قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الثامن والعشرون

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الثامن والعشرون

رواية ضلع مكسور سينجبر للكاتبة شاهندة الفصل الثامن والعشرون

نظرت نور إلى ذلك الورق بين يديها بعيون تلمع، أخيرا صار حلمها بين يديها، أخيرا نالت ماسعت إليه دوما،
المال، نعم، هذا الذي رغبته طوال حياتها ولم تنله سوى الآن، رفعت عيونها إلى المرآة تطالع وجهها بقلب منتشى من السعادة تبتسم لنفسها بإنتصار قائلة:.

-وأخيرا، أخيرا حققتى اللى بتحلمى بيه طول عمرك يانور، دلوقتى مش هيبصولك على انك نور بنت توحيدة اللى بتقعد بشوية خضار على أول السوق، نور اللى أمها هربت من أبوها ووصمتها بالعار، وزي ما غيرتى اسمك في البطاقة وبقيتى واحدة جديدة باسم جديد فمن النهاردة برده هتكونى بالنسبة للكل واحدة تانية غير اللى عرفوها واتعاملوا معاها قبل كدة، من النهاردة، هيبصولك على إنك نور هانم، نور هانم وبس.

اتسعت ابتسامتها لتتحول إلى ضحكة عالية، قبل أن تعدل هندامها تلقى نظرة على نفسها بخيلاء ثم تغادر الحجرة، بخطوات رشيقة، واثقة.

كانت سماح تتأمل الطبيعة الرائعة أمامها، أخذت نفسا عميقا ملأت به رئتيها قبل أن تطلقه بروية، لتنتفض على صوت جاء من خلفها يقول بهدوء:
-عجبك المكان مش كدة؟
نظرت إلى رائف الذي وقف إلى جوارها ناظرا إليها بإبتسامة، فأومأت برأسها بهدوء ثم نظرت أمامها قائلة:.

-المكان جميل وهادى، بيحسسك براحة نفسية عجيبة، زي ما اكون في ريف مصر تمام، كان نفسى أعيش في مكان زي ده، طبعا مش قصر في وسط الخضرة، لأ بيت صغير وحواليه جنينة، كل لما أبص حوالية مشفش غير سما صافية جميلة وزرع أخضر والورود، لازم يكون فيه ورود بكل الألوان بس...
صمتت فقال يستحثها على الكلام:
-بس ايه؟
قالت بابتسامة مريرة:.

-بس للأسف مش هقدر أحقق الحلم ده، هضمه لأحلام كتير حلمتها وفي الآخر دفنتها في حتة بعيدة عشان متفضلش أدامى تخلى في قلبى غصة، مرارة تبوظ طعم حياتى، لانى عارفة انها مستحيل تتحقق.
نظر إلى ملامحها التي شابها بعض الالم، ليشعر بتلك الغصة في قلبه، نظر إلى الأمام بدوره صامتا ولكن في عقله وقلبه تردد وعده لها مرارا وتكرارا سأحقق أحلامك واحدا تلو الآخر، فقط انتظرى وسوف ترين.
أفاق على صوتها المتردد وهي تقول:.

-عملت إيه مع، مع (بيرنيتا )بنت مستر أدريان، شرحتلها فروع الاقتصاد الكلى والجزئي وقانون العرض والطلب؟الحمد لله انها طلعت بتتكلم انجليش عشان تعرف تفهمها كويس.
عقد رائف حاجبيه بحيرة، يشتم بعض الغيرة في نبراتها أو هكذا يأمل، ليقول بهدوء:.

-آه، الحمد لله، الحقيقة هي تلميذة شاطرة وبتستوعب كويس، ده غير جمالها طبعا وثقتها بنفسها، عندى إحساس كبير إنها في أقرب وقت هتكون رئيسة شركة والدها بداله لانه قرب يتقاعد زي ما قال.
ظهرت ملامح حانقة على وجهها وهي تقول:
-آه طبعا، مناسبة جدا للرئاسة وأكيد التعامل معاها هيكون أسهل بالنسبة لك وغالبا ساعتها مش هتحتاج لمترجمة.

شعت فرحة طاغية في قلب رائف، إنها تغار عليه، تصله ذبذبات الحنق بقوة، ليبتسم وهو يميل برأسه يقترب من وجهها ناظرا إلى عينيها قائلا بهدوء وعيون تلمع بمشاعره:
-أنا عمرى ما أستغنى عنك ياسماح.
شعرت بخفاتها تضطرب بقوة، لتقول بإرتباك:
-ها، آه، احمم، طيب مش هنمشى بقى عشان نلحق نحجز في طيارة بالليل؟
ابتسم وهو يستقيم مشيرا لها بيده قائلا:
-أكيد، يلا بينا.

تقدمته بخطوات مرتبكة بينما ابتسم هو وهو يتبعها بعيون محب وقلب تهتز دقاته، فرحا.

-المدام حامل يامجد.
ظلت تلك الجملة تتردد في أذنيه وهو في طريقه للعودة إلى المنزل في سيارته تقبع إلى جواره زوزا، تردد دون صوت الحمد لله..

بينما هو في عالم آخر حيث تقبع أمنياته، بل هي أمنية واحدة لم يتمنى غيرها، طفل يجمعه بها، يحمل اسمه نعم ولكنه سيحمل ملامحها وصفاتها هي بالتأكيد، حلم كاد أن يتحقق ذات يوم، ولكنه ضاع وضاعت معه سعادة كادت أن تغمره، اليوم يعود حلمه للحياة من جديد، ولكنه يقسم في تلك المرة أن يبذل قصارى جهده كي يتحقق، يقسم أن ينال حلمه مهما حدث، إلتفت ينظر إليها فوجدها تطالعه بقلق، هي بدورها تخشى ضياع الحلم، توقف بالسيارة على جنب، ورفع يدها يقبل أناملها بحنان قبل أن يبتسم قائلا:.

-محمد.
نظرت إليه في حيرة فاستطرد قائلا:
-لو ولد هنسميه محمد، على اسم سيدنا النبى عليه الصلاة والسلام.
قالت بإبتسامة:
-عليه الصلاة والسلام.
قال:
-ولو بنت هنسميها سحر.
إتسعت عيناها في دهشة ليقول بحنان:
-كانت توأمك، حتة منك وعارف أد إيه وحشاكى، كدة هتكون دايما أدامك وهتعيشى معاها اللى معرفتيش تعيشيه مع سحر الله يرحمها.
اغروقت عيناها بالدموع وقالت بصوت متهدج:
-انت إزاي حاسس بية كدة؟

مال ينظر إلى عينيها وهو يمسك يدها يضعها على خافقه قائلا:
-لإنك هنا، كل نبضة حاسة بيكى، كل دقة عارفة جواكى إيه يازوزا.
نظرت إليه بحب قائلة:
-على فكرة قلبى مبقاش حمل كلامك الحلو ده يامجد والظاهر انى هيوحشنى مجد القديم على الأقل كنت معاه رجلية على الأرض، إنما دلوقتى طايرة في السما ورجلية مش طايلة الأرض، خايفة في يوم أقع على جدور رقبتى.
قال بمزاح:.

-جدور رقبتك؟والله الستات دول هيجننونا، نطنشهم مش عاجبهم، نحب فيهم مش عاجبهم، عايزين بهلوان عشان يراضيهم.
ابتسمت من وسط دموعها قائلة:
-لا ياشيخ، ماشى ياعم البهلوان، سوق بينا يااسطى وروحنا البيت، أنا وابنك جعنا، والأكل فاته برد.
أدار السيارة قائلا بمزاح:.

-من محامى لبهلوان وأسطى، ماشى يابرنسيسة، سيبك بقى من الأكل اللى في البيت، مع انى بموت في أكلك بس هنتعشى بيه واهو كدة كدة هنسخنه، وتعالى بقى هأكلك أكلة سمك إنما إيه تجنن في مطعم قريب من هنا، كنت باكل فيه أيام ما كنت محروم من أكل ايديكى، ربنا ما يعيدها أيام.

إبتسمت (زوزا)في سعادة وهو ينطلق بسيارته، فمنذ عادت إليها ذاكرتها ومجد يغدق عليها بكلمات الحب والثناء، حقا لقد تبدل حادثها وفقدان ذاكرتها من نقمة إلى نعمة، فلقد جعلت من (مجد) هذا الرجل الذي عشقته دوما، هذا الرجل الذي استطاع في أيام معدودة أن يجبر كسرها وكأنه لم يكن، يوما.

كان حسام يمشى في طرقات شركته بخطوات سريعة غاضبة، يتوعد لسماح التي سافرت مع هذا الرائف وحدها إلى ألمانيا، فقط سينتظر عودتها ثم يفاجئها بقضية الحضانة التي سيرفعها ضدها، لقد هاتف مجد وأخبره أنه لن يتركها وشأنها أبدا وأخبره أنه لن يرحمها ان لم تترك العمل لدى هذا الرجل، وبعث لها رسالة على هاتفها بذات الوعيد أيضا، ومع ذلك لم يشعر بأنه شفي غليله أو أطفأ نيران قلبه المستعرة بعد.

لم يلاحظ نظرات العاملون بالشركة له ما بين مشفق ومتشفى، حتى سكرتيرته التي وقفت على الفور لدى رؤيته ترغب في أن تطلعه على تلك المصيبة التي تنتظره، ولكنه تجاهلها مسرعا إلى الداخل ليتوقف متجمدا حين رآها تجلس خلف المكتب تمسك قلمه وتخط بعض الكلمات على تلك الأوراق أمامها، قال لها في غضب:
-قاعدة على المكتب بتاعى ليه يانور؟قومى وخلصينى، أنا عفاريت الدنيا بتتنطط في وشى النهاردة.

تراجعت تستند إلى ظهر الكرسي قائلة بإبتسامة ساخرة:
-لم عفاريتك اللى أكيد الهانم طليقتك السبب فيهم وأخرج برة ياحسام، المكتب ده مبقاش مكتبك خلاص.
عقد حاجبيه قائلا بحدة:
-انتى اتجننتى؟قصدك ايه من الكلام الفارغ اللى بتقوليه ده؟
إتسعت إبتسامتها وهي تنهض قائلة:
-قصدى ان المكتب والشركة وكل حاجة بقت بتاعتى.
قال بغضب:
-نعم يااختى، لأ، انتى فعلا اتجننتى؟
قالت بحدة:
-احترم نفسك واعرف دلوقتى انت بتكلم مين.

اقترب منها لتضغط على زر الأمن خفية وهو يقول بغضب:
-هكون بكلم مين؟
لم تبال بغضبه وهي تمنحه ورقة قائلة:
-بتكلم مديرة الشركة وصاحبتها، انت نسيت انك بعتلى شركتك؟إمضتك دى ولا لأ؟
جرت عيونه على أسطر هذا العقد بصدمة قبل أن يعقد حاجبيه بغضب وهو ينظر إليها نظرة قاتلة قائلا:
-عملتيها يانور؟صحيح إنك واطية ورخيصة وبنت...
قاطعته قائلة:
-قلتلك احترم نفسك وحافظ على ألفاظك وإلا...

تركت جملتها معلقة ليقترب منها يمسك ذراعها بقسوة وهو يقول بصوت كالفحيح:
-وإلا إيه يابنت توحيدة؟هتطردينى من شركتى؟ولا هتطلبيلى الأمن؟
ظهر الغضب على وجهها وكادت أن تتكلم لولا إندفاع رجال الأمن إلى الحجرة في تلك اللحظة لتخاطبهم آمرة:
-خدوا الأستاذ ده طلعوه برة الشركة ونبهوا على الكل ميدخلهاش تانى، مفهوم؟

أمسكه رجال الأمن وسط مقاومته وصراخه الغاضب عليها بأنه سوف يقتلها، لتنظر إليه في برود وهم يطالعونه للخارج قبل أن تبتسم بإنتصار.

على متن الطائرة، في رحلة العودة من برلين...
ربت رائف على يدها قائلا:
-لسة متضايقة من رسالته؟
طالعته بعينين حزينتين قبل أن تنظر إلى الأمام مجددا قائلة:
-لأ، مبقاش كلامه يضايقنى خلاص، مبقاش يأثر فية زي زمان، أنا مش زعلانة، بس خايفة.
عقد حاجبيه في حيرة قائلا:
-خايفة؟!
نظرت إليه مجددا:
-خايفة ياخد ابنى منى، خايفة يحرمنى منه، أنا مليش في الدنيا غيره، وحسام مش سهل وقادر يعملها.
ضم يده على يدها قائلا بحزم:.

-طول ما انا جنبك متخافيش، ولا هيقدر يعملك حاجة، صدقينى.
نظرت إلى عينيه للحظات تشعر بالتخبط والصراع بين أن تستسلم لخوفها أو تتبع قلبها الذي يخبرها بدوره أن ترضخ لهذا الأمان الذي يحيطها بوجوده، يشبه هذا الأمان الذي تشعر به فقط في جوار أخيها (مجد)، أو ربما يختلف قليلا، قليلا فقط، لتخضع لقلبها في النهاية تدرك أنه بات ناضجا كفاية ليدرك أين تكمن سعادتها.

وجدت هاتفها يرن برقم أخيها، ابتسمت وهي تجيبه على الفور قائلة بمرح:
-ابن حلال، احنا خلاص قربنا من البيت، وحشتونى بشكل فظييع.
قال مجد:
-سماح، أنا مش في البيت، أنا في القاهرة.
نبراته أقلقتها لتعتدل قائلة بتوجس:
-مراد حصله حاجة؟
انتبه رائف على نبراتها القلقة فنظر إليها بسرعة وهي تستمع إلى أخيها يشحب وجهها تدريجيا قبل أن تقول:
-أنا جايالكم حالا، خد بالك من مراد لغاية ما أوصلكم.

أغلقت الهاتف بينما رائف يقول بقلق:
-فيه إيه ياسماح؟مراد جراله حاجة؟
نظرت إليه بعيون زائغة وهي تهز رأسها نفيا قائلة:
-ده حسام، قبضوا عليه في جريمة قتل مراته، نور.
لتتسع عيون رائف، في صدمة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة