قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الخامس

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الخامس

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الخامس

قالت هاجر:
-تفتكرى لو رجعتى القاهرة هترتاحى ياسمر؟معتقدش، إنتى ناسية حالتك النفسية كانت عاملة إزاي هناك؟
زاغت عيون سمر، لتزفر هاجر مستطردة:
-بصى، أنا مش معاكى في قرار رجوعنا القاهرة بالسرعة دى، خلينا هنا شوية ونشوف، لو مرتاحتيش هنرجع، بس مش هنستسلم بسهولة كدة، وبعدين إيه اللى مخوفك بالشكل ده، كل الموضوع شوية رسايل من معجب مجهول؟
زفرت سمر بقوة قائلة:.

-ده مش أي معجب، ده حد عارفنى كويس وعارف لون شعرى كمان.
قالت هاجر:.

-مش شرط يكون بيعرفك، لون شعرك ممكن يكون شافه وإنتى داخلة المستشفى أو خارجة من العمليات وخصوصا ان الرسايل ابتدت تجيلك بعد دخولك المستشفى، وممكن يكون عرف لون شعرك من لون حواجبك مثلا أو رموشك، يعنى جايز يكون تخمين كويس وبس، الإحتمالات كتيرة على فكرة، وإفرضى ياستى إنه يعرفك، تفتكرى لو رجعتى القاهرة هيحل عنك ويسيبك في حالك، مفتكرش، هيفضل وراكى من مكان لمكان.
جلست سمر تقول بقلة حيلة:.

-طب وإيه العمل دلوقتى؟
لمعت عيون هاجر وهي تقول:
-إيه رأيك نستشير أستاذ مجد، اللى عرفته من أخويا إنه محامى وممكن في الموضوع ده يفيدنا، ويقولنا نقدر نعمل إيه؟
ظهر التردد على وجه سمر وهي تقول:
-مفيش حل تانى؟
عقدت هاجر حاجبيها قائلة:
-وماله الحل ده بس؟
هزت سمر كتفيها قائلة:
-مش عارفة، مش حابة نحكى لحد غريب حكايتى، وخصوصا اللى إسمه مجد ده.
إزداد إنعقاد حاجبي هاجر قائلة:.

-غريبة، ماله الأستاذ مجد؟ ده حتى إنسان محترم ومشفناش منه حاجة وحشة.
فكرت سمر...
نعم هو يبدوا إنسانا ملتزما، وقورا، وذو أخلاق، ولكن نظراته إليها تربكها، تشعرها بمشاعر غريبة، بل متناقضة للغاية، أفاقت من أفكارها على صوت هاجر التي قالت بقلق:
-سمر، ماله الأستاذ مجد؟قلقانة منه ليه؟
قالت سمر بإضطراب:
-مش قلقانة ياهاجر، أنا بس مش مرتاحة، يعنى هو، أنا...
لتتنهد مستطردة بيأس:
-بصى، اللى تشوفيه صح ياهاجر إعمليه.

ظهر الإرتياح على ملامح هاجر، قبل أن تبتسم قائلة:
-تمام، هكلمه حالا.
ثم أمسكت هاتفها تتصل بالرقم الخاص بأمجد وعيون سمر تتابعها، بقلق.

طرق مجد باب الشقة ثم تنحى جانبا، لتفتح له هاجر على الفور، قال بهدوء:
-خير ياآنسة هاجر، فيه حاجة؟
قالت هاجر بسرعة:
-إتفضل أدخل ياأستاذ مجد.

عقد مجد حاجبيه يتساءل عن سر توتر صوت هاجر ليدلف إلى الشقة وتقع عيناه على سمر التي مدت يدها بحركتها المعتادة تتأكد من أن حجابها يحجب شعرها بالكامل عنه، فلا تتسلل منه خصلاتها، كاد أن يبتسم على فعلتها تلك، ولكن ملامحها المتوترة حجبت تلك الإبتسامة وهو ينقل بصره بينها وبين هاجر قائلا بتوتر إنتقل إليه على الفور:
-خير ياجماعة، فيه إيه؟
أطرقت سمر برأسها أرضا بينما قالت هاجر:.

-الحقيقة ياأستاذ مجد، إنت عارف إن إحنا جينا إسكندرية عشان جامعتى ودراستى، وعشان سمر تبعد عن جو القاهرة وتلاقى مكان هادى تريح فيه أعصابها.
أومأ مجد برأسه وهو يلقى نظرة على سمر التي رفعت عيونها إليه في تلك اللحظة وإلتقت بعينيه، ليتوقف الزمن.

شعرت سمر بأنها أسيرة تلك العينان الخضراوتان، اللتان رقت نظراتهما الآن لتسحبان أنفاسها كلية، حاولت الإشاحة بناظريها عنهما فلم تستطع، تجذبها إليه قوة أكبر منها ومن خوفها الفطري من الجنس الآخر، فكان هو أول من قطع تواصلهما البصري هذا رغما عنه وهو يلتفت لهاجر التي قالت:.

-كان فيه رسايل بتوصل لسمر في المستشفى لما كانت بتتعالج، رسايل فيها يعنى، كلام عن مشاعر وأحاسيس ليها من واحد مجهول، ودايما كان بيمضى بالحروف( ز ا م)، الحقيقة ده كان من أكتر الحاجات اللى ضايقت سمر وخليتها ترضى تسافر معايا، كنا فاكرين إن كدة خلاص، المعجب المجهول هينساها ويبطل يبعت رسايل وهنخلص من الموضوع ده، لكن للأسف مبطلش.
لترفع يدها بورقة مطوية تقول بهدوء:.

-لسة باعت رسالة حالا، والرسالة دى قلقت سمر أوى وكانت هتخليها ترجع القاهرة لإن فيها معلومات شخصية جدا عنها.
عقد مجد حاجبيه وهو يقول:
-ممكن أشوف الرسالة دى؟
قالت سمر بسرعة:
-لأ مش ممكن.
نظر إليها يدرك أنها لأول مرة تخرج عن صمتها منذ دلوفه الشقة، بل لأول مرة على الإطلاق تتوجه إليه بكلماتها، لتستطرد هي قائلة بتلعثم:
-قالتلك يعنى، إن فيها حاجات شخصية عني، يعنى مش هينفع تقراها.
تفهم مجد الأمر ولكنه قال:.

-طب إزاي هفهم الموضوع لو مقريتش الرسالة؟
قالت سمر بعصبية:
-مش مهم تفهم، أقولك، خليك برة الموضوع ده أحسن لو سمحت.
عقد مجد حاجبيه بينما قالت هاجر برجاء:
-إهدى بس ياسمر، أستاذ مجد مغلطش في حاجة، هو...
قاطعها مجد قائلا بهدوء:
-لأ، هي معاها حق، الظاهر إنه موضوع شخصى وأنا فعلا مينفعش أتدخل.
ثم نظر إلى سمر قائلا:
-أنا آسف يا آنسة سمر، أنا كان كل قصدى إنى أفهم الموضوع كويس عشان أقدر أعرف هنتصرف إزاي.

قالت بحنق موجه لنفسها لتسرعها بالرد عليه بحدة، وما قصد حقا سوى مساعدتها:
-مدام.
عقد حاجبيه قائلا:
-أفندم؟
نظرت مباشرة إلى عينيه قائلة:
-أنا مدام مش آنسة.
ليدق قلبه، بقوة.

بعض مرور بعض الوقت...
قال مجد بهدوء:
-أنا كدة فهمت الموضوع، والسؤال هنا هو عن إحساسك يامدام سمر عن الشخص ده، تفتكرى ده حد يعرفك؟
قالت سمر بتوتر:
-مش عارفة، بيتهيألى أيوة.
نظر مجد إليها مباشرة وهو يقول:.

-مش بيتهيألك، المعجب المجهول ده أكيد يعرفك والدليل على كدة إنك قلتى إنه ذكر لون شعرك في رسالته الأخيرة، وإنه بيمضى بالحروف التلاتة كل مرة، وده مالوش غير معنى واحد، إنه يعرفك وإن الرموز دى مميزة بينكم، ممكن تبقى حروف إسمه أو امضته اللى إنتى عارفاه بيها، بس أكيد مش فاكراها دلوقتى، لكن لو دورتى جوة ذاكرتك كويس، أكيد هتفتكريها، وهتفتكرى مدلولها والشخص اللى وراها كمان.
أغروقت عيناها بالدموع قائلة:.

-تفتكر محاولتش؟!تفتكر مفكرتش ألف مرة في الرسايل وصاحبها؟ وإيه ممكن يكون معنى التلات حروف دول، فكرت، وللأسف موصلتش لحاجة أبدا غير شعور بالخوف بيوقف قلبى كل ما بشوف رسالة منه بتوصلى.
أحس مجد بضلوعه تنتفض لوعة عليها بسبب هذا الألم الذي ظهر بوجهها وبصوتها وإرتعاشة يديها ليقول على الفور:
-طب إهدى يامدام سمر، إهدى وكل شئ ليه حل.
مدت يدها برقة تمسح دموعها التي سالت على خدودها رغما عنها، قائلة بمرارة:.

-وإيه بس الحل؟
قال مجد بحزم:
-هنحط كاميرا قصاد الشقة، وساعتها لو حد وصل رسالة تانية، أكيد هنعرفه ونوصله.
قالت هاجر بسعادة:
-فكرة هايلة ياأستاذ مجد، إزاي بس مخطرتش على بالى.
إكتفى مجد بإبتسامة باهتة، لينهض قائلا:
-أنا هتصل بعادل، ده واحد صاحبى، هييجى ويركب الكاميرا علطول،
لينظر إلى سمر قائلا بثبات:
-أنا مش عايزك تخافى أبدا، ولا تقلقى، قريب اوى هنعرف مين اللى بيبعت الرسايل دى يامدام سمر، قريب أوى هترتاحى.

نظرت إليه بعيون ظهر بهما شعور لأول مرة يتسلل إليه، إمتنانا إستقر بعينيها، وإمتزج بسحر خلب لبه ولمس قلبه على الفور لتعود إليه على الفور ذكرى نظرات مشابهة رمقته بها زوزا، زوجته الحبيبة حين أنقذها من هؤلاء الذين كانوا يضايقونها وهي في طريق العودة إلى المنزل من عملها، نعم، رمقته بتلك النظرة تماما والتي سارعت من دقات قلبه ليدرك وقتها أنه عاشق لأول مرة، وها هي سمر ترمقه بنفس النظرة، ليدق قلبه بقوة، معلنا، إنك تقع في الحب، مجددا.

كانت تجلس في حجرتها على سريرها، تدير محبسها حول بنصرها، تفكر في كلمات أختها عن هادى وما فعله من أجلها، تتساءل حقا عن السبب، هل يشعر بالذنب لأنه هو السبب فيما حدث؟أم هل حقا يهتم لأمرها ويخشى عليها من أن تتأذى؟على الأرجح الإحتمال الأخير هو الأصح.

فهو يبدو مهتما بها بالفعل، وقد لاحظت إهتمامه منذ فترة ولكنها تجاهلت الأمر كلية، كما كانت تفعل طوال عمرها، يكفيها ما رأته من والدها لتثق كلية في أن الرجال كاذبون، مخادعون، لا أمان لهم، ربما هناك البعض منهم صادقون، لا، لا، ليس هناك من هو صادق منهم، فقط أخاها مجد هو من يختلف عن باقى الرجال، أما الجميع فهم على شاكلة أبيها.

خلعت محبسها من يدها بغضب وكادت أن تلقيه أرضا ولكنها تذكرت أهميته لدى هادى، فهو ذكرى من والدته لتوقفها تلك الفكرة فقط، مدت يدها إلى الكومود بجوارها تفتح درجه العلوي وتضعه بداخله، ليرن الهاتف الخاص بها، تناولته وهي تنظر إلى شاشته، لتعقد حاجبيها حين رأت رقم غريب، ردت عليه قائلة بحذر:
-ألو.
جاءها صوت رجل ليس بغريب عليها، رجل أضحى اليوم فقط خطيبها، وهو يقول بإضطراب بدا واضحا في صوته:
-سمر.

إعتدلت عاقدة حاجبيها قائلة في حيرة:
-هادى،
أسعده أنها تعرفت عليه على الفور وأطربت أذنيه نبراتها وهي تنطق بحروف إسمه، ولكن بهتت سعادته مع إستطرادها بلهجة باردة:
-خير يادكتور هادى، فيه حاجة؟ ممكن أعرف بتكلمنى في الوقت ده ليه؟وجبت رقمى منين؟
إرتبكت نبراته وهو يقول:
-أنا جبت رقمك من مجد، كلمته وحكيتله اللى حصل، كان لازم يكون موافق على التصرف اللى قمت بيه، حتى لو كانت مكالمتى ليه متأخرة شوية.

أغمضت سمر عيناها وهي تضرب على رأسها بخفة، كيف غاب عن بالها أخاها مجد وإخباره بما حدث، وهي تدرك أنه يحادث دكتور هادى يوميا، لم تستطع إنكار إعجابها بتصرف الطبيب هادى ومصارحة أخاها بكل شئ بل والحصول على مباركته أيضا، ولكن، هل وافق أخاها بالفعل على تصرف هادى؟أم ثار جنونه، ليجيب هادى تساؤلاتها قائلا:
-والحقيقة هو قدر الموقف، وكلمك عشان يطمن عليكى بس إنتى مردتيش.

أدركت سمر أنه ربما حادثها وهي تجلس مع سماح بالردهة فلم تسمع رنين هاتفها الذي تركته داخل حقيبتها والتي ألقت بها بعيدا عند دلوفها إلى الشقة، وبحثت عنها بعد صعود سماح إلى شقتها، أفاقت من أفكارها على صوت هادى القلق وهو يقول:
-سمر، إنتى معايا؟
قالت سمر بهدوء:
-معاك يادكتور.
ذكرته مجددا بأنه هادى الطبيب وليس هذا الرجل الذي يضع محبسه في يدها، وكأنها توضح له بالضبط مكانته لديها، لذا، فقد تنحنح قائلا:.

-إحمم، أنا آسف فعلا إنى كلمتك في وقت متأخر زي ده، بس معرفتش أنام قبل ما أطمن عليكى.
ليصمت للحظة قبل أن يستطرد قائلا بنبرة حانية:
-إنتى كويسة دلوقتى، يعنى قدرتى تتقبلى الوضع؟
عقدت سمر حاجبيها، لقد هاتفها ليطمأن على حالها، يدرك صعوبة الوضع عليها، ترى هل سبر أغوارها بتلك السهولة؟هل صار يشعر بها؟دق قلبها بقوة وشعرت به يلين، لتنفض مشاعرها جانبا وهي تقول بحدة رافضة هذا الضعف الذي تسلل إلى كيانها:.

-إنت شايف إن ده وضع ممكن أتقبله؟شايف إن الناس لما تجيب سيرتى بالباطل حاجة ممكن تعدى علية بسهولة كدة؟أو إنى أكون في وضع غصب عني ومش بإرادتى، أضطر فيه أكون مخطوبة ليك أدام الناس وده مش حقيقى حاجة عادية ممكن أرضى بيها؟للأسف يادكتور، لأ، لا أنا كويسة ولا قادرة أتقبل الوضع.

رغم كلامها الجارح إلا أنه أدرك المرارة بداخل صوتها، يرجع ثورتها إلى إضطرارها للقبول بإقتران إسمها برجل، أي رجل، وليس بشخصه هو، فمن خلال محادثته اليوم مع مجد، أدرك ماضيها الذي جعله يدرك سر تصرفاتها شبه العدوانية تجاه الرجال بصفة عامة، فقد نشأت تظن أن كل الرجال يماثلون أباها غدرا ويشبهونه طبعا وعليه فقط أن يثبت لها عكس ذلك ولكن برفق، بهدوء، و بحب.
ليقول بثبات:.

-أنا طبعا عارف إن الوضع صعب بالنسبة لك ومقدر حساسيته، بس غصب عننا لازم نتقبله عشان نقدر نعدى اليومين الجايين دول من غير ما حد يشك فينا، بالعكس لازم نظهر كاتنين بجد مقبلين على الجواز،
ليأخذ نفسا عميقا قبل أن يقول مستطردا:
-سمر، أنا مش ضدك، ولا في جبهة معادية ليكى، بالعكس أنا في صفك ومعاكى، وصدقينى عمرى ما هسمح بحاجة تانى تمسك أو تإذيكى.

أغمضت عيناها يدرك قلبها الصدق في صوته وكلماته ولكن عقلها يأبى تصديقه، يتمسك بكل قوة بحواجزه ودفاعاته، لتفتح عينيها على صوته الذي ردد بهمس:
-سمر.
قالت بصوت ظهرت به حيرتها، تحاول أن تسيطر على حواسها التي إنتفضت لدى سماعه نبراته الهامسة بإسمها:
-معاك يادكتور.
ظهرت إبتسامة في صوته رغما عنه وهو يقول:
-هاجى آخدك بكرة من البيت.
عقدت حاجبيها قائلة بسرعة:
-لأ، أنا...
قاطعها قائلا بحزم:.

-قلتلك لازم نبان أدام الكل زي إتنين طبيعيين هيتجوزوا، حاولى تتقبلى ده ياسمر، من فضلك.
صمتت، ليستطرد قائلا:
-إتفقنا؟
قالت موافقة رغما عنها:
-إتفقنا.
إبتسم قائلا:
-تمام، هسيبك دلوقتى ترتاحى، تصبحى على خير.
رغما عنها وجدت نفسها تقول برقة:
-تلاقى الخير.
لتتسع عيناها بصدمة تنظر إلى الهاتف قبل أن تغلقه بقوة وتضرب به رأسها بخفة قائلة:
-غبية، غبية، غبية.

ثم لم تلبث أن تركت الهاتف من يدها تأخذ نفسا عميقا، وهي تشعر أن تحيتها بدت عادية ولم يظهر بها ضعفها الذي شعرت به في كل كيانها، تنهدت ثم نظرت إلى الكومود لتفتح درجه العلوي، تأخذ منه محبسها، رفعته أمام عينيها تتأمله، لتنظر إلى تلك الكلمات الإنجليزية بداخله، تراها لأول مرة، تقرأها بهدوء وتترجمها (، Together For Ever H)، (معا إلى الأبد، ه).

يالها من ثلاث كلمات دق لهم قلبها بقوة، تتأمل حرف الهاء، وهي تتساءل في حيرة، هل هذا إختصارا لإسمه، ترى هل يقصدها بتلك الكلمات؟لتضرب رأسها بخفة قائلة في نفسها، أن المحبس يخص والدته وأن حرف الهاء لابد وأنه يرمز لإسم أباه، هشام، تبا، إن أفكارها اليوم مرتبكة، وغريبة عليها، وربما ستودى بها إلى الجنون، لذا فقد أعادت المحبس إلى الدرج، وأغلقته، ثم إضجعت على جانبها الأيمن، تغمض عيناها بقوة وتحاول بكل كيانها أن تستسلم للنوم، نوم تعلم أنه لن يراود أجفانها تلك الليلة، نهائيا.

دلف حسام بخطوات حذرة إلى حجرة نومه، لتعتدل سماح في سريرها تنير الأباجورة المجاورة لسريرها، قائلة بهدوء:
-حمد الله على السلامة ياحسام.
قال حسام بإرتباك:
-الله يسلمك ياحبيبتى، إنتى لسة صاحية لغاية دلوقتى ليه؟
نظرت سماح إلى الساعة التي تشير إلى الثانية عشرة، ثم نظرت إليه قائلة:
-مستنياك ياحسام.
حاول أن يرسم على شفتيه إبتسامة وهو يقترب منها ويجلس بجوارها يقرص وجنتها برقة قائلا:.

-وأميرتى الحلوة مستنيانى ليه؟
نظرت إلى إبتسامته ولمسته وكلامه المعسول لتدرك بصدمة أنها لم تعد تتأثر بهم، فمازالت غاضبة منه ومازال يثير حنقها، لتنهض وهي تقول بعصبية:.

-حسام، مبقاش ينفع كدة، أنا بجد زهقت، إنت علطول مشغول، مشغول في الشغل، مشغول حتى في البيت، مبنخرجش مع بعض ولا بقينا حتى بنتكلم مع بعض، و لو صدف وقعدت في البيت، يابتقعد أدام الماتش ياماسك التليفون، وجودك في حياة إبنك تقريبا بقى معدوم، إذا كان وجودك في حياتى نفسها بقى معدوم،
لتلوح بيدها مستطردة:.

-أنا إتخنقت، بجد إتخنقت، عايزة حسام بتاع زمان، حسام اللى كانت سماح بالنسبة له أول إهتماماته، نفسى أعرف إيه بس اللى غيرك، إيه اللى آخدك منى؟
نهض حسام بدوره مقتربا منها وهو يقف أمامها تماما يمسكها من كتفيها بيديه قائلا:
-ياحبيبتى، أنا زي ما أنا متغيرتش، لسة بحبك ولسة أهم حد عندى هو إنتى، أنا لو بعدت شوية فده عشان بس الشغل لسة جديد وآخد كل وقتى.
لم تقتنع بكلماته وهي تنظر إليه بعتاب، ليقول بإصرار:.

-صدقينى أنا زي ما أنا، هي بس أمور الشغل وإلتزاماته اللى أخدونى حبة منك لكن أنا أهو، قريب منك، ومعاكى ياموحتى.
أحست بقلبها يلين لكلماته مجددا، خاصة ويداه تتسللان إلى خصرها يضمها إليه ويقربها منه أكثر، يقول أمام شفتيها:
-وحشتينى ياحبيبتى، بجد وحشتينى أوى.
قالت بصوت تهدجت نبراته تأثرا من قربه، ولكن ظلت نبراتها تمتزج بالعتاب:
-لو وحشتك بجد مك...

إبتلع كلماتها بين شفتيه يجتاح شفتيها بقبلاته، لتصمت تماما وهي تستسلم لمشاعرها التي إشتاقت لقربه طويلا حتى كادت أن تيأس كلية، ظنا منها أنه ما عاد مهتما بها كأنثى، وأنه ربما قد مل منها، ولكنه يثبت لها الآن وبكل مشاعره أنها مازالت، أنثاه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة