قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثالث والستون

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثالث والستون

رواية طائف في رحلة أبدية ج1 للكاتبة تميمة نبيل الفصل الثالث والستون

أن تموت الملامح و يتصلب الجسد لعدة لحظات، بينما تستعر نيران الأعين بعجز و غضب قادر على حرق الجميع، فهذا هو حال ليث حين أخبره سليمان بما حدث، بعد أن أغلق خلفهما باب المضيفة في سرية تامة...
بادله سليمان النظر بصمت وهو يرى الوحش الكامن في اعماقه يتوهج استعدادا للقتل...
فقال بصوت اجش
(تعلم أن زواجك بها بات مستحيلا الآن يا ولدي، لقد حط راجح من قامتنا جميعا).

اطرق ليث برأسه وهو يمسك بذراع المقعد بشدة حتى ابيضت مفاصل اصابعه، ثم تكلم بصوت مشتد كالوتر و كأنه يحادث نفسه
(اختطف زوجتي، امسكها بيديه القذرتين!)
قال سليمان بهدوء رغم الخزي الذي يلحق به حاليا
(سوار ليست زوجتك يا ليث، أخبرتك أن النصيب غالب)
رفع ليث عينيه الحمراوين بلون الدم ينظر الى عيني سليمان المتخاذلتين، طويلا قبل أن ينهض من مكانه بقوة...

صارخا بعنف وحشي، وهو يضرب أقرب لوح زجاجي قابله على الطاولة المجاورة فهشمه محدثا به شرخا سرطانيا مشوها...
أخذ سليمان ينظر اليه دون أن يتحرك من مكانه وهو يفهم جيدا ما يعانيه ليث في تلك اللحظة...
فتركه يفرغ شحنة جنونه، الى أن أمسك بالطاولة بكلتا يديه وهو يتنفس بصعوبة، ثم هدر مجددا بعنف
(القذر، الحقييييييير).

صمت وهو يحاول التنفس بكل جهده، يحاول السيطرة على أعصابه، بينما عضلات جسده كلها متحفزة و قبضتيه مشتدتين...
و بعد وقت طويل من الصمت المريع، رفع ليث وجهه وهو يتنفس كالمصارعين، ثم قال بصوت متصلب مسيطر
(ما هي طلباته؟)
أخفض سليمان عينيه وهو يقول بخفوت
(يريد أن يتم عقد قرانهما الليلة)
ضيق ليث عينيه و استغرق وقته في التفكير، ثم قال بهدوء متشنج
(اتصل به و ابلغه موافقتك على ما يريد).

اتسعت عينا سليمان قليلا، الا أنه و بنظرة واحدة الى عيني ليث أدرك أنه لا يعبث ابدا...
فأخرج سليمان الهاتف و طلب الرقم، الا أن ليث قال بخفوت
(أريد سماع المكالمة)
أومأ سليمان برأسه ثم اتصل براجح و قام بتشغيل مكبر الصوت...
رد راجح من فوره وهو يقول بهدوء مقيت
(هل فكرت يا جدي فيما طلبته منك.؟)
عض ليث على اسنانه و منع نفسه من اصدار أي صوت بينما أصابعه تنقبض أكثر، أما سليمان فجاوب بخفوت و عيناه على عيني ليث.

(نعم، فكرت ووافقت)
كان صوت نفس راجح المبتهج المنتصر واضحا في الهاتف، مما جعل ليث يغمض عينيه للحظة، ثم فتحهما على طاقتين من براكين و حمم صامتة...
اما سليمان فقال
(احضر سوار و تعال لنتكلم في الأمر)
ضحك راجح و قال بخفوت مرح
(أنا أذكى من هذا يا جدي، فأنا حفيدك، و لن أسمح للخطأ بأن يكرر نفسه، على ضمان موافقتك اولا، و أن زواجي بسوار سيكون الليلة. )
قال سليمان بصوت متصلب
(ما هو الضمان الذي تريده؟).

قال راجح ببساطة
(أعيرة نارية)
ارتفع حاجبي سليمان وهو ينتفض قليلا ثم سأل ناظرا الى ليث الذي كان يغطي فكه المتوتر بكفه، يستمع بكل اهتمام
(ماذا تقصد؟)
رد راجح بهدوء
(انا لست بعيدا عنك، اريد سماع صوت اطلاق الاعيرة النارية و المزامير بأذني، حينها ستضطر الى تبريرها الى من يسأل)
هتف سليمان بغضب.

(كيف نطلق الاعيرة النارية و ابن عمك لم يمض على وفاته عام!، ثم أنك بهذه الطريقة ستشعل نارا جديدة بين العائلتين بعد تراجعنا في كلمتنا مع عائلة الهلالي، بل و الاحتفال بزواجكما ايضا!)
هتف راجح فجأة بغضب
(فليحترقوا جميعا، لا يملكون حق الإعتراض، فالقاتل من عندهم و كفاهم رضانا بالصلح من الأساس، لذا فلتبحثو عن قربان آخر غير سوار، سوار لي و لن تكون لغيري ابدا).

تحركت عضلات عنق ليث بتشنج و برقت عيناه بجحيم مستعر، الا أنه ظل صامتا لعدة لحظات في تفكير عميق، قبل ان يومىء الى سليمان ان يوافق
ظل سليمان صامتا، غير موافق، الخزي يلاحقه من كل جهة، الى ان قال راجح بنفاذ صبر
(لم أسمع ردك يا جدي، لقد انتهى الامر بالفعل و لو علم ابن الهلالي بما حدث لنبذها من فوره أي أن الأمر قضي، فلا تعاند).

توتر فك ليث أكثر و ازداد انقباض اصابعه، الا أنه ظل صامتا قبل أن يشير الى سليمان مجددا بنظرة كلها تصميم و ارادة، فقال سليمان أخيرا بخفوت متداع
(موافق)
أغلق سليمان الخط، فسارع ليث للقول بلهجة مخيفة لا تقبل الجدد
(اتصل بفريد و أطلب منه العودة الى هنا مجددا، و ابدأ في اطلاق الاعيرة النارية استعدادا لعقد قران سوار).

عقد سليمان حاجبيه وهو ينظر الى عيني ليث شديدتي البأس و الشبيهتين بعيني أسد جبلي على استعداد للدفاع عن أنثاه الأبية...

ظل راجح واقفا مكانه ينظر الى الأراضي الواسعة و التي بدأت تمتد أمامه من النافذة، مشتعلة بنور الصباح...
و فجأة، بدأ اطلاق الأعيرة النارية القادمة من بيت عائلة الرافعي...
انتفضت سوار في جلستها على الأرض و هي تسمع هذا القصف العنيف، بينما استدار اليها راجح بعينين منتصرتين براقتين وهو يقول بلهجة ترتجف سرورا
(مبارك يا عروس، أعيرة عقد قرانك).

ابتلعت سوار غصة في حلقها و هي تسمع تلك القذائف و دم زوجها الغالي لم يبرد بعد...
ابتسم راجح لعينيها الدامعتين، ثم قال بخفوت منتشي
(استعدي حبيبتي، فلقد اقترب موعد زواجنا)
ابتلعت سوار و همست بخفوت
(أريد أن أصلي، اريد ما أغطي به شعري)
طافت عيناه على شعرها مجددا مبهورا بنشوى ظاهرة في عينيه، فأغمضت عينيها و هي تتحمل تلك النظرات التي تحرقها ببطىء، الى أن همس أخيرا بخفوت.

(ليس في الغرفة ما يصلح، يمكنني أعارتك قميصي لو أردت)
فتحت سوار عينيها و قالت بخفوت جامد، متقزز
(و ادنس صلاتي؟، لا شكرا)
التوت شفتيه قليلا وهو يراقبها، ثم قال اخيرا بخفوت
(لن اغضب منك، سأمنحك العذر، كما ستمنحينه لي يوما ما)
صمت قليلا وهو يعاود النظر الى النافذة و كأنه يرى الأعيرة النارية بعينيه قبل اذنيه، فتملأه سعادة و فوزا...
ثم قال اخيرا دون ان ينظر اليها...

(أمامنا ما لا يقل عن ثلاث ساعات من اطلاق الأعيرة النارية في البلد، حتى يعرف الجميع من اكابرها و حتى اصغر طفل بها، ان عقد قران راجح عمران الرافعي و سوارغانم الرافعي سيكون الليلة، و حينها سنخرج معا و نعود الى دار الرافعية. ).

مع اقتراب مغيب الشمس...
وصلت سيارة راجح الى دار الرافعية، بقودها بخيلاء و ترفع و نظارته السوداء تغطي عينيه المتفاخرتين...
و منذ دخوله من البوابات الحديدية الضخمة وهو يسمع صوت الأعيرة النارية تتعاظم و الرجال يركضون حول السيارة، يسمع منهم التهنئات بالزواج القريب، بينما الارتباك واضح على الملامح مقترنا بعدم أما أما راجح فقد كان منتصرا، فساعات قليلة تفصله عن حلم حياته...

مظاهر الاحتفال و الولائم التي تعد، و التهنئات بالزواج أخبرته بجذل ان جده قد رضخ و سوار ستكون له...
نظر راجح الى مرآة السيارة الأمامية، حيث وجه سوار المستلقية على المقعد الخلفي، و مغطاة باحكام، ثم همس مبتسما
(نجحت الخطة يا عشقي الأبدي، نجحت و اصبحت لي و ليس هناك مخلوقا على وجه الارض قادرا على مناقشة حقي بك).

لم ترد سوار، فقد كانت غارقة في سبات عميق، لا يظهر منها سوى عينيها المغمضتين فقط، بعد ان خدرها للمرة الثانية منعا لاي مجازفة اثناء خروجهما و عودتهما الى دار الرافعية...
أوقف راجح يارته أمام باب الدار، فخلع نظارته وهو يرى فريد واقفا عند الباب و يداه في خصره بينما ملامحه لا تنم عن شيء...
نزل فريد الدرجات القليلة أمام الدار الى أن وصل الى راجح الذي خرج من السيارة، فبادره فريد قائلا بصوت خافت
(أين سوار؟).

قال راجح بخفوت وهو ينظر مجددا الى مظاهر العجلة في الذبح للولائم، و الأعيرة التي لا تتوقف...
(فريد، انا لم اقصد أن يتم الأمر بهذه الصورة لكن)
قاطعه فريد وهو يقول بنفس الهدوء...
(اين سوار يا راجح؟، نفذنا لك طلبك و آن لك أن تنفذ وعدك و تعيدها سالمة، لذا للمرة الأخيرة، أين هي شقيقتي؟)
قال راجح بحرج...
(مستلقية على المقعد الخلفي للسيارة).

انتفض فريد مذهولا قبل أن يندفع للسيارة، فاتحا الباب الخلفي، ثم كشف الغطاء بعنف عن وجه سوار الهادىء، و مد اصبعيه ليتحسس النبض في عنقها، و ما أن شعر به مستقرا حتى ارتاح باله قليلا...
رفع فريد وجهه الى راجح و قال بهدوء
(خدرت شقيقتي؟)
اطرق راجح برأسه قليلا، ثم قال باستسلام
(لم املك غير هذا يا فريد، انا اسف)
ابتسم فريد ابتسامة لم تصل الى عينيه، ثم استقام و اقترب من راجح ليقول بهدوء.

(لا وقت لدينا لنضيعه، هيا بنا لتبدل ملابسك و تستعد يا عريس)
عقد راجح حاجبيه و نظر تجاه سوار بقلق ثم قال
(لن اترك سوار)
التوت ابتسامة فريد وهو يقول ساخرا
(اتنوي اخراجها و حملها أمام الجميع؟، حسنا صحيح أنك قد نجحت في لي أذرعتنا جميعا و اجبارنا على الرضوخ لطلباتك، لكن لا تتمادى، فالضغط يولد الإنفجار)
اقترب فريد من راجح و أحاط كتفيه بذراعه وهو يربت على صدره قائلا...

(هيا بنا يا رجل، الا ترى الإستعدادات!، كيف سنتهرب منها لو كانت مجرد خداعا لك، تعال معي و اترك لي معضلة نقل سوار للداخل، و لا تنسى أنها يجب أن تستفيق حتى تجيب المأذون عن موافقتها على الزواج)
بدا راجح مترددا، الا أنه تحرك مع فريد وهو يعلم أنه الرابح في النهاية...
و ما أن دخلا الى غرفة راجح...
حتى أغلق فريد الباب خلفه بالمفتاح، استدار اليه راجح بريبة وهو ينظر الى الباب المغلق بالمفتاح...

فضيق عينيه بعدم ارتياح، وهو يرى فريد يخلع حزام بنطاله الجلدي ببطىء قبل أن يقول بهدوء مخيف
(لن أخدرك و أقيدك ثم أجلدك، واجهني رجلا لرجل)
اتسعت عينا راجح بوحشية قبل أن يقول محذرا
(تعقل يا مجنون، شقيقتك ملقاة على مقعد سيارتي و الجميع يستعدون لعقد قراننا، أي أن سمعتها على المحك)
الا ان فريد كان قد رمى عنه قشرة الحضارة الوحيدة التي تكبد عناء تمثيلها خلال الساعات الماضية.

و ظهرت روح أحد ذئاب الرافعية، شرسة، هادرة و مخيفة على نحو استثنائي رغم بساطته...

كان العالم لا يزال يدور من حولها و هي تترنح يمينا و يسارا...
الصداع يكاد أن يفتك برأسها...
و كف تربت على وجنتها برفق و صوت امرأة تهتف بقلق
(سيدة سوار، سيدة سوار، أفيقي حبيبتي)
كان الصوت مضخما و مثقلا و هي تحاول فتح عينيها الحديديتين، و كأن هناك أثقال تشد عقلها للسقوط مجددا...
الا أن أصوات الأعيرة النارية كانت تجذبها للواقع، فهمست بتعب
(الأعيرة النارية، لا، أجعلوها تتوقف، زوجي دمه لم يبرد بعد).

تنهدت المرأة و هتفت بحزن
(أفيقي يا سيدة سوار)
فتحت سوار عينيها بصعوبة، و حاولت استيعاب المكان، الى أن أدركت جدران غرفتها أخيرا، فهمست بصعوبة و هي ترمش بعينيها
(أنا في غرفتي، في بيتي)
قالت ام سعيد بلهفة
(نعم يا سيدة سوار، افيقي أرجوك)
نهضت سوار بسرعة و هي تترنح قائلة بتعب
(الأعيرة النارية، الزواج، لن يتم، لن يتم مطلقا)
هتفت أم سعيد بارتياع.

(اهتدي بالله يا سيدة سوار، لا تتسببي في فضيحة لعائلتك، لقد تمت الاستعدادات و علم كل من في البلد من أقصاها لأدناها)
رفعت سوار يدها الى جبهتها و قالت بتعثر من بين أسنانها
(على جثتي، لن تتم)
الا أن طرقة على الباب، جعلت أم سعيد تهرول الى الباب و تسأل عن هوية الطارق
فكان صوت أحد أعمامها يقول بخفوت
(هل أنت جاهزة يا سوار؟، المأذون يريد سؤالك يا ابنتي).

اقتربت سوار بسرعة تتعثر في طرف عبائتها حتى استندت الى الباب بكفيها و قالت بصوت مقهور مشتد النبارت. لم يفقد قوته بعد
(لن أتزوج راجح)
ساد صمت متوتر قبل أن يقول عمها
(و ما دخل راجح يا ابنتي؟، المأذون يريد سؤالك عن الزواج بليث الهلالي)
تسمرت سوار مكانها و تصلبت أصابعها على خشب الباب الناعم، و اتسعت عيناها قليلا قبل أن تستدير الى أم سعيد هامسة بعدم فهم
(ليث؟، كيف؟)
أومأت أم سعيد و قالت بحيرة.

(نعم يا سيدة سوار و من غيره؟، لقد تم تقديم موعد عقد قرانكما، هذا كل ما في الأمر، الحاج سليمان يقول أن هذا سيتم لظروف طارئة)
انعقد حاجبي سوار قليلا و هي تحاول استيعاب ما يحدث، الى أن أتاها صوت المأذون يقول كما استنتجت هويته
(يا ابنتي، هل أنت موافقة على الزواج من السيد ليث الهلالي؟، و من هو وكيلك)
ظلت سوار على صمتها طويلا قبل أن تقول بخفوت بطىء
(نعم، موافقة، ووكيلي هو عمي).

جلست على حافة سريرها لا تعرف ما المنتظر منها الآن؟
لا تعرف كيف حرروها من أسرها الإجباري على يد راجح...
و لا تعرف كيف أصبحت زوجة ليث بمثل هذه السرعة؟
لم تتعافى بعد مما تعرضت له من قهر و تعدي و انتهاك، و ليس من العدل أن يزوجوها بمثل هذه السرعة!
كان من المفترض أن ينتظروا مرور عام كامل بعد وفاة سليم...

أرادت الرفض للحظة، الا أنها عادت و فكرت، هل تترك دم زوجها ليبرد لمدة عام كامل قبل أن تبحث عن قاتله و تأخذ بثأره؟
لذا وجدت لسانها ينطق بالموافقة بهدوء...
و الآن وجدت نفسها و قد خلعت سواد الحداد بعد ان ساعدتها ام سعيد على ارتداء عباءة مطرزة بلون البحر...
و زينتها قليلا و هي لا تزال تشعر بالدوار قليلا بين يديها...
لكنها الآن، استفاقت تماما و عشرات الأسئلة تتزاحم في رأسها.

واقفا على باب غرفتها...
و يده تحاول طرقه، الا انها ترددت و ارتاحت عليه ترفض الطرق مباشرة
اطرق ليث برأسه وهو يهمس لنفسه بألم
بعد كل هذه السنوات يا حبيبة القلب!، بعد كل هذا العمر الضائع، آآآآآه يا سوار العسل كم انتظرت و حلمت باليوم الذي اقف به على بابك...
و حين جاء اليوم، جاء بأشقى الطرق، كيف سأسألك؟، و كيف سيتحمل قلبي الاجابة؟،
ارتفع وجه سوار بقوة حين سمعت صوت طرقة على الباب، فقالت عفويا
(ادخل).

لكن ما لم تتوقع، هو ان ترى هذا الرأس الذكوري يطل من الباب!
ليث!
فغرت سوار شفتيها و هي تراه واقفا امامها بعد ان دخل الى الغرفة لخطوتين فقط، مرتديا ملابس العرس...
منمق الشعر مشذب اللحية، كان يبدو كعريس فعلا رغم الشعيرات الفضية المنتشرة في لحيته و رأسه...
أما هو!
فقد كان في عالم آخر...

عالم لم يستوعب بعد مدى سحره وهو يرى تلك الملكة المتوجة تجلس ببهاء على حافة السرير في زيها الذي يزيدها ملوكية، عيناها العسليتان مكحلتين ببهاء، و اصابعها متشابكة بوتر في حجرها...
كان قد اعد طويلا ما سينطق به، الا انه قد فقده دفعة واحدة في نظرة اليها، امتدت لتسرح على شعرها الطويل!
ذلك الليل الخلاب المنسدل على كتفيها و خصرها و اسفل خصرها!
هل هي حقيقة أم وهم رسمه قلبه العليل بحبها!

همس ليث بصوت غريب دون حتى ان يبتسم
(سوار!)
ازدادت حركة اصابعها بتوتر و هي تنظر اليه بحذر، بعينين واسعتين غريبتين...
بينما اقترب منها ببطىء و كأنه يخشى إن أسرع، أن يثير خوفها فتفر منه كالغزال البري...
كان قد عاهد نفسه الا يقترب منها اكثر من خطوتين في هذه الغرفة...
لكن قدميه تحركتا متحديتين اوامر عقله، الى ان توقف على بعد خطوة منها...
و عيناه لا تبارحان سحرها الأخاذ!

لقد زادها العمر جمالا، رغم كل الألم المحيط بملامحها القوية، فالعمر زادها جمالا حتى باتت كقصة تحكى في الليالي الطويلة...
انعقد حاجبيه و كأن النظر الى جمالها أصبح مؤلما جسديا...
همس مجددا بصوت أجش
(هلا وقفت رجاءا).

ترددت سوار و ارتبكت، الا أنها نهضت ببطىء حتى وقفت أمامه مباشرة، و على الرغم من طولها، الا ان رأسها لم تتعدي مستوى عنقه، فرفعت ذقنها تنظر اليه بنفس الحذر محركة رأسها ليتساقط شعرها خلف ظهرها بنعومة...
ضاقت عينا ليث على تلك الحركة البسيطة التي سلبت فؤاده...
و دون ان يدري وجد يده ترتفع لتتخلل اصابعه المفتوحة شعرها، و تسري به كأسنان المشط وهو يبدو كالمغيب في عالم غير عالم الواقع...

استمر نزول أصابعه عبر شعرها للحظات طويلة حتى وصلت الى خصرها، فخانته ارادته للمرة الأولى بحياته و انسابت تلك الأصابع من خصلاتها لتستقل فوق خصرها الدافىء...
كان الإبتعاد عنها في تلك اللحظة هو العذاب بعينه...
فسمح لنفسه ببعض الرحم وهو يغمض عينيه، مقربا اياها منه بحركة غير ملحوظة...
يده تتحرك على بشرتها الدافئة، عبر عبائتها الحريرية و التي تزيد من استعال الحمم بعروقه...

أسلبت سوار جفنيها على الرغم من أن ذقنها لا يزال مرتفعا بكبرياء...
صدرها متسارع النفس، غير قادرة على مواكبة ما يجري...
ليث هنا في غرفتها، يراها بدون حجابها، يلامسها بأصابعه
الا أنها وما أن شعرت بتلك الأصابع تتحرك ببطىء حتى تسمرت مكانها، ثم رفعت يدها لتزيح يده بهدوء بطيء...
ابعد ليث يده على الفور ما ان شعر بأصابعها تبعده، ثم وقف امامها و هو يأخذ نفسا عميقا متحشرجا قبل أن يقول بصوت عميق، عميق للغاية...

(وعدت نفسي الا ألمسك الا حين تكونين في بيتي)
أبعدت سوار وجهها جانبا دون أن تنظر اليه، فقال ليث بنبرة أشد صلابة قليلا
(أنت زوجتي يا سوار، أخيرا)
ارتفع جفنيها و هي تنظر اليه فجأة بعينين براقتين قبل أن تفتح شفتيها لتتكلم أخيرا بصوت رخيم. به لمحة من نفور
(أخيرا!، بدأت أكره تلك الكلمة التي لا تجعل مني أكثر من مجرد فريسة أنثوية، لمجموعة من الصيادين على خيولهم).

عقد ليث حاجبيه و اشتعلت عيناه للحظة قبل أن يقول بصوت أجش مخيف
(هل تقارنيني ب)
لم يستطع نطق الاسم، بينما ازدادت قتامة اللون على وجهه، و نظرت سوار الى عينيه بوضوح، ثم قالت بصوت غريب
(لم يكن ما مررت به اليوم هينا أبدا، لذا اعذرني ان كنت غير قادرة على تودد أي رجل آخر لي)
عند هذه النقطة لم يستطع ليث التحكم في نفسه أكثر فأمسك بذراعيها بقوة و قال بصوت معذب رغم العنف الكامن في أعماقه.

(ماذا فعل بك؟، ماذا حدث خلال تلك الليلة؟ أجيبيني يا سوار أنا أتعذب منذ ساعات و باتت السيطرة الآن ألما محرقا يفوق قدرتي على الإحتمال)
ضيقت سوار عينيها و هي ترى عذابه حيا بصورة لا تقبل الشك، فقالت بخفوت
(و ما الذي اجبرك على الزواج مني طالما أنك لن تستطيع التحمل؟)
هزها ليث قليلا هامسا بعنف من بين اسنانه وهو يكاد أن يتوسل لها.

(زواجي منك أمر منتهي، سواء كان اليوم أو بعد عام أو عشرة أعوام، أنا أراك زوجتي منذ اليوم الذي خطبتك به و سمعت موافقتك باذني، انتهى يا سوار، الآن أخبريني هل)
بدا غير قادرا على المتبعة فتحشرج صوته و أخفض وجهه، بينما رأت سوار صدره وهو يعلو و ينخفض بسرعة غريبة و كأنه غير قادرا على التنفس بطريقة سوية
تكلمت سوار أخيرا بهدوء ثابت
(أين هو؟، ماذا فعلتم به؟).

انتفض ليث ينظر اليها بعنف و قال بصوت حرص الا يعلو رغم ارتجافة نبرته من شدة الغضب
(لا تقلقي يا سوار، لن تريه مجددا طالما بصدري نفس يتردد)
رفعت سوار ذقنها و هي تقول بهدوء
(على العكس، أريد رؤيته، بيننا حساب طويل)
هدر ليث بصوت عال جعلها تغمض عينيها من شدة ذبذباته العنيفة
(على جثتي، على جثتي يا سوار، لن تقتربي منه الى أن يموت و لعل ذلك يكون قريبا، لأنني لن أقتله بل سأدعه يتمنى الموت قبلا).

اسبلت سوار جفنيها و قالت بنفس الصوت الرخيم
(يبدو أنك نسيت طبع سوار يا ابن خالي، لم أكن في حاجة لمن يأخذ لي حقي يوما، لطالما كنت شرسة في الدفاع عن نفسي)
اظلمت عينا ليث من شدة الغضب وهو يهدر قائلا
(واضح جدا، و الدليل، انه لولا زواجي بك لكنت متزوجة منه الآن أو لا قدر الله ربما تواجهين مصيرا أسوأ في حال رفضك، أحيانا أشعر أنني بدأت أكره هذا الطبع يا ابنة عمتي).

لم ترد سوار. الا أنه لاحظ أنه قد آلمها بشدة، فزفر بتنهيدة مكبوتة معذبة وهو يراقبها، قبل أن يتابع بخفوت
(يا زوجتي)
رفعت سوار عينيها اليه بصمت، فقال بنفس النبرة المتوسلة
(أريحي قلب زوجك يا سوار بالله عليك، ماذا فعل بك. تكلمي يا سوار لا تكوني بمثل هذه القسوة)
ارتجفت شفتي سوار رغم عنها، شعرت في تلك اللحظة أنها تحتاج للانهيار ولو بضعة لحظات...
تريد الضعف كخيار لدقيقة واحدة...

و صوت ليث المتوسل كان هو القشة التي قصمت ظهرها، فهمست بخفوت و هي تنظر الى عينيه
(لم يحدث شيئا ينال من رجولتك كزوج، لم يلامسني بالطريقة التي تتخيلها، الا أنه، الا أنه)
صمتت فجأة و هي تطرق بوجهها شارعة بقرب انهيارها، و لم تمانع هذه المرة و هي تتابع بصوت مختنق.

(الا أنني أشعر بالإهانة، لقد رآى شعري و صفعني على وجهي، خدرني و حملني و لا اعلم بأي طريقة، أشعر بالإمتهان يا ليث، لم أهان يوما بتلك الطريقة أنا سوار غانم الراف)
لم تستطع المتابعة و هي تغمض عينيها لتشهق باكية بقوة...
فهدر ليث بعذاب وعنف
(ياللهي)
و لم يسمح لشيء بان يبعدها عنه في تلك اللحظة، انها زوجته، زوجته رغم كل الحواجز.

فأحاط خصرها بذراعيه بكل قوتها وهو يرفعها الى صدره، يضمها بعنف كاد ان يحطم اضلعها وهو يهمس بين شعرها الذي غطى فمه بحرقة
(سأجعله يدفع الثمن يا سوار، سيدفع الثمن بقدر ما تشعرين و أشعر به أضعافا)
صوت بكائها الخافت كان يقتله و منظر عينيها المغمضتين يزيدان جنونه...
انزلها ارضا ببطىء و هي لا تزال تمسح وجهها بظاهر يدها، الا أنه أمسك بذقنها يرفعه اليه...

حينها اضطرت لأن تفتح عينيها الحمراوين لتنظر إلى عينيه، لكنه لم يمهلها وهو يخفض وجهه اليها مطبقا عليها بقبلة لم ينالها حتى في احلامه...
شعرت سوار بالدوار يعود اليها مجددا من ذلك الطوفان الذي يلفها و المسمى بقبلة ليث...
حاولت الابتعاد عنه، الا أنه كان يشدد من ضمها اليه كلما قاومته، الى أن شعرت بعدم قدرتها على دفعه أكثر، و حاجتها الى تلك اللحظة من الضعف...

فأغمضت عينيها مرتبكة مما يحدث، بينما ليث كان يحيا بها عمرا طويلا ضاع منه، و سرعان ما عاد اليه...
مرت لحظات طويلة و ربما دقائق و هو يرتوي اثر هذا الظمأ المحرق، الى أن رفع وجهه عنها أخيرا...
حيث كان اللون الأحمر منتشرا على وجنتيه المتصلبتين و عينيه غير ثابتتين...
ثم همس أخيرا بصوت أجش لاهث
(ضعي عبائتك و غطي وجهك و استعدي، ستأتين معي الى بيتي).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة