قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل السادس والعشرون

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل السادس والعشرون

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل السادس والعشرون

فتحت لها الخادمة فألقت عليها التحية بهدوء ثم دلفت إلى الداخل، تبحث بعينيها عن زوجها ووالدته فلم تجدهما بالردهة لتقول الخادمة:
-الهانم الكبيرة والبيه في أوضة المكتب.
ابتسمت ماجى وهي تومئ برأسها، إستأذنت الخادمة للعودة إلى أعمالها بالمطبخ، فاقتربت ماجى من المكتب وكادت أن تدلف إليه فتوقفت يدها على مقبض الباب وهي تسمع السيدة سمية تقول بغضب:.

-هي كلمة واحدة يايوسف، ياتتجوز بنت خالتك يااما قلبى وربى غضبانين عليك، ومش عايزة أشوفك تانى.
عقدت ماجى حاجبيها بينما يوسف يقول:
-ياماما قلتلك ميت مرة قبل كدة أنا بحب ماجى ومستحيل هتجوز عليها، أنا مش ممكن أأذيها بالشكل ده.
قالت والدته:
-قول كدة يايوسف، قول إنها أهم عندك منى، مش ممكن تإذيها، لكن تإذينى أنا شيئ عادى، مش كدة؟
قال يوسف بسرعة:.

-لأ طبعا ياماما، انتى وماجى عندى أهم اتنين بالدنيا ومستحيل أفكر أأذى حد فيكم.
قالت والدته بحنق:
-وانت كدة مش آذينى، ياابنى افهم بقى، نفسى أشوفلك ولد من صلبك يحمل اسمك واسم باباك من بعدك، ومراتك شكلها خلاص مش هتجيبلك ولاد تانى.
أغمضت ماجى عينيها بألم بينما يوسف يقول:
-حتى لو ده حصل، كفاية علينا ياسمين، أنا راضى.
قالت سمية بغضب:
-بس أنا مش راضية، أنا عايزة حفيد، فاهم ولا لأ؟
قال يوسف:
-ياماما...

قاطعته قائلة بغضب:
-بلا ماما بلا نيلة، ماهو ياتتجوز بنت خالتك وتجيبلى الحفيد ياإما قسما بالله...
توقفت عن الكلام وهي تمسك بقلبها ويظهر على وجهها الألم ليسرع يوسف إليها قائلا بقلق:
-ماما، مالك، انتى كويسة؟
قالت والدته بضعف:
-عندك هيموتنى يايوسف، انت عارف ان قلبى تعبان والدكتور مصطفى مانعنى من الانفعال، وانت أهو معصبنى، ريحنى ياابنى، ريحنى وقول انك هتتجوزها.
قال بقلب يتمزق ألما:
-ياماما...

قاطعته بصوت متهدج:
-ريحنى ياابنى، أنا بموت أدامك.
قال بقلة حيلة:
-خلاص ياماما، هتجوزها، هتجوزها لو ده يريحك.
فتحت ماجى الباب في تلك اللحظة تطالعهما بصمت، نظر إليها يوسف بصدمة بينما إختفى الألم من على وجه والدته وهي تطالعها بإبتسامة إنتصار خفية، ليصيب ماجى الحنق، بينما يوسف يقول:
-ماجى!
نظرت إليه ماجى بخيبة أمل قائلة:
-هتتجوز يايوسف؟
قال بإضطراب:
-أنا، أنا...
إبتسمت بمرارة قائلة:.

-انت إيه ها؟صدقت التمثيلية اللى والدتك عاملاها وبسرعة وافقت.
تحولت ملامح يوسف إل الغضب وهو يقول:
-تمثيلية ايه بس ياماجى، انتى مش شايفة حالتها؟
قالت السيدة سمية في وهن مصطنع:
-سيبها يايوسف، سيبها تظلمنى، أنا من الأول قلتلك انها مبتحبنيش.
قالت ماجى بمرارة:
-انتى اللى عمرك ماحبتينى ولا حبيتى حتى بنتى، بس متصورتش أبدا إنك توصلى للدرجة دى وتستغلى حب ابنك ليكى بالتمثيلية الحقيرة دى...
قاطعها يوسف هادرا:.

-ماجى، خدى بالك من كلامك، ياإما...
ترك جملته معلقة، فنظرت إليه ماجى بعيون غشيتها الدموع لتقول بألم:
-ياإما إيه يايوسف، هتريح مامتك أكتر وتطلقنى، عموما مش هتفرق، اللى ممكن يجرحنى ويتجوز علية عشان يرضى مامته ممكن يعمل أكتر، وأنا مش هرضى افضل على ذمتك وأهين كرامتى معاك أكتر من كدة.
عقد يوسف حاجبيه قائلا في توجس:
-قصدك إيه ياماجى بالكلام ده؟
قالت ماجى بحزم تخللته المرارة:.

-قصدى واضح يايوسف، أنا مش هرجع على البيت، هروح عند سماح وياريت ورقة طلاقى توصلنى هناك.
ثم استدارت تركض مغادرة بعيون غشيتها الدموع لينظر يوسف بإثرها في صدمة قبل أن ينظر إلى والدته التي تصنعت الحزن...
لم يتوانى للحظة وهو يشعر بحياته تضيع بغيابها، أسرع خلفها ليراها تعبر الطريق بسرعة دون أن ترى تلك السيارة المتجهة نحوها ليصرخ بإسمها، في لوعة.

دلف يوسف مترددا إلى حجرتها التي إتخذتها سكنا لها وحدها بعد أن عادت من المشفى حيث قرر الطبيب أن إصابة رأسها بسيطة ولا داع لبقائها تحت الفحص أكثر من ذلك، لم تنطق بكلمة طوال الطريق رغم محاولاته التبرير لها، فقط ترمقه ببرود، بصمت، بعيون غاب عنهم الدفء، الحنان، والحب.
اقترب منها حيث كانت ممددة على سريرها تطالع كتابا، جلس بجوارها هامسا بإسمها:
-ماجى.
تركت كتابها تطالعه ببرود، فاستطرد قائلا:.

-انتى هتفضلى مخاصمانى كدة كتير؟أنا مش قلتلك ان الكلام اللى قلته لماما كان غصب عني وانى...
قاطعته قائلة:
-لحد امتى يايوسف؟
نظر إليها مستفسرا بحيرة لتستطرد بألم:
-لحد امتى هتفضل تيجى علية عشان خاطرها؟لحد امتى هتكون ضعيف أدامها لدرجة إنك تبقى في ايديها زي اللعبة تحركك زي ماهي عايزة.
قال بألم:
-أنا مش لعبة وانتى...
قاطعته بحدة مريرة قائلة:.

-أنا إيه ها؟مشاعرى فين؟حمايتك لمواطن ضعفى فين؟أنا مبقولكش كون عاق لوالدتك، بس بقولك حافظ علية وعلى مشاعرى، حاول تخرج برة دايرتها، متخليهاش تستغل حبك ليها بشكل هيدمر حياتنا.
نهض يوسف يمرر يده في رأسه قائلا:
-حاولت، صدقينى حاولت، بس هي مريضة زي ماشفتى...
قاطعته قائلة:.

-مامتك صحتها أحسن منى ومنك، بس هي عارفة إزاي تستغل طيبتك وحبك ليها، عموما يايوسف، أنا مش هقبل إنى أكون في النص بينكم، انا إنسانة وليها كرامة حساها بتتهان، وعشان كدة ياابن الناس جه الوقت اللى تختار فيه بين انك تكمل معايا ومتسمحش لوالدتك تخرب حياتنا، أو تطلقنى وتروح تتجوز بنت خالتك وترضى والدتك المريضة زي مافهمتك.
إتسعت عيون يوسف في صدمة قائلا:.

-وقدرتى تنطقيها بالسهولة دى تانى؟أطلقك ياماجى، ده اللى انتى بجد عايزاه؟
نظرت إلى عينيه مباشرة وهي تقول بألم نطقت به ملامحها:.

-اللى خلاك بسهولة تقول لمامتك موافق ياماما، هيخلينى بسهولة أنطقها، ومع ذلك بص لملامحى، ده شكل واحدة مبسوطة؟حس بقلبى اللى بيتقطع دلوقتى وأنا بقولها، ده أنا اتخلقت من ضلعك انت يايوسف ويشهد ربى إنى بحس بإنى جزء منك، بس الضلع ده إنكسر وإنكسر معاه قلبى، أصعب حاجة على الست يايوسف إنها تحس إنها ولا حاجة بالنسبة لجوزها، إنها تتخان، الخيانة مش بس خيانة جسد أو فكر، الخيانة بتكون خيانة وعد كمان، وانت خنت الوعد يايوسف، ومتحاولش تفهمنى انك كنت بترضيها بالكلام وبس، انت عارف من جواك انك كنت هترضيها فعلا وهتتجوز لو ده هيريحها، وأنا اللى زيي مبتقدرش تتحمل الخيانة، الموت بيكون أسهل بالنسبة لها، طلقنى يايوسف، طلقنى.

تأمل عيونها التي تصرخ بالألم، تحتبس الدموع بمقلتيها، يدرك أنهما وصلا إلى طريق مسدود ان كانت تلك مشاعرها، وأن الكلام بالوقت الحالى لا داع له، ليطرق برأسه ويخرج بخطوات منكسرة، وما ان غادر حتى سقطت دموعها على وجنتيها كشلال متدفق يصاحبه شهقات متقطعة فوضعت يدها على قلبها علها تخفف الألم قليلا، دون جدوى.

بينما توقف يوسف بالخارج يستند إلى الحائط برأسه، يغمض عيونه بألم وهو يستمع إلى بكاءها، قبل أن يغادر بخطوات مسرعة يدرك أنه لن يحتمل، المزيد.

كان رائف يلاعب مراد (بلاي ستايشن)ليقفز مراد مهللا وهو يقول:
-جووووووول.
إبتسم رائف وهو ينهض يخرب تسريحة مراد قائلا:
-مبارك يابطل.
قال مراد بإبتسامة واسعة:
-الله يبارك فيك ياآنكل.
قالت بيرى بإبتسامة:
-دى أول مرة أشوف حد بيهزم بابى في اللعبة دى، برافو يامراد.
لم يعلق مراد، بل اكتفى بإبتسامة خجولة، ليقول رائف:
-إيه رأيكم بقى نخرج نقعد في الجنينة شوية؟
قالت بيرى بإبتسامة واسعة:.

-ياريت، هروح بس أكلم جيسى أطمن عليها وهحصلكم علطول.
أومأ رائف برأسه بينما أسرعت بيرى بالخروج ليقول رائف وهو يمشى بجوار مراد:
-مامتك عند طنط ماجى دلوقتى، مش كدة؟
اومأ مراد برأسه قائلا:
-حالة طنط ماجى النفسية وحشة أوى وماما عندها علطول، وكمان جيسى مش مبسوطة، انا قلتلها تيجى معايا بس هي مرضتش تسيب مامتها.
قال رائف:
-جيسى متعلقة بمامتها اوى، زيك، مش كدة؟
أومأ مراد برأسه قائلا بتقرير:.

-ماما وطنط ماجى أمهات تستاهل تتحب.
ابتسم رائف ولم يعلق، وصلا إلى الحديقة، فجلسا على الأرجوحة، وما ان جلسا حتى اقترب منهما شاب متوسط الطول بشوش الوجه، يستأذن رائف بالرحيل لزيارة والده فأذن له بود، ثم استدار رائف لمراد قائلا:
-شايف الشاب ده يامراد، شايف أد ايه مؤدب ومحترم، ويبان مبسوط، بس مع الأسف رغم ابتسامته، الحزن باين جوة عنيه؟
أومأ مراد برأسه ليستطرد رائف قائلا:.

-عماد ده بالذات بحسه زي ابنى، مش طباخ شغال عندى وبس، حكايته هي اللى قربت بينا وخليتنى أشغله عندى أساسا، كانت والدته الست نجية الله يرحمها شغالة عندنا، وكانت بتقاسى كتير من جوزها اللى كان بيشغلها ويشرب بفلوسها، كان بيعاملها بقسوة واحد خلاص الشرب ضيع عقله، كنت كتير بلاقيها معيطة وخايفة على إبنها من قسوة جوزها عليه وضربه فيه، مكنش في ايدى حاجة أعملهالها غير إنى أسجنه بس هي رفضت، خافت على ابنها من سمعة أبوه اللى ممكن تدمره، حاولت أساعدها على أد ماقدرت، شغلت ابنها معاها عشان يكون جنبها وتحت عنيها، دارت الأيام وماتت ست نجية، فضلت أساعد عماد وأبعد عنه أذى والده على أد ماقدرت، لغاية ماوالده عمل حادثة واتشل، ورغم كدة عماد مرضاش يتخلى عن والده، مكنش قادر على الشغل ورعاية والده في نفس الوقت إلا إنه حاول بكل جهده، حاولت أساعده ماليا رفض، فدخلت والده مصحة تقدر ترعاه وفهمته ان المصحة بترعى بعض الحالات بدون مقابل كحالات إنسانية يعنى، ومن ساعتها وهو بيزوره يومين في الأسبوع بيقعد معاه ويراعيه وكأنه كان أب مثالى، مش أب مراعاش ربنا في عيلته، بالعكس وراهم ظلم كتير، ده حتى لماسافرت مرضاش عماد يسافر معايا وقعد هنا في البيت ياخد باله منه عشان خاطر ميبعدش عن والده، كنت بستغرب دايما بِرّة بباباه، رغم كل اللى شافه منه هو ومامته الله يرحمها وفي يوم سألته تعرف رد وقاللى إيه؟

كان مراد يستمع إليه مطرق الرأس فرفع رأسه يطالعه في تلك اللحظة حين استطرد رائف قائلا:
-قاللى ان ربنا جعل العقوق من الكبائر بعد الشرك بيه، وان الرسول صل الله عليه وسلم قال...
قال مراد:
-عليه الصلاة والسلام
قال رائف بإبتسامة:
- قال ان كل الاعمال يؤجل حسابها في الآخرة، إلا عقوق الوالدين جزاؤه عند ربنا بيكون في الدنيا والآخرة، وده أكيد من عِظم الذنب.

حكالى كمان حكاية أثرت فية، قاللى ان كان فيه ولد عاق جاله أبوه يطلب منه معروف فتطاول عليه الولد بالسب والضرب ومسك برجليه وهو متمدد على ضهره وقعد يزحف بيه الأرض لغاية ما وصل بيه لعتبة باب بيته عشان يرميه برة فلقى حد من جيرانه فسابه ودخل بيته.

وبعد الإهانة دى خرج الأب وهو بيبكي، وتمر الأيام ويكبر الابن ويكبر ولاده وراح لابن منهم يعاتبه في أمر من الأمور، وإذا بالابن يتطاول عليه بالسب والضرب ومسك برجليه وهو متمدد على ضهره وقعد يزحف بيه الأرض لغاية ما وصل بيه لعتبة باب بيته عشان يرميه برة، وكان هيكمل
بس هنا قال الأب لابنه:
كفى يا بني لقد وصلت بأبي إلى هذا الحد ولو زدت أنت عن هذا فمعناه أن غضب الله عليّ شديد.

وده معناه طبعا ان كما تدين تدان ولو عاملت والديك بعقوق هتتعامل بنفس الطريقة، حتى لو كان الأهل وحشين ففى النهاية بِرّهم واجب علينا وعقوقهم ذنب عقابه شديد عند ربنا.
أطرق مراد برأسه مجددا قائلا بحزن:
-حضرتك تقصد من الكلام ده ان تصرفى مع والدى كان غلط مش كدة؟
رفع رأسه يطالع رائف الذي ابتسم لفطنة هذا الطفل قائلا:.

-أنا مقصدش حاجة يامراد، أنا بحكيلك اللى عماد قالهولى وفي الآخر القرار ليك، بس لو سألتنى عن رأيي فهقولك انك من جواك عارف ان تصرفك مع والدك كان غلط، بس الاوان لسة مفاتش عشان تصحح غلطك، بِرّ والدك حتى لو غلطان، عامله بالمعاملة اللى تحب ولادك لما تكبر يعاملوك بيها،
هز مراد رأسه بهدوء موافقا وكاد أن يقول شيئا لولا صوت بيرى الذي قاطعه وهي تقول بمرح:
-أنا جبت لعبة الألغاز، مين هيلعب معايا؟

قال رائف بإبتسامة:
-إلعبى مع مراد يابيرى، على ماأقوم أعمل مكالمة وأرجعلكم تانى.
لينهض بينما إتجهت بيرى إلى الطاولة تضع لعبة الألغاز عليها قائلة بمرح:
-تفتكر هتغلبنى زي بابى؟
إرتسمت إبتسامة باهتة على ثغر مراد وهو يتجه نحوها بينما كلمات رائف تتردد في عقله، مرارا وتكرارا.

قالت سماح بحزم:
-لأ مش صح، تصرفك غلط وانتى من جواكى عندك شك وإلا مكنتيش طلبتى رأيي ياماجى.
رمقتها ماجى بصمت فإستطردت سماح قائلة بحنان:
-ياماجى ياحبيبتى، أنا عارفة إن طنط سمية صعبة حبتين.
نظرت إليها ماجى بسخرية فابتسمت سماح قائلة:.

-تلات حبات ياستى، بس انتى ست عاقلة وعارفة انها مهما عملت فهي أم بتفكر في مصلحة ابنها بغض النظر عن أي شيئ، أكيد تصرفها غلط، مش واخدة بالها انها بتضر ابنها أكتر ما بتنفعه بس انتى فرقتى عنها في إيه؟
طالعتها ماجى مستنكرة فقالت سماح:.

-انتوا الاتنين فكرتوا بأنانية، محدش فيكم فكر في يوسف، مامته بتشده من جهة وانتى كمان بتشديه من الناحية التانية، وهو في النص مش قادر يرضيكوا انتوا الاتنين، متنكريش انه بيحبك وحاول كتير يرضيكى، رفض فكرة والدته اللى بتحاول تقنعه بيها من زمان، بس هي زي ماقلتى حاولت تضغط عليه بمرضها، غصب عنه في اللحظة دى كان لازم يراضيها بالكلام اللى قاله ومعتقدش انه كان هينفذه أساسا، بس انتى عملتى ايه!ها، عملتى زيها بالظبط وضغطى عليه بزعلك وخصامك وطلبك الطلاق.

أطرقت ماجى بحزن، لتربت سماح على يدها قائلة:
-انتى مش شايفة حالته عاملة إزاي؟مش شايفة زعلك منه عامل فيه إيه؟مش صعبان عليكى ياماجى؟
نظرت إليها ماجى قائلة بصوت مختنق:
-أنا، أنا...
قالت سماح:.

-انتى بتحبيه وعارفة انه بيحبك بس كرامتك واقفة بينك وبينه، متخليهاش واقفة كتير ياماجى بينكم لإنها في الآخر هتخسرك يوسف، فكرى بعقلك وقلبك الكبير اللى عودتينا عليهم وهتلاقى ان مفيش حاجة في الدنيا تستاهل تفرق بينك وبين يوسف، احتويه وحاولى تحتوى مامته بصبرك عليها، وان مقدرتيش تحتويها يبقى تطنشيها ومتسمحيش ليها بإنها تنجح في تفريقكم عن بعض.
قالت ماجى بألم:.

-قلبى بيوجعنى ياسماح، بيوجعنى أوى، كلام والدته عني جرحنى حسسنى انى مش ست وانى مش هقدر اديله الوريث اللى نفسه فيه، زعلى مش منه أكتر ماهو زعل على نفسى، بفكر ان جايز عندها حق، وانه لازم يتجوز واحدة تانية عشان...
قاطعتها سماح قائلة في مرارة:
-مش هتقدرى تتحملى حتى الفكرة ياماجى، ان واحدة تشاركك في حبيبك دى أصعب حاجة في الدنيا واسألينى أنا.

رمقتها ماجى بشفقة تدرك أنها مرت بهذا الاحساس بالفعل، لتربت على يدها قائلة:
-أنا آسفة لو فكرتك بجرحك.
ابتسمت سماح ابتسامة باهتة وهي تقول:
-منستهوش أصلا عشان افتكره، انا وضعى مختلف عن وضعك ياماجى، انا جوزى خانى فعلا رغم انى مقصرتش معاه، وده خلانى حسيت انه مكنش شايفنى كفاية عليه، جوزى كسرنى، كسرنى كسر عمره ماينفع ينجبر، لكن يوسف، يوسف حاجة تانية، حتى لو كسر قلبك من غير قصد فصدقينى بحبه هيجبرك من تانى.

رمقتها ماجى بتردد فربتت سماح على يدها قائلة:
-بس افتحيله باب يدخل منه لقلبك تانى، خليه جواكى عشان يقدر يجبر كسرك ياماجى.
طالعتها ماجى للحظات قبل أن تبتسم بهدوء لتبادلها سماح ابتسامتها، براحة.

كان رائف يجلس مع يوسف بالردهة بينما يلعب الأطفال على مقربة منهم حين اقتربت منهم سماح، حيت رائف برأسها وابتسامة رقيقة تعتلى ثغرها فبادلها إياها، بينما تأهب يوسف قائلا بلهفة:
-أخبارها ايه دلوقتى ياسماح؟
اتسعت ابتسامة سماح وهي تدرك حبه ولهفته على زوجته قائلة:
-هتبقى كويسة، خليك بس جنبها وهتبقى كويسة يايوسف.

طالع رائف ملامحها باعجاب، هدوئها يخلب لبه وابتسامتها تطيح بخفقاته، حانت منها نظرة إليه فلاحظت نظراته إليها لتتنحنح في رقة وهي تشيح بنظراتها عنه قائلة:
-احمم، أنا مضطرة أمشى دلوقتى عشان إتأخرت،
قال رائف بسرعة:
-هوصلك.
نظرت إليه قائلة بارتباك:
-لأ، شكرا، مجد برة هيوصلنى، عن إذنكم.
تابعها وهي تغادر مع مراد الذي لوح له قبل أن يغادر، ظل ينظر في إثرها متجمدا كالتمثال وكأن طيفها لم يزل حاضرا، ولم يغب.

رمقه يوسف بدهشة للحظات قبل أن تلمع عيناه بإدراك ليبتسم بخبث قائلا:
-على فكرة، سماح مشيت يارائف.
التفت إليه رائف قائلا بارتباك:
-ها، آه، ماأنا عارف.
قال يوسف:
-ولما انت عارف، واقف لسة ليه، ماتقعد.
قال رائف وهو يجلس:
-قعدت أهو.
جلس يوسف بدوره قائلا باهتمام:
-قولى بقى ومتتهربش، ايه الحكاية؟
قال رائف باضطراب:
-حكاية ايه بس؟
قال يوسف بحنق:
-قلتلك متتهربش، الحكاية على وشك وملامحك واضحة زي الشمس، الصنارة غمزت، صح؟

أشار رائف بعينيه الى الفتاتين وهو يقول:
-بس، هتفضحنا.
ابتسم يوسف بخبث قائلا:
-وهي فيها فضيحة كمان، ده الموضوع كبير أوى بقى، قول ياكبير، احكى.
تنهد رائف قائلا:
-احكى ايه بس؟انا نفسى مش عارف مالى، أول مرة أعيش الاحساس ده، أول مرة أكون بالشكل ده، وده ملخبطنى.
قال يوسف:
-طب ماتحكيلى حاسس بإيه وأنا أريحك.
طالع رائف يوسف بتردد للحظات قبل أن يحكى له عن مشاعره، لتتسع عيون يوسف بدهشة.

كانت سماح تجلس في مقدمة السيارة إلى جوار مجد يتحدثان، تطمئن سماح أخاها على ماجى حين قاطع حديثهما صوت مراد المتردد وهو يقول:
-ماما أنا، أنا...
التفتت إليه سماح تطالعه بحب قائلة:
-انت ايه ياحبيبى؟
طالعها بعيون حزينة قبل أن يطرق برأسه قائلا:
-أنا موافق أشوف بابا.
ألقت بسرعة نظرة إلى مجد الذي طالعها بدوره ثم نظرت إلى طفلها مجددا قائلة:
-بجد يامراد؟

رفع إليها ناظريه يطالعها وهو يومئ برأسه ببطئ، ادركت من حزنه أنه يفعل ذلك مرغما، ابتسمت بحنان تمد يدها تربت بها على وجنته قائلة:
-ربنا يبارك فيك يامراد، هخلى خالك مجد يكلم والدك ويفرحه.

ابتسم ابتسامة باهتة يومئ برأسه مجددا ثم أشاح بناظريه عنها بإتجاه زجاج النافذة بجواره يطالع الخارج بصمت، بينما طالعت سماح مجد بنظرة تخبره بأنها إلى حد ما، سعيدة بذلك القرار، أومأ لها مجد برأسه ثم طالع الطريق امامه لايدرى في قرارة نفسه صواب القرار أو خطأه...

التفتت سماح بدورها تطالع الطريق في صمت، تشعر بالعرفان تجاه رائف، تعلم أنه لولاه ما اتخذ ولدها هذا القرار أبدا، يخالط شعورها بالجميل مشاعر اخرى لم ترغب في أن تتوقف عندها، مطلقا.

قال يوسف بحماس:
-متلخبط ازاي بس؟
أشار إليه رائف بخفض صوته مشيرا الى الفتيات، فأومأ يوسف برأسه متفهما وهو يخفض صوته مستطردا:
-على فكرة بقى انت مش معجب بيها.
طالعه رائف بحيرة ليستطرد يوسف قائلا:
-الاحاسيس اللى بتحكيلى عنها هي الأحاسيس اللى بحسها ناحية ماجى بالظبط، وده ياصديقى الحب اللى بيعدى مرحلة الاعجاب.
طالعه رائف للحظات قبل أن يهز رأسه نافيا وهو يقول بتوتر:.

-حب إيه بس انت اتجننت؟ده أنا بالعافية بعترف انه اعجاب، اعجاب بشخصية نادرة مقابلتهاش قبل كدة مش أكتر، توافق أرواح حتى، لكن حب، معتقدش، واعتقادى دلوقتى ان موضوعك مع ماجى مأثر على عقلك.
قال يوسف:.

-اسمعنى بس يارائف، انت بتقول انك بتحس بالراحة معاها، بتفرح لفرحها وتزعل لزعلها، بتقول انها مختلفة عن أي واحدة قابلتها وانك بتحسها زي بنتك أو حتة منك، بتقول ان يومك مبقاش يكمل من غيرها وانك بتستنى اللحظة اللى تشوفها فيها، لو مكنش ده حب يبقى ايه طيب؟
زفر رائف قائلا:.

-مش عارف وحاليا مبفكرش أدي لمشاعرى مسمى، سماح محتاجة دلوقتى صديق يقف جنبها، مش محتاجة حياتها تتعقد اكتر من كدة وانا ومشاعرى، أكيد هزود تعقيدها.

رمقه يوسف صامتا، يتمنى لو صح أمله وكان رائف يحب سماح حقا ليتحدى الجميع من أجلها، فربما عوضها حبه عن كل ماعانته سابقا، وتعوضه هي عن ماض بائس، فلو كان يتمنى زوجة لرائف ماتمنى غيرها، ولكن ربما رائف على حق وحياة سماح الآن معقدة بما يكفى، ربما ليس الوقت مناسبا فحسب...
أفاق من أفكاره على صوت رائف يدعو طفلته للرحيل، ليقول بسرعة:
-هتمشى؟
أومأ رائف برأسه قائلا:.

-أيوة، حاول تحل المشكلة اللى بينك وبين ماجى قبل ماتكبر، ونصيحة منى، متصدقش كل اللى عنيك بتشوفه، محدش فينا ملاك بريئ، كلنا بنغلط، دور على الحقيقة حتى لو هتوصل انك تشكك فيها لغاية ما تتأكد من انها هي وبس الحقيقة يايوسف.
ثم تركه في حيرته مغادرا مع طفلته ليجلس في مكانه يفكر في كلمات رائف التي تتردد في عقله، عن أي حقيقة يبحث وفيم يشكك، اقتربت منه ياسمين قائلة:
-هي تيتة مريضة يابابى؟

أمسك يوسف يدها يجلسها بجواره قائلا بحنان:
-أيوة ياحبيبتى، دكتور مصطفى قال...
صمت للحظات وعقله يردد:
ماذا قال الطبيب، هو لم يسمعه أبدا يقول أي شيئ، ربما تلك هي الحقيقة التي يطالبه رائف بالتشكيك فيها كما طالبته زوجته سابقا، ربما وجب عليه حقا أن يشكك في تلك الحقيقة، ولكنه يخشى أن تؤول تلك الحقيقة إلى كذبة، كذبة مقيتة، أو ربما هو يتمنى في قرارة أن تكون كذلك.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة