قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الرابع عشر

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الرابع عشر

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الرابع عشر

كان حسن يتنقل بين أروقة المكتبة يطالع بعض الكتب، حين تنحنحت هاجر قائلة:
-إحمم، أستاذ حسن.
إلتفت إليها قائلا بسخرية:
-وأخيرا، أنا كنت قربت أزهق، ده أنا قريت عناوين الكتب كلها خمس ست مرات.
رمقته بحنق قائلة:
-والله أنا مكنتش بلعب وبعدين ده بحث مهم ولازم أدقق في المراجع اللى هاخد منها المعلومات.

رمقها للحظات بهدوء، يلاحظ إحمرار وجنتيها من الغضب مما زادها جمالا، تلتمع عيونها بشرارات تنطلق إليه وتصيب قلبه، نعم قلبه، يدرك بها تتسلل إليه رغما عنه ولكنه سيقاوم تأثيرها عليه حتى الرمق الأخير، ليقول ببرود:
-طيب لو خلصتى يلا بينا عشان إتأخرت على ميعاد مهم.

شعرت هاجر بنغزة في قلبها، ينتابها شعور لم تفهمه، يجعلها حانقة غاضبة، وهي تتساءل، هل موعده ذاك مع فتاة يحبها أم صديق؟لتنفض أفكارها بسرعة ترفض مسارها، تتوق إلى الهرب الآن، فهي تبكى دوما عندما يعاملها بتلك الطريقة، وها هي تشعر بالدموع تتصاعد إلى مقلتيها، تبغى مخرجا، وهي بالتأكيد لن تبكى أمامه، أبدا.
إلتفتت تتمالك مشاعرها قائلة:
-يلا بينا، أنا خلصت.
لتتقدمه ثم تتوقف فجأة صارخة:
-كتب يوسف السباعى.

نظر حسن بإرتباك حوله، لهؤلاء الناس الذين نظروا بإستنكار لتلك الفتاة التي أزعجت جو الهدوء والسكينة من حولهم وأخرجتهم من جولاتهم في عوالم أخرى من المعرفة، ليضم حسن يديه معتذرا، بينما كانت هاجر في عالم آخر وهي تمسك تلك الكتب واحدا تلو الآخر تقرأ عناوينهم في صمت، (إنى راحلة، بين الأطلال، رد قلبى، )
تنهدت وهي تمر بعيونها على باقى الروايات لتزفر في إحباط قائلة:.

-للأسف أرض النفاق برده مش موجودة هنا، أكيد فيه حد مستعيرها، أنا عارفة حظى.
قال حسن بسخرية:
-مفيش حاجة إسمها حظ، فيه فرصة بتجيلك يابتاخديها يابتفوتك.
رمقته بحنق فهز كتفيه مستطردا وهو يقول:
-بس انا مقدرش ألومك على زعلك، الكتاب رائع جدا، وفيه عبر ومعانى عميقة، واكتر جملة حبيتها في الكتاب ده هي ان الإنسان غشاش ومخادع، كذاب ومنافق في كل أمة وفي كل جيل.
جاء دور هاجر لتسخر منه قائلة:.

-ليه مش مستغربة ان يكون الكلام ده اكتر حاجة عجبتك في الكتاب؟
لتتقدمه دون أن تنتظر رده ليبتسم رغما عنه، وهو يتابعها بعينيه ثم تبعها على الفور،
كانا في طريقهما إلى سيارته، حين استوقفه صديق له يسلم عليه بحفاوة، ليقول حسن بهدوء:
-اسبقينى على العربية.

سبقته بالفعل ولكن قبل أن تركب السيارة، وضعت يد على فمها منديلا يحمل رائحة نفاذة كادت ان تصرخ ولكنها أحست بدوار ثم سقطت مغشيا عليها ليلتقطها الرجل بسرعة ثم يسحبها إلى تلك السيارة التي معه...

كان حسن يتحدث إلى صديقه حين حانت منه إلتفاتة إلى سيارته، ليرى أحدهم يولج هاجر فاقدة الوعي إلى سيارة أخرى، إتسعت عيونه بصدمة وصرخ بالرجل وهو يهرع إليه على الفور، ليراه الرجل ويسرع بركوب السيارة بإضطراب، ثم ينطلق بها، كادت دقات قلب حسن أن تتوقف خوفا عليها، ليسرع بدوره، يركب سيارته ويقودها مطاردا تلك السيارة المجهولة بقلب، وجل.

كانت تقف في شرفة منزلها تتطلع إلى الشارع الفارغ من الناس في هذا التوقيت، تشعر بالوحشة، بشيئ ينقصها بشدة، في قلبها سكن الفراغ تماما، أغمضت عيناها وذكرى شبيهة تغزو أفكارها...

في مكان آخر وزمن آخر، حيث كانت تنتظره طويلا في الشرفة، تأمل أن تراه يطل في الشارع، لتشعر فقط بالأمان، بالحب في نظراته، أدركت الآن فقط أنها كانت تحبه وكان هو بدوره يحبها، ولكنه ربما فقط لم يكترث بمشاعرها، لم يدرك قلقها وخوفها عليه من الطريق وتأخره بالخارج، لم يتفهم شوقها إليه؟إلى صحبته ومرافقته،
فقط لو إكترث...

لربما حادثها وأخبرها أنه في العمل وسيتأخر قليلا فلا تقلق، أو لترك العمل في يوم وفضل صحبتها، ولكنه لم يرفق بها، تركها دائما فريسة القلق والوحدة...

فجأة طلت أمامها ذكرى أخرى لها وهي تتراجع إلى سور الشرفة حتى إستندت إلى حائطها تودع أحدهم بدموع غزيرة قبل أن تلقى بنفسها من الشرفة، إنتفضت سمر تفتح عيونها في قوة، يظهر الرعب على ملامحها، لقد حاولت الإنتحار وفشلت كما يبدو، ألقت بنفسها من إرتفاع شاهق دون تردد، لماذا؟لماااااذا؟

تساقطت دموعها بغزارة وهي تتراجع إلى داخل المنزل، تسرع إلى حجرتها وترتمى على السرير، تبكى في حرقة، تخرج إنفعالاتها قبل أن تتصل بالطبيب هادى، تخبره عما يحدث معها...

كان هادى يشاهد أشرطة التسجيل لآخر يومين قبل إنتشار تلك الرسائل، فلم تظهر الشرائط أي شيئ حتى الآن ولم تفيده سوى في أن بها مشهد لسمر وهي تخبره عن حالة لديها لن تستطيع تحمل نفقة العلاج الباهظة تدرك أنهم يدعمون تلك الحالات ان كانت حقا تستحتق الدعم، وتسأله أن يدعم حالة مريضها...

إبتسم بحنان وهو يمد يده إلى شاشة اللاب، يلمس ملامحها برقة، بعشق، بشوق، نعم، لقد إشتاق لها منذ الآن، يتساءل عنها وعن أحوالها، مازالت لا تجيبه، ومازال هو يتلظى بنار الفراق المرير، بعد أن ظن أنها تبادله بعض مشاعره، بعد ان ظن أنها لانت قليلا، عاد كل شيئ كالسابق بينهما، بل أسوأ.

فجأة تركزت عيناه على شخص يدلف إلى حجرته متسللا، يعبث بمحتويات الحجرة يبحث عن شيئ ما، عقد حاجبيه وهذا الشخص يصل إلى تلك الرسائل التي لم يستطع هادى أن يمزقها وفي نفس الوقت أخفاها بعيدا حين عشق سمر، نظر إلى هذا الشخص الذي أمسك الرسائل يصورها بعيون منتصرة حاقدة قبل أن يعيدها إلى مكانها ويغادر الحجرة في هدوء...
لينظر هادى إلى الأمام عاقدا حاجبيه قائلا بصرامة:.

-كان لازم أعرف ان اللى ورا الموضوع ده انتى يا تهانى.
رن هاتفه، فنظر الى شاشته بلهفة ثم ظهر الاحباط عليه وهو يرى رقم سمر، لينفض مشاعره جانبا وهو يجيبها بحرفية طبيب نفسي.

كان حسن يتبع سيارة المختطف بإصرار، دون أن يشعرهم بأنه يتبعهم، يخشى أن يتهربوا منه فلا يستطيع أن يصل لهم وينقذها من أيديهم،.

كاد أن يصطدم بتلك السيارة أمامه، ليتفاداها بصعوبة بالغة، ثم يتابع مطاردته، رآهم ينحرفون إلى شارع جانبي، فأسرع خلفهم، كان بعض المارة يعبرون الطريق فكاد أن يصطدم بهم ولكنه كبح فرامل السيارة في اللحظة الأخيرة، متجاهلا سباب ذلك الرجل وعيونه تتطلع إلى حيث توقفت السيارة الأخرى، ليسرع مرة أخرى بسيارته بعد أن عبر المارة إلى حيث توقفت السيارة،.

هبط بسرعة وما إن دلف إلى مدخل هذا المنزل حتى فوجئ بالمختطفين يغادرون، ليضم قبضته ويضرب فك الأول بقوة، بينما ركل الآخر في معدته فإنثنى بألم، ليمسك الأول من تلابيب عنقه، قائلا بقسوة:
-ودتوها فين ياولاد، ودتوها فين؟

لم يجيبه ليكيل له بعض اللكمات، بينما تمالك الرجل الآخر نفسه وحاول لكم حسن ولكنه تفاداه بمهارة، تاركا الرجل الاول يسقط أرضا فاقدا الوعي وموجها لكماته للرجل الثانى، ليتفادى اللكمة بدوره راكلا حسن ولكن حسن أمسك قدمه وأداره بها ليسقط الرجل أرضا على وجهه، فكسرت أنفه و تلطخ وجهه بالدماء، رفعه حسن لا يبالى بتأوهاته قائلا بغضب ظهر في كل أوردته التي تنتفض:
-إنطق، ودتوها فين وإلا قسما بالله لأقتلك، حااالا.

قال الرجل من بين أنفاسه المتهدجة:
-فوق، فوق في الدور التالت.
تركه حسن مهرولا للأعلى، بينما تمالك الرجل نفسه وهز الرجل الآخر قائلا:
-سعيد، قوم ياسعيد الله يخرب بيتك هنروح في داهية،
لم يحصل على إجابة منه فتركه، هاربا.

كان مرتضى يتأمل تلك النائمة بعيون تلمع بالرغبة، يتأمل ملامحها الجميلة بنظراته التي تلتهم تفاصيلها، يتناثر شعرها حول وجهها بنعومة ورقة، إقترب منها وجلس بجوارها، رفع يده يمررها على شعرها ممررا إياها على وجنتها مرورا بثغرها، يود لو إقتطفه على الفور، ولكن مهلا، أمامه من الوقت ليفعل كل مايشتهي، نزل بأصابعه على جيدها يتحسس نعومته، يسيل لعابه ويبتلع ريقه بصعوبة حتى وصل إلى بلوزتها ليسرع بفك أزرارها كاشفا عن جسدها الغض، لم يستطع الصبر أكثر إنحنى لينهل منها مايشاء ولكنه إنتفض على صوت الباب يكسر ثم إندفاع حسن إلى الحجرة كثور هائج، والذي ما إن رأى هذا المشهد حتى نهض مرتضى يرتجف قلبه خوفا من ملامح حسن التي صارت ثائرة كبركان أدرك أنه سينفجر فيه في التو واللحظة، كاد أن يهرب ولكن حسن إتجه إليه بسرعه، يوسعه ضربا بقوة، يكيل له الركلات واللكمات بغل، لم يستطع مرتضى أن يصدها من قوتها وعنفها، بل صرخ قائلا:.

-كفاية بقى حرام عليك.
هدر حسن قائلا:
-حرام علية أنا، ياشيخ حرام عليك انت، ده انت ابن راجل طيب مشفناش منه غير كل خير، مخفتش على أختك ضحى؟ أختك اللى كانت هتدوق من عمايلك؟ياأخى ده كما تدين تدان؟
ثم أشار لهاجر بعينيه قائلا بغضب:
-طيب مفكرتش في مستقبل المسكينة دى اللى كان هيضيع بسببك؟
قال مرتضى من بين أنفاسه المتهدجة:
-لا، ما انا كنت هتجوزها.

شعر حسن بالكره في قلبه يتضاعف وشعور حارق بالغيرة يكويه وهو يصرخ مستنكرا:
-تتجوزك انت؟وانا روحت فين؟هو انا مش مالى عينك يا.

لم يمنحه فرصة للرد وهو يكيل له اللكمات حتى أصبح وجهه ملطخا بالدماء ومتورما للغاية، بينما إستفاقت هاجر لتمسك رأسها التي تؤلمها بقوة، ولكنها مالبثت أن إتسعت عيونها بقوة وهي ترى حسن يكيل الضربات لمرتضى، لتشهق وهي ترى أيضا جسدها العارى أمامها، منحتهما ظهرها على الفور وهي تسرع بغلق بلوزتها بأيدى مرتجفة تستوعب ما يحدث، لا تدرى سوى أنها كادت أن تضيع، لتتساقط عبراتها بقوة، تمالكت نفسها وهي تسمع صراخ مرتضى المستنجد لتدرك أن حسن على وشك قتله ضربا، نهضت بسرعة وهرعت إلى حسن تمسك يده تمنعه من التمادى، إلتفت إليها وكاد أن يدفعها عنه بقسوة ولكن عيونها الدامعة المتوسلة ألانت قسوته رويدا رويدا وكلماتها المرتجفة هدأته قليلا وهي تقول:.

-كفاية ياحسن، سيبه ده ميستهلش تروح في داهية بسببه، خلينا نمشى من هنا، أنا بردانة ياحسن، بردانة وعايزة أروح.
رأى إرتعاشة جسدها الواضحة ليدرك أنها تعانى صدمة عصبية ولكنها تتمالك نفسها فقط من أجله، ليومئ لها برأسه قبل أن يترك جسد مرتضى ويسقط هذا الأخير منهك القوى، بينما أمسكها يدها لتتمسك بيده بقوة يغادران متجهان إلى المنزل، سويا.

كانت سمر قد إستعادت نفسها القوية، وقاومت ضعفها بعد أن تحدثت قليلا مع هادى، تدرك انها على وشك الكشف عن ماضيها كله، رفعت فنجال قهوتها إلى شفتيها وهي تنظر إلى ساعتها عاقدة حاجبيها، تدرك تأخر هاجر، ليرن جرس الباب فجأة، زفرت براحة ونهضت متجهة لكي تفتح باب المنزل وهي تقول بعتاب:
-إتأخرتى اوى ياهاجر وقلقتينى...

صمتت فجأة وعيونها تتسع بقوة وهي ترى وجه هاجر الشاحب كالموتى، وإرتعاشة جسدها الواضحة، لتنظر إلى حسن الذي تمسك هاجر بيده بقوة ترفض ترك يده ليدلف حسن معها قائلا:
-من فضلك يامدام سمر تجهزيلها حمام سخن وتديلها من الدوا ده، وتسيبيها تنام ومتحاوليش تتكلمى معاها في حاجة.
قالت سمر في حيرة امتزجت بالقلق:
-هي هاجر مالها ياحسن فيها إيه؟طمنى.
قال حسن:.

-من فضلك إطمنى، هي بس تعبانة دلوقت بس هتبقى كويسة، اعملى بس اللى قلتلك عليه وأنا هروح مشوار وهرجع أحكيلك على كل حاجة.
أومأت سمر برأسها وهي مازالت حائرة قلقة ولكن لديها شعور مؤكد بأن كل شيئ سيكون على مايرام، كما أخبرها حسن، إتجهت بسرعة إلى الحمام، ليحاول حسن ترك يد هاجر بعد أن أجلسها على الأريكة، لتنظر إليه بنظرات وجلة قائلة بصوت ضعيف:
-رايح فين؟
ربت على يدها قائلا بحنان:.

-هروح مشوار لازم أعمله عشان أنهى المهزلة دى وهرجعلك تانى، اطمنى.
تركت يده على مضض، ليميل عليها ناظرا مباشرة إلى عينيها قائلا بحزم:
-هاجر إنتى بنت قوية ومش ضعيفة، تقدرى تتحملى أي حاجة واللى فات مش حاجة، ده ابتلاء من ربنا ونجاكى منه، متبصيش لورا وبصى لقدام، بصى للنعمة اللى انتى فيها، ياما بنات اتعرضوا للى حصلك وضاعوا بس انتى ربنا كان رءووف رحيم بيكى ونجاكى، نجاكى عشان خاطر أخوكى وسمر وعشان...

قطع كلماته وقد كاد أن ينطقها بكل قوة(لقد أنجاكى الله من أجلى، فلو أصابك مكروه لما سامحت نفسى قط)، يعترف الآن بكل وضوح أنه قد وقع أسيرا لها، وأن كل محاولاته لتجنب الوقوع في حبها باءت بالفشل، صمت للحظة قبل أن يستطرد:
-عشان انتى بنت بستين راجل، وأنا واثق انك هتتخطى المحنة دى وهتكونى أقوى كمان، مش كدة؟
اومأت برأسها بعيون تغشاها الدموع، إقتربت منهم سمر في تلك اللحظة ليعتدل موجها حديثه اليها، قائلا:.

-خدى بالك منها، انا مش هتأخر.
أومأت سمر برأسها، ليبتعد حسن مغادرا تتابعه عينا هاجر ليلتفت وينظر إليها يومئ برأسه مشجعا بإبتسامة، لتومئ له برأسها بدورها وهي تمسح دموعها بكفيها كالأطفال، قبل أن يغادر وتلك النظرة الحانية تختفى لتظهر فيهما برودة في قسوة الجليد.

قال حسن بقسوة:
-إبنك فين ياحاج سالم؟
قال سالم بحيرة:
-ابنى في بورسعيد ياحسن ياابنى بيجيب بضاعة وهييجى بكرة.
قال حسن بسخرية:
-ده الكلام اللى ضحك عليك بيه.
قال سالم بإستنكار:
-ضحك علية بيه؟عيب ياابنى الكلام اللى إنت بتقوله ده.
قال حسن بقسوة:.

-بس ده اللى حصل ياحاج، ابنك مسافرش ولا حاجة، ابنك سلط شوية عيال، عشان يخطفوا هاجر ويجيبوهاله في شقة في الأزاريطة، كانت في الدور التالت، ولما لحقته هناك قبل ما يعمل عملته، ضربته علقة موت وسيبته عشان أرجع الغلبانة المصدومة للبيت وآجى هنا عشان أخده وأسلمه بإيدى للنيابة.
كان سالم يستمع إلى حسن بصدمة، ليهتز العكاز في يديه ويكاد أن يسقط أرضا، أسرع حسن بإسناده ومساعدته للجلوس، بينما قال الشيخ سالم بصدمة:.

-مرتضى، ابنى أنا بيخطف بنات ويعتدى على شرفهم، أمال لو مكنش صعيده ودمه حامى، أمال لو مكنش أبوه عارف ربنا وبيخاف منه، وأمه الله يرحمها كانت ست أصيلة ومربياه كويس، ضاع شقاك ياسالم، ضاع تعبك على ابنك ياسالم، ياخسارة يامرتضى، ياخسارة ياابنى.
ربت حسن على ظهره قائلا:
-اهدى ياحاج متعملش في نفسك كدة.
نظر سالم بعيون تغشاها الدموع ليقول بصوت مهزوز:.

-ابنى وطى راسى في الطين ياحسن، جابلى العار ياابنى، أعمل ايه دلوقتى، اروح فين واجى منين، الله يرحمك ياابا، قلتلى بلاش المدينة، هتضيع جواها ياولدى بس انا كابرت وآخرتها ابنى اللى ضاع ياحاج حمدان، ابنى اللى ضاع.
قال حسن بشفقة:.

-العيب مش في المدينة ياحاج سالم، كل مكان فيه الوحش وفيه الحلو، ومرتضى كان كويس بس بقاله فترة مش مظبوط وشفته كذا مرة قاعد مع واحد مش تمام في القهوة اللى على الناصية، أنور، ما انت عارفه، ولما حذرته طلع فية وقالى ملكش دعوة، ومن ساعتها وانا في حالى وهو في حاله، العيب ياحاج في صحاب السوء.
نظر إليه سالم قائلا في يأس:
-طب والعمل ياحسن ياابنى، هعمل ايه دلوقتى، هسلمه للبوليس بايدية، قلبى مش هيطاوعنى.

قال حسن وهو ينظر مباشرة إلى عينيه قائلا:
-ترجعه البلد ياحاج.
قال الشيخ سالم بإستنكار:
-البلد لأ ياولدى، اللى عمله كبير ورده عندنا الدم ياحسن.
قال حسن بهدوء:
-متقولش هناك هو عمل ايه، قولهم بس ان حاله مش عاجبك ومحتاجهم يقوموه ويعدلوه، خليه يخالط الرجالة اللى بجد، وجوزه ياحاج، اللى زي مرتضى، اللى أصله طيب وتربيته صح بس اتعوج، لو اتجوز واحدة كويسة وصاحب ناس كويسة هيرجع لأصله ياحاج.
قال الشيخ سالم بلهفة:.

-تفتكر ياحسن؟تفتكر مرتضى هيرجع ابنى اللى ربيته بتاع زمان؟
قال حسن:
-أنا متأكد ياحاج،
ليتنهد مستطردا:
-هسيبك دلوقتى وأروح اشوف الغلبانة اللى هناك، أهى هي دى اللى يتخاف عليها بجد بعد اللى شافته على ايد ابنك النهاردة.
قال سالم بعيون دامعة:
-سامحنى ياابنى وخليها تسامحنى وانا هاخد ابنى وارجع البلد النهاردة قبل بكرة ومبقتوش تشوفوا وشنا أبدا.

ربت حسن على يد سالم وهو يومئ برأسه دون ان ينطق، مغادرا تتبعه عيون الشيخ سالم الذي قال:
-ابن حلال ياحسن، كلكم ولاد أصول وامكم عرفت تربيكم ياولاد محمود.
ثم ظل يردد مستطردا:
-لا حول ولا قوة الا بالله، لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين، انى كنت من الظالمين.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة