يريد أن ينهل من ملامحها...
والله وحده يعلم ما الذي يعجبه في وجهها الى هذا الحد!
ضاقت عيناه قليلا وهو يقرأ تلك الملامح، يحفظها...

حتى قال أخيرا بصوت خافت، عميق جدا
(لكم كبرت!، و لا زلت صغيرة أيضا، فما الحل معك؟)
ابتسمت بجمال حتى ظهرت غمازتيها تحفران عميقا في وجنتيها...
رفع اصبعا مترددا، و لامس به غمازة وجنتها حتى اترجفت بعمق، بينما كان هو شاردا، عاقدا حاجبيه، ثم قال أخيرا بخفوت
(تلك الوجنة الناعمة، تحملت صفعة قوية كي لا تبتعدي عني)
لم تختفي ابتسامتها، و لم تهتز حدقتي عينيها...

علي الرغم من أن الشعور بالإهانة كان لا يزال محرقا على روحها، الا أنها لم تتردد و لن تندم...
فقالت بخفوت واثق
(انه ثمن بخس جدا يا قاصي، للحفاظ على الرجل الوحيد بحياتي)
ازداد انعقاد حاجبيه والتوى فكه قليلا، ثم قال بخفوت أجش
(الرجل الوحيد؟)
أومأت برقة و عيناها بعينيه لا تحيدان عنهما، ثم قالت بخفوت.

(هل لديك شك بذلك؟، حتى والدي لم أعرفه تمام المعرفة، لم أعرف سواك، أحيانا أتسائل كيف كانت حياتي لتكون لو لم أقابلك!، أنت و أمي أصبحتما عائلتي الوحيدة)
رأت حلقه يتحرك و كأنه متشنجا، غير قادرا على الكلام...
ثم قال أخيرا بصوت خشن أجش
(أنت جميلة، هل سبق و أخبرتك ذلك؟، لكنك ستصبحين غدا أكثر جمالا، و ستزيدين جمالا بعد غد، و ستكونين شابة متفوقة ذات مكانة راقية).

ابتسمت اكثر و اكثر، و شعرت ان قلبها يخفق بجنون و انفعال...
الا أنها تمكنت من القول ببساطة و رقة
(و ستفخر بي حينها بشكل لائق؟)
لاح بعض الألم بعينيه، لم تعلم سببه تماما، فشعرت بنصل من الألم على حافة قلبها ملائما لألمه...
و شعرت بالخوف و هي تقول بخفوت
(ستكون معي دائما، اليس كذلك؟، لن تتخلى عني أبدا)
لم تعلم إن كانت تقر أمرا واقعا أم تسأله السؤال الذي طالما أرقها.

ما هو مصير علاقتنا؟، و الى أين ستنتهي؟، لمعت عيناه بنيران الجمر وهو ينظر اليها...
و اصبعه لا يزال يداعب عمق غمازة وجنتها ببطىء جعلها ترغب في البكاء...
ثم قال أخيرا بصوت قاس، قوي
(لن أتخلى عنك أبدا، و هذا وعد مني و أنا لا أخلف، ثقي بهذا)
ظلت تنظر اليه بعينين مبللتين بالدموع قليلا، ثم بادرت بجوابه الأقوى على الأطلاق...
ففعلت ما أملته عليها غريزتها...

ابتسمت من بين دموعها و هي تمد يدها لتلامس صدره باصبعها فوق قلبه مباشرة، تدفعه قليلا مداعبة...
قبل أن تضم قبضتها و تطرق بها بخفة فوق قلبها، لتهمس برقة قائلة
(أنت تخصني، أنا، تذكر هذا دائما. )
ازداد بريق عينيه، و ابتسمت شفتاه القويتان العابثتان بالفطرة، بينما تزايد تسارع أنفاسه قليلا...
ثم تحشرج صوته وهو يقول بخفوت مبتسما
(هل أستطيع فعلها بالمثل؟).

احمرت وجنتاها و ضربت صدره و هي تقول بصرامة مفتعلة على الرغم من جنون ضربات قلبها
(احترم نفسك، و لا تكن قليل الأدب)
عقد حاجبيه وهو يقول ببراءة
(على الأقل أنا طلبت الإذن أولا، أما أنت فتتطاولين دون حرج)
ازداد احمرار وجنتيها و هي تقول ممتعضة رغم ابتسامتها
(توقف عن ذلك، و الا تركتك و ذهبت)
ابتسم أكثر و تعمقت زوايا فمه، فانتقلت العدوى لها و ابتسمت أكثر...
أما أعينهما فكانت تراقص بعضها على لحن آخر...

قال قاصي اخيرا بخفوت دون أن تترك عيناه عينيها
(أنا فخور بك، يوما ما ستكونين طبيبة ممتازة)
شعرت بالفخر يجتاحها، و الزهو يملأ كيانها من عبارته البسيطة، فقالت بفرحة حقيقية
(شكرا، أترى لم يكن الأمر صعبا، فقط حاول الكلام)
شردت عيناه قليلا و ابتعدتا عن التواصل مع عينيها، فشعرت بالخسارة وودت لو تخترق كيانه كما يخترق كيانها بسهولة الغوص في الماء...
مدت يدها لتمسك بكفه بقوة و قالت.

(قاصي، الى أين تذهب و تتركني دائما، ادخلني الى حياتك و أفتح لي ذلك المستودع المظلم، لا تخشى شيئا، الى متى سأظل أطلب منك أن تطلعني على أسرارك؟)
نظر قاصي الى عينيها، قبل أن يعود و يضع القناع الجامد على ملامحه وهو يقول بخفوت
(هل تخشين أن تكوني قد سلمت حياتك الى مجرم مثلا؟)
زمت شفتيها و هي تزفر بنفاذ صبر، ثم قالت باصرار
(لن تنجح في اثارة غضبي، أنا أثق بك أكثر من ثقتي بنفسي).

ابتسم شبه ابتسامة بدت كالشبح، فقالت مبتسمة يائسة
(أنت تحب هذه العبارة، اليس كذلك؟)
التوت شفتاه و قال بصوت أجش هامس وهو يلاحق عينيها بعينيه
(أحبها جدا)
عضت على شفتها السفلى و في داخلها همست
محظوظة اذن هذه العبارة و هي تنال هذا التصريح النادر بمثل هذه البساطة!، بينما أنا ألهث خلفه منذ سنوات، قالت أخيرا بهدوء و هي تضغط كفه بين أصابعها
(اذن سأدللك بها، الى أن تملها)
رفع يده الى وجنتها مجددا و همس بخفوت.

(لن أملها حتى مماتي، الثقة هدية ثمينة، و قد اخترتني كي تهديني بها)
رفعت يدها الأخرى لتمسك بكفه و تفتحها فوق وجنتها و همست
(اذن الم يأتي الوقت كي تمنحني نفس الهدية؟)
أظلمت عيناه قليلا، و انعقد حاجباه كان شيئا ما بصدره قد أوجعه فجأة...
فضغطت كفه أكثر و همست بحرارة
(أخبرني، أخبرني و لا تخف)
نظر الى عينيها و همس بصوت أجش متحشرج
(أخبرك بماذا؟).

طارت خصلة من شعره فوق جبهته الناصعة، فمدت يدها لتبعدها برفق و هي تهمس
(أخبرني عن أمك مثلا)
لم تكن مستعدة الى القبضة التي أطبقت على كفها فجأة بعنف، تبعده عن جبهته دون أن يحررها...
اتسعت عينا تيماء بألم و ابتلعت تلك الغصة بحلقها قبل أن تقول بإختناق
(حسنا، إن كنت تفضل ابقائي بعيدة، على الأقل لا داعي لأن تؤلمني، أترك يدي).

رمش بعينيه قبل أن ينظر الى كفها التي يعتصرها بين أصابعه لدرجة أن عظامها الهشة قد بدأت في اصدار أصوات قرقعاتها الصغيرة...
حينها انتفض و هو يخفف من ضغط أصابعه على كفها دون أن يتركها، ليرفعها الى فمه وهو يفتحها بيده الأخرى، و يطبع شفتيه على راحتها بقوة هامسا
(أنا آسف، آسف)
تنهدت بحزن و ألم، ثم همست بخفوت
(و أنا أيضا آسفة، يبدو انني قد تجاوزت حدودي مجددا).

مد يديه ليمسك وجهه بين كفيه و نظر الى عينيها طويلا قبل أن يقول بصوت عميق، قوي...
(تيماء، أنت أصغر من أن تتفهمي احتياجي لك دون شروط، لكن هذا أقصى ما أستطيع تقديمه، فإن أردت الإنسحاب، الأفضل أن تتخذي قرارك الآن، لأنني لن أقبل به فيما بعد، هل فهمت؟)
ارتجفت تيماء قليلا و همست باختناق
(هل تنذرني؟)
قال قاصي بمنتهى الصراحة والوضوح دون أن يترك وجهها
(بل أهددك، قرري الآن، في هذه اللحظة).

عضت على شفتيها بصرامة و هي تسحب نفسا خشنا، محاولة السيطرة على دموعها كي لا تتساقط أمامه...
ثم قالت بصوت أجش صلب
(لكن أنت تتخلل حياتي بلا حواجز، اليس كذلك؟)
أومأ قاصي برأسه و قال بصرامة و صدق ناظرا الى عينيها
(نعم، لا حواجز أو أسرار من جهتك، لأنني سأكون كاذبا لو ادعيت العكس، الفتاة التي تخصني هي كتاب أوراقه كلها مفتوحة أمامي، و لن أقبل بأقل من ذلك)
قالت تيماء بصوت جامد
(الا ترى أنك غير منصف؟).

قال قاصي دون أن يتركها...
(لهذا أمنحك القرار خلال خمس ثوان و بعدها ستكونين ملكي للأبد)
مطت شفتيها بسكون أمام عينيه المشتعلتين، القلقتين و كم أفرحها قلقه...
ثم لم تلبث أن تنهدت و هي تقول بخفوت
(نفس قراري، أنا لك و أمري الى الله، مهما كانت شروطك، ثقتي بك أكبر)
للحظات ظهر تعبير مختلف في عينيه، تعبير أكثر عمقا، أشد احتواءا و امتنانا...
ثم زفر بقوة وهو يهز وجهها بين كفيه بقوة قائلا من بين أسنانه.

(أيتها العفريتة، جعلتني أشك للحظات، على أن أعاقبك على هذا)
عقدت حاجبيها و قالت ممتعضة
(هل هذا هو الجواب المثالي على تضحيتي؟، عليك أن تكون شاكرا و رقيقا)
التوت شفتاه قليلا قبل أن يقول بصوت أجش
(الرقة أبعد ما تكون حينما يتعلق الأمر بك سيدتي، أشعر دائما أنني على حافة البركان معك و أنني أرغب في ضربك باستمرار)
ارتفع حاجباها و اتسعت عيناها و قالت بدهشة.

(كم أنت مجامل و كلماتك مطمئنة للقلب الحزين!، لماذا ترغب في ضربي بالله عليك؟، بعد كل رضوخي لك و الذي لم أمنحه لمخلوق قبلك؟)
ظل ينظر اليها طويلا و ابهاماه يتلمسان وجنتيها برفق، بينما عيناه زائغتين، تنظران اليها و بعيدتين عنها في نفس الوقت...
ثم قال اخيرا بخشونة فظة دون ان يتركهها، و كأنه ينهرها
(يوما ما ستدركين أنني كنت في منتهى الأنانية حين تمسكت بك و لم ابعدك عني على الفور).

ابتسمت ببطىء، ثم تنهدت بحزن و هي تنظر اليه تعبا، لتقول بخفوت هامسة
(لقد تركت لي القرار، و ليس لي سوى أن ألوم نفسي وقتها، فاطمئن)
للحظة تبسمت شفتيه، لكنه قال بخشونة
(أنت عنيدة كالخيول البرية)
ضحكت برقة و قد بدأت أطرافها جميعا في الذوبان، و كأنه يسمعها ارقى عبارات الغزل...
هذا هو تأثيره عليها...
تنحنحت أخيرا و قالت بدلال و هي تميل اليه
(اذن، هل ستأتي لتصطحبني من الكلية غدا؟).

تنهد مجددا وهو يحرر وجهها ليقول بصوت واه
(لا أستطيع السفر يوميا)
شعرت بالحرج و خيبة الأمل، فقالت بكبرياء وجمود
(كما تحب، لم أقصد الضغط عليك)
نهضت على الفور مبتعدة عنه، الا أنه أمسك بكفها قبل أن تنجح في الإبتعاد و جذبها اليه بقوة دون أن يتحرك من مكانه...
فسقطت على ركبتيه ببساطة!
احمرت وجنتاها و حاولت النهوض، الا أنه أمسك بخصرها بكفيه يمنعها من الهرب و همس لها بصوت خشن
(توقفي عن الغباء تيماء).

هزت خصلات شعرها المجنونة و هي تتلوى قائلة بغضب
(اتركني يا قاصي)
الا أن صوته كان أشد صلابة من صوتها وهو يقول بجدية
(توقفي اذن عن الغباء أولا، و أنا جاد فيما أقول)
حين لمحت الغضب حقيقيا في صوته، توقفت عن الحركة و كتفت ذراعيها بعناد كالأطفال...
فقال قاصي بهدوء
(ظهوري معك كل يوم أمام كليتك)
لم يكمل كلامه، و كأنه لم يجد التعبير المناسب، فالتفتت اليه تيماء تنظر الى عينيه.

عيناه كانتا غامضتين، مراقبتين و ظالمتين في تأثيرهما المهيب عليها...
فقالت أخيرا بجفاء
(لقد تأخرت قليلا في ادراك ذلك، بات الجميع يعلمون أنني أخصك، فتاة رجل واحد وهو أنت)
لم تبدو عليه السعادة هذه المرة، بل زادت عيناه قتامة...
ثم همس اخيرا بصوت أجش
(لقد أسأت الى سمعتك كثيرا، هل تدركين ذلك؟).

شعرت بالخوف، لم تشأ يوما أن تقع في فخ الخطأ، لكن أي حل آخر أمامها، طريق مرسوم و ربطها به قبل حتى أن تدرك معنى الأنوثة من الطفولة...
قالت تيماء أخيرا بخفوت
(نعم أدرك ذلك، لا يهمني راي أحد، منذ متى كان لي من أهتم به؟، فلماذا أهتم الآن؟)
قال قاصي بخشونة و يداه تشتدان على خصرها حتى آلمتها أصابعه
(كان على أنا أن اهتم و أفكر، أنا أكبرك بعشر سنوات كاملة)
أطرقت بوجهها، و تنهدت قائلة.

(أنا هنا في مدينة، و أنت في مدينة أخرى، و على هذا الحال منذ سنوات، أحارب نفسي و أحارب ذكريات من عرفتهن قبلي، و أحارب من يضايقونني هنا، و أحارب كل الظروف التي تبعدني عنك، فلماذا لا تساعدني قليلا؟، أنا أحتاج الى التركيز في دراستي يا قاصي، أحتاج أن أرتاح قليلا)
حين نظرت اليه، شكت أن وجهه قد شحب قليلا، فسارعت لتقول بكل وضوح، مشددة على كل حرف
(و الهدوء لن أحصل عليه الا و أنت معي، بجانبي).

اسبل جفنيه ليخفي نظرة عينيه عنها، فعضت على باطن خدها تنتظر رده، وهي تتمنى أن يذهلها، و بالفعل أذهلها أكثر مما ينبغي...
فقد رفع وجهه اليها ليقول مستعيدا قناعه الساخر بسرعة البرق
(هلا نهضت من على ركبتي من فضلك، أم أن الجلوس هنا قد أعجبك كما هو بالتأكيد يعجبني على نحو أكثر خطورة!).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة