قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثاني والستون

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثاني والستون

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثاني والستون

و بداخله شعور كئيب، يثقل صدره و يضعف انفاسه البطيئة...
فمنذ ان طرد تيماء من بيت الرافعية و هو يشعر بأنه قد فقد احد ثاني احفاده بعد سليم...
تنهد سليمان الرافعي تنهيدة مجهدة، خشنة وهو يشعر بالحاجة لتلك الفتاة التي دخلت البيت حديثا و اضفت اليه روحا براقة...
علي الرغم من كرهها الواضح للمكان و رفضها للعائلة، و المها الواضح في عينيها...
الا انها تضيف روحا خاصة بها في كل مكان تدخله...

تيماء سالم الرافعي، تحمل موروثات الرافعية من القوة و نبذ الانهزامية مهما حاول البعض كسرها...
لقد احبها منذ المرة الأولى التي رآها بها...
علي الرغم من أنها تعد غريبة التربية و النشأة، الا أنها دخلت قلبه الغاضب عليها...
و من يومها وهو ينتظر كل عام كي يراها تأتيه بنفسها...
الى أن اتت هذا العام، و ازدهر قلبه برؤيتها في دخولها الأنيق...

اهتمت بنفسها و نبذت الماضي خلف ظهرها و تحولت الى تلك القوية التي انتظرها...
لكنها، خذلته...
خذلته خذلان لا يمحوه زمن، ان كان متبقي في عمره المزيد من الزمن...
عاد سليمان الرافعي ليزفر بقوة، وهو يشعر بانقباض في صدره لا يبارحه...
فنادى فجأة عاليا بنفاذ صبر
(أم سعيد، يا أم سعيد)
خرجت المرأة مهرولة من المطبخ و هي تجفف كفيها، قائلة بتلعثم
(نعم، نعم يا حاج)
هتف سليمان بغضب وهو يشير الى المائدة الخالية.

(أين الفطور؟، هل على انتظارك الى ان تتعطفين و تضعينه!)
هتفت المرأة بارتياع
(العفو يا حاج، الفطور سيكون جاهزا خلال دقائق، لقد أبكرت في النزول للفطور اليوم)
ارتفع حاجبيه و ازداد غضبه و شعور القتامة بداخله وهو يهتف
(لك العذر مني، على ما يبدو أنني سأضطر الى أخذ الإذن منك قبل الشعور بالجوع)
هتفت المرأة المسكينة
(العفو، العفو يا حاج، حالا سيكون جاهزا).

أخذت تومىء برأسها و استدارت تنوي الاسراع الى المطبخ، الا أن سليمان هتف بغضب
(انتظري هنا يا امرأة، أين سوار؟، لماذا ليست جالسة على كرسيها بجواري؟)
هتفت أم سعيد و هي تتعثر في طرف ثوبها
(السيدة سوار لم تخرج من غرفتها حتى الآن، لقد اطالت في النوم اليوم و قد تفائلت لهذا بعد أيام من قلة النوم حتى أصبحت عينيها غائرتين)
هتف سليمان بنفاذ صبر.

(كفى، كفى ثرثرة، امرأة خرفة ثرثارة كزوجك، هيا اذهبي و ايقظيها، و لا تعودي الا بها، أريدها بجواري، أريد حفيدتي بجواري. )
صعدت المرأة مهرولة و هي تتعثر في ثوبها، فهي تعلم تلك الحالات التي يكون بها الحاج سليمان على هذا القدر من الغضب...
أما سليمان فقد نهض من مكانه متبرما وهو ينفض عبائته منتظرا نزول سوار...
ترى ما الذي سيهون عليه بعادها هي أيضا؟

وقف مكانه مطرق الرأس شارد الفكر، وهو يضرب الأرض برفق بعصاه، ثم همس بصوت أجش خافت حزين
(الدار يخلو عليك يا سليمان، و لم يعد عليك، الا انتظار يوم في العام ليجتمع به أولادك و أحفادك)
دق هاتفه الخاص فجأة، فعبس بحيرة متسائلا عن هوية ذلك الذي يتصل به في مثل هذا الوقت من النهار!
و ما أن رفع الهاتف الى أذنه، حتى جاءه صوت حفيده هادئا
(إنه أنا يا جدي، راجح، هناك ما أريد اخبارك به!).

خلال دقائق...
كانت أم سعيد تنزل السلالم جريا متعثرة، و على وجهها علامات القلق و الفزع...
بينما كان سليمان واقفا مكانه و على وجهه علامات الذهول و الصدمة الصاعقة!
هاتفه متراخي من يده، و عيناه ترسمان نارا توشك على الإندلاع...
كان كتمثال من الذهول و الخطر، مرعب الملامح،
الا أن أم سعيد لم تلحظ تلك الملامح على الفور، بل هتفت بقلق
(يا حاج، يا حاج، السيدة سوار ليست في غرفتها).

رفع سليمان وجهه الباهت اليها و كأنه يحاول ترجمة ما تقوله، و في نفس الوقت انخفضت عينيه الى هاتفه الصامت بعد أن أغلق راجح الخط معه للتو...
هل كان ما سمعه حقيقة أم هو مجرد وهم يتلاعب بسنوات عمره المتقدمة و المتبقي من كيان تلك العائلة...
اخذ حاجبيه ينعقدان تدريجيا قبل يشدد قبضته على عصاه، كي تسنده و تمنعه من السقوط...
ثم لم يلبث أن صرخ عاليا بصوت مرعب جعل ام سعيد تشهق عاليا و تضرب صدرها بفزع.

(عمرااااااااااااااااان، عمرااااااااااااااااااااااان، أين ابنك يا عمرااااااااان)
كانت جدران الدار تهتز مع ذبذبات صوته المجلجلة، و هو يدور حول نفسه، ضاربا الارض و مع كل ضربة، يتعالى صراخه المفزع
(أين الرجال في الخارج؟، آتني بهم حالااااااااااااا)
هرولت ام سعيد و هي تضرب وجنتها غير مستوعبة لما يحدث، ثم فتحت الباب الضخم و هي تصرخ منادية للرجال على باب الدار...
و اللذين دخلو من فورهم جريا...

اصوات اقدامهم تهتز لها الأرض، كثيران هائجة...
توقفت جميعها في مواجهة سليمان الرافعي و الذي بدا و كأنه على وشك ازهاق ارواحهم جميعا...
تقدم سليمان اليهم و عيناه تستعران بنار لا ترحم، قبل ان يقبض على تلابيب ملابس احدهم، يهزه بجنون و عنف صارخا
(من منكم؟، من منكم تجرأ و خان شرف هذا الدار؟)
نظر الجميع الى بعضهم بذهول، غير مدركين لحقيقة ما يحدث...
فما ينطق به خطير، بل شديد الخطورة، تطير له الرقاب...

بينما كان يصرخ بجنون
(الخيانة آتية من أحدكم، و ان لم يظهر الخائن فأدفنكم أحياء جميعا)
بدأت الهمهمات، و تداخلت وجوههم في عيني سليمان المتوحشة و هو يقتفي اثر الخائن منهم، فسوار لم تكن لتخرج من هنا دون مساعدة أحدهم...
صرخ مجددا
(انطقوااااااااااا)
تعالى صوت عمران من خلفه وهو يهتف بقلق، نازلا جريا على السلالم...
(ماذا حدث يا حاج سليمان؟).

تسمر سليمان مكانه، و ازداد انعقاد حاجبيه، قبل أن يترك الرجل من يده ليستدير ببطىء، ناظرا الى عمران الذي كان قد وصل اليه مهرولا، آتيا على صوته المجلجل المرعب...
ساد صمت مشحون بينهم جميعا و سليمان ينظر الى ابنه بنظرة غريبة، بها من الغضب، ما يجمد الدم بالعروق...
ظل الصمت لعدة لحظات أخرى، قبل أن يصرخ سليمان عاليا دون أن يستدير الى رجاله
(اخرجوا، جميعكم، حالااااااا).

خرج الرجال مهرولين و الصدمة لا تزال تعلو وجوههم، لا يعلم من ينظر اليهم ان كانت زيفا على وجه أحدهم، أم حقيقة على وجه الجميع...
بينما وقف سليمان أمام أبنه عمران، ينظر اليه وهو يهز رأسه قليلا بيأس و غضب مجنون، قبل أن يقبض على مقدمة ملابسه يجذبه اليه وهو يهمس من بين أسنانه بصوت مخيف
(أنت يا بذرة الفساد، أنت و نسلك الملوث، خلال أيام قليلة، يخطف ولداك اثنتين من أحفادي)
ارتفع حاجبي عمران وهو يقول بذهول.

(ماذا تقصد؟، لست أفهم ما تقصده يا حاج؟)
هزه عمران بقوة وهو يصرخ
(ابنك، ابنك القذر عديم الشرف)
صمت سليمان وهو ينظر جانبا خوفا من أن يسمع أحد الخدم المزيد، بينما كان صدره يتسارع في النفس بدرجة لا تتناسب مع سنوات عمره...
ثم لم يلبث أن همس بشراسة
(ابنك سيموت، ليس له سوى الموت)
اتسعت عينا عمران وهو يقول بذهول
(أيهما؟، أنا لست مسؤولا عن تصرفات ابن الحرام الذي ادخلته الى بيتنا و قد سبق حذرتك منه).

رفع سليمان كفه القوية و لطم بها وجه عمران ذو اللحية النابتة قليلا بشعرات بيضاء...
امتقع وجهه المغضن و ارتبكت كرامته، بينما اتسعت عيناه أكثر من الصدمة، و همس سليمان بنفس الصوت المرعب
(ابن الحرام تزوج من حفيدتي على الأقل، أما القذر ابنك الآخر فخطف ابنة عمه دون زواج، يبتزني كي ازوجه بها، ابنة عمه! شرفه و عرضه!)
تسمر عمران مكانه، و اتسعت عيناه اكثر، و همس لسانه بغباء
(راجح!).

و كأن الاسم كان كفيلا بأن يثير جنون سليمان فهزه بعنف وهو يهتف
(سيموت، ساقتله بيدي)
و دون المزيد من الكلمات، دفعه بعيدا و اتجه الى خزنة الأسلحة الخاصة به، الا أن عمران أسرع خلفه و امسك بذراعه هاتفا
(انتظر، انتظر يا حاج و تريث قليلا قبل أن تحدث الكارثة و تنتشر الفضيحة، )
نفض سليمان يده بالقوة عن ذراعه و هتف بصوت يرتجف من شدة الجنون.

(و هل ترك لي ابنك القدرة على التريث؟، لقد اعتدى على شرفي، و مصيره عني القتل لا غير)
الا ان عمران عاد و تشبث بذراعه قائلا
(انتظر يا حاج و حكم عقلك، ابني أنا اعرفه جيدا، لا يريد سوى الزواج بسوار منذ سنوات طويلة، وافق على زواجهما دون فضائح، أما قتله فسيوقع هامة تلك العائلة)
ضيق سليمان عينيه وهو ينظر الى ابنه بوجهه الممتقع، فاقترب منه و قال بصوت اجش.

(زواجه بسوار سيكون على جثتي يا عمران، ابنك ما هو الا ورقة ميتة و تساقطت من شجرة هذه العائلة)
استدار بعيدا عنه، فهتف عمران بغضب فجأة
(وافقت على زواج ابن الحرام بحفيدتك الأخرى، بينما تريد قتل راجح لرغبته في الزواج من سوار و التي كانت من نصيبه هو منذ سنوات؟، والله لن يحدث يا حاج).

استدار اليه سليمان، و بدون كلمة واحدة كرد، رفع عصاه هذه المرة و ضرب بها وجه عمران، ضربة شقت شفتيه، فهتف متأوها، وهو يغطي فمه الدامي بيده، و الرؤية تهتز امام عينيه من شدة الألم، بينما قال سليمان بصوت غريب
(اخرج من هذا البيت، اعثر على ولدك و حفيدي و احضرهما الى هنا، لربما قررت وقتها أن أرحمه).

ظل عمران واقفا مكانه ينظر الى سليمان وهو يلهث بخوف، قبل أن يستدير و قد ادرك أن أوان الكلام قد انتهى، بينما تهاوت قدمي سليمان و ثقل حملهما، فجلس على أقرب كرسي وهو يستند براسه الى كفه المجعدة...
سوار، سوار...
ابنته و حفيدته و زوجة سليم رحمه الله...
لقد دنسها الحقير للأبد حتى و إن لم يمسها...
ثم همس بذهول وهو يضرب كفا بأخرى محدثا نفسه.

(ما العمل الآن؟، ما العمل؟، لو كنت أعلم أي بذرة فساد نبتت مع ابني عمران لقتلته بيدي يوم مولده، ما العمل الآن؟).

(لن أقبل بهذا يا أبي، تصرف، تصرفي يا أمي، سأقتلها قبل ان تطأ قدماها ارض هذا الدار)
كانت ميسرة تصرخ و عيناها تطلقان شرر الكره و الغل يملآنهما...
بينما والداها يجلسان امامها متجهمي الملامح، مدركين تماما، لضعف موقف ابنتهما...
و حين طال صمتهما، نظرت اليهما بذهول لاهث قبل ان تتابع صارخة
(لماذا لا تجيبان؟)
قالت أمها بتردد و هي تلتفت الى زوجها.

(لما لا تكلمه؟، ما يفعله ضد الأصول، ابنتنا لا تأتيها ضرة، هل نسي ممن تزوج و ابنة من هي؟)
التفت اليها زوجها و قال بتبرم
(ما هو هذا الذي ضد الأصول؟، من يلومه لو تزوج كي يكون له ابن!، أي حجة سألجأ اليها!، زوج ابنتك هو المرشح لأن يكون كبير عائلة الهلالي لذا يجب أن يكون له ولد، لو حاولت الإعتراض فسيسفهني كبار العائلة جميعهم. )
صرخت ميسرة و هي تضرب الأرض بقدمها.

(هذا هراء، إنه لا يريد الزواج كي يكون له ولد، لم يسبق له الإهتمام بالأمر حتى، إنه يريد الزواج منها، الساحرة التي تسحر للرجال كي يقعون في عشقها)
هدر صوت ليث فجأة بقوة
(أقسم بالله، كلمة أخرى و سوف ألقي عليك بيمين الطلاق)
انتفضت ميسرة و هي تستدير الى ليث الذي دخل من باب المضيفة دون أن تشعر به، بينما ارتبك والدي ميسرة...
فنهضت والدتها و هي تقول بسرعة و فزع.

(اهتدي بالله، اهتدي بالله، إنها لا تقصد يا زوج ابنتي، زوجتك قلبها يحترق بسبب قرب زواجك، الا ترأف بحالها!)
زفر سيف بقوة و قال بغضب.

(رأفت بحالها لسنوات طويلة، لكن دون جدوى، من خوضها في الأعراض و حتى السحر الأسود الذي حذرتها منه مرارا، و لسانها السليط و صوتها العالي، لا تقدر مقاما لأحد و لا تراعي ربها في كل من تعرفه، والله لولا مراعاتي لصلة الدم بيننا و هي الصلة الوحيدة المتبقية بيننا لكنت طلقتها منذ زمن طويل)
صرخت ميسرة بعنف
(تطلقني أنا لأجل تلك ال)
رفعت أمها يدها و كممت بها فمها و هي تصرخ بخوف
(اخرسي، اخرسي و لا تخربي بيتك بيدك).

كانت عينا ميسرة شديدتي الغل و الحقد، لكن العجيب أنها لم تذرف دمعة واحدة، شعور مقيت مشتعل بهما يفتقد العاطفة الحقيقية، عاطفة انسانية من اي نوع...
بينما التفتت امها الى ليث و قالت بصوت خافت مداهن، الا انه كان شديد الوقاحة و هي تقول
(لن ننكر بعد الآن حاجتك الى ولد يحمل اسمك يا ليث، لكن، لكن لأجل العشرة بينكما، حقق لها طلبها)
استدار ليث عن والدة ميسرة و قال بصوت قاطع.

(زواجي بسوار سيتم في موعده، و هذا غير قابل للنقاش)
تقدمت أمها منه خطوة و قالت مبتسمة ابتسامة متكسرة
(تزوج، لكن شرط ابنتي أن تختار هي زوجتك بنفسها و بذلك ترضيها و لا تكسر قلبها)
استدار ليث متفاجأ وهو ينظر الى والدة ميسرة بعدم استيعاب قبل ان يقول بحذر
(هي، تختار لي؟، و كلام الرجال بيني و بين عائلة الرافعي!، هل حقا اقترحت هذا الإقتراح و كأنني مجرد مراهق فاقد للأهلية!)
صرخت ميسرة بعنف.

(اعترف أمام والدي، انت تريدها، انت تعشقها، تعشق زوجة رجل آخر)
صرخ والدها فجأة
(ضعي لسانك في فمك و الا قصصته لك، الا احترام لوجودي!، ما هذا الكلام المتبجح عن العشق و الغرام امام والدك!)
الا ان ميسرة اقتربت من ليث و قالت من بين اسنانها
(اخبر والدي، اخبره من أي مصدر جاء كلامي عن العشق و الغرام، أنت لم تنساها مطلقا)
كان ليث ينظر إلى عينيها البراقتين ببريق كريه، ثم قال اخيرا بهدوء.

(لك كل الفضل في عدم نسيانها، لم يمر يوم واحد في زواجنا دون ان تذكري فيه اسمها، حتى حين كان يمضي اليوم للمساء و لا تذكرينها، أراهن نفسي أنك ستفعلين ذلك آخر الليل، و اربح الرهان كل مرة، على الرغم من نيتي الصادقة في رمي الماضي وراء ظهري منذ اليوم الاول من زواجنا، الا انك أنت التي ترفضين، لقد شغلت نفسك بالجميع، بينما لم تشغلي نفسك ولو للحظات بزواجنا).

استدار ليث عنها ينوي مغادرا الغرفة، الا أنه توقف، ثم استدار إلى ميسرة و قال أخيرا
(أنت محقة في عدم نسياني لها، لكنك أخطأت في شيء واحد، وهو أنها الآن ليست زوجة رجل آخر، إنها خطيبتي، و احترامها مفروض عليك كما سيكون عليها، و كما أخبرتك من قبل، لو أردت الإنفصال فسأجيب طلبك و كل حقوقك و اكثر ستصلك، القرار يعود اليك)
غادر ليث دون كلمة واحدة...

بينما استدارت ميسرة الى والديها الواجمين، تنتظر منهما كلاما، لكنهما لم يستطيعا، فصرخت ملوحة بذراعيها
(هل ستستسلمان؟، الست ابنتكما؟، لا اصدق مدى تخاذلكما)
اقترب منها والدها ينظر اليها بغضب، قبل أن يقول بتشديد على كل حرف من كلماته.

(زوجك سيتزوج، شئت أم أبيت، و بينما أنا أزن فرصاتك المتبقية، تقومين أنت و امك بالتفكير في أمور تافهة العشق و تلك القذارة، يا غبية، من الأفضل لك طالما سيتزوج أن يتزوج في الصلح ارملة من عائلة الرافعي، سيكون وضعها هنا في عائلتنا أضعف، أما لو تزوج بكر صغيرة في السن من بنات عائلة الهلالي فستكون لها نفس حقوقك و أكثر، و قد تحتل مكانك حين تأت له بالولد).

كانت فعليا تحترق و هي توازن بين عقلها و بين الغل الذي يحرق قلبها...
حتى انها كانت تفرك اصابعها بتوتر و عيناها تبرقان بلون من الجنون...
اما امها فقالت بخفوت
(والدك محق، حتى لو كان يرغبها حاليا، فسرعان ما سيروي رغبته منها ثم تصبح لديه مثل كل النساء. و يتبدد خوفك المرضي من هذا الغرام. ).

كانت لا تزال تفرك باصابعها و هي تنظر الى أمها و كأنها لا تبصرها من الأساس. مهتزة الحدقتين و متسارعة الأنفاس، لكنها قالت في النهاية بصوت متشنج
(و ماذا لو أنجبت له الولد!، ماذا سيكون وضعي و كيف ستكون مكانتي؟)
ربتت امها على كتفها و قالت بخفوت.

(سيكون دورك من اليوم أن تجتذبي زوجك و تعيديه اليك، فلربما لا تتحمل الحياة هنا و تغادر من تلقاء نفسها، أنت صغيرة لا تعرفين سوار حق المعرفة، أنا أعرفها كما كنت أعرف أمها، قوية و عنيدة، و غير قابلة للسيطرة، و هذا النوع من النساء هو النوع الذي لا يطيقه زوجك، كوني ذكية لمرة واحدة في حياتك و استغلي ما ينقصها لتكملي به نفسك. )
لم ترد ميسرة...

لأنها ببساطة كانت توازن فرصها كما قال والدها، و لو كانت فرصتها كزوجة كبير عائلة الهلالي تعتمد على التذلل و المداهنة مؤقتا، فستفعل...
همست ميسرة من بين شفتيها بصوت كالفحيح
حسنا، حسنا، فليفعل، فليتزوجها،.

كان لا يزال يدور حول نفسه، و العنف بداخله يتعاظم...
حالة من الذعر تسري في دار الرافعي دون ان يعلم احد السبب، و لا يتجرأ احدهم على سؤال سليمان الرافعي عن سبب الحالة التي يمر بها
هناك امر جلل قد حدث و هو لا يبوح به، فقط يصرخ عاليا، و كلمة الخيانة تفلت من بين شفتيه بين الحين و الآخر...
أما هو...
فقد كان عاجزا لا يعرف كيف التصرف...

غير قادر على الكلام بتلك الكارثة، و لا يستطيع حتى ارسال رجاله للبحث عنهما كي لا تنتشر الفضيحة...
مستندا بكفيه الى المائدة الضخمة، محني الرأس، غير قادر على التفكير السليم، و لا يرى أمام عينيه الا الدم...
دخل أحد رجاله يتعثر، يقدم ساقا و يؤخر الثانية...
و وقف مكانه وهو يرى حالة كبير الرافعية أمامه، يوليه ظهره و يكاد أن يحرق المكان بصدى أنفاسه الهادرة...
تنحنح الرجل وهو يقول بخفوت.

(يا حاج، لديك زائر، يا حاج)
لو بيد سليمان الرافعي لكان قتل رجاله جميعا بعد خروج سوار من البيت أمام أعينهم دون أن يلحظ أحد ما يحدث...
تكلم اخيرا بصوت أجش، قاتم و مخيف
(من؟)
رد الرجل متلعثما بتوتر
(السيد ليث الهلالي)
ساد صمت طويل، بينما ازدادت عيني سليمان قتامة و عمقا، قبل ان يقول اخيرا بنفس النبره
(دعه يدخل)
دخل ليث بعد دقائق بينما كان سليمان على نفس الوقفة دون ان يتحرك من مكانه...

عقد ليث حاجبيه قليلا حين تنحنح لينبه سليمان الى قدومه، الا أنه لم يتحرك أو يستدير اليه...
حينها شعر ليث بأن هناك شيء ما ليس على ما يرام، و لا يعلم لماذا انقبض صدره وهو يستشعر بأن هذا الشيء يخص سوار...
أخذ ليث نفسا عميقا ملأ به صدره، قبل أن يقول بحزم و قوة.
(السلام عليكم يا حاج سليمان)
ساد صمت متوتر بينهما مما جعل صدره ينقبض اكثر، فقال بهدوء واثق على الرغم من عدم ارتياحه.

(اعتذر ان كنت قد جئت بدون موعد، لكن دارك مفتوح دائما يا حاج سليمان و دون مواعيد، هل جئت في وقت غير مناسب؟)
رفع سليمان رأسه دون ان يستدير الى ليث، ثم قال بصوت غريب أجش
(لماذا أتيت يا ليث؟)
ارتبك ليث قليلا عاقدا حاجبيه، الا ان ارتباكه لم يكن حرجا، بل كان زيادة في القلق و عدم الإرتياح...
فقال بهدوء حذر.

(جئت اتحدث معك في التفاصيل، مهر سوار و بيتها، و كل حقوقها، لقد صممت على المجىء بمفردي كي اسمع كل طلباتها و طلباتكم)
ساد الصمت المريب مجددا، قبل ان يقول سليمان ببطىء و بنبرة اجشة غريبة
(سوار ليست من نصيبك يا ليث)
الصمت هذه المرة لم يكن مشحونا، بل صادما!
و كأن كانت كفيلة بأن تجعل من صبر ليث ينفذ لينطلق الأسد المحتجز بداخله...
فقال بصوت مهدد رغم خفوته
(مجددا!، كيف ذلك؟، و ماذا عن اتفاق الرجال؟).

قال سليمان بصوت متشنج
(النصيب غالب، و ليس لدي المزيد لأقوله)
الا أن ليث هدر فجأة
(بل سيتعين عليك الكلام هذه المرة يا حاج سليمان لأنني لن أقبل بهذا الرفض المفاجىء ردا)
انتفض سليمان و استدار الى ليث و هدر هو الآخر
(أخفض صوتك يا فتى، هل تتجرأ على محاكمتي و في داري؟)
الا أن ليث جابهه وهو يهتف بقوة.

(لم أعد فتى يا حاج سليمان، انظر إلى جيدا لقد شاب شعري، و لن أخفض صوتي هذه المرة، فصوتي العالي ليس تقليل من احترامك و انما دفاعا عن حق، لقد خطبت سوار رسميا أمام الجميع و التراجع ليس خيارا بالنسبة لي)
صرخ سليمان بانفعال و توتر
(هل ستتزوجها غصبا؟)
فتح ليث شفتيه ينوي الرد بنفس النبرة، الا أنه تراجع قبل أن يتابع و ضاقت عيناه قليلا قبل أن يقول بخفوت متردد
(هل هو رفض من سوار؟).

ارتبكت ملامح سليمان قليلا أمام عيني ليث النافذتين، ثم قال أخيرا مشيحا بوجهه
(الرفض مني و من سوار، هناك كثير من الحواجز بينكما)
ظل ليث صامتا مفكرا لعدة لحظات قبل ان يقول فجأة بقوة عاتية
(اريد مقابلة سوار)
تراجع رأس سليمان قليلا و شحبت ملامحه، الا أنه تمالك نفسه و عقد حاجبيه ليقول متهربا بعينيه
(كلامك مع الرجال فقط)
هدر ليث بصوت عال
(سبق و كان كلامي مع الرجال وها هو يتم التراجع عنه دون ابداء اسباب).

صرخ سليمان بقوة
(احترم نفسك يا ولد)
الا ان ليث احتد هو الآخر هاتفا
(انا لن ابارح المكان الا بعد مقابلة سوار بنفسي، وجها لوجه، لاسمع رفضها باذني)
قال سليمان بصوت متشنج
(اخرج الان يا ليث، و سأسمح لك بمقابلتها لاحقا لتسمع منها بنفسك)
الا أن ليث هتف بقوة
(والله لن ابارح هذا المكان قبل أن أراها و أسمع الرفض منها بنفسي، الخطبة كانت أمام الجميع يا حاج سليمان و أنا لن اقبل بالتراجع الا من سوار شخصيا).

ساد الصمت بينهما مجددا...
و بان التوتر على وجه سليمان بصورة أثارت ريبة ليث أكثرو أكثر، فقال بنبرة خافتة متصلبة
(هل سوار بخير؟، هل أصابها مكروه؟، أريد رؤيتها حالاااااااا)
ظل سليمان مطرق الرأس و قد عجز عن الرد...
حينها تأكد أن سوار قد أصابها خطب ما فهتف بعنف
(إن لم تستدعها فسأنادي عليها بأعلى صوتي لأتأكد بأنها بخير)
رفع سليمان وجهه و هتف بسرعة
(لا تفعل يا ليث، لا تفعل).

شعر ليث أن قدميه لم تعودا قادرتين على حمل وزنه الضخم، فجلس على أقرب كرسي وهو يقول بجمود خافت
(ماذا حدث لسوار؟، أريد الحقيقة كلها).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة