قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل العشرون

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل العشرون

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل العشرون

كانت تقف أمام نفسها التي تتراجع للخلف ببطئ، وتبكى بحرقة، تخبرها أنها السبب في تحطيم فؤادها، وقتل آمالها وتدمير حياتها التي أصبحت بائسة دونه، وكانت هي تحاول التبرير...
لم أكن أعلم، أقسم لك، لو علمت...
لتصرخ نفسها مقاطعة،
وماذا لو علمتى؟ لم تكونى لتفعلى أي شيئ، فأنتى أنانية وأنا لم أعد أتحمل أنانيتك وأفعالك...

ثم باغتتها لتقفز من الشرفة، كانت قريبة منها فإستطاعت إمساك يدها بقوة، بينما نفسها تحاول الإفلات تخبرها بفوات الأوان، لم تتخلى عنها بل تمسكت بيديها بكل مالديها من إصرار، رفضت فكرة الرحيل وتمسكت بها بكل مالديها من قوة...

رغم هذا الألم الذي ربض بأسفل بطنها نتيجة لضغطها القوي ببطنها على سور شرفتها، زاد الألم حتى بات لا يحتمل، ومع إزدياده كانت نفسها تفلت من يدها، حتى كانت الصرخة ثم الصدمة وهي ترى نفسها قابعة على الأرض ينبثق من جسدها الدماء، لتتراجع برعب وتسقط على ركبتيها ترى الدماء تخرج من جسدها بدورها تحيطها كبركة، ثم اسودت الدنيا في عينيها وسقطت مغشيا عليها...

استيقظت تتصبب عرقا، وتشعر بالرعب يسرى في أوصالها، تحسست بطنها في رعب ثم ضمت ركبتيها إلى صدرها بقوة تخشى هذا الكابوس المريع...
سمعت طرقات على الباب ثم دلفت هاجر إلى الحجرة وما إن رأتها على تلك الحالة، حتى أسرعت إليها قائلة في قلق:
-سمر، مالك ياحبيبتى؟
طفرت الدموع بعينيها تتساقط على وجنتيها كنهرين متدفقين وهي تمسك بيدي هاجر بين يديها قائلة:.

-كابوس بشع ياهاجر، انا كنت قصاد نفسى والله كنت قصادها وفجأة رمت نفسها من البلكونة، حاولت ألحقها بس مقدرتش، وقعت من البلكونة وماتت وأنا غرقت في الدم، ألم ميتوصفش.
لتترك احدى يديها مشيرة إلى قلبها قائلة بمرارة:
-حاساه هنا وكأنه لسة حي، حاسة بوجع ومرارة ملهاش حدود، وكأنه حقيقة مش كابوس، أنا تعبانة أوى ياهاجر، تعبانة أوى.
نظرت هاجر إلى عينيها قائلة بثبات:
-قومى إغسلى وشك وتعالى نروح لهادى.
قالت سمر بصدمة:.

-هنسافرله مصر عشان كابوس؟ما كفاية أتصل بيه.
قالت هاجر:
-هادى هنا في اسكندرية، جه امبارح، على أي حال كنت هروحله النهاردة فقومى تعالى معايا، أكيد هتلاقى في كلامك معاه اللى هيريحك.
أومأت سمر برأسها بوهن قائلة:
-جه في وقته، يلا بينا.
قالت هاجر:
-استنى هتصل بمجد عشان ييجي معانا.
عقدت سمر حاجبيها قائلة:
-مجد!طب ليه؟
قالت هاجر بإرتباك:.

-أصل يعنى حسن منبه علية مخرجش غير معاه، عشان يعنى اللى حصل قبل كدة وبما ان حسن النهاردة وراه عملي في المستشفى ونزل من بدرى، فهكلم مجد ييجى معانا ومعتقدش يعني هيمانع.
تأملتها سمر بحيرة تشعر بتوترها، تتساءل عن السبب، ولكنها كانت في حالة من التشوش جعلتها تومئ برأسها موافقة، فلا طاقة لها بالتفكير، الآن.

قالت نور باستنكار:
-يعنى إيه مش هاخد عمولة، اشمعنى المرة دى يعني؟ايه اللى اتغير؟
قال حسام بهدوء:
-اللى اتغير انك بقيتى مراتي، يعنى مينفعش تاخدى عمولة على فلوسي، اللى هي فلوسك برده ولا إيه؟احنا مش بقينا في مركب واحدة؟
قالت بحنق:
-أيوة بس...
قاطعها قائلا:
-من غير بس، الموضوع ده انتهى خلاص، من فضلك بقى روحى على شغلك عشان أركز في الورق اللى أدامى ده.

قرن قوله بالعودة لتلك الأوراق التي كان يراجعها قبل دخولها، لتنظر إليه نور بحنق لصرفه اياها على هذا النحو وإلغاء عمولتها أيضا، لتخطو خارج الغرفة بخطوات حانقة تقول في غيظ بنبرات حادة:
-ماشى ياحسام، لما أشوف آخرتها معاك إيه؟

كان مجد يجول أمام الحجرة جيئة وذهابا، يتساءل عن حالة سمر بالداخل، لقد رأى خوفها في عينيها، ورعشة يديها، هي تخشى تلك الذكرى التي رأتها، نعم، تخشاها بكل كيانها، وبينما هي بالداخل مع الطبيب هادى تصارع ذكرياتها المريرة، يقف هو بالخارج عاجزا عن تقديم يد العون لها وكم يقتله ذلك...

اقترب من باب الحجرة يستند عليه بكلتا يديه وجبهته مغمضا عيناه بقوة، يتمنى فقط لو كان معها الآن، يمسك بيدها داعما لها، يخبرها أنه حدها ولن يتركها أبدا، ولكن تظل أمنياته حتى الآن، مستحيلة.

قال هادى بصوت رخيم:
-وتفتكري تفسير حلمك ده إيه يامدام سمر؟
قالت سمر في حيرة:
-مش عارفة يادكتور، كان ممكن أقول إنها ذكرى حية من الماضى بتاعى لولا ان اللى كنت بحاول أنقذها شبهي، نسخة منى، أنا فضلت أفكر وملقتش للكابوس ده غير معنى واحد، انه ناتج عن عقلى الباطن وانى شايفة نفسى بتروح منى، وبحاول أنقذها بس في الآخر مقدرتش، أو عارفة انى مش هقدر.
نظر هادى إلى عمق عينيها قائلا:.

-انتى مقتنعة فعلا بالكلام اللى انتى بتقوليه ده؟
كادت أن تجيب بنعم ولكن نظرة واحدة إلى عينيه وأدركت أنها لن تستطيع أن تكذب عليه فمن الواضح أنه سبر أغوارها لتهز رأسها نفيا قائلة:
-لأ.
تراجع في مقعده قائلا:
-ليه؟
قالت بحيرة:.

-من جوايا حاسة بإن اللى شفته ده حصل فعلا، إزاي معرفش، بس جوايا حاسة بنفس الألم اللى حسيته في الكابوس، نفس الخوف والصدمة، نفس الرعب، وخصوصا لما شفت نفسي وهي جثة في الشارع وبعديها لما شفت الدم اللى نزل منى.
كان هادى يصغى إليها بإهتمام حين قالت مستطردة:
-أقولك حاجة كمان أنا حاسة بيها؟
أومأ برأسه لتقول:.

-أنا كنت حامل والبيبي نزل، في اللحظة دى بالذات حسيته نزل، متستغربش، فيه ذكرى جتنى من يومين، بس أنا مصدقتهاش لإنى لما فقت في المستشفى، تقاريرى مكنش فيها انى دخلت العمليات غير مرة واحدة بس لما عملت الزايدة، وانى مسبقش لية الإنجاب، بس في الذكرى دى أنا كان جوايا طفل، وكنت فرحانة بيه، وبكلمه، بس خبيت على جوزى لإنى كنت خايفة مينبسطش بالخبر ده، ومكنتش عارفة هقوله إزاي، أكيد الذكرى دى كانت حقيقية، قلبى حاسس، إزاي؟مش عارفة، وازاي كمان شفت نفسي بتموت وأنا أهو أدامك، حية وبتنفس، أنا هتجنن يادكتور.

قال هادى:
-وليه متقوليش ان دى مكنتش نفسك؟
عقدت حاجبيها قائلة:
-قصدك إيه يادكتور؟
قال هادى بهدوء:
-أختك التوأم مثلا.
إتسعت عينيها بدهشة، قبل أن يتردد صوتها في رأسها يردد بتوسل
أوعى ياسحر، أبوس إيدك متعمليهاش، عشان خاطرى أنا، أختك حبيبتك اللى متقدرش تعيش من غيرك.

أمسكت رأسها وقد أصابها وجع شديد بها، تفور الدماء في عروقها، تعالى صوت توسلاتها داخل رأسها، الوجع يزداد والألم أصبح لا يطاق، يرتعش جسدها بقوة، لا تستطيع أن تجيب على نداء طبيبها القلق، قبل أن ترفع وجهها إلى السماء، صارخة:
-سحرررررررررر.

كان مجد جالسا بالخارج، متكئا على فخذيه بكوعيه، مغمضا عينيه، يمسك هذا الجسر مابين حاجبيه بإصبعيه السبابة والإبهام، حين وصلته صرختها المدوية، انتفض واقفا يهرع إلى الحجرة يدلف إليها دون إستئذان، فوجدها مغشيا عليها يحاول هادى إفاقتها دون جدوى، كان إلى جوارها في ثوان يمسك بيدها الأخرى يقول لهادى بإضطراب قلق:
-سمر مالها ياهادى؟طمنى أبوس إيديك.
قال هادى وهو مازال يحاول إفاقتها:.

-سمر إفتكرت حادثة أختها يامجد، وللأسف عقلها من تانى مقدرش يتقبل الصدمة.
لتتسع عيون مجد برعب.

قالت هاجر بإبتسامة:
-خلاص ياسيدى متزعلش، ما هو انت النهاردة اللى كنت مشغول ووراك عملي برة الكلية، عموما المرة الجاية هقولك تيجى معانا عشان تتعرف بهادى، أو أقولك فكرة أحسن، هخلى هادى يعزمنا كلنا على العشا وأهو بالمرة يتعرف على باقى العيلة، ده ما هيصدق.
إستمعت إليه لتتسع إبتسامتها قائلة:
-لا ياخفيف، عشان سمر أختك طبعا، أنا مش قلتلك انه بيحبها وعايز يتجوزها، ومن فترة طلبها من أخوك.

صمتت ثم قالت باستنكار:
-ياسلام، هو المفروض عشان الواحد يخطب واحدة يطلبها من رجالة عيلتها واحد واحد؟
صمتت ثم قالت بخجل:
-لأ، أنا مليش غير أخ واحد وبعدين اللى هيخطبنى لازم ياخد رأيي أنا الأول.
إتسعت عيناها بإستنكار قائلة:
-بقى أنا بايرة، طب اقفل دلوقتى ياحسن، انا غلطانة اللى سبت مجد يستنى سمر برة الأوضة لوحده وخرجت عشان أكلمك وأطمنك علينا.
ثم أغلقت الهاتف وهي تزفر بحنق قائلة:
-مغرور ولسانه طويل.

ثم تنهدت قائلة:
-صحيح مغرور بس حبتيه ياهاجر، وبتدعى ليل ونهار يبقى من نصيبك.

كانت تجلس على مكتبها تطالع شاشة اللاب أمامها بتركيز، تترجم بعض الرسائل عليه، نعم، هو يومها الأول بالعمل ولكنها تريد أن تثبت كفائتها وأنها تستحق تلك الوظيفة التي منحها إياها يوسف، تستحق فرصتها الثانية في الحياة،
إبتسمت تطالع رسالتها الأولى والتي ترجمتها بحرفية، لتضعها في ملف خاص بالشركة التي أرسلتها، ثم بدأت بترجمة رسالتها الثانية، عندما طرق بابها فأذنت للطارق بالدخول، أطل يوسف برأسه قائلا:.

-ها، إيه الأخبار؟
قالت بثقة:
-كل شيئ تمام يامستر يوسف، متقلقش.
إقترب منها قائلا بإبتسامة:
-مش قلقان خالص على فكرة، أنا واثق فيكى ياسماح.
إبتسمت بهدوء، ليقترب ويجلس أمامها قائلا:
-إزيك دلوقت؟
أدركت أنه يسألها عن حالتها النفسية بعد تلك المأساة التي غيرت حياتها، لتتعجب من نفسها فبداخلها لا أثر للحزن أو الرثاء على حالها، فقط الفراغ، الخواء الكامل هو ماتشعر به، لتتنهد قائلة:.

-أنا كويسة، أكيد محتاجة وقت عشان ألملم فيه نفسى وأقدر أتخطى أزمتى، بس الأكيد انى واثقة في إنى هقدر، طول ما انتوا حوالية، بجد وجودكم جنبى فرق كتير، فرق كتير أوى.
ابتسم بارتياح قائلا:
-الحمد لله، هي دى سماح اللى أعرفها.
تراجعت تستند الى ظهر مقعدها قائلة بإبتسامة:
-قصدك اللى خنقاك ماجى ليل ونهار بالكلام عنها.
إبتسم وهو ينهض قائلا:
-انتى الأخت اللى معرفتش غيرها ياسماح، ربنا يخليكى ليها.

قالت سماح بابتسامة واسعة:
-ويخليها لينا.
إتسعت إبتسامته قائلا:
-يارب، أنا همشى دلوقت ولو احتجتينى رنى علية.
أومأت برأسها مبتسمة، ليغادر بهدوء تتبعه عيونها قبل أن تقول:
-صحيح، الوفاء والإخلاص في الزمن ده بقى عملة نادرة، بس الحمد لله ربنا كرمنى بعيلة زي دى، محاوطانى بالحب والاهتمام والاخلاص اللى عوضنى عن كل حاجة وحشة حصلتلى في حياتى،
لترفع رأسها إلى السماء قائلة بتضرع:.

-يارب إحفظلى عيلتي وإبعد عني كل خاين ملوش أمان، يااارب.

مرت الأيام بطيئة على أبطالنا يحاول كل منهم أن يرى في فرصته الجديدة، حياة، ماعدا هذا الذي كان يجلس على كرسي إلى جوار سريرها، هذا الذي توقفت حياته تماما بغيابها، كان يمسك بيدها بين يديه، يتأمل ملامحها الساكنة بدموع ربضت بعمق عينيه، يقول في مرارة:.

-أسبوع بحاله وانتى رافضة ترجعيلي، ترجعى للى حبك من كل قلبه ومستعد يفضل طول العمر مستنيكي، أسبوع بحاله ياحبيبتى وانتى هربانة في غيبوبتك من واقع رفضاه، واقع مكنش ليكى أي ذنب فيه، في الأول والآخر كنتى انتى الضحية.
رفع يدها إلى شفتيه يقبلها ثم قال بعشق:.

-عشان خاطرى إرجعيلى، قلبى مبقاش حمل فراقك، قلبى واجعنى أوى، أوى ياحبيبتى، انتى عارفة، أنا عمرى ما كنت أتخيل إنى هحب حد بالشكل ده، أنا بحبك بجنون ومستعد أموت لو بموتى هتفوقى وتبقى كويسة.
تنهد بحزن عندما رأى دمعة تسقط على وجنتها من خلال أهدابها المغلقة، ليشاركها بدمعة سقطت على وجنته بدورها قائلا:.

-حتى وانتى في غيبوبتك بتنزل دموعك بسببي، الظاهر ان وجودى في حياتك بيتعسك وبس، بيإذيكى وبس، وأنا مبقتش قادر أتحمل أشوفك بالشكل ده، مبقتش قادر أتحمل فكرة إنى السبب في ألمك، لدرجة انى بفكر أعمل حاجة مكنتش أتخيل انى في يوم هعملها، الظاهر إنى لازم أبعد عنك عشان تقدرى تكونى سعيدة، مش يمكن لو بعدت تفوقى وتبقى كويسة.

ليلمس وجنتها بحب امتزج بالحزن، ثم مال مقبلا إياها بعشق، مغمضا عينيه يستنشق رائحتها العبقة، رائحة الياسمين خاصتها، ربما لآخر مرة، قبل أن يبتعد عن وجهها ناظرا إليها بألم يدرك أنه ربما يكون فراق للأبد، نهض ينظر إلى أيديهما المتشابكة ليضم قبضته على كفها الرقيق ثم يطلق سراحها، قائلا بمرارة:.

-عشانك بعدت وعشانى رجعتلك، بس من تانى أنا مجبر على البعد، يمكن ببعدى ترجعيلنا من تانى، يمكن أنا الحاجز اللى واقف بينك وبين رجوعك لدنيتنا، يمكن لما أبعد بجد تعيشى، مش مهم أنا ومش مهم مشاعرى، كل اللى يهمني انتى، انتى وبس، هتوحشيني بحجم السما والأرض، هتوحشينى أد كل دقة في قلبى رافضة إنها تبعد عنك، هتوحشينى أد كل كلمة حب كان نفسى أقولهالك وفضلت جوايا، أشوفك بخير يابنت قلبى.

إستدار بدموع تساقطت على وجنتيه كشلال متدفق، ليوقفه يد تمسكت بيده، إلتفت بسرعة ناظرا إليها، ليجدها مستيقظة تنظر إليه بوهن تهمس بإسمه بنبرات ضعيفة، ليهرع حدها يتمسك بيدها بقوة يقول بسعادة:
-انتى فقتى، صح؟ أنا مبحلمش، مش كدة؟
هزت رأسها وتطلعت إليه بعيون غشيتها الدموع قائلة بمشاعر ظهرت واضحة بتلك العينان رغم الدموع الرابضة بهم:
-وحشتنى يامجد، وحشتنى أوى.
عقد مجد حاجبيه قائلا بحيرة:
-سمر...

قاطعته وهي تهز رأسها نافية قائلة:
-زوزا، أنا زوزا يامجد.
لتتسع عيون مجد، بقوة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة