قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثالث والعشرون

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثالث والعشرون

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثالث والعشرون

(هاي، الى أين سافرت بأفكارك؟)
انتفضت تيماء بقوة و هي تعود الى حاضرها بعد عشر سنوات كاملة...
و تجد نفسها هنا في دار الرافعية، تقف مع فريد ابن عمها...
بينما أفكارها سبحت بعيدا مع ذكريات قديمة، ذكرياتها مع أبن عم آخر لها
قاصي...
كان الألم بداخلها يتزايد و يكاد أن يفترسها ببطىء...
رمشت بعينيها و حاولت جاهدة التظاهر بالإبتسام و هي تقول كاذبة
(أنا هنا)
ضيق فريد حاجبيه وهو يراقبها جيدا ثم قال بهدوء.

(أشك في هذا، كنت بعيدة جدا و كأنك كنت تعيشين زمنا آخر)
ابتلعت تيماء غصة في حلقها و نظرت الى الحقول الواسعة حيث خرجا من الباب الحديدي المزخرف للدار، فوقفت عند بداية درجات السلم الرخامية...
لا تعلم متى قابلت فريد في البهو، و كيف سارت بجواره الى أن خرجا من باب الدار...
كانت تعيش عالما خاصا من الذكريات المرة، شديدة الحلاوة...
قالت تيماء أخيرا بخفوت.

(هذا تأثير المكان فقط لا غير، أشعر و كأنه جزء مقتطع من زمن آخر، )
ارتفع حاجبي فريد وهو يقول باهتمام
(أنت حالمة جدا)
ابتسمت بتعب و نظرت اليه قائلة
(أنا أبعد ما يكون عن الفتيات الحالمات، لقد نسيت الحلم منذ سنوات)
قال فريد بفضول
(آه، و هل هناك ما ساهم في قتل الحلم بداخلك؟)
شعرت بشيء ما يوجعها، لا تعلم إن كان ألما جسديا، أم ألم نفسي أكبر، يضرب روحها بعنف و شراسة...
قال فريد مغيرا الموضوع حين لاحظ ألمها.

(اذن كنت طبيبة يوما ما!، عجبا، لم أشعر بأنك تصلحين لهذا الدور)
رفعت تيماء عينين ممتعضتين الى فريد، ثم لم تلبث أن ضحكت رغما عنها و قالت بخفوت و يأس
(كنت لأكون عبقرية، كنت الوحيدة التي خرجت متحمسة من المشرحة)
اشار فريد باصبعه وهو يقول
(آها، و هذا دليل على بعد نظري، من يخرجن من المشرحة منشرحات يصبن عادة بهلاوس و عدم قدرة على متابعة الطريق، أما من تصاب بالإغماء فهي عادة من ستكون من الأوائل على الدفعة).

ابتسمت تيماء و هي تقترب من السور المشرف على السلالم المؤدية الى حديقة الدار
(في الواقع كنت مذهولة من مدى اتساع هذا العلم، لكن كل هذا انتهى منذ زمن)
اقترب فريد منها و استند الى السور بجوارها ناظرا الى البعيد، ثم قال ببساطة
(ترى هل الأمر له علاقة بابن عمنا الجديد، قاصي الحكيم!).

انتفضت تيماء بقوة و اندفع رأسها تنظر اليه بهلع، لكن فريد كان يبدو بريء الملامح وهو يستند بمرفقيه الى السور ناظرا الى الحدائق بحبور صباحي دون ان تظهر على ملامحه اي اثر للانفعال...
قالت تيماء بصوت مرتجف قليلا
(ما الذي، يجعلك تظن ذلك؟)
لم يلتفت اليها فريد، بل قال ببساطة.

(منذ الأمس و أنا ألحظ تلك الشرارة بينكما، نظرته اليك حين كنا نطارد الفأر سويا، ذعرك و صراخك باسمه حين أوقعته الفرس، بكائك و انت تنظرين اليه بعد أن فجر قنبلته في الاجتماع العائلي، كل هذه تصرفات شخص يعرفه حق المعرفة)
ابتلعت تيماء ريقها و قالت بوهن
(أنت مخطىء)
التفت فريد اليها مبتسما، ليقول بلطف
(لا أظنني مخطىء، لكن لماذا تدعين عدم معرفتك به؟ هل سبق و آذاك؟)
اتسعت عيناها قليلا و قالت بقوة
(أنت تتوهم فقط).

قال فريد ببساطة
(هل كنتما مرتبطين يوما ما؟)
استدارت تيماء عنه بعنف و هي تتشبث بحاجز الشرفة بقوة، تنظر الى البعيد، بينما استدار اليها فريد ليقول بهدوء
(لا تخشين شيئا يا ابنة عمي، أنا فقط أخبرك أن لو هذا المدعو قاصي الحكيم قد آذاك يوما، فأنا هنا و سأوقفه عند حده)
أظافرها تحفر في سور الشرفة، و قالت بصوت قاتم بينما عينيها تنظران الى البعيد
(اسمه ليس المدعو قاصي الحكيم، انه قاصي ابن عمك عمران).

ابتسم فريد قليلا قبل أن يقول بهدوء
(آسف، لم أقصد الإهانة، و إن كنت ارى أن اسم عمران هو الإهانة في حد ذاتها)
التفتت اليه تيماء، تنظر الى ملامحه اللطيفة المتفهمة، و عينيه المراقبتين لها، ثم قالت بخفوت
(هل يمكنني أن أطلب منك طلب؟، لا تخبر أحد بظنونك الغريبة تلك)
ابتسم فريد وهو ينظر اليها، ثم قال أخيرا بهدوء
(لا بأس اذن، لكن تذكري فقط أنني هنا لو احتجت لأي مساعدة)
ابتسمت شفتيها بارتجاف، ثم همست بخفوت.

(شكرا لك، لن أنسى هذا)
استدارت عنه قليلا و هي تنظر الى البعيد، ثم قالت بخفوت بعد فترة طويلة
(أنا سأرحل عن هنا قريبا جدا، لكن، أردت فقط أن أخبرك، بأن قاصي من المستحيل أن يؤذي أحدا ظلما أو دون حق)
ابتسم فريد مرة أخرى و قال بهدوء
(سأتذكر هذا)
ابتسمت تيماء بارتجاف و هي تطرق بوجهها، بينما شعرت بألم جارف بصدرها، أكبر من قدرتها على الإحتمال...
قال فريد بعد فترة صمت.

(بالمناسبة، ستجدين محاولات حثيثة للفت نظرك من ذئاب العائلة، فاستعدي)
رفعت تيماء اليه عينين متسائلتين و هي تقول بحيرة
(ذئاب العائلة!)
أومأ فريد برأسه وهو يقول
(نعم، فأنت العروس المنتظر قرارها بالإختيار، تلك العروس تحظى باهتمام الجميع وخاصة اهتمام جدي، و ما أدراك ما هو اهتمام جدي، سيمنحك الكثير مما لم تتخيليه يوما)
برقت عينا تيماء برفض غريزي و همت بأن تنطق بذلك، الا أن فريد قال ببساطة.

(ها هو الذئب الأول يقترب منا، فاستعدي)
نظرت تيماء الى حيث ينظر فريد، فرأت أحد أبناء عمها...
كان من المتواجدين في الإجتماع العائلي أمس و قد أشار اليه جدها وهو يعرفها به...
شاب مفتول العضلات وسيم الهيئة...
الا أنها نست أسمه تماما...
وصل اليهما ذلك الشاب الطويل الذي يبدو شديد الشبه بأعمامها في جاذبيتهم السمراء الوقورة...
قبل أن يقول ببرود و عيناه على تيماء.

(صباح الخير، أرى أنك لم تضيع وقتك يا فريد و ها أنت ذا تبدأ الحفل مبكرا)
نقلت تيماء عينيها بينهما قبل أن تقول بتردد و هي تعدل من وشاحهها حول وجهها بينما نسيم الصباح يداعب بشرتها برقة...
(أي حفل؟)
قال فريد بتسلية و عيناه على هذا الشاب...
(لا عليك يا تيماء، ابن عمتك مشيرة يحب المزاح قليلا، على الرغم من أننا نصحناه كثيرا أن يتوقف عنه لأنه لا يجيده و يشعرنا بثقل الجو من حوله حتى نكاد أن نختنق).

أمسكت تيماء نفسها عن ضحكة تريد أن تفلت عنها و هي ترى ملامح الشاب تزداد احمرارا و قتامة...
لكنه استدار اليها ليقول مبتسما بتملق
(تيماء، صباح الخير، لم يتسنى لنا الوقت بعد كي نتعرف، لقد عرفك جدي على أسمائنا لكن هذا لا يكفي)
رمشت تيماء بعينيها و هي تضيقهما محاولة عبثا تذكر الاسم كي لا تقع في هذا الحرج...
كانت تعتصر ذاكرتها عصرا...

و بدا و كأنها تعاني محاولة التذكر، بينما الشاب ينتظرها رافعا حاجبيه على أمل أن تنصفه متذكرة اسمه...
الا أن فريد قال ببساطة
(ترفق بها يا رجل، من الواضح أنها لا تتذكرك أصلا)
شعرت تيماء أن هذا الشاب على وشك ضرب فريد في أي لحظة، فتنحنحت و أسرعت بالقول
(بالطبع أتذكرك، لكن اعذرني الأسماء تختلط أمامي)
ابتسم الشاب الطويل و قال بزهو
(أنا عرابي، عرابي مأمون الرافعي).

نظرت تيماء الى فريد تطلب المساعدة بعينيها و هي تهمس
(مأمون!، هل هو عم آخر؟)
ضحك فريد وهو يقول بعفوية
(بل هو ابن عم والدك، متزوج عمتك مشيرة، لذا فعرابي العزيز هذا سيكون الخيار الثاني لك)
اندفع عرابي ليقول
(قسما بالله إن لم تصمت فسوف)
كادت تيماء أن تسحق بينهما خاصة و فريد يميل قائلا باستفزاز
(أرني ما لديك، هيا)
باعدت تيماء بينهما بكفيها و هي تهتف بغضب
(ابتعدا، أنا بينكما).

كانت تقريبا لا تكاد أن تصل الى كتف كل منهما، فنظرا كلاهما الى اسفل حيث هي متواجدة...
فقال عرابي بغضب مكتوم...
(لا بأس، اعذريني يا تيماء، لكن هذا الشخص شديد الإستفزاز و يخرجني عن أعصابي)
زفر بقوة، قبل أن يرغم نفسه على الإبتسام قائلا بتهذيب
(ما رأيك أن أصحبك في جولة لأريك الدار و الحديقة؟)
ارتفع حاجبي فريد بسخرية و تسلية واضحتين وهو يقول بهدوء.

(كم هي نزهة ممتعة يا تيماء!، سترين أربعة أروقة و مطبخ و خمس حمامات كل منهما أشد جمالا من الآخر، و أما عن السطح فهو المفاجأة الكبرى)
رمقه عرابي بنظرة قاتلة قبل أن يقول من بين أسنانه
(لما لا تذهب و تجد ما يشغلك قليلا، ها!)
قال فريد ببساطة مندهشا
(و أترك تيماء وحدها بين الذئاب؟، شهامتي كرافعي اصيل تأبى ذلك)
قال عرابي بعنف
(ماذا تقصد بالضبط؟)
تطوعت تيماء و هي تأمر فريد بعينيها أن يتوقف.

(إنها فكرة جيدة جدا يا سباعي، لا بأس)
افلتت من بين شفتي فريد ضحكة لم يستطع امساكها، بينما قال عرابي بحرج
(عرابي يا تيماء)
شعرت بنفسها في منتهى الغباء، من الواضح أنها لم تسمع نصف كلامه...
لذا قالت بلطف
(آه أقصد عرابي، اسم جميل)
نظر اليها عرابي ليقول بلطف وهو يمد يده مشيرا ليقودها تجاه السلم المؤدي للحديقة
(مثل اسمك)
قال فريد من خلفهما
(عرابي و تيماء، نعم هناك تقارب عاطفي لطيف).

استدارت تيماء اليه و همست بشفتيها دون صوت
الحق بنا، لا تتركني، أومأ فريد بعينيه متزنا وهو يقول ببساطة
(لا تقلقي، لن أتركك)
رفعت تيماء يدها لتضرب جبهتها بيأس و هي تهمس
ياللغباء!، قال عرابي بنبرة متحفزة
(أتريدين التخلص منه يا تيماء؟)
ابتسمت تيماء بذوق و هي تقول بلهجة راقية
(لا، لا داعي، أنا سعيدة بالتعرف اليكم جميعا، الحقيقة مجموعة من الشباب كالورد)
ضحك فريد وهو يسير خلفهما قائلا.

(إنها تتكلم كأمك مشيرة تماما يا عربي، ستنسجمان سويا)
زفر عرابي وهو يقول
(صدقيني لسنا جميعا مثل هذا الكائن خلفنا)
فابتسمت تيماء رغما عنها و قالت
(جميعكم لطفاء حقا)
شجعته ابتسامتها على التبسم بزهو وهو يقول بصوت خافت متأملا عينيها
(تيماء، هل هذا لون عينيك الحقيقي أم تضعين عدسات لاصقة؟)
صدرت ضحكة مستائة من فريد وهو يقول ممتعضا
(كم هو قول مستهلك مبتذل!)
تداركت تيماء الموقف و همست بسرعة.

(نعم هو لون عيني الحقيقي، أنا لا أغامر بوضع شيء في عيني أبدا)
قال عرابي وهو يتوقف قليلا، ناظرا الى عينيها
(معك حق، من تمتلك مثل هاتين العينين لا تجازف بهما ابدا)
قال فريد بخفوت من خلفهما وهم ينزلون درجات السلم الى الحديقة
(تيراااا رااااا ررراااااااااا)
توقف عرابي مكانه بوجه أسود اللون، قبل أن يستدير الى فريد ليقول بصوت أجش مهدد
(اسمع لما لا نخرج أنا و أنت و نتفاهم رجلا لرجل بعيدا عنها)
رد فريد ببساطة.

(ستكون هذه بداية صباح مشرق بالأمل، هيا بنا)
نظرت اليهما تيماء و قالت بقوة و صوت مرتفع و كأنها تنهر طفلين مدللين
(اسمعا أنتما الإثنين، أنا لا أعرف ما بكما، لكن هلا تفضلتما بمراعاة ابتعادي عن بيتي و أمي و عملي، و، و كل ما أعانيه حاليا، و توقفتما عن تصرفات الأطفال تلك!)
ظل كل من فريد و عرابي ينظران الى بعضهما بحنق متبادل...
قبل أن يقول عرابي متنازلا.

(آعتذر تيماء، معك حق، لقد أفزعناك، لكن هذا هو الحال مع فريد، يهوى استفزاز الجميع هنا دون ذوق أو نضج)
تنهدت تيماء و هي تقول بهدوء
(لا بأس عرابي، أنا هنا مجرد ضيفة، ليس أكثر، يمكنكم العودة الى مشاغبتكما بعد رحيلي، هذا حقا، يوحي بجو عائلي حميم)
عقد عرابي حاجبيه و قال محتارا
(ترحلين الى أين يا تيماء؟، ألم تسمعي كلام جدك ليلة أمس؟، ستستقرين هنا أو تسافرين مع)
صمت قليلا ثم ابتسم وهو ينظر الى عينيها بمشاغبة.

(مع زوجك الذي ستختارين)
ضحك فريد وهو ينظر الى السماء، بينما انتاب تيماء الرفض الغريزي لكنها في نفس الوقت الزمت نفسها بالحذر في الكلام
فهي لا تريد ان تعلم احد بموعد سفرها القريب، فقط لتدعو الله ان تساعدها مسك لمرة واحدة في حياتها...
لذا ابتسمت لعرابي ابتسامة دبلوماسية و هي تتجنب الرد، بينما قال فريد منشرحا
(آه، ها هو الذئب الثاني، لم يتأخر كما توقعت، فهو شديد الدقة في مواعيده).

رفعت تيماء عينيها لتنظر الى ابن عمها المقصود...
كان أكبر سنا على ما يبدو من عرابي، لكن ليس بالعديد من السنوات، أكثر وقارا و أقل مشاغبة، لكنه أكثر جاذبية رجولية...
وجهه من النوع المحبب للنظرة الأنثوية، بتهذيبه و اتزانه...
كان ينظر الى ثلاثتهم عن بعد، ملوحا قبل أن يقترب منهم و عيناه هو الآخر على تيماء...
و بالفعل ما أن وصل حتى قال بهدوء.

(صباح الخير يا تيماء، أرجو أن تكوني قد نمت جيدا بعد ليلة أمس المفزعة لك)
ابتسم فريد وهو يقول بهدوء
(ألم أقل لك أنه دقيق جدا، و يدخل الى صلب الموضوع مباشرة، انه امين ابن عمك راشد يا تيماء)
قال أمين بابتسامة لبقة
(و هذه خصلة أفخر بها، تشرفت بلقائك تيماء، بعد سنوات من معرفة أن عمي له أبنة بعيدة)
نظرت اليه تيماء بصمت، وودت لو تتسائل.

لماذا اذن لم يسعى أحد الى مقابلتي؟، ام أنه لم تكن هناك حاجة لي و لأمي من قبل؟
امتنعت عن القاء السؤال الفظ، و هي تحاول البقاء حيادية و منصفة...
فإن كان والدها قد تباعد عنها، فلماذا تلوم أبناء أبناء أعمامها في عدم سعيهم لمعرفتها...
ابتسمت تيماء و هي تقول متأملة هذا الوافد الجديد بجاذبيته الراقية
(أنا أيضا تشرفت بمعرفتك يا أمين، لطالما أحببت هذا الاسم).

ابتسم لها أمين، بينما كان عرابي من خلفها يغلي غضبا و فريد يرمقه بسخرية...
نظرت تيماء اليهم جميعا بحيرة، الثلاث رجال طويلي القامة، و هي كالقزمة بينهم...
فارتفع حاجبيها و هي تقول مستفسرة
(اذن، هل سنسير معا كلنا؟، الا يريد أحدكم التهرب؟)
سارع عرابي للقول بلهجة ثقة، موجها رسالته للجميع
(أنا لن يشغلني شيء عنك اليوم باكمله)
فقال فريد بمودة
(كم هذا لطيف!، اذن سنكون ثلاثة، لأنني لن أتركها فهي تحت حمايتي).

ضحكت تيماء رغما عنها، فشاركها أمين الضحك و مال اليها ليهمس بخفوت
(أتودين الهرب من هاذين المستفزين؟)
نظرت تيماء اليهما مبتسمة و احمرت وجنتاها بحرج قبل أن تهمس
(فريد يريد حمايتي من ذئاب العائلة، لذا ليس من العدل أن أتنكر له)
ارتفع حاجبي أمين وهو يرمقها باعجاب قائلا
(أنت صريحة جدا!)
نظرت اليه بثقة و هي تقول ببساطة
(ليس هناك ما أخاف منه كي لا أكون صريحة، اعتدت هذا منذ صغري)
قال أمين بخفوت وهو يتأملها.

(اذن فأنت محظوظة، ابقي هكذا دائما، فأنت مميزة)
للحظات شرد خيالها بعيدا، و قلبها يصرخ بسؤال مفاجىء
و هل أنت صادقة مع نفسك؟، قال امين بلهجة لطيفة
(فيما شردت فجأة؟)
نظرت اليه و هي تهز رأسها مبتسمة رغم امتقاع وجهها، ثم قالت بنعومة
(لا شيء، أنا هنا)
ارتفع صوت امين ليقول بمرح.

(حسنا يا ذئاب الرافعية، سيرنا جميعا لن يكون مسليا، طالما ان كل منكم لا يريد التنازل، لما لا نركب الخيل و نمنح تيماء الفرصة كي ترى مواهبكم المميزة)
قال عرابي بفخر واضح
(أنا صاحب بطولات في ركوب الخيول، و ليس مثل هؤالاء الهواة)
ضحكت تيماء بخفوت و قالت
(مثل مسك اختي، فهي ايضا بطلة ركوب خيل)
قال عرابي بتبجح
(لكن الرجال مختلفين عن النساء، تعالي و شاهدي بنفسك الفارق الجبار).

و بالفعل خلال نصف ساعة كانت تيماء تنظر الى عرابي وهو يجري بفرسه بقوة الريح، في دائرة الساحة
نفس الساحة التي روض قاصي الفرس فيها أمس...
و كان هذا كفيلا لأن يجعلها تسافر بذهنها بعيدا...
مستندة بمرفقيها الى الحاجز الخشبي، تنظر بعينيها الى فريد و عرابي على ظهر الفرستين...
لكن روحها في مكان آخر تماما...
خلال ساعات من الآن ستسافر هي و مسك...
مسك ستعود الى هنا قريبا، بينما هي ستبتعد للأبد...

و تبقى مسك لقاصي...
سيكون وحيدا، سيكون مهزوما لأنها رفضته، و لن يكون أمامه سوى مسك بجمالها و عنفوانها...
تطيب جروحه بقوة و نعومة...
ستكون خطيبته بحكم سليمان الرافعي...
فكيف لرجل مثله أن يرفض تلك المنحة؟
رفعت تيماء يدها الى صدرها الخافق و هي تتخيل مسك تمسك بكف قاصي، تضغطها الى صدرها و تبتسم له، و تخبره أنها ستكون له للأبد!
ترى كم ستبقى هي في ذاكرته بعد ذلك؟
يوم، اثنين، شهر، سنة...

سنة كاملة بعد زواجه من مسك، من المؤكد أنه سينسى اسم تيماء للأبد...
و لن يرى أمامه سوى أطفاله من مسك الجميلة، الشبيهة بذلك الفرس الأسود المخملي الناعم...
رفعت تيماء ذقنها بنفور أثار العشعريرة بأطرافها و هي تهمس للبعيد
تبا لك يا قاصي لو وافقت على هذا الذل مجددا، كان يوما ما يحمل حقائب مسك خلفها، لم يكن سوى خادما لأبيها!
و الآن سيتناسى كل ذلك؟، بهذه البساطة؟

أظلمت عيناها و هي تتذكر أول شجارا قوي و جدي بينهما...
أنا أرفض أن يكون الرجل الذي سلمته قلبي، مجرد خادما، حامل حقائب!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة